الحلقة العشرين( حارة الموعودين)

 

خرجت هناء متألقة في فستان الخطبة وزينة العروس، ومدت يدها إلى أم هشام وقالت:

 

هاتي ايدك يا طنط؟

 

صرخت أم هشام:

 

يا لهووووووي حوشوها عني يا نااااس، مش عايزة اموووت، مش عايزة امووووت

 

قالت هناء ببراءة:

 

مش عايزاني أمسك ايدك ليه يا طنط؟

 

يعني مش عارفة يا وش السعد انك بتجيبي أجل الحموات يوم الخطوبة!!

 

يا طنط أنا مش بجيب أجل حد، هما اللي أجلهم كدة. مكتوبلهم يموتوا في اليوم اللي ماتوا فيه. يعني مش ايدي هي اللي بتموتهم. هاتي ايدك يا طنط وخليها على الله. لو مكتوبلك تعيشي هتعيشي، لو مكتوبلك تموتي يبقى هتموتي.بس والله هزعل عليكِ خالص واقول الله يرحمك يا طنط

 

يا لهوووي دي بتترحم عليا وانا واقفة قدامها، حوشوها عني يا نااااس. يا هشاااام انت يا هشاااام. حد يجيبلي هشام من جوا يحوشها عني.. هشااااام. انت فين يا جلاب المصايب

 

جاء هشام يهرول:

 

ايه يا أمي يا حبيبتي، واقفة على الباب ليه. ادخلي.. هاتي ايدك

 

مدت يدها المرتعشة لابنها، فأمسك يدها يقول:

 

مال ايدك ساقعة زي التلج كدة وبتترعش، ووشك كمان أصفر قوي.. انتِ عيانة يا امي!

 

حدجته بنظرة مستعرة ولسان حالها يقول( ألا تدري ما بي يا ولدي يا من جلبت ليا الشقاء!)

 

سند جسد والدته المرتعد إلى أقرب مقعد، وأجلسها برفق، وسط جمع من النساء المدعوات للخطبة،  فهرعت أختاها  إليها تبكيان، ، فجلست لطيفة عن يمينها، وقالت تواسيها وهي تمسح عينيها بمنديل ورقي:

 

قلبك عندك يختي

 

تعيشي يا لطيفة.. طول عمر قلبك فيه الخير يختي

 

وقالت نادية ناشجة:

 

والله يا أبلة ما عارفة أقول ايه! أقول مبارك ولا هتوحشينا اهئ اهئئئئئ آآآه يا أبلة سميحة يا حنينة.. أبلة أنتِ عوضتيني عن ماما والله، من ساعة وفاة ماما وانتِ أمنا الحنينة اللي بتسأل علينا آآآآه هعمل ايه من بعدك يا أبلة!

 

يا شيخة عملك اسود ومنيل، هو انا ناقصة! أجلي يختي البكا والنواح لما السر الإلهي يطلع. مستعجلة على الندب ليه!!

 

اهئ اهئئئ أسفة يا أبلة.. ده من زعلي وحزني عليكِ اهئ اهئئئ الله يرحمك يا أبلة سميحة اهئ اهئئئئ

 

تنهدت أم هشام وهزت رأسها بحسرة وقالت:

ألف رحمة ونور تنزل عليا يختي. انتو لسة ما دفنتونيش لحد دلوقتي ولا شربتوا قهوة سادة!!

 

زفر هشام استياءاً مما تفعله خالاتاه، وقال ببعض الحدة:

 

مش معقول كدة يا جماعة. انتو جايين في مناسبة سعيدة، المفروض نهني ونبارك، مش نقول الكلام الكئيب ده وكإنكو قاعدين في عزا أمي، ربنا يديها الصحة وطول العمر

 

وقال لوالدة العروس:

 

اعملوا لأمي كوباية لمون يا خالتي ام هناء لو سمحتِ

 

ههه من عنيا، دانا هعملهالها ساقعة ومشبرة. هو احنا عندنا كام أم هشام!

 

نظرت أم هناء إلى خالتيّ العريس الباكيات وهما تمسحان ما يذرف من عبرات بمناديلها، فمصمصت شفتها ولوتها، ثم نادت في النساء:

 

زغروتة يا ستات خلوا الناس تفرح والحزانى اللي جاين ينكدوا علينا يتلموا

 

أنطلقت النساء بالزغاريد، فانتفض جسد أم هشام مذعورة، ووضعت يدها على قلبها وغمغمت:

 

خضتوني يا بوعدا منكو لله. انتو بتزغرتوا ولا بتنتقموا! 

 

مالت على أختها لطيفة وهمست:

 

لطيفة

 

أجابتها ناشجة

عيني يا حبيبتي؟

 

ادفنوني مع امي وخالتي نحمده وستي سعدة. ما تدفنونيش مع ستات أغراب ما اعرفهومش. أنا عايزة ونس وحبايب هناك

 

اهئ اهئئئ حاضر يختي.. ابقي سلميلي على امي وخالتي نحمده

 

لما تروحيلهم ابقي سلمي عليهم براحتك. ما تحملنيش أمانات، أنا عايزة اروح خفيفة

 

اهئ اهئئئ حاضر يختي. ربنا يجمعنا بيكِ في الجنة

 

يارب يختي اشوفك هناك قريب. اوعي تغيبي عليا يا لطيفة

 

اتسعت حدقتا لطيفة وصاحت بها:

 

يختي وانتِ مالك ومالي!، ألف بعد الشر عليا وعلى شبابي، فال الله ولا فالك. الشر برا وبعيد

 

آآآخ ايوة كدة يا لطيفة اظهري على حقيقتك. قال وعاملة نفسك بتحبيني وقاعدة تعيطي جنبي. قومي يا ولية فزي من جنبي، مش طايقة اسمع صوتك

 

اهئ اهئئ كدة برضو يختي! والله زعلانة عليكِ، بس خايفة على عمري

 

أه، كلكو خايفين على عمركو وماسكين في الدنيا بإيدكو وسنانكو..,خليكو يختي، خليكو.. مسيركو تتكفوا على بوزكو غصب عنكو وتيجو.. هييييح  دنيا الإنسان فيها ضيف تقيل ورزل.. كله رايح. كله رااايح .. جايالي جيالي يا لطيفة، هتروحي فين يختي!

 

يختي وقتها يحلها ربنا اهئ اهئئئ هتوحشيني يا سميحة

 

كانت هناء تجلس وحيدة، لا أحد بجوار مقعدها، الجميع ينظر إليها بارتعاب، وأولهن أسماء زوجة شقيق العريس وابنة السيدة لطيفة خالته، وشقيقتها سلمى، وجاءت ثالثتهن عبير، الشقيقة الكبرى، فابتئست حين وجدت أمها وخالتها نادية تبكيان وتنتحبان على خالتها سميحة التي تتوسطن واجمة.. تنهدت وهزت رأسها، واتجهت إلى العروس تهنئها، تتبعها أعين أمها وخالتيها باستياء، وعينا أختها أسماء بانبهار بهيئتها ومصاغها تكاتم حسرتها في قلبها.. أقبلت عبير على العروس وهنئتها باسمة:

 

هناء، ألف مبروك يا عروسة، ربنا يتمم بخير يا حبيبتي

 

فرحت هناء لرؤيتها، وانتفضت عن المقعد تحتضنها وتقبلها وتقول:

 

الله يبارك فيكِ يا عبير. والله انتِ طيبة خالص، فرحانة عشان قولتيلي مبروك. ما حدش قالهالي غير ماما وهشام

 

هه ما تزعليش يا حبيبتي. إن شاء الله الناس كلها هتقولك مبروك.. بس لما الليلة تعدي على خير

 

يارب يا عبير، يارب. والله أنا مرعوبة أكتر واحدة، بس ماما قالتلي اضحكي وما تشمتيش فيكِ العدوين, قولتلها مين العدوين دول يا ماما. قالتلي أم العريس وخالاته وولاد خالاته.. ما عدا انتِ يا عبير. عشان انتِ طيبة

 

هههه تعيشي يا روحي.. والله ماما وخالاتي طيبين قوي بس هما واخدين عنك فكرة مش ممم.....

 

فكرة مش حلوة. أنا عارفة. بيقولوا عليا نحس

 

لالا ما تقوليش كدة.. إن شاء الله سوء تفاهم ويزول .. عن اذنك عشان اروح لماما وخالاتي

 

اتفضلي

 

ما أن أقبلت عليهن حتى قالت والدتها باحتداد:

 

انتِ يا بت أول ما تدخلي، تدخلي على عروسة النحس تباركيلها!! مش المفروض تيجي تاخدي بخاطر خالتك وتواسيها، وتطلي في وش امك اللي ما شافتكيش من أسبوع، وتسلمي على خالتك نادية اللي نظرها راح من كتر البكا والحزن! ايه! ما شوفتيناش ولا عميتِ!!

 

ههه ايه يا ماما جو الكآبة ده يا حبيبتي! احنا في فرح، فكي التكشيرة وبطلي عياط.. وبعدين العادي يعني اني أروح ابارك للعروسة أول واحدة

 

باركتيلها يختي وخدتي البركة!! ابقي اشربي بقى من اللي هيجرالك

 

تنهدت عبير وقالت بامتعاض:

 

تفائلوا بالخير تجدوه يا ماما

 

مصمصت والدتها شفتها وقالت ساخرة:

 

يعني ايه يا روح ماما!!

 

يعني يا ماما طول ما انتو متوقعين الشر هيجيلكو. خليكو متفائلين أحسن... ازيك يا خالتي سميحة، مبروك لهشام

 

هو ونصيبه بقى يا بنت اختي

 

ههه نصيبه زي الفل إن شاء الله ... ازيك يا خالتي نادية

 

اهئ اهئئ الحمد لله يا عبير

 

تطلعت خالتها نادية إلى عبائتها الأنيقة وتلك الأساور الذهبية الأنيقة في معصمها، ومدت عينيها إلى  السلسلة الأنيقة التي تتدلى على صدرها، وقالت مادحة:

الله! حلوة العباية بتاعتك قوي يا عبير، وحلوين قوي الغوايش.. انتو غيرتِ غوايشك القديمة!

 

أه يا خالتي، لسة يادوب مغيراهم أول امبارح, وجبت كمان السلسلة الجديدة دي

 

جميلة، جميلة، هتاكل من رقبتك حتة

 

استاءت السيدة لطيفة وصاحت بأختها:

 

جرا ايه يا نادية، ما تصلي ع النبي يختي وقولي اللهم بارك وادعي لبنتي ربنا يديم عليها النعمة بدل ما انتِ باصالها ومفنجلة عنيكِ

 

جرا ايه يا أبلة لطيفة! هو أنا هحسدها ولا ايه! دانا حتى عيني باردة

 

هي فين دي اللي باردة! دا الهبو اللي طلع من عينك حرقني

 

انتفضت نادية عن المقعد وصاحت بأختها:

 

لالالا ده كدة انت بتشتميني يا أبلة لطيفة. أنا طول عمري عيني باردة ولا حد قال عني حسودة ولا حد جراله حاجة لما شوفته

 

همست عبير لوالدتها:

 

يا ماما ما يصحش كدة، خالتي نادية ما تقصدش، بلاش فضايح قدام الناس

 

فضايح! أنا اللي بعمل فضايح! وهي يعني خلاص مش قادرة تقول الله يباركلك يا عبير، ولا لسانها هيتشل لو باركت!

 

صاحت نادية:

 

طب مش هبارك يا أبلة لطيفة، أما اشوف أخرتها

 

والله لو بنتي جرالها حاجة، لاجيلك بيتك أقعد فوقيكي أبططك. هو انا عندي أغلى من ولادي!!

 

تبططيني ده ايه! هو أنا فطيرة!!

 

صاحت أم هشام:

 

يختيييي، تعالى يا هشام شوف خالاتك اللي عمرهم ما اتخانقوا، وطول عمرهم سمن على عسل. خالاتك هيبططوا بعض عشان تنبسط  بجوازة النحس

 

زفرت هناء، وجاءت أمها من المطبخ تحمل كأس الليمون وتهرول صوبهن منزعجة:

 

ايه يا جماعة بس مالكو. دانتو عمركوا ما اتخانقتوا ولا حد سمع صوتكوا، عين وصابتكو

 

قالت أم هشام:

 

لا يا يختي مش عين، ده نحس دكر هشام اللي جابهولنا!

 

تنهدت أم هناء واستدارت إلى المعازيم تحييهم:

 

منورين يا جماعة، عقبال ولادكو.. ما تسمعونا زغروتة

 

زغردت النساء، ورجعن للوجوم والترقب، فاحتضنت عبير والدة العروس وهنئتها:

 

ألف مبروك يا طنط أم هناء

 

الله يبارك فيكِ يا عبير يا حبيبتي، عقبال ما تفرحي ببناتك، اومال ما جبتيهومش معاكِ ليه يفرحوا وهيصوا معانا؟

 

هه ما انت عارفة بقى الجيل ده يا طنط، لا بتاع أفراح ولا مناسبات ولا له دعوة بحد، دول قاعدين للنت والتليفونات وبس

 

ربنا يهديهوملك يا حبيبتي ويفرحك بيهم

 

اللهم آمين يا طنط. عن اذنك هروح اسلم على اخواتي

 

اتفضلي يا حبيبتي, ربنا يخليكو لبعض

 

اتجهت عبير إلى أختيها، فظلت أختها أسماء تطالع عباءتها الحريرية من أعلى إلى أسفل بعين شرهة، لحظت عبير ولم تلق بال، فهي تعلم أن أختها تحبها، غير أن تمني النعم  يفعل بالقلب الأفاعيل، مالت عليها تقبلها بحنو:

 

ازيك يا أسماء، وحشتيني

 

يا حبيبتي يا بيرو، وانتِ كمان والله.. إنما إيه الشياكة دي!

 

هه من بعض ما عندكم.. ازيك يا سلمى يا حبيبتي، هاتي بوسة

 

حبيبتي يا بيرو، وحشتيني قوي

 

وانتِ كمان والله

 

قرصت عبير وجنة اختها سلمى برفق وقالت:

 

عقبال ما نفرح بيكِ يا سلمى عن قريب

 

عادي يا اختي، ما بقاش يفرق والله

 

بس يا عبيطة، هو ايه اللي ما بقاش يفرق! ربنا يصلح حالك ويجمعك بزوج صالح

 

قالت أسماء وهي تطالع عباءة عبير، وبريق الذهب يراقص عينيها:

 

اوعي تاخديه موظف يا سلمى.. خديه صاحب أعمال حرة زي جوز عبير، عشان يجيبلك اللي نفسك فيه

 

أسرتها عبير في نفسها ووارت الضيق بابتسامة وقالت وهي تجلس إلى جوار سلمى:

 

يارب يا حبيبتي، يرزقها بزوج صالح يجيبلها أكتر من اللي نفسها فيه كمان.. بس والله صدقيني الرضا بالنصيب بيريح القلب

لوت أسماء شفتها وقالت بامتعاض:

 

أه.. على رأيك

 

أطرقت عبير تواري تنهيدتها.. ثم رفعت رأسها ونظرت صوب والدتها وخالتيها، اللواتي يجلسن قبالتها، فأصابتها الكآبة من منظرهن، وأرادت أن تذهب بتلك الوجوم، فأشارت إلى خالتها نادية وقالت:

 

ما تيجي تقعدي جنبي يا خالتي نادية

 

اهئ اهئئئ أجي يا حبيبتي، حتى عشان ارتاح من العياط اللي فلق قلبي، وكبب وشي اهئ اهئئئ

 

جلست إلى جوارها، تمسح دموعها بمنديلها الورقي المهترء الذي يستحق صفيحة القمامة، فسألتها عبير عن أمر بعيد عن مرمى تلك الليلة الكئيبة:

 

ألا قوليلي يا خالتي نادية، عمل ايه باسم مع بنت بياعة المناديل؟

 

بياعة مناديل! يا ريتها يا حبيبة خالتك كانت بياعة مناديل، إنما دي شحاتة بنت شحاتة قاعدة ع الرصيف بتقول لله يا محسنين

 

ياه! طيب وعلى كدة باسم متمسك بيها؟

 

لأ كدة أزعل منك يا عبير عشان أخطأتِ التعبير، باسم مش متمسك بيها، باسم متبت فيها بإيده وسنانه ومش هامه رأي حد.. والبت وأهلها واكلين عقله ومأكلينه الحلو كله وصارفين عليه، ما بقاش ياكل معانا لقمة في البيت ولا نشوف وشه، كل يوم يإما عازمينه عندهم ع الغدا، يا إما البت تشتريله سندوتشات كفتة وشاورما وبرجر في الجامعة. راخر لو شوفتيه مش هتعرفيه، باسم ابني الشاب الوسيم طلعله كرش يا عبير

 

ههههههه يا نهار ابيض يا خالتي

 

ايوة يا بنت اختي اضحكي اضحكي على خيبة خالتك وابن خالتك

 

يا خالتي ما يمكن بيحبها عشان كدة مصمم يتجوزها

 

أخذت خالتها تشير بإصبعها نافية الأمر وهي تهز رأسها وتطقطق شفتها بتواتر وتقول:

 

لالالا حب ايه اللي انتِ جاية تقولي عليه يا بنت اختي! الواد فرحان بالعيشة المرتاحة والأكل أبو بلاش، ده غير الهدوم والكوتشيهات الماركات اللي البت جايبهاله

 

ياه يا خالتي! دي تبقى بتحبه وشارياه بقى

والله يا حبيبتي أنا ما عارفة هي وأهلها عايزين منه ايه! ايه يخليهم يجوزوا بنتهم لواد سنكوح ما حيلتوش اللضا زي ابني باسم! .. والله يا عبير يا بنت اختي، خايفة ليكونوا تجار أعضاء وياخدوا الواد يبنجوه ويسرقوا أعضائه.. اومال يعني بيعلفوه زي العجل اللي هيدبحوه ع العيد ليه!

 

ضحكت عبير، حتى دمعت عينها ووضعت يدها على قلبها وقالت:

 

لا يا خالتي لا، مش معقول، دانت دماغك راحت لبعيد قوي .. طب ورأي عمي حمدي ايه؟

 

حمدي شال ايده من الموضوع، وبيقولي أنا نصحته كتير وهو ما بيسمعش الكلام. خليه يندب على بوزه وما حدش هينجده.. بس بيني وبينك، أحنا واقفينله في الموضوع، جه قالي أنا وابوه الأسبوع اللي فات أنا عايز فلوس الشبكة، عشان أهل العروسة مستعجلين، قولناله منين يا حبيبي! احنا جيوبنا منفضة.. مع إن كلام في سرك، عاملة جمعية مع زمايلي في الشغل، وهقبض خمستلاف جنيه، بس قولت مش هنولهومله ولا في أحلامه عشان يفرتكهم ع الشبكة بتاعة بنت الشحاتة

 

قهقهت عبير وقالت:

 

والله يا خالتي انتِ عليكِ كلام! هو في شبكة بخمستلاف جنيه في أيامنا دي!

 

مافيش! لا والله! ليه؟ هو جرام الدهب بكام؟

 

يا خالتي جرام الدهب عيار اربعة وعشرين دلوقتي عدا الخمسة تلاف جنيه، وعيار تمنتاشر باربع تلاف وستومية، أما عيار تمنتاشر بقى داخل على اربع تلاف

 

شهقت خالتها واتسعت حدقتاها وقالت:

 

 خمستلاف جنيه بحالهم يشتروا بيهم جرام دهب لا طلع ولا نزل!! ده ايه الغلا اللي فاتح بقه وهيبلعنا زي الغول ده!!

 

معقول يا خالتي ما تعرفيش إن الدهب غلي كدة!

 

وهعرف منين يا بنت اختي! أنا من ساعة ما نقيت شبكتي من خمسة وعشرين سنة، ما هوبتش ناحية دكان الصايغ.. حتى حمدي ما سابنيش اتهنى بالشبكة، خدها باعها يا حسرة قلبي بعد اسبوعين من جوازنا عشان يسد اقساط اوضة النوم

 

ربتت عبير على  خالتها بحنو وقالت:

 

معلش يا خالتي، ربنا يعوض عليكِ عوض الصابرين

 

ادينا صابرين يا بنت اختي ومستنين العوض... ادعي بس لباسم ربنا يقفل قلبه بالضبة والمفتاح من ناحية بنت الشحاتة عشان احنا مش ناقصين وكسة

 

طب وانتِ ما حاولتيش تتكلمي مع الشحاتة دي وتقوليلها تبعد بنتها عن باسم؟

 

حاولت

 

وحصل ايه؟

 

اتضربت واتبهدلت بعد ما الشحاتة لمت علية عبيده. الستات مسكوني رزعوني علقة محترمة وروحت البيت وأنا بعرج

 

ههههه يا خبر يا خالتي! طب وبعدين؟

 

ولا قبلين يا بنت اختي. اتعلمت الأدب، بقيت كل ما اشوفها، أعدي ع الرصيف التاني، وهي تبصلي من فوق لتحت زي ما اكون أنا اللي شحاتة

 

هههه

 

فجأة دخلت أم محمود من الباب بالزغاريد والمباركات

 

لولولولييييييي

 

لولولييييييييييييي

 

يا ألف نهار أبيض، يا ألف ليلة بيضا.. مبروك يا هناء يا حبيبتي، تعالي خديلك بوستين مش خسارة فيكِ

 

الله يبارك فيكِ يا طنط ام محمود، أومال منى وصفاء فين؟

 

بيلبسوا وجايين، هما يقدروا يتأخروا عليكِ في مناسبة زي دي!  كان نفسي أبللك شربات بس السكر غالي

 

ولا يهمك يا طنط، كفاية انك شرفتينا

 

عسل يا حبيبتي عسل يا خطيبة الدكتور العسل، ولسانك بينقط فيتامين. اومال ماما فين!... يا ام هنااااء، انتِ فين يا ام العروسة؟ أم هنااااء

 

هه أنا اهو يا حبيبتي. اهلاً أهلاً يا ام محمود يا غالية

 

بالحضن يا حبيبتي بالحضن يا ام العروسة يا غالية. ربنا يتمم بخير يختي ويجبر بخاطركوا ولا يكسفكوا قادر يا كريم

 

يارب يا ام محمود يارب. دانا قلبي بيتنفض من الخوف وما تعلميش بيا، غيرش الواحد ماسك نفسه عشان ما يشمتش العدو، وبيقول يارب سلم

 

هيسلم إن شاء الله

 

 اقعدي يا حبيبتي اقعدي

 

 ايوة ما انا هقعد، بس اروح اسلم على ام هشام اللي قاعدة تترعش زي الكتكوت الغرقان في الترعة  دي.. اما اطلع منديل من الكيس عشان اتأثر واعيط

 

اتجهت صوب أم هشام وحيتها ناشجة:

 

اهئ اهئئئ يا حبيبتي يا ام هشام، قلبي متشحتف عليكِ والله، ومش مصدقة إن دي آخر ليلة ليكِ في الدنيا، وهتروحي ع الآخرة اهئ اهئ

 

عقبالك يا ام محمود

 

ايه! يختي فال الله ولا فالك، ليه كدة يا ام هشام!!

 

أنا قلبي عليكِ، انتِ مش كنتِ زعلانة عشان مش لاقية سكر، ومش عارفة تحلي الشاي بإيه!

 

يختي إن شالله احليه بمش ولا بزرنيخ، ولا عننا ما شربناه خالص، المهم نعيش ونتهنى بنعيم الدنيا

 

نعيم ايه يا مقشفة! انتِ لاقية تاكلي يا ولية!

 

يختي اهو يوم ناكل، يوم نجوع، وادينا متشعبيطين في حبال الدنيا

 

حبال دايبة وهتقعوا على جدور رقابيكو إن شاء الله

 

اهئ اهئئئ أنا عارفة يختي انك بتقولي كدة من قهرتك وانك سايبة الدنيا. بس والله هنزعل عليكِ قوي ونطلع وراكِ التورب ونوزع قرص وبلح أبريمي

 

خليلهالكو القرص، ابقو غمسوا بيها الشهد المكرر اللي غرقانين فيه يا أهل حارة الموعودين

 

طب عن إذنك يا حبيبتي هروح أقف مع ام العروسة وهي بتستقبل المعازيم اهئ اهئئئ

 

مسحت دموع الحزن، وهرعت إلى أم العروسة وأطلقت الزغاريد فرحة

 

لولوليييييي لولييييي ألف مبروك يا ام هناء يا حبيبتي هههه الجاتوه فين يا ام هناء

 

ههه لما يجوا بقيت المعازيم يا حبيبتي، اصل مستنين أعمام  هناء جايين من الصعيد هما وحريمهم  وعيالهم

 

طب اكمل زغاريت على ما يجوا بقى

 

غمغمت أم هشام وهي تنظر إلى أم محمود وتهز رأسها بعجب لحالها:

 

طول عمرك معيطة مع المعيطين، ومزغرتة مع المزغرتين يا ام محمود، وما حد عارف انتِ مع مين ولا ضد مين

 

إنها حفلة خطبة من طراز غريب.. لا ابتسامات.. لا غناء للعروس.. تطلق فقط الزغاريد من وقت لآخر كإعلان كالح عن ليلة خطبة باهتة… فالوجوم يخيم على وجوه النساء، الأعين تتنقل بين أم هشام وهناء في ترقب لما سيحدث بين قطبي الليلة الموعودة، ولسان حالهم يقول( متى ستحين اللحظة الحاسمة، وكيف ستموت أم العريس. فموتها في تلك الليلة قادم لا محالة كسابقاتها. فأين الفرار من هناء، وهي تحيط بها من الاتجهات الأربع!!)

 

اخرجهن عن الوجوم دخول نعمة متهللة تنشر جو المرح بين المدعوات، حين قالت ضاحكة:

 

ايه يا جماعة مالكو مكشرين كدة ليه! انتو عليكو ديون ولا ايه! هههههه عقبال عندكو جميعا

 

تواترت أصواتهن

 

عقبالك يا نعمة

 

عقبال ما نفرح بيكِ يا نعمة

 

اتجهت إلى العروس التي استقبلتها متهللة:

 

نعمة حبيبتي جت، ازيك يا نعمة

 

احتضنتها نعمة وتبادلا القبلات وهي تهنئنها فرحة:

 

ألف مبروك يا عروسة، ربنا يتمملك بخير يارب يا هناء

 

الله يبارك فيكِ يا نعمة. ايوة ادعيلي ربنا يتمم بخير عشان أنا خايفة قوي وقلبي عمال يدق بصوت عالي زي الراجل اللي بيعدي بالأنابيب

 

ههههه طب الله يخليكِ خليه يجيبلنا انبوبة عشان خلصت واحنا بنعمل الغدا

 

لا بجد خايفة قوي يا نعمة

 

ما تخافيش يا حبيبتي. في واحدة تخاف ليلة خطوبتها برضو!

 

قالت بنبرة بائسة:

 

ايوة.. أنا

 

أشفقت نعمة عليها، فضمتها وقالت تبث روح الطمأنينة فيها:

 

لا ما تخافيش يا حبيبتي. أنا قلبي حاسس إن الليلة هتعدي زي الفل

 

ربنا يسمع منك يا نعمة يارب... أنا سمعت انك اتخطبتي.

 

تنهدت نعمة بعمق حيرتها، وصمتت هنيهة ثم سألتها:

 

سمعتِ من مين؟

 

من طنط أم عوض طبعاً. أصلها نادت عليا انا وماما الصبح واحنا معديين من قدامها وقالتلنا خبر خطوبتك، مع شوية أخبار تانية عن أهل الحارة

 

ههه خالتي ام عوض دي ولا وكالة الأنباء. تحسي انها مذيعة أخبار وقاعدة في التليفزيون مش في الشباك هههه

 

يعني حقيقي الخبر ده؟

 

تنهدت نعمة وقالت بنبرة حائرة:

 

مش عارفة أقولك ايه يا هناء... والله ما عارفة اقول ايه.. مش عارفة حقيقي ولا خيال

 

خيال! يعني هو العريس مش بني أدم زينا، ولا انتِ شوفتيه في الحلم

 

... لا.. شوفته في الحقيقة.. بس اللي بيحصل زي ما يكون خيال.. في حاجة مش حقيقية

 

هزت هناء رأسها وقالت:

 

أنا مش فاهمة حاجة

 

ههه بعدين ابقى احكيلك، بس بعد حفلة الخطوبة

 

ايوة بس ادعي طنط ام هشام ماتموتش

رمقت نعمة النظر إلى أم هشام، فوجدتها تنظر إليهما واجمة ويدها على خدها، فحيتها:

 

ازيك يا طنط ام هشام

 

أهلاً يا نعمة. ازي امك

 

الحمدلله كويسة

 

ماجاتش ليه بسلامتها!

 

معلش يا طنط، أصل رجليها واجعاها شوية

 

رجليها واجعاها ولا خايفة تيجي!

 

ههه هتخاف ليه بس يا طنط! حد ما يحبش الفرح واللمة الحلوة!

 

فرح ولمة حلوة ! ان شالله يعدلهالك يختي

 

ههه ويخليكي لينا يا طنط ام هشام

 

سألت نعمة، هناء؟

 

اومال فين مامتك عشان اباركلها

 

بتعمل الشربات في المطبخ

 

الله! شربات! ههه بقالي سنين ما شوفتش حد بيعمل شربات في المناسبات، كله بيجيب مياه غازية وعلب كانز

 

لا. ماما دقة قديمة وبتحب كل حاجة بتاعة زمان

 

الله! هو في أحلى من زمان وأيام زمان!

 

جاءت أم هناء تحمل صينية كبيرة وعليها عدد لا حصر له من كؤوس الشربات الأحمر، فأسرعت إليها نعمة تهنئها وتقبلها:

 

ألف مبروك لهناء يا طنط

 

الله يبارك فيكِ يا نعمة يا حبيبتي. عقبالك. خديلك كوباية شربات

 

ههه حاضر يا طنط. شكراً

 

 ونادت أم هناء  في النساء وهي تطوف بينهن بصينية الشربات:

 

زغروتة يا حبايب، اتفضلوا الشربات وعقبال عندكو

 

انطلقت النساء بالزغاريد، ودخلت بعض الفتيات إلى المنزل، من بينهن صفاء ومنى بنتا أم محمود، فغنت نعمة وشاركنها الغناء والتصفيق:

 

زغروتة حلوة رنت في بيتنااا

 

زغروتة حلوة رنت في بيتنااا

 

لمت حارتنا وبنات حارتنااااا

 

زغروتة حلووووة

 

حلووووة

 

شعرت هناء بالفرح يجتاحها بغناء نعمة المرحة و الفتيات، فشاركتهن بالتصفيق والغناء، وقد طفرت دموع الفرح من عينيها

نست النساء الجو الملبد بغيوم القلق، وانخرطن في جو الأنس والفرح.. إلا أم هشام التي ظل وجهها كبحيرة ماء آسنته الهموم، فظلت تضع يدها على خدها وتحدج هناء بنظرات تنطق بما عجز عنه لسانها

 

في مجلس الرجال، كان الأمر يختلف بعض الشيء

 

 

*************************

انتهت الحلقة

 

إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله

 

لا تنسوا ذكر الله والصلاة على الحبيب عليه الصلاة والسلام

 

لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد