أنا وكيفن وضوء القمر(الحلقة السابعة)

 


ذات مساء, كان والد كيفن منزوياً في مقعد كائن في ركن هادئ في ردهة المنزل يقرأ كتاباً, لمح زوجته السيدة نيكولا وهي متهيئة للخروج من المنزل, فسألها مضيقاً عينيه:

ــــــ إلى أين يا نيكولا ؟

ـــــ إلى أنجيليكا مخطوبة كيفن. ذاهبة إليها لإقناعها أن تصفح عن كيفن، وسأحمل إليها هدية قيمة وباقة من الزهر وسأقول إنه هو من أرسلهما إليها

ضحك وقال ساخراً:

ـــــــ ومنذ متى كل هذا الود بينك وبين أنجيليكا !

ـــــــ ممممم أراكِ ساخراً ولا تدرك قصدي من راء صلحهما بغض النظر عن مشاعري ضد انجيليكا

ــــــ وما الغرض اذن ؟

أفصحت عما انتوت بتعجل وحماس:

ـــــــ أريد أن يتم زواجهما بأسرع وقت في الكنيسة. أريد أن يشغل كيفن بزوجته وحياته الجديدة, وأن تلد له انجيليكا طفلاً يشغله عن العالم بأسره

ـــــ أتظنين أنه بزواجه من انجيليكا بأسرع وقت سيرجع عما برأسه؟

تبسمت وردت بنبرة واثقة:

ــــ ليس ظنا. ولكني متأكدة من ذلك. فأنا واثقة من حب كيفن لأنجيليكا

قهقه والد كيفن وقال متهكماً:

ــــــ فلِم خانها إذن مع سكرتيرته الخاصة طالما يحبها كل هذا الحب !!!!

زفرت وردت بغيظ:

ـــــ شاب طائش ككثير من الشباب يا ماكس. مممم أنتم يا معاشر الرجال لا تكتفون بامرأة واحدة

قال ضاحكاً يداعبها:

ـــــــ ولمَ اكتفيت بك إذن نيكولا عن سائر النساء ؟

ضحكت وقالت شامخة بأنفها:

ـــــ ليست نيكولا من تسمح لزوجها بتقبيل إمرأة أخرى . أتركك الآن يا ماكس

************************************

قرعت السيدة نيكولا جرس باب منزل أنجيليكا, فنادت والدتها العائدة من عملها للتو على ابنتها الصغرى فرانزيسكا, المستلقية على إحدى الأرائك تستمع باسمة إلى مقطوعة موسيقية وتداعب خصلات شعرها في هيام:

ـــــ فرانزيسكا، افتحي الباب

زفرت وردت متأففة: لا أستطيع يا أمي، فأنا أستمع إلى أنغام موسيقى حالمة, وقد اخرجني نداؤك عما كنت فيه من حلم جميل

ـــــ وأين هي أنجيليكا ؟

ـــــ نائمة, فقد سهرت على النت حتى الصباح . افتحي أنتِ يا أمي

زفرت الأم واتجهت إلى الباب وهي تتمتم غيظاً, فتحت فألفت أمامها والدة كيفن, فاتسعت حدقتاها دهشة وعلت البسمة محياها :

ــــــ من! مرحبا السيدة نيكولا. تفضلي

دلفت إلى المنزل تحمل باقة الزهر, وردت على الترحيب:

مرحبا بكِ السيدة إيفلين. كيف حالك ؟

ــــــ بخير. كيف حال كيفن ؟

ــــــ كيفن مازال بالمستشفى, وسيخرج بعد أسبوع .. باقة الزهر هذه لأنجييكا وسأعطها إياها، أين هي ؟

ـــــ يالها من باقة زهرة رقيقة، تفضلي بالجلوس, وسأبلغها بوجودك السيدة نيكولا. ماذا تحبين أن تشربي سيدتي؟

ــــــ فنجان  من القهوة

*******************************

أسرعت السيدة إيفيلين توقظ ابنتها انجيليكا متهللة:

ـــــــ أنجيليكا, إستيقظي, إستيقظي أنجيليكا. هاها هناك ضيفة بانتظارك

ــــــ ممم أمي اتركيني, أريد أن أنام ممم

أخذت تهزها وتنادي بإلحاح:

ـــــ ابنتي استيقظي, إستيقظي. أقول لك أن هناك ضيفة ترغب بمقابلتك حبيبتي

زفرت مغمضة عينيها وكأنها تخشى أن يتسلل النوم خارجاً, وصاحت بضيق:

ـــــ أي ضيفة هذه التي أتت لتزعجنا في الصباح!! أوف!

ردت والدتها متهكمة من حالها:

ـــــ انجيليكا, لقد ذهبت الى عملي وعدت, و الشمس أوشكت على الغروب وأنتِ ما زلتِ نائمة حبيبتي

ـــــ يا أمي مالي وللشروق وللغروب؟. أنا أريد أن أنام

ـــــ إن عرفتِ من هي فستقفزين فرحاً هاها

فتحت أنجيليكا عينيها ولوت شفتها تبرماً ونهضت جالسة, وقالت بضجر:

ــــــ أنا أعلم أنك لن تتركيني أنعم بالنوم. من هي القديسة التي أتت لتزعجنا يا أمي؟

ــــــ هاها السيدة نيكولا والدة كيفن

كادت لا تصدق ما سمعت, فشدهت فرحاً وصاحت:

ها!! معقول!!. ما الذي أتى بها!! أشعر دائما أنها تكرهني ولا تحب مقابلتي، فإذ بها تأتي إلى بيتي !!.... ألم تخبرك عما تريد يا أمي ؟

ـــــ لا. فقط طلبت مقابلتك حبيبتي. هيا انهضي من فراشك واذهبي إليها

ـــــ حسنا يا أمي، سأنهض وأغسل وجهي وأمشط شعري وارتدي ثيابا أخرى وأتبعك

ــــــ لا تتأخري انجيليكا ولا تطيلي النظر في المرأة . فأنت جميلة وإن لم تمشطي شعرك هاها

ــــــ هاها أعلم يا أمي. سأتبعك بعد قليل

ما أن خرجت أمها من الغرفة, حتى دخلت أختها, فألفتها تتأنق أمام المرآة, فقالت بمرح:

ــــــ أنجيليكا أختي الجميلة, أتت والدة كيفن تحمل زهوراً. وأعتقد أنها ما جاءت إلا لتعتذر إليكِ عما بدر من ولدها

هزت أنجيليكا رأسها وقالت والحيرة تعتركها:

ـــــ لا أظنها بهذه الرقة فرانزيسكا... ولكن الفضول يقتلني لأعرف ما الذى أتى  بها . سأكمل ارتداء ملابسي وأخرج إليها

ـــــ وأنا سأذهب للترحيب بها حتى تأتي، أختي الحبيبة أنجيليكا

*******************************

اتجهت فرانزيسكا إلى السيدة نيكولا مرحبة:

ــــ مرحبا السيدة نيكولا

ـــــ مرحبا فرانزيسكا.  كيف حالك ؟

ردت والسعادة تتراقص في عينيها:

ــــــ اشتريت شقة جديدة، وسأنتقل إليها قريبا جداً

ــــــ وحدك ؟

ـــــ نعم وحدي. فقد سئمت من الحياة مع أمي وأبي هاها لذا قررت أن أحصل على حريتي ككثير من الأوربيات،  وسأعمل في إحدى الشركات كسكرتيرة خاصة لمدير الشركة

ردت السيدة نيكولا وابتسامة ساخرة تحتل شفتيها:

ـــــ تحرري من القيود كما شئتِ . كلا يفعل ما يحلو له .... أين أنجيليكا؟ قد تأخرت

 

ـــــ ستأتي حالاً . هاهي أمي قد أحضرت القهوة . أتركك أنا الآن ، فأنا على موعد مع صديق

ـــــ تفضلي

وضعت والدة أنجيليكا القهوة على المنضدة, وقالت متبسمة:

ـــــ تفضلي قهوتك السيدة نيكولا

ـــــ أشكرك السيدة ايفيلين

 عفواً سيدتي

انصرف نظر الأم إلى الباب, فألفت ابنتها الصغرى فرانزيسكا تفتحه للخروج, فنادتها:

ـــ,فرانزيسكا

زفرت فرانزيسكا وردت متأففة:

ـــــ ما الخطب يا أمي! . أنا متعجلة جداً

ـــــ هل ستعودين الليلة أم ستبيتين عند صديقك بيتر ؟

ـــــ ممم لا أعلم. ربما أبيت. أتركك الآن يا أمي

حفظك الرب حبيبتي فرانزيسكا، ها هي أنجيليكا قد أتت

حيت أنجيليكا والدة كيفن بلهجة فاترة ووجه خال من الابتسام:

ــــــ طاب مساؤك السيدة نيكولا

ـــــ طاب مساؤك أنجيليكا

نهضت الأم عن مقعدها وقالت بلهجة مهذبة:

ـــــ أترككما أنا الآن

ـــــ تفضلي يا أمي. مرحبا

ـــــــ مرحبا بك أنجيليكا . غاضبة منك كثيراً

ــــــ مني أنا !!..... وهل أغضبتك في شيء ؟

ــــــ أجل . تخليتِ عن كيفن في محنته

تربد وجه أنجيليكا وردت بانفعال:

ـــــ محنته !!!!!!! تقصدين خيانته. يخونني ونحن ما زلنا في فترة الخطبة فهلا انتظر إلى ما بعد الزواج والملل مني!

قهقهت السيدة نيكولا وقالت:

ـــــــ لم أكن أعرف أنك صاحبة روحاً فكاهية انجيليكا

عادت السيدة نيكولا إلى وقارها واستطردت:

ــــــ أنجيليكا... كيفن يحبك واختارك من بين كل صديقاته لتكوني زوجة له. ولأي رجل زلاته.  وليس معنى زلته أن تتركيه وتبتعدي عنه ... اصفحي عنه

سألتها أنجيليكا والشغف يغمر ملامحها:

ــــــ هو الذي أرسلك ؟

تبسمت السيدة نيكولا وهزت رأسها وقالت:

ــــــ بالطبع هو

تصنعت السيدة نيكولا التأثر مع نبرة بكاء كاذبة, ومنديل قماشي إستلزمته حبكة مسح دموع الوهم عن عينيها وانطلق لسانها بقصص مختلقة:

ـــــ فقد بكى بدموع عينيه على إغضابك, ثم إنه رفض الطعام عقاباً لنفسه  اهئ اهئ لو رأيته لأشفقتي عليه  اهئ اهئ لا ينام ولا يأكل، فقط يقول ليلاً و نهاراً أنجيليكا، أنجيليكا، أين أنتِ أنجيليكا اهئ اهئئئئئئئ

رق قلب أنجيليكا وبدا التأثر على ملامحها وسألت لتتيقن:

ـــــ حقا ؟ أهو نادم على إغضابي لهذه الدرجة ؟

تبسمت السيدة نيكولا بمكر, وقالت وهي تفتح حقيبة يدها:

ــــــ ومُصِر أن يراكِ ليعتذر لكِ بنفسه. وأرسل إليكِ بهذه الهدية . تفضلي وافتحي العلبة

أخذت أنجيليكا علبة مخملية فاخرة من يد السيدة نيكولا وفتحتها, فإذ بها تذهل مما رأت, فصحكت وجهها فرحاً وقالت:

ــــــ عقدٌ  من الماس!!  ما أجمله من عقد!

اتسعت ابتسامة السيدة نيكولا وقالت بلطف:

ــــــ أخترته لكِ على ذوقي الخاص... فقد قال لي كيفن إشتري لأنجيليكا أغلى عقد من الماس وبشريها باقتراب زواجنا فور خروجي من المستشفى

قفزت أنجيليكا من مقعدها فرحأ وقالت وكأنها لا تصدق ما سمعت:

ــــــ حقا؟

ـــــ هاها...حقاً أنجيليكا . يجب أن تتزوجا سريعا وتنجبا سريعا فقد اشتقت لأضم حفيدي

تنهدت أنجيليكا بهيام وقالت:

ـــــ وأنا اشتقت لكيفن جداً... حبيبي كيفن، حبيبي. سأرتدي ملابسي وأنطلق الى المستشفى لأكون بجانبه، وسأزوره كل يوم حتى يخرج من المستشفى ونتزوج

ردت السيدة نيكولا وهي تكاتم الضحك:

ـــــ هاها هيا اسرعي، فقد كاد يفقد بصره بكاءاً على فراقك

*******************************

في غرفة كيفن في المستشفى, كانت ترافقه كلوديا الممرضة, والتي هنأته قائلة:

ــــــ السيد كيفن، قد تحسنت كثيراً . شكرا للرب . سيأتي إليك الدكتور ميشيل حالاً

ــــــ أشكرك كلوديا . أأأأأ كلوديا انتظري

ـــــ تحت أمرك، سيد كيفن

ـــــ هل الدكتورة عائشة موجودة ؟

ــــ أجل موجودة الآن ولن تغادر المستشفى الليلة، عملها حتى الساعات الأولى من صباح الغد

أشرق وجه كيفن وهو يمني نفسه بلقائها:

ــــــ ممم حسناً، حسناً جداً

دلف الدكتور ميشيل وحيا كيفن بلطف:

ـــــــ طاب مساؤك  سيد كيفن

ــــــ مرحبا . طاب مساؤك

ــــــ أراك تحسنت كثيرا . دعني افحص قدميك

ـــــ تفضل

تفحصه الدكتور ميشيل وقال مبدياً استحسانه لحالته:

ــــــ حسنا جداً،  قد أوشكت على الشفاء تماما ومغادرة المستشفى . أمامك بالكثير جداً أسبوعا واحداً هنا

سرى الارتياح في نفس كيفن..أطرق هنيهة ثم أبدى رغبته متلعثماً:

ـــــ آآآآ لقد سئمت من الفراش. فهل يمكنني الخروج من الغرفة لبعض الوقت ؟

هز دكتور ميشيل رأسه بالموافقة وقال باسماً:

ـــــ يمكنك بالطبع . سأحضر لك كرسي متحرك ليمكنك من ذلك

تهلل كيفن وطربت نفسه لما سمع وأسدى الشكر للطبيب:

ـــــــ أشكرك, أشكرك جداً

****************************************

عادت إليه كلوديا بكرسي متحرك وقالت بلطف:

ــــــ هأنذا  جئت لمساعدتك على الجلوس على الكرسي المتحرك سيد كيفن

ـــــ أشكرك كلوديا، أشكرك كثيراً ... أنتِ حقاً ممرضة متقنة لعملك.أشكرك على الاهتمام

ـــــ هذا عملي سيد كيفن، لا تشكرني

شرعت في محاولة لمساعدته:

ـــــــ هاااااا حاول، حااااااااول هيا أنا معك هاااااا

ـــــ آآآه آآآآه آآآآه اشعر بالألم إلى حدٍ ما

ردت تستنهض فيه روح العزيمة:

ـــــ حاول، حاول يا سيد كيفن، فأنا أراك مصر على القيام وترغب في ذلك بشدة

استجمع كل قواه ورغبته في مفارقة الفراش ونجح في مأربه:

ـــــ آآآآه آآآآآه ها أنا ذا أجلس آآآآه

ــــــ الآن يمكنني اصطحابك إلى خارج الغرفة

ــــــ شكرا كلوديا شكراً

خرجت به من الغرفة، تدفع المقعد من الخلف..فأدار رأسه إليها وقال برغبة عارمة:

ـــــ كلوديا! أريد أن أذهب إلى غرفة الدكتورة عائشة لأمر هام

اندهشت من الطلب وصمتت هنيهة ثم قالت:

ــــــ....... تحت أمرك سيد كيفن . انتظر هنا سأدخل لأبلغها أولاً، فربما تكون مشغولة

ـــــ أشكرك

 

أوقفت مقعد كيفن بمقربة من باب مكتب الدكتورة عائشة, ثم دخلت تستأذنها وبقى هو تحت سفح أماله يتأهب للقاء:

ــــــ طاب مساؤك دكتورة عائشة

ـــــ طاب مساؤك كلوديا . ما الأمر

ــــــ السيد كيفن خرج من غرفته لأول مرة على كرسي متحرك وطلب أن يدخل لمقابلتك

ـــــ مقابلتي! اعتذري له بشدة فأنا مشغولة جدا الآن 

اندفع كيفن بمقعده داخل الغرفة وقال باسماً:

ـــــ لِمَ تتهربين من مقابلتي دكتورة عائشة ؟

أطرقت خجلاً, ثم قالت:

ــــــ.....سيد كيفن! حمداً لله على سلامتك. تفضل

قالت كلوديا وهي تتجه إلى الباب:

ـــــ استأذنك في الانصراف دكتورة عائشة

ـــــ تفضلي كلوديا..... مرحبا سيد كيفن

ـــــ أسألك لِمَ تتهربين من مقابلتي ؟

ـــــ أنا لا أتهرب مطلقاً. وسبق أن أخبرتك برغبة والدتك في عدم متابعتي لحالتك. وأنا قد وعدتها ألا أدخل إلى غرفتك مرة أخرى

اتسعت ابتسامته وقال:

ـــــ ـأجل وعدتها ألا تدخلي لغرفتي, ولكن لم تعديها أن تمنعيني أن أدخل إلى غرفتك

أطرقت متبسمة, ثم قالت:

ـــــ مرحبا سيد كيفن.... أما زلت تشعر بآلام  في الحركة ؟

ــــــ ما جئتك من أجل آلام  الحركة، وإنما جئتك لتجيبيني على أسئلتي التي ما زالت تحيرني

تنهدت بعمق وقالت بحسم:

ـــــ سيد كيفن! هناك الكثير والكثير غيري يمكنهم مساعدتك

رد والإصرار يتوهج في عينيه:

ـــــ ولكنني لا أريد غيرك

قالت باندهاش:

ـــــ ماذا!!

رد وبسمة على ثغره وأفصح عما طوته كهوف سريرته:

ــــــ  لِمَ تتعجبين ! أنتِ مرتبطة دائماً في ذهني بضوء القمر الذي يبدد الظلام... مرتبطة في ذهني بكل شيء جميل . أشعر براحة غير عادية عندما أتحدث إليك

تربد وجهها وقالت باحتداد:

ـــــ سيد كيفن! من فضلك لا أحب الكلام بهذه الطريقة

 

ـــــ هل تجاوزت حدودي ! أنا فقط أتكلم عن الشعور الذي يتملكني كلما رأيتك

ردت بمزيد حدة، والصرامة تستبد بملامحها:

ــــــ لا أحب إطراء الرجال، ولا يطرب مسامعي

قهقه كيفن وفاضت ثناياه بالغزل:

ــــــ أنا لم أتغزل في عينيكِ السوداوين الساحرتين، ولا جمالك الشرقي الآخاذ...  وإن كانت هذه الحقيقة

ضاقت به ذرعاً, وردت متضجرة لتنهي المقابلة:

ــــــــ سيد كيفن من فضلك. عندي الكثير من الأعمال ولا وقت عندي. تشرفت بزيارتك

ـــــ دكتورة عائشة

زفرت بضيق وردت وقد أشاحت بوجهها:

ــــــ أمرك سيد كيفن

عاد إلى حديثه الجاد ليسأل عما يؤرقه:

ـــــ كنت أود  أن أسأل سؤالاً

ـــــ تفضل بالطبع

ـــــ ما قولكم في مريم العذراء ؟

ــــــ السيدة العذراء مريم هي العابدة التقية المطهرة المصطفاة من الله تعالى، لتحمل كلمة  منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ... أدعو دائماً أن يرزقني الله وبنات المسلمين طهارة مريم وعفافها اللهم آمين ... نحن المسلمون نحبها كثيرا, كثيراً، بل وكثير من المسلمين يسمون بناتهم بمريم حباً لها وإجلالاً وتقديرا . فهي تحظى بمكانة عالية في قلوبنا ... أمي أيضاً اسمها مريم هاها

تعجب كيفن من عظم قدر العذراء مريم في قلوب المسلمين:

ــــــ ألهذه الدرجة تحبونها ؟.. أتعجب جداً... فهي ليست على دينكم

ــــــ ومن قال ذلك!!  كل الرسالات السماوية صدرت من مشكاة واحدة وكلها تدعوا إلى الإسلام.

والدليل على ذلك أن السيد المسيح عليه السلام قد بشر في الإنجيل  بنبي الله محمد  عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

شده كيفن:

ــــــ ها!!...ماذا تقولين!!....المسيح بشر بنبيكم في إنجيلينا ؟

ـــــ الإنجيل الذي نزل على عيسى  عليه السلام من السماء وليس إنجيلكم، سيد كيفن

هز رأسه متحيراً:

ـــــ لا أفهم شيئاً..... أيوجد أنجيل نزل من السماء غير إنجيلنا؟

ــــــ أجل يوجد. ولكن الذي بين أيديكم كتابا محرفاً، به الصحيح وبه الكثير من المغالطات أيضا.. .هل قرأت من قبل إنجيل لوقا ؟

أسدل حاجبيه واستوضحها:

ـــــ ماذا وجدتي به دكتورة عائشة ؟

ــــــ فيه هذه العبارة . المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة 

ـــــ وما الغريب فيها ؟

ـــــ الغريب أنها محرفة بالطبع, حقيقتها كالأتي .( الحمدلله في الأعالي وعلى الأرض الإسلام وللناس أحمد )

ـــــــ ولِم لا تكون الأولى هي الصحيحة ؟

ــــــ لأننا  لو سلمنا بها يا سيد كيفن فلن يقبلها العقل .

ـــــ ولِم لا يقبلها ؟

ــــــ هل هناك على الأرض سلام يا سيد كيفن ؟ ألا ترى سفك الدماء والحروب الطاحنة هنا وهناك ؟

ـــــــ مممم أنتِ محقة.. وبالطبع أيضا لا توجد بالناس المسرة هاها.. فالناس في هذه الدنيا لا يشعرون بالراحة

ــــــ ابحث بنفسك يا سيد كيفن عن الكلمات التي تم تحريفها، وتحريف كلمة مكة والتي ذكرها القرآن بلفظة بكة وتم تحريفها إلى واد البكاء حتى لا تدل على مكة مطلقا

شعر كيفن أن الحقيقة ضائعة في غيابة جب, ولا يكفيه إلقاء دلواً واحداً ليستخرجها من أعماقه حية تنبض باليقين:

ـــــــ.........احتاج حقاً كثيرا من البحث والتعمق حتى أصل إلى الحقيقة سيدتي الطبيبة . يجب أن أتيقن تماماً من كل شيء قبل أن أتخذ قراري

أطرق هنيهة باسماً, وعاد بسؤالٍ يختلج في نفسه وقد آن وقته:

ــــــ كان عندي سؤال لا يحتمل التأجيل

ـــــــ تفضل

ــــــ هل يجوز لمسيحي أن يتزوج بمسلمة ؟

هزت رأسها نافية وقد اتسعت حدقتاها:

ـــــ لا،لا يجوز،لا يجوز أبداً

قطب حاجبيه ورد بامتعاض:

ـــــ ولِمَ لا ؟ ما المانع ؟ قرأت أن المسلم يمكنه أن يتزوج بغير المسلمة. فلِم لا تتزوج المسلمة بغير المسلم ؟

ــــــ يا سيد كيفن، المسلم عندما يتزوج بكتابية فهو يتزوجها وهو مؤمن بنبيها وبكل الأنبياء، ولكن المسيحي إذا تزوج مسلمة فهو لا يؤمن بنبيها ولا بأي نبي غير نبيه، وهنا سيكمن الصراع في تربية الأبناء. كما أن الأبناء يتبعون دين  أبيهم ونحن حريصون على نشر الإسلام . فكيف لمسلمة مؤمنة موحدة بالله أن تحمل في رحمها أبناء لن ينتسبوا للإسلام بل سينتسبوا لأبيهم غير المسلم

كان هناك سؤال يحلق كطائر أبيض في فضاء عقله الرحب, ولا تستطيع الشفتان به لحاقاً لتلقي به على شطآن عينيها, فتبعثرت الأحرف, فنطق تلعثماً:

ـــــــ وإن .... إن  ...... إن  أأأأأ إن

ــــــ وإن ماذا يا سيد كيفن ؟

ـــــ إن أحبها

أدركت مأربه, فهربت عينيها وأجابت بما تدين لله به:

ــــــ سيد كيفن! الأحكام الشرعية لا تتغير تبعاً للمشاعر. لا يجوز زواج المسيحي من مسلمة تحت أي ظرف

 

ــــــ ولكن هل للحب دين ؟

ــــــ سيد كيفن! هذه كلمات من لا يدين لله ولا يقبل الحكم بشريعته. الدين هو قائدنا وليست أهوائنا

ــــــ ممم سؤال آخر

ـــــ تفضل

هم أن ينطق, فدقت كلوديا الباب استئذاناً ودلفت:

ــــــ دكتورة عائشة

ــــ تفضلي كلوديا

ـــــ مخطوبة السيد كيفن في انتظاره بغرفته

وكأن صاعقة نزلت على رأس كيفن, فضرب رأسه بيده وصاح بضيق أضحك الدكتورة عائشة وكلوديا:

ــــــ ما الذي أتى بها الآن. ألم تذهب غاضبة وقالت لن تسامحني حتى آتيها حبواً ؟

ردت الدكتورة عائشة وهي تكظم الضحك:

ـــــ سعدت بلقائك يا سيد كيفن . تفضل لتذهب إلى مخطوبتك  ولأقم أنا بتفقد المرضى قبل مغادرتي المستشفى

زفر من أعماقه:

أوف!! . تبأ لكِ انجيليكا . من أي جحيم أتيتِ الآن . هأنذا ذاهب إليها 

*******************************

دخل كيفن إلى الغرفة على مقعده المتحرك, مكفهر الوجه, فهرعت إليه أنجيليكا متهللة:

ـــــ كيفن هاها أراك  تحسنت كثيرا جداً  

رد ببرود:

ــــــ كيف حالك انجيليكا ؟

عبست ملامحها وأعادت سؤاله البارد بضجر:

ــــ كيف حالك انجيليكا !! أهذه مقابلة يا كيفن ؟

ـــــ عذراً، فما زلت مريضا ولا أقوى على القيام لأرحب بك الترحيب اللائق 

ـــــ لا عليك حبيبي . أشكرك جداً على الهدية الرقيقة التي أرسلتها

بدا الاندهاش على وجهه:

ـــــ هدية! عن أي هدية تتحدثين ؟

ـــــ العقد الماسي  الذي  أرسلته مع أمك كي أقبل اعتذارك وأصفح عنك هاها

زفر غلاً وغمغم وهو يغطي وجهه بكفه:

ـــــ أهٍ يا أمي...تقربين مني من وددتِ وتبعدين عني من شئتِ!

رفع كفه عن وجهه وقال بنبرة غليظة:

ــــــ مرحبا أنجيليكا

ــــــ افتقدك كثيراً يا كيفن

لصق ابتسامة كئيبة على وجهه ورد:

ــــــ مرحبا انجيليكا

امتعضت أنجيليكا وصاحت به:

ــــــ أكلما تفوهت بكلمة لا ترد إلا بمرحباً أنجيليكا، مرحبا أنجيليكا!!

تربد وجهه ونهرها:

ــــــ وماذا تريدين أن أفعل!!. أنا مريض، مريض

هدأت قليلاًـ وألانت له القول:

ـــــ وهل يعجزك المرض عن قول افتقدتك، أنجيليكا حبيبتي ؟

أعاد العبارة كالببغاء بلا روح:

ـــــ افتقدتك أنجيليكا حبيبتي

ــــــ ممممم لا أشعر بها. أنت لا تنطقها من أعماق قلبك

فقد صوابه وثار كالبركان في وجهها:

ـــــ أنجيليكا! أرجو مراعاة حالتي النفسية . ألم تهاديكِ أمي بدلاً عني وقامت بصلحك بدلاً عني؟ 

ـــــ أجل، فعلت أمك

ــــ اذن فاجعليها تقول لكِ افتقدتك أنجيليكا من أعماق قلبها بدلاً عني

ضحكت وكأنها سمعت مُلحة وقالت:

ــــــ كم أنت خفيف الظل. قم يا كيفن قم, لقد اقترب موعد زفافنا حبيبي هاها

اتسعت حدقتا كيفن وصاح مذعوراً كالهارب من الجحيم:

لااااا! أنا ما زلت أحتاج الكثير والكثير من الوقت لأسترد عافيتي

ــــــ ستستردها قريباً حبيبي.... أتركك الآن وأذهب لشراء بعض الأغراض التي تحتاجها العروس

ــــــ أي عروس ؟

ـــــ انا حبيبي

ـــــ اذهبِ أنجيليكا.....  أريد أن أنام، فأنا أشعر بالتعب كثيراً جداً

*******************************

عادت عائشة إلى المنزل فألفت أمها تقرأ في مصحفها, فألقت السلام:

ـــــ السلام عليكم يا أمي الحبيبة

ــــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حبيبتي

ـــــ أراكِ كنتِ تقرأين في المصحف الشريف

ـــــ كنت أقرأ وردي اليومي يا حبيبتي. أنهيته بفضل الله . كيف كان يومك؟

وضعت عائشة أصبعها في فهمها كالأطفال عندما يخشون العقاب وقالت بلهجة طفولية وابتسامة ماكرة:

ـــــ ممممم أود أن أخبرك بأمر وأخاف أن تغضبي

حدجتها أمها بنظرة كالنمر المتربص بفريسته وقالت:

ـــــ مممم ما ورائك  ؟

ـــــ هاها أخاف من هذه النظرات الموجهة يا أمي هههه سأختبئ خلف هذا الكرسي وأخبرك حتى لا تستطيعي قذفي بأي شيء هاها

ـــــ يبدو أنك فعلتي كارثة. انهضي من خلف الكرسي فلو أردت عقابك ما منعني

ـــــ هاها تضربين طبيبة!!

ــــــ الطبيبة هذه مهما عظم شأنها وعلا بين الناس  فهي ابنتي التي أراها صغيرة تحتاج حمايتي. انهضي وتعالي هنا أمامي وقصي عليّ ما حدث

ـــــــ مممم هأنذا أجلس.. فقط أريدك ألا تغضبي ..... السيد كيفن

ـــــــ ييييييييييييي . هل هددتكِ أمه مرة أخرى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ــــــ يا أمي قد فاجأني بدخول مكتبي مصرا على سؤالي عن بعض الأمور في الدين

صاحت الأم بغضب:

ـــــ عائشة! قلت لكِ سابقاً ابتعدي عنه . أنا لا أتحمل أن يؤذيكِ أحدا بسببه. ابتعدي

ـــــ يا أمي أنا لم أسع إليه . اقول لكِ هو من أتاني بمحض إرادته

ــــــ فليستعن بغيرك. أنتِ وحيدتي. فليبتعد وليكف عنا أذى أهله وشرورهم . هذه هي المرة الأخيرة التي أحذرك فيها

تبدى الحزن على وجه عائشة وقالت بأدب ممتثلة لأمر والدتها:

ــــ أمرك يا أمي . ذاهبة لاستبدال ملابسي .

 

*******************************

إلى هنا انتهت حلقتنا لهذا اليوم

 

أشكركم على الحضور الراقي

 

الأخت الحبيبة عائشة شعبان..سعدت بوجودك جداً ...هذه الرواية ابتغيت بها وجه الله وكم يسعدني أن تحقق لكِ الاستفادة في تربية أطفالك

 

شكراً جزيلاً لكل حبيباتي على التواجد كل واحدة باسمها المطبوع في قلبي

 

لا تنسوا ذكر الله والصلاة على الحبيب عليه الصلاة والسلام

 

لا اله الا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا محمد

 

تعليقات

  1. سبحان الله و بحمده
    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد
    جزاك الله الجنة أستاذة هبة أم رفيف

    ردحذف
  2. اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    مشتاقة للباقيه
    @عائشه شعبان

    ردحذف
  3. مسكينة ياخالتي ام كيڤين والله 😂
    هو الراجل لما يعوز يهرب هيغلب يعني
    دانتي طلعتي قرشانة ياولية حتى الاجانب فيهم قرشانات 🤣

    شكل عائشة بدءت تميل لكيڤين 😎
    ربنا يهديكِ ياكيڤين انت وأمثالك للإسلام

    تسلم ايدك ياأستاذة هوبة ربنا يزيدك من علمه ❤️

    ردحذف
  4. جزاك الله خيرا

    ردحذف
  5. تسلم ايدك يا حبيبتي
    بجد الروايه رائعة جدا
    ورغم اني كنت قرأتها زمان الا اني بقرأها الآن كأني بقرأها للمرة الأولى وبنتظر الحلقة بكل شغف
    وما شاء الله عليك توقيتك لنشر الروايه جميل في ظل الشبهات التي تلقى علينا لتشكك المسلمين في الدين
    ربي يجعلها في ميزان حسناتك يارب

    ميرو

    ردحذف
  6. كاميليا محمد
    لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
    سلمت يداك يا استاذة الرواية رائعة🌹

    ردحذف
  7. لا إله إلا الله
    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه 💕

    هي نيكولا دي ما بتهمدش؟
    وانجيليكا الطماعة عقد يجيبها وخاتم يوديها... وعجبي

    سبحان الله الرواية أُعيد نشرها في توقيت مناسب جداً.. أتمنى تاخد حقها في الانتشار وتسهم بالرد على شبهات الملحدين والمتأسلمين وأن يجعلها الله في ميزان حسناتك

    ♥️دُمتِ مُبدعة ♥️

    ردحذف

إرسال تعليق