الحلقة السابعة( الفصل الأول) الجزء الثاني من الليل والدوادي

 

استيقظت صفية اليوم وقد عقدت العزم على الخلاص من الحاجة فايقة التي لم يعد لها طاقة بإلحاحها على الولد الذي لن يأتي أبداً..وقفت عند باب غرفتها ونادت حورية, التي صعدت إليها على الفور ملبية: نعمين يا ست صفية

 

روحي يا بت للحاجة فايجة في بيت بتها اللي ما تتسمى وجوليلها الست صفية عيانة حبتين وعايزاكِ تجعدي معاها يامين تلاتة كديه

 

عيانة مالك بعد الشر؟

 

يا بت جوليلها كديه وخلاص, اكمنها يعني ما هترضاش تسيب بتها إلا للشديد الجوي

 

وانتِ عايزاها ليه جوي كديه يا ست صفية؟

 

أصل يا بت حاسة كديه انها جالبة عليا اليامين دول وما طايجانيش. عشان كديه جولت اجيبها تجعد معايا يامين واخدمها واجعد تحت رجليها واعملها الوكل اللي بتحبه, يمكن جلبها يحن من ناحيتي..آنا مش كد زعلها

 

أي والله يا ست صفية, دي زعلها عفش جوي ربنا يكفيكِ الشر

 

عشان كديه يا بت يا حورية عايزة البد في حضنها واكون في طوعها, وإلا تخرب عليّ وتكره كامل فيا, وآنا ماناجصاش هم

 

والله يا ست آنا خايفة عليكِ, دول لو دريوا بالعملية اللي عملتيها كانت عشان ايه, وانك داريتي عنيهم, ربنا وحده يعلم هيعموا ايه

 

حدجتها حورية بنظرة تهديد مخيفة وقالت: ماحدش يعرف بالحكاية ديّ غيرك يا حورية

 

ارتعدت أوصالها وقالت بتلعثم: و..ووالسر في الحفظ والصون يا ست

 

ربتت على كتفها وقالت: خابرة يا حورية, خابرة

***********************************

وصل المرسال للحاجة فايقة وتهيأت للخروج على الفور وذهبت إلى الجميلة الممددة في فراشها وقالت: جميلة, هروح سراية خوكِ أجعد يامين مع مرته

 

ليه يا امّا؟

 

شيعتلي البت حورية وبتجول انها تعبانة..ياكش يكون اللي في بالي حُصُل وتكون حبلى

 

وحتى لو كان, هي ديّ أول مرة تحمل عشان عايزة حد يجعد بيها!

 

هاها هتفضلي قارشة ملحتها لميتى يا جميلة!  مش هغيب عليكِ, هما يامين وراجعة, واهو انتِ معاكِ مهدية تراعيكِ عبال ما ارجع..استني هنادم عليها تسويلك كباية حلبة تجويكِ

 

ما عايزاش يا امّا

 

لاه, هخليها تسويلك..بت يا مهدية

 

نعم يا حاجة

 

سوي كباية حلبة لجميلة, وتاخدي بالك منيها على ما اجي, الوكل تغصبي عليها فيه كيف ما بسوي آنا, دي لو هملناها لروحها لا هتاكل ولا تشرب

 

ما تحمليش هم يا حاجة, الست جميلة في عيني التنين

 

يسلموا عنيكِ يا بتي...جميلة, ما عايزاش حاجة قبل ما امشي؟

 

عايزة سلامتك يا امّا

 

خدي بالك من روحك يا جميلة, وما تهمليش في الوكل والشرب يا بتي

 

ابتسمت جميلة وقالت: ما اتحرمش منيكِ يا امّا

 

************************************

دلفت الحاجة فايقة إلى غرفة صفية فألفتها في فراشها تبدو للناظر متوعكة. فهرعت إليها متلهفة يحدوها الأمل وهي تقول: ألف سلامة عليكِ يا صفية يا بتي, طمنيني عليكِ, حاسة بايه عاد

 

اجفلي الباب وتعالي عشان أجولك ع اللي في خاطري يا امّا. ما عايزاش حد يسمعنا

 

أسرعت بخطواتها صوب والباب وأغلقته وعادت تهرول: جلست إلى جوارها ومالت إليها وقالت: في ايه يا بتي

 

ما عارفاش يا امّا, بجالي كام يوم كديه حاسة بدوخة وغممان وما خابراش مالي

 

تهلل وجه الحاجة فايقة وقالت: حبلى ولا ايه؟

 

والله كاني كديه يا امّا

 

اجتاحت السعادة قلبها وقالت: الف حمد وشكر ليك يارب, بركة دعاي صبح ليل, الواد هياجي, هياجي, يا فرحتك يا كامل يا ولدي

 

بس يا امّا وطي صوتك الله يرضى عنيكِ ما عايزاش حد يسمع

 

واه! ليه يا بتي عاد؟

 

يامّا لساه الموضوع في أوله

 

يا بتي الفرحة ما تداراش عاد, ودي مش أي فرحة يا صفية. دي فرحة بعد شوج يا بتي

 

طب بس اسمعي يا امّا آنا ريت ايه في المنام

 

انتبهت ووضعت يدها على فخذ صفية وقالت بشغف: ريتي ايه يا بتي

 

أولة عشية وآنا نايمة, جاني سيدي أبو المنصور في المنام, يا بوي يا امّا لو ريتيه, طول بعرض ولابس إبيض في إبيض, ووشه بيصب النور صب, وكان ماسك في يده واد صغير كيف البدر ليلة تمامه, بجوله مين ديه يا سيدي ابو المنصور, جالي ولدك من كامل يا صفية

 

انفرجت أسارير الحاجة فايقة وردت بانبهار: الله أكبر, الله أكبر. كملي يا صفية يا بتي, جالك ايه تاني

 

جالي يا امّا, إنتِ حبلى يا صفية, لكن ما تجوليش إلا اما البدر يكتمل في السما, لو حد دري قبل كديه غير جدته الحاجة فايقة, الحمل ما هيكملش والواد مش هياجي

 

ردت بقلق: لاه, لاه ما هنجولش. أوعاكِ تجولي حتى لكامل يا صفية, طالما ما خدتيش الإذن من سيدي ابو المنصور

 

ما تخافيش يا امّا. ده ولدي وادرايه بنن عيني..واه! نسيت اجولك يا امّا, الشيخ أبو المنصور جال, تنزلي إنتِ والحاجة فايقة في الصبح تجيبوا شمع وعيدان نور وتعطوهم للشيخ سمحون يعلقهم على المقام

 

وماله يا بتي, ننزل وناجيب وناخد البركة

 

بس هنجول ايه لكامل يا امّا؟

 

ما عارفاش يا بتي..حاجة تمخول صُح, شوري عليّ انتِ يا بتي

 

أطرقت رأسها قليلاً متظاهرة بالتفكير العميق, ثم قالت وكأن فكرة طرأت على ذهنها:

 

ــــ  أجولك يا امّا, إحنا نجوله يعني بعد الشر إنك بتشتكي بصدرك ورايدة تنزلي المركز تكشفي في المستشفى وعايزاني معاكِ... ما تآخذنيش يا امّا ع الفال العفش ديه, بعد الشر عنيكِ ألف مرة, آنا بس عايزة حجة لنزولنا من غير كامل ما يشك في حاجة

 

ــــ عندك حق يا بتي, المهم إنه يهملنا ننزلوا نجضوا مصلحتنا عشان حملك يتم والواد ياجي

 

ــــ يارب يا امّا, يارب..بركاتك يا سيدي أبو المنصور

وهكذا حاكت صفية لعبتها للتخلص من الحاجة فايقة..فماذا في جعبتها بعد!

*************************************

في المساء اجتمع كامل بوالدته وزوجته في بهو قصره, فقال بترحيب وهو يمد يده لها بعنقود من عنب: يا مُرحب يا امّا, والله السرايا نورت

 

منورة بيك, تسلم يدك يا ولدي, يطعمك بللي بتتمناه كيف ما بتطعم امك

 

تعيشي يا امّا..أومال محمود وين يا صفية ماجاش يجعد معانا

 

محمود مكفيه اللعب هو! خرج يلعب مع العيال من بعد العصر..زمانته جاي

 

فسألت الحاجة فايقة كامل بتعجب: اومال ما بتسألش عن حسن ليه؟

 

بدا على وجهه بعض الضيق وقال: حسن من يوم ما جه السرايا لا عمره جعد معايا ولا مد يده في طبج عم آكل فيه, عايش لحاله وياكل لحاله ودنيته مجفولة عليه

 

معلش يا ولدي, عامله بالمسايسة, إنت بدل بوه برديك

 

اسألي صفية يا امّا آنا سويت ايه عشان أحسسه إني مكان بوه, لكن هو مستخسر حتى الضحكة في وشي

 

الله يهديه يا ولدي عاد

 

ربتت صفية على كتف كامل والتقطت ثمرة تفاح وأعطته إياها وهو تقول بلطف: سيبك منيه يا كامل, إنت ما جصرتش معاه, ومسير ياجي اليوم اللي يعرف بجيمتك فيه

 

إن شاء الله يا صفية

 

غمزت صفية للحاجة فايقة لكي تبدأ بالحديث فيما اتفقتا عليه, فأومأت الحاجة برأسها وقالت لكامل: ما سألتنيش يعني آنا جيت هنيه ليه ومهملة بتي وحدها وهبيت عنديك

 

واه! السراية سرايتك يا امّا, هو يعني لازمن يكون في سبب عشان تبيتي في سراية ولدك!

 

حسك في الدنيا يا ولدي..لكن والله يا كامل اللي جابني الشاديد القوي

 

خير يا امّا كفالله الشر..جميلة مزعلاكِ؟

 

لا مزعلاني ولا مفرحاني, يكفيها شر نفسها عاد..آنا اللي بجالي كام يوم بشتكي بصدري وما جدراش آخد نفسي, امبارح في الليل كانت روحي هتطلع. بجيت أشهق واتشاهد. يا بوووي كانت ليلة, ووين على ما روحي ردت

 

انتفض كامل عن مقعده وقال بلهفة: الف سلامة عليكِ يا امّا, أشيع اجيبلك الحكيم؟

 

لاه يا ولدي ما تتعبش حالك, آنا ديلواك مليحة, بس هاخد صفية في الصبح ونطلعوا على مستشفى المركز عشان أطمن, ويمكن يطلبوا مني اشعات ولا تحاليل, نعملوها بالمرة

 

إن شاء الله خير يا امّا, في الصبح هاجي معاكو إن شاء الله

 

لاه يا ولدي, لاه, ما تهملش مصالحك, هاخد صفية ومش هنعوق إن شاء الله

 

خلاص يا امّا, خدي الفلوس اللي انتِ عايزاها وروحوا

 

تعيش يا ولدي..ههملكو وأجوم آنام آنا عشان ما جدراش افتح عيني

 

ردت صفية, هوصلك لحد ساريرك يا امّا, بالإذن يا كامل

 

إذنك معاكِ يا صفية

 

قامت صفية لتسند الحاجة فايقة بحنان بالغ, كان يرقبهما كامل منتشياً وهو يرى زوجته الطيبة تأخذ بيد أمه وتصعد بها الدرج, وأمه تتكئ عليها..ما أجمل هذا المرأى في عينيه..بعد قليل صعد إلى غرفته منتظراً زوجته

 

*****************************************

عادت إلى غرفتها فوجدته يجلس على مقعد ينتظرها, سألها بلهفة:

 

أمي عاملة ايه ديلواك؟

 

والله يا كامل جلبي متوغوش وخايفة عليها, بتجولي لساي تعبانة ونفسي ما جدراش آخده بس ما عايزاش اجول جدام كامل

 

زفر بغضب وقال: ما جولتلها اجيبلك الحكيم من المركز عشان يشوف فيها ايه

 

ما هي جالتلك يا كامل عشان لو طلبوا منيها اشعة ولا ما ادرك ايه نعمله بالمرة

 

ذرفت بعض عبرات التماسيح وقالت بنشيج: ربنا يشفيكِ يا امّا ويخليكِ لينا

 

ابتسم كامل وأمسك بيد صفية وقبلها, ثم قال: بتحبي امي جوي كديه!

 

واه! هي امك وحديك اياك!, دي أمي آنا التانية, وربنا غلاوتها في جلبي أكتر من أمي. طول عمرها حنينة عليّ وبتضحك في وشي وين ما تنضرني, وكلامها مليح وما تطلع العيبة. كيف ما احبهاش يا كامل, كيف!

انخرطت في بكاء كاذب فضمها إلى صدره وقبل رأسها..مسحت الدموع عن عينيها وقالت: كامل, آنا ما جدراش اجعد هنيه, هروح أجعد تحت رجلين أمي لتعوز حاجة وما ندراش بيها, نام انت يا كامل, نام عشان تصحى لصلاة الفجر عاد

 

طيب يا صفية. بس لو أمي تعبت في الليل ولا عازت حاجة صحيني

 

اطمن, آنا جنبيها..تتصبح بالخير يا كامل

وإنتِ من اهل الخير يا صفية

 

أطفأت المصابيح وخرجت وأغلقت الباب خلفها, بينما أخلد كامل للنوم

 

****************************************

نزلت صفية خلسة إلى المطبخ, وأخرجت فطيرة كبيرة من مشنة الفطير المغطاة, وأشعلت الفرن لتسخينها, ثم صبت بعض العسل الأسود في صحن, وأخرجت الزجاجة ذات الغطاء الأصفر من صدرها وسكبتها بأكملها في الصحن, ثم عادت إلى فطيرتها تخرجها من الفرن, وضعتها على صينية كبيرة وإلى جوارها صحن العسل, وخرجت مسرعة باتجاه الدرج الذي صعدته بعجلة حتى بلغت غرفة الحاجة فايقة, فتحت الباب وأشعلت المصابيح التي نفذت أشعتها إلى أجفان الحاجة فايقة وأقلقتها, فقالت صفية: أمّا, جيتك بالفاطير اللي بتحبيه عاد

 

تعجبت الحاجة فايقة وقالت: فاطير ايه يا بتي ديلواك! دانا روحت في النوم وصحيت على النور اللي فج ديه. خليها في الصبح عاد, آنا عايزة انام ديلواك

 

بجى كديه يا امّا! وآنا اللي بجول انك اتوحشتي فاطير بتك صفية وهتفرحي لما اجيكِ بيه! دانا أم الواد اللي بتترجيه, تجومي تكسفيني كديه بعد ما جولت لكامل, هوكل أمي فاطير قبل ما تنام!

 

هاها طب تعالي ما تزعليش, هاخد منيه لجمتين عشان خاطرك

 

وآنا هوكلك بيدي يا امّا. يا سلام يا امّا, حاسة إن الفرح جاي راكب رهوان

 

معلوم يا بتي, الواد هياجي ومعاه الفرح لابوه ولينا وهنكيد الأعادي

 

جلست إلى جوارها ووضعت الصينية في المنتصف, وقطعت منها لقمة كبيرة غمستها في العسل ومدتها إلى فيّ الحاجة فايقة وهي تقول بابتسام: افتحي خشمك يا امّا

 

تسلمي وتسلم يدك يا بتي

 

ايه رأيك في فاطير بتك صفية عاد؟

 

تسلم يدك, مافيش في حلاه يا صفية

 

أخذت تزج اللقمة تلو الأخرى في فمها. حتى تسلل الألم إلى دواخلها وجحظت عينها وانعقد لسانها وطفقت تنازع روحها التي تتحشرج..وقفت صفية ترقب ما يحدث لها بعينين ثابتتين حتى لفظت الحاجة الفايقة أنفاسها الآخيرة..فابتسمت صفية وقالت ببرود: بالسلامة يا امّا, والله هتوحشك يا غالية. أعادتها إلى وضع النوم, وسبلت عينها, ودثرتها. ثم حملت الصينية وأطفأت السُرُج, وخرجت تترقب طريقها إلى أسفل. وتنظر إلى غرفة البنات, فتيقنت أن الجميع يغط في نوم عميق. خلعت نعليها ونزلت مسرعة إلى المطبخ, اعادت ما تبقى من الفطير إلى المشنة وغطته, وغسلت صحن العسل وأعادته إلى موضعه..ثم عادت إلى غرفتها, وما أن بلغت فراشها واعتلته, حتى شعر بها كامل فسألها: أمي عاملة ايه ديلواك

 

ارتعدت وقالت بتلعثم: انت لساك صاحي؟

 

لاه نمت, بس حسيت بيكِ وقلقت, طمنيني على امي؟

 

مليحة, ما هملتهاش إلا اما نامت واطمنت عليها

 

هي كانت صاحية؟

 

ايوة, روحت لجيتها جاعدة في سريرها وما جدراش تاخد نفسها, جعدت ادعك في صدرها لحد ما نفسها رجع وبجت مليحة

 

والله ما عارف ايه اللي صاب امي فجأة كديه

 

مش فاجأة ولا حاجة, بتجول انها بتشتكي اديلها كاتير بس ما عايزاش تجول عشان ماحدش يقلق

 

ربنا يشفيها ويعافيها

 

يارب يا خوي, يارب. نام يا كامل, نام.. تتصبح بالخير

 

عاد للنوم واستسلمت صفية لنوم عميق بأعصاب باردة, فقد اعتادت إزهاق الأنفس

**********************************

عاد بدران إلى القصر السليب قبيل انبلاج الصبح كمنواله, عندما فتح باب غرفته, وجد المصابيح مضاءة  و زوجته صابرين تجلس على أحد المقاعد تهز ساقيها في غضب مشيحة بوجهها عنه..لم يأبه بها وخلع عباءته وألقاها على أحد المقاعد وعمد إلى الفراش لينام, فنادته وقد هاج هائجها:

 

بدران

 

عايزة ايه

 

عايزة اروح للحكيم عاد

 

مالك؟ بتشتكي من ايه؟

 

عايزة اروح اشوف حكاية الخلفة اتأخرت ليه كديه

 

خلفة ايه يا مرة انتِ! مين جالك عايز عيال!

 

واه! ما عايزش عيال يعني ايه! هنعيش كديه من غير حتة عيل!

 

ايوة, ما لازمنيش عيال آنا

 

لكن آنا لازمني عاد, وديني للحكيم , وانت كمان لازمن تروح معاي عشان نشوف العيب عندك ولا عندي

 

عيب ايه يا مرة يا مخبلة انتِ! آنا اللي ما رايدش خلفة. أخوت راسي بعيال واشيل الهم ليه آنا! ما انا عايش كديه ملك زماني من غير عيال يتشعلجوا في كتافي العمر كله..نامي, نامي يا صابرين وكفاكِ منيه الحديت اللي مالوش عازة ديه..تتصبحي بالخير عاد

 

يا بوووي! استني يا بدران اسمعني

 

صابرين. هي كلمة واحدة وما هتنيهاش تاني, الحديت ديه ما اسمعوش منيكِ بعد كديه

 

تدثر بلحافه بعد أن أولاها ظهره, فزفرت زفرة كحمم بركان ثائر قذفته أعماقها المشتعلة. اندفعت غاضبة إلى الخارج وصفعت الباب خلفها. فرفع رأسه, وتحسس الخنجر الذي يضعه  أسفل الوسادة عند نومه..أجل, فقد كان دائما يتأهب لغدرة منها على حين غرة. لذا, فكان النوم زائر عزيز في مخدعه, قلما يطرق أبواب أجفانه

*************

 

***************************

في صبيحة مقتل والدة كامل, اجتمع وصفية على مائدة الإفطار, كانت مرتجفة, تمسك الأشياء باضطراب. توجه نظرها إلى أعلى الدرج بين الفينة والفينة, فهناك جرمها المدثر يرقد.. نادت للخادمة حورية بصوت جهير مرتعد:

 

ــــ بت يا حورية, اطلعي صحي الحاجة فايقة عشان تنزل تفطر قبل ما نروح المركز

 

ــــ حاضر يا ست صفية

 

استدارت لكامل تقول بمسكنة: لازمن أوكلها قبل ما نروح المركز, أخاف تتعب مني بعد الشر

 

ربنا يرضى عنيكِ يا صفية, ما هنسالكيش الجميل ديه ابدا وخوفك على امّي وترميحك بيها في المركز

 

ما تجولش كديه يا كامل.جولتلك دي أمي كيف ما هي أمك بالتمام

 

فجأة سمعوا صراخ حورية وهي تنادي كامل: الحقني يا كامل بيه, الحاجة فايجة جاطعة النفس

 

فزع كامل وأسرع صوب الدرج يصعده بلا وعي وخلفه صفية

 

بلغ غرفة أمه وانطلق نحوها ينادي: أمّا, أمّا...أخذ يتحسس النبض فلم يجده, وضع أذنه على صدرها فلم يجد أنفاسا, فتيقن من موتها, فصرخ كالمجنون: أمّا, أمّا, أمي ماتت يا صفية

 

صرخت صفية بصوت مدوي وأخذت تلطم خديها وشقت جلبابها وهي تقول: أمّا, ما تسبينيش يا امّا, يا مري من بعدك يا غالية. ثم أغشي عليها كذباً وسقطت أرضاً, فحملها كامل على المقعد وهرع إلى زجاجة العطر يقربها من أنفها لتسترد وعيها, فتصنعت استرداد الوعي وانخرطت في بكاء كاذب وأخذت تضرب على أفخاذها وتلطم خديها وحورية إلى جوارها تبكي وتصرخ, فقلبها يحمل بعض الذكريات الطيبة للحاجة فايقة وهالها موتها المفاجئ...نهرهما كامل

 

كفاكم, كفاكم, ما عايزش اسمع صوت

***********************************

خرجت سلمى تتحسس الأمر, فعرفت أن جدتها فارقت الحياة فبكت بحرقة وعادت إلى أختها الصغرى تصرخ وتقول: وطفة, جدتي فايجة ماتت

 

استقبلت وطفة الخبر بملامح جامدة, وقالت ببرود: وانتِ بتبكي ليه عاد! على حنيتها علينا ولا على جلبها الطيب! شفنا منيها ايه غير القسوة والحديت الناشف والشاتيمة فينا وفي امنا!

 

يعني انتِ ما زعلاناش انها ماتت يا وطفة!

 

تموت ولا تتحرق, ماليش صالح. وكفاكِ بكا عليها, لو عايزة تبكي صُح, ابكي على امنا اللي حرمونا منيها بوكِ وجدتك..الله لا يرحمها ولا يسامحها المرة ديّ

 

لاه, لاه, ابوس يدك ما تجوليش كديه. أخاف ربنا يعذبها في قبرها, دي ديلواك مسكينة مالهاش إلا الدعا الطيب

 

زفرت ونهرت أختها: عارفة يا سلمى لو وعيتلك بتدعيلها جدامي, ههملك الأوضة دي وأعيش لحالي في اوضة وحدي

 

لاه, لاه يا وطفة خلاص, هدعي في سري عشان ما تهملنيش وحدي

استيقظت عالية تبكي, فأسرعت إليها سلمى تحملها وتقول بأسى: عيني عليكِ يختي, لا ريتِ امك ولا نضرتيها بعينك ولا دوجتِ حنيتها. ربنا يجدرني واعوضك عنيها, ضمت أختها الرضيعة إلى صدرها وطفقت تقبلها بحنان وهي تذرف العبرات

 

*****************************************

طار الخبر إلى جميلة فزلزلها, وأسرعت إلى قصر أخيها متشحة بأحزانها,سابحة في نهرين من عبرات شقا سبيلهما في خديها. ألفت باب مبنى القصر مفتوحاً على مصراعيه فولجت فأبصرت أخيها أمامها وإلى جواره زوجته متسربلة بالسواد وتربط عصابة سوداء انسدلت على نصف عينها حزنا: فصاحت جميلة في أخيها: أمك ماتت كيف يا كامل؟

 

كيف يعني ايه! أمك ماتت يا جميلة

 

حدجت صفية بنظرة ريبة فهربت الأخيرة بعينيها بعيداَ. فقالت جميلة لأخيها:وآنا عم اسألك ماتت كيف!

 

أمك كانت عيانة بصدرها يا جميلة

 

ايه اللي عم تجوله ديه! كيف عيانة بصدرها وآنا ما اعرفش!

كانت مدارية عليكِ عشان ما تتزوعيش. وجت هنيه بالخصوص عشان تنزل مستشفى المركز مع صفية وتكشف هناك

 

قالت بسخرية: صُح! يعني أمي كانت عيانة ومخبية عليّ آنا بتها  ومدية سرها لمرتك الغريبة!

 

نهرها قائلاً: مرتي مش غريبة, صفية منينا

 

صرخت قائلة, عمرها لا كانت ولا هتكون منينا يا كامل

 

 ثم انقضت على صفية تخنقها وتصرخ: سويتِ ايه في أمي يا عقربة يا مدفونة انتِ, موتيها كيف يا بت كلاف البهايم

 

صرخت صفية واستغاثت بكامل الذي أطاح بأخته بعيداً فكادت تسقط لولا أنها أمسكت بذراع كرسي وهو يصيح فيها: جنيتِ يا جميلة! كيف تتجرأي وتجولي اللي جولتيه. اعقلي وبلاش منيه الجنان اللي عايشة فيه ديه من بعد حياة. ولا كان اللي حُصُل لجوزك طير عقلك وما عارفاش تجولي ايه ولا تسوي ايه

 

آنا لا عقلي طار ولا بخرّف يا كامل, مرتك جتلت أمي, وآنا ما هسكتش, هخرج من هنيه على دكتور الوحدة الصحية يجي يشوف امي ويجول ماتت كيف

ارتعدت فرائص صفية وألجمها الرعب

أبرق كامل وأرعد وقال مهدداً: حسك عينك تعملي كديه ولا تنطجي بحرف واحد من اللي جولتيه. خبر ايه! عايزة تفضحينا في النجع إياك! ارجعي لعقلك, امك ماتت موتة ربنا. وربنا العالم صفية اللي بتتهميها زور ديّ سوت ايه عشانها, وجضت الليل سهرانة جنبيها وعينها باكية, تجومي انتِ بدل ما تحبي على يدها وتشكريها, جاية تتهميها تهمة عفشة كيف ديّ. وديلواك اخرجي برا السرايا وإياك تعاودي تاني

 

كظمت جميلة غيظها واقتربت من أخيها ونظرت في عينيه قائلة:: بتطردني من سرايتك يا خوي! معلش, ما انت ما بجتش عارف العدو من الحبيب, وكانك ما هتفوجش لعمايل العقربة إلا اما تدس سمها في جوفك انت التاني. سرايتك ما تلزمنيش يا كامل, لكن ليا عنديك حق في ورث بوي وهاخده, مهما طال الزمن هاخده يا كامل. لكن ديلواك هطلع أودع امي وبعدها ما معتباش سرايتك تاني

 

اتجهت نحو الدرج فصاح فيها: استني عندك, رايحة على وين! ارجعي مُطرح ما جيتي, مافيش طلوع فوج ولا هتشوفي امك

 

فأسرعت صفية نحوه تقول بحنو: لاه يا خوي, لاه حرام, دي مهما كانت امها ولازمن تودعها. وإن كان عليّ آنا مسامحة في حقي. جميلة مهما كان خيتي الصغيرة, وآنا مقدرة انها ما وعياش للي بتعمله بسبب حزنها على امها

 

ربت على يد صفية بحنان وقال لجميلة لائماً إياها: وعيتِ بعنيكِ وسمعتِ بودنك اللي جالته صفية اللي عم تظلميها!

 

حدجته بنظرة ساخرة. واستدارت تصعد الدرج ملتاعة يعتصر قلبها الما

 

مر مقتل الحاجة فايقة بسلام على صفية ولم يخلف إلا الشكوك الكامنة في صدر جميلة والتي منعها شقيقها من التيقن.. وعادت رحى الحياة لدورانها  

 

 ***********************************

بعدما انقشعت غيمة أحزانه. ثارت لواعج الشوق في فؤاد كامل إلى الولد الذي طالما انتظره.نظر إلى زوجته ونطق بسؤالٍ غامض ولكنها فهمته:

 

مافيش بشاير يا صفية؟

 

كان سؤالاً منتظراً, ردت بابتسامة ماكرة وقالت: والله يا خوي لو عندي بشارة ماكنت داريت عنيك

 

ابتئس وأطرق حزيناً, فاقتربت وأمسكت بيده وقبلتها وبدأ الماء الآسن يخرج من فمها:

 

ما تشيلش هم يا كامل. كانّ المرار اللي شربناه من يوم موت الحاجة ومن جبلها العملية اللي سويتها هو اللي أخر بالواد. لكن في الصبح عاد هاخد البت حورية ونطلعوا على حكيم المركز يشوف بيا ايه, ولو فيه علاج يعطيهوني. طب ورحمة امي الحاجة, دانا مستعجلة ع الواد أكتر منيك.. هو آنا كنت احلم أكون مرتك وأم ولدك يا كامل!

طفرت دمعات خبيثة من مزرابيها, فحن فؤاد من يجهل خبيئتها, وضم رأسها إلى صدره وقال: عارف إن الواد هياجي عن جريب يا صفية. جلبي حاسس بيه

 

قبلت كفه وقالت باسمة: صدج جلبك عاد يا كامل

 

***************************************

أوهمته أنها ذهبت إلى الطبيب, وعادت بإفك جديد حين قالت: عندي كلمتين عايزة اجولهم يا كامل, بس يمين بالله ما تزعل روحك

 

.....في ايه يا صفية؟

 

الداكتورة بعد ما كشفت عليّ, جالتلي انتِ صاخ سليم مافكيش حاجة و...وخلي جوزك يكشف

 

استشاط غضباً وصاح فيها: ايه الحديت الماصخ ديه! ياك الداكتورة ديّ مفكراني ماليش في الخلفة! آنا عندي بدل البت تلاتة

 

جولتلها كديه وربنا, لكن بتجولي يمكن كبر في السن,جولتلها بتجولي ايه يا مرة انتِ! ديه شاب بصحته وعافيته الله أكبر..بعينها جالتلي بردك خليه يروح لداكتور يشوفه

 

كان حديثها ماساً بكرامته,فقطب جبينه وأشاح بيده: قفلي على الحديت ديه, ما رايحش لدكاترة آنا

 

ردت كمهيضة جناح :بشوجك يا خوي, آنا لولا خابراك عشمان في الواد ما كنتش فتحته معاك الحديت العفش ديه

 

****************************************************

 

لم تغمض أجفانه. فقد أقض القلق مضجعه. فحديثها كان كطعنات لرجولته.., أجل يشعر أن هناك شيء خفي يخمد ثورات جسده..ولكن هيهات أن يستسلم لذاك  الجاثوم المخيف..حسم أمره بالذهاب إلى طبيب المركز..في الصباح الباكر بدلاً عن التوجه إلى ديوانه, استقل سيارته قاصداً وجهته.

وبعد الفحص أكد له الطبيب أنه فقد قدرته على الإنجاب...وكأن صخرة صماء نزلت من أعلى تلة على رأسه ففدغتها..بدا أمامه ضباب أزرق, يسمع في دواخله أنين ليث جريح..تباً لخناجر الحقيقة التي طعنت مسامعه.. ولكنها الحقيقة

 

عاد لزوجته منكس الرأس كمحارب منهزم..هالها ما رأت, فأسرعت إليه تسأله:

 

فيك ايه يا كامل؟

هوى على المقعد كجبل قد اندك

 

صمت للحظات وهي ترقب قسماته الواهنة..أفرج عن كلماته الحبيسة بانهزام: الداكتور جالي, ماهتخلفش تاني

 

وارت ابتسامة النصر خلف وجوم بدد ملامحها, وانكبت على  رأسه وكتفيه تقبلهما مطلقة فحيح مواساتها: فداك الدنيا كلاتها يا خوي.وكان حُصُل ايه يعني! عشان الواد! عندي بدل الواد اتنين اعتبرهم ضهرك وسندك من غدر الزمن. طب وربنا إنت الضوفر اللي بتطيره من رجلك بألف واد وواد عندي يا كامل

 

بدد وجوم وجهه ابتسامة واهنة, وربت على يدها التي تعلو كتفه وقال مثنياً: أصيلة وبت أصول يا صفية

 

قالت بصوت مغناج: هروح اعملك عشوة بيدي تنسيك همومك وترجعك كامل عشج جلبي اللي ضحكته  عم تخلي الدنيا ترجص في عيني

 

ابتسم بانكسار مستسلماً لأقداره

 

*************************************

 

ترسخت جبال الهموم على صدر كامل, ضاق به القصر بما رحب, كل معركة مع النوم يكون هو الخاسر فيها ويجافيه نومه حتى آذان الفجر الذي أصبح يتغافل عن صلاته في مسجد القرية كما اعتاد..تنام صفية ملأ أجفانها ولا تشعر بذاك اللهيب المنصهر في تنهيده العميق..على مشارف الجنون هو من كثرة الفكر فيم ألم به..ألا يوجد علاج لعلته! أم سيظل بها إلى منتهى حياته..لا, فسحقاً للاستسلام لذاك الحال, أفقد الطب أهل الحذاقة! أزاح الدثار وانتفض عن الفراش ونادى صفية بصوت موقظ ليعلمها بما عقد العزم عليه

 

صفية..صفية

 

انتفضت منزعجة: في ايه يا كامل؟

 

جومي حضريلي شنطة خلجات كابيرة, مسافر على مصر

 

مصر! ليه عاد؟

 

صاح بصوت يخالجه الغضب: هروح لدكتور كابير يشوف ايه اللي صابني, ولا عاجبك حالنا كديه!

 

طب بس ما تزمجش كديه. اللي لادد عليك اعمله يا كامل, آنا ماليش إلا راحتك يا خوي. لكن ناوي تغيب جد ايه؟

 

ما عارفش, يوم, تنين, شهر, سنة, ما عاودش تاني, آنا ونصيبي عاد

 

بعد الشر عليك يا خوي, طب وربنا لندرلك ندر عند مقام سيدي أبو المنصور عشان يردك منصور

 

جومي سوي اللي جولتلك عليه على ما اخرج من الحمام

 

من عيني يا خوي

 

استدار عامداً الحمام, فقامت عن الفراش تضع يدها على فمها تكاتم الضحك على من يرجو برءاً من علة التصقت به التصاق جلده..أعدت الحقيبة على عجل حتى خرج واجماً, وعمد إلى خزانة الملابس, يستبدل ملابسه, فقالت بحنان الأفعى: على عيني يا خوي اهملك تسافر لحالك, كان ودي أجي معاك, بس العيال نهملهم لمين وخصوصي عالية الصغيرة

 

ارتدى جلبابه ولم يعر لشعره اهتماماً ولم يسع إلى هندام. حمل حقيبته وقال: انتِ هنيه بدالي الآمرة الناهية, لو واحدة من البنيتا زعلتك ولا قلت حياها عليكِ اضربيها

 

ضربت على صدرها وقالت بمكر: واه! آنا أضرب واحدة من البنيتا! دي كانت يدي تتجطع. دول بناتي يا كامل وحتة من جلبي

 

ابتسم وربت على كتفها, وانطلق بحقيبته نحو أمل يحدوه..أما هي فتنفست الصعداء بعد خروجه وقالت مبتسمة بصوت خافت: بالسلامة يا كامل يا واد ابو الحجاج

 

وكأنها تودع هيمنته إيذاناً بميلاد هيمنتها..والآن حان دور كل من أرادت منه قصاصا وتوعدتهم ذات يوم..فبمن ستبدأ!

 

**************************************

ولحد هنيه وخلصت حلجتنا

 

اجابلكم السابوع الجاي إن شاء الله على خير

 

حابة أشكركم على التفاعل اللي اتحسن, وياريت نفضل حلوين كدة على طول

 

بشكر حبيباتي الغاليات حسب أسبقية الظهور ههه

 

أم رقية. بسملة.أم راشد. هدى البليسي.أسماء.رفيدة حمزة.أم رفيف.رقية. وفاء علي.إيمان إبراهيم.أم جهاد وشمس. حواء أم هالة.أم عبد الرحمن الهيثمي.كاميليا.أم هبة.سمسمة محمد.نور الحق.شيماء سعيد.سلوى.أم حمزة.زيزي عبد السلام.رباب محمد.عفاف.أم حور.دكتورة رشا

 

حقيقي اسعدتوني جدا, وبقول لأم حمزة عودا حميدا لأنها لسة مكتشفة إن الحلقات بتنزل ههه

 

 

 

الحلقة الجاية هي نهاية الفصل الأول. ونريح اسبوعين كدة ونبدأ في عرض الفصل الآخير إن شاء الله . اكيد انتو محتاجين اجازة ترتاحوا شوية من صفية هههه

 

لا تنسوا ذكر الله والصلاة والسلام على الحبيب

 

اللهم صل وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله