تراتيل العهر(الجزء الأخير)





لا تتسرعي بالرد دونما تفكير عميق في كل ما سمعتِ, فربما يفقدك ردك المتسرع فرصة حياتك..وتذكري أن الحياة تعرض فرصتها مرة واحدة على صحيفة فضية, فإن لم يقتنصها من قدمت له, ولت مدبرة بلا عود مرة أخرى..وقتها يعتصر المرء الندم...ها هي فرصتك والأمر إليكِ...فإما أن تكوني كياناً..أو لا تكوني

كيف يطرق ذهنك مجرد تفكير أنني بائعة ديني بعرض من أعراض الدنيا,أنا..........

(أشار إليها بيده أن كفي... تناول قداحته وأشعل سيجاراً, وضع المبسم في فمه ناظراً بعمق في عينيها..نفث أوار التبغ الكثيف في الهواء..نظر إليها نظرة حنو مغلفة بتأسي مصطنع, وأنشد فيها شعرا ماجناً مداعباً أنوثتها الحبيسة كما تبدى له )

آيا حسناء توارت من وهج الدجى في غيمة سوداء
يا من تسكنين الطين وقصرك في السماء
آيا أيها الغيم الأسود توارى وأرني ثغرها البسماء
خمر وجناتها..بياض جيدها..مفاتنها الملساء
فإن كان الحياء يحجب ذا الجمال فليرجم الحياء

( فرغ من أشعاره المستوحاة من فحش النوايا وصمت ناظراً إلى عينيها ..ارتعد جسد فاطمة..لم تنبس ببنت شفة, هرعت إلى الباب وخرجت مندفعة, بينما أطلق هو الضحكات )

نزلت إلى الشارع لا تدري كيف نزلت..جسدها ما زال يرتعد..أنفاسها متلاحقة..قلبها يدق دقات متسارعة .. تصبب العرق من وجهها صباً حتى اخضل نقابها..استوقفت سيارة أجرة وقفزت داخلها كالفار من النار

************************************
وصلت إلى بيتها ...دلفت إلى غرفتها ...استلقت على فراشها ...شيئاً فشيئاً هدأت دقات قلبها وتمالكت نفسها ..واندلع صراع الخير والخطيئة داخلها

وقح..وقح...شيطان جاء من الجحيم يظن أنني تابعته .....وأشعاري!! أشعاري...هل تستحيل إلى الفاكهة المحرمة التي في أكلها عصيان؟...عصيان! عن أي عصيان أتحدث!! لِمَ أصف هذا الرجل بالشيطان! أكل من يدلنا على الخير شيطان؟

خير! وهل إن اتبعته فأنا على خير وأسلك مسلك خير؟

ولِمَ لا! الدرب معبد أمامي, والحياة حقاً كما قال لا تقدم الفرصة إلا مرة واحدة, وها هي فرصتي, وإن أضعتها فلن ألوم إلا نفسي....ولكن.....ولكن نقابي

ابقى بنقابي إذن وأضيق على نفسي الدنيا بما رحبت..فهل النقاب فرض حقاً مممم أعلم أنني لم أرتديه لأنه فرض, ولكنني ارتديته لأنه فضل..فضل!!! وأي فضل فيه! هل الفضل إن تخلينا عنه تخلينا عن الفضيلة!....الفضيلة داخلنا,هي من تحركنا, هناك منتقبات تنافي أفعالهن الفضيلة...ها! ممم أعلم ذلك وأرتديته وأعلم أن هناك من لا يؤدين حقه,بل وبعضهن يتسترن ورائه بجرائمهن الشنعاء..ها! وما الجديد إذن! أنا أعلم ذلك قبل ارتدائه ولا يجوز لي أن أتذرع به الآن للتخلي عن نقابي....أرى أنني ظالمة نفسي,بل أشق عليها كثيرا..فأنا امرأة صاحبة فضيلة ولا احتاج إلى فضل النقاب.بفضيلتي أستطيع أن أنفذ إلى ما أريد ومن أريد..سأتخلى عن النقاب وأبث أشعاري إلى حاسرات الرؤوس لأنبههم بأهمية الحجاب وفرضيته..فرضيته!..هل الحجاب فرض! يا ويلي! ما الذي دهاني! هل أسقاني هذا الرجل الخمر بكلماته! هل عقد السحر على أفكاري! يا إلهي! من أنا؟..ما مآربي من الحياة! وهل مآربي تخالف مرادك من وجودي ها هنا على أرضك التي صنعت؟ ..ما الذي دهاني! ولِمَ آتسائل عن ماهية وجودي ودواعي حياتي!...أنا إنسانة خلقت لتحيي على الأرض الفضيلة, والفضيلة تكمن في داخلي, فما الداع لوضع حجاب يؤكد هذه الفضيلة! الفضيلة أفعال لا مظاهر..ربما تتحلى عاهرة بفضيلة لا تتحلى بها صاحبة الحجاب المدعية الورع .أجل,أجل..الصواب هو ما ذهبت إليه فربما كاشفة عن مفاتنها متباهية بجمال نهديها تحمل شرفاً لا تحمله منتقبة مدنسة الروح....يا إلهي,ماالذي أقول,أشعر أن شيطاناً عقد لساني ليتحدث بدلاً عني....لا ,لا إنه ليس شيطان..إنه صوت عقلي ..عقلي الذي تدبر وتفكر وأشار عليّ بالصواب ...عصفورة أنا مسكينة حبيسة نقاب أسود خيم سواده على عقلي.. كاد أن يخنق أشعاري لولا أن ظهر من يأخذ بيدي إلى الطريق, أنا على صواب..أجل أنا على صواب..وسأقتنص الفرصة بل سأقبض عليها بأسناني ولن تستطيع فكاكا..فلن أحيا إلا مرة واحدة..لِمَ لا أحياها جميلة متأنقة تنثر درر الأشعار على المسامع فتأسرها !! بدلاً عن بث أشعاري للصماء والصمان أبثها في ليالي السمر تحت ضوء القمر..حين يخلو العاشق بمعشوقه..حين تعزف الأنامل ألحان الحياة المبهجة..حين ترقص راقصة الباليه اللطيفة على أطراف الأصابع هكذا

(خلعت فاطمة عبائتها ونقابها وألقتهما أرضاً وخلعت نعلاها وقذفتهما في الهواء ..أغمضت عينيها وتبسمت  وأخذت ترقص على أطراف أصابعها كراقصة باليه محترفة على أنغام تهمس بها شفتاها لا لالاااااا..لا لالااااا...تلف وتلف في رقصة حالمة حتى أصطدمت بجسد صد خطواتها...إنه زوجها الذي عاد من عمله ودلف إلى غرفته فوقف مشدوهاً يرقب صنيع زوجته..فتحت عينيها فانزعجت وشخص بصرها..قالت بوجه متضجر وصوت فاتر)

أخرجتني من أمسية موسيقية حالمة وألقيت بي في الواقع المزعج, منذ متى وأنت هنا؟

لا أدري في أي جزء من حلمك المزعوم أتيت, ولكن دلفت وأنتِ آخذة في رقصة على أطراف أصابعك..يبدو أن هناك شيء ما أبهجك حد الرقص

أجل, أجل يا زوجي العزيز,اجلس,اجلس لأخبرك ما الذي حدث اليوم وكيف ستتغير حياتي وأتحول من شاعرة مغمورة إلى شاعرة ملء السمع والأبصار

هاها هل فتح لك كنز؟

بلا مزاح,أجل..إنه كنز الأسرار

افصحي

اسمع يا زوجي العزيز..تعلم جيداً أن زوجتك موهوبة ولدواعي الحظ التعس لم تخرج كلماتي إلى نور الحياة..ولكي تخرج وأنال ما صبت إليه نفسي لابد من بعض التنازل

تنازل!! عن أي تنازل تتحدثين؟

لا تنزعج هكذا,فالأمر يسير...سأعطك تشبيهاً يغني عن التفسير..خل أن أحداً ما أهداك هدية فاخرة ووضعها في صحيفة ذهب وغلفها بغلاف حريري فأصبح ما حوته لا يقل روعة عن مظهرها التي بدت عليه..ثم قال لك, لا تفتحها واحتفظ بها هكذا في خزينتك الحديدية, وكفاك أن تعلم أنها ثمينة وأنك تقتنيها..فهل تقبل بذلك؟

الأمر يختلف, هل أهدانيها للأبد أم أنها لأجل محدد وستسترد؟

(بهتت فاطمة وارتعد جسدها..أطرقت رأسها قليلاً ثم أردفت)

لا..إنها ليست هدية أبدية, بل سيستردها صاحبها يوماً

إذاً فعليّ الامتثال لأمره

ولكن الهدية الفاخرة حبيسة خزانة حديدية

الخزانة الحديدية هي الدنيا, وكلنا بها سجناء, وهي ليست دار قرار لنبيع آخرتنا من أجلها

( انتفضت فاطمة من مقعدها وقالت منزعجة)
ما الذي زج بأحاديث الجنة والنار ها هنا! أكل ما تصبو إليه النفس محرم! هل إن وثبت وراء حلمي البريء أكن من الآثمين!

عم تتحدثين؟ لا أفهم

سأعلنها لك مدوية بل للعالم أجمع, أنا شاعرة وهبت الشعر بأسراره وتملكت زمامه, ولكن القوافي حزينة كونها دفينة في سراديب النسيان, وفجأة أقداري ابتسمت وأرسلت لي من ينقذني وأشعاري

....ومن يكون ذاك المنقذ يا ترى؟

إنه الشاعر الكبير الأستاذ طاهر, وعد أن ينتشلني من كومة رماد الأوراق المحترقة ويكتب شهادة ميلادي كشاعرة  على ورقة زاهية البياض

والمقابل؟

.......أن أخلع الحجاب

(ذهل الزوج  وشخص بصره ولم يتمالك نفسه إلا وقد صفعها على وجهها فسقطت أرضاً صارخة..نظرت إليه باذدراء وقالت)

هذا جزاء من تتزوج بمن لا يناسبها علماً ولا قدرا

بل هذا بعض جزاء من باعت دينها بعرض قوافي أشعار المواخير أيتها الشاعرة الداعرة, لا أتشرف بكونك زوجتي..هذا فراق بيني وبينك فاذهبي إلى من لا يهتمون لأشعارك أكثر من كونك جسد رخيص سيمتدحون مفاتنه, اجمعي أعراضك الآن وارحلي عني غير مأسوف عليكِ

( خرج الزوج من الغرفة مغاضباً تتبعه نظراتها,بصقت خلفه ثم نهضت مسرعة تجمع أغراضها مبتسمة,فقد أنستها منيات نفسها فراقها عن زوجها....هرعت إلى  الشارع  بحقيبتها وذرت حياتها الزوجية مع الرياح)
************************************

وأمام الحضور وقفت الحسناء بشعرها الأسود الحريري اللامع المنسدل على كتفيها ووجهها الجميل الذي ازدان بالمساحيق وفستانها الذي كشف عن صدرها وذراعيها  تلقي أشعار الهوى والقلب المضنى بالجوى وقد ارتشقت أعين الرجال في جميع تفاصيل جسدها, منهم من هام في عينيها , ومنهم من قتله قدها الممشوق ومنهم من التاع بنيران شفتيها, فكل ظفرت عيناه بقطعة الحلوى المفضلة لديه بجسدها..فماذا عن أشعارها...أشعارها! آآآه تذكرنا أشعارها...عذراً فقد ذهبت أدراج الرياح..ذهبت المشاعر وبقى الجسد...ولكن...هناك موعد منسي مع الله الأحد..نسته هي, ولكنها لم تنس أن تشكر في نهاية الحفل وبعد أن ضجت القاعة بالتصفيق ل....أشعارها , لم تنس أن تعتذر للأستاذ الكبير شاعر المواخير كما وعدت إن أقنعها بترك الحجاب لتذوق عسيلة الشهرة..قالت

أعتذر أمام الجميع لأستاذي الشاعر الكبير الأستاذ طاهر عن سوء ظني في شخصه النبيل, حقاً هو طاهر, فقد طهرني من دنس أفكار الجاهلية وأصبحت بفضله أميرة قصر الحرية المنيف

(ضجت القاعة بالتصفيق وصعد الأستاذ طاهر إلى المنصة وما أن وصل إليها حتى انحنى وقبل يدها قائلاً )

سيدتي الحرة إنه الانتصار الكبير, فبعد أن كنتي زوجة لرجل واحد أصبحتي حبيبة لكل الرجال ومرام المتيمين فانعمي يا صاحبة الحسن والدلال يا ظبية يعدو خلفها أمهر الرماة

(استدار للجمهور الذي عجت به القاعة وقال, صفقوا مرة أخرى فأشعار فاتنتنا تستحق...أشتعلت  القاعة مرة أخرى بالتصفيق والصفير, وبعد الحفل انهالت كلمات الأعجاب على مسامع الفاتنة..عذراً لم تكن إعجاباً بالأشعار بل بمفاتن صاحبة الأشعار ..وأيم الله قد ملت الخطايا من صحبتكم أيها الأثمون...ولكن اعلموا إنا وإياكم إلى الله راجعون )

************************

وقفت أمام مرآتها تلقي نظرة أخيرة على هندامها, تصفيفة شعرها,بنطالها الملتصق بساقيها,بلوزتها الضيقة, حملت حقيبة يدها واتجهت صوب الباب وفجأة تذكرت..أوه نسيت أن أتعطر..عمدت إلى زجاجة العطر وتعطرت وخرجت تتبعها خطوات الشيطان

اللهم يا مقلب القلوب تبثتنا على دينك

آمين
******************************
تمت بفضل الله
تراتيل العهر

بقلم هبة عبد العظيم نور






تعليقات

  1. لا حول ولا قوة إلا بالله
    اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.

    رااااااااااائعة حبيبتي
    لكنها نهاية مُخزية ومُحزنة

    ردحذف
  2. ﻻ حول و ﻻ قوة إﻻ بالله العلي العظيم
    اللهم إنا نعوذ بك من الفتن
    اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك

    وجعتني النهاية أوي و للأسف النفس البشرية تميل إلى الهوى و كل ممنوع مرغوب

    سلمت يداك غاليتي ♥♥♥♥

    ردحذف
  3. يالطيف😨ليه قفلتيها كدة هوبة 😢كنت عايزة ان ترجع وتتوب لربها بعدما تعرف غلطها 😥أحزنتني النهاية😪

    ردحذف
  4. لا اله الا الله
    توقعت انها اخلع الحجاب
    بسبب الانتكاسات اللي حدثت ف الفترة الأخيرة للمنتقبات للأسف

    ربنا يثبت قلوبنا على دينه 💔💔💔

    ردحذف
  5. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
    كنت اتمنى النهايه تكون غير ذلك
    نهايه فعلا محزنه

    ردحذف
  6. سلمت يداك يا حبيبتي
    أبكتني حقا
    اللهم ثبتنا على دينك وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن
    للأسف كلما فكر الإنسان في الدنيا وزينتها تعلق بها وكلما تعلق بها زهد في الآخرة
    اللهم أعز الاسلام والمسلمين
    اللهم رد المسلمين إلى دينك مردا جميلا
    هي نست اللقاء أمام الله عز وجل
    نست أن الأعمال بالخواتيم
    نست الصراط والنار
    نست أن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل
    وان الظاهر لابد وأن وان يكون مرآة الباطن
    فلا يصلح ايمان بدون عمل
    ولا يقبل منها إلا طاعة الله ورسوله
    إنا لله و إنا إليه راجعون

    ردحذف
  7. اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك
    كنت اتمنى نهاية أخرى ان تتمسك بحجابها

    ردحذف
  8. انا لله وانا اليه راجعون
    صدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال:( يصبح الرجل مسلمًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا، ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا)
    الله يحفظنا ويثبتنا الى ان نلقاه

    ردحذف
  9. مكنتش متخيلة انها هتضعف كده وتتنازل بمنتهى السهولة
    مهما كان حلمها في الدنيا والشهرة اللي عايزة توصل لها مش مبرر ابدا لتنازلها
    ربنا يسلم ويحفظنا ويثبتنا على دينه وطاعته

    ردحذف
  10. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك

    ردحذف
  11. لا حول ولا قوة الا بالله
    اللهم ثبت قلبي على دينك

    ردحذف

إرسال تعليق