حارة الموعودين( الرابعة)

 


وفي منزل السيدة لطيفة، خالة الدكتور هشام، رحبت به بحفاوة هي وولدها المهندس طارق أثناء اجتماعهم به في غرفة الأضياف.. قالت الخالة بشوق عارم:

 

والله ليك وحشة يا هشام يا حبيبي، يا سلام، والله دخلتك عليا النهاردة تسوى الدنيا وما فيها

 

ههه ربنا يخليكِ يا خالتي، والله فعلاً كنتِ وحشاني قوي

 

إلهي ما تشوف وحش يا ابن اختي، وتشوف الهنا كله..بس تعبت نفسك وجبت هدايا كتير قوي

 

ولا كتير ولا حاجة يا خالتي، انتو أهلي، وده حقكم عليا

إلهي ما نتحرم منك يا حبيبي ههه  أما اقوم بقى واسيبك مع طارق وأحضرلكو غدوة حلوة كدة تستاهل بقك

 

لالا يا خالتي، أنا متغدي والله، أنا بس جاي ازوركم واشرب معاكو الشاي

 

ايه! ودي تيجي برضو! بقى تيجي بيت خالتك بعد السنين دي كلها وماتاكلش فيه لقمة!

 

هه مرة تانية إن شاء الله

نظرت إلى ولدها الذي يراقب الموقف مكتفياً بابتسامة وقالت بتأفف:

 

ما تقول حاجة لابن خالتك يا طارق، أمسك فيه يتغدا

 

الله! يا أمي قالك متغدي، متغدي، هو الواحد بيتغدا كام مرة في اليوم! وبعدين ما تسيبي كل واحد على راحته

 

أعوذ بالله، سامع يا هشام!، أهو ابن خالتك كدة، ما يجبرش بخاطر حد، ويصد الواحد في الكلام ويطلع فيه زي المدفع ، الله يكون في عون اللي هتاخده

 

قهقه المهندس طارق والدكتور هشام، وقال طارق:

الله يسامحك يا أمي، أنا ما اقصدش أصدك، أنا بس بتخنق من المجاملات الزايدة

 

والله اتربينا على كدة وطول عمرنا فاتحين بيوتنا على كدة، لازم نمسك في الضيف بإيدنا وسنانا ونحطله الأكل في بقه بالعافية وغصب عنه، اومال بيوت كرم ازاي! والله ما انت فاهم حاجة في دنيتك

 

هههه ماشي يا أمي يا أم الكرم والجود.. ممم طب أقولك، طالما متغدي ومش عايز ياكل، روحي اعمليله كيكة من إيدك الحلوة ونأكلهاله مع الشاي غصب عنه

 

قهقه الشابان وقالت الخالة:

 

أهو كدة الكلام, أحلى صنية كيك أعملهالك من إيدي

 

طقطقت شفتها بحسرة وقالت لهشام قبل أن تغادر الغرفة

 

خسارة، لو كانت سلمى هنا كانت عملتلك كيكة شيكولاتة من اللي قلبك يحبها، بس هنقول ايه! راحت تشتري شوية حاجات لازماها مع واحدة صاحبتها.. أصل انت جيت فجأة وما قولتلناش، لو كانت تعرف ما كانتش خرجت وقعدت استنتك

 

تمعر وجه ولدها طارق غضباً مما سمع، ورشقها بشظايا نظرة محمومة نابعة من نخوته، فأدركت خطأها وآثرت الانسحاب الصامت، فاستأذن طارق من هشام وتبعها بعد برهة من الصمت:

 

دقايق وراجعلك يا هشام

 

اتفضل

 

*********************

اندفع إلى والدته في المطبخ، التي تظاهرت أنها منهمكة في أمورها:

 

ماما

 

ردت وظهرها إليه تفتح أحد دواليب المطبخ، وعيناها المضطربة تتحرك يمنة ويسرة كبندول الساعة:

 

نعم

 

ممكن اعرف ايه اللي قولتيه لهشام ده!

 

قلت ايه؟؟

 

سمعته ومازالت توليه ظهرها تعبث في حاجاتها:

ازاي تقوليله سلمى لو كانت تعرف انك جاي كانت استنتك وما خرجتش! يقول على اختي ايه! ويقول عليا ايه!! ما عنديش نخوة

 

لوت شفتها واستدارت إليه وقالت:

 

ياابني حد جاب سيرة نخوتك بحاجة وحشة لا سمح الله! أنا كان قصدي يعني إن اختك بتفهم في الأصول

 

بقولك ايه يا ماما، أنا مش عيل صغير، أنا عارف انك عايزة تجوزيه سلمى، وعايزة تلفتِ نظره ليها بأي طريقة

 

الله! وايه الغلط في كدة! مش أحنا أولى بيه يا ابني! ولا نسيبه لواحدة تانية تاخده!!

 

ههه أولى يعني ايه! على أساس الأقربون أولى بالمعروف! يا أمي ده جواز, وكل واحد له معايير تختلف عن التاني في اختيار زوجته، يعني مش شرط يتجوز بنت خالته ولا بنت عمه، يتجوز اللي يختارها بعقله وبحرية تامة من غير ضغط من أي حد ولا محاولات رخيصة للفت النظر

 

يا لهوي! ايه يا ابني الكلام اللي طلقته في وشي زي المتريليوز ده!! أنا اللي قدرت أفهمه من اللي قلته، إن كل واحد حر

 

بالظبط كدة. يا ريت بقى ما تجيبيش سيرة سلمى تاني عشان أختي مش رخيصة, وهو لو عايزها بإرادته الحرة يبقى يتقدملها، عن إذنك

 

غادر المطبخ، فقلبت يديها عجباً وقالت لنفسها:

 

إرادته الحرة! هو احنا بنقوله اتجوزها ولا انتخبها في مجلس الشعب!!


*****************************************

 

عندما حل المساء، سمعت أم نعمة دقات هادئة متأنية على الباب، فتسترت وأسرعت لترى من الطارق، فتحت فإذ بها ترى حودة الميكانيكي متأنقاً وتفوح منه رائحة العطور ويحمل علبة كبيرة من الحلويات الشامية،  بدا على وجهها التعجب، فتبسم وحياها:

 

مساء الخير يا خالتي ام نعمة

 

... يسعد مساك يا اسطى حودة، خير؟

 

ليا معاكِ كلمتين كدة، ما ينفعوش ع الباب

 

ممم طيب، اتفضل يا اسطى

 

دلف إلى الردهة وعمد إلى الصالون المتهالك، وقبل أن يجلس، قدم لها الحلوى:

 

اتفضلي يا خالتي ام نعمة

 

ايه ده يا اسطى؟

 

دول شوية حلويات شامي يستاهلوا بقك

 

بمناسبة ايه؟

 

هه المناسبة خير إن شاء الله، بس خدي الحلويات من إيدي وما تكسفنيش

 

أخذتها منه ووضعتها أمامه  على المنضدة، جلست في الأريكة المقابلة وسألته:

 

مشرفنا ليه يا اسطى حودة؟

 

فرك يده اضطراباً، ثم قال وقلبه قد تعالت خفقاته:

 

بصراحة كدة أنا جاي أطلب إيد  الأنسة نعمة

 

اندهشت المرأة وقالت:

 

نعمة!!.. بس انت متجوز يا اسطى حودة وعندك عيلين

 

طب وماله! هو عيب ولا حرام لامؤاخذة!

 

لا حد قال عيب ولا حرام، لكن يعني ما تآخذنيش، مراتك تعرف بالحكاية دي؟

 

وايه لزوم معرفتها قبل ما أخد موافقتك وموافقة الأنسة نعمة!

 

أخفضت المرأة رأسها حائرة تقلب كفيها، تنهدت ثم عادت تقول:

 

طيب يا ابني انت عارف يعني إن نعمة بنتي تعليم عالي، وانت..

 

مالي؟ راجل كسيب لا مؤاخذة وأقدر افتح بدل البيت اتنين وتلاتة واربعة، اللي قبلنا قالوا الراجل ما يعيبوش غير جيبه

 

خرجت نعمة متسترة بحجابها وقالت بحسم:

 

انت غلطان يا اسطى، الراجل ما يعيبوش غيرسوء أخلاقه وقلة دينه

 

ارتجف فؤاده حين رأى الحبيب الذي سكن حناياه، أخذته سكرى النشوة وتاهت أحرفه هنيهة، وسرعان ما لملم شتات روحه، ازدرد ريقه، ثم قال بنبرة هادئة:

 

وأنا ايه اللي يعيب أخلاقي وديني بس يا أنسة نعمة! أنا عمري ما فوت فرض في الجامع، وأخلاقي تشهد بيها الحارة كلها

 

أنا برد على كلامك يا اسطى حودة لما قلت الراجل ما يعيبوش غير جيبه

 

عداكِ العيب يا أنسة نعمة، طب اقعدي واحضرينا عشان انتِ صاحبة الشأن وعايزك تسمعي الكلام اللي هقوله

 

جلست إلى جوار والدتها وخفضت بصرها تعففاً، فاستطرد يقول:

 

أنا يا أنسة نعمة مستعد لكل طلباتك، هعيشك ملكة، وكل اللي تتمنيه هيكون تحت رجليكِ.. وانسي بقى اللف ع الشغل ومرمطة الأتوبيسات، عشان انتِ ما اتخلقتيش للبهدلة... أنا مقدر انتِ ايه وعارف قيمتك كويس، وهصونك برموش عنيا،  مصاريف امك واخواتك وايجار الشقة دي عليا، مش هتشيلي هم تاني أبداً... بس انتِ قولي موافقة، وشوفي حودة قد كلامه ولا لا

 

بدا على وجهها الضيق وهمت بالرفض، فضغطت أمها على ذراعها وردت بدلاً عنها:

 

الموضوع عايز أخد ورد يا اسطى، ما ينفعش نرد عليك على طول كدة، سيبنا يومين نفكر

 

شعر بوميض الأمل، فتبسم وقام عن مقعده استعداداً للمغادرة، قائلاً لأم نعمة وعيناه تبثان الشوق إلى نعمة:

 

ماشي يا خالتي ام نعمة، أنا مش هقطع العشم في القبول، والمرة الجاية نشرب الشربات بدل الشاي اللي ما شربناهوش هه بالإذن

 

حملت نعمة علبة الحلوى ونادته إذ هو يتأهب للخروج من الباب:

 

اسطى حودة، خد معاك علبة الحلويات دي، لسة مافيش حاجة بينا عشان نقبلها

 

عبس وقال:

 

دي أصول برضو يا أنسة نعمة! النبي قبل الهدية

 

عليه الصلاة والسلام

خرج وأغلق الباب خلفه، فطقطقت نعمة  شفتها بضيق، وأنبت والدتها برفق خافضة جناح الذل من الرحمة:

 

ليه بس كدة يا ماما يا حبيبتي! ليه ما خلتنيش أرفض! ليه ادتيله أمل وقبلتِ منه الحلويات من الأول!

 

يا بنتي وترفضيه ليه بس! عيبه ايه الراجل! ده مقتدر وهيعيشك ملكة وهيصرف على اخواتك زي ما قال، واوعي تقوليلي هترفضيه عشان مامعوش شهادة عالية زيك. انتِ كنتِ عملتِ ايه بالشهادة ولا غيرك كان عمل ايه! ما انتِ اتخرجتِ بقالك يجي سنتين ومن ساعتها وانتِ دايخة على شغل مش لاقية، وعايشين ع السلف والدين عشان معاش ابوكِ مش مكفينا

 

أجهشت والدتها في البكاء، فهرعت نعمة تمسح عبراتها بيدها وتقول:

 

وبتعيطي ليه بس يا ماما!

 

بعيط على ميلة بختي، يعني بدل ما تحمدي ربنا إن جالك عريس هيشيل همك وهمنا تقومي ترفضيه وترمينا في الهم تاني!

 

هههه طب امسحي الدموع اللولي دي يا قمر انتِ واسمعيني

 

مش عايزة اسمع منك حاجة غير كلمة موافقة ع الاسطى حودة

 

طب ولو وافقت بقى يا ست ماما والجوازة تمت وصرف علينا كلنا، وفجأة قلب عليا وقالي ما تلزمنيش! مش وقتها برضو هنرجع للهم تاني وكأنك يا ابو زيد ما غزيت! هههه ولا يمكن ازعله في حاجة كدة ولا كدة يقوم يعايرني انه بيصرف على أهلي!! يا ماما يا ست زينب يا قمر انتِ، أحب أقولك إننا في هذه الحالة الإجتماعية  الرثة والمزرية اللي احنا فيها دي، مافيش قدام حضرتي غير البحث عن وظيفة ثابتة ومرتب كبير يطلعنا من أزمتنا الطاحنة اللي طاحنانا معاها هههه

 

هأ! مرتب كبير! موت يا حمار

 

هههه ميرسي يا ماما

 

بس برضو هتتجوزي الاسطى حودة، وما تقدريش البلا قبل وقوعه يا نعمة، الراجل شاري ومتربي ومش غلاط ولا سمعنا إن طبعه وحش

 

ههه طب ومراته وولاده! نحطهم في الحلة ونعمل عليهم شوربة لسان عصفور! ههههه

 

يا بنتي هو حد قال انه هيظلمهم ! يعدل بينك وبينها والمركب تمشي

 

تنهدت نعمة بعد أن تيقنت أن أمها وجدت الخلاص من النكبات في يد الأسطى حودة الميكانيكي.. هرع أخويها من غرفتيهما نحو علبة الحلوى، فحالت نعمة بينهما وبينها وقالت:

 

لا، ماحدش يجي جنب الحلويات. دي أمانة عندنا وجايز قوي ترجع

 

ابتئسا وعادا خاليان الوفاض إلى غرفتيهما، فأنبتها والدتها:

 

طب بالله عليكِ يا شيخة ما صعبوش عليكِ اخواتك وهما جايين يجروا ع الحلويات ومنعتيهم بجبروتك وقسوة قلبك!

 

ههه جبروتي وقسوة قلبي! معلش يا ماما سامحيني

 

ايوة جبروت وقسوة قلب، عشان انتِ لو من جواكِ موافقة كان زمانك فتحتي العلبة وفرقتي عليهم حلويات وفرحتيهم، لكن انتِ ضميرك اسود وناوية على نية سودة عشان كدة مخلية العلبة مقفولة..ويكون في معلومك يا نعمة، لو رفضتِ الاسطى حودة هيكون قلبي غضبان عليكِ ليوم الدين

 

كظمت نعمة حزنها من كلمات والدتها وضحكت قائلة:

 

اهون عليكِ يا ماما!!

 

أشاحت والدتها بيدها وعمدت إلى الداخل وهي تقول بضيق:

 

يا شيخة بقى بلا ماما بلا طين، خلفة تسد النفس

 

هزت نعمة رأسها وهي تتبسم بأسى، اتجهت للوضوء كي تصلي وتشتكي إلى الله صروف الدهر أملاً في النجاة:

 

**************************************

 

كان لهشام حديث سمر طويل مع طارق على المقهى ذات الأضواء المبهجة في هذا المساء ذا النسمات العليلة، قال طارق وحنين الذكريات مع ابن خالته تنساب من حنايا الفؤاد:

 

ياه يا هشام، كان واحشني قوي القعاد معاك زي زمان على القهوة.. ما كناش بنفترق.. طول عمرنا بنروح المدرسة مع بعض ونرجع مع بعض، من واحنا في ابتدائي، لحد ما خلصنا الثانوي, وكنا نذاكر مع بعض عند جدتي وجيدة الله يرحمها.. وطول الليل كانت تعملنا سندوتشات وتجيبلنا كل واحد كوباية لبن ده غير الشاي والعصاير ههه وتقول عشان الأكل والشرب ده يقويكو ع المذاكرة ويفتّح مخكو

 

ههه الله يرحمها، كانت أحن من أمهاتنا علينا

 

استطرد طارق سابراً أغوار الماضي:

.. حتى لما انت دخلت طب وانا دخلت هندسة، برضو ما افترقناش، وكنا كل يوم بنشوف بعض حتى أيام الامتحانات ههه

 

ههه فعلاً..كانت أيام حلوة قوي.. وجدتي وجيدة الله يرحمها كانت عايشة، وكانت بتجمع العيلة كلها يوم الجمعة.. خالتي لطيفة وخالتي نادية واخواتنا وولاد خالاتنا كلهم

 

قطب هشام جبينه تأسفاً وأردف:

دلوقتي للأسف، ملاحظ إن أمي وخالاتي فين وفين لما يتقابلوا، حتى التليفونات بينهم تكاد تكون في أضيق الحدود

 

أومأ طارق برأسه اتفاقاً مع ما ذهب إليه ابن خالته وقال:

 

من ساعة ما جدتي وجيدة توفت، وكل واحد بقى في حاله.. حتى ماما لما حاولت تقلد جدتي وجيدة وتجمع اخواتي البنات بولادهم، تلاقي عبير جاية لوحدها وتقول البنات ما رضوش يجوا معايا عشان قاعدين ع النت ههه, وأسماء تيجي تقعد ساعة ولا اتنين بعيالها، وتقول مش هقدر اتغدا عشان ورايا حاجات في البيت عايزة اعملها ومش هينفع أتأخر، وساعات كمان ما بتجيش هه ... شيء محزن

 

رد هشام بابتسامة أسى:

 

عرفت ليه بنحن للماضي يا طارق! عشان كانت أيامه دافية وناسه حنينة.. وما انكرش إن أمي وخالاتي هما الروح الجميلة اللي ربطانا بالماضي

 

ربنا يخليهم لينا يا هشام

 

يارب

 

تنهد هشام وقال:

 

نغير الموضوع بقى عشان قلبناها تراجيدي قوي ههه ما قولتليش عامل ايه في الشغل؟

 

تمام الحمدلله.. أنا...

 

هم طارق أن يكمل، فلمح نهى ووالدتها بائعة الخضار، تدخلان أحد المحال على مرمى البصر، فرمق إليها النظر حتى توارت، فشرد في طيفها، فلحظ هشام شروده، فقال:

 

ايه يا ابني! كنت هتقول حاجة وسكت

 

هه ممم بصراحة مش فاكر كنت هقول ايه.. بس في حاجة تانية كنت عايز اقولك عليها

 

اتكلم يا طارق

 

أنا قررت اخطب

 

هههه فجأة كدة! ما احنا قاعدين من بدري ما جبتليش سيرة

 

فاكر خالتي ام نهى؟

 

خالتي ام نهى الخضارية؟

 

ايوة.. قررت أخطب نهى بنتها

 

نهى! متهيألي نهى لسة صغيرة قوي، دي في إعدادي تقريبا

 

قهقه طارق وقال:

 

يا ابني إعدادي ايه! دي في تالتة أداب فرنساوي

 

ههه معقول! هي نهى كبرت كدة!

 

يا هشام انت لما سافرت هي كانت في تالتة إعدادي، انت غيبت ست سنين، أكيد كبرت يعني مش هتفضل في تالتة اعدادي زي ما سيبتها هههه

 

ههه مش عارف ليه حاسس إني ما غيبتش عن الحارة وإن كل حاجة زي ما هي... ونويت امتى على الخطوبة إن شاء الله؟

 

يعني.. أفاتح خالتك الأول ونحدد معاد مع خالتي ام نهى، شوية تقاليد قديمة كدة تبع جواز الصالونات ههه

 

ههه دي أحلى تقاليد واحلى طريقة للجواز. ربنا يتمم بخير إن شاء الله

 

هه عقبالك يا هشام، مش ناوي تخطب ولا ايه؟

 

ممم في الحقيقة لسة بدري على حكاية الخطوبة دي.. الأول عايز استلم شغلي في المستشفى وكمان عايز أفتح عيادة خاصة لخدمة أهل الحارة ويكون الأجر فيها رمزي.. يعني، قدامي خطوات في المرحلة الحالية أهم كتير من خطوة الجواز

 

ربنا يوفقك يا هشام

 

نظر هشام في ساعته فإذ بها التاسعة والنصف إلا خمس دقائق، فقال:

 

ياه، الوقت سرقنا ممم بعد خمس دقايق عندي معاد مع المهندس محمد إبراهيم شحتة

 

قطب طارق جبينه أسى على حال شحتة وقال:

 

والله مهندس محمد شحتة بيصعب عليا جداً، حظه سيء للغاية، مش عارف ايه اللي غصبه على الشغل عند عدوي الجزار ومراته جباير!!

 

الحقيقة أنا طلبت مقابلته عشان أفهم منه، ايه سر الانهيار الاجتماعي ده

 

إذ هما يتحدثان، أتى المهندس محمد إبراهيم شحتة في مظهر مهندم، وحياهما

 

السلام عليكم

 

وقفا لتحيته، ومد المهندس طارق يده وصافحه باسماً:

 

أهلاً باشمهندس محمد، ايه أخبارك

 

الحمدلله  ياباشمهندس طارق

 

استأذن منهما المهندس طارق:

 

طيب اسيبكم ، واستأذن أنا عشان عندي مشوار مهم

 

اتفضل

 

انصرف المهندس طارق، فجلس الدكتور هشام وقال للمهندس محمد شحتة:

 

اقعد يا باشمهندس محمد

 

جلس وقال بارتياح:

 

ياااه، لقب باشمهندس ده مفتقده جداً هه كنت قربت انساه نقريبا

 

الأول تشرب ايه؟

 

قهوة مظبوط

 

نادى الدكتور هشام وطلب من النادل فنجانين من القهوة، ثم قال باهتمام:

 

عايز تفسير منطقي للوضع اللي انت وصلتله ده يا باشمهندس محمد. أنا فاكر كويس إني قبل ما اسافر أمريكا، كنت انت اتخرجت من الهندسة المدنية بتقدير امتياز، يعني المفروض بعد ست سنين من غيابي عن الحارة أرجع ألاقيك مهندس مدني في شركة من أكبر الشركات

 

ههه ده كان حلمي اللي انداس تحت رجلين الواقع المرير... هحكيلك عشان أزيل الاندهاش اللي بيعتريك .. كنت نفس دفعة رضوان ابن المعلم عدوي والمعلمة جباير، واللي كان أفشل طالب في قسم الهندسة المدنية.. عمل معايا اتفاق مذهل، واعتبرته فرصة بتتقدملي على طبق من دهب، وهو إني أساعده في الدراسة وفي فهم كل اللي استشكل عليه، وفي المقابل هيعيني في شركة من شركات أبوه المعلم عدوي

 

أتى النادل بالقهوة، فقطع الحديث:

 

القهوة يا بهوات

 

شكراً

 

قال هشام باهتمام:

 

كمل يا باشمهندس

 

عايز أقولك اني اتفانيت في مساعدته، لدرجة إنه كان بيجي عندي البيت وياخد من وقتي ساعات في الشرح وتلخيص بعض النقاط المبهمة... حتى مشروع التخرج بتاعه، أنا اللي عملته بداله هه كل ده وأنا منتظر المكافأة اللي وعدني بيها.. ولما اتخرجنا وطلبت منه الوفاء بوعده.. لقيته بيتهرب مني وأوقات كتير مش بيرد على تليفوناتي، وأحياناً يقفل التليفون نهائي هه شيء مثير للسخرية..في الوقت ده كنت محتاج الشغل جداً أكتر من أي وقت، خصوصاً بعد مرض والدتي بالقلب، واحتياجنا لأدوية باهظة الثمن، ما نقدرش نجيبها بفلوس معاشها ومعاش والدي مجتمعين.. عدا أربع شهور، قدمت خلالهم على الشغل في شركات كتير، عملت أكتر من خمسين انترفيو وكنت بجتهد إني أكون مثالي عشان أحصل على الوظيفة.. لكن للأسف، كلها كانت وظايف محجوزة لولاد الكبار ههه

 

تنهد المهندس شحتة بأسى، وأردف:

 

ما كانش قدامي غير إني أحاول أتواصل مع رضوان ابن المعلم عدوي.. قالي اديني يومين وأرد عليك.. وبعد يومين بالظبط اتصل بيا وقالي، أنا لقيتلك وظيفة واعتبرها مؤقتة لحد ما أشوفلك وظيفة تانية في شركة من شركاتنا.. إيه رأيك تشتغل مع أمي في محل الجزارة..أصابتي صدمة هزت كل كياني ... مهندس محمد إبراهيم شحتة ابن الأستاذ إبراهيم شحتة مدرس أول اللغة الإنجليزية، وحفيد الأستاذ كمال شحتة، مدير الشؤون القانونية بأكبر المصالح الحكومية يشتغل صبي جزار في دكان المعلمة جباير وجوزها المعلم عدوي

 

 قهقه المهندس شحتة كمن فقد عقله من فرط الألم و خيبة الأمل، بينما ظل الدكتور هشام يرمقه بشفقة.. خيم الصمت عليهما لبعض الوقت، بعد أن تجمدت الأحرف على شفتيهما... لم يكن المهندس إبراهيم شحتة يعرف أن هناك حوار قد دار منذ سنوات بين رضوان ووالدته المعلمة جباير في ردهة المنزل، حين قال لها:

 

يا ماما أنا تعبت من التهرب من محمد شحتة، بيلح عليا في موضوع الوظيفة اللي وعدته بيها

 

نفثت المعلمة جباير أوار أرجيلتها الكثيف وقالت:

 

الواد اللي اسمه محمد شحتة ده، مخه نِوِر ودماغه نضيفة، لو عينته معاك في الشركة، هيغلبك ومقامه يعلا على مقامك، ويبقى الكل في الكل. والأشكال الواطية دي لما بتعلى، بينسوا أصلهم، ويعضوا الإيد اللي اتمدتلهم.. عشان كدة لازم يفضلوا تحت رجلينا، واللي يبص منهم فوق، نكسرله رقبته

 

.... طيب يعني أقوله ايه؟

 

سحبت أنفاس النارجيلة بعمق وهي تتفكر، ثم نفثت الأوار وقالت:

 

أقولك، تقوله ايه.. انت تقوله ما لقيتلكش شغلانة غير عند امي في دكان الجزارة

 

اتسعت حدقتا رضوان اندهاشاً وقال:

 

ايه اللي بتقوليه ده يا ماما! ده مهندس مدني

 

رفعت أحدى حاجبيها وقالت بتجبر:

 

هي دي الشغلانة اللي عندنا إذا كان عاجبه.

 

هكذا حكمت المعلمة جباير حكماً بالإعدام رمياً برصاص الظلم  على المهندس شحتة، وألقت به في أسفل السلم المجتمعي، خوفاً من تفوقه على ابنها الضيق الأفق

 

***************************

رد الدكتور هشام ثائراً:

 

إنت ازاي تقبل الشغلانة دي يا باشمهندس! كان لازم تبحث عن وظيفة مناسبة للشهادة اللي حصلت عليها، إنت مهندس

 

بدت بسمة ساخرة على شفتي المهندس محمد، أخذ رشفة من القهوة وقال باستسلام مقيت:

 

هه انسى يا دكتور هشام إني مهندس زي ما انا نسيت، أو بتناسى.. كان لازم أقبل لأن المرتب كويس نوعاً ما.. أهو قدرت أجيب الأدوية الغالية لوالدتي، قدرت أخطب بنت خالتي، صحيح بقالنا سنتين مقدمين على شقة في إسكان الشباب ولسة ما جتلناش هه لكن عندنا أمل ناخد الشقة ونفرشها فرش بسيط يمكننا من المعيشة فيها، واهي ماشية، ومطرح ما ترسي دقلها زي ما بيقولوا هه. وكفاية المعلم عدوي والمعلمة جباير وولادهم ومحاسيبهم يعيشوا ويتمتعوا وياخدوا الوظايف الكبيرة، وهما يهيصوا في فلوس الآثار والمخدرات وتجارة السلاح والأدوية والعقارات، وكل وسائل الكسب المشروعة والغير مشروعة، وتتملي خزاينهم، واحنا ننداس تحت رجليهم ههه

 

أخذ المهندس محمد شحتة، الرشفة الأخيرة وقام عن مقعده استعداداً للمغادرة، فستأذن بلطف:

 

عن إذنك يا دكتور هشام، حقيقي سعدت بلقائك جدا، لكن للأسف مضطر أمشي عشان اشتري بعض الأدوية لوالدتي، فرصة سعيدة

 

أنا أسعد يا باشمهندس

 

استدار المهندس محمد شحتة  وأخرج من حافظة نقوده حساب فنجانين القهوة، وتوجه إلى النادل، أعطاه النقود وانصرف.. بينما أخذ الدكتور هشام شعور بغيض بالأسى على مآل ذلك الشاب النابه، سليل الوجهاء

*************************************

بعد صلاةلعصر اليوم التالي، عاد الدكتور هشام وجلس جلسة ود مع والدته، التي وضعت كنكة القهوة على السبرتاية النحاسية الكائنة أمامها على منضدة صغيرة، وأخذا يتبادلان أطراف الحديث:

 

صحيح يا أمي، ازي عمتي حسنية وعمتي عنيات وعمتي زهيرة

 

قطعوا واتدروا في الهوا التلاتة، افتكرلنا حاجة عدلة يا ابني

 

ههه ليه بس كدة يا أمي! انتِ لسة على خلافات معاهم زي زمان؟

 

أنا لا بختلف معاهم ولا بتفق ولا ليا دعوة بيهم، أنا يا ابني في حالي، هما اللي بيجروا شكلي. اقربها السنة اللي فاتت، اتقدم عريس للبت سارة بنت زهيرة. وفي يوم يا ابني قاعدة لا بيا ولا علية زي قعدتي معاك دلوقتي كدة، لقيت الباب بيخبط، قومت يا ابني افتح، لقيت أهل العريس باعتنلي مرسال عشان يستقصوا ع البت وعلى أخلاقها.. قلت اللي ربنا قدرني عليه في حقها

 

راقبت الكنكة فرفعتها قبل فورانها، وصبت فنجان لولدها وقالت:

 

خد اشرب القهوة يا هشام

 

تسلم إيدك يا ست الكل، لكن ما قولتليش، قلتِ ايه في حق سارة زعل عمتي؟

 

أجابت وهي تضع البن والسكر في كنكتها وتزيد الماء:

 

قلت الصراحة يا ابني، إن البت لسانها طويل وقليلة الأدب وكل يوم والتاني خناقات مع امها وبتعلي صوتها عليها. غلطت في ايه انا يا اخواتي! الناس مأمنني أمانة، أغشهم!!

 

ممم يعني كان ممكن تبعدي عن الموضوع ده خالص وتقولي اسألوا حد تاني

 

أهو اللي حصل بقى، الغلطان هو أهل العريس اللي بلغوهم، كان المفروض ما يجيبوش سيرتي طالما طلبوا مشورتي عشان الناس ما تقعش في بعض.. الكلام وصل لعمتك زهيرة، الدنيا ولعت بعيد عنك، قالت لعماتك ع اللي حصل وجم اتخانقوا معايا وطردتهم وابوك خاصمني في الحكاية دي شهر، قال زعلان على زعل أخته

 

ههه يعني انتِ وعماتي لحد دلوقتي متخاصمين؟

 

ايوة، وإن شاء الله ليوم الدين، أنا كنت شفت منهم ايه عدل إلا الخناقات والمشاكل، وانا يا ابني كبرت وصحتي ما عادتش تستحمل معرفتهم

 

هه لا أنا هصالحكو على بعض إن شاء الله

 

يا ابني اللبن لما بيتعكر ما بيصفاش تاني

 

فارت القهوة فأطفأت السبرتاية، فتأففت والدته:

 

عاجبك كدة! اهي قهوتي فارت والوش راح، ادي اللي باخده من سيرة عماتك

 

ههههه يا امي هما ذنبهم ايه بس! انتِ اللي ما انتبهتيش للقهوة.. طيب هي الجوازة تمت؟

 

ايوة، ما هي عمتك زهيرة بعتت مرسال لأهل العريس يقول عليا اللي مش فيا، اني ست غلاوية وحقودة وصفرا ومش عايزة للبت الخير، وطول عمري كارهالهم الفرح

 

طيب كويس إن الجوازة تمت، هبقى أخد رقم جوز سارة واروحلهم البيت أبارك

 

ابقى روحلهم محكمة الأسرة يا حبيبي، عنوانها ما يتوهش

 

يا خبر! هما اتطلقوا!

 

اومال! خلي العريس وأهله يشربوا جزاء ما كدبوني. البت من أول أسبوع جواز وهي مطلعة عينه وصوتها عالي وفاضحاه في وسط الجيران، غير أباحتها وطولة لسانها عليه وعلى أهله، راح مطلقها بعد اربع شهور وكانت حامل، وهي ربنا رزقها ببت من هنا وهاتك يا محامين ويا قضايا، يجي مية وتمانين قضية رفعاها ع الرجل، ايشي نفقة متعة وايشي نفقة رضاعة، وايشي نفقة بامبرز، وتبديد عفش وسرقة صيغة، واهي المحامين بتقبض وتتنغنغ من ورا خراب البيوت

 

لا حول ولا قوة إلا بالله، حقيقي حزين عشانهم. ليه يضيعوا بيتهم، وبنتهم تعيش حياة تعيسة بسببهم!

 

ياما شفت من عماتك، اهو ربنا بيخلص ذنب ناس من ناس.. ما قولتليش يا هشام، هتتغدى معانا ولا مش ناوي؟

 

هتغدا معاكو طبعاً يا ست الكل، بس ياريت تسخني بسرعة عشان عايز بعد الغدا اروح اتمشى شوية مع  طارق وبعدين نقعد على القهوة، وياريت كمان تتصلي بخالتي نادية وتقوليلها إني هروحلها بعد بكرة إن شاء الله، لأن بكرة هعدي على عماتي أسلم عليهم.. وقولي لخالتي نادية  اني عايز اتغدا كفتة رز من ايديها، عشان وحشتني قوي قوي

 

خالتك اللي وحشتك ولا الكفتة؟

 

ههه خالتي والكفتة

 

يا حبيبي طيب ما كانت جت سلمت عليك الأول، وبعدين ابقى روحلها انت، الأصول اللي جاي من السفر الناس تيجي تسلم عليه، مش هو اللي يروحلهم، مش عارفة تحكيمة رأيك أنك انت اللي تروح تزورهم، إمبارح روحت لخالتك لطيفة، وبكرة هتروح للمحروسين عماتك، وبعد وبكرة عايز تروح لخالتك نادية، دانت عمايلك لها العجب يا هشام يا ابني

 

هههه أنا مشتاق لحارة الموعودين وكل عطفة وزقاق متفرع منها، بكون سعيد قوي وانا ماشي في كل حتة في الحارة وبفتكر ذكرياتي

 

افتكر واتهنى يا حبيبي، خلاص هبقى أكلم خالتك نادية الصبح في شغلها، عشان ماليش مزاج اكلمها دلوقتي، بعيد عنك بتصدعني بشكاويها وحالهم وظروفهم وتخلي الدنيا في عيني زي خرم الإبرة، وأنا دلوقتي قاعدة رايقة ومبسوطة وماليش نفس اتنكد

 

هههه

 

دق والد هشام جرس الباب لينبه أهل المنزل لقدومه، ثم فتح بمفتاحه الخاص ودلف يحمل كيساً من المخللات، حياهما باسماً

 

السلام عليكم

 

عليكم السلام

 

خد يا هشام، ده كيس طرشي بعتهولك عمك عبده الطرشجي، وبيقولك دول شوية طرشي وصاية عشان يفتحوا نفسك ع الأكل يا دكتور هشام ههه

 

ههه يااااه قد ايه وحشوني الناس الطيبين. اهي الروح الجميلة الدافية دي كنت مفتقدها وأنا عايش في مجتمعات الغرب اللي بتقودها المادة والنفعية

 

غضنت والدته حاجبيها وقالت:

 

جمعية! انت كنت داخل جمعية في بلاد برا! أوعى تكون رجعت من غير ما تقبضها والخواجات نصبوا عليك يا هشام

 

ههه وحشتيني يا أمي والله

 

*************************************

في هذا الصباح الباكر، التقطت أم هشام هاتفها وجلست على الأريكة لتهاتف أختها الصغرى نادية الموظفة الحكومية في مقر عملها، ردت نادية على الهاتف بعد عدة رنات:

 

أهلاً يا أبلة سميحة

 

لا أهلاً ولا سهلاً، ما حدش سامع صوتك ليه يا نادية!!

 

غصب عني يا أبلة سميحة والله. مطحونة في الشغل لما حيلي اتهد. أهو عندك النهاردة مثلاً، شايلة شغل اتنين من زميلاتي، واحدة واخدة أجازة عشان اختها هتتجوز النهاردة، وواحدة والدة وواخدة أجازة وضع

 

يا دي الوضع المقندل، طب لما هما مش قد الشغل، ما يسيبوه للرجالة بدل ما كل شوية اللي تغيب عشان والدة ولا عشان بترضع، هما الستات ليهم إلا القعدة في البيت!  الشغل للرجالة

 

هه طب والمصاريف بقى يا أبلة! والله ما ملاحقين، والبيوت بلاعة مصاريف. أهو عندي حمدي جوزي يا عيني، بعد الشغل يا دوب يرجع البيت يريح ساعة وياكل لقمة، وينزل جري ع التاكسي اللي شغال عليه، ويجي بعد نص الليل بيطوح من التعب، يترمي ع السرير وما يحسش بنفسه غير والمنبه بيصحيه الصبح عشان يروح الشغل، وكل يوم من ده، ويادوب مكفيين بالعافية، وطلبات العيال ما بتخلصش، اللي في الجامعة واللي في الثانوي واللي في الاعدادي آآآآه يا غلبي

 

بس يختي بس، خلاص انسدي، شيلتيني الهم يا شيخة وصدعتيني. الله يعينكو على شيلتكو..يوه نستيني أقولك أنا متصلة ليه.. نا زعلانة منك يا نادية

 

ليه بس يا أبلة؟

 

بقى يا بت ما تجيش تقولي حمدا لله ع السلامة لهشام!!

 

هه ايه ده! هو هشام رجع من أمريكا!!

 

ايوة يا بت اعمليهم عليا، قال يعني ما تعرفيش!!

 

طب والله يا أبلة ما اعرف ولا حد قالي، دانا اللي المفروض ازعل منك عشان ما قولتليش أول ما عرفتِ إنه جاي

 

بصراحة ما رضيتش اقول، عشان اعرف اتلم ع الواد وأقعد معاه براحتي، قبل ما يهجموا العيلة واللمة

 

طب شوفتي بقى يا أبلة! يبقى أنا ذنبي ايه بقى!

 

أنا قلت يمكن تكون لطيفة اختك قالتلك

 

هي كمان أبلة لطيفة عارفة!

 

أيوة. ما انتِ عارفة إن هشام صاحب ابنها طارق الروح بالروح، وما يخبوش على بعض حاجة

 

على العموم حصل خير يا أبلة. هبقى اجيب حمدي والعيال ونيجي نسلم عليه النهاردة إن شاء الله

 

لأ، ده هو اللي هيجيلك بكرة على الغدا إن شاء الله  . قالي نفسي أكل كفتة رز من إيد خالتي نادية اللي ما يعلاش عليها

 

ههه يا حبيبي يا هشام يا ابن اختي! بس كدة! طب والله وانا راجعة من الشغل بكرة إن شاء الله  لعدي ع المعلم حسونة الجزار وادق عنده أحلى كفتة لعيون هشام

 

طب ما تجيبي من عند المعلمة جباير زي ما بنجيب، صحيح لحمتها مشغتة، بس واخدين عليها

 

لا يا ستي، أنا وحمدي والعيال بنموت في لحمة المعلم حسونة وبنتهبل على دقة ايده للكفتة من سنين السنين

 

طب يا ستي، اتوصي عشان هشام مشتاق لكفتتك قوي يا ام كفتة

 

ههه حاضر يا أبلة من عيني. هو انتِ مش هتيجي معاه؟

 

أنا قادرة امشي! لما تفضي انتِ أبقي هاتي العيال وتعالي

 

نيجي يا أبلة إن شاء الله

 

طب سلميلي على حمدي والعيال، مع السلامة

الله يسلمك يا أبلة

*****************************************

ما أن خرجت السيدة نادية من مقر عملها الحكومي ومشت عدة خطوات حتى ألفت صباح الشحاذة تجلس على قارعة الطريق وتناديها:

 

اديني حاجة لله يا مدام نادية الله يستر عرضك، عايزة اجيب فرخة لعيالي

 

ههه فرخة لعيالك يا صباح! دانا عيالي بقالهم تلات أسابيع لا داقوا الفراخ ولا شافوا اللحمة ولا سمعوا عن السمك

 

طب ما تيجي تقعدي جنبي يا مدام نادية

 

هههه باين هترسي على كدة يا صباح. على العموم مش هزعلك، خدي خمسة جنيه اهيه. عن إذنك

 

أعطتها الورقة  النقدية الحزينة  ومضت في طريقها، فنظرت صباح الشحاذة باشمئزاز إلى الورقة وقالت !

 

خمسة جنيه يا مدام نادية يا فقرية!

نادت الشحاذة لتلفت أنظار المارة:

 

كريم يارب، إلهي يارب تبعد  عننا الموظفين الكحيانين ووقف في طريقنا الناس المتريشين، كريم يارب

 

********************************************

 

أعدت السيدة نادية خالة الدكتور هشام مائدة الغداء الخالية من أي صنف من اللحوم لأولادها الشباب ونادتهم:

 

يلا يا ولاد الأكل جاهز ع السفرة آآآه ياني حيلي اتهد، يا باسم، يا ماهيتاب، يلا يا رضوى،يا عبدالله انتو يا طرش, مش كل يوم صوتي يتنبح عشان تتكرموا وتخرجوا من اوضكو أوف

 

خرج الأصغر عبدالله طالب الإعدادية يهرول مغلقاً ما كان يشاهده على جواله وهو يطقطق شفتيه بتأفف:

 

أنا جيت اهو يا ماما أول ما سمعت صوت حضرتك، وسيبت جول ميسي اللي كان هيدخله في بايرن ميونخ

 

نعم يا اخويا! ميسي ده ايه!

 

يا ماما ميسي، حد ما يعرفش ميسي بطل العالم في كرة القدم! أصل كنت بتفرج على الأهداف القديمة بتاعته، ووصلت لهدفه العالمي في بايرن ميونخ سنة       2015

لسة كان هيدخل الجول سمعتك بتنادي، يا سلام يا ماما لو أخد فرصتي بس وابقى لاعيب كورة في ريال مدريد ولا مانشستر يونايتد ولا ليفر بول كنت بقيت عالمي زي ميسي ولا رونالدو وراكب عربية بميت مليون دولار وقاعد في قصر زي بتاع ميسي، عنده حتة قصر في أسبانيا يا ماما، مكلفه سبعة مليون يورو، كل ده من لعب الكورة يا ماما 

 

يااخويا اتفلح في مذاكرتك يا ابو إعدادية، ولا إن شاء الله هيمتحنوك في أهداف ميسي!!

 

ياريت يا ماما والله ياااه دانا كنت طلعت الأول ع الجمهورية

اقعد استنى اخواتك، ما تمدش ايدك على الاكل إلا اما يجو

حاضر، هقعد مربع ايدي اهو

خرجت ماهيتاب الإبنة الوسطى وأسرعت إلى المائدة

 

اهو يا ماما جيت، في ايه يا حبيبتي!

 

يعني مش سامعاني بنادي عليكو! ايه! انطرشتوا!

 

دخلت اريح ضهري شوية بعد ما رجعت من الكلية، ايه اللي حصل يعني!

 

ماحصلش حاجة يختي! اعوذ بالله عليكِ برود مش على هتلر

 

هههه هو هتلر كان بارد!! ده  كان مولع الدنيا محارق للي ما يتسموش، إهدي كدة يا ماما يا حبيبتي ربنا يهديكِ

 

أوووف انتِ يا ست رضوى

 

ايوة يا ماما ايوة، كنت براجع درس الفيزيا عشان المستر مستحلفلنا وهيطين عيشتنا، عصبي قوي يا ماما، ما يتخيرش عن حضرتك كدة هههه

 

والله له حق يتعصب، ما انتو جيل ما يعلم بيه إلا ربنا، البيه الكبير فين، انت يا سي باسم، يا باسم افندي

 

خرج وهو ينهي مكالمة عبر هاتفه المحمول

 

خلاص يا حاج عبد الصبور، سلام بقى واشوفك بكرة في الكلية... مساء الفل يا ماما

 

 مساء النور ياخويا، مين الحاج عبد الصبور ده؟

 

ده زميلي في الكلية

 

قهقهت شقيقتاه واستبد الغيظ بأمه

 

لا يا شيخ! زميلك ولا زميلتك يا بتاع البنات يا فاشل

 

ههه الله يسامحك، والله انتِ فاهماني غلط،. والله يا ماما أنا بدور على بنت الحلال

 

ياخويا خد ليسانس الحقوق اللي بقالك سنتين مش عارف تاخده

 

يا ماما يا حبيبتي يعني اخده اعمل بيه ايه! شايفة الوظايف مستنية على الباب!! وبعدين أنا مش هسيب الكلية غير لما الاقي بنت الحلال اللي هتصرف عليا وتستتني، ادعيلي بس انك تشوفيني في بيت عدلي قريب

 

يا ابني فوق لمستقبلك بدل الخيبة اللي انت فيها

 

طب ما هو ده مستقبلي اللي لازم اخططله .. شوفي يا أمي يا حبيبتي، الجامعة مليانة بنات ولاد ناس وأغنيا قوي، ابنك بقى بيحاول يصطاد واحدة منهم عشان أكون مستقبلي على قفاها عشان اعرف أعيش واخد حقي من الدنيا دي

 

يا ابني يا حبيبي خد شهادتك الأول، شهادتك سلاحك

 

طب ما حضرتك خدتِ شهادتك، والنتيجة ايه! موظفة مطحونة من صباحية ربنا لحد العصر ده غير بهدلتك في المواصلات، وفي الآخر بتاخدي ملاليم، وبابا خد شهادته، الصبح مفتش تموين ويتعمله الف حساب مقابل ملاليم وآخر النهار سواق تاكس.. انتِ بقى عايزاني ابقى زيك ولا زي بابا!!

 

تنهدت الأم بأسى وقالت: طب كل، كل يا ابني ويحلها ربنا

 

دارت عيناه بين الأطباق، ثم قال باستنكار:

 

ايه ده!! انتِ ما عملتيش شوربة لسان عصفور يا ماما؟

 

يوووه اتصدق انك بني أدم ما عندكش دم! يعني راجعة من شغلي هلكانة ومع ذلك وقفت طبختلكو وغرفتلكو، وفي الآخر ما فيش حمد ولا شكرانية!! ده ايه القرف ده!!

 

إحمر وجهه غضباً وقام عن المائدة

 

مش واكل

 

إن شالله ما كلت، قلة أدب، الواحد قايد صوابعه العشرة شمع وفي الآخر مافيش تقدير ولا كلمة حلوة، هي دي كلمة كتر خيرك اللي بسمعها منكو!!

 

زفرت وأسندت مرفقيها إلى المائدة  وغطت وجهها بيديها، فنظرتا الفتاتان لبعضهما تأسفاً عليها، فقالت الإبنة الكبرى ماهيتاب:

 

خلاص يا ماما بقى، روق يا جميل

 

زفرت ورفعت رأسها وقالت:

 انزل يا عبدالله لدكان عم علي البقال وهات كيس لسان عصفور ومكعب مرقة عشان اعمل شوربة لاخوك

 

تبسمت الفتاتان ونظرتا إلى بعضهما، وقال عبدالله:

 

حاضر يا ماما، الفلوس فين؟

 

عندك في شنطتي

 

حاضر 

 

******************************

أعدت شوربة لسان العصفور وذهبت تحملها على الصينية إلى جوار باقي الأطباق إلى غرفة ولدها

 

باسم

 

اتفضلي يا ماما

 

عملتلك شوربة لسان العصفور يا سيدي، يارب ترضى علينا

 

هههه ربنا ما يحرمنيش منك يا ست الكل، كنت عارف اني مش ههون عليكِ

 

وضعت الصينية على فراشه وجلست على طرف الفراش تقول:

أعمل ايه في قلبي اللي ما بيطاوعنيش، كل وقولي رأيك أيه

 

ذاق الشوربة فأبدى إعجابه

 

الله، ايه الحلاوة دي! ايوة كدة احلى شوربة فاتحة للشهية قبل ما الواحد يخش على صينية البطاطس القورديحي دي هههه

 

نعمل ايه يا ابني! اللحمة ليها ناسها

 

والله انتِ أجمل وأروع أم في الدنيا وكل حاجة بتعمليها إبداع 

 

ممم كل بعقلي حلاوة بقى.. أنا ما رضيتش أتكلم قدام اخواتك عن حالك اللي مش عاجبني

 

مش عاجبك في ايه بس يا ست الكل! أنا زي ما فهمتك مخطط لمستقبلي كويس قوي وعامل دراسة جدوى لمشروعي مية مية

 

هه وانت بقى فاكر إن الناس الأكابر هيرضو بنسبنا القرديحي اللي ما يفرقش عن الطبيخ اللي بتاكله!

 

ايوة يوافقوا لو بنتهم موافقة

 

هه وبنتهم بقى هتوافق بأمارة ايه! ثم هو انت لقيتها صحيح ولا لسة بتدور؟

 

شوفي يا ماما، الحاج عبد الصبور اللي كنت بكلمه دي تبقى مي صاحبة البنت اللي بكلمك عليها، تبقى صاحبتها الأنتيم، أنا بقى طلبت منها تتوسط وتقولها إني معجب بيها وبحبها وعايز اتقدملها

 

ممم وتفتكر هتوافق؟

 

هتوافق يا ماما، ببركة دعاكِ إن شاء الله هتوافق، وبعدين إبنك وسيم وزي القمر زي ماانتِ شايفة كدة، يعني ما اترفضش بصراحة

 

يعني انت بقى معتمد على وسامتك؟

 

 

هههه اه، احسن من مليون شهادة صدقيني

 

ممم والبنت دي اخترتها على أي أساس؟

 

على أساس سندوتشات الشاورما والبرجر اللي كل يوم بتسحبهم من الكافيتريا بنت المحظوظة، يا سلام يا ماما لو شوفتيها وهي بطلع بالتلتوميت جنيه من شنطتها بكل ألاطة كدة وتدفع للكاشير، عظمة، عظمة، العز بيبان على اصحابه صحيح

 

شهقت الوالدة وقالت وقد اتسعت عيناها:

 

بتشتري بالتلتوميت جنيه سندوتشات!! ليه!! ابوها تاجر مخدرات!

 

ههههه يطلع زي ما يطلع احنا مالنا، المهم يديني اشتري برجر وشاورما، ما انا هبقى جوز بنته بقى ولازم يصرف عليا، وكمان ياماما راكبة حتة عربية بنت الإيه!! عربية سبور حمرا بناتي كدة ، أنا بقى هشترط على ابوها يجيبلي عربية هامر، ما انا هبقى جوز منة بقى دلوعة بابي

 

وكمان راكبة عربية!!

 

هي عربية واحدة! ابوها مرة وصلها بعربيته، إنما عربية ايه بقى وهم، ولا منظر ابوها الباشا ده بالنضارة السودة، باشا، باشا يا ماما. كان هاين عليا ازقه برا العربية واسوقها انا ههه

 

تنهد وأردف

 

باختصار يا ماما، الجوازة دي هتغير مستقبلي بالكامل

 

بس ده يبقى نصب يا باسم

 

نصب ليه! هو انا هاخد فلوسها واهرب!! أنا مش في نيتي الغدر، أنا بس عايز ينوبني من الحب جانب واعيش مرتاح زيهم، ولا هما بس اللي يهبشوا واحنا ننداس تحت الرجلين!!

 

والله يا ابني ما عارفة اقولك ايه!

 

ما تقوليش حاجة يا ماما، ادعيلي اتجوز منة

 

هي اسمها منة!

 

هه ايوة، منة أحمد الزنداوي... بس بقولك ايه، بلاش تجيبي سيرة لبابا دلوقتي عن الحكاية دي، لما اشوف بس هترسي على ايه الأول

 

طيب يا سيدي، أما نشوف أخرتها ... يووه صحيح نسيت، خالتك سميحة اتصلت وقالتلي الدكتورهشام ابن خالتك رجع من امريكا

 

ده ايه اللي رجعه الفقري ده!

 

عيب تقول على ابن خالتك كدة! خلص دراسته وكان لازم يرجع الحارة، وبكرة هيجي يتغدا معانا وجاي متشوق لكفتة الرز بتاعتي هههه

 

ههه اه والله وحشتني أنا كمان، هي صحيح كفتة مخلوطة برز، بس اهي حاجة من ريحة اللحمة برضو

 

************************************************

انتهت الحلقة، ألتقيكم يوم الخميس القادم إن شاء الله

لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم صل وسلم على نبينا محمد

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

  1. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه
    الله.. حلقة جميلة جداً
    الدكتور هشام ده بحسه جاي من عالم وردي كدة وبيتصدم في الواقع المرير اللي الشعب كله بقى عايش فيه
    عايز يساعد كل الناس وروحه حلوة ما اتكبرش على أهله وجيرانه ونفر منهم بالعكس
    لو كل واحد ارتفع لفوق وعلا شأنه وأخد بإيد أهله وناسه معاه كان الوضع اختلف كتير
    نعمة بين شقي الرحا.. يا ترى هتقرر إيه في الآخر؟
    حلقة جميلة ورائعة يا جميلة
    لا حرمنا الله من إبداعاتك
    💓دُمتِ مُبدعة 💓

    ردحذف
  2. مرتين اكتب تعليق ويضيع ولا يرسل 😭

    ردحذف
  3. مش ممكن ياهوبه الروايه تحفه اللهم بارك
    سلمت يمينك
    اللهم انى اعوذ بك من الكفر والفقر
    سبحان الله كل شخصيه في الروايه ليها طابع خاص بس في المجمل الفقر حاجه صعبه اوووى وبيفضح معادن الناس
    سلمت يمينك يا اجمل هوووبه (جوجو)

    ردحذف

إرسال تعليق