حارة الموعودين( الثالثة)

 


دق جرس المنزل فهرعت سوكا لتفتح، فإذ به المعلم يتأنق في جبة وقفطان ويعلو رأسه طربوش أحمر، قابضاً على صولجانه ، فبدا بهيئة تاجر من القرن التاسع عشر.. رحبت به سوكا الخادمة:

 

المعلم! حمدالله ع السلامة

 

الله يسلمك يا بت يا سوكا، جباير فين؟

 

مستنياك في أوضة الأنتريه هي والست غادة

 

هههأ وماله، أدخل أشوف مجلس الأنس المنعئد

 

دلف إلى الغرفة فأبصر زوجته وابنته تجلسان ملتصقتان على الأريكة والوجوم يعلو وجهيهما، فأدرك ما في الأمر، وألقى السلام:

 

سا الفل يا جباير

 

أشاحت بوجهها ولم ترد

 

ههأ بشوقك يا جباير، ازيك يا بت يا غادة

 

ايه بت دي يا بابا! أنا مهندسة حاسبات ومعلومات قد الدنيا وبدير شركة من أكبر شركات الكومبيوتر في الاستيراد والتصدير

 

ههههاي، اومال، صيتك مسمع وواصلني يا ست ابوكِ، خساير الشركة بتقول هل من مزيد

 

يوووو، بابا من فضلك ده مش موضوعنا النهاردة، احنا جبناك عشان نتكلم معاك أنا وماما في موضوع الجوازة الرابعة، بقى انت يا بابا هتتجوز عيلة من دور بنتك! دي هالة دي كانت معايا في المدرسة، وبعدين يعني مش حلوة قوي عشان تتدلق عليها كدة

 

هههه لا دانتِ عايزة قعدة وكلام ع المقاس عشان يظبطك

 

خلع طربوشه ووضعه على المنضدة وجلس متعاظماً قابضاً على صولجانه وتنحنح وقال لابنته:

 

بقى انتِ يا غادة ناصبالي المحكمة انتِ وامك و بتحاسبيني ! وماله، نفتح دفتر الحسابات يا بنت عدوي ونتحاسب، وانتِ اللي جبتيه لنفسك. جناب فخامتك جبتيلي حتة واد صايع من ايده وقولتيلي جوزهولي يا بابا، قولتلك ما ينفعكيش يا غادة، ده لسة خريج جديد وعوده اخضر وما يقدرش على مصاريف الجواز، عيطتِ وقولتيلي هذا هو الحب،  وبابا قال حاضر عشان ما ازعلكيش انتِ وامك اللي كانت واقفة في صفك، صرفت يجي تلاتة ماليون جنيه ع الشقة وزيهم ع الفرش والأجهزة الكهربائية، واربعة ماليون شاملين عربية ابهة لجنابك موديل السنة وسفرك لبلاد الخواجات عشان تتفسحي انتِ والواد المصدي اللي اتجوزتيه. ما كملتيش معاه شهرين وقلتِ حقي برقبتي طلقوني منه، يعني جوازة طالعين منها خسرانين ملايين

 

ردت المعلمة جباير باحتداد:

 

الواد ما خدش مننا حاجة وطلعناه بفنلته يا عدوي

 

حتى فنلته بتاعتنا يا جباير، لكن برضو احنا الخسرانين، بنتك بقت خرج بيت واتعلم عليها، واللي هياخدها عارف انها سكاند هاند

 

قسمة ونصيب يا عدوي

 

أه أومال، ما احنا نجيب الطين بإيدينا ونحطه على راسنا، وبعدين نقول قسمة ونصيب

 

اهئ اهئ انت بتعايرني يا بابا ؟

 

استني عشان المعايرة راكبة تاكس وجاية في الطريق إليكِ.. بعد الطلاق عملتِ حفلة وعزمتِ صاحباتك المطلقيين في فندق عشر نجوم وجبتِ مطربين وتورتة وكتبتِ عليها كلب وراح يا هوى، ,وفرقعتوا صواريخ في السما ونزلتوا رقص على واحدة ونص زي المجانين لحد الصبح واتصورتِ ونزلتِ الصور ع الاتوارنت عشان تغيظي طليقك، وانتِ أصلاً مش في دماغه

 

هو انت بتدخل الفيس بوك والانستجرام يا بابا؟

 

انا ما ادخلش الأوكار المشبوهة دي. لكن عندي اللي بيدخل ويعرفني اللي بيحصل من ورايا.. الحفلة دي اتكلفت اتنين ماليون ونص!! صح الكلام ده ولا انا كداب؟

 

يووو يا بابا، كان لازم ارد اعتباري بالحفلة دي

 

تمام، واعتبارك اترد والواد كتب على حسابه، مصيبة وانزاحت عني ببركة دعا امي

 

أصله واطي يا بابا

 

معلش يا حبيبة بابا، أصل احنا غصبناكِ عليه.. وبعدها جيتِ قولتيلي افتحلي شركة كمبوطر عشان ابيع واشتري واعتمد على نفسي، ومش هشغل رجالة عشان تبقى شركة نسوانية متحدة

 

ايوة طبعا يا بابا، لازم ما اتعمدش على راجل وابقى استرونج اندبيندانت ويمان

 

اسكرونب اسطروبشر خيبة. روحتِ لمتيلي صاحباتك المقاطيع وعينتيهم في الشركة ايشي مديرة وايشي محاسبة وايشي علاقات عامة، وانتو شوية بهايم واتلميتوا على بعض

 

بابا من فضلك دي إهانة

 

انتِ لسة ما شوفتيش إهانات. عندي اخبار الجدع النصاب اللي نصب عليكِ وباعلك بضاعة خردة على انها زيرو، وخد حداشر مليون و845 ألف، وبعدين الأرض انشقت وبلعته، وانتِ ما عرفتيش تتصرفي في البضاعة وقعدتِ تلات شهور تدللي عليها زي بياعبن الكارو ، وفي الآخر رمتيها بتلت تمنها لتاجر خردة. وكل ده وسايبك تعملي ما بدالك وبقول ما تجيش عليها يا واد يا عدوي وكفاية الزمن ملطشها وعاملها كلينكس

 

اهئ اهئئئ سامعة يا ماما؟

 

صاحت به المعلمة غضباً:

 

جرا ايه يا عدوي، مالك نازل سلخ في البت كدة! حظها وحش، لو بإيدك اعدلهولها

 

انتفض عن مقعده وزأر:

 

بنتك اللي جاية تحاسبني يا جباير. كل واحد فيكو عايز يعمل ما بداله واللي على كيف كيفه، حتى لو خسر ملايين، لكن أنا لما اتجوز واشوفلي يومين، تقوموا الحرب عليا

 

انتفضت المعلمة وقالت باحتداد:

 

الجوازة دي مش هتتم يا عدوي

 

هههاي لا هتتم يا جباير

 

بقى كدة! طب تعالى نتحاسب بقى ونفض الشراكة اللي بينا وكل واحد أولى بفلوسه

 

ههه وانتِ ليكِ فلوس عندي يا جباير!

 

كل اللي تملكه بتاعي يا عدوي

 

ههه ده صحيح يا ولاد، دانا كنت ناسي، طب تعالي بقى نتحاسب بس في اوضتنا عشان ما ننشرش غسيلنا اللي مش ولا بد قدام البت يا جباير

 

نعم! ليه! كاسر عيني ولا كاسر عيني! اتكلم قدامها

 

ثبت نظرة حادة في عينيها وقال:

 

يعني اتكلم قدام البت يا جباير!!

 

رأت في عينيه أدران ماضيها، فاحمر وجهها وبدا عليها الاضطراب، وقالت بصوت خافت:

 

تعالى نتكلم في أوضتنا يا عدوي

 

**************************

سبقها  إلى غرفتهما، فاندفعت خلفه وأغلقت الباب وقالت باحتداد:

 

انت عايز تقول ايه يا عدوي! بقى ده جزاء ابويا اللي رباك في محله وعطف عليك زي ابنه وجوزك بنته وأمنك على ماله!

 

قهقه وقال:

 

لا لا لا، براحة عليا عشان بتخض

 

تجهم وجهه وغاص في أعماق الماضي الغابر يخرج هناته، وأردف يقول:

 

ابوكِ عمره ما اعتبرني زي ابنه، رغم اني كنت عيل يتيم الأم والأب وعايز الإيد اللي تطبطب. من سن عشر سنين وأنا مرمي عنده في المحل، أخدم واشيل واحط واقضي مشاوير، لحد ما كعوبي دابت، ده غير الضرب والإهانة منه ومن امك، كان ابوكِ بعد ما تطلع عيني في الشغل وابقى خلاص هقع من طولي، يقولي روح اتغدا عندي في البيت، كنت أخبط عليكو تفتحلي الشغالة، واشوفك انتِ وامك قاعدين ع السفرة تاكلوا واللحمة متكومة قدامكو، وأمك الله يجعل مثواها نار جهنم تقوم لامة البواقي اللي فايضة مطرح سنانكو وحطاها في طبق صاج مقشر شكله يقرف وتقوم حاطهولي ع السلم زي الكلب.. كنت اقعد أكل ودمعتي نازلة على خدي.. وانتوا عمر ما حد فيكو حس بيا، قلوب زي الحجر، وآخر الليل تفرشولي في بير السلم في عز السقعة.... انتو ايه!! دانتو لو كفرا ما تعملوش كدة

 

ممم بقى كل ده شايله في قلبك يا عدوي!

 

لا، هه اللي في قلبي كتير، كتير قوي يا جباير، وانتِ، انتِ طول عمرك من وانتِ عيلة صغيرة بنت ست سنين وانتِ متكبرة وبتعامليني زي ما اكون كلب  هه اومال، ما انا خدام السيادة، ابوكِ وامك ربوكِ ع الدلع وخيبتِ أملهم، من أول ما دخلتِ الإعدادي وانتِ حمامة وشك طارت وبقيتِ تلبسي القصير والضيق والشفتشي والمشمشي، وتحطي لاحمر ولاخضر وشاغلتِ شباب الحارة، وكله كوم بقى والواد التلميذ بتاع الجامعة اللي جه من دمنهور وسكن في الدور اللي فوقيكو، كنتِ كل يوم طالعة نازلة وواخدة غية الحمام اللي مربياه فوق السطح حجتك، وانتِ بتطلعي عشانه

 

هاج هائجها وصاحت به:

 

اخرس يا عدوي، الواد ده كان خطيبي

 

قهقه وقال:

 

خطبك بعد ايه بقى! مش بعد ما كان بيواعدك وتروحوا السيما والجناين زي العشاق ههه يا عيني ع الحب، بس يا خسارة، سيرتك بقت على كل لسان، والكلام وصل لبوكِ اللي عشان يلم الليلة أجبر الواد يخطبك

 

كداب يا عدوي، كداب، الكلام اللي بتقوله ده من غلك اللي مالي قلبك، حسن خطبني عشان بيحبني

 

قهقه حتى كاد يستلقي على ظهره وأخذ يضرب كفاً بكف وقال:

 

ولما بيحبك هرب ليه يا جباير!

 

ما هربش يا عدوي، ده.. ده آآآ . ده كان عنده ظروف في البلد وكان لازم يسافر

 

يا سلاااام! وما حبكش يسافر غير ليلة كتب كتابكو! شوف العجايب واتفرج يا جدع.. باين عليكِ نسيتِ.. افكرك أنا بقى .. الليلة اللي قبل ليلة كتب كتابكو، كنت سهران مع جماعة اصحابي ع القهوة وراجع بعد نص الليل.. ليلتها كانت ضلمة ويادوب الواحد يشوف خيالات، عشان كدة شفت الخيال اللي كان واقف عند بيتكو، اتاريه الواد خطيبك، وانتِ نزلتِ وفي ايدك شمعة نورت وشك ووشه وشفت ايه اللي بيحصل بعنيا الحلوين دول، لقيتك اديتيله شنطة كبيرة قد الداهية، فتحها زي المسعور والدهب زغلل عنيا وانا متداري بعيد، ده غير رزم الفلوس المستفة.وقالك مش هغيب عليكِ، هشتري حتة الأرض عشان اعمل عليها مشروع الأحلام يا حلم عمري ههه أتاريه كان بينصب عليكٍ عشان ياخد هبرة حلوة يعيش عليها دفيان العمر كله، وانتِ من غباوتك صدقتيه. ما هي مراية الحب عامية. وتاني يوم أمك وابوكِ قلبوا الدنيا ع الفلوس والدهب، واتهموا البت الشغالة الغلبانة وبلغوا عنها البوليس بعد ما ضربوها وامك كوت لحمها بالنار. وفي الآخر البوليس خدها قدام عنيكِ وهي عمالة تصرخ وتقول بريئة، والله ما خدت حاجة.. وانتِ ما اتهزلكيش جفن ولا رأفتِ بحالها.. اللي حصل ده كان قبل كتب كتابك بيوم.. وفي ليلة كتب كتابك، وبعد ما ابوكِ علق الكهارب وجاب المأذون وعزم المعلمين والأكابر، عريس الغفلة خلع هههه وحسرتك بقت حسرتين، حسرة ع الذهب، وحسرة ع الذي ذهب ههههههه وابوكِ عشان يلم الفضيحة مالقاش غيري يكتب عليكِ ويلم فضايحك... مش ناسي أول يوم يتقفل علينا باب، لما قولتيلي أوعى تفتكر اني هقعد معاك اكتر من شهر يا جربوع، أوعى تنسى إني ستك وإنك واحد من خداميني

 

سددت إليه نظرة كراهية وقالت بنبرة عداء:

 

ساعتها ظهرت انيابك وفي لحظة بقيت غول، هددتني تفضحني قدام ابويا وتقوله إن انا اللي خدت الشنطة واديتها لحسن... ساعتها اترعبت لما عرفت انك شفت كل حاجة وممكن تقول لابويا.. وقتها بان الخسيس اللي جواك وجبرتني أعيش معاك بالغصب عشان تنهب مال ابويا وتحط إيدك على أملاكه وإلا تفضحني قدامه. أول حاجة خليتني اتنازلتلك عن العمارة اللي ابويا كان كاتبهالي واللي كان تحت منها دكان الجزارة، وقتها طردت ابويا من الدكان وقعدته في البيت، ومن زعله على هيبته اللي واحد زيك كسرها، وقع من طوله ومات بحسرته

 

هههه الله يرحمه، كان رجل جدع، لولا انه خلف بت تلفانة زيك، ما كنتش عشت في النعيم ده من بعده

 

رشقته بنظرة احتقار وقالت:

 

أنا بكرهك

 

ههه مش قد كرهي ليكِ وربنا، أنا عايش عشان اذلك واخلي مناخيرك في الأرض

 

عمرها ما هتبقى في الأرض يا خسيس يا عديم الأصل، مهما عملت عشان تذلني عمري ما هتذل وهفضل المعلمة جباير بنت المعلم ضرغام... عارفة انك لميت أنتن اتنين في الحارة عشان تتجوزهم، وكان غرضك إنك تساوي راسي بيهم

 

وراسك اتساوت بيهم يا جباير، حتى لو حكمتِ عليهم بجبروتك يقعدوا في عطفة ريحان اللي متفرعة من الحارة، وما يقعدوش في الحارة نفسها عشان ما يتساووش بيكِ.. في الآخر كلكو واقفين على عتبة واحدة وبيتقال عليكو حريم المعلم عدوي هههه يعني انتِ يا بنت المعلم ضرغام، زيك زي ناصرة بتاعة الكشري، وفريال الدلالة

 

ثارت ثائرتها:

 

فشرت، فشرت يا عدوي، مهما عملت العالي هيفضل مقامه عالي، والواطي مهما عمل، هيفضل واطي

 

ههه الله! اهو أنا ما بيعلاش مزاجي إلا اما اشوفك متشحتفة كدة، ربنا يشحتف قلبك كمان وكمان يا بنت ضرغام.. بالإذن بقى عشان معزوم ع العشا عند أهل العروسة الرابعة، مش هتسمعيني زغروتة!!

 

أشاحت بوجهها وعيناها تتقدان غلاً، فقهقه يثير غيظها وهم بالالتفات إلى الباب، فتذكر أمراً أفصح عنه:

 

بالمناسبة يا ست المعلمين، أنا عارف كويس قوي ان رجالتك الهزوء بقيادة الريس نويشي الغير محترم، هما اللي طلعوا على رجالتي  اللي تحت قيادة الريس شندي فخر الرجال ورفعوا عليهم السلاح وهما متلتمين وخدوا البضاعة في جنح الظلام هههه وانا فوتهالك عشان خاطر العيال يا ام العيال، وعارف كويس بيعتي البضاعة لمين وقبضتِ كام ودخل حساب البنك بتاريخ كام يا مودام جباير ههه المرة دي فوتها بمزاجي، لكن وغلاوة شعورك يا ام الشعور الحائرة، لو جعر من عندك اتعرض لرجالتي تاني لكون مولعلك فيهم عن بكرة باباهم وباعتلك رماد الجتت تعمليه حجر معسل وتكركري بيه في الشيشة يا معلمة كركر ههههههه

 

سددت إليه نظرة مستعرة، فقهقه ، وأخذ يغني ويتراقص وطربوشه بيده عامداً الباب

 

آه يا حليوووة يا مسليني

 

يللي بنار الهجر كاووويني

 

اسمح في يوم، يا جميل وراعيني يا عيني

 

من كتر شووووقي إليك ما بنااااام

 

خرج وأغلق الباب فهرعت إلى هاتفها تحدث كبير أعوانها الريس نويشي، ونيران الغضب تعصف بملامحها، رد الرجل:

مساء الفل يا معلمة

مين اللي بلغ عدوي إن رجالتي هما اللي طلعوا على رجالته وخدوا شحنة الهيروين يا نويشي؟

 

ايه! هو المعلم عدوي عرف إننا ورا الحكاية دي! ازاي !

 

يبقى احنا بينا خاين يا نويشي وانت نايم على ودانك

 

خاين مين بس! الرجالة متنقين ع الفرازة

 

ابقى افرزهم تاني يا اخويا وشوف المعطب اللي فيهم وتاويه، وإياك تاني مرة أي خبر عني يتسرب لعدوي، وإلا انت اللي هتشيل الليلة. أي كلب خاين أخرته رصاصة ومالوش عندي دية

 

أغلقت المكالمة وألقت بهاتفها على الفراش، وجلست على المقعد تزفر غليلاً

 

***************************************

 

في منزل العروس المنتظرة هالة، خرجت من غرفتها في ثوب أنيق وحجاب ذا لون رقيق أيقظ  الجمال النائم في قسماتها، واستعدت للقاء العريس الذي يكبرها بأكثر من خمسة وعشرين عاما، دخلت على والدتها المطبخ متهللة:

 

ماما، خلصتِ طبيخ ولا اساعدك في حاجة ههه

 

أصابت الدهشة والدتها وأخذت تطالع هيئتها المهندمة وثغرها الباسم وقالت:

 

هالة! معقول لبستِ واستعديتِ عشان تقابلي المعلم! دانا واقفة بطبخ وعقلي هيشت مني واقول هقنعها تلبس وتخرج تقابله ازاي لما يجي

 

ههه ممم بصراحة يا ماما، انا ما جانيش نوم من كتر التفكير في المعلم عدوي، فضلت أقارن بينه وبين منتصر، لقيت كفته رجحت، وحسيت إني كنت هضيع مستقبلي مع منتصر

 

تهلل وجه والدتها وأقبلت عليها تقول:

 

يا عيون ماما، يا قلب ماما من جوا، تعالي في حضني يا عاقلة يا كاملة،هاتي بوسة، الحمدلله دعايا جاب نتيجة

 

ههه حبيبتي يا ماما، أنا هروح أوضب السفرة وأجي أخد منك الأصناف اللي تفتح النفس دي ههه ريحة اللحمة تجنن

 

ههه يا روح ماما، إلهي ما يحرمك منها ولا من ريحتها

 

خرجت هالة ترتب الطاولة، فقالت والدتها وقلبها يتراقص طرباً:

 

يا سعد قلبي، يارب تمم بخير، يارب ديم العز واللحمة

 

صفت الأصناف الفاخرة على المائدة، وجلسوا جميعاً في انتظار المعلم عدوي.. كان الوالد متجهماً يأسى على حال ابنته التي تغيرت عبر سويعات، ينظر إليها وهي تسر إلى والدتها بالأحاديث فتتعالى ضحكاتهما، ولسان حاله يقول، ما الذي دهاكِ يا ابنتي ونثر غبار الحمق في عقلك الرشيد!!..دقت أجراس الباب، فانتفضت الوالدة عن مقعدها فرحاً وهرولت صوب الباب، وهي تقول:

 

هو، السعد والهنا جانا، فصاح بها زوجها:

 

انتِ اللي هتفتحي يا ست! مش شايفة في راجل في البيت!

 

يوه! ما اقصدش يا عبد الغفار، من فرحتي جريت ع الباب، حصل ايه لده كله!

 

تعالي هنا خليكِ جنب المحروسة بنتك، أنا قايم افتح

 

طب افرد وشك يا عبد الغفار ما تفضحناش

 

قامت هالة عن مقعدها مسرعة وقالت:

 

أنا هدخل اوضتي وابقي نادي عليا يا ماما، ما يصحش يدخل يلاقيني مستنياه

 

هههه عندك حق يا حبيبة ماما، ادخلي وانا هناديلك

 

***********************

 

فتح الوالد الباب، وجاهد في رسم ابتسامة، فبدت باهتة:

 

يا مرحب يا معلم عدوي

 

مرحب بيك يا عبد الغفار

 

استاء الرجل كونه ناظر مدرسة سابق ومعلم قديم أن يسمع اسمه مجرداً من لفظة أستاذ،ابتلع غصته وقال:

 

اتفضل يا معلم

 

دلف إلى المنزل فهرعت إليه والدة العروس متهللة:

 

يا أهلاً، يا أهلا، يا أهلاً، يا ألف أهلاً وسهلاً يا معلم عدوي، نورت عطفة القناديلي

 

عطفة القناديلي منورة بأهلها يا ام هالة

 

أشار الوالد إلى غرفة الصالون وقال:

 

اتفضل في الصالون يا معلم

 

وماله

امتد بصره إلى الطاولة المكتظة بأطايب الطعام وقال منفرج الأسارير:

 

ايش، ايش، ايش، ايه السفرة الملوكي اللي ما كانت لكو على بال ولا خاطر دي!

 

امتعض الوالد بينما قهقهت والدة العروس وقالت:

 

كله من خيرك يا معلم عدوي، على الله بس يعجبك طبيخي

 

هيعجبني، الجواب بيبان من عنوانه يا ام هالة، بس نسلم ع العروسة الأول

 

ههه اتفضل في الصالون وهي هتيجي ترحب بيك بنفسها

 

تنحنح ودلف إلى الصالون قابضاً على صولجانه، جلس متعالياً، وجلس والد العروس قبالته، يرحب بفتور:

 

أهلاً يا معلم، نورتنا

 

تعيش يا عبد الغفار

 

جاءت العروس وألقت السلام:

 

مساء الخير

 

أخذ يطالعها من أعلاها لأسفلها، فحظيت على إعجابه وفاض فمه بالثناء:

 

صلاة النبي أحسن، يا أرض احفظي ما عليكِ

 

هه ميرسي يا معلم

 

فغر فاه حين شكرته بالفرنسية، فلم تشكره إحدى نسائه بتلك اللفظة من قبل ولا تعرف لأفواههن سبيلا، تنحنح وقال:

 

اقعدي يا هالة عشان نتآنس

 

لا نقعد ايه بقى! الأكل محطوط على السفرة من بدري، كدة هيبرد

 

ههه عداكِ العيب. نتآنس ونكمل كلامنا واحنا بناكل

 

قام والدها عن مقعده وقال:

 

اتفضل يا معلم، السفرة جاهزة

****************************

تقدمهم المعلم عدوي وجلس على رأس السفرة، فجلس الأستاذ عبد الغفار متأففاً، وجلست هالة في المقعد المجاور لوالدها الذي أبت عيناه أن تنظر إليها، إعراضاً وإحجاماً. وسال وابل من الترحيب من أم هالة وهي تكدس اللحم أمام المعلم:

 

يا ألف أهلاً وسهلاً يا معلم، داحنا فرحتنا النهاردة ما يساويهاش فرح الدنيا كله ههه اتفضل، ألف هنا وشفا

 

لا أنا زهقان من اللحمة، اديني من صينية الرقاق دي

 

ههه يا سلام! صينية الرقاق بحالها، اتفضل يا خويا بيتك ومطرحك

 

أومأت بضيق  لزوجها الصامت كي يشاركها في الترحيب بالزائر عالي المقام، فاستجاب على مضض

 

منورنا يا معلم عدوي

 

نورك يا عبد الغفار

 

أخذ المعلم عدوي قطعة من صينية الرقاق، ووضعها في فيه، فاستطابها، فمدح الصانعة:

 

تسلم ايدك يا ام هالة، صينية رقاق متكلفة

 

ههه الف هنا، طب دوق البوفتيك بقى، زي العسل هيعجبك، محمراه في سمنة بلدي من اللي هي،  ادي المعلم حتة بوفتيك يا عبد الغفار

 

أه طبعاً، اتفضل يا معلم

 

توشكر

 

ذاق قطعة البفتيك فاستلذها:

 

الله، الله، تسلم ايدك يا ام العروسة

 

مد بصره إلى العروس، فلحظها تأكل قطعة من البفتيك بالشوكة والسكينة، فأعجبه منظرها الراقي، فقال مادحاً إياها:

تعرفي يا هالة، انتِ عروسة تشرف بصحيح، الواحد ياخدك المناسبات والأماكن العليوي وهو مطمن على استربتيجوه

 

ههه قصدك بيرستيجوه يا معلم، جاية من بريستيج، ودي كلمة إنجليزية معناها المقام أو الهيبة أو الإعتبار، ليها معاني كتير هه

 

انبهر بها وأثنى عليها:

 

بسم الله ما شاء الله. العلم نور والجهل يغور بصحيح

 

انتشت والداتها من مديح المعلم عدوي لابنتها،فأخذت قطعة من صينية المكرونة ووضعتها في أحد الأطباق الفارغة وكدست إلى جوارها بعض أصابع الكفتة، ومدتها إلى المعلم:

 

اتفضل يا معلم، ما تكسفش إيدي، مكرونة بشاميل ما تقولش لعدوك عليها ومعاها كام صابع كفتة بخلطتي السرية ههه

 

هههه باين عليكِ نسفتِ العشرين كله لحمة

 

لالا هو أنا هبلة! ده يا دوب خمسة كيلو اللي عملتهم، والباقي في الفريزر شايلاهم لعزوماتك الجاية عشان ما نكلفكش لحمة تاني كل ما تجيلنا ههه

 

ههه عفارم عليكِ يا ام هالة، أحب الست اللي تصون النعمة

 

ههه تعيش، وهالة زيي بالظبط, لا ليها في التبذير ولا الفشخرة الكدابة، خد الطبق من ايدي ودوق وقول رأيك بقى

 

ما أن هم بأخذ الطبق من يدها، حتى دق جرس المنزل، فالتفتت الأبصار صوب الباب، بينما تأففت أم هالة وقالت:

 

يا قاعدين يكفيكو شر الجايين

 

قام الأستاذ عبد الغفار عن مقعده، ليفتح الباب، واستئذن من المعلم:

 

عن إذنك يا معلم

 

اتفضل، انتو مستنين حد يا ام هالة؟

 

ابدأ يا معلم، يعني معقول كنا هندي معاد لحد وانت بجلالة قدرك جايلنا!

 

فتح الوالد، فألفى زميلة ابنته بالعمل، الفتاة الشقراء ذات الجمال الأروبي مايسون، حيت الرجل:

 

مساء الخير، ازيك يا عمي، يا ترى هالة موجودة

 

مساء النور يا بنتي، أيوة موجودة، اتفضلي

 

استعر قلب والدة هالة غليلاً حين رأت الفتاة تتجه إليهم ،فغمغمت غيظاً

 

ايه اللي حدفها علينا البت دي الساعة دي! ياريتني كنت انا اللي فتحت عشان أسربها من برا برا قبل المعلم ما يشوفها

 

وما خشيته قد أصاب سهمه، فقد رمقها المعلم، فأذهله جمالها فغمغم افتتنانا:

يا قوة الله! ايه الحرمة الملوكي دي!

 

  غمزت مايسون لهالة، فردت ذات الغمزة، يبدو أنهما تسران أمراً

 

قامت إليها هالة ترحب:

 

مايسون! ايه المفاجأة دي!

 

ههه كنت معدية من جنبكم، قلت اجي اسلم على طنط عشان واحشاني

 

زفرت والدة هالة وقالت بضيق:

 

يا أهلاً يا عيون طنط، حبك اوحشك النهاردة!!

 

ههه حضرتك واحشاني على طول يا طنط

 

نظرت مايسون إلى المعلم الذي توقف عن كل شيء إلا عن التفرس في قسماتها الفاتنة وعينيها الخضراوتين، جلست في المقعد المقابل له وقالت بدلال:

 

ازيك يا معلم عدوي

 

ها! انت تعرفيني؟

 

طبعاً، وهل يخفى القمر!

 

ههه وربنا انت اللي قمر

 

ههه أنا مايسون

 

ألف سلامة عليكِ، أجيبلك حكيم؟

 

ههه لا أنا مش عيانة، ده اسمي

 

وأهلك ما لقوش إلا الإسم الملخفن ده! أصول كانوا يسموكِ قشطة، زبدة، عسل أبيض

 

هههه جراتسي سنيور عدوي

 

طب وليه الأباحة دي!

 

ههه دي مش شتيمة، أنا بشكرك بالإيطالي

 

وربنا أنا اللي بشكرك بكل لغات المعمورة عشان شفتك النهاردة

 

ههه جراتسي سنيور عدوي

 

استبد الغيظ بوالدة هالة، وأخذت ترغي وتزبد:

 

جرا ايه يا مايسون، انت هتتصاحبي ع المعلم! على فكرة يا حبيبتي، المعلم خطب هالة، عقبالك لما تلاقي اللي يلمك

 

ههه معقول! الف مبروك يا معلم، هالة دي اكتر من أختي، وحقيقي فرحتلكو قوي من قلبي

 

ههه قلبك فيه الخير يا وش الخير، أنا صحيح خطبت هالة، إنما الجواز ده قسمة ونصيب

 

استشاطت والدة هالة غيظاً وقالت:

 

قصدك ايه يا معلم؟

 

ههه كلي لحمة يا ام هالة، كلي لحمة قبل ما تختفي من وشك، ما هي الدنيا قسم وأرزاق

 

قالت مايسون بتغنج:

 

أنا سعيدة قوي إني قابلتك يا معلم، أصل بصراحة مش مبسوطة من الشغل وعايزاك تشوفلي وظيفة تانية.. أصل الشغل متعب قوي والمدير رزل

 

مدير رزل على حتة بوغاشة زيك! يا نهار ابوه كوبيا!! تحبي احبسهولك! اخفيهولك من على وش الأرض؟ أؤمري أنتِ بس وانا اخليه يندم ع اليوم اللي اتولد فيه

 

هههه جراتسي معلم عدوي، جراتسي.. من فضلك اديني رقم تليفونك عشان اتصل افكرك

 

يا سلام! ده يوم المنى لما تاخدي التليفون، اتفضلي، ده الكارت بتاعي، اتصلي في أي وقت ما عدا يوم البست والحد

 

اشمعنى يعني؟

 

عشان ربنا يعافيكِ ببقى عند جباير، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليها

 

يا مامي! لا خلاص، هتصل أي يوم تاني غير اليومين بتوع المعلمة جباير

 

أخذت والدة هالة تزفر أنفاسها، وتضرب كفاً بكف:

 

استغفر الله العظيم!! عايزة حاجة تاني يا مايسون ولا خلاص هتفارقينا؟

 

هه ماشية يا طنط

 

قامت عن المقعد وقالت للمعلم:

 

استني مني تليفون قريب، اريفاديتشي معلم، سلام يعني هههههه

 

هههه الله يسلمك من كل وحش

 

غمزت الفتاة لهالة التي كانت تكاتم الضحك، فلوحت لها بيدها:

 

باي باي مايسون، اشوفك بكرة في الشغل إن شاء الله

 

باي هالة ههه باي طنط

 

خرجت وأغلقت الباب خلفها، تتبعها لعنات والدة هالة وغمغماتها:

 

غوري، داهية تاخدك، جاية تخطف عريس البت وتضيع مستقبلها

 

ابتسمت والدة هالة للمعلم ومدت إليه يدها بقطعة من البفتيك

 

اتفضل يا معلم، خد حتة البوفتيك دي من ايدي

 

قام عن مقعده، وقال وهو يعدل طربوشه متهيئاً للمغادرة:

 

لا، كفاية، حاسس اني كلت كتير قوي واستكفيت من صنع ايديكِ

 

غادر المنزل ولم يلق نظرة سلام على أهله، فصاحت والدة هالة في ابنتها:

 

يعني هي البت اللي اسمها مايسون دي حبك تيجي النهاردة والمعلم يشوفها!

 

هزت هالة كتفها وقالت:

 

الله! وانا مالي يا ماما! زي ما سمعتيها، بتقول انك وحشتيها وجت تسلم عليكِ

 

يا شيخة الله لا يسلمها. مستحلية روحها وفاكرة ما فيش حد زيها

 

ههه هي فعلاً حلوة يا ماما، حلوة قوي كمان

 

يا بت انتِ عايزة تفرسيني! مش خايفة انها تخطف المعلم منك!

 

هههه تخطف المعلم! المعلم هو اللي بيخطف يا ماما، ما حدش يقدر يخطفه

 

نظرت إلى والدها فألفته حزيناً لا يريد مبادلتهما الحديث، فقالت

 

بابا

 

افندم

 

ممم كنت عايزة اتكلم معاك شوية لوحدنا، ممكن؟

 

هز رأسه إيماءاً بالموافقة، وسبقها إلى غرفة الصالون، فقالت والدتها بضيق:

 

ايوة يختي، حطي راسك في راس ابوكِ وفضفضوا مع بعض، ما انا عدوتكو

 

**************************

انفردت بوالدها وقالت بود:

 

بابا حبيبي، أنا عارفة انك زعلان مني عشان موقفي اتغير ووافقت أقابل اللي اسمه عدوي ده.. صدقني يا بابا أنا ما غيرتش موقفي، أنا لما دخلت الأوضة وقفلت عليا، حاولت أنام ما عرفتش من كتر التفكير في الموقف السخيف اللي محطوطين فيه.. حسيت إني عايزة أفضفض مع حد عن كل اللي جوايا.. ما لقيتش غير مايسون زميلتي في الشغل.. حكيتلها على حكايتنا مع المعلم عدوي، لقيتها بتتهمني بالجنون واني ازاي مش موافقة على عريس عنده عز وجاه ومال زي المعلم عدوي، ولقيتها بتعرض انها تتجوزه هي

 

بدت الدهشة على وجه الوالد وقال:

 

معقول! تتجوز راجل في سن أبوها عشان ماله وجاهه!!

 

ايوة يا بابا، مايسون شخصية متطلعة، عايزة توصل لفوق، لفوق قوي بأي طريقة مباحة أو غير مباحة، المهم ما تعيشي حياة الفقر والمرتب المحدود والعيشة اللي ع القد، عايزة تركب صاروح وتطير

 

والصاروخ ده هو المعلم عدوي طبعاً

 

طبعاً.. على فكرة مايسون اتقدملها اكتر من واحد من زمايلنا، وكتير من قرايبها كمان، لكن كانت بترفض عشان ظروفهم زي ظروفها، شباب في مقتبل الحياة وماحدش هيقدر يوفرلها واحد في المية من أحلامها..قلت خلاص، طالما دي رغبتها أخليها تيجي وتقابل المعلم عدوي

 

طيب ما يمكن ما يتجوزهاش، ويكون مصر عليكِ عشان تربيتك وحسن خلقك

 

هههه تفتكر يا بابا المعلم عدوي بيفكر بالطريقة دي! اللي فهمته من كلامي معاه انه عايز واحدة متعلمة يتشرف بيها قدام الناس اللي من الطبقات العالية اللي بيتعامل معاهم، فأكيد لو قارن بيني وبين مايسون، فكفة جمالها هترجح ويبعد عني ويسيبني في حالي

هز الوالد رأسه بأسى وقال:

 

أنا حزين عشان مايسون

 

هه كل واحد يختار الحياة اللي تريحه يا بابا

 

*****************************************

عند ظهيرة اليوم التالي، توقفت سيارة فارهة أمام محل الجزارة، نزل منها شاب يرتدي نظارة سوداء ويرفل في مظاهر الثراء..إنه رضوان إبن المعلمة جباير والمعلم عدوي. خلع نظارته، و ما أن خطا أعتاب المحل،حتى تجهم شحتة ونظر في عينيه باحتداد، فزاغ رضوان ببصره وألقى تحية خاطفة وهو يتخذ طريقه إلى امه:

 

ازيك يا شحتة

 

.... مرحب يا باشمهندس

 

حيا والدته، وجلس في كرسي مقابل:

 

مساء الفل يا ست المعلمين

 

نزعت مبسم الأرجيلة من فمها وردت باحتداد:

 

أهلاً يا خويا، توك ما افتكرت تتعطف علينا وتفضالنا!!

 

هه اعمل ايه بس يا ماما! شركة المقاولات واخداني، ولازم أتابع كل كبيرة وصغيرة بنفسي

 

جدع، المال السايب يعلم السرقة. بس برضو مهما كانت مشاغلك، لما امك تتصل بيك، تسيب الدنيا وتجيلها

 

واديني سيبت الدنيا والشغل والناس وجيتلك يا جميل. خير يا ماما؟

 

هيجي منين الخير طول ما ابوك داير ورا النسوان، اهو بيجهز روحه للجوازة الرابعة

 

قهقه ولدها وقال:

 

الرابعة! ودي تبقى مين بقى؟

 

عيلة من دور اختك غادة، شوفت الراجل اللي اتهف في نفوخه!

 

هه بقولك ايه، عايزة نصيحتي؟

 

نصيحة ايه يا اخويا؟

 

سيبيه يتلهي في جوازاته وحريمه، عشان ده لو فضيلنا، مش هيسيبنا في حالنا، وهيحاسبنا واحنا مش قد حسابه، الفلوس راحت فين؟ أراضي ايه اللي اشتريتوها؟ بضاعة ايه اللي جايالكو من برا، انتو بتتعاملوا مع ابو فادي من ورايا؟.. ساعتها بقى مش هنعرف نطلع المصالح اللي زي الشهد دي يا ست المعلمين

 

أخذ عقلها يلوك الحديث ويردده بين جنباته وهي تسحب أنفاس النارجيلة، زفرت الأوار وقالت:

 

طب والمصاريف اللي بيصرفها على جوازاته، والعيال اللي عمال يخلفها ويبلينا بيها من كل جوازة يا رضوان!! مش دول هيبقوا شركاتك انت وغادة اختك!!

 

ابتسم وقال بمكر:

 

لا ما تشيليش هم عياله، عشان في اللآخر كل حاجة ليا أنا وغادة وبس، لإننا ولادك، وانتِ صاحبة المال والعز اللي هو فيه

 

ايوة يا رضوان بس ابوك تجارته وسعت، وكرشه وسع معاها، وعنده بلاوي متلتلة بإسمه، أكتر من نص أملاك الحارة دي متسجلة بإسمه، ده غير أملاكه برا وفلوسه وأراضيه ومشاريعه

 

مهما كان. برضو كله من أصل مالك انتِ.. وحريمه وولاده بقى خليهم هايصين في الفتافيت اللي بتقع من بين صوابعنا طول ما اهو عايش، إنما بعد كدة بقى هه ينسوا

 

زفرت المعلمة جباير وقالت بضيق:

 

وعلينا من ده بإيه!! ما يبطل جواز وخلفة، والفتافيت اللي بتقع من بين صوابعنا، احنا أولى بيها من لمامة الحارة والأشكال اللي ما تسواش

 

اخترقت إهانة أهل الحارة مسامع شحتة، فأعدها إهانة له وامتهانا لكرامته، فرشقها بنظرة احتقار خاطفة كوميض البرق في سماء ملبدة بالغيم، وتزلزل قلبه برعود الهزائم، فهطلت أمطار أحزانه على أنقاض أمنياته المهدمة. وإذ هو على حاله، دلفت سوكا إلى المحل تحمل صحنين من الحلوى، وألقت نظرة على المعلمة جباير، فوجدتها منهمكة في الحديث مع ولدها، فطاب لها الحديث إلى شحتة دونما رقيب، تبسمت وقالت بتغنج:

 

ازيك يا سي شحتة

 

المعلمة عندك جوا

 

هه لا، ما هو أنا عملت صينية بسبوسة تستاهل بقك، عملتها عشانك بالخصوص، جبت طبق ليك وطبق للمعلمة، اتفضل اهو

 

متشكر، ما باكلش حاجات مسكرة

 

ههه ودي معقولة! طب دانت السكر كله، ما تاكلش مسكر ازاي بقى!

 

ازداد وجهه تربداً وقال هامساً باحتداد

 

قلتلك مش عايز، شيلي الطبق ده، اديه لرضوان باشا خليه يحلي بقه

 

يوه! وانا مالي وماله، قلتلك جايبولك انت ههه ما تكسفش ايدي بقى

 

مدت يدها إليه بإحدى الصحنين، فاستشاط غضباً وأزاح يدها بعنف، وهو يهمس بحدة:

 

قلت مش عايز، وابعدي عني بقى

 

سقط الصحن بما فيه على الأرض، فتهشم فاختلط فتاته بالحلوى، فانتبهت المعلمة وولدها، فصاحت بها:

 

ايه اللي اتكسر يا بت يا سوكا؟

 

قالت وقد ذرفت عبرة ناظرة إلى شحتة:

 

قلبي يا معلمة

 

جاك وجع في قلبك، انتِ ايه منزلك من البيت وجايبك لحد هنا؟

 

قالت وهي تذرف العبرات:

 

عملت صينية بسبوسة وجبتلك منها انتِ وسي شحتة يا معلمة، بس اتكعبلت والطبق بتاع سي شحتة وقع اتكسر

 

طب خدي الطبق اللي في ايدك غوري من هنا، وروحي شوفي اللي وراكِ.. وانت يا ياض يا شحتة، هات مقشة ولم الازاز وبواقي البسبوسة دي وامسح الأرض

 

ازداد لهيبه، فثبتت سوكا نظرة في عينه الكسيرة ، ولسان حالها يقول، تساوت الرؤوس أيها المتغطرس، فلا فرق بيننا.. مضت إلى حالها، فعمد إلى المكنسة لينفذ أمر سيدته. وعاد رضوان لإكمال حديثه إلى والدته

 

رد رضوان على والدته:

 

قلتلك ريحي دماغك يا ماما، وطول ما رضوان جنبك اطمني

 

ههاً ضحكتني، جنبي، ولا جنب العروسة الجديدة!

 

قدمت، وقريب هطلقها

 

ايه! يا ابني دي سابع جوازة ليك في ظرف خمس سنين

 

هز كتفه ولوى شفته وقال بغير اكتراث:

 

مش مرتاح

 

يوه! مش انت اللي مختارها! دي تبقى بنت رشيد جاد المولى شريك ابوك في مشروعه الجديد، والمؤخر اللي كاتبنهولها كبير، خسارة فيها وفي ابوها، دول عشرة مليون جنيه

 

قام عن مقعده وارتدى نظارته استعدادا للمغادرة وقال:

 

راحة بالي أهم. خيرها في غيرها، يلا سلام بقى

 

مش هتطلع تسلم على غادة؟

 

هي مش في شركتها؟

 

واخدة اجازة النهاردة، اهو كل يوم والتاني تاخد اجازة من الشركة، غير الخساير اللي ابوك فضحها عليها وقعد يسلخ ويشفّي فيها بسببها، شكلها هتخربها وتقعد على تلها

 

ههه يا ستي فداها، أصلاً بابا فتحهلها عشان تلاقي حاجة تسليها بعد طلاقها

 

ما تشوفلها عريس من اصحابك يا رضوان، بدل ما هي قاعدالي زي العمل الردي في الشقة

 

هه انتو لسة بتتخانقوا!

 

البت عاملة زي الشريك المخالف، وعمرها ما عامت على عومي

 

 

ههه ابقى علمها العوم يا جميل. سلام يا ست المعلمين

 

****************************

 

قبل غياب شمس ذات اليوم، وقبل انعطاف الدكتور هشام إلى أحد الأزقة، لمح شيئاً اتسعت له حدقتاه، فقد لمح شحتة يقطع اللحم في محل الجزارة، ظن أنه ربما يكون تشابه هذا العامل في محل الجزارة  مع شخص يعرفه.. اقترب ليتيقن أنه محض تشابه، لكن الصدمة قد ألجمته، أجل، إنه هو.انصرف الزبون من أمام شحتة. فتسمر الدكتور هشام أمام شحتة الذي لم يلحظ وقوفه، فقال له الدكتور هشام والذهول يعصف بملامحه وكأنه يكذب ما تراه عيناه:

 

مهندس محمد إبراهيم شحتة، إبن الأستاذ إبراهيم مدرس الانجليزي الله يرحمه، وأبلة رجاء مدرسة العلوم في مدرستنا الإبتدائي!!

 

تبسم شحتة بأسى وقال:

 

حمدالله ع السلامة يا دكتور هشام

 

هز هشام رأسه ذاهلاً وقال وعقله يكاد أن يطيش:

 

ازاي!! طب ازاي!! ازاي انت هنا!!

 

تنهد من أعماق جراحه وقال:

 

نصيب

 

لا، لا، عقلي مش قادر يستوعب. أرجوك فهمني ازاي ده حصل يا باشمهندس محمد

 

دي حكاية طويلة، هه  أو مأساة يطول شرحها، وده مش وقته ولا مكانه

 

يبقى لازم نقعد ونتكلم، ضروري الليلة دي

 

إن شاء الله.. هخلص شغلي على الساعة تسعة، واقابلك ع القهوة اللي على ناصية الحارة الساعة تسعة ونص بالظبط إن شاء الله

 

اتفقنا، عندي زيارة عائلية دلوقتي، هنهيها وانتظرك على القهوة إن شاء الله

 

*********************************

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    احنا اتخمينا ولا إيه؟؟
    الحلقة صغنونة ليه كدة؟؟
    حكاوي الحارة ما بتنتهيش بس مسلية
    عجبني ذكاء هالة جداً
    يا ترى مخبي إيه يا شحته
    ما تتأخريش علينا يا جميلة

    َ 💓دُمتِ مُبدعة 💓

    ردحذف
  2. ياااااااه
    مصدقتش بصراحه في الاخر طلع المعلم عدوي كان في الأول صبي يتيم بس ازاي قدر يتجبر كدا ويدهس الغلابه أنا طول عمري بقول اللي بيعيش غلبان وهو صغير لما يكبر بيحس بالغلابه اللى زيه
    واللي يعيش تعبان من حاجه بيحس بكل اللي يتبعوا من نفس الحاجة ولا هو عمته الفلوس وخلته يتجبر ويتكبر على كل الخلق
    معجبنيش أسلوبه مع أهل هاله خالص كله كبر وعنتظه ومن
    بس هاله عجبتني اوي زكيه وعرفت تخرج نفسها من ورطة لو كانت فضلت تعند مع أمها كان زمانهم حصلهم مشكلة من المعلم وجبروته
    غادة ورضوان مش متفاجأة من تصرفاتهم لأنهم ولاد جباير هيطلعوا ايه غير كدا
    لكن اللي فاجأني بجد ازاي المعلم عدوي والمعلمة جباير بيكرهوا بعض بالشكل دا
    بصراحه علاقتهم غريبة شويه
    أما بقى سوكا فأنا مش مطمنلها خالص
    أما شحته فانا اتفاجأت أنه مهندس لا بجد ازاي دا حصل دا اكيد وراه حكايه ومأساه عاوزه اعرفها بسرعه
    ننتظرك بفارغ الصبر
    لا تتأخري علينا القصة كل مرة بتحلو اكتر
    سلمت يداك ❤️😘

    ردحذف
  3. لا باهوبه الحلقه قصيره جدا بس تحفه جدا جداااااا اللهم بارك
    سلمت يمينك (جوجو)

    ردحذف
  4. المعلم عدوي عينه بتلف كل ما يلاقي الأحلى يشبط فيها 🤣

    ردحذف
  5. مش عارفه اللي عملته هاله ده صح ولا لأ،يعني هي كده مش هتاخد ذنب مايسون؟!

    ردحذف
  6. المعلم عدوى شيفاه فى شخصية فنان قديم نسيت اسمه إللى كان بيقول بس المرادى هتنزل ...

    أم سهيلة

    ردحذف

إرسال تعليق