ذات العطر (قصة قصيرة)

ذات العطر

قصة قصيرة بقلم هبة عبد العظيم نور

*******************************

اليوم هو زفاف صديقتي الحميمة, فكرت في هدية تروقها بهذه المناسبة السعيدة ,فلم أجد أفضل من قنينة عطر, لذا كان يجب عليّ أن أتجه بسيارتي إلى محل العطور قبل الذهاب إلى مراسم الحفل ..ها هو المحل الذي ارتاده دائماً لجلب العطور..أوقفت سيارتي وترجلت عنها ودلفت إلى المحل ..استقبلتني البائعة بابتسامتها المعتادة ,وطلبت منها أن تعرض عليّ أفضل ما لديها من عطور للنساء.. 

**************************

ذات العطر

قصة قصيرة بقلم هبة عبد العظيم نور

**************************

استدارت وجلبت عدة قنينات من أعلى الأرفف الملئ بأرقى وأفخر العطور, شكرتها وانسجمت بين العطور أرفع أغطيتها واشتمّها منتشية .. وبينما أنا كذلك دلفت سيدة جميلة أنيقة إلى المحل ..حيت البائعة وطلبت منها جلب نوع من العطور لم انتبه لاسمه,قالت وهي تلاطف البائعة, إنما هو لزوجي, فاليوم حصل على ترقية في عمله وأحببت أن أهديه به لأنه عطره المفضل, ضحكت البائعة وهنئتها بهذه المناسبة وتمنت لها الأمنيات الطيبة بدوام السعادة,

**************************

ذات العطر

قصة قصيرة بقلم هبة عبد العظيم نور

**************************

 لم أعر لأمر السيدة اهتماماً رغم أن عبارتها اخترقت مسامعي, ولكن انسجامي بين العطور التي انتشيت بينها كان أقوى من التفاتي ومشاركتهما الحديث. جلبت البائعة قنينة العطر, وما أن رفعت السيدة الغطاء عن القنينة حتى فاح عطر.. ليس كأي عطر.. أرجفني, أرعد أوصالي, ألقاني في غيابة جب ذكرياتي, يا إلهي.. هو, هو ذات العطر المفضل لديه, حملني العطر وألقاني على أعتاب ربيع سنوات مضت.. 

**************************

ذات العطر

قصة قصيرة بقلم هبة عبد العظيم نور

**************************

حين جاء لخطبتي كان يضع ذات العطر.. فج عطره في المنزل حتى أنه نفذ إليّ في غرفتي وأنا أعد نفسي للقائه الأول.. أحببت العطر وصاحبه قبل أن ترمقه عيناي للمرة الأولى, كدت أطير إلى غرفة الجلوس لأرى صاحب هذا العطر الراق الذي أسرني, ولكن كان عليّ البقاء حتى يستدعني أهلي لرؤيته.. وحانت لحظتي الباسمة ودعيت للقاء أروع هدية من القدر ..لم يكن الممر الطويل إلى غرفة الجلوس عائقاً,بل كان كأنه بستان تحمل أزهاره ذات العطر, وقدماي كأرجوحة تحملني إليه..وما أن وصلت إلى غرفة الجلوس حتى حبسني حياء الأنثى عن الدخول حتى ناداني والدي .. أدخلي يا إيمان.. دلفت إلى الغرفة فوجدت رجلاً لا يختلف عن عطره وجاهة أو مقالا, كان رجلاً دمث الخلق حلو الحديث,طيب القلب, وما زاد سروري أنه امتدحني وطلب إتمام الزواج في أسرع وقت,فقد كانت كل الأمور مذللة لنا وكأن الحياة تقدم لنا النعيم على صحاف الذهب, وظل هذا العطر رفيقنا.. ليلة زواجنا كان يضع ذات العطر,لذا فكل ذكريات هذه الليلة ممزوجة به.. في سفرتنا الأولى كان يضع ذات العطر, لذا فكل الأماكن مصبوغة في ذاكرتي بهذا العطر.. عندما تركني وسافر للمرة الأولى ودعني وداع المحبين الحار به وعندما عاد خضبني به من شدة الشوق,ياااه!! يا لها من ذكريات برائحة العطر, ولكنها تظل ذكريات.. أحبني أكثر مما أحببته,لم يمنعني شيئاً أطلبه حتى ولو لم يرقه .. 

**************************

ذات العطر

قصة قصيرة بقلم هبة عبد العظيم نور

**************************

أذكر ذات مرة هاتفني من عمله فعلم أنني مرضت فترك عمله وترك كل شيء وآتاني مهرولاً وانكب عليّ متلهفاً يقبل رأسي ويدي وهرع إلى الأدراج يفتحها كالمجنون يبحث عن أقراص الدواء.. سهر إلى جواري حتى أشرق الصباح ولم يذهب إلى عمله حتى اطمئن أنني استرددت كامل عافيتي.. ولكنني قابلت الجمال بكل قبح ..

**************************

ذات العطر

قصة قصيرة بقلم هبة عبد العظيم نور

**************************

فقد سمحت لصويحبات الفكر الأسود الساعيات لهدم البيوت المطمئنة أن يقتحمن حياتي بتجاربهن المسممة كثعبان أملس قبع في رأسي , فأحال شهد حياتي سماً زعافا قتل الحب وهدأة الخاطر.. كنت أصطنع الخلافات وأتسبب في تعكير الصفو, فيتعامل معي كطفلة مدللة.. أهجره فيأتني محملاً بالهدايا الباهظة الثمن ويسترضيني بحلو الكلمات.. عندما يعود من عمله لا أعره أي اهتمام.. أتعلل بالنعاس كلما طلب مني قضاء أمسية معه.. كثيراً ما كان يريد الحديث إليّ في أمور تشغله, يصيب أسماعي الصمم, لم أهتم لأمر أهمه يوماً.. كان يعود من عمله منهكاً فأضن عليه بابتسامة تخفف عنائه.. كنت أقابل كل صور مودته الزاهية ببرود باهت قاتل... كان ذلك يشعرني بالنشوة وأنني أميرة ذات قصر منيف وهو أسير ذليل كبّله الهوى.. ظللت على هذا الأمر لأربع سنوات هي عمر زواجنا, زواجنا الذي قتلته طفلاً صغيراً لم أشفق على براءته.. كنت أعتقد أن الزواج بستان والزوجة زهرة .. أما الزوج فهو راع البستان الذي يسقي تلك الزهرة ماء الحب الذي ينساب من بين كفيه, لكن.. كيف للبستاني أن يظل في سقاء زهرة جرحت أشواكها يديه! سئم زوجي من معاملتي وطلب مني أن أبدلها إن رغبت في الاستمرار معه..فاعتليت عرش كبريائي ورفضت.. لا أنس نظرة الحسرة في عينيه التي أطالها قبل أن يستدير منصرفاً مخلفاً ذات العطر ورائه.. العطر الذي تلاشى وتلاشيت معه أنا وبت حطام امرأة.. فرغت من تلك الذكريات وعدت خالية الوفاض إلا من آلامي التي هي صنيعة يدي, وجدت نفسي ما زلت في محل العطور والسيدة إلى جواري وقد دق هاتفها,فتبين انه زوجها.. قالت له.لحظة حبيبي سأدفع ثمن العطر وأخرج إليك,دفعت السيدة النقود إلى البائعة وانصرفت, ولكن شيئاً ما حملني على الإسراع خلفها, وقفت خلف الباب الزجاجي للمحل لأرى زوج السيدة والذي يستعمل ذات العطر.

**************************

ذات العطر

قصة قصيرة بقلم هبة عبد العظيم نور

**************************

 يا إلهي, انه هو, هو.. ما إن رأيته حتى سالت دموع الشوق والحسرة على وجنتي, وقف بسيارته وترجل عنها ولقاها بابتسامة وخزت قلبي, فتح لها باب السيارة مقدساً أنوثتها, ورميت أنا في أتون الغيرة أتلظى, انطلق بسيارته وإلى جواره رفيقة جنته المزهرة الحلوة الثمار التي طردني شيطاني اللعين منها, هو ذات الرجل, وهو ذات العطر, ولكنني أنا.. لست تلك المرأة التي تستحق أن تنتشي به!!

**************************

ذات العطر

قصة قصيرة بقلم هبة عبد العظيم نور

**************************