حارة الموعودين( الثانية)


 

ما أن وصلت المعلمة جباير إلى  العطفة حتى أبصرت بعض الصبية يلعبون أمام المنزل ومن بينهم أولاد زوجها، فقالت لأحدهم باحتداد:

 

المخفية أمك والمتعوسة مرات ابوك فوق ياض؟

 

ايوة يا طنط المعلمة

 

ايه ياض طنط المعلمة اللي طالعلي فيها دي! عاملي ابن ذوات يا ابن ناصرة!! دانت امك كانت سارحة بعربية كشري، غيرش البخت الاسود اللي رماها علينا

 

اومال اقول لحضرتك ايه؟

 

قول يا معلمة جباير، وربنا لو سمعتك بتقول يا طنط المعلمة تاني لاجيب الكرباج السوداني بتاع ابويا واقطع جتتك بيه، سامع؟

 

هز رأسه بارتعاد، فصاحت به:

 

غور اسبقني قول لامك اني طالعة وخليها تتصل بالمتعوسة فريال مرات ابوك تنزل

 

جرى الغلام يدفع الباب الحديدي الموارب وأسرع يصعد الدرج لينفذ ما أمرت زوجة أبيه الأولى

بلغ باب الشقة لاهثاً، ودخل مسرعاً ينادي أمه:

 

ماما، يا ماما

 

ايوة يا واد يا مجدي، مال وشك اصفر كدة زي ما تكون مخضوض يا قلب امك؟

 

الحقي يا ماما، الست مرات بابا الكبيرة طالعة

 

يا لهوي! ايه اللي جابها دي؟

 

بتقولك اتصلي بالمتعوسة طنط فريال وخليها تنزل

 

يا دي النهار المشلفط ،يبقى أكيد في مصيبة، ناولني النوبايل بتاعي

 

اسمه موبايل يا ماما

 

ياخويا اسمه زكريا ، احنا في اسمه دلوقتي! ادهولي خليني اكلم الولية فريال

 

هاتفت ضرتها وهي تتمتم بارتعاد، استر يارب، لطفك يا كريم، عديها على خير ونجينا من جباير، ردت ضرتها على الهاتف وهي تتثائب:

الو، ايوة  يا ناصرة

 

البسي وانزليلي في التو والحال يا فريال

 

ليه يختي في حاجة؟

 

المعلمة جباير طالعة

 

يا مصيبتي! ليه؟

 

انا عارفة اصطبحنا بوش مين النهاردة يختي

 

طب هطس وشي بشوية مية عشان لسة صاحية من النوم ما فوقتش

 

يختي انزلي وكدة كدة لما تشوفيها قدامك هتفوقي وتعرقي، سلام عشان سامعة خطوتها قربت

 

انتِ يا ولية يا ناصرة

 

يا آآآهلاً يا مرحب يا معلمة جباير، ده ايه الخطوة العزيزة دي يختي، يا أهلاً وسهلاً اتفضلي

 

ضرتك المتعوسة فين؟

 

أنا جيت أهو يا معلمة، من فرحتي ما غسلتش وشي ونزلتلك بعبلي

 

جلست ووقفتا ترتعدان وتنظران إليها في ترقب، أشارت لهما بالجلوس، ثم قالت

 

بلغكو ان المعلم عدوي ناوي ع الرابعة؟

 

ايوة يا معلمة

 

وعرفتوا تبقى مين بسلامتها؟

 

ردت الزوجة الثانية ناصرة:

 

ايوة يا معلمة، المعلم قالي

 

كاتمت الغيظ كونه أخبر ضرتها عن العروس ولم يخبرها:

 

ممم ودي تطلع مين؟

 

تبقى البت هالة بنت الأستاذ عبد الغفار ناظر المدرسة الابتدائي اللي ع المعاش، هو انتِ ما تعرفيهاش؟

 

ماباخدش بالي من سناكيح الحارة... شكلها ايه البت دي؟

 

ردت الزوجة الثالثة فريال وهي تختال بشعورها:

 

حتة بت كدة لا شكل ولا منظر ولا تساوي في سوق الحريم تعريفة، غيرش المعلم نفسه حلوة، قال على رأي المثل، سوق الحلاوة جبر واتغندروا النسانيس

 

ممم ولما هي لا شكل ولا منظر، ايه اللي عجبه فيها؟؟

 

ردت الزوجة الثانية ناصرة:

المعلم قبل كدة قالي بصريح العبارة انه عايز المرة دي واحدة متعلمة ومتثئفة، مش جاهلة زي...

 

زي مين يا ولية!!!

 

آآآ زيي، زيي أنا و فريال يا معلمة جباير، احنا عارفين ان انتِ الله أكبر عليكي خمسة وخميسة معاكِ الإعدادية ومتنورة وكلك مفهومية، مش زيي أنا وفريال يا حسرة، مامعناش حتى الابتدائية ويادوب بنفك الخط

 

خلاص اتسدي، خليني اقول الكلمتين اللي جاية اقولهم

 

اتفضلي يا ست المعلمين

 

عايزاكِ انتِ وهي تقلبوا ع المعلم وتوروله الوش المقلوب والطبع الردي، وتقلبوا عليه العيال كمان، عشان يعرف ان كلنا ايد واحدة ومش موافقين على الجوازة الطين دي

 

نظرتا إلى بعضهما باضطراب، وابتلعت الزوجة الثانية ناصرة ريقها وقالت:

 

ما تأخذنيش يا معلمة، أنا وفريال ما نقدرش نقف في وش المعلم ولا نقلب العيال عليه

 

ليه يختي! من حسن طبعكو ولا من تربيتكو العالية!!

مش القصد يا معلمة، إنتِ مهما كان غيرنا، انتِ ابوكِ الله يرحمه يبقى المعلم ضرغام، اللي خيره ع المعلم وهو اللي مربيه، فمش هيقدر يغدر بيكِ، لكن احنا يا حسرة لو سوقنا عليه العوج هيقوم رامي اليمين في ساعتها، وإنتِ ما ترضيلناش الأذية

 

ردت الزوجة الثالثة فريال:

 

ولا انا كمان يا معلمة أقدر ازعل المعلم، مش بعد العز اللي عيشني فيه أنا وأهلي أقوم اعض ايده اللي اتمدتلنا، دا فتح لابويا واخواتي الرجالة دكان كبير على ناصية الحارة وبقوا معلمين على حسه

 

ردت الزوجة الثانية ناصرة: وأنا اللي عمله مع ابويا ما يتنسيش، ده فتحله أكبر محل كشري فيكِ يا حارة الموعودين، غير انه وظف اخواتي المتعلمين في وظايف ما يحلموش بيها وقبضهم بالدونار الامريكاني ابو مدنة خضرا، بركاتك يا معلم

 

ايوة ما هو خدكو حافيين وجعانين وملا كروشكو، وعايشين متنعمين. لكن جباير هي اللي تشيل الهم والطين لوحديها

 

ردت ناصرة الزوجة الثانية:

 

بعد الشر عليكِ من الهم يا ست الستات. انتِ بس لو تريحي روحك وتخليه يعمل اللي ما بداله، كنتِ استريحتي

 

استريح!! الله لا يريحه ولا يريحكو يا جوز العقارب، أنا ماشية

 

هرعتا خلفها وأساورهما الذهبية تحدث رنين صاخب، وقالت الزوجة الثالثة فريال: ما بدري يا معلمة

 

وقالت ناصرة الزوجة الثانية:

 

اقعدي اتغدي يا معلمة

 

رشقتهما بنظرات ازدراء وغادرت المنزل وصفعت الباب خلفها، فزفرتا وقالتا في آن واحد:

 

في ستين داهية

 

جلستا فدمدمت ناصرة الزوجة الثانية سباباً:

 

أعوذ بالله، ولية سماوية، مش عايزة المعلم يتجوز الرابعة

 

قالت الثالثة فريال: هي مالها هي! كانت دفعاله حاجة من جيبها!

 

قهقهت ناصرة شماتة وقالت: طول ما الولية اللي اسمها جباير دي بتنكاد، أنا قلبي بينشرح وبيزغرت من جوا. ربنا يتمملك بخير يا معلم عدوي يا كايدهم

 

************************************

في منزل أهل العروس الرابعة، صاحت العروس بضيق:

 

يوووه مش عايزاه يا ماما، مش عايزاه

 

يا بنتي حرام عليكي هتميلي بختك وبختنا معاكِ، واحدة غيرك يتقدملها المعلم عدوي الجزار عين أعيان حارة الموعودين واللي يحتكم على أكتر من نص بيوتها ومحلاتها كان زمانها بتقول يا أرض اتهدي ما عليكِ قدي، لكن أقول ايه في قسمتي، ربنا بلاني ببت كارهة العز واللحمة

 

لحمة ايه بس يا ماما! هي الحياة عندك أكل وشرب وبس!

 

لأ، أكل وشرب وعربيات و محلات وبيوت وعماير  وفلوس متلتلة على قلب المعلم عدوي، وبغباوتك هتروح منك ومنا يا وش الفقر

 

والله يا ماما أنا ما عارفة أنتِ بتفكري ازاي! يا ماما المعلم عدوي بتاعك ده أكبر مني بيجي خمسة وعشرين سنة، دي غادة بنته كانت معايا في المدرسة، غير انه متجوز تلات ستات وانا هكون الرابعة، وغير كدة يا ماما ده راجل جاهل, ما اتعلمش.. ، وكمان ما شوفتيش لبسه عامل ازاي!!

 

ماله لبسه يختي!! راجل قيمة وسيما وملو هدومه

 

هدومه! يا ماما ده هربان من سنة 1900، في واحد في القرن الواحد وعشرين ولسة بيلبس جلابية وقفطان وكمان طربوش على دماغه وعصايا في ايده!! عاملي فيها يحيي شاهين في بين القصرين بسلامته!! ده غير كمان اني سمعت انه عامل عوامة وجايب فيها عوالم بيغنوا اغانى قديمة ويرقصوا بالشمعدان، دا عايش دور سي السيد يا ماما

 

وانت مالك! راجل صاحب مال وبيتمتع بفلوسه على كيف كيفه، يعمل فيها سي السيد، يعمل فيها عبده الحامولي هو حر، بفلوسه يعمل ما بداله

 

ده راجل مريض نفسياً وعايز يتعالج يا ماما

 

والله ما في حد مناخوليا وعايز يتعالج إلا انتِ، دي ألف بنت تتمنى تبقى مرات المعلم وتعيش في نعيمه

 

 أنا بقى مش من الألف دول، و مش هتجوز غير الإنسان اللي على دين وخلق والمناسب ليا فكرياً وثقافياً

 

مممم وده بقى يطلع مين سي فكرياً ده! الواد زميلك في الشغل اللي عنده جفاف ووشه اصفر وعنيه داخلة لجوا من قلة الأكل، اللي اتقدملك مرتين ورفضناه!!

 

حضرتك بس اللي رفضتيه، أنا وبابا موافقين عليه عشان متدين وبيصلي الفرض بفرضه ، وبعدين ما يصحش تقولي عليه كدة، ده إنسان مكافح

 

يختي يكافح بعيد عننا ويسبنا في حالنا، وبعدين هو ده في حيل للكفاح! ده ناقص غذا وفيتامينات، دا محتاج يترمي في مستشفى ويعلق محاليل

 

ماما من فضلك ما تقوليش كدة على منتصر

 

منتصر! منتصر على ايه عايزة افهم! واحد مفلس وجعان واسمه منتصر!

 

يا ماما ده رئيس قسم الحسابات في الشركة، والكل بيحترمه، وبصراحة أنا مؤمنة بكفاحه

 

دق جرس الباب فأزاحتها الأم عن طريقها

 

اوعي يا بت من وشي خليني اشوف مين، قال يا قاعدين يكفيكو شر الجايين

 

فتحت فإذ بصبي الجزار شحتة محملاً بجوال كبير وآثار دماء الجزارة على جلبابه

 

سا الخير يا ام العروسة

 

ههه يا أهلاً يا أهلاً يا ألف مرحب بصبي سيد المعلمين، ازيك يا شحتة

 

نحمده يا ست، المعلم بيصبح على العروسة وباعت معايا العشرين كيلو لحمة دول

 

 

أيه! هههه  بيصبح بعشرين كيلو لحمة! اومال هيمسي علينا بإيه!

 

بعجل إن شاء الله لما يتم المراد، قولي آمين

 

آمين يا اخويا آمين، الخير على قدوم الواردين، حطهم هنا وقول للمعلم أم العروسة بتقولك متشكرين يا سيد المعلمين

ماشي، المعلم بيقول انه هيتعشى عندكو الليلة وعايز يدوق عمايل ايدين العروسة

 

من عنينا يا خويا حاضر، قول للمعلم تآنس وتنور، بالسلامة

 

يووووه ايه يا ماما اللي انتِ عملتيه ده! معناه ايه بقى انك تقبلي اللحمة اللي باعتها المعلم عدوي

 

زي ما سمعتي يا قلب ماما، معناه إن المعلم هيتعشى عندنا النهاردة وعايز ياكل من ايديكِ الحلوين

 

وآنا مش عاملة حاجة، أنا داخلة انام

 

ايوة نامي عشان تصحي فايقة على معاد المعلم بدل ما هي عنيكي منفخة زي اللي واخدة بوكسين، كله من الصحيان بدري والجري ورا الاتوبيسات عشان تلحقي الشغل اللي بتقبضي منه ملاليم يا ام كفاح يا مقشفة

 

استغفر الله العظيم، ربنا يسامحك على اللي بتعمليه فيا ده يا ماما

 

ويسامحك على قلة عقلك. اهي دخلت نامت وقفلت أوضتها، أنا عارفة اومال علام ايه بس اللي اتعلمته دي! إن ما كانش العلام ينور مخ الست ويعرفها مصلحتها يبقى فايدته ايه! اوووف أما انادي على ابوها اللي بقاله تلات تيام نايم ده، عبد الغفار، اصحى يا عبد الغفار القيامة قربت تقوم وانت لسة نايم

 

لا يا ست صاحي وسامع كل حاجة

 

بركة انك خرجت من الاوضة، والله ليك وحشة، ولما انت سامع كل حاجة ما خرجتش تقول لبنتك كلمتين تعقلها ليه! ولا امها بس اللي تشيل همها!

والله ما حد جايبلنا الهم إلا انت! انتِ ازاي تقبلي اللحمة اللي باعتها الجدع الجزار

 

اسمه المعلم عدوي زينة الحارة ومالك نص اللي فيها

مالك كل اللي فيها يا ستي، بس مش مالك بنتي ولا له حكم عليها، وبقولك ايه، اللحمة دي زي ما خدتيها ترجعيها

 

يا لهوي! انت بتقول ايه يا عبد الغفار! انت عايز تميل بخت البت! اهئ اهئ يا عيني عليكي يا بنتي يللي ابوكي مش عارف مصلحتك ولا عايزلك العز والهنا اللي امك اتحرمت منه

 

بقى كدة! طب طالما مش عاجبك عيشتي، ما تلمي هدومك وتمشي وتريحينا

 

نعم نعم! الم هدومي واروح فين! اسيب حارة الموعودين واتشرد!! اهئ اهئ اخص عليك يا عبد الغفار يا خاين العشرة اهئ اهئ هونت عليك يا راجل!

 

اوووف استغفر الله العظيم، رجعي اللحمة للمعلم قطران ده وقوليله ما عندناش بنات للجواز

 

طب بس استهدى بالله كدة يا اخويا خليني اقولك كلمتين، ما هو الكلام اخد وعطا

 

قولي يختي

 

يا عبد الغفار يا خويا، الراجل المعلم عدوي ده ما يخفاش عليك انه راجل شراني، ولو رجعناله اللحمة وقولناله ما عندناش بنات للجواز مش بعيد يحطنا في دماغه ويطردنا برا الحارة، آه، ما هو مفتري وما يقدر عليه إلا ربنا

 

ولما انتِ عارفة انه مفتري وشراني وفيه العبر عايزة تجوزيه بنتك ليه!

 

هو اللي اختارها من بين بنات الحارة كلهم، نرفس النعمة والنعيم اللي هيغرقنا فيه!

 

يعني قصدك ايه! ارمي بنتي لراجل شراني عشان معاه فلوس!!

 

لا يا اخويا لا، احنا هنجوزه البت عشان نتقي شره

 

قولتلك مش هجوزهاله

 

يبقى اتقي شره يا عبد الغفار اسمع كلامي، احنا نعدي الليلة دي على خير عشان بس ما يقلبش علينا ويحطنا في دماغه، وبعدها يحلها اللي خلقك، نبقى نطلعله بأي حجة

 

حجة زي ايه يعني اللي هتخليه يحل عن رقابينا!

 

يعني يا اخويا نبقى نقوله البت اتجننت، البت اتصابت في نفوخها وبتجري ورا العيال بالطوب، اهو أي حاجة وخلاص. لكن نرجعله اللحمة ونقوله ما عندناش بنات للجواز، يبقى وقعنا تحت سكينة المعلم وهيشفينا ويبعينا بالكيلو

 

مممم ماشي، في دي عندك الحق, الراجل الشراني اللي زي ده لازم نتقي شره

 

ايوة كدة يا اخويا اسم الله على عقلك، دخل اللحمة المطبخ بقى عشان الحق احمر واشمر للمعلم ، واهو هينوبنا من الحب هبرة ههههه

 

*******************************************

 

كان لدى المعلمة جباير في دكان الجزارة الكائن في الحارة ، الأستاذ حفني المحاسب الخاص بها القديم الهيئة والمنوال،  والذي قد أتى وجلس إلى المنضدة يراجع الحسابات قبل تقفيلها الشهري، فقال وهو يفر في الدفتر ويطالعه من خلف نظارته:

 

الإيجارات دي ناقصة ومش مظبوطة يا معلمة جباير

انتزعت مبسم الأرجيلة من فمها وقالت:

 

ناقصة!!! مين اللي عندك في الدفتر ما دفعش يا حفني افندي؟؟

 

حفني افندي! مش عارف الولية دي وجوزها جايين من سنة كام احم احم  أم نعمة ما دفعتش

 

صاحت باحتداد:

 

أم نعمة! نهارها مش فايت النهاردة، ولا يا شحتة

 

نعمين يا معلمة

 

سيب قطعية اللحمة اللي في ايدك واطلع للولية أم نعمة قولها فين الإيجار بتاع التكية اللي متوياكِ

 

حاضر يا معلمة، أمشي الزبون اللي واقف بس

 

لا زبون ولا ديالو، الزبون يستنى

 

أنا مستعجل يا معلمة

 

يا خويا يعني وراك الديوان! اقف خمس دقايق ع ما الواد ينزل

 

أمرك يا معلمة، صبرنا يا رب 

 

خف رجلك ياض يا شحتة

 

حاضر يا معلمة. مش عارف مالي انا ومال الإيجار ولم الإيجار! ما كفاية عليا الدكان وقرفه، الله يقرفك ويقرف جوزك ويتوب علينا من الحارة الفقر دي

 

************************************

أخذ شحتة صبي محل الجزارة يدق الباب دقات عالية متواترة بعنف وينادي بصوت جهور:

 

يا ست ام نعمة، يا ست ام نعمة

يالهوي! ده صوت شحتة صبي المعلمة جباير، أكيد باعتاه عشان ياخد الإيجار، استر يارب استر، سيبك من الكرتون اللي بتتفرج عليه و ناولني الشال يا عاطف يا ابني

 

اتفضلي يا ماما

 

تسترت وفتحت الباب وقالت بارتباك:

 

أهلاً يا شحتة

 

اهلاً بيكِ، المعلمة جباير عايزة الإيجار

 

أه، الإيجار، معلش يا شحتة، اتأسف للمعلمة جباير وقولها معلش مافيش فلوس دلوقتي، لكن نعمة بنتي اتوظفت وإن شاء الله الإيجار هيكون عندها النهاردة

 

رد ساخراً:

 

وهو يعني اللي بيتوظف بيقبض في نفس اليوم يا ست ام نعمة! حليني بقى لما تقبض آخر الشهر

 

يا خويا ربنا يثبت اقدامها في الوظيفة، والأجرة هتكون عند المعلمة أول كل شهر من غير ما تطالبنا

 

إن شاء الله، ربنا معاكو بقى، هقول للمعلمة الكلمتين اللي قولتيهم، سلام

 

الله يسلمك يا شحتة

 

أغلقت الباب ورفعت عينها للسماء تدعو لابنتها:

 

ربنا يثبت اقدامك في الوظيفة دي يا نعمة عشان نسد بق المعلمة

 

**********************************

كان الأسطى حودة الميكانيكي والذي تقع ورشته أسفل العقار المقابل للعقار الذي تقطنه أم نعمة ، قد لمح شحتة صبي الجزارة داخلاً العقار، أثناء أصلاحه إحدى السيارات بمشاركة صبيه، فتوقف عن العمل وهرع ينتظره لدى باب العقار، فما أن رآه خارجاً، حتى استوقفه:

 

ازيك يا شحتة

 

الله يسلمك يا اسطى حودة

 

كنت جاي لمين في البيت؟

 

أم نعمة. أصلها ما دفعتش الإيجار، والمعلمة قالبة الدنيا

ممم أنا قلت كدة برضو، طب استنى

 

أخرج  الأسطى حودة محفظة نقوده، وأخرج منها قيمة الإيجار، وأعطاها لشحتة

 

خد يا شحتة، ادي دول للمعلمة جباير وقولها ده إيجار ام نعمة

 

هه حركة جدعنة منك يا اسطى

 

أحنا جيران والناس لبعضيها

 

عندك حق، سلام

 

الله يسلمك

 

شرد الاسطى حودة باسماً وهو يخال نعمة أمامه ويقول:

 

يا سلام لو الدنيا تحن عليا وانول المراد يا نعمة

 

سمعه صبيه فضحك وقال:

 

انت لسة حاطط الموضوع ده في دماغك يا اسطى؟

 

وايه اللي يخليني اشيله يعني ياض يا فرج! أنا بس مستني فرصة عشان اكلم امها

 

يا اسطى انت متجوز يا اسطى

 

تكدر وجهه وزفر بضيق ثم قال:

 

يعني لازم تفكرني يا بوز الإخص انت! ياض يا فرج افهم، أنا ابويا جوزني وانا صغير ما كملتش عشرين سنة، امي اختارتهالي ودبسوني فيها، واديني عايش معاها عشان العيلين

 

تبسم وأردف

 

لكن نعمة، يا سلام، نقاوة قلبي وعيني، لما بشوفها ياض قلبي بيرفرف كدة وما بعرفش اتلم على روحي

 

هههه دانت عاطفي قوي يا اسطى

 

بس انت ادعيلي ياض انها تكون من نصيبي

 

طب والست نجوى

 

مالها نجوى! هتعيش معززة مكرمة وكل طلباتها مجابة، دي مهما كان ام العيال

 

طب وايش عرفك ان نعمة هتوافق! ما يمكن يعني تقول انك....

 

وجم وقال:

 

مش قد المقام

 

العفو يا اسطى، انت مقامك فوق الكل، بس يعني الجماعة المتعلمين دول بيبقوا طالعين في العالي

 

بلا متعملين بلا كلام مدهون، هي الست يعني عايزة ايه غير راجل يضلل عليها ويشوف طلباتها، على الأقل هدفع الإيجار لامها وارحمها من اللف ع الشغل زي اللي عليه حكم وبيلففوه كعب داير

 

انت ونصيبك بقى يا اسطى، يلا عشان نشطب العربية اللي في ايدينا عشان صاحبها زمانه جاي

 

ماشي ياض

*****************************

مرت سويعات زاد معها قلق والدة نعمة:

 

يا ترى اتأخرتِ ليه يا نعمة يا بنتي!

أتاها ولدها تلميذ الإبتدائية  يهرول:

 

ماما، هي أبلة نعمة هتجيب فلوس معاها؟

 

إن شاء الله يا عاطف، أنا قولتلها تحكي لصاحب الشغل على حالنا يمكن يحن عليها ويقبضها بدري، حتى لو يعتبره سلف، بس انت قول يارب

 

يارب يا ماما، طيب أنا عايز كتاب انجليزي خارجي، المستر قال ما تجيش من غيره، وبكرة السبت عندي درس

 

يابني انجليزي ايه دلوقتي! لما ندفع اجرة الشقة اللي متويانا نبقى نشوف المستر بتاعك

 

طقطق ولدها شفته ضيقاً، وذهب إلى غرفته، وسرعان ما سمعت الأم  طرق متواتر على الباب وصوت نعمة تنادي لاهثة:

 

افتحي بسرعة يا ماما، ماما

 

هرعت الأم تفتح، فاندفعت نعمة إلى الداخل وكأنها هاربة من شيء يطاردها وقالت باضطراب

 

اقفلي بسرعة يا ماما، اقفلي

 

ايه يا بنتي! حد بيجري وراكِ؟

 

ههه أصل شوفت المعلمة جباير في محل الجزارة وقلت يارب ما تشوفني، ما صدقت لقيتها بتتخانق مع زبون، روحت مغطية وشي بالشنطة وجيت جري على هنا هههههه

 

ممم يبقى ما اتوفقتيش في الشغلانة

 

جلست نعمة وقالت ضاحكة:

 

اقعدي بس يا ماما اما احكيلك، ده كان يوم كله مغامرات ههه

 

جلست والدتها في المقعد المقابل، تنهدت بعمق همومها وسألتها:

 

حصل ايه يا نعمة؟

 

روحت يا ستي مقر الشركة اللي في العنوان اللي ادتهولي رانيا صاحبتي، صاحب الشركة راجل كبير، بتاع ستين، حاجة وستين سنة كدة، الراجل كان لطيف وسألني كام سؤال انجليزي وجاوبتهم، قالي كدة تمام، مبروك يا أنسة نعمة، إتعينتِ سكرتيرتي الخاصة، قلت الحمد لله فُرجت، وقالي المرتب مبدئياً أربع تلاف جنيه

 

اتسعت عينا والدتها فرحاً وقالت:

 

ماشاء الله، اربع تلاف جنيه مرة واحدة!!

 

هههه ما انا فرحت زيك كدة وقلت بركة دعا امي

 

اومال ايه اللي حصل بس يا نعمة خلاه يستغنى عنك، زعلتيه؟

 

ابدأ يا ماما. ده حتى بعد ما قعدت على المكتب واستلمت الشغل، لقيت بتاع الدليفري داخل من الباب ومعاه شنطتين كبار، استلمهم منه صاحب الشركة واداه فلوس ومشاه، أتاريه كان عامل حسابي في الأكل وحط قدامي أربع سندوتشات همبورجر كبار، قلت رزقي ورزق اخواتي ههه حطيتهم في الشنطة معايا اهم في الحفظ والصون

 

لا حول ولا قوة إلا بالله! اومال ايه يا بنتي اللي قلب الراجل عليكِ؟

 

أبداً يا ماما، الراجل جابهالي على بلاطة، وقالي تعرفي إن الحجاب مش لايق عليكِ، متهيألي هتبقي بشعرك أجمل بكتير، هو لون شعرك ايه

 

شهقت الأم وضربت على صدرها وقالت:

 

يا وقعة سودة! يبقى نيته مش سليمة الشايب العايب

 

ههه ايوة يا ماما، طلع بتاع ستات اللي ينشك في قلبه ده، وقالي لو طاوعتيني هغرقك فلوس

 

الهي يغرق في مصيبة ما يطلع منها، اخص عليه وعلى أخلاقه... صاحبتك اللي اسمها رانيا دي ما تكلميهاش تاني ولا لسانك يخاطب لسانها

 

ليه بس يا ماما ؟

 

مش هي اللي جابتلك الشغلانة عند الراجل عديم الأخلاق ده!!

 

يا ماما هي كانت تعرف منين بس إنه ذئب من الذئاب البشرية! هههه  كتر خيرها، كانت معدية جنب الشركة لقت إعلان عن طلب سكرتيرة، راحت اديتني العنوان

 

هي لو بتحبك وقلبها عليكِ بصحيح، كانت وظفتك معاها في نفس المكان اللي شغالة فيه

 

ازاي بس يا ماما! رانيا خريجة حقوق وبتشتغل في مكتب محامي، أنا خريجة أداب فلسفة، ما ينفعش اشتغل معاها في مكتب المحاماة.. نصيبي بقى يا ماما اروح شركة الراجل المتصابي زير النساء ده ههه

هزت الأم رأسها بأسى وقالت وهي تتذكر ذاك الوغد المسن:

أخص عليه، دانتِ قد بنته، بقى يرضاها على بنته برضو!

الناس اللي من نوعية الراجل المهزئ ده، ما بتفكرش كدة، دول دماغهم لادعة أصلاً هههه والله يا ماما ما حسيت بنفسي غير وانا بزعقله بعلو صوتي وأقوله انت إنسان مش محترم، وسيبت المكتب وجريت ع الشارع ومنه لأول أتوبيس، ووجيتلك يا ست الحبايب حيث الأمن والأمان هههه

 

طفرت عبرات والدتها وقالت:

 

يا بنتي بتضحكي على ايه بس! على الخيبة اللي احنا فيها! إيجار البيت اللي المعلمة جباير فضحانا عليه، ومصاريف البيت ومصاريف اخواتك، يا دي الغلب اللي احنا فيه

 

أجهشت والدتها بالبكاء حسرة على الحال والمآل، فقالت نعمة:

 

لا بصي يا ماما، ده مش معاد العياط اللي متفقين عليه، انتِ معادك من تمانية لتسعة بالليل كل يوم، دلوقتي احنا لسة اربعة  العصر، ما تلخبطيش الجدول ههههه

قبلت والدتها وربتت على كتفها وقالت باسمة:

سلميها لله يا ماما، بكرة تفرج

 

طب وهنعمل ايه في أجرة البيت! دي الولية اللي اسمها المعلمة جباير مستحلفالنا

 

ممم أقولك، نستلف الإيجار من طنط ام نهى الخضارية، هي الوحيدة اللي بتسلفنا وعمرها ما قالت لا

 

ايوة يا بنتي بس احنا كدة بنتقل عليها قوي، دي ست شقيانة على لقمة عيشها مش فاتحاها للسلف والدين

 

يا ماما الناس لبعضيها

 

تنهدت والدتها وقالت مغلوبة على أمرها:

 

خلاص، انزلي استلفي منها وأمرنا لله

 

أنزل فين يا ماما! دانا قلتلك إني هربت من المعلمة جباير بأعجوبة

 

طب وبعدين! لو ندى اختك نزلت، برضو هتمسك فيها وتفرج عليها الشارع

 

اقولك، احنا نبعت عاطف، كأنه نازل يشتري باكو بسكوت ولا حاجة، اهو عيل ومش هتكلمه

 

عندك حق يا نعمة

 

بس استني الأول يا ماما، لما اطلع الهمبورجر وافرح اخواتي ههه

 

ربنا يفرح قلبك يا بنتي

 

طرأ خاطر على بال والدتها فقالت:

 

طب بقولك ايه يا نعمة، ما تكلمي المعلم عدوي يشوفلك وظيفة، ده راجل واصل ويعرف الأكابر كلهم، غير ان اسمع ان هو وولاده عندهم شركات وشغلهم واسع برا الحارة

 

هههه المعلم عدوي يا ماما! المعلم عدوي ما بيوظفش غير قرايبه ومحاسيبه ومحاسيب مداماته التلاتة حتى لو ما معاهومش شهادات هههه المعلم عدوي ما بيعملش حاجة لحارة الموعودين وأهلها غير إنه يمص دمهم ويذلهم، لكن إحنا لينا ربنا، وربنا كريم وهيجبر بخاطرنا إن شاء الله، بس انتِ قولي يارب

 

يارب يا بنتي يصلح حالك ويثبت اقدامك في وظيفة بمرتب حلو يبل ريقنا اللي نشف

 

هههه يارب يا ماما

 

أخرجت ساندوتشات البورجر من حقيبتها الكبيرة ووضعتهم على المائدة ونادت شقيقها وشقيقتها:

 

يا ندى، سيبك من المذاكرة  وانسي الثانوية العامة وتعالي شوفي المفاجأة الصاعقة هههه يا عاطف، تعالي افرح معانا يا حبيبي

 

جاء عاطف يهرول

 

جبتلنا ايه يا ابلة ؟

 

ههه بص كدة وملي عينك

 

اتسعت حدقتا الصغير فرحاً

 

ايه ده! ده همبورجر زي اللي بيجي في التليفزيون

 

ههه هو، بس استني ما تمدش ايدك، لما تيجي ندى، يا ندى انتِ فين؟

 

جاءت شقيقتها مشعانة الشعر، مهلهلة الثياب، شاحبة الوجه، تتشبث بكتاب، قالت بصوت منهك:

 

ازيك يا أبلة نعمة

 

الله يسلمك يا ندى، ايه يا حبيبتي مالك زي اللي طالعة من تحت الأنقاض كدة هههه ما تسرحي شعرك ده رعبتينا ههه

 

اعمل ايه بس يا ابلة، مش فاضية أسرحه، المذاكرة هدت حيلي، قلت أوفرلكو تمن الدروس واذاكر لنفسي

 

ربنا يوفقك يا حبيبتي، حسيسة من يومك ههه بصي كدة ع السندوتشات دي

 

ايه ده! الله! ده البرجر اللي بشوفه في المحل اللي فتح في الحارة وبتبقى عيني هتطلع عليه واقول امتى ادوقه بقى

 

ههه اهو جالك لحد عندك، بس روحي حمريلنا شوية بطاطس جنبه عشان نشبع

 

شوية بطاطس! ده هما بطاطستين اللي عندنا يا أبلة

 

حلوين، حمريهم بسرعة بقى عشان ناكل البرجر الحلو ده

 

من عنيا يا ابلة ههه الله، هناكل برجر

 

أحضرت طبق من البطاطس المحمرة وجاءت مسرعة تشتهي الطعام الذي أتت بها أختها الكبرى .. انقضوا على الطعام، وهمت نعمة بقضم الساندوتش، فرمقت أخويها يلتهمان الطعام والحرمان يطل من عينهما، فنظرت إليهما بشفقة وتراجعت عن قضمتها، قسمت الساندوتش إلى نصفين وهي تبلع ريقها اشتهاء له، وقالت مؤثرة إياهما: خدي يا ندى، خد يا عاطف

 

قالت والدتها:

 

طب وانتِ يا بنتي؟

 

لا يا ماما، أنا بصراحة مش بحبه البتاع ده، أنا هقوم اعمل سندوتشين جبنة بيضا وجنبهم كوباية شاي سادة، عشان نفسي فيهم قوي، بالهنا والشفا انتو

 

اختطف كل منهما نصفاً وهما يدعوان لها:

 

ربنا يخليكِ لينا يا أبلة

 

ابتسمت واتجهت إلى المطبخ تبحث عما يسد رمقها، تتبعها نظرات والدتها المتحسرة

 

****************************

ذهب الطفل الصغير عاطف شقيق نعمة إلى بائعة الخضار، وأمام الدكان تسمر خجلاً، لمحته أم نهى وهي ترتب الخضر، فتبسمت وقالت:

 

عايز حاجة يا عاطف؟

 

ممم ماما بتقول لحضرتك، معلش بنتاقل عليكِ، سلفينا اجرة البيت عشان المعلمة جباير بتتخانق معانا وعايزة تطردنا في الشارع، واحنا مش عندنا بيت تاني، وهترجع الفلوس لما أبلة نعمة تتوظف

 

أشفقت على الصغير وقالت:

 

يا حبيبي! تعالى يا عاطف خد اللي انت عايزه

 

أخرجت قيمة الإيجار من الدُرج، وأعطته للصبي الذي ينظر إلى الأرض خجلاً وقالت:

 

اتفضل يا حبيبي، قول لماما ما تشيليش هم الفلوس، وقت ما ربنا يفرجها هاتيهم، أنا مش مستنياهم

 

أخذ النقود فرحاً وشكرها

شكراً يا طنط

************************************

أخذت نعمة النقود وقالت لوالدتها كالمنتصرة في المعركة:

 

دلوقتي بقى أنزل أرمي الفلوس في وش المعلمة جباير  هههه

نزلت إلى الحارة، فما أن لمحها الاسطى حودة الميكانيكي وهو منهمك في إصلاح إحدى السيارات وإلى جواره صبيه فرج، حتى تبسم والتقط كوب الشاي الكائن على منضدة صغيرة إلى جواره وباليد الأخرى سيجارته، وأخذ يدندن بالغناء هائماً ليسمعها ما وراه فؤاده:

 

مال القمر مااااله

 

ما جيناش على بااااله

 

مال القمر ماااله

 

ما جيناش على بااااله، مال القمر مااااله

هو اللي متربي، على العز ياربي، يعمل كدة فياااا

 

أشوفه واندهله، واسوق على أهله، بالألف والمييية

لتني اقول آآآه، آآآه، آآآه آآآآه

 

صاح به صبيه متأففاً:

 

سلامتك من الآه يا اسطى، ابوس ايدك خلينا في أكل عيشنا، صاحب العربية زمانه جاي

 

ما يجي ياض، قليت مزاجي الله يقل مزجك،  ناولني مفتاح تمنتاشر

سمعت نعمة تلك الغناء الذي صاحب خطواتها حتى ابتعدت، ولم تعره اهتماما، أو تلق نظرة إلى الورشة وصاحبها... وصلت إلى محل الجزارة .. نظرت إلى الداخل فلم تجد المعلمة جباير في محل الجزارة، فقالت لشحتة:

لو سمحت هي المعلمة جباير فين؟

 

مش موجودة

 

طيب كنت عايزة ادفع ايجار الشقة، بس لو سمحت عايزة وصل يثبت اني دفعت

 

مالوش لزوم يا أنسة نعمة، الإيجار اتدفع

 

اتدفع!! ومين دفعه؟

 

الاسطى حودة الميكانيكي اللي قدام بيتكو

 

استشاطت غضباً وقالت:

 

ايه! وهو يدفعلنا الإيجار بمناسبة ايه!

 

والله علمي علمك، روحي اسأليه.. عن إذنك عشان في زبونة داخلة... طلباتك يا حاجة

 

اديني نص كيلو لحمة يابني، بس قطعية حلوة ما تكونش سمينة

 

حاضر

 

انطلقت نعمة إلى ورشة الميكانيكي وهي تزفر من شدة الغضب، ما أن رأته حتى صاحت به أمام صبي الورشة، فشحذت أم عوض النقاقة أسماعها وتدلت من شباكها الذي يبعد عن الورشة بعدة أمتار وأخذت ترقب:

 

اسطى حودة

 

تهلل وجهه وقال بانتشاء:

 

نعمين يا ست البنات

 

انت ايه اللي خلاك تدفعلنا إيجار البيت!

 

يعني، جيران، والجار له حق على جاره، واحنا اكتر من الأهل

 

لا متشكرين، احنا مش عايزين جمايل من حد، اتفضل الإيجار اهو، ومن فضلك ما تكررهاش تاني، احنا طول عمرنا في حالنا ومش عايزين حد يجيب في سيرتنا

 

أعطته الإيجار وانطلقت غاضبة، فتبسم وظلت عيناه تعانق خطواتها المتسارعة إلى منزلها، بينما استبد الغيظ بصبي الورشة وقال:

 

هي مالها بتتنك عليك كدة يا اسطى ورافعة مناخيرها في السما! ايش حال ما كنت كل يوم بشوفها بتجري ورا الأتوبيس بجزمتها اللي كل يوم والتاني ترقعها عند عم فتحي الجزمجي!!

 

بس ياض يا فرج، إياك تتكلم عليها كدة تاني، دي أعز الحبايب ياض، وحبيبك يبلعلك الزلط

 

هههه ماشي يا اسطى, ما انت وقعت ولا حدش سمى عليك

*****************************************

 

في مساء ذات اليوم، كانت المعلمة جباير تنتظر قدوم زوجها المعلم عدوي الذي هاتفته ليجيئها على الفور و براكين الغضب ثائرة في دواخلها، جاءتها خادمتها سوكا بكأس من ليمون بارد، وقالت:

 

عملتلك كوباية لمون تروق دمك يا معلمة

 

صاحت بها بصوت من ججيم:

 

ومين أذنك تعمليلي لمون! خديه وغوري من وشي مش عايزة اطفح حاجة

 

روقي بس يا معلمة، صحتك بالدنيا، يعني هي الهرية والنكتة اللي انتِ فيها دي اللي هتخلي المعلم يصرف نظر عن الرابعة!!

 

اللي قاهرني يا بت انه مرسي نسوانه التانين على الدور من أوله وقايلهم كل حاجة، وأناااا أعرف من برا آآآخ

 

يمكن ما قدرش يقولك يا معلمة عشان استحى يجيب عينه في عينك، ما انتِ مقامك عالي غير مقام نسوانه الاتنين التانيين برضو، هما فين وانتِ فين! وبرضو المعلم أكيد مش ناسي انك سته وتاج راسه والعين ما تعلاش ع الحاجب

 

ردت والغيظ يفري كبدها

لا يا بت، دي عليت، وعليت قوي، وعدوي ده بقى لازم حد يحجمه عشان ما ينساش أصله

 

معلوم يا معلمة، معلوم.. بصراحة المعلم عدوي غلطان من فوقه لتحتيه. هو انتِ عشان ما سكتِ وعديتِ الجوازتين التانين بمزاجك، يقوم يستقرضك كدة ويجيب الرابعة!

 

زفرت أنفاسها المصطلية، فسألتها خادمتها سوكا:

 

انتِ قلتِ للباشمهندز رضوان والباشمهندزة غادة ولادك؟

 

اومال، وغادة هتقفل الشركة بدري بالخصوص النهاردة عشان مستحلفاله

 

ممم طب والباشمهندز رضوان؟

 

قال مش فاضي، هو من امتى فضي لامه! كفاية عليه كل شوية يتجوز ويطلق ويغير عربيات ويشتري في فلل ويسافر بلاد برا يتفسح كل شهر والتاني، دانا بقالي يجي شهر ما شوفتش خلقته، ويوم ما اقوله محتاجالك عشان تحط ايدك في ايدي انت واختك ونقف في وش ابوك يقولي معلش يا ماما أصل النهاردة عندي معاد مع المقاول اللي شطب البرج الجديد!!

 

ما هو برضو غصب عنه يا معلمة، مش مسؤول عن شركة المباني اللي عملهاله المعلم!!

 

كله من أصل مالي يا بت، عدوي ما لهوش حاجة

 

صح يا معلمة، في دي عندك مليون حق، كله ورثك من ابوكِ المعلم ضرغام، الف رحمة ونور عليه.. اشربي اللمون بقى عشان خاطري

 

قولتلك يا بت ماليش نفس، ما تزوديش

 

خلاص، أوامرك يا ست المعلمين

 

عمدت سوكا إلى المطبخ، فأبصرت المهندسة غادة إبنة المعلمة جباير تدخل من باب المنزل، فقالت:

 

أهي الباشمهندزة غادة جت اهيه

 

همست الخادمة في أذن غادة:

 

ادخلي للمعلمة لحسن دي شايطة ع الآخر

 

أوف، ليها حق والله... ماما، أنا جيت

 

أهلاً يا غادة

 

لسة بابا ما جاش لحد دلوقتي!

 

رنيت عليه تاني قال في الطريق

 

طيب، يا دوب ادخل اغير هدومي عشان استعدله، دانا مستحلفاله النهاردة يا ماما، حتى كان المفروض اروح أنا وميار وهايدي النهاردة المول عشان في شوية هدوم برندات نزلت بس قلت لأ، اخليها ليوم تاني عشان اقف جنب ماما واجيب حقي وحقها من سي بابا

 

ما اتحرمش منك يا قلب ماما، يجي اخوكِ يشوف حنيتك عليا وقسوة قلبه

 

سيبك منه يا ماما، رضوان طول عمره في طوع بابا عشان مصلحته، وطالما مأمن نفسه ومالي خزنته مش هيفكر فينا، انما احنا ستات غلابة ولازم نتحد مع بعض عشان بابا يعرف اننا مش هنسكت والجوازة دي مش هتم. لكن انتِ ما عرفتيش هيتجوز مين؟

 

البت الجربوعة اللي اسمها هالة بت الناظر

 

ايه! هالة عبد الغفار! دي قدي يا ماما وكانت معايا في المدرسة، ايه اللي بابا بيعمله ده! عايز يتجوز واحدة من سن بنته!

 

عايز يعيد شبابه الذي مضى، بس ورحمة شرفه الجوازة دي ما هتتم ولو طار فيها رقاب

 

***************************************

دق جرس المنزل فهرعت سوكا لتفتح، فإذ به المعلم يتأنق في جبة وقفطان ويعلو رأسه طربوش أحمر، ممسكاً صولجانه بيده، فبدا بهيئة تاجر من القرن التاسع عشر.. رحبت به سوكا الخادمة:

 

المعلم! حمدالله ع السلامة

 ***************************

لا  إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله


اللهم صل وسلم على محمد 

تعليقات

  1. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه 💓
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء 💓
    الأحداث بتتصاعد الحلقة دي... وسي السيد شكله مش هيتهنى بالجوازة الرابعة
    مكافحة ومحترمة نعمة دي زي نهى كدة.. فيه ناس ما شاء الله عليهم بيراعوا ظروف أهاليهم وبيحسوا بالمسؤلية وبيحاولوا يساعدوهم
    ربنا يعين كل صاحب حاجة
    حلقة جميلة

    ردحذف
  2. حلقة جميلة ورائعة يا جميلة
    متشوقين في انتظار باقي الأحداث
    💓دُمتِ مُبدعة 💓

    ردحذف
  3. سلمت ايدك ياهوبه أنا لسه في أول الروايه بس تبارك الله شيقه جدا متميزه كالعاده ياهوبه اللهم بارك
    جوجو

    ردحذف
  4. حلقة جميلة والمعلم عدوي يتلقى وعده من جباير

    ردحذف
  5. الحمد لله إن الحلقات متراكمة عليا عشان اقرأها دفعة واحده😂

    ردحذف

إرسال تعليق