الثامنة عشر (حارة الموعودين)


 

حذفت الرقم، وجلست تتذكر كلماته في هيام، وكم هو رقيق مع النساء، بخلاف عدوي الجلف الذي لا يحسن الانحناء وتقبيل يد الحسناوات.. ظلت شاردة حتى أخرجها عن شرودها صوت رنين جرس الباب... إنها جباير ومعها النساء، ولكنها عمدت إلى حيلة باستخدام أحد رجالها الذي وقف أمام الباب بزي عامل توصيل الطلبات، بعد أن عطل كاميرات المراقبة.. نظرت ميسون من الفتحة الزجاجية الصغيرة، فرأته، فسألت::

 

مين:

 

الأوردر يا فندم

 

بس أنا ما طلتش أوردر

 

في أوردر حلويات شرقية مدفوع التمن، بإسم المعلم عدوي

 

حلويات شرقية! طيب

 

انتهى دوره، فأومأت له المعلمة جباير برأسها أن يغادر، كي تفرغ الساحة لتصفية الحساب، ووقفت أمام الباب وخلفها زوبة وبعض الفتيات الشعبيات التي جلبتهم من أشباهها. فتحت ميسون فشهقت وقالت بفزع حين رأت الفتيات ينظرن إليها كأشباح مخيفة::

 

انتِ ايه اللي جابك هنا! ومين اللي انتِ جايباهم معاكِ دول؟؟

 

ههه أهلاً يا بيضا يا حلوة يا كايدة عذالك

 

أومأت لهم المعلمة، فاقتحمن المنزل، وأغلقن الباب، فهمت بالصراخ، فكمموا فاها، فطل الرعب من عينيها وارتعدت فرائسها.. إنه يوم تصفية حساب المعلمة جباير العسير مع إحدى خصومها.. فهيهات هيهات أن تنجين يا ميسون

 

اتجهت المعلمة إلى الأريكة، وأشعلت سيجاراً وجلست ترقب ما يحدث لميسون بملامح ثابتة بعد أن كممن فاها.. أخذت الفتيات يركلنها بعنف ويجذبنها من شعرها، ويلكمنها في أنحاء متفرقة من جسدها، والمعلمة تنفث أوار سيجارتها وتطرب لأنينها المكتوم، والسباب بالأب والأم والعرض الذي ينهال عليها من أفواه الفتيات الشعبيات، ولا تملك ميسون إلا استغاثات مكتومة ورعب يطل من عينيها.. تبسمت المعلمة وهي تحدجها بنظرة شامتة، وقالت للفتيات بنبرة هادئة تشعل الغيظ:

 

يا بت انتِ وهي، اعملوا زي ما رجالتي علموكوا في التمرين الكام يوم اللي فاتوا. اضربوا الضرب اللي يوجع، بس ما يسبش أثر. دي مهما كان عروسة ومش عايزين نشلفطها عشان المعلم عدوي ما يزعلش مننا  هيهيهييييي

 

ردت زوبة:

 

والله ما مضيعك إلا حنية قلبك دي يا معلمة. سيبينا عليها نعملها كفتة ونحطها في سياخ ونشويها ع الفحم

 

ههههه يا بت يا زوبة بشويش يا بت. هي عدوتك!

 

ايوة عدوتي. انا بصراحة بقى ما بطيقش اشوف واحدة بيضا وعنيها خضرا، نفسيتي بتتعب وبيبقى هاين عليا اشقها بالسكينة اربع تربع

 

قهقهت المعلمة، بينما زوبة تطلع في ملامح ميسون الساحرة الأخاذة التي تتوسد بشرة شقراء، وسبتها غلاً وهي تلكمها في صدرها:

 

ايه الحلاوة والبياض ده جاتك القرف كرهتينا في أشكالنا، لا وعين خضرا كمان ولا حد هامك، ايه يا بت، ما تتلمي انتِ واللي من عينتك، فاردين قلوعكو ليه كإن ما فيش في البحر غيركو!!

 

استغاثت بأنين مكتوم، وعيناها المرتعبتان تلتصقان بالمعلمة

 

مممممممممم ممممممممممممم مممممممممممم

 

ابتسمت المعلمة بشماتة وأخذت نفساً من سيجارتها وهي تنظر إليها، وأومأت برأسها لزوبة أن تكمل، فاستدارت زوبة إلى الفتيات المرافقات لها وحرضتهن على المزيد

 

ادوها فين يوجعك لحد ما يبانلها صاحب يا بت انتِ وهي

 

حاضر يا زوبة

 

زادت الفتيات الضرب الذي يؤلم صاحبه ولا يترك بجسده أثر، والمعلمة ترقب منتشية

 

نادت فيهن المعلمة:

 

المية السخنة يا بت انتِ وهي

 

شهقت ميسون شهقة مكتومة وحجب الهلع بياض عينيها، واندفعت بعض الفتيات يبحثن عن المطبخ لإحضار الماء الساخن، وسرعان ما عدن بطست مملوء بالماء الساخن تتصاعد منه الأبخرة، فجحظت عينا ميسون رعباً وارتعدت فرائصها، وضعت الفتيات الطست تحت أقدام المعلمة، فخلعت نعليها، وأمرت بقارورة ماء بارد تفرغ على ماء الطست الساخن، ففعلن، وضعت قدميها في الماء، واتكأت بتعاظم على إحدى الوسائد، وأومأت للفتيات أن يتركن ميسون، فأمرتها بأنفة:

 

 

وطي اغسليلي رجلي يا بت

 

اتسعت حدقتا ميسون، وقالت باندهاش:

 

أنا!!

 

لا أمي. بقولك وطي اغسليلي رجلي يا بت

 

ده كتير، كتير قوي اللي بتعمليه ده

 

هو انتِ لسة شوفتِ حاجة!! يلا يا بت وما تزوديش في الكلام، وطي اغسلي رجلي

 

لا، مستحيل، واعملي اللي تعمليه

 

كدة! طب قعدوها غصب عنها تحت رجلي اللي عاملة نفسها هانم وهي ما تسواش دي

 

جذبنها من شعرها وسط صراخها، وألقين بها تحت أقدام المعلمة، فسقط وجهها في الطست، إلى جوار قدمي المعلمة، فصرخت، وقهقهت المعلمة، وقالت:

 

ما كان بالذوق احسن، بدل ما وشك يتساوى برجلي في طشت واحد هههههه ولو ان رجلي أنضف من وشك ومن عينتك كلهم

 

جدجتها ميسون بنظرات مستعرة، وبقايا الماء تتساقط من شعرها على جبهتها ووجنتيها، فضربتها زوبة بقبضة يدها على رأسها، وقالت بنظرات وعيد:

 

وطي اغسلي رجل ستك واحفظي اللي باقي من كرامتك، بدل ما نمسح بيها البلاط

 

رمقت ميسون النظر إلى المعلمة جباير وداخلها يصطلي غليلاً من تلك النظرات المتشفية المنبعثة من عيني غريمتها المعلمة، ولكنها لا تملك إلا الانصياع لأمر من تراهن حقيرات وأراذل البشر، فنكست جبينها مكرهة، وطفقت تغسل قدمي المعلمة، وتغمرهما بالماء، فقالت المعلمة:

 

ادعكي كعوبي قوي يا بت عشان يبنئحوا عليا

 

رفعت عينيها اللتان تفيض منهما الكراهية، ثم عادت تنكس رأسها وتغسل قدمي المعلمة، التي أشارت إلى زوبة وقالت:

 

هاتي فوطة وشها من الحمام عشان تنشفلي بيها رجلي

 

عيني يا معلمة

 

زاد بركان الغضب اشتعالاً في دواخل ميسون، وتقاذف من عينيها الشرر المحموم، فاتسعت ابتسامة التشفي على وجه المعلمة.. سرعان ما عادت زوبة بمنشفة مخملية أنيقة، ومدت بها يدها إلى المعلمة، فقالت المعلمة:

 

اديها للبت دي عشان تنشفلي رجلي، بتدهالي انا ليه!!

 

خدي يا بت نشفي رجل ستك، جاك وجع في حلاوتك

 

أخذت ميسون المنشفة، وطفقت تنشف قدمي المعلمة، وأنفاسها كلهيب محتدم... أنهت ما بدأت،  فأبصرت المعلمة تلك الخاتم الماسي في إصبعها و المتحد بريقه مع تلك العقد في جيدها، فامتشقت المعلمة العقد غلاً، فشهقت ميسون وصاحت بها:

ايه اللي بتعمليه ده! هاتي عقد الماس

 

 

 انتفضت المعلمة جباير، و أمسكت بجمة شعرها، وشدتها بعنف وأقامتها، بينما هي تصرخ وتتألم، امتشقت تلك الخاتم التي أهدته لها من إصبعها، وسألتها باحتداد:

 

فين بقيت مجوهراتك يا بت؟

 

اتسعت حدقتا ميسون وقالت مرتعدة:

 

مجوهراتي مش هنا

 

اومال فين؟

 

عدوي شايلهم ما اعرفش فين

 

ههه لا يا شيخة!! ماشي.. هاكلها بمزاجي، كفاية العقد والخاتم، واتهني كام يوم بمجوهراتك عشان ورحمة شرف عدوي ما هتعمري هنا كتير، وهتخرجي من الجوازة بشبشب، واحمدي ربنا اننا هنسيبلك شبشب تخرجي بيه، عشان انتِ داخلالنا حافية.. عشان تعرفي إن عندنا أصل

 

 

انهمرت دموع ميسون وسألتها ناشجة:

 

انتِ بتعملي معايا كدة ليه! اشمعنى ما عملتيش كدة مع ستات عدوي التانين! اشمعنى انا!

 

شددت القبض على جمتها وفاض الغليل من فمهما:

 

عشان مافيش واحدة في ستات عدوي حطت راسها براسي ولا عملت مقامها من مقامي، الاتنين اللي قبلك عارفين انهم رمم وزبالة الحريم وعمرهم ما رفعوا عينهم فيا.. لكن انتِ بقى يا حلوة ههه يا حلوة بالقوي، اتغريتِ بجمالك وبياضك واتهيألك انك ملكتي الراجل بماله وعزه، والصولجان بقى في ايدك تحكمي وتتحكمي.. لكن لا يا نن عين خالتك. كان غيرك اشطر. كل اللي فرد جناحه في وشي قصقصتهوله، وبقى لا طايل سما ولا أرض.. واللي زيك مكانهم الأرض، الأرض وبس.. أنا ماشية. لو المعلم سألك ع الخاتم والعقد، تقولي وقعوا، ولعوا، خدهم الغراب وطار. لكن إياك تجيبي سيرتي ولا تقولي اني جيت هنا ولا لمحتِ خيالي، وإلا المرة الجاية هحزنك على عمرك. دي قرصة ودن صغيرة، عشان تعرفي مقامك وتحفظيه، وما تحطيش راسك براس اسيادك تاني

 

رفعت يدها عن جمتها ودفعت رأسها بعنف، فكادت تسقط صارخة، وغادرت المعلمة جباير ومن برفقتها المكان وأغلقوا الباب، فبصقت ميسون ناظرة إلى الباب، ثم جلست على الأريكة تصر على أسنانها وعيناها تشتعلان ، وبداخلها تتعارك رغبات الانتقام

 

************************************************

في الحفلة التي أقامها جميل بيه، كان يجلس على ذات الطاولة التي اصطفت عليها زجاجات الخمر،  وبعض الأطعمة، رفقة المعلم عدوي وولده وبعض رجال المال والأعمال، ويستمعون إلى غناء المطرب الذي يصدح بالغناء القديم كما يروق لمزاج المعلم عدوي،  وأعينهم ترتشق في جسد الراقصة شبه العارية وهم يرددون مع المطرب بانسجام وتحريك للأيدي ويتمايلون:

 

ساااااكن في حي السيدة، وحبيبي سااااااااااكن في الحسين

 

آآآه آآآآه آآآآه

 

وعشااااان أنووول كل الرضااااا

 

يومااااتي أروحله مرتين

 

من السيييييدة لسيدنااااا الحسييييين

 

مال رضوان إلى أذن والده ومدحه ونظرات عينيه تنطلق كالسهام إلى مفاتن الراقصة:

 

بصراحة يا بابا، ماحدش بيعرف يوضب سهرات زيك، رغم إن جميل بيه هو اللي عامل الحفلة، لكن انت موضبها على  مزاج  مزاج مزاجك

 

هههه ادي العيش لخبازه ياض، وابوك سيد من يوضب الليالي الملاح

 

طب عن إذنك اروح احيي الرقاصة

 

روح، ما يفوتكش واجب من يومك، ونعم التربية والتعليم

 

ذهب إلى الراقصة، وأخذ يلقي بالأوراق المالية فوق رأسها، ويرقص إلى جوارها، سدد إليه المعلم عدوي نظرة حانية وهز رأسه، وقال لجميل بيه كحكيم الزمان :

 

يا سلام!! أهو الواحد يا جميل بيه لما بيشوف ابنه بيرقص مع رقاصة، ويرمي الفلوس تحت رجليها، بيتأكد إن فلوسه حرام

 

انفجر الجمع بالضحك، وقال جميل بيه ضاحكاً:

 

يا اخي سيبه يتمتع، هو احنا بنتعب وبنشقى ليه، غير عشان أولادنا تتمتع

 

صب المعلم عدوي بعض الخمر في كأسه وشربه دفعة واحدة، وقال:

 

على رأيك يا جميل بيه، الفلوس دي نعيم الدنيا

 

طب والستات يا معلم عدوي؟

 

جحيم الدنيا والآخرة

 

قهقه الجميع، فاختلط الضحك بقعقعة الكؤوس، وأنغام الغناء، فلمح المعلم عدوي، أضيافه من الشام، السيد أبو فادي رجل الأعمال الأنيق ذا السيجار الفخم، ورفاقه، فوقف الجميع لتحيته، ونادى المعلم عدوي،المطرب بصوت جهور:

 

سيبك من السيدة دلوقتي وانزل بيا مال الشام يلا يا مالي

 

أتخذ أبو فادي ورفاقه طريقهم إلى الطاولة على أنغام أغنية شامية:

 

يا مااااال الشاااام

 

يلا يا مااااالي

 

طاااال المطاااااال

 

يا حلوة تعااااالي

 

حياهم أبو فادي، وصافح الجميع وسيجاره في فمه، وقبل أن يجلس أشار إلى أحد الشباب رفقته، أن يذهب لتحية الراقصة... هرع إليها وأشعل سيجاراً من الحشيش وأخذ أحد أنفاسه بعمق، وأخرج الأوار ورأسه إلى أعلى في انتشاء، ثم وضع مبسم السيجارة في فم الراقصة، التي أخذت تدخن منتشية وتتراقص على أنغام الغنوة، بينما عاد الشاب رفقة رضوان إلى الطاولة.. جلس أبو فادي إلى جوار المعلم عدوي، ووقف الحرس من الشباب الشوام ببذلهم الأنيقة خلف مقعد أبو فادي، وكل منهم يتحسس مسدسه في جيبه.. عاتبه المعلم عدوي قائلاً:

 

رغم اني زعلان منك يا ابو فادي عشان الفصل الرزل اللي عملته فيا، وبيعك للبضاعة اللي متفق معاك عليها لجباير عشان دفعتلك اكتر، لكن الأصول أصول، وانت ضيفنا ولازم نرحب بيك

 

قهقه ابو فادي وقال بعد أن نفث الأوار:

 

ما يبقاش قلبك اسود كيف ما عم تقولوا يا مصريين.. يا زلمة هايدا بيزنس، ولا مانك عرفان! البيزنس ما بيعرف عواطف

 

قال المعلم عدوي ممازحاً:

 

عواطف دي تبقى خالتك

 

قهقه أبو فادي وقال:

 

يا الله شو بحب المصريين، كتير مهضومين

 

لا وانت الصادق يا ابو فادي، كتير مفرومين

 

انفجر الجميع بالضحك، فوجه جميل بيه حديثه إلى المعلم عدوي وأبو فادي:

 

متهيألي كدة اصطلحتوا ومش محتاجين تدخل مني

 

رد المعلم عدوي:

 

لا برضو أنا لسة واخد على خاطري من ابو فادي وليا عنده حق عرب

 

قال ابو فادي:

 

شو بدك مشان تكون رضيان وأنا اعملن كرمة لعيونك

 

تعوضني ببضاعة جديدة، بنفس تمن اللي فاتت من غير مليم زيادة

 

رمق إليه النظر صامتاً وهو يسحب نفساً من سيجارته، ثم وجه بصره إلى جميل بيه في استشارة صامتة، فأومأ له جميل بيه برأسه ليوافق، فنفث الأوار وقال للمعلم عدوي:

 

موافق كرمة لعيونك معلم عدوي

 

ههه كدة استبينا والقعدة هتحلو والمزاج هيعلى

 

دخل إلى القاعة أضيافهم من الخليج يتقدمهم كبيرهم أبو نايف، فأشار المعلم عدوي للمغني، فتحول إلى الغناء الخليجي تحية لهم:

 

رضا والله ورضيناااك

 

دلع حتى ودلعنااااك

 

كفي لالا تزودهااا

 

لو  ندري ما زعلنااااك

 

يعني وايش تبي مناااا

 

اكتر يا متعبناااا

 

مستكثر تسامحنااااا

 

ما احنا ياما سامحنااااك

 

الله عليييييك الله

 

ريحنا كلمنااااا

 

الله عليييك الله

 

ها المرة سامحنااااا

 

قام الجميع لتحيتهم، وذهب أحد أتباع أبو نايف لتحية الراقصة، فألبسها عقداً كبيراً من الذهب الخالص، بينما كان أبو نايف يصافح الجميع، وزوى وجهه عن المعلم عدوي الذي وقف لتحيته، وجلس متجاهلاً إياه، فتربد وجه المعلم عدوي، فأومأ له جميل بيه أن يهدأ، فجلس يزفر أنفاسه.. فقال جميل بيه لأبو نايف:

 

نورتنا يا ابو نايف

 

حياك الله، النور نورك، الله يسلمك يا ابو جينا

 

ههههه خليها جميل احسن، مش واخد على ابو جينا دي

 

وش اخبارها بنتك؟ هي للحين في فرنسا؟

 

ايوة، مع امها

 

ما ودك تجيبها وتعيش معك؟

 

تعيش معايا فين! مش هترتاح مع لقاء مراتي، خليها في فرنسا مع امها احسن، واهي بتيجي في الأجازات؟

 

بنتك وش تدرس؟

 

قهقه جميل بيه وقال:

 

جايبلها عريس ولا ايه؟

 

ههه والله يا أبو جينا، أنا ودي أتزوج. بصراحة مليت من هاالحرمتين اللي عندي، وخاطري أخد الثالثة

 

هههه اجوزها واحد قد ابوها يا راجل!

 

وش فيها! شوف بنتي الكبيرة، زوجتها واحد أكبر منها بخمسة وعشرين سنة

 

نفث جميل بيه أوار سيجارته وقال باسماً:

 

أكيد مستفيد منه

 

أكيد، زوجها ملياردير، وشاركت معه في مشاريع كبيرة

 

أنا بقى ما بدخلش بنتي في مشاريعي.. خلينا في شغلنا والمشروع الكبير اللي هنعمله انا وانت والمعلم عدوي

 

رد أبو نايف بضيق:

 

بصراحة يا أبو جينا، انا ما ودي أتعامل مع عدوي هذا، طلبت منه يبيعني قطعة الأرض اللي جنب أرضي، في أرض بعزق، لإني أفكر أسوي قرية سياحية، ورفض يبيعني..وتبيني أشاركه!! والله مش ممكن وما يصير أتعامل معه أبداً

 

يا ابو نايف لازم يصير، سيبك من المشروع اللي مالوش لزمة اللي انت زعلان عشانه ده، أنا عندي مشروع كبير جداً، عايزك فيه معايا انت وابو فادي والمعلم عدوي، والخير هيعم ع الكل

 

وش هو هاالمشروع؟

 

سحب نفساً من سيجارته، ونفث الأوار وقال بتؤدة:

حارة الموعودين

 

أيوة.. وش فيها؟

 

فيها جزء كبير قوي حيوي ولو استغليناه صح، هتكون صفقة العمر

 

وايش قاعد تقول انت!! حارة الموعودين مافيها مكان لأحد، حارة مليانة و زحمة وما فيها حتى شبر واحد فاضي

 

تبسم جميل بيه بمكر وقال:

 

ما احنا هنفضي الجزء اللي احنا عايزينه من السكان، ونستلمه زي البيضة المقشرة، ونهد المباني القديمة ونبني أبراج ومولات ومحلات، واللي عايز يسكن عندنا يدفع بالدولار. المشروع ده هيكون مغارة علي بابا اللي هنفتحها وناخد الكنز

 

تهلل وجه أبو نايف وقال:

 

والله ما تجصر يا جميل بيه، مثل علي بابا والأربعين حرامي هههه

 

قهقه جميل بيه وقال:

 

دي مش سرقة، ده بيزنس، وكلنا هندفع فلوس

 

يعني بندفع فلوس تعويض للناس اللي ناوي تطلعهم من بيوتهم؟

 

استشاط جميل بيه غضباً وقال:

 

بيوتهم ايه! ده بيوت تساوي تقلها دهب وإيجارها ملاليم، واحنا أولى بالخير ده

 

طب وش بيصير في الناس هذي، وين يروحون بعدين؟

 

يا اخي يروحوا يتدفنوا ولا يولعوا في نفسهم، واحنا مالنا

 

والله إنك داهية يا جميل بيه يا ابو جينا

 

طب ايه رأيك بقى! مش المفروض تتصالح على المعلم عدوي اللي يملك نص البيوت دي وهيطرد السكان ويسلمنا البيوت على طبق من دهب؟

 

ايه صحيح، معك حق يا جميل بيه يا ابو جينا

 

أومأ أبو نايف لرجل الأعمال الذي يجلس إلى جوار المعلم عدوي ليقوم عن مقعده، فقام، وجلس أبو نايف، وحيا المعلم عدوي

 

هلا بالمعلم عدوي، وش الأخبار؟ وش العلوم؟

 

رد بنبرة عتاب:

 

لا أنا زعلان منك يا ابو نايف. كان ايه اللي حصل بينا يعني عشان تاخد جنب وما تسلمش عليا، وانا قومت وايدي ممدودة لك!

 

هه لالا يا معلم عدوي، ما يهون عليّ زعلك. كان مجرد سوء تفاهم، وجميل بيه وضحلي كل شي. ولا تنسى، احنا الحين بنصير شركا في مشروع العمر، ولازم نتصالح

 

هو جميل بيه قالك على المشروع؟

 

ايه، ايه،، واتحمست له كتير، وودي من الحين نبدأ الشغل

 

قهقه المعلم عدوي، ومد يده يصافح أبو نايف وقال:

 

اهو ده كلام الناس الزينة يا ابو نايف

 

اتفق الجمع على المشروع الجديد، الذي سيدر عليهم أرباحاً طائلة، وإن كان الثمن أن يهدموا البيوت على رؤوس قاطنيها من الفقراء، لينعموا بالثراء على رفات حارة الموعودين.. جاءهم الطعام على طاولة المكائد، فأكلوا واحتسوا الخمور، والقاعة تضج بضحكاتهم.... قطع هذا الضحك رنين هاتف جميل بيه، الذي تفاجأ بابنته جينا تقول أنها جاءت إلى مصر دون سابق موعد، هتهلل وقال:

 

جينا، هبعتلك عربية تجيبك لحد هنا حالاً

 

مضت قرابة النصف ساعة، فطلت عليهم جينا ابنة جميل بيه، صاحبة الجمال الفرنسي الأخاذ، فاتسعت الأبصار لتنهل من هذا الجمال الغربي، وعلى رأسهم رضوان الذي انحنى لها مكبلاً بقلائد الحسن الأوروبي. تخطته وارتمت في أحضان والدها الذي كان يشرع ذراعيه بشوق:

 

بابّا

 

ضمها وقال لها بافرنسية " يا لها من مفاجأة!"

جينا حبيبتي. كيل سيغبغي

 

وحستني كتيغ بابّا

 

وانتِ كمان يا حبيبتي وحشتيني جدا، لكن ازاي يا بنت تيجي من غير ما تديني خبر!

 

هه كنت عاوز اعمل سيغبغي

 

مفاجأة جميلة جداً حبيبتي.. استني بس أخلص الحفلة دي عشان عندي ضيوف من برا ايجيبت ولازم نهتم بيهم

 

داكوغ بابّا

 

الأول تحبي تتعشي؟

 

نو نو، أكلت في طياغة

 

داكور حبيبتي، هرجعلك تاني

 

عاد لأحاديثه مع رفاقه بشأن مشروعهم القادم، بينما ذهبت هي إلى مقعد بعيد على ذات الطاولة، ورضوان يرقبها، فقام من فوره وجلس في المقعد المجاور لها في خلسة عن الجمع المنشغل., وبدأ يحاورها

 

بنسوار جينا

 

بنسواغ.. مين انت؟

 

ههه أنا رضوان

 

غاضان؟

 

ههه لالا مش غاضان، غضوان

 

أوه لالا!! تغي ديفيسيل. صعب كتيغ، مس اقدغ أقول

 

ههه خلاص يا ستي، خليها غاضان عشان عيونك الحلوين

 

ميغسي

 

لكن انتِ بتعرفي عربي كويس اهو

 

نو، مس كويس كيتيغ.. أعغف سوية من بّابّا ومامّا

 

ياه! هي مامتك تعرف عربي؟

 

وي، مامّا تعغف عغبي كتيغ كتيغ من بابّا

 

ههه الحمدلله، أصل انا ماليش في الفرنساوي قوي

 

دار حديث طويل يتخلله الضحك، بينها وبين رضوان، كان والده المعلم عدوي يرقبهما ضائقاً بين الفينة والفينة

 

انتهى الحفل، وذهب الأضياف إلى غرفهم في ذات الفتدق الفخم المملوك لجميل بيه والذي أقام به الحفل.. واصطحب جميل بيه ابنته جينا إلى المنزل، وتفرق عدوي وولده، كل إلى وجهته

 

عاد المعلم عدوي إلى منزله وميسون، فوجدها تبدو مضطربة، فسألها:

 

مالك يا مرسون؟

 

زفرت وقالت:

 

مافيش حاجة

 

مافيش ازاي! دانتِ شايطة وناقص تطلعي دخان من ودانك زي وابور الفحم بتاع زمان

 

قولتلك مافيش يا عدوي. خنقة وتعدي.... انتبسطت في الحفلة؟

 

ههه ايوة، كانت حفلة سلطاني واتفقنا على مشروع العمر

 

سألت باهتمام بالغ:

 

مشروع ايه؟

 

ما تسأليش عن حاجة ما تخصكيش.. اللي يخصك هو المجوهرات والعيشة الملوكي

 

لفت نظره خلو صدرها من القلادة الماسية، فنظر إلى أصبعها، فلم يجد خاتم الماس، فغضن حاجبيه وسألها:

 

الله! اومال فين العقد الألماظ والخاتم؟

 

..... اختفوا

 

قال ساخراً:

 

ايه! العفاريت خطفوهم!

 

لا، أصل نزلت بيهم مشوار، والظاهر وقعوا مني

 

ليه! كنتِ مبرشمة؟؟

 

لا يا عدوي.. أصل خوفت عليهم، فقلعتهم وحطيتهم في كيس، بس باين وانا بفتح الشنطة عشان أحاسب التاكسي، وقعوا مني

 

أسدل حاجبيه وقال متعجباً:

 

تاكسي!! وايه يخليكِ تركبي تاكسي! ما طلتتيش عربية مخصوص ليه؟

 

مش مهم. مانا مستنية العربية اللي وعدتني بيها، وعشان كدة اتعلمت السواقة

 

من بكرة تكون عندك، عشان ما تفضحيناش وتركبي تاكسيات تاني.. لكن ما تعرفيش رقم التاكسي عشان نسأل ع العقد والخاتم؟

 

قالت بملامح جامدة ونبرة واثقة:

 

اطمن يا عدوي.. العقد والخاتم هيرجعوا.. أوعدك هيرجعوا وقريب قوي، واللي خدهم هيسف التراب  اللي تحت جزمتي، ويدفع التمن غالي

 

ظل يرقب وجهها المشيح عنه صامتاً، ثم خلع طربوشه واتجه إلى غرفة النوم

 

*************************************


اتجهت أم هشام إلى هاتف المنزل واجمة، وجلست تدير القرص على رقمٍ أهمها، فردت امرأة:

 

الو

 

ايوة يا بنتي، معلش نسيت اسمك، بقالي كتير ما اتصلتش، جوزك عندك؟

 

مين حضرتك؟

 

أنا مرات خال الباشمهندس مؤمن جوزك

 

أه، أهلاً وسهلاً يا طنط سميحة، ازي حضرتك

 

الحمدلله يا بنتي.. يا دي الكسوف يا اخواتي! بقى انتِ فاكرة اسمي وانا مش فاكرة اسمك!

 

هه اسمي وعد

 

يوعدك بللي يسرك يا حبيبتي، فين جوزك؟

 

حاضر، هناديه لحضرتك حالاً

 

رد الشاب على الهاتف متهللاً:

 

معقول المفاجأة الحلوة دي! ازيك يا مرات خالي

 

ان شالله يحلي دنيتك يا مؤمن يا ابن حسنية. الحمدلله يا حبيبي.. عندك كام عيل دلوقتي؟

 

عندنا الأستاذ شهاب سنتين ، واخوه جاي في السكة ان شاء الله ههه

 

يجي بالسلامة يا حبيبي، ويتربوا في عزك.. كنت عايزاك في خدمة يا باشمهندس، أنا قصدتك انت عشان انت أعقل وأحن واحد في عيلة صادق جوزي، طول عمري احبك واعتبرك زي هشام وسمير ولادي، لإنك متربي ومؤدب. ما اعرفش طالع لمين بصراحة

 

ههه ربنا يخليكِ يا مرات خالي، أؤمريني

 

ما يؤمرش عليك عدو أبداً... بقى انت عارف ان انا مقاطعة امك وخالاتك من سنين، ولا انا بطيقهم ولا هما بيطيقوني والعداوة معششة في قلوبنا زي العنكبوت

 

هه انتو حبايب يا مرات خالي، هو بس سوء تفاهم

 

ما انا بقول كدة برضو.. بصراحة كنت عايزة اجي أراضيهم بكلمتين.. الدنيا منفاتة يا ابني، مش واخدين منها غير العمل الطيب

 

ربنا يديكِ الصحة والعمر الطويل يا مرات خالي

 

اهئ هئئئئ عمر طويل ايه بقى!! يلا حسن الختام يا ابني

 

ما تقوليش كدة يا مرات خالي. ربنا يخليكِ لينا يا رب

 

ويخليك يا ابني... كنت عايزاك تجمعلي امك حسنية، وخالاتك عنيات وزهيرة في شقة امك، وربنا يقدرني على شوفتهم ويعديها على خير.. بس اسمع.. انت لازم تكون موجود عشان لو مسكنا في بعض تقوم تحوشنا

 

هههه دي بسيطة قوي. يناسبك يوم الجمعة الجاية إن شاء الله؟

 

لا يا ابني، ياريت، الجمعة مش هكون موجودة معاكو. البركة فيكو انتو بقى تبرطعوا في الدنيا بطولها وعرضها، بس مسيركوا يوم هتجولي ونتجمع، هتروحوا فين يعني!!

 

طيب يناسبك امتى؟

 

النهاردة

 

ياه! النهاردة! والله كان عندي شغل.. بس هعتذر عشان خاطرك وخاطر جلسة الصلح دي.. وحقيقي والله مش عارف أحييكِ ازاي على قلبك الكبير المتسامح ده يا مرات خالي

 

ولا قلب كبير ولا نيلة، اهي الدنيا بترمي الواحد على أشكال ما يعلم بيها إلا ربنا.. يلا ربنا يسامح الجميع.. هصلي العصر واجيلكو إن شاء الله، ابقى اسبقني على امك، إياك اروح ما الاقيكش هناك وإلا هتحصل مجزرة

 

لا ما تقلقيش يا مرات خالي

 

مع السلامة يا باشمهندس

 

الله يسلمك

 

أغلقت فسمعت صوت زغاريد أم هناء، فنظرت إلى السقف وحادثت نفسها:

 

ايوة زغرتي يا ام هناء زغرتي، مين قدك يختي! هتجوزي البت بعد ما تيمي العريس من امه. حسبي الله ونعم الوكيل يا جيرة هم وناس ما عندهاش دم

 

سمعت دبيب خطوات هناء ووالدتها على الدرج، وهناء تقول بفرحة عارمة:

 

يلا يا ماما عشان نشتري فستان الخطوبة

 

ههه حاضر يا عيون ماما

 

نزلت أم هناء ووقفت أمام باب شقة أم هشام المغلق، وأخذت تغني لتثير غيظها:

 

يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلناااا

 

ونبني طوبة طوووبة في عش حبنااااا

 

ردت أم هشام  بصوت خافت وهي تنظر صوب الباب:

طوبة لما تفلق دماغك يا بعيدة.. الولية الشايبة العايبة فرحانة ونازلة تغني، وأنا شايلة الهم وعمالة اراضي اللي يسوا واللي ما يسواش عشان اموت مرتاحة..آآآخ يا ام هناء! يا ما نفسي أخدك معايا انتِ وبنتك عشان اريح الدنيا من شركوا آآآآخ ياني ... ارجع واقول الله يسامحك يا هشام يا ابني

 

*******************************************************************


أثناء انشغاله بالبيع لبعض الزبائن الذين التفوا حول عربته، سمع عنتر بائع الفول صوت نسائي يهمس برفق:

 

من فضلك

 

استدار، فاتسعت حدقتاه فرحة وانفرجت أساريره، إنها الفتاة التي مرت به باكية ذات يوم.. إنها الدكتورة ملك، رد عليها بصوت هدجته السعادة:

 

آآنعمين، أوامرك عاد:

 

عايزة أربع سندوتشات فول من فضلك، وياريت بسرعة عشان مستعجلة

 

حاضر، دججتين والطلب يكون جاهز

 

طلبت ما أرادت وتنحت جانباً، ملصقة بصرها بالأرض، بينما بدأ هو  يحضر السندوتشات في خفة، وينظر إليها بين الفينة والفينة، انتهى ووضع بعض المقبلات وزاد كما لم يزد من قبل.. وضع ما أعد في كيس بلاستيكي، وقال مبتسماً:

 

اتفضلي يا ست الكل

 

حسابك كام؟

 

مالوش لزوم

 

من فضلك حسابك كام

 

اربعين جنيه

 

أخرجت المال من حقيبتها، وأعطته إياه

 

اتفضل

 

متشكرين يا ست

 

انصرفت من المكان... ولكنها حلت بقلبه، لم يفق من سكرته إلا على صوت نداء الزبائن:

 

ما تيلا يا عنتر

 

عايز طبق فول بالزيت الحار ورغفين واديني بصلة

يلا يا عنتر مشيني، عايز تلات سندوتسات واتوصى بالمخلل

 

فين سندوتش الفول المتين يا عنتر

 

حاضر حاضر، بالدور يا جماعة اللي يرضى عنيكو... ده الرضا حلو جوي جوي يا ابو عمو منك له ههههه حنن علينا الجلوب يارب

 

فجأة تظهر سيارة المعلم عدوي وتمر من أمامه ببطء، وتبادل مع عنتر ذات النظرات العدائية ككل يوم.. ولكن هذه المرة أومأ المعلم عدوي لاثنين من رجاله الذين يسرون في شرايين الحارة كدماء فاسدة، مضى بسيارته، فاتجها إلى عربة عنتر، وأزاحا الناس من أمامهما بعنف أثار غيظ عنتر، وقال أحدهما بفظاظة:

 

هات عشر شندوتشات فول ياض

 

تربد وجه عنتر وصاح باحتداد:

 

اتكلم معاي بأدب

 

ههه ما نعرفوش

 

خرج عنتر من خلف عربة الفول، واتجه صوبه كالليث:

 

لو ما تعرفش الأدب، يبجى تغور من هنيه وما اشوفش وشك تاني

 

ههه  هي ابعدية ابوك!

 

أخذ عنتر بمجامعه وصاح به:

 

ما تغلطش يا عويل. جولتلك غور من هنيه وإلا ما هيحصلكش طيب

 

خرج أصحاب الدكاكين وانفتحت الشبابيك والجميع يرقب في هلع:

 

أخذ الرجل يفرك شفته السفلى ناظراً إلى عنتر بثبات، ثم قال:

 

احنا رجالة المعلم عدوي

 

قهقه عنتر وقال ساخراً:

 

جصدك حريمه

 

اهتاج الرجلان وهما بالانقضاض عليه، فأمسك عنتر بتلابيبهما معاً ودفعهما إلى الأرض بقوة، وقال متهكماً

 

جومي يا مرة منك ليها، خلتونا على أخر الزمن نمدوا يدنا ع الحريم

 

قاما ينفضان ملابسهما، وينظران إليه شزراً وقال أحدهما بوعيد:

 

راجعينلك تاني، عشان نعرفك جزاء اللي يمد ايده على رجالة المعلم

 

بدت بسمة ساخرة على محياه، فهرع إليه الأسطى زيزو الحلاق يقول:

 

ايه يا عنتر اللي عملته ده! هو انت قد المعلم عدوي ورجالته!

 

جدهم وجدود، ايه يعني عدوي ديه! راجل بلطجي ومشغل تحت يده بلطجية عم يرازوا في الخلج

 

طقطق الاسطى زيزو شفته بضيق وقال:

 

يا عنتر كل عيش وسايس امورك، اللي يعادي المعلم ورجالته ما بيسلمش من أذاهم

 

نظر إليه عنتر بدهشة الغضب وقال:

 

انتو ليه كديه يا أهل حارة الموعودين! ليه سايبين كل ندل وعويل يتحكم فيكوا! لو انتو جابلين الإهانة، أنا ما اجبلش.. اللي ياجي هنيه ياجي بأدبه، واللي جاي يشاكل هكسر رجليه جبل يده

 

هأ! طب اتحمل بقى يا سي عنتر وورينا المرجلة

 

*******************************

 

عمدت ملك بالسندوتشات إلى مكتب والدها الخاوي من الزبائن إلا من امرأة فقيرة خرجت للتو من مكتب والدها لاهجة بالدعاء له:

 

الله يكرمك يا أستاذ يوسف زي ما أكرمتني ويوسع عليك في الدنيا والآخرة يارب

 

نظرت إلى ملك وألقت عليها السلام إذ هي متجهة إلى باب الخروج المفتوح على مصراعيه دائماً:

 

سلامو عليكو يا بنتي

 

ردت بابتسامة ودودة:

 

عليكم السلام ورحمة الله يا حاجة

 

الأستاذ يوسف راجل سكرة، سلميله قضيتك وانتِ مطمنة. سلام

 

هه الله يسلمك

 

ألقت ملك نظرة على مكتب وكيل والدها الشاغر في الردهة، ثم دلفت إلى حجرة مكتب والدها وحيته بمرح:

 

الأستاذ يوسف الراجل السكرة

 

ههههه حبيبة قلب الأستاذ يوسف، الدكتورة المنورة

 

ههه حبيبي يا بابا، ربنا يخليك يارب.. سمعت الدعا الحلو بتاع الست الطيبة دي؟

 

الحمدلله يا بنتي. بحس والله إن ربنا بيسرلي أموري ببركة دعوات الناس الطيبين دول

 

شكلك كدة ما اخدتش أتعابك من القضية بتاعتها

 

هاخد ازاي! دي ظروفها صعبة جدا.. بس سبحان الله، ربنا عوضني بإيراد الأرض السنة دي، جالي ضعفين زيادة عن السنة اللي فاتت

 

ماشاء الله لا قوة إلا بالله.. الحمدلله يا بابا.. هو عم قطب ما جاش النهاردة؟

 

لا والله يا بنتي، حتى مش عارف أشرب فنجان قهوة يعدل مزاجي، عملت فتجان وخدت شفطة واتغميت من الطعم ودلقته في الحوض

 

ههه أنا أعملك قبل ما ارجع المستشفى إن شاء الله، ولا يهمك يا بابا

 

نظر إلى الكيس البلاستيكي وقال باشتهاء:

 

شكلك جبتي الفول من عنتر زي ما وصيتك

 

وانا اقدر اتأخر يا حضرة الافوكاتو! هههه جبتلك سندوتشين وأنا سندوتشين

 

شمر عن ساعديه وقال ولعابه يسيل:

 

هاتي هاتي باباكِ هيموت من الجوع

 

اتفضل يا حبيبي

 

فتحت الكيس وجلست إلى المقعد أمام مكتب والدها، وقدمت له أحد السندوتشات وقربت إليه المقبلات

 

فقضم قضمة وزج بقطعة من المخلل إلى فيه وقال متغزلاً في المذاق:

 

الله، الله، الله. الولد اللي اسمه عنتر ده عليه تحبيشة فول ما حصلتش. من ساعة ما جبت منه أول مرة وأنا أدمنته. وقولت فرصة النهاردة مامتك بتزور عمتها وما طبختلناش، قولت اعزم بنتي المسكينة على سندوتشين فول من عند عنتر عشان تبقى مدمنة زيي هههه

 

هههه

 

ما قولتليش ايه رأيك؟

 

بصراحة جميل قوي ومخدوم صح، والبياع باين عليه نضيف قوي.. بيني وبينك أنا قولت لو عنتر ده اللي بابا قالي اجيب سندوتشسات الفول من عنده، طلع مش نضيف كدة ولا شكله مش مهندم مش هجيب

 

ههه ولقيتي ايه؟

 

لا بصراحة نضيف قوي والمريلة اللي لابسها بيضا ونضيفة. أنا مش باكل من عند أي حد وخلاص. الصحة مش بعزقة هههه

 

ههه ربنا يديكِ الصحة ويبارك فيكِ يا حبيبتي... أخبار الباشمهندس محمد ايه؟

 

تمام الحمدلله. هنتفق على معاد ننزل ننقي العفش إن شاء الله

 

ربنا يوفقكم يا بنتي مممم سندوتش الفول ده عبقري. ناوليني الساندوتش التاني

 

اتفضل يا حبيبي .. ولو عايز التالت خده، أنا مش قادرة أكل أكتر من واحد

 

احسن، هاتيه وحافظي على رشاقتك

 

هههههه

******************************

عاد رجلا المعلم عدوي إليه يجران أذيال الخيبة، فبصق في وجهيهما وأغلظ لهما القول في حضرة شردي كبير رجاله:

 

اتضربتوا! حتة واد صعيدي جلنف ما يساويش تلاتة ابيض يضرب جوز تيران زيكو! ليه! باعتله محاسن وسوسن! آه يا عرة الرجالة يا ريش على مافيش! غور ياض انت وهو من وشي

 

نكس الرجلان رأسيهما وخرجا، فقال المعلم

اسفوخس على دول رجالة، خسارة فيكو العلف اللي بتتعلفوه، فوروا دمي الله يفور دمهم

 

قال شردي كبير رجال المعلم: وانت يا معلم حاطط حتة واد زي ده في دماغك ليه!

 

استحضر المعلم عدوي ما فعله به عنتر ذات يوم، وقال بغيظ شديد:

 

الواد ده خطر.. ومش لازم نسكتله.. طالما اتجرأ ومد ايده على رجالتي، يبقى بكرة هيجرأ كل نطع يمد ايده، ويقوا ويستقوا علينا.. والواد ده انا فضيتله. حظه اني الفترة اللي فاتت كنت ملهي عنه.. لكن لازم افوق للحارة واللي في الحارة واوقف كل جعر عند حده .. الناس دي لازم يشوفوا العين الحمرا، قبل ما يبقوا غيلان وياكلونا

 

عندك حق يا معلم

 


**********************************

في هذه الظهيرة، عادت إلى الحارة، والدة نعمة وابنتها ندى في زي أنيق، تحملان أكياس التسوق وعلى وجهيهما علامات الراحة والسرور، فهب الأسطى حودة عن مقعده، واستوقفهما:

 

أم نعمة. كنت عايزك في كلمتين

 

بخصوص ايه يا اسطى حودة؟

 

رد ساخراً:

 

بخصوص النعمة اللي ظهرت عليكو فجأة يا ام نعمة

 

...... تقصد ايه يا اسطى حودة؟

 

قصدي واضح زي الشمس. بنتك بقالها يومين، بتيجي عربية فخمة الصبح تاخدها، وترجعها بالليل.. بتروح فين؟

 

أدركت قصده الدنيء، فتمالكت نفسها وردت بعينين ثابتتين:

 

بتروح شغلها يا اسطى حودة

 

رد ساخراً وهو ينظر إلى هيئتيهما، وما يحملان من أكياس التسوق الفاخرة:

 

وشغلها ده بقى اللي لبسكوا الغالي، وأكلكو اللي عمركوا ما كلتوه في نفس الليلة!! ده بنتك واخواتها نزلوا ورجعوا شايلين اكياس هدوم وأكل وحلويات من ابو فراس السوري.. شغل ايه ده اللي يعمل كل ده في ليلة يا ام نعمة!! ولا فاكرة رجالة الحارة كوروديات!!

 

استشاطت ندى غضباً وقالت باحتداد:

 

انت تقصد ايه يا راجل انت!!

 

وكزتها أمها في خاصرتها، ونهرتها:

 

بس يا بت اخرسي

 

يعني مش شايفاه بيتكلم ازاي على أبلة نعمة يا ماما!!

 

ردت الأم وهي تسدد نظرة لائمة إلى حودة:

 

الأسطى حودة ما يقصدش يا ندى، ده بس حب يطمن على نعمة، ما هي زي اخته، ويقطع لسان اللي يجيب سيرة عرضها بكلمة وحشة.. مش كدة برضو يا اسطى حودة؟

 

رد حودة بغلظة:

أقطع لسان اللي يجيب سيرة عرضها، لما اعرف أصل العبارة

 

تنهدت المرأة وقالت بعينين لا تهربان من مذلة:

 

افهمك يا اسطى حودة. بنتي نعمة، في ناس ولاد حلال جابولها شغلانة في شركة استيراد وتصدير كبيرة قوي، والست صاحبة الشركة جزاها اللي خير، قبضتها مرتبها من أول يوم، لما صعب عليها حالها وعرفت ان اخواتها يتامى

 

رد بوقاحة:

 

والمرتب ده بقى يطلع قد ايه، عشان يبغددكو البغددة دي كلها!!

 

ردت أم نعمة باحتداد:

 

لحد هنا والزم حدودك وما تدخلش في اللي مالاكش فيه يا اسطى حودة، بنتي بتشتغل وبتشقى عشان اخواتها اليتامى. ياريت انت بقى تسيبها في حالها، وتشيلها من لسانك، واتقي الله، انت عندك ولايا... يلا يا ندى

 

أخذت ابنتها، ودفعت باب المنزل الحديدي بعنف، ودخلت مسرعة، فانفجرت دموعها الحبيسة وهي تصعد الدرج... عاد حودة إلى مقعده وأشعل سيجارة، وضع المبسم في فمه و شرد في حديث أم نعمة الذي لم يقنعه، حدثه صبيه فلم يسمعه، عقد العزم على أمر، فانتفض عن مقعده تاركاً ورشته، ليتم ما انتوى عليه.. فإلى أي جحيم ستذهب يا أسطى حودة!!

 

********************************************

 

انتهت الحلقة بفضل الله وعونه

 

موعدنا الخميس القادم إن شاء الله

 

لا تنسوا ذكر الله والصلاة على الحبيب عليه الصلاة والسلام

 

لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

  1. لاااااااااااااا يخربيتك يا حوده هو ليه يا استاذه هوبه كل مره تخلينى اشتم فيهم هههههه سلمت ايدك حبيبتي
    Wafaa Ali
    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

    ردحذف
  2. جزاك الله خيراً

    ردحذف
  3. اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    ردحذف
  4. سبحان الله و بحمده اللهم صلي على محمد عليه الصلاه و السلام. لولو. 😍😍😍😍😍😍

    ردحذف
  5. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
    حلقة اكثر من رائعة
    سلمت يداكي يامبدعة
    نور الحق

    ردحذف
  6. لا إله إلا الله
    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

    ردحذف
  7. اخيرا عرفت الرابط القوى بين المعلم عدوى وأهل حارة الموعودين غير أنه ظالم ومتسلط 🙆

    وبالرغم من أنى مش مع العلقة اللى اخدتها ميسون إلا أنها تستاهل وجباير تستاهل هيه كمان انتقام ميسون 👌

    مشهد سميحة بقى كالعادة النسمة اللى بتطرى على قلبى 😂😂😂

    عنتر راجل وشهم واتمنى الأقى حد يسانده لأن للأسف ديما الكورة بتغلب الشجاعة ورجالة عدوى مافيش اكتر منهم 💔

    حوده الزفت ده مستنيه اشوف هيعمل ايه رغم انى متوقعاه بس لما اشوفه آخرته 😒

    تسلم ايدك يا هوبه 🌹
    ولاء القوصى

    ردحذف
  8. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم

    ردحذف
  9. هو انا لية مخضوضة من الحلقة
    حقيقي خفت اللي وراها بيقول ان اللي جاي ربنا يستر منه
    عدوي وشركاؤه وجباير والجبروت بتاعها حتى ميسون ورضوان وحودة كمية بشر قلبها سواد ربنا يعافينا
    الجميل في الحلقة الست ام هشام وخفت دمها العسل
    عاجبني عنتر وان كان صعبان عليا من اللي هيحصله
    حوده اظن هيمشى ورا نعمه ويعرف انها بتروح شقه ويا سلام لو شاف عمر ربنا يسلمها نعمه
    ميسون هتنهي نفسها بنفسها بسبب طمعها وهتقدم لجباير دة على طبق من دهب بس بعد ما تفش غليلها منها
    عنتر ساب البنات كلها وحب ملك تؤتؤ يا عنتر

    ردحذف
  10. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه 💕

    عيني عليكي يا سميحة مش عارفة تفرحي بخطوبة ابنك.. بس دمها عسل وشربات والله
    وام هناء مالهاش حق بصراحة تنزل تغيظها كدة بدل ما تحتويها وتقرب منها وتزيل سوء التفاهم بتعمل حركات عيال.. بس ادينا بنضحك عليهم😂

    ليه كدة يا عنتر🙂‍↕️ نخلص من سوكا تطلع لنا انت ده احنا كنا متفائلين خير ومش عايزين مشاكل معاك

    ياترى ميسون هتاخد حقها من جباير دي ازاي؟؟ ادينا منتظرين نشوف آخرة المعركة دي
    شكل الايام اللي جاية شايلة هموم كتير واحداث عظيمة لاهالي حارة الموعودين
    منتظرينك بكل شوق يا جميلة

    💕دُمتِ مُبدعة 💕

    ردحذف
  11. جباير وعدوي أعمالهم لا تطاق ابدا ابدا
    حودا دا عاوز حد يفوقه من اللي هو فيه بجد سايب مراته وعياله وماشي ورا سراب هي مش عوزاه ما يخرجها من باله
    طنط سميحه عسل اوي
    مستنيين خطوبه هشام بفارغ الصبر

    ردحذف
  12. مش حينفع حلقة واحدة كل خميس 😀🫣 بجد تحفة ♥️♥️

    ردحذف
  13. هو انا خفت ليه ؟
    الحلقة كلها الغاز ورعب حقيقي
    وواضح ان اللي فات حماده واللي جاي حمادة تاني خالص
    ايه الإجرام دا ؟
    ميسون مش هتسكت وممكن تستعين ب جميل يجيب حقها من جباير ، بس هيقدر ؟
    وحارة ايه اللي عايزين يهدوها اللي منهم لله 😭😭😭
    الناس هتروح فين وياترى مين اللي هيطلع ، ومين اللي هيبقى ؟
    حارة الموعودين استحلوا الضعف والذل والإهانة
    وخايفة عنتر يتقتل ، علشان اللي زي عنتر مش هيسكت ع الإهانة خايفة يكون مصيرة القتل 🥺
    وياترى حودة هيعمل ايه لنعمة ومين هيوقفه عند حد
    الرواية راحت لمنحنى تاني خالص يا أستاذة هوبة
    سلم يارب 😭😭😭

    ردحذف
  14. تسلم ايدك يا استاذة هوبة
    خفي علينا شوية احنا غلابة 😁

    ردحذف
  15. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

    ردحذف
  16. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 🌿💚
    الحلقة متنوعة
    جميل ده شيطان وسبحان الله صحبته كلها كده مع تفاوت الجنسيات مال حرام =دياثة🔥
    يمكن ميسون اتعاطفت معاها شوية أثناء العلاقة السخنة دي لكن هاتفوق للمتجبرة ونخلص منهم هم الاتنين ✌️
    اسطى حودة ده ليثبت كل يوم إنه ندل وزي ما هانت عليه مراته أم عياله هايهون عليه أي حد 🙄
    عنتر ده حالة طيبة لكن وحيد وأعتقد الحارة ربما تقف معاه بعد قرار هدم البيوت ده ممكن الله أعلم🩵
    أمل 🌹🌿

    ردحذف
  17. تسلم ايديكي حلقه رائعه وكلها أحداث شيقه

    ردحذف
  18. Smsma Mohamed

    كالعاده رائعه تسلم ايدك ياهوبه وف انتظارك وانتظار الاحداث المشوقه دى💓💓

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا

    ردحذف
  19. تسلم إيدك يا جميلة😘
    إيمان إبراهيم 🌸

    ردحذف
  20. كاميليا محمد
    لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد
    الحلقة رائعة جدا وأحداثها شيقة سلمت يداك ودمتى مبدعة ❤️🌹

    ردحذف
  21. ام عمر محمود
    جزاك الله خيرا
    تسلم ايدك

    ردحذف

إرسال تعليق