أنا وكيفن وضوء القمر( الحلقة التاسعة)
دخل كيفن إلى مقر عمله شارداً, فاستفاق على صوت سكرتيرته
كريستينا ترحب به بعد أن انتفضت عن مقعدها جذلة وهرعت إليه:
ــــــ سيد كيفن! كم اشتقت إلى وجودك بالمكتب
تأفف لرؤيتها ورد بامتعاض:
ـــــــ أما زلتِ على قيد الحياة كريستينا؟.... طاب
صباحك
ــــــ وصباحك أيضاً ... هل اشتريت سيارة جديدة بدلاً عن
التي تهشمت ؟
أطال إليها نظرة ازدراء إذ تراءت أمام عينيه تفاصيل
الليلة التي قضياها سوياً قبل الحادث..شعر بغثيان من رؤيتها, فأشاح بوجهه لبرهة ثم
سدد إليها نظرة استقذار وأطلق فوهة لسانه بأسئلة نارية أتت من لهيب أعماقه:
ـــــــ لِم وافقتِ أن تركبي معي السيارة ؟ لِم وافقتِ
على الذهاب معي إلى منزلي ؟ لماذا أنتِ مباحة لأي أحد هكذا كريستينا ؟
استهجنت ما سمعت وظلت عيناها تدور في ملامحه
اندهاشاً..بدت بسمة ساخرة على محياها وقالت:
ـــــــ أبعد أن قضيت معي وقتا سعيداً تأتي لمعاتبتي ؟ ...
أمرك غريب جداً... .ولكن لا بأس..سأخبرك... أنا أحب أن افعل ما يحلو لي
سألها سؤال لغرض أضمره:
ـــــ هل لكِ أصدقاء رجال ؟
قهقهت وقالت باعتزاز:
ــــــ تقريباً كل أصدقائي من الرجال
ـــــــ مممممم وبالطبع تسمحين لهم أن يفعلوا بكِ أي شيء
ــــــ هاها وما الغريب في ذلك ؟.... إنها الحرية يا سيد
كيفن
رد ونظراته تصب عليها اللعنات:
ــــــ تقصدين أنها عبودية الجسد . عبودية الشهوات
والنزوات..... أشعر أنك تغرقين في بحيرة من الأوحال
اقتربت وقالت بنبرة العهر:
ــــــ حسناً! أعطني يدك لنغرق سوياً
دفعها بعيداً وثار في وجهها:
ــــــ ابتعدي عني ..... شتان بينك وبين عائشة الطاهرة
النقية، شتان
أخذت تتطلع في وجهه بذهول وقالت:
ــــــ أنت غريب جداً اليوم يا سيد كيفن ..... أشعر أنك إنسان
آخر
شعر كأن أنفاسه تتلاشى, فوضع يده على صدره وحاول جذب
الهواء إلى داخله وهو يقول بصوت متهدج:
ــــ اشعر بالاختناق في هذا المكان .... أنا سأغادر
المكتب الآن
قبل أن يغادر، كان عليه فعل ما تلح به نفسه, استدار إلى
كريستينا وناداها:
ـــــ كريستينا
ــــــ ما خطبك سيد كيفن
ــــــ سأعطي لكِ راتبك ومكافأة عليه أيضاً.. وأشكرك على
هذه السنوات التي قضيتيها في العمل
هالها ما سمعت فصرخت باكية:
لِمَ يا سيد كيفن!! هل بدر مني ما أغضبك ؟
رد بوجه خال من التعبير:
ــــــ لا . ولكنني سأضطر لغلق المكتب بعض الوقت.. وربما
تركت البلاد أيضاً
علا نشيجها وأفصحت عما تبادر إلى ذهنها من ظنون:
تترك البلاد !! لا... قل أن مخطوبتك أنجيليكا هي من
أمرتك بطردي من العمل، أليس كذلك؟
ـــــ لا. أنجيليكا لا تعرف أي شيء. وما كان لامرأة أن تتحكم في مصيري أياً كانت ...
هذه رغبتي أنا
عمد إلى مكتبه, فتح الخزانة وأخرج منها ما ابتغى وعاد
إليها وقال بوجه متربد:
ــــــ وهذا راتبك، وهذه مكافأة. أعطني مفاتيح المكتب
اختلط نشيجها بصراخها وهي تردد ذاهلة:
لا اصدق ما اسمع! لا أصدق.. . كنت أحسبك لن تستغني عني أبداً
*******************************
كانت عائشة تقود سيارتها عائدة إلى المنزل في هذه
الظهيرة، تحت وطأة البرد وهطول المطر الذي تتجمد قطراته، فاكتست الطرق بالجليد..دق
هاتفها, أمسكت بالهاتف, فإذ بها والدتها:
ـــــ السلام عليكم يا أمي
ـــــ وعليكم السلام يا عائشة. لِم تأخرتِ يا حبيبتي ؟ أما زلتِ بالمستشفى ؟
ــــــ أنا في السيارة يا أمي في طريقي للمنزل
ــــــ صحبتك السلامة حبيبتي . هيا أسرعي فالجو بارد جداً
والأمطار شديدة
ـــــ هاها أنا بالسيارة بعيداً عن الأمطار. فلا تشغلي
بالك يا أمي
ــــــ حفظك الله يا حبيبتي . السلام عليكم
ــــــ وعليكم السلام يا أمي
فجأة حدث ما كدر صفو عائشة:
ــــــ يا الله!! تعطلت السيارة . ماذا سأفعل الآن يا
الهي .... لا يوجد حل غير السير على الأقدام، وحمداً الله المنزل على مقربة ثلاثمائة
متر من هنا
ترجلت عن سيارتها فنشب البرد أظافره في جسدها كالوحش
الضاري, شقت طريقها تحت ندفات الثلج المتساقطة و فوق الجليد الذي تكدس على وجه
الأرض بجسد منكمش وأسنان تصطك وعبارات تتمتم بها بارتعاد:
ـــــ آآآآه الجو بارد والأمطار شديدة. لو كان أبي في
المنزل لأخبرته ليأتي بسيارته وينقذني آآآه برد، برد جداً
كان كيفن في سيارته عندما رآها والسماء تندف بالثلوج فوق
رأسها, وخطواتها تتعثر بين تعاريج الجليد, فأوقف سيارتها على الفور وهرع إليها
منادياً:
ـــــ دكتورة عائشة:
التفتت إلى الصوت:
ـــــ من ؟ سيد كيفن ! أهناك شيء ؟
ــــــ أنا من جئت أسألك أهناك شيء ؟ لِمَ تركتي سيارتك
ونزلتِ للسير ؟
ـــــ تعطلت سيارتي
ــــــ حسنا هيا اركبي معي
ـــــ لا، انطلق أنت
مد شفته امتعاضاً وقال:
ـــــ هذا ظرف طارئ سيدتي ولم افتعله كي اصطحبك بسيارتي
. اسمحي لي أن أوصلك للمنزل
ــــــ لا . جزاك الله خيرا . سأسير على قدمي
قال متعجباً من أمرها:
ــــــ تمشين وسط الجليد في هذا البرد والمطر وترفضين
ركوب سيارتي ! أقسم لكِ أني لن أتكلم طوال الطريق . فقط لا استطيع أن أتركك تسيرين
على الجليد وأنا أركب سيارتي
ــــــ الأمر ليس بعسير. وحمداً لله المنزل ليس بعيداً
عن هنا
زفر أنفاسه في ضيق وقال:
ـــــ بل بعيد. بعيد جداً
هز رأسه وعرض عليها أمراً آخر:
ـــــ حسناً. خذي مفاتيح سيارتي وانطلقي بها، وأنا من
سأمشي بدلا منكِ
ـــــ لا. جزاك الله خيراً. انطلق واتركني وأشكرك على
شعورك
تبسم وقال متيقناً من أمرها:
ــــــ أعرف أنك لن تتنازلي عن رأيك . لذا فسأترك سيارتي
أنا أيضاً وأمشي على الجليد تحت الأمطار . فلا أحتمل أن أراكِ تسيرين على قدميكِ
في هذا البرد الشديد وأنعم أنا بدفء سيارتي...وحتى لا تظني بي سوءاً أو أني أتخذ
ذلك ذريعة للحديث معك أثناء السير فأنا
سأسبقك بخطواتي. أستأذنك في الانصراف
ــــــ ممم تفضل . تغير كثيراً هذا الرجل . أصبح بأخلاق
غير الأخلاق... يا الله! يا له من جو شديد البرودة
*******************************
عادت عائشة إلى المنزل بملابس مبتلة وجسد مرتعش, فهال
والدتها ما رأت:
ــــــ عائشة حبيبتي . ما هذا! ملابسك كلها مبللة وجسدك
يرتعد
ـــــ آآآه يا امي. تعطلت سيارتي بالطريق واضطررت للمشي على قدمي. اشعر
بالبرد بشدة آآآه. اشعر أن أصابعي تجمدت من شدة البرودة آآآه
تعجلتها الأم متلهفة:
ـــــ اذهبي بسرعة استبدلي ملابسك. اذهبي ستصابين بنزلة برد
عمدت إلى غرفتها مسرعة ووالدتها خلفها تسألها:
ـــــ ألم يكن هناك أي سيارة للأجرة ؟
كاتمت الضحك وصارحت والدتها:
ـــــــ الشارع
خال تماماً من المارة، ولم تتوقف غير سيارة واحدة لمساعدتي
ـــــ سيارة ! سيارة خاصة ؟
ـــــ أجل
ــــــ حمداً لله أنك سرتِ على قدميكِ
انفجرت عائشة بالضحك الذي كانت تكظمه وقالت:
ــــــ كانت سيارة كيفن
ـــــــ يييييييييي أشعر أن ألمانيا لا يوجد بها غير كيفن
ـــــــ هههه لا يا أمي، بها الكثير والكثير. فقط أنتِ
لا تخرجين كثيراً ..... ليت كل من أقابلهم في الطرقات مثل كيفن
تربد وجه الأم وحدجتها بنظرة ريبة وسألت باحتداد:
ماذا تقصدين ؟
ـــــ أمي والله لا أقصد شيئاً.... لِمَ تنظرين إليّ هكذا ! أنا فقط أأأأ قصدت أن ليس كل
من نقابلهم في الطرقات يحبون المسلمين
ربعت الأم ذراعيها وسألت وهي تخترق حصون عينيها:
وكيفن يحب المسلمين ؟
ـــــ اعتقد انه لا يكرهنا . على العكس فهو يريد أن يفهم
ديننا
ـــــ هداه الله إلى الإسلام آمين..... إن حاول الحديث
معكِ مرة أخرى فامنعيه
ــــــ لا تخافي يا أمي
أخذت عائشة نوبة من العطاس
ـــــ هاتشيييييييييييييييييي هاتشييييييييييييييييييي ها ها هاااااااااااتشييييييييييييي
ـــــ ههههه يرحمكم الله
ــــــ ها هاهاااااتشش هااااااتشييييي يهديكم ويصلح
بالكم يا امي هااااهااااااااااتشييي
*******************************
دلف كيفن إلى المنزل وثيابه مبللة, فاستقبلته والدته:
ـــــ كيفن! أين كنت؟ وما بال ثيابك مبللة هكذا!
ـــــ كنت بالعمل. ونزلت من السيارة ومشيت على الطريق تحت المطر، وبعدها ذهبت مرة أخرى وأحضرت سيارتي
ــــــ مممممم ولِمَ هذا العذاب يا ولدي ! أما زلت صغيرا لهذا العبث
!!!
قهقه كيفن, فسألته:
ــــــ لماذا طردت كريستينا من العمل ؟
ــــــ من اخبرك ؟
ـــــ اتت إليّ تشكي فعلتك
ـــــ لا احتاجها
ردت والدته باندهاش:
ـــــ أنت لا تحتاج كريستينا ؟ أما كنت تقول دوما كريستينا
هي ذراعي الأيمن؟
ـــــ وقد كسر ذراعي الأيمن يوماً يا أمي فما توقفت عن
الحياة ... سأستبدلها برجل
قهقهت والدته وقالت باستنكار:
ــــــ ومنذ متى يصلح الرجال لوظيفة سكرتيرة!
ـــــ يصلحون يا أمي . فقط نحن من نبحث عن الجميلات معتقدين
أنهن وقود العمل ولا يسير بغير دلالهن
غزى شعور غريب قلب والدته فقالت وهي تنظر في عينيه:
ــــــ ممممم لا ارتاح لكلامك
بدت بسمة ساخرة على شفته وقال:
ـــــ ومنذ متى يا أمي وأنت ترتاحين لكلامي !
اجتاحت الصرامة وجهها وأمرته:
ــــــ اذهب وارتدي ملابس غير تلك المبللة لنذهب إلى
الكنيسة
ـــــ حسنا يا أمي.. سأفعل لأجلك
ـــــ بل قل لأجل الرب
زفر مـتأففاً، وقال عامداً غرفته:
ـــــ بعد إذنك
*******************************
في الكنيسة, جاء الآب دانيال يحمل البخور لينشر عبقه فوق
رؤوس الجميع, فهرع إليه الحضور يقبلون يده, وهو يقول مختالاً:
ـــــ مرحبا بالجميع. هاهي يداي فهلموا لنيل البركات
تسابق والد كيفن ووالدته لتقبيل يد القس:
ـــــ دعني اقبل يده أولاً يا ماكس
أزاحها زوجها وهو يقول:
ـــــ لالالا ابتعدي، بل أنا من سأقبل يده أولاً يا
نيكولا
قبل والد كيفن يد القس وقال:
ـــــ صل من أجلنا أيها الآب دانيال
دفعته زوجته وقالت:
ـــــ ابتعد يا ماكس دعني اقبل يده... نعم صل من أجلنا
يا آبانا دانيال .
صرف القس نظره إلى كيفن الذي تنحى بعيداً غير مكترث بما
يفعلون, استبد الغيظ بالقس وسأل بعينين متقدتين:
لماذا يقف ولدكم بعيداً ولم ينكب على يدي مقبلا ؟
نادته والدته بحدة:
ـــــ اقبل يا كيفن. هيا يا ولدي اقبل وقبل يد آبانا
دانيال
ـــــ ممم أعتذر وبشدة. فأنا مصاب بنزلة برد وأخاف أن أعديه
رشقته والدته
بنظرة غيظ، واستدارت إلى القس باسمة تقول لتمتص غضبه:
ـــــ أرأيت كم يحبك كيفن يا آبانا!. يخاف عليك من
العدوى
حدجه القس بنظرة ماكرة وقال:
ـــــ تعال يا ولدي اقترب لسماع الوعظ
غمغم كيفن
(لا أدري من منا يحتاج إلى الوعظ أيها القس)
سأله القس بخبث:
ماذا تقول يا كيفن ؟؟؟
ــــــ اقول أذني تؤلمني ولا استطيع السماع
أمره القس بوعيد:
ـــــ هيا يا ولد. هيا اقترب واسمع الوعظ وإلا غضب عليك
الرب
هاج هائج كيفن واشتد احمرار وجهه غضباً:
ـــــ أي رب ! أي رب تقصدون!
صاح القس والشرر يتطاير من عينيه:
ـــــ يسوع
صاح كيفن غاضباً:
ــــ أين هو أيها الآب ؟
فاق صياح القس صياحه:
ـــــ لا يظهر لصاحب الخطايا . يظهر للقديسين فهم يرونه
ببصيرتهم الروحية
مسح كيفن وجهه ليذهب الهدوء ببعض غضبه, أطرق قليلاً ثم عاد يسأل بلسان المنطق:
ــــ أيظهر لهم لحماً ودم ؟
أجاب القس وحمرة الغضب تكسو وجهه:
ـــــ لا أيها الأحمق . يظهر بجسده النوراني الممجد
ـــــ وأين ذهب جسده المادي ؟
ـــــ تحول الى جسد نوراني
ـــــ ومن الذي حوله من المادي الى النوراني ؟
ـــــ هو من حول نفسه
رد كيفن وعقله يعتلي صهوة المنطق:
ـــــ إذن فخارق
القوة هو. استطاع أن يحول نفسه من جسد مادي إلى جسد نوراني ولم يستطع أن يدفع عن
نفسه من قاموا بقتله وصلبوه ؟؟..... لِمَ
استسلم لهم صاحب القوة الخارقة؟
ازدادت نيران القس دانيال اشتعالاً وأخذ في الوعيد:
ــــــ تباً لك أيها الأحمق، يتزايد عنادك ورفضك لدينك
يوما بعد يوم، وسينفد صبري
قهقه كيفن وقال متهكماً:
ــــــ ماذا ستفعل بي ؟ أرجوك لا تقتلني. فأنا لا أستطيع
أن أقوم بجسد نوراني كي أثأر منك
تلظى القس غليلاً وصرخ به وهو يصر على أسنانه:
ـــــ ويحك! أتسخر منا أيها الكافر؟
صرخت والدة كيفن تتوسل إلى القس وقد انهمرت دموعها:
ـــــــ لا, لا, أبانا لا تكفر ولدي. إنه مازال صغيراً
التفتت إلى كيفن ترجوه متشبثة بذراعه وعبراتها تغرق
وجنتيها:
ـــــ اعتذر يا كيفن. اعتذر وإلا ستلاحقك اللعنات
سكن القس قليلاً وناداه بتعال:
ــــ اقترب أيها الشاب. اقترب
اقترب كيفن وهو ينظر في عين القس بثبات, فأمره القس
باحتداد:
ـــــ أشر إلى رأسك وصدرك بعلامة الثالوث, فافعل
قال كيفن بتحد وعيناه ثابتتان في عيني القس:
ـــــ لن افعل. اقتلوني إن شئتم
هم القس باتخاذ قرار أليم بشأنه لولا أن قالت والدته
بهدوء:
ـــــ اترك لي ولدي أيها الآب، فلي معه حديث
ــــــ تفضلِي أيتها المسيحية الصالحة
نشبت والدته أظافرها في ذراعه، ودفعته بعيداً بكل ما أوتيت
من غيظ، وتبعته وانتحت به جانباً وصبت عليه جمار وعيدها:
ــــ كيفن! كيفن إن لم تفعل وحق يسوع لأمزق هذه المسلمة أمام
عينيك. فقد امتلأ قلبي غلاً ناحيتها. أشر بعلامة الثالوث
افترس الخوف قلبه على عائشة وأخذ يتوسل إلى أمه:
ـــــ لالا، لا يا أمي هي لا ذنب لها، لا ذنب لها وأنتِ
تعلمين ذلك جيداً
زأر كيفن كالملتاث:
ـــــ مريهم
بقتلي أنا واستريحي يا أمي للأبد، مريهم بقتلي واستريحي. لا رغبة لي في الحياة فقد
سئمت، سئمت
انهمرت دموع الرحمة من عيني والدته وتشبثت به وبثت إليه
حنانها الجارف في كلمات سرت إلى شغاف قلبه:
ـــــ أفتديك بروحي يا ولدي، أفتديك بروحي ..كيف تقول
ذلك يا كيفن. أنا آمر بقتلك أنت يا ولدي الحبيب ! وهل تظن أنني سأحيا بعدك يا كيفن!
نظر إليها وتجمدت الأحرف على شفتيه للحظات, ثم أشاح
بوجهه وزفر أنفاسه وقال ضائقاً:
ــــ انا متعب، متعب. أشعر بإجهاد فظيع. أريد أن أغادر
هذا المكان حالاً .أختنق. أختنق
قالت بنبرة رجاء وعينان تذرفان:
ــــــ سنغادر الكنيسة المباركة يا ولدي. فقط عليك
الاعتذار عما بدر منك للآب دانيال
رد بتحد:
ــــــ لن اعتذر لأحد. أنا لم أخطئ في حقه... لماذا دائماً لا تقبلون حوار العقل
ولا تملكون غير السب واللعنات لمن يعارضكم أو يكشف عواركم. لماذا؟ . ربما لو وجدت
عندكم إجابات تقنعني لعدلت عن كل أفكاري. ولكن للأسف لم اقتنع
أشاحت بيدها وعادت لزجره وهي تنشج:
ــــ كف، كف ، كف عن هذه الأحاديث المقيتة التي أرهقتك وأرهقتنا
معك.. لا أعرف لماذا حظي هكذا معك يا ولدي . أنا ما قصرت في تنشئتك على حب الصليب
وحب يسوع وأم النور والكنيسة. لِم ترفضنا؟
لِمَ ؟ وكأن كل خطايا البشر تحملت أنا وزرها بإنجابي ولداً مثلك . اسبقني وسآتي خلفك
قال كيفن محذراً إياها باحتداد:
ـــــ أمي إن فكرتم في إيذائها أو طالتها يد الشر منكم،
فلن تجديني بينكم وانسيني للأبد
سألته والغيظ يفري كبدها:
ـــــ ألهذه الدرجة تحبها ؟
ـــــ أجل يا أمي أحبها
ـــــ وحبك لها زادني لها كرهاً... ولكن لن أؤذيها طالما أنت بعيداً عنها.. . إن
حاولت تركنا لأجلها يا كيفن فسأقتلها وأشفي غليلي الذي ملأ قلبي ناحيتها... أسمعت
يا كيفن ؟
أطال نظرة صامتة إلى أمه, ثم قال:
ـــــ منتظرك في السيارة أنتِ وأبي بعد أن تنالا البركات
من أبيكم
اندفع عامداً الباب, فزفرت والدته بلهيب غليلها:
ـــــ تباً لك يا كيفن. تباً لك
******************************
عادت والدة كيفن إلى الآب دانيال مطأطئة الرأس خجلاً,
فأدرك ما بها وقال والوعيد يتقاذف من عينيه:
ــــ ألم يعد ولدك إلى صوابه أيتها المسيحية الصالحة
نيكولا ؟
بكت بين يديه راجية:
ـــــ لا تغضب عليه يا آبانا. مازال صغيراً وهذه اللعينة قد أفسدت عقله. مر
بقتلها يا آبانا وأرحنا منها للأبد حتى يعود كيفن إلى أحضاننا مرة أخرى
رد والدهاء يلمع في عينيه:
ـــــ أتظنين أنه بقتلها سيعود ولدك ! لا . بل سيعاند ويكابر أكثر
ــــ وما الحل إذن يا آبانا . نحتاج لحكمتك في معالجة
هذا الأمر
ـــــ هذه الفتاة منذ رأيتها بالمستشفى وأنا أعد لها
المكائد كي أؤدبها. لا تظنين إني نسيت الأمر نيكولا
تهلل وجه السيدة نيكولا وسألت والفضول يتملكها:
ـــــ ماذا
ستفعل يا آبانا ؟
ـــــ ستعرفين كل شيء في حينه نيكولا. انصرفي الآن
انحنت قائلة في إجلال للقس:
ـــــ ليس قبل تقبيل يدك آبانا لتحل البركات وتنصرف
اللعنات .. أين ذهب ماكس ؟
ـــــ زوجك نائم على الكرسي. بدلاً عن سماع الترانيم
ينام هذا الغافل
ـــــ سامحه يا آبانا هو أيضاً . سأوقظه ليقبل يدك قبل
أن ننصرف
هرعت إلى زوجها تهزه لتوقظه:
ـــــ ماكس, ماكس
فتح عينيه ذاهلاً يسألها:
ـــــ ها! أين أنا؟. من أنتِ؟.. من هؤلاء؟
صاحت به:
ـــــ مابك يا ماكس؟. أفقدت الذاكرة أم انتقلت إليك
العدوى من ولدك. قم. قم أنت في الكنيسة.اذهب وقبل يد آبانا
نظر والد كيفن حوله وهو يسأل في فزع:
ـــــ أين كيفن؟ أين ولدي. قتلتموه؟
ــــ أقتل ولدي أيها المختل! سبقنا إلى السيارة
قال وهو بالكاد يفتح عينيه:
ــــ شكرا للرب . آآآه . هات يدك يا أبانا كي اقبلها.
لماذا أصبحت يديك متحجرتين هكذا!
زفرت زوجته وأخذت تهزه قائلة:
ـــــ يا ماكس. ماكس! أنت أمام تمثال العذراء. أبانا هناك
يجلس على الكرسي الباباوي بحلته الحمراء المزركشة... افتح عينك لترى طريقك بين المارة. ييييييييي
ذهب ليقبل يد التمثال الآخر
*******************************
في السيارة, أخرج كيفن هاتفه ليجري مكالمة مع صديقه
ليون, دق جرس الهاتف فرد ليون:
ــــ الو. مرحبا كيفن. هاها سبقتني في الاتصال
ــــ كيف حالك ليون
ـــــ بخير. أين أنت؟ أشعر أن هناك أصوات حولك
ــــ أنا في السيارة أمام الكنيسة منتظراً أبي وأمي
ـــــ منذ الكريسماس ولم اذهب للكنيسة ولا أي من أسرتي .... متى ستتزوج يا كيفن؟
ضاق كيفن ذرعاً بالسؤال, فأجاب محتداً
ــــ أوف! لا تذكرني بهذا الأمر مرة أخرى من فضلك
ــــ ههههه أنت وشأنك . يبدو أن الخلافات دبت بينك وبين مخطوبتك
من قبل أن تتزوجا ههه أشكر الرب أنني مازلت بعقلي ولم أفكر في الزواج ههه.
استطرد ليون:
ــــــ كنت سأتصل بك لتستورد لي شحنة نبيذ فرنسي أخرى
رد كيفن بحسم:
ــــ لا، لا. آسف جداً. لن أستورد الخمور مرة أخرى
أخذت الدهشة ليون:
ـــــ ماذا!!.... هل وجدت مني ما يضايقك يا كيفن حتى
ترفض التعامل معي في العمل ؟
ــــ لا يا ليون. الأمر ليس كذلك. فقط بدأت أشك أن عملي
في استيراد الخمر محرم
أطلق ليون ضحكة عالية وسأله:
ـــــ أعلم من ذلك أنك لن تشرب الخمر مرة أخرى ؟
ـــــ بالفعل لن أشربه مرة أخرى ..... دعني أحدثك في
الشأن الذي اتصلت بك من أجله وأرجو أن تساعدني
ـــــ تفضل يا كيفن
ـــــ أريد قطعة
من السلاح
قهقه ليون وقال ساخراً:
ــــــ ستترك العمل بالخمر وتعمل مع عصابات المافيا إذن
ههه
زفر كيفن وقال باحتداد:
ـــــ أنا لا أمزح يا ليون
ـــــ مابك يا كيفن ؟ صوتك لا يعجبني . أشعر أن هناك أمر
أهمك
ـــــ لن يفهمني أحد . هل ستساعدني ؟
ـــــ بالطبع سأساعدك. عندي صديق يتاجر في السلاح. سأذهب
وأحضر لك سلاحاً من عنده
ـــــ وأنا تحت أمرك في أي مبلغ لشراء هذا السلاح
ـــــ.....ألا تخبرني في أي شيء تريده ؟
ـــــ لا تفهمني خطأ . فقد أردته للدفاع وليس لمهاجمة
أحد
ـــــ وهل يطاردك أحد ؟
ـــــ أشعر بالخوف على إنسان أحبه لذا يجب أن أحميه
سأل ليون بريبة:
ــــ ممممم وماذا فعل هذا الشخص ليتعرض للملاحقة والرغبة
في التخلص منه ؟
ـــــ لم يفعل شيئا غير إظهار الحقائق
ــــ مازلت لا أفهم شيئاً
ــــ لا داع لفهمك. فقط سأنتظرك اليوم ومعك السلاح في
مكتبي
ـــــ اليوم لا.. أنا مشغول جدا يا كيفن
زفر كيفن وقال بضيق:
ـــــ حسناً. سأنتظرك غداً على الأكثر. الأمر لا يحتمل
التأجيل من فضلك يا ليون
ـــــ تحت أمرك يا كيفن . انتظرني في تمام السادسة مساءاً
*******************************
عاد والد عائشة من الخارج, فسأل عنها والدتها:
ــــ أين هي عائشة يا مريم ؟
أتته عائشة تهرول:
ــــ ها أنا ذا يا أبي. هل ذهبت لإحضار سيارتي من المكان
الذي تعطلت به لنصلحها ؟
قهقه والدها وقال:
ـــــ سيارتك أسفل البناية، وقد تم تصليح ما بها من عطل
أخذتها الدهشة:
ـــــ ماذا!!..... ومن قام بالأمر ؟
ـــــ لا أعرف يا بنيتي . وجدت السيارة وحاولت تجربتها
فوجدتها سليمة تماماً وتم إصلاح ما بها من عطل
قالت ذاهلة:
ــــ غريب أمر هذه السيارة... كنت كل يوم أنزل وأزيل
عنها الجليد. فأصبحت الآن أنزل ولا أجد عليها قطعة واحدة من جليد هه سيارة غريبة
قال والدها ضاحكاً:
ـــــ ههههه أمر غريب حقاً ... أليس كذلك يا مريم ؟
أطالت الأم نظرة صامتة إلى عائشة أربكتها, ثم قالت
لزوجها:
ـــــ ممممممم
ليس غريباً يا سالم ... . ولكن الغريب القصد من وراء هذه الأفعال . مممممم سيارتك
في انتظارك أيتها الطبيبة فانطلقي إلى عملك
اندفعت إلى الباب بخطوات مرتبكة, وألقت السلام بصوت
مضطرب قبل أن تخرج
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد والدها السلام وقد أيقن أن هناك أمر قد خفي عنه:
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... مريم! يبدو
أن هناك أمر لا أعلمه
هربت عيناها من عينيه وقالت:
ــــ لا شيء يا سالم .لا شيء
حاصرت عيناه عينيها وقال:
ـــــ طريقة كلامك مع ابنتك تقول أن هناك شيء
تنهدت بعمق ثم قالت:
ـــــ ابنتي لا ذنب لها في أي شيء. فقط أنا أخاف عليها وأخاف
أن تمس بسوء
تبسمت وربتت على صدره وقالت:
ــــ لا عليك حبيبي. فقط هواجس الأمهات أمثالي والخوف
الزائد . كفانا الله السوء اللهم آمين
أوصد أمامها سبل الهروب لتبوح بما طوت عليه دواخلها:
ـــــ ما دخل سيارة تم تصليحها بخوفك الزائد ... أنا لا
أفهم شيء
علمت أن لا مناص من البوح فاستسلمت:
ــــ أعتقد أن كيفن هو وراء تصليح السيارة وهو من يزيل الجليد
عنها
ـــــ وحتى لو كان الأمر كذلك. هو يفعل ذلك لشعوره أنها
صاحبة فضل عليه كطبيبة وليس أكثر... . أم
أنك ترمين إلى شيء أبعد يا مريم؟
ـــــ سالم أنت تعرف أن ابنتنا متدينة جداً ولا غبار على
أخلاقها والحمد لله
ــــ أعرف ابنتي وأخلاقها تماما يا مريم . حفظها الله من
كل سوء ... لكن أعتقد أنك تقصدين أن شعور كيفن بها شعوراً عاطفيا
فزعت الأم ووضعت يدها على فمه وقالت بارتجاف:
ــــ بالله كف عن هذا الحديث . فهو على غير ديننا يا
سالم . وليتك تنصحه بألا يفكر في ابنتنا
ـــــ لم يأتني يا مريم قائلاً أنا أفكر في ابنتك كي أنصحه
بعدم التفكير .. يبدو فعلاً أن هواجسك سيطرت على تفكيرك
ربت على كتفها برفق وقال يبث الطمأنينة في نفسها:
ــــ إهدئي يا
مريم وثقي أن عائشة لن تخطئ
ـــــ انا أثق في ذلك يا سالم .... هيا حبيبي لتتناول إفطارك
قبل أن تذهب إلى عملك
ـــــ هههه ليس قبل أن
ترحل عن وجهك هذه الكآبة وأرى بسمة ثغرك
تبسمت قائلة بود:
ـــــ هيا يا حبيبي
*******************************
إلى هنا قد انتهت حلقتنا لهذا اليوم
أشكركم على الحضور الراقي
ألقاكم يوم الخميس القادم إن شاء الله مع أحداث ساخنة
لا تنسوا ذكر الله والصلاة على الرسول عليه الصلاة
والسلام
لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ردحذفروووعة جدا مُبدعتنا الغالية
ردحذفجميلة
ردحذفجزاك الله خيرا
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم
ردحذفالحمد لله على نعمه الاسلام
ردحذفالحمد لله ان الاسلام دين كرم المرأة وحفظها وغلاها في عيون الرجال ليست سلعة مباحة متاحة للناظرين
اللهم احفظ بناتنا وبنات المسلمين
دائما مبدعة
ردحذفكاميليا محمد
ردحذفلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
بارك الله فيك كاتبتنا المبدعة الحلقات تزداد جمالا سلمت يداك 🌹❤️
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه 💕
ردحذفحماكِ الله وسلمكِ من شرور الأب دانيال يا عائشة
حلقة جميلة يا غالية
❤️دُمتِ مُبدعة ❤️
ايه الست ام كيڤين دي ؟
ردحذفالولية حربوووقه بشكل لا يصدق
الولية مسيطرة على جوزها زي مايكون هي الراجل 😂
ياعيني عليك يا ماكس شكلك بتاخدها على قد عقلها وبتمشي حالك معاها وخلاص
الحب بيعمل اكتر من كدة ياعم كيڤين
هتقتل امك علشانها 😝
يلا ف ستين داهية 😂
ربنا يحرق دانيال وكل من على شاكلته 😁
سلمت يمينك يا استاذة هوبة