رواية الليل والدوادي( الجزء الأول) كاملاً

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 

(وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (88) هود

 

 

رواية الليل والدوادي

 

والدوادي عند بعض أهل الصعيد تعني العقارب

 

أسماء أهم شخصيات الجزء الأول  

 

كامل

 

زوجته حياة

 

بناته سلمى ووطفة والصغرى عالية

 

امه الحاجة فايقة

 

اخته جميلة

 

ابن عمه شاذلي

 

زوجته صفية

 

أخوها بدران

 

أبناؤه حسن ومحمود

 

***************************

 

في هذه القرية في صعيد مصر تدور أحداث الرواية

 

قرية كأي قرية, وشأن أهلها كشأن سائر البشر منذ بدأ الخليقة.منهم الأخيار والأشرار, الضعفاء والأقوياء

 

عبدة الله وعبدة المال, الأشقياء والسعداء, الظالمون والمظلومون..وهكذا البشر إلى أن تنتهي الحياة على هذه الأرض

 

فلندخل إلى القرية ونرقب الأحداث عن كثب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       قبيل مغيب شمس ذاك اليوم  عاد السيد كامل الشاب الثري الصالح إلى قصره الفخم, فاستقبلته خادمته نعمة الفتاة العشرينية, فرحة متهللة تزف إليه بشرى

 

 

ــــ كامل بيه يا كامل بيه, الست حياة ولدت

 

ــــ ولدت! جابت ايه يا بت يا نعمة ؟

 

ــــ جابت بت زي الجمر, تتربى في عزك عاد يا كامل بيه  

 

ــــ بت ! ...الحمدلله .. اهم حاجة هي بخير والبت بخير ؟

 

ــــ الحمدلله يا كامل بيه , اطلع  إطمَن بنفسك عاد ,الداية توها ماشية من عنديها

 

ــــ اومال البنيتا وين ؟

 

ــــ كانوا بيبكوا لما سمعوها بتصرِخ , خدتهم وديتهم سرايا الحاجة فايجة والدتك

 

ــــ طب خدي حلاوتك يا نعمة  

 

ــــ خمسين  جنيه مرة واحدة ! هاها تتربى في عزك وهي وخواتها , والمرة الجاية تجيب الواد عاد

 

ــــ طب روحي هاتي البنيتا من  عند  امي  وبلغيها ان حياة ولدت

 

ــــ حاضر يا كامل بيه

 

***************************

 

دلف كامل إلى الغرفة جذلاً, فرأى زوجته واجمة في فراشها تهدهد الصغيرة, ابتسم و هرع إلىها يناديها

 

ــــ حياة حمدالله على سلامتك يا حبيبتي

 

ــــ الله يسلمك يا كامل

 

ــــ واه !!! مالك عاد ؟

 

ــــ جبتلك بت تالتة يا كامل ومش رايدني احزن!!!

 

ــــ هاها بجى كديه ! ايه الكلام العفش ديه !!!

 

وفجأة ينطلق صوت بكاء الصغيرة

 

ــــ هاها بكيتي البت وحزنتيها معاكِ يا حزينة انتِ

 

أخذ الصغيرة الملتصقة بصدر أمها وطبع قبلة على جبينها وفاض ثغره الباسم بكلمات عذبة

 

ــــ الله , بسم الله ماشاء الله , البت كيف البدر في ليلة تمامه بجى حد ربنا ينعم عليه بالبت الجمرة دي ويحزن كديه !

 

ــــ يعني انت مش زعلان يا كامل ؟

 

ــــ ازعل من عطية ربنا ! دي نعمة كابيرة عاد , حد طايل يا حياة !!! وبعدين احنا لا بيدنا نجيب الواد ولا نجيب البت , كله من عند ربك وهو سبحانه الوهاب , امسكي البت خليني اسجد سجدة شكر لربنا على نعمته الكابيرة دي

 

ــــ هاها يارب يسعد جلبك كيف ما بتسعدني يا كامل

 

سجد لله ولسانه يلهج بالشكر: اللهم لك الحمد والشكر يارب..يارب باركلي في بناتي وام بناتي واديني العمر عشان اراعيهم

 

نهض من سجوده وعاد إلى زوجته يقول:

 

ــــ بجولك ايه يا حياة, أنا هسمي البت عالية, ولا ليكِ غرض في اسم تاني؟

 

ــــ لاه, عالية إسم زين ومليح

 

ــــ والله انتِ اللي زينة ومليحة ومافيش ست على الأرض زييكِ يا حياة

 

ــــ هاها الله ما يحرمني منك ومن كلامك المليح ده يا كامل يا نور عيني

 

***************************

 

كانت الحاجة فايقة والدة السيد كامل في بهو قصرها وقد استبد بها القلق في انتظار البشرى ..دخلت خادمتها حورية تناديها

 

ــــ حاجة فايجة

 

ــــ عايزة ايه يا بت يا حورية

 

ــــ البت نعمة جت من سرايا كامل بيه وعايزاكِ

 

ــــ خليها تدخل تبشرني بالواد عاد, يارب يا كامل يا ولدي يكون جاك الواد

 

ــــ ادخلي يا بت يا نعمة

 

ــــ تُوشكري يا حورية .. عواف يا حاجة فايجة هاها جيت ابشرك عاد

 

ــــ هاها يبجى كامل ولدي جاب الواد

 

ــــ واد ! لاه , كامل بيه جاتله عروسة زي البدر

 

وجمت الحاجة فايقة وضربت على صدرها وهو تقول بحسرة:

 

ــــ  بت تالتة ! يا حِزن جلبي

 

ــــ ليه بس كديه يا حاجة فايجة ! ده يبجى فال عفش عاد

 

ــــ استغفر الله العظيم ,وبعدهالها حياة بت نَفيسة !!!!

 

ــــ يعني هي الست حياة بيدّها عاد !!! دي حاجة بتاعة ربنا يا حاجة

 

ــــ طب بس اكتمي, اكتمي ما ريداش اسمع صوت حد واصل

 

ــــ على العموم يا حاجة آنا جيت ابلغك زي ما جال كامل بيه واخد البنيتّا وامشي , هما وين الله يحرسهم ؟

 

مع عَمَتهم جميلة فوج , نادمي عليهم

ـ

وقفت الخادمة نعمة  أمام درج الدور العلوي تنادي

 

ــــ يا سلمى يا وطفة , يلا يا بنيتّا يا حلوات عشان نرجع سرايا بوكم عاد

 

تنزل العمة الشابة جميلة بوجهها البشوش الذي زاد قسماتها ملاحة وهي تمسك بيد سلمى ووطفة وتقول

 

ــــ انا نازلة وجايبة البنيتا اهم عاد هاها كيفك يا بت يا نعمة

 

ــــ كيفك انت يا ست جميلة يا ست الصبايا هاها الله اكبر , الله يحميكي من عين حسادك

 

ــــ تعيشي يا نعمة , تعالوا يا بنيتا .. مرت اخوي وِلدت ؟

 

ــــ ايوة الحمدلله

 

ــــ مممممم جابت بت ؟

 

ــــ وعَرَفتِ من وين ؟

 

ــــ باين على وش امي ... ايه يا امّا مالك عاد

 

ــــ ماحدش له صالح بيا يا جميلة , كفانا من حرجة الجلب اللي جابتهالنا مرت خوكي

 

ــــ واه يا امّا !!! ليه بس عاد !!! مالهم البنيتا ! ماهم جمرتين اهم وجالهم جمرة تالتة هاها الله يحرسهم لخوي يا امّا

 

ــــ يا بت انتِ هتجنَنيني !!! يا بوي! خدي البنيتا دول وارجعي السرايا يا نعمة وهملينا دلواك الله يرضى عنيكِ

 

ــــ حاضر يا حاجة فايجة

 

ــــ مع السلامة يا عَمْتي

 

ــــ الله يسلمكم يا عيون عمتكم ... بجى كديه يا امّا , زعلتي البنيتا وما سلموش عليكِ عشان الكلام اللي جولتيه عاد

 

ــــ يزعلوا ولا يتفلجوا ماليش صالح

 

ــــ من ميتى بس يا امّا جلبك جسي كديه ! طول عمر حنية الدنيا فيكِ

 

نشجت الحاجة فايقة وقالت وهي تذرف عبرات الحسرة

 

ــــ دنيا ! اديني مجابلة ع الآخرة وما شوفتش لخوكي واد من صلبه يكون سنده وفي ضهره

 

ــــ واه يا امّا! ولزمته ايه البكا عاد !!! لا حياة كبَرَت ع الخلفة ولا دي آخر خلفة ان شاء الله , المرة الجاية ربنا يرزقهم بالواد عشان جلبك يبرد يا امّا

 

ــــ همليني دلواك يا جميلة , انا ما ناجصاش

 

ــــ امرك يا امّا...  بت يا حورية حضريلي الحمام

 

ــــ من عنيا يا ست الصبايا, عجبال حمام العريس عاد هاها

 

ــــ بس يا بت آنا بستحي هاها

 

ــــ الله يرزجك بابن الحلال الزين اللي يستاهلك يا ست جميلة .. مش هتروحي للست حياة مرت خوكي تباركيلها عاد ؟

 

ــــ معلوم هروح , بس لما امي تهدا شوي , اديكي ناضراها سوت كيف لما عِرفت ان اخوي جاله بت تالتة

 

ــــ بصراحة عنديها حج , اذا كانت الست حياة مالهاش في خلفة الصبيان يبجى كامل بيه لازم يتجَوَز اللي تجيبله الواد عاد

 

ــــ بس يا بت اكتمي , كامل يتجوز على حياة !!! طب والله لو فكِر بس في الحكاية دي ماحد هيجف له إلا انا عاد

 

ــــ هاها طبعا , ما انتِ حبيبة الست حياة وروحك فيها

 

ــــ ايوة يا بت يا حورية , حياة دي مش مرت خوي وبس , حياة دي اختي الكابيرة الغالية

 

ــــ الله يزيدكو محبة يا ست جميلة ويرزجها بالواد عشان الحاجة فايجة ترتاح

 

***************************

 

 في ذات المساء, عاد شاذلي ابن عم  كامل إلى منزله الريفي البسيط بعد عناء يوم كامل من العمل في فلاحة أرض ابن عمه, نادى زوجته صفية الشابة الفائقة الجمال

 

 

ــــ صفية, وينك يا صفية

 

ــــ انت جيت يا شاذلي ! حمدالله بسلامتك عاد

 

ــــ الله يسلمك .. وين حسن ومحمود ؟

 

ــــ بيلعبوا عند بيت أمي , اجيبلك تتغدا ؟

 

ــــ مش ديلواك , لما العيال ياجو .. مرت كامل واد عمي ولدَت

 

ــــ جابت ايه الحزينة ديّ ؟

 

ــــ حزينة ليه بس عاد! والله ما عارف بتكرهيها ليه الكره ده كله

 

ــــ ما عارفش ليه يا شاذلي!  اتطلع في وشي عاد وجولي. أنا احلى ولا حياة؟

 

ــــ هه كانك ما عارفاش يا بت انك احلى ست في نجع أبو المنصور ولا ايه! تبارك الله بدر يا صفية بدر

 

ــــ عرفت بكرهها ليه يا شاذلي! عشان آنا أولى بالعز وعيشة النعيم منيها عاد..واحدة في جمالي كان مجامها تجعد في سرايا زي سرايا حياة والخدم والحشم تحت رجليها, ووجتها كنت خدتها خدامة عِندي

 

ــــ احلمي على جديكِ عاد وما تبصيش لفوق, هاتيلي لجمة اكلها على ما اغير جلابيتي, واعملي حسابك بكرة تدبحي كام فروج وتاخديهم وتروحي تباركي للست حياة

 

تزفر صفية من شدة الغيظ والحنق وتنظر إلى مظهر زوجها البسيط من الخلف بازدراء  وتقول في سريرتها:

 

ــــ والله ما كنت ليا ولا كنت ليك يا شاذلي الهم انت..يا ما اتمنيت كامل يبجى راجلي ويختارني من بين البنيتا عشان اكون مرته وست السرايا الآمرة الناهية, لكن هنعملوا ايه في الفقر اللي ربنا ابتلاني بيه, أب عاش ومات في الفقر وأم ما حيلتهاش غير الغلب والهم, واخوي بدران رد السجون اللي عايش مع المطاريد في الجبال, يا بوي على حظك النحس يا صفية..لكن حياة اللي ما تجيش في نص جمالي اتولدت في عيلة عنديها المال والجاه والسمعة الزينة بين الناس. وده اللي خلى كامل يختارها ويخليها ست السرايا ..آآآخ ربنا يحرمك من النعيم اللي انتِ فيه يا حياة ويوريني فيكِ يوم يشفى جلبي

 

***************************

 

وفي صبيحة اليوم التالي أعدت صفية الدجاج لتأخذه كهدية لحياة. لبست جلبابها الأسود الكالح ووضعت على رأسها الشال الأسود الذي لا يخل من بعض النقضات الغير مدركة.., نظرت إلى كيس الدجاج بيدها وقالت بتأسي:

 

ــــ والله خسارة فيكِ الفروجات عاد يا حياة, يسروا في بدنك بالسم..بس اللي مفرحني عاد ومالي جلبي شماتة من يمتك هو إنك جبتِ البت التالتة وما اتبلش ريجك بالواد هاها  وعشان اكيدك واحزّن جلبك هاخد معاي الولدين عشان تشوفيهم في يدي وتتحسري على حالك..أما أنادي الولدين... يا حسن, وينك يا محمود

 

ــــ احنا هنيه يا امّا

 

ــــ تعالوا معاي سرايا كامل بيه عاد

 

ــــ هيييه هنروح سرايا كامل بيه

 

خرجت صفية وسبقها الصغيران إلى الخارج يقفزان فرحاً

 

***************************

وصلت صفية إلى السرايا ودلفت وصغيراها..طرقت الباب ففتحت الخادمة نعمة, فاغتمت حين رأتها وقالت وكأنها صدمت

 

ــــ صفية!

 

ــــ ستك صفية يا خدامة الهم انتِ, ولا نَسيتِ ان جوزي الشاذلي يبجى واد عم كامل بيه اللي بتخدميه وعايشة في خيره! كيف ما بتحترمي حياة تحترميني يا خدامة الغبرة انتِ

 

ــــ اللهم اخزيك يا شيطان. ادخلي يا ست صفية على ما نطلع نبلغ الست حياة انك هنيه

 

ــــ ايوة كديه اتعدلي عاد, ادخل يا حسن, تعالى يا محمود. السرايا سرايتكو

 

ــــ سرايتنا كيف يا امّا!

 

ــــ سرايا واد عم ابوكو كامل بيه تبجى سرايتكو عاد, اجعدوا

 

جلست صفية وولداها بينما عيناها تدور في بهو القصر المنيف ذا الأعمدة الرخامية والأثاث الفاخر..تتحسس الأثاث المخملي وتنظر إلى الطنافس أسفلها, وقطع الأنتيكات النفيسة والموائد المكتظة بأفخر أنواع الفاكهة وتهمهم في حسرة

 

ــــ يا بوي ع العز اللي انتِ فيه يا حياة! يا حسرة جلبي على حال الشوم اللي انا فيه. والله ما طايجة اتطلع في وشها, هاين عليّ اشجها بسكين وارتاح منيها

 

***************************

 

دلفت نعمة إلى غرفة حياة التي كانت ترضع صغيرتها عالية وقالت

 

ــــ ست حياة, صفية مرت الشاذلي واد عم كامل بيه تحت ومعاها ولادها عاد

 

ــــ طب ومهملاها تحت ليه عاد يا نعمة! خليها تطلع

 

ــــ تطلع وين يا ست حياة! الله يخليكِ ما تجوليش كديه, اوعاكِ تدخلي العجربة دي اوضة نومك ولا تخليها حتى تهوب ناحية الدور الفوجاني

 

ــــ ليه بس عاد يا نعمة! الست جاية تزورني وتطمن عليّ كتر خيرها

 

ــــ يبجى تنزليلها انتِ يا ست, إنما دي ما تطلعش هنيه عاد

 

ــــ هه ما خبراش ليه عم تكرهيها كديه! دي صفية غلبانة

 

ــــ لاه, تعبانة وعجربة مهما اتدارت ورا كلامها المعسول يا ست, عنيها عم تفضح اللي مداريه جلبها عاد, إوعاكِ في يوم تديها الأمان يا ست حياة

 

ــــ هاها طب اوعي كديه يا ام جلب اسود انتِ, نيمي البت وبعدين انزلي اعملي الموغات لصفية وعيالها

***************************

 

نظرت صفية إلى أعلى الدرج فوجدت حياة تنزل مبتسمة, فاتقدت عيناها غلاً عندما نظرت إلى العباءة الفخمة التي ترتديها والجواهر ذات البريق التي ازدان بها جيدها ومعصميها ..أصرت على أسنانها وسرعان ما حاولت اصطناع ابتسامة على محياها..وما  أن اقتربت حياة حتى هرعت إليها وأخذتها في احضانها وطفقت تقبلها بحرارة محبة كاذبة

 

ــــ حياة يا غالية, حمدالله بسلامتك يختي, والله فرحتلك يا حبة جلبي

 

ــــ يا حبيبتي يا صفية, الله يسلمك يختي, نورتي السرايا عاد

 

ــــ هه منورة بصاحبتها ست الستات حياة

 

ــــ الله يحفظك يختي..يا مرحب يا ولاد, كيفك يا حسن؟

 

ــــ الحمدلله يا خالتي حياة

 

ــــ ايش احوالك يا محمود؟

 

ــــ مليح الحمدلله, وين البت الصغيرة؟ عايز اشوفها عاد

 

ــــ هه نامت يا ولدي, معلش, لما تاجي مرة تانية تشوفها عاد, سويت كيف في امتحاناتك صح؟

 

ــــ نجحت ورايح سنة تانية

 

ــــ ماشاء الله عليك, انت اكبر من وطفة بتي بسنة,لساها رايحة اولى عاد, وانت يا حسن, نجحت يا ولدي؟

 

ــــ ايوة يا خالة حياة, ورايح سنة رابعة وجبت درجات عالية كمان

 

ــــ ماشاء الله عليك, ماشاء الله, انت كد سلمى, ما هي كمان رايحة رابعة, ربنا يوفجكوا كلكم عاد. كلو فاكهة يا ولاد ما بتاكلوش ليه, خدوا التفاحتين دول من يدي

 

ــــ شكراً يا خالة حياة

 

أمسكت صفية بالكيس البلاستيكي الذي يحوي دجاجاتها وقدمته إلى حياة وقالت:

 

ــــ خدي الفروجتين دول يا حياة, دبحتهم ونضفتهم من الصبح عشان خاطر عيونك يا غالية

ــــ وليه بس متعبة حالك يا صفية!

ـــــ هه هتعب لاغلى منيكِ عاد!

ـــــ كتر خيرك يختي, نردهوملك في الفرح

ـــــ تعيشي...اومال وين البنيتا يا حياة؟

ـــــ خدهم كامل على المركز عشان يختاروا هدوم اختهم الصغيرة, وبالمرة يجيبلهم هما كمان

ـــــ ممم هه يعيش ويجيبلهم عاد..لكن جوليلي, هو كامل بيه ما زعلش لما جبتِ البت التالتة؟

ـــــ كامل! هه لاه, والله انا اللي كنت زعلانة لكن هو الله ما يحرمني منيه جالي البت دي عندي بالدنيا, والبنيتا رزق ربنا, ومن الصبح صحا البنات وخدهم عشان يشتريلهم هدوم جديدة وجالي هجيبلك يا حياة واجيب لعالية عاد

ـــــ ممم هه الله يهنيكِ بجوزك يختي وما يحرمكوش من بعض

ـــــ هه ولا يحرمك من شاذلي

ـــــ شاذلي! كل واحد بياخد المكتوب له عاد.. والحاجة فايجة سوت كيف لما عرفت انك جبتي البت التالتة؟

ـــــ كانها زعلت, ما زارتنيش لحد دلواك

ـــــ هاها اصلها كانت متعمشة تجيبي الواد عاد, ولا يهمك منيها يختي, مالهم البنيتّا! اوعاكِ يا حياة تخلفي تاني

ـــــ ها!! بتجولي كديه ليه عاد يا صفية!

ـــــ آآآ لا يختي انا ما جصديش حاجة عفشة, أنا ريدالك الخير, الخلفة ورا بعضيها تهلك صحتك يا حياة يختي, وكفاية عليكِ البنيتا طالما ابوهم راضي بكديه

ـــــ اللي ربنا رايده هو اللي هيكون عاد يا صفية

 

تأتي نعمة تحمل صينية المشروبات وتضعها في صمت وهي تنظر بعينين حادتين في عيني صفية وكأنها تريد أن تقول,أعرف المكنون في صدرك, فتصرخ صفية في وجهها قائلة

ـــــ مالك يا بت بتطعيلي كديه! همي ع المطبخ وسيبيني اجعد مع ستك حياة

ـــــ وماله, ما هي بصحيح ستي وست ستات الدنيا كلها

ـــــ امشي غوري بعنيكِ اللي كيف عين البومة دي

ـــــ تُوشكري, ما عايزاش حاجة يا ست حياة؟

ـــــ لاه, كتر خيرك يا نعمة.ايه يا صفية, مالك بيها نعمة!

ـــــ دي نعمة دي! دي رزية ربنا يخلصك منيها

ـــــ هه اشربي الموغات عاد انتِ والعيال

ـــــ هنشرب يختي..خد كوبايتك يا حسن, خد يا محمود..ايه رأيك في الولدين عاد, بيجولوا حسن شبهي ومحمود شبه شاذلي

ـــــ الله يحفظهم التنين يختي

ـــــ دايماً شاذلي يجولي بكرة يبجوا رجالة ويسندوني في كبري..أصل خلفة الصبيان زينة. أمي دايماً تجول اللي عنديه واد عنديه سند

ـــــ ....... كله رزق من عند ربنا يا صفية

ـــــ يوه, يجطعني, ما جصديش يختي, الكلام بس جاب بعضيه, أوعاكِ تكوني زعلتي من حبيبتك صفية! ربنا يعلم أنا بحبك جد ايه يختي

ـــــ خابرة يا صفية, خابرة وعمري ما ازعل منيكِ يختي... امك عاملة ايه عاد؟

ـــــ اهي صحتها على جديها وكل ساعة بحال

ـــــ الله يديها الصحة, سلميلي عليها عاد واديها الفلوس دي حلاوة عالية, وكمان خدي دول للعيال..واستني كماني هخلي نعمة تجيبلك عباية زينة من عندي عاد

ـــــ ه كتر خيرك يختي..كريمة من يومك

 

قامت حياة لتنادي نعمة وتخبرها أن تحضر العباءة لصفية, بينما صفية تنظر إليها بحقد وكراهية من الخلف

***************************

اخذت صفية العباءة والنقود واصطحبت ولديها إلى منزل والدتها العجوز..دفعت الباب الخشبي المتهالك واندفعت إلى الداخل مغتاظة..قالت وهي تتأفف

ـــــ إصباح الخير يا امّا

ـــــ إصباح النور يا بتي, كيفكم يا ولاد

ـــــ الحمدلله يا جدتي

ـــــ اطلع برا يا واد انت وهو العبوا جدام الباب هملوني مع جدتكو

ـــــ حاضر يا امّا

ـــــ مالك يا صفية يا بتي ما طيجاش خلجاتك كديه!

ـــــ خلجاتي! وهي وين خلجاتي يا امّا! الجلابية الكالحة اللي لبساها عاد ولا العباية اللي منت عليا بيها اللي ما تتسمى حياة!

ـــــ الست حياة! انتِ كنتِ عنديها؟

ـــــ ايوة, ربنا وكسها وجابت البت التالتة وروحت ابارك زي ما جال شاذلي

ـــــ هي البنيتا وكسة يا بتي! البنيتا رزق ربنا عاد

ـــــ هاها بس الحاجة فايجة ما عبرتهاش ولا خطت عتبة السرايا عشان زعلانة عاد, وبكرة تزن على ولدها كامل بيه عشان يتجوز على عرة الحريم ديّ, ولا يمكن يزهج منيها ويطلِجها ويبرد النار اللي في صدري عاد

ـــــ يا بوي عليكِ يا صفية يا بتي! ليه تتمني الخراب للناس يا بتي! اتمني الخير عشان تلاجيه

ـــــ الاجيه وين ومع مين يا امّا! مع الشاذلي! الشاذلي الفقري اللي عيشتي معاه فقر وهم! دانا عيشتي معاه خلت واحدة زي حياة تعاملني زي الشحاتة وتديني فضلة خلجاتها عاد, آنا صفية اللي جمالي ما وردش على بت في النجع البس بواجي حياة عاد, شوفتي بخت بتك العفش يامّا!! كانت جوازتي من شاذلي جوازة الشوم والندامة

ـــــ اعوذ بالله, يا بتي احمدي ربك وارضي بنصيبك, الشاذلي طيب وبيتمنالك الرضا

والله يا امّا ما طايجاه ولا طايجة عيشتي معاه

تبكي صفية بكاء مرير وترتمي بأحضان والدتها

ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله, بس يا بتي, كفاكِ بكا عاد

ـــــ أنا ما عارفاش حظي هيفضل كديه لحد ما اموت ولا ايه يا امّا!

ـــــ بعد الشر عليكِ يا بتي, والله حظك زي الفل لكن انتِ ما حساش بالنعمة اللي في يدك عشان بتتطلعي للنعمة اللي في يد غيرك, ربنا اداكِ الجمال والراجل الطيب اللي محاوطك بحنيته واداكِ ولدين الله يصونهم

ـــــ لكن ما ادانيش المال ولا الجاه يا امّا واداهم لحياة, يا ريتها تاخد حظي وانا اخد حظها

ـــــ اعوذ بالله, الله يهديكِ يا بتي عاد وتحسي بالنعمة اللي في يدك بدل ما تزول وتصحي في يوم ما تلجيهاش وتندبي حظك

ـــــ نعمة! طيب يا امّا, أنا راجعة داري..واه! كنت هنسى عاد, خدي الفلوس دي مشيعهالك اللي ما تتسمى

ــــ الله يباركلها الست حياة ويسعد جلبها, شفتي يا بتي طيبة كيف!

ـــــ هأ, لا طيبة ولا حاجة, هي جاصدة تذلني وتحسسني انها الاحسن وانها بتمن عليا وعلى أهلي بالمال..لكن وربنا يامّا ما هخلي حيلة ولا سكة للتفريج بينها وبين جوزها الا لما هعملها..طيب يا حياة..سلام يا امّا

ـــــ الله يكفيكِ شر نفسك يا بتي..هلاجيها منين ولا منين بس! حظي في ولادي التنين عفش, واحد هربان من الحَكومة والتانية جلبها اسود من سواد الليل وما صفياش حتى لنفسيها ..الله يهديكو يا ولادي

***************************

في طريقها للمنزل تقابل صفية ابنة خالتها بائعة الأقمشة المتجولة هانم, كانت تحمل بعض البضائع في جوال ليس بالكبير, فاستوقفتها صفية متسائلة

ـــــ على وين يا هانم عاد؟

ـــــ على رزقي وين ما يكون يا صفية, الست حياة كانت موصياني من ياجي سبوع وزيادة على كام حتة جماش حرير عشان تهادي بيهم ناس حبايبها وانا اتأخرت عليها عاد

ـــــ هاً! حياة بتهادي بالحرير! حقها عاد, عايشة فوج الحرير وتحتيها الحرير ولما تهادي تهادي بالحرير, الحظ بيفرِج بين الناس بصحيح..كانك ما خبراش انها ولدت عاد

ـــــ واه! ههه الله يبشرك بالخير عاد, جابت ايه الست حياة؟

ـــــ وهي خلفتها ايه غير بنيتا عاد!

ـــــ اللي تجيب البت تجيب الواد, وكفاكِ من كرهها عاد عشان عنيكِ ولسانك ما جادرينش يخبوا يا صفية, بالإذن عشان ما اتأخرش ع الست عاد

ـــــ أنا ما خبراش انتو كلكو جاعدين تحت رجليها خدم ليه كديه! كلكو بتخافوا منيها

ـــــ لاه يا صفية, بنخاف على زعلها منينا عشان بنحبها عاد, ست طيبة وسخية والضحكة ما بتفارجش وشها, بالإذن يختي

 

مضت هانم في طريقها بينما أخذت صفية تتمتم

ـــــ هاً, إذنك معاكِ يا خدامة حياة اللي الضحكة ما بتفارجش وشها, والله لتحزن حزن عمرها وما هتشفولها ضحكة من تاني عاد...أنا لازم أروح لسكينة بتاعة الأعمال والسحر تسويلي حاجة تخرب بيت حياة الهم دي, لاه! مش دلواك, استنى سواد الليل عشان ماحدش يوعالي وانا رايحة عنديها عاد

أخرجها ولدها الأكبر حسن من عالم المكائد الأسود الذي شرد فيه ذهنها قائلاً:

ـــــ هتغدينا ايه النهاردة يا امّا؟

ـــــ واه! صُح فكرتني يا حسن, بوك عايز عَدَس وماعنديناش في الدار, تعالى نعدي على عم مرعي البجال عاد

فيقول محمود الصغير فرحاً

ـــــ هتجيبلنا حلاوة من عنديه يا امّا؟

ـــــ يا بوووي حلاوة ايه وطين ايه! مامعايش فلوس

ـــــ كيف! خالتي حياة ادتك فلوس كاتير وجالتلك دول للعيال

ـــــ بس يا واد, بس, يلا هم انت واخوك خلينا نجيب السم اللي هتطفحوه عاد, ده هم ايه ده !

يخفض الصغير رأسه غاضباً ويلوي شفته السفلى ويركل الأرض بقدمه بينما أمه تسبقه إلى البقال ولا تكترث, ينظر الكبير إلى أخيه بشفقة ويربت على كتفه, فيطيح يده الصغير, يتبع الولدان أمهما في صمت حتى وصلت إلى دكان البقال البسيط البضائع..حيته صفية قائلة

ـــــ عواف يا عم مرعي

ـــــ الله يعافيكِ يا صفية يا بتي, طلباتك؟

ـــــ عايزة نص كيلو عدس اِصفر

ـــــ والله ما عنديش, بعت الواد اللي شغال معاي يجيب, عدي عليا كمان نص ساعة

ـــــ ولا نص ساعة ولا ساعتين, هستنى جنبيك اهنيي, ناولني كرسي من عنديك

ـــــ خدي يا بتي

ـــــ يخليك يا عم مرعي... حسن, محمود, العبوا جدام الدكان وما تبعّدوش عاد

ـــــ حاضر يا امّا

 

تجلس صفية على كرسي من سعف النخيل بلا ظهر أو مساند, فتلصق ظهرها بالحائط بينما وجهها متجه إلى القرية الفسيحة, ترقب الغادي والرائح , دكان محروس الحلاق, ومقهى القرية, والباعة الجائلين وحركة الحياة الدؤبة في القرية, فهذه امرأة تحمل قفة من السعف فوق رأسها وهذا رجل يمتطي حماره, وآخر يسحب بقرته, وهذه فتاة تمشي على استحياء, والقرية تعج بالناس وكل في حال يختلف عن حال غيره, وفجأة تتوقف سيارة فارهة ويترجل عنها رجل ثلاثيني مهيب الهيئة بجلباب فاخر وعباءة من الجوخ فيسرع إليه الناس فرحين متهللين يحيونه..ترقب ذلك وتشرأب بعنقها وترصد المشهد وتقول في سريرتها..واه, ده سلّام بيه رجع, شوف الناس ملمومة عليه كيف النمل ازاي! آه يا نجع ابو المنصور يا نجع الشوم, ناسك ما يعرفوش جيمة البني ادم منينا إلا بماله وجاهه, إنما الغلابة اللي زينا ما حد يسأل عنيهم ولا يديهم جيمة ولا يعتبرهم من البني ادمين من الأصل,,آآآه لو اتحكم في ناسك يا نجع الهم انت, والله كنت اخلي الكل كليلة خدامين تحت اجدامي.. مش حاسين بيا ولا شايفني عشان ماعنديش المال, ووجت ما يبجى معايا المال هياجو يجروا ويوطوا تحت اجدامي كيف الكلاب هه يابوي , الواحد نسى نفسه واتوهم حاجات ما هتحصُلش

 

تلتفت إلى البقال وتسأله بمكر؟

ـــــ مين الراجل اللي نزل من عربيته والناس ملمومة حواليه ده؟

ـــــ هه ما عارفاهوش اياك! ده سلّام بيه واد الحاج مطاوع

ـــــ واه! ايوة صُح, اصل نَسيت شكله, اكمنه بجاله كاتير غايب عن النجع

ـــــ ما هو شغال بين مصر واسكندرية عاد, كانك ما خبراش انه بيشتري اراضي ويبينها عماير ويبيعها تمليك

ـــــ ايوة, ما هو الفلوس عنديه بالكوم, ما يبنيش عماير ليه!... لكن وينها مرته المصراوية ما وعيلهاش معاه

ـــــ سمعنا انه طلجها ورجعها لأهلها في مصر

ـــــ ايوة عشان كديه عاد... لكن طلجها ليه يا عم مرعي؟

ـــــ والله يا بتي ما خابرش, دول ناس ليهم اسرارهم اللي ماحدش يعرفها عاد

ـــــ ايوة ما هم دول ما يدوش سرهم غير للكبارات اللي زييهم, اكيد هيجول لكامل بيه, ما هو صاحبه الروح بالروح عاد

ـــــ ما خابرش يابتي

ـــــ واخو سلام بيه اللي في الجامعة في مصر, خلص علام ولا لساه بيتعلم؟

ـــــ الداكتور عزت! بيجولوا خلص علام وهياجي الشهر الجاي

ـــــ وهيفتح عيادة  ويتجوز هنهي ولا ناوي يُطفش من النجع؟

ـــــ هه ربنا العالم يا بتي. وبعدين انتِ مالك بيهم! شاغلة روحك بالأكابر دول ليه!

ـــــ اومال هشغل روحي بمجاطيع النجع عاد!

 

يأتي إمام المسجد الشيخ سلطان مستاءاً من حديث صفية عن احوال الناس, يلقي السلام على البقال قائلا

ـــــ السلام عليكم ورحمة الله يا مرعي

ـــــ عليكم السلام ورحمة الله يا مولانا الشيخ سلطان, كيفك يا شيخنا؟

ـــــ كيفك انت عاد, بجالك يومين مضيع الصلاة, ودلواك ما لمحتكش في صلاة الضهر

ـــــ معلش يا مولانا, والله الواد اللي شغال عندي غشيم و بخاف اهمّله الدكان ليخربه ويجعد على تله عاد

ـــــ يا مرعي الله يهديك, وتهمّله في الدكان ليه وجت الصلاة! اقفل الدكان وجيبه في يدك وادخل الجامع صلي عشان ربنا يباركلك في اهلك ومالك

ـــــ صح يا شيخنا, صُح, والله هتلاجيني إن شاء الله اول واحد في صلاة العصر ومعايا الواد عباس عاد

ـــــ طيب يا مرعي

ـــــ يغض الشيخ سلطان بصره عن صفية ويقول لها, وانتِ يا بتي,مالهاش لزمة جعدتك على الطريج كديه قدام الرايح والجاي

ـــــ يا شيخ سلطان انا ما جعداش إلا للشديد الجوي, مستينة يجيبولي طلبي عشان اخده وامشي

ـــــ يا بنتي, الرسول عليه الصلاة والسلام قال(إياكم والجلوس في الطرقات) فقالوا, يارسول الله, مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها, فقال(فإدا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه) قالوا وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال( غض البصر وكف الأذى ورد السلام, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)...والكلام ديه يا بتي معناه, إن لو مضطرة تجعدي في الطريج يبجى تغضي بصرك ولا تجيبي سيرة فلان ولا علان وتنهي عن منكر أو تأمري بمعروف..السلام عليكم

لوت صفية شفتيها في امتعاض بينما رد مرعي البقال السلام قائلاً:

ـــــ عليكم السلام يا شيخ سلطان..عاجبك كديه يا صفية يا بتي! زعلتي منينا الشيخ سلطان

ـــــ واه! وانا كنت عملت ايه عاد! وين الواد اللي شغال عنديك خلينا نخلص

ـــــ اهو الحمدلله جه, اتأخرت ليه يا واد!!

 

***************************

أخذت صفية العدس وظلت تتسكع في الطرقات وكأنها لا تريد العودة إلى بيتها..تنادي على هذه وتتجاذب أطراف الحديث مع هذه غير عابئة بالوقت

 

***************************

وصلت هانم ببضائعها إلى سرايا السيد كامل, ففتحت نعمة الباب قائلة

ـــــ أهلاً يا هانم, جبتي الجماشات الحرير اللي طلبتها الست حياة منيكِ؟

ـــــ ايوة جبتهم يا نعمة, وينها الست حياة؟

ـــــ حظك حلو, لساها جاعدة في المُندرة, تعالي

 

***************************

دلفت نعمة إلى المندرة تتبعها هانم, فقالت:

ـــــ هانم جت يا ست حياة

 

هه هانم! توك ما افتكرتِ يا هانم!

 

معلش يا ست الناس, والله بجالي َسبوع من ساعة ما سيبتك وانا كل يوم في البندر ادور ع الألوان اللي طلبتيها لحد ما لجيتها كلاتها عاد,واه, خدتيني في الكلام يا ست حياة ونَسيت اجولك حمدالله بسلامتك عاد ومبروك العروسة الصِغيرة

 

الله يسلمك يا هانم ويبارك فيكِ ويخليليك عيالك, دريتي من مين انها بت؟

 

جابلت صفية بت خالتي وانا جاية ع السرايا  وجالتلي عاد

 

أه, توها ماشية من هنهي, اجعدي ووريني الجماشات يا هانم

 

(وما أن همت هانم بالجلوس على الأرض لتفتح جوالها,حتى نهرتها حياة قائلة)

 

وبعدهالك عاد يا هانم, مش جولتلك جبل سابج أوعاك تجعدي على الأرض عاد! جومي اجعدي ع الكرسي

واه! العين ما تعلاش عن الحاجب يا ست, بصراحة بشوفها تجيلة جوي أني اجعد ع الكرسي واعمل مجامي بمجامك عاد

لا حول ولا قوى إلا بالله! يا هانم الله يخليكِ ما تحمليني ذنب ولا تحسسيني إني احسن منيكِ, كلنا خوات عاد وما حد عارف مين احسن من التاني عند ربه, جومي تعالي

الله يجبر بخاطرك يا ست حياة ويعلي مراتبك

 

يلا وريني الجماشات عاد

 

شوفي يا ست حياة, ده لِحمر, وده لِصفر, وده البمبي وده لِبيض وده الزهري عاد

 

واه واه واه ههه حلوين جوي جوي يا هانم وهيعجبوا العروسة إن شاء الله

 

إن شاء الله, هو فرحها على خوكِ صالح بيه ميتى؟

 

الشهر الجاي إن شاء الله, هتاجي طبعاً

اومال يا ست حياة, لازم اجي, حد يطول يحضر فرح صالح بيه واد الحاج بدر سيد نجع ابو المنصور كلاته! ربنا يديم الفرح عاد

 

هه تعيشي يا هانم, استني, هخلي نعمة تجيبلك لقمة تاكليها على ما اجيبلك الفلوس عاد

 

لاه لاه, كتر خيرك يا ست حياة

 

هزعل منيكِ يا هانم

 

ربنا ما يجيب زعل يا ست ويجعله عامر بحسك يارب

 

*****************************

وفي سرايا الحاجة فايقة

 

تجلس الحاجة فايقة في ركنها المفضل في بهو السرايا , وبيدها كوب من الشاي تحتسيه, فنزلت ابنتها جميلة بخفة ورشاقة على الدرج واسرعت الخطوات إليها قائلة

 

ايه يا امّا, ما جولتليش ناوية ميتى تزوري حياة مرت اخوي

 

ما ناوياش

 

واه! بجى كديه يا امّا! عايزة تكسري بخاطر اخوي كامل! ولا ما خبراش يعني انه هيزعل اننا ما جدّرناهوش ولا جدرنا مرته !

 

اووف, عايزة مني ايه يا بت يا جميلة عاد!

 

هه عايزة ابوسك في خدك كديه اموه, واجولك جومي يا امّا الله يرضى عنيكِ عشان نزور مرت اخوي ونباركلها على البنية المسكينة اللي جدتها ما معبرهاش دي

 

يا ابوووي, حاضر يا جميلة, حاضر, اسبجيني على فوج وافتحي الشكمجية هاتي منيها اسورة ولا غويشة نهادي بيها مرت خوكِ, وهاتي الف جنيه نجطة البت

 

يا حبيبتي يا امّا اموه, والله ما في زي حنية جلبك يا ست الكل انت اموه

 

الله يصلح حالك يا بتي واشوفك في بيتك واشوف واد لخوكِ جبل ما اموت

 

بعد الشر عليكِ يا امّا, الله يخليكِ ما تجوليش كديه عاد

*******************************************

وبينما كانت صفية تتسكع في طريقها لمحت عن بعد الحاجة فايقة وابنتها جميلة تسلكان الطريق المؤدي إلى سرايا كامل, فجحظت عياناها وأصرت على أسنانها قائلة في سريرتها

 

رايحة على وين المرة الكابيرة وبتها جميلة! كانهم رايحين على السرايا يباركو لحياة عاد, يا بوووي, يارب ما يكون ظني صح, ما رايدهاش تتصالح مع حماتها, كان بودي الحاجة فايجة تحكم رأيها وتحكم على ولدها يطلج حياة الشوم دي عشان يجيب الواد من غيرها, كانهم اتصالحوا والمية رجعت لمجاريها عاد, لازماً الحجها واشوف حكايتها ايه دي..( استدارت إلى ولديها قائلة) حسن, استناني انت واخوك هنهي ما تتنجلوش

 

على وين يا امّا

 

راجعة,راجعة

(اسرعت صفية الخطوات إلى الحاجة فائقة وابنتها حتى لحقتهما وانكبت على يد الحاجة فايقة تقبلها قائلة)

 

الحاجة فايجة, اتوحشتك يا حاجة, يدك ابوسها

 

واه, استغفر الله يا بتي, كيفك يا صفية وكيفه شاذلي والعيال؟

 

اديهم عايشين يا حاجة

 

يابتي جولي الحمدلله

 

حمداه وشاكراه ديما يا حاجة, كيفك يا ست جميلة

 

اوف, مُرحب

 

أمك كيفها يا صفية؟

 

اهي صحتها على جديها عاد

 

الله يديها الصحة, إن شاء الله ازرها واطمَن عليها

 

ربنا يخليكِ لينا ممم على فين كديه يا حاجة؟

 

على سرايا ولدي كامل, اباركله على المولودة الجديدة

 

معلش يا حاجة, حجك تزعلي على ولدك وانه بجى عنديه بدال البت تلاتة

 

(امتعضت جميلة وانتفخت اوداجها وقالت منفعلة)

 

وامي هتزعل ليه عاد من عطية ربنا! وحياة لساها صغيرة وبكرة تاجيب الواد

 

هه ربنا يسمع منيكِ يا ست جميلة! يعني احنا هنكرهولها الخير ولا ايه عاد!

 

يلا يا امّا عشان نفسي اشوف بت اخوي واطمن على مرته اللي لا يحرمنا منيها

 

يلا يا بتي, تبجي تاجي عندينا يا صفية, خلينا نشوفك, سلمي ع العيال عاد

 

الله يسلمك يا حاجة ( تنظر صفية إلى جميلة من الخلف بغل وحقد ملتهب وتتمتم قائلة)

بتكيديني يا جميلة! طيب عاد, شايفة روحك على ايه! حلوة آه ,لكن مش احلى مني يا بنت ابو الحجاج,لولا فلوس بوكِ وخوكِ كان زمانك زيي, لا جيمة ولا حد داري بيكِ..بتدعي لحياة عاد, الله يفرجكوا عن بعضيكو ويجلب محبتكم عداوة يا باعيدة

 

*********************************

(وتلوم الحاجة فايقة ابنتها جميلة قائلة)

 

ليه يا جميلة يا بتي بتعاملي صفية كديه! دي مهما كان مرت واد عمك شاذلي

 

من اللي بشوفه منيها يا امّا..جلبها كله غل وكره من يمتنا مهما دارت, كارهانا يامّا وكارهة الخير عندينا

 

يابتي وليه الظن العفش ديه!

 

والله يامّا ما ظن, انا وعيتلها مرة بتبص على حياة بغل وتجز على اسنانها, كانت فاكرة مافيش حد واعيلها, لكن انا كنت واعيالها زين عاد, واللي في جلبها من يمة حياة هو اللي في جلبها من يمة اي واحدة ربنا عاطيها نعمة فينا, ربنا يكفينا شرها عاد ويبعدّها عنينا

 

الله يصلح حال جلوبنا يا بتي

 

******************************************

بينما تجلس البائعة هانم إلى مائدة الطعام الفخمة والمكتظة بأفخر أنواع الطعام, تسمع حياة طرق على الباب فتأمر نعمة بفتحه..تفتح نعمة الباب فتتفاجأ بالحاجة فايقة وابنتها جميلة فتتهلل وتقول متبسمة

 

واه! الحاجة فايجة والست جميلة! نورتي السرايا يا حاجة, اتفضلي؟

 

كيفك يا بت يا نعمة؟

 

الحمدلله يا حاجة نحمده ونشكر فضله, كيفك يا ست جميلة يا جمرة انتِ

 

هه الحمدلله يا نعمة

وينها حياة يا بت نعمة؟

 

جاعدة مع هانم بياعة الجماش في المندرة, اتفضلي يا حاجة

 

(اسرعت نعمة خطواتها لتخبر حياة بمجيء والدة زوجها قائلة)

 

ست حياة, يا ست حياة, الحاجة فايجة جت ومعاها الست جميلة عاد

 

صُح يا نعمة؟

 

اي والله صح

(فتدخل الحاجة فايقة مبتسمة متوجهة بحديثها إلى حياة)

 

وما مصدجاش ليه يا بت نفيسة!

 

دريت انك زعلانة يا حاجة, جولت لروحي انك ما هاتاجيش

 

ازعل اه يا بت نفيسة, لكن يفوتني الواجب لاه, بعدين نتكلم عاد, كيفك يا هانم؟

 

اهلاً يا حاجة فايجة أهلاً, الحمدلله بخير, الله يسعدك ويفرحك بالست جميلة ست البنيتا..كيفك يا ست جميلة اتوحشناكِ عاد

ما تشوفيش وحش في دنيتك يا هانم, حياة مرت اخوي الغالية, حمدالله بسلامتك عاد

 

الله يسلمك يا جميلة, ولو اني زعلانة منيكِ, كنت فاكراكِ أول ما تعرفي هتجيني تجري وتجعدي معاي وما تهملنيش

والله يختي غصب عني, ماكنتش رايدة ادخل عليكِ من غير امي, سيبتها تهدا وترضى عنينا عشان تاجي بخطرها عاد هه

 

هه تسلم رجليكِ يا حاجة

 

تسلمي,وينها البت؟

 

فوج نايمة, اتفضلي فوج يا حاجة وانا وجميلة هنحصلك

طيب

(تتجه الحاجة فايقة إلى الدرج وتصعد, بينما تجذب حياة جميلة من ذراعها وتقول)

 

أمك مش هاين عليها تضحك في وشي, هي كديه تبجى رضت عني عاد! اومال امبارح سوت كيف!

هه امي طيبة يل حياة وانتِ عارفة كديه زين, بس اكمنها يعني كانت متعشمة تجيبي واد, اصلك ما خبراش, كانت طول ماانتِ حامل تدعي طول الليل ع السجادة, يا رب يرزجك بالواد يا كامل يا ولدي, يارب ادينا الواد يارب ههه

 

.....يعني هو كان بيدي يختي!

واه! انتِ زعلتي مني يا حياة! حجك عليّ يختي,راسك ابوسها اموه

 

اوعر حاجة في الدنيا دي يا جميلة ان حد يحاسبك على شيء ربنا كاتبه وهو مابيدوش حيلة فيه

 

عارفة يا حياة, عارفة, بس معلش, اعذري امي, من حبها في اخوي كامل عاد, وصعبان عليها انه اتربي وحيد من غير أخ, فكان نفسها يبجاله ولد , وبعدين انتو لسة صغيرين عاد والعمر قدامكم , وان شاء الله تجيبوا بدل الواد عشرة هه

 

الله يجيب الخير لينا كلاتنا عاد

 

(تفرغ هانم من الطعام وتقول)

 

الحمدلله والشكر لله, كتر خيرك يا ست حياة,اكلتينا اكل الأكابر اللي ما بيدخلش بيوتنا عاد هه

 

هه الف هنا عافية على بدنك يا هانم

 

طيب أنا همشي بجى عشان اتأخرت ع العيال

 

طيب استني يا هانم, هنادم على نعمة تديكِ غدا العيال

 

لاه لاه, كتر خيرك ياست

 

استني بس, نعمة, هاتي غدا لولاد هانم ولفيه زين

 

من عيني يا ست حياة, تعالي معاي المطبخ يا هانم

طيب يا نعمة, عمران بحسك يا ست حياة يا طيبة يا كريمة يا بت الأصول

 

تعيشي يا هانم, يلا يا جميلة نطلع عشان اتأخرنا على امك,تجوم تعملهالنا حكاية واحنا ما ناجصينش

 

على جولك عاد هه

 

هانم جاباتلي جماشات حرير حلوين جوي لعروسة اخوي صالح, مش كان زمانك انتِ العروسة والجماشات دي كانت ليكِ, لكن نعمل فيكِ ايه عاد! لما طلبناكِ له اتعززتي وجولتي صالح زي اخوي

 

هه ما هو زي اخوي صُح, الله يهنيه بعروسته

ويرزجك بابن الحلال يا جميلة, يا بوووي, دانا بستنى اليوم ده زي هلال العيد,ماخبراش فرحتي هتبجى كيف ولا هسوي كيف

 

حبيبتي يا مرت اخوي, الله ما يحرمني منك يارب

 

(تدخل حياة إلى غرفتها فتجد الحاجة فايقة تحمل الصغيرة وتداعبها وتضحك, فتنظر بتعجب إلى جميلة والتي غمزت بعينها وكأنها تقول,ألم أحدثك عن طيبة أمي!..تنتبه الحاجة فايقة لوجدهما فتقول لحياة)

 

البت تبارك الله احلى من خواتها الاتنين ومن امها كماني هه

 

ههه وانا راضية يا حاجة, أي أم تتمنى بناتها يبجوا احلى منيها

 

الله يحرسهم التالتة ويخليهملك يا بتي...اجعدي يا حياة

 

(تجلس حياة وجميلة على المقعدان, فتقول الحاجة فايقة)

 

ما تزعليش مني يا حياة يا بتي إن كنت زعلتك, والله يا بتي ما بيدي, عجلي ما بجاش فيا لما جالولي حياة جابت بت تالتة, لكن الحمدلله على كل حال, متعشمين فيه يراضينا المرة الجاية, المهم انك ما تكونيش زعلانة ولا واخدة على خاطرك مني عاد

 

أنا ما ازعلش منيكِ يا حاجة, انتِ في مجام امي الله يرحمها

 

الله يرحمها نفيسة, كانت زي اختي, واحبها كيف ما انتِ وجميلة تحبوا بعضيكم كديه, ما شفتش منيها غير الطبع المليح  ولا سمعت منيها غير الكلمة اللي تسر الخاطر, وانتِ واخدة طبع امك يا حياة وسيرتها الزينة بين الخلج

 

الله يعزك يا حاجة, الحمدلله انك رضيتي عني عاد

 

الله يرضى عنينا كلاتنا يا بتي..جميلة, ادي الإسورة لمرات اخوكِ وحطي الالف جنيه في يد عالية عاد

 

من عنيا يا امّا, اتفضلي يا حياة, اسورة ما تلاجيش زيها دلواك من شكمجية الحاجة

 

واه! هه يا محلاها, الله يزيدك من نعيمه يا حاجة

 

وخدي انتِ كمان الالف جنيه يا ست عالية يا غالية ههه امووه حبيبة عمتك يا جمرة

 

(تبتسم المولودة في مهدها فتضحك جميلة وتقول لأمها الحاجة فايقة)

 

واعية يا امّا لبت ابنك! البت اتبسمت وفرحت لما حطيت الألف جنيه في يدها

 

هه الله يعطيها الخير وما يمنعوش عنيها ولا عن خواتها

 

آمين يا امّا

(وفجأة يدخل كامل وبنتاه فيتفاجأ ويقول)

واه! الحاجة بحالها عندينا! اه النور ده يا امّا! نورتي السرايا عاد

 

نورك يا ولدي ونور مرتك وبناتك, كيفك يا بت يا سلمى

الحمدلله يا جدتي

شاخبارك يا وطفة

الحمدلله يا جدتي, شفتي بوي جاب ايه لعالية! شوفي شوفي,هدوم كاتير

يعيش وجيب يا بتي, مبروكين عليها

شوفي يا عمتي شوفي, انا اللي تجيت لها دول

(فتقول سلمى)

وانا اللي نجيت لها دول يا عمتي, زينين؟

زينين زينين جوي جوي يا روح عمتك

وجابلي انا ووطفة كماني, استني اوريكِ

(فيقول كامل)

 

بعدين يا سلمى, خدي وطفة وروحوا على اوضتكم عاد ووجت الغدا هنناديكم عشان تاكلوا معانا

 

حاضر يا ابوي, يلا يا وطفة

 

(تخرج الطفلتان ويعود كامل للترحيب بوالدته واخته)

 

ياه يا حاجة, والله يا امّا لما بوعالك في السرايا بحس الخير كله ملاها وربنا راضي عني

 

هه الله يرضى عنك ويجبر بخاطرك كيف ما انت جابر بخاطري دوم

 

كيفك يا جميلة

 

بخير طول ما انت بخير ياخوي, ربنا يخليك لينا ولعيالك يا كامل

 

تعيشي يختي

 

(تعرض حياة الإسورة التي اهدتها إليها الحاجة فايقة على كامل وتقول جذلة)

 

شوف يا كامل الحاجة جابتلي ايه؟

 

واه واه واه, اسورة دهب! مين كدك يا ستي, حماتك راضية عنيكِ

 

لا وكمان ادت الف جنيه لعالية

 

كمان! ايه لزوم ده كله يا امّا! كان كفاية الاسورة عاد

 

لاه ما كفاياش,مجام مرتك وبتك عالي عندي يا كامل يا ولدي..ولو اني وما تزعلش يعني كنت بتمناها واد عشان يشيل اسمك من بعدك, انت وحيد يا ولدي وخلفتك بنيتا, واسم بوك ما حدش هيشيله ويضيع بين الناس اسم عيلة ابو الحجاج

 

سبحان من يرث الأرض ومن عليها يا امّا, والله لو ربنا اداني ألف واد, لا حد فيهم هيخلد ولا الدنيا دايمة لحد, ربنا لوحده هو الوارث يا امّا

 

ونعم بالله يا ابني..بس النفس طماعة عاد

 

ربنا يرضينا بلي جسمهولنا يا امّا..بالإذن يا مّا, هجول للبت نعمة تحط الوكل عشان ناكلوا لجمة مع بعضينا, دي مجيتك لحدينا عيد يا امّا

 

الله يجبر بخاطرك يا ولدي

 

*********************************************

عاد شاذلي زوج صفية من عمله فاستقبلاه ولداه جذلان متهللان

 

بوي جه, بوي جه

( يتهلل الأب ويأخدهما في أحضانه ويقبلهما قائلاً)

ههه أهلا حبايب بوكو, كيفك يا حسن

الحمدلله يا بوي

كيفك يا محمود

الحمدلله يا بوي, روحنا سرايا عمي كامل بيه, دي حلوة جوي يا بوي, ليه ما عنديناش سرايا زييها؟

 

(يطرق الأب رأسه حزيناً, بينما تخرج صفية من باب الغرفة,تضع يد على خصرها واليد الأخرى تسندها إلى الحائط قائلة في تهكم)

ما ترد على ولدك يا شاذلي! ساكت ليه عاد!

 

(يرفع شاذلي رأسه ويربت على كتف ولده الأصغر قائلاّ)

 

هجولك نصيحة يا ولدي,تتمسك بيها وتعيش عليها عمرك كله عشان ما تتعبش في الدنيا دي..اوعاك يا ولدي تبص للي في يد غيرك, عود جلبك جبل لسانك على حمد ربك وشكره, اللي ما بيرضاش بعيشته يا ولدي بيفضل زي الديب الجعان عمره ما يشبع مهما ربنا اداله..وانا يا ولدي عايزك راضي وشاكر لله , وما تتبعش نفسك الرضيّة اللي بتأمر بالمهالك..جول الحمدلله يا محمود على الصحة والستر والأب والأم والبيت اللي أويك

 

الحمدلله يا بوي

 

جول الحمدلله يا حسن

 

الحمدلله والشكر لله يا بوي

 

(زفرت صفية وقالت متأففة)

هو ده اللي ربنا جدرك عليه تجوله للعيال!

 

ادخلوا يا ولاد جوا وهننادم عليكو لما امكو تحط الأكل ع الطبلية

 

حاضر يا بوي

 

(استشاطت صفية غضباً وأشاحت بوجهها عن زوجها, فاقترب منها متبسماً وقال في عتاب المحب)

 

بجى كديه يا صفية! بجي دي مجابلة تجابليها لراجلك الشجيان لما يرجع داره!

داره! وهي وين الدار دي! دي جبر وانا مدفونة وسطيه, دانا بدخل سرايا واد عمك كامل بحزن على حالي , واول ما ارجع هني عم يبجى هاين عليّ اجيب الف ندابة تولول على حالي من دون الحريم, آنا خابرة حظي عفش ليه كديه!

 

(يتنهد شاذلي كمن لا حيلة له ويقول) الله يهديكِ عليّ يا صفية

 

مجنونة انا ياك!

 

طيب حطي الوكل الله يرضى عنيكِ عشان انا جعان

(تزفر صفية وتتوجه لإحضار الطعام وقلبها يستشيط غضباً, بينما ينادي شاذلي على ولديه لتناول الطعام)

 

****************************************

وعند المساء, انتظرت صفية حتى غط زوجها وأبنائها في نوم عميق, وارتدت ثيابها وتسللت خارج المنزل, أغلقت الباب بهدوء حتى تكتم صريره..وأسرعت الخطا في الظلام الدامس إلى منزل سكينة على أطراف القرية, كان الجميع نيام ولا يحوطها إلا صوت الذئاب وهزيع الرياح وحفيف الأشجار..تمضي بقلب متحجر لا تخش ظلام أو هوام ...وصلت عند الباب..طرقت ثلاث طرقات بتثاقل.جائها الرد من أعماق المنزل الكئيب المظلم, صوت حاد محشرج, إنه صوت المرأة الشريرة المنبوذة من أهل القرية وصديقة اللئام والآثمين, سكينة..قالت

مين ع الباب

آنا صفية يا خالة سكينة

 

صفية مين عاد

 

صفية بت عبد ربه

 

ادخلي يا بت كلاف البهايم, الباب مفتوح

وما أن دلفت حتى تفاجأت بقط أسود مخيف ينظر إليها بعينين لامعتين وقد كشر عن أنيابه فارتعدت وصرخت وركلته بقدمها, وشقت طريقها في الظلام إلى أن وصلت إلى الأريكة التي تجلس عليه سكينة العجوز الخبيثة, ترتدي السواد ومعصبة بعصابة على رأسها خرج الشعر الأشعث الأبيض من جانبيها, وعلى وجهها برزت علامات الزمن..حيتها صفية قائلة

 

سا الخير يا خالة سكينة

 

الخير ياجي من أهل الخير, ومجيتك في وجت زي ديه ماورهاش خير يا بت كلاف البهايم

واه! انتِ بتشتميني عاد!

 

هاها! هو انتِ مش بنت عبد ربه كلاف البهايم يا بت؟

 

أوف, ايوة

 

يبجى لما اناديكِ بشغلة بوكِ مافهاش شاتيمة عاد..ومجيتك ديلواك في عز الليل والعتمة بتجول إن ما وراهاش خير, صُح؟

 

جيتك عشان تساعديني وتنصريني على عدوتي وتشفي غليل جلبي منيها

 

هاها, اجعدي يا بت كلاف البهايم

 

اديني جعدت أها, بس خلصيني الله يخليكِ عشان ارجع داري جبل جوزي ما يدرى

 

شاذلي! الله يعينه عليكِ.. اللي يتجوز مرة في جوة جلبك مسكين عاد

 

جوة جلبي آنا!! والله ظلماني يا خالة سَكينة,دانا أغلب من الغلب بذات نفسه

 

لو ما كانِش جلبك جامد ما كنتيش جيتيني في سواد الليل وما همكيش من الديابة والدوادي. جولي عايزة ايه وخلصيني عاد

 

حياة

 

حياة!..مرت كامل ابو الحجاج؟

 

هي

 

هاهاا, وكايداكِ في ايه حياة عشان كديه ناوية على آذاها؟

 

كايداني في ايه! يا بوووي, ما طيجهاش يا خالة سَكينة, ما طيجاش الضحكة على وشها, ما طيجاش العز اللي عم تتنعم فيه, حياة هي الشوك اللي مالي دنيتي ومغروس في جلبي وتحت اجدامي آآآآآآآآه يا مري

 

هاهاهااا..كيف عارفة تعيشي والنار دي كلها مالية جوفك يا بت عبد ربه!!

 

احب على يدك يا خالة سَكينة تعمليلها عمل يخسف بيها الأرض ويشفى جلبي المغلول منيها, عايزة حب جوزها ليها يتجلب عداوة ويطلِجها ويرميها رمية الكلاب

 

وجيالي ليه عاد! ما تخليه انتِ يطلجها بعد ما تكرهيه فيها

 

آنا!! كيف!

 

ههه إبليس ماحدش يدله يأذي الخلايج كيف..الوسوسة أقوي من ألف سيف وسيف

 

أيوة يا خالة سَكينة بس آنا....

 

كيد النسا غلب كيد الشيطان يا بت كلاف البهايم

 

يا خالة آنا لا خابرة اسوي كيف ولا اخرب بيتها كيف

 

عشان عقلك طار وما بقاش في راسك عاد, لكن لو هديتي وفكرتي ما حد هيجدر على اللي انتِ رايداه غيرك

 

طب ليه بس ما عايزاش تسوي العمل وتخلصينا!

 

حياة حافظة كتاب الله وبتصلي وذكر الله في جلبها ولسانها, واللي زي دي متحصنة من فعل أبالسة الجن, لكن أبالسة الإنس أجوى وشرهم ما تجدر عليه أعمال

 

طب دليني يا خالة وآنا هسوي كل اللي تجوليه عاد

 

طيب..اسمعيني زين يا بت عبد ربه...جوليلي ايه اللي مخلي حياة متربعة في السرايا ؟ مش حب جوزها وأهل جوزها فيها ؟

 

ايوة, وبالخصوصي جوزها واخته اللي اسميها جميلة

 

إبدأي بالمرة الكابيرة

الحاجة فايجة! ايوة بس آنا مالي ومالها عاد! وايه يلففنا اللفة دي كلاتها!

 

إسمعي الكلام عاد, هياجي اليوم اللي هتتشكريلي فيه يا بت الكلاف, ومين يدرى, يمكن ياجي اليوم اللي تكوني فيه انتِ الكابيرة الآمرة الناهية والكل خدامك

 

ياااااه ربنا يسمع منيكِ يا خالة سَكينة, لكن كيف طول مانا مرت شاذلي النحس ده! دي الفلوس تهرب من وشه والعز كارهه كره العداوة

 

سيبك من شاذلي ديلواك وامشي في طريجك اللي هرسمهولك زين..خطوة.. خطوة ..لحد ما تلاجي نفسك ست نجع أبو المنصور كلاته

 

جولي يا خالة سَكينة جولي

 

بكرة من الفجرية تصحي, تخبزي فاطيرتين كبارتغرجيهم سمن, وتحطيهم في صانية كابيرة ومعاهم طبج عسل اِبيض وكوز لبن كابير..تغطيهم وتطلعي على سرايا الحاجة فايجة, تصبحي عليها  وتجولي الكلام اللي هتسمعيه مني ديلواك

( أصغت صفية بكل حواسها إلى سكينة التي أخذت تصب في أذنيها أفكار هي  بالجحيم أشبه)

 

**************************************

وصلت صفية إلى باب منزلها ودلفت بهدوء وهي حذرة  وأغلقت الباب برفق حتى لا يُسمع صريره كما فعلت في لحظات الخروج..وما أن التفتت حتى تفاجأت بزوجها ينظر إليها نظرة حادة ويسألها عابساً

 

كنتِ وين؟

 

آآآشاذلي! كن..كككنت عند أمي

 

أمك! تخرجي في نصاص الليالي من غير علمي وتجولي كنت عند امي!

 

واه! في ايه عاد يا شاذلي! أمي شيعتلي مرسال وقالي أمك عيانة روحي شوفيها, ماراضيتش أصحيك وأجلج منامك, لبست خلجاتي وروحت لحالي

 

ومرسال مين ده اللي امك شيعته بعد نص الليل؟

 

يا بوووووي, عيل من عيال الجيران, شيعتلي عفريت إياك! بعّد عني الله يخليك عايزة انام عشان اصحى جبل الفجر اخبز فاطيرتين لامي

.......هي أمك عيانة صُح؟

 

اومال يعني مشيعالي في نص الليل ليه يا شاذلي!

 

سلامتها ألف سلامة

 

لساك فاكر! الله يسلمك عاد يا واد الناس

 

وهي عاملة ايه ديلواك؟

 

سايباها عيانة ومتململة ع الآخر

 

وكيف تسيبيها بس يا صفية! كنتِ خليكِ جنبيها

 

صُح!! هأ, طب دانت رمتني بكلام واعر زي الصخر من ساعة ما وعيتلي داخلة الدار من غير ما تعرف ايه الحكاية, كنت عايزني ابات برا عشان ترمي عليا يمين الطلاج ولا ايه عاد!!!

 

اخرسي يا بت إياك تجولي كديه تاني! أنا أطلجك يا صفية! أطلج روحي! هي الدنيا بعديكِ تبجى دنيا يا صفية!!

 

ههه بتحبني صح يا شاذلي؟

 

اللي معاه نعمة زييكِ وما يحبهاش يبجى راجل كافر بنعمة ربه عليه

 

.......انت بتعتبرني نعمة من ربنا عليك يا شاذلي؟

 

نعمة وربنا يديمك عليا يا صفية

 

......... تتصبح بالخير يا شاذلي

 

وانتِ من أهل الخير يا صفية

 

( دلفت صفية إلى حجرتها وهي تفكر بكلام زوجها وثنائه عليها الذي تأثرت به, قالت في سريرتها)

 

ياااااه يا شاذلي, ياه لو كنت بجلبك الكابير وبحبك ده راجل غني وعظيم ويتهزله النجع, كنت وجتها فرحت صُح بحبك وبجيت أسعد مرة في الدنيا بحالها! لكن اعمل ايه بحبك يا واد الناس وانت الفقر محاوطك بدرعاته ومحاوطنا معاك..يا ترى الدنيا هتاخدني معاك على وين يا شاذلي!! )

 

(إستلقت على الفراش الخشبي المتهالك وأخذت تفكر في كل ما دار بينها وبين سكينة وما سيتبعه من زيارة للحاجة فايقة في صبيحة اليوم التالي حتى استغرقت في نوم عميق )

********************************

قبيل الفجر استيقظت صفية وأسرعت لإعداد الفطير.أعدت كل الأشياء التي تحتاجها لعجنه وجلست أمام الموقد, تعجن وتعجن..استيقظ زوجها لصلاة الفجر فوجدها على هذا الحال فابتسم وقال

 

صباح الخير يا صفية

 

يسعد صباحك يا شاذلي

 

حسيت بيكِ لما جومتِ من جنبي جولت يبجى لازم صحيت عشان تخبز الفاطير

 

اومال, حاجة امي طالباها يبجى لازم اجوم من عز نومي واعملها

 

طول عمرك طيبة وجلبك حنين يا صفية, أنا هتوضى واصلي وأطلع ع الغيط

 

صحي العيال وخدهم معاك, آنا يمكن أتأخر عند امي

 

طيب يا صفية, بعد الصلاة هاجي اخدهم, والمغربية وانا راجع هعدي على امك اطمن عليها بإدن الله

 

تعيش يا شاذلي

 

(انصرف شاذلي وعادت صفية لإكمال ما بدأته في همة ونشاط ...وبعد صلاة الفجر عاد شاذلي واصطحب الصغيرين إلى الحقل....وأمام الموقد المستعر جلست صفية تخبز الفطائر, وما أن أخرجتها بعد أن أكتمل نضجها حتى ابتسمت وقالت)

 

يا حلاوتك يا دي الفاطير,منظره يشرح الجلب الحزين وبيشُر سمن, أحطه في المشنة واغطيه عشان ما يُبردش, وأجوم اجيب طبج العسل واحلب الجاموسة عشان اخد كوز اللبن, ربنا يجعله بفايدة عاد,,يابوي, كنت هنسى, لازمن افوت على امي جبل ما اروح للحاجة فايجة عشان أوصيها تجول لشاذلي إني كنت عنديها في الليل وإلا يعرف اني كدابة وينكشف سري

 

( قامت صفية وحلبت الجاموسة وأخذت ما أرادت من لبن وعسل وارتدت ملابسها على عجل, وضعت المِشنة فوق رأسها وخرجت قبل شروق الشمس, يداعب وجهها نسيم الصباح العليل وتصحبها  صياحات الديكة  المنبعثة من أعلى أسطح الدور الريفية البسيطة معلنة ميلاد يوم جديد..ياترى ماذا يحمل هذا اليوم لصفية ولأهل القرية!)

***************************************

وصلت صفية عند بيت أمها وطرقت الباب..سمعت الأم الطرقات, فنهضت من فراشها بتثاقل الكبر ووهن العظم واستندت إلى الجدران حتى وصلت إلى الباب, فما أن وجدت ابنتها في هذه الساعة المبكرة  حتى تفاجأت وقالت

 

صفية! ايه جابك ديلواك يا بتي؟

 

طب أوعي يامّا من جِدام الباب خليني افوت عاد

 

ادخلي يا بتي...ايه المشنة اللي على راسك دي؟

 

دا فاطير مشلتت

 

الله, ربنا يكرمك يا بتي, والله نفسي مشتهياه بجالي كاتير وما رضياش اجولك عشان ما تعّبكيش

 

واه! هو انا جولتلك جايباهولك يا امّا! ده الحاجة فايجة طالباه مني وسويته عشانها

 

الحاجة فايجة! واه! وهي الحاجة فايجة هتطلب منيكِ فاطير ليه! عنديها الخدم يعملولها اللي نفسها تشتهيه عاد

 

يا بوووي, اهي طلبته وخلاص, جالتلي عايزة تاكله من يدي, ما تسويهاش حكاية انتِ...بجولك ايه يا امّا..لو شاذلي سألك عني جوليله اني كنت عنديكِ في الليل وانك كنتِ عيانة

 

عيانة! كنتِ عندي في الليل! ...وخرجتِ من غير علم جوزك روحتي وين في الليل يا صفية وعايزاني اكدب واجول انك كنتِ عندي؟...صفية, اوعاكِ يا بتي تطاوعي شيطانك وتفرطي في عرضك عشان المال

واه! ايه اللي عما تجوليه ده يا امّا! دانت عقلك راح لباعيد عاد, ولا حاجة من اللي في دماغك دي حُصلت, أنا كنت واخدة فلوس من واحدة من غير شاذلي ما يدرى وروحت رجعتهالها في الليل, لكن حظي بجى انه صحي ودري اني خرجت فجولتله امي شيعتلي مرسال انها عيانة وروحتلها, وهو النهاردة هيعدي عليكِ المغربية, اوووف أنا ماشية رايحة للحاجة فايجة جبل الفاطير ما يُبرد

 

طب اديني حتة فاطير الله يخليكِ, ريحته جوعتني

 

واه يا امّا! جولتلك للحاجة فايجة, هبجى اسويلك فاطيرة لحالك بعدين, سلام

 

الله يسلمك يا بتي..آآآه يا صفية, ولا عمري حسيت بحنيتك يا بتي, الله يسامحك عاد

***********************************************

(وصلت صفية إلى سرايا الحاجة فايقة, دقت الجرس ففتحت لها الخادمة حورية وقالت)

 

صفية !

 

كيفيك يا بت يا حورية

 

مليحة عاد, كيفك انتِ, وايه المشنة دي؟

 

دي هَدية للحاجة فايجة, هي وين؟

 

ادخلي اجعدي, هطلع أناديهالك عاد

 

طيب. يا بوووي دراعي كان هيتخلع من مُطرحه, أما الحط المشنة الفقرية دي ع الطرابيزة

 

(تضع صفية المِشنة على الطاولة وتستدير متأملة المقاعد الحمراء الأنيقة المطعمة باللون المذهب, تجلس وأعينها تدور في انبهار إلى مظاهر الترف فتتنهد متحسرة وتتمتم قائلة)

 

آآآه يا صفية, والله ما يليج بيكِ غير سُكنة الجصور والدوس ع الحرير, لكن نجول ايه في البخت المايل عاد..يعني كان فيها ايه بس لو اتولدت في سرايا زي دي وكان الحاج ابو الحجاج بوي ولا حتى عمي, وساعتها كنت عيشت في سرايا زي دي وعندي الخدم والحشم بدل جميلة اللي شايفة روحها ع الفاضي دي!

 

( ظلت صفية كعادتها تبث أحقادها إلى نفسها وقلبها يغلي كالمرجل داخلها ..بينما صعدت الخادمة حورية لتخبر الحاجة فايقة بوجود صفية..دلفت إلى غرفة الحاجة فايقة فوجدتها تتسامر مع ابنتها جميلة وتقول لها)

 

يعني مش هتفطري معاي يا جميلة وكل يوم تهمليني أفطُر لحالي!

 

هه كانك مش خبراني يا امّا, من ميتى بفطُر آنا! بس هشرب معاكِ الشاي

 

يا بوووي انتِ حرة

 

يا حاجة فايقة

 

عايزة ايه يا حورية انتِ التانية!

 

صفية مرت شاذلي عايزاكِ تحت

 

صفية!

 

ودي عايزة امي في ايه يا حورية؟

 

وانا ايش عرفني عاد يا ست جميلة! جايبة مشنة فوج راسها وجالت عايزة الحاجة فايجة

 

اوووف, جوليلها امي نايمة وخليها تهملنا لحالنا عاد

 

جرا ايه يا جميلة! من ميتى بنرد ضيف ياجي لحدينا!

 

يابوووي ياامّا, ما بطيجهاش يا خلج, تاجيلة على جلبي كيف الجبل

 

وهي مش جيالك عاد, جيالي آنا, أنا نازلة

 

طيب يا امّا

غمغمت جميلة:

تكون جاية ليه البت دي وعايزة امي في ايه! ربنا يستر عاد

*********************************

 

 ما أن لمحت صفية الحاجة فايقة حتى انتفضت من مقعدها وهرعت إليها واحتضنتها وانهالت عليها قبلات وهي تقول:

 

يا حبيبتي يا حاجة فايجة، والله روحي بترد فيا ساعة ما بوعالك جِدامي, طب والله وأحلفلك بألف يمين إنتِ غلاوتك في جلبي فوق غلاوة أمي بكاتير

 

هه يسلم جلبك يا بتي, كتر خيرك يا صفية, اجعدي ارتاحي

 

يريح جلبك ويفرحك بالست جميلة, وبخلفة واد من صلب كامل بيه..ودي تبجى الفرحة الكابيرة صُح

 

آآآآه يا بتي, ما تجلبيش عليا المواجع, سبحان من مصبرني

 

حاسة بيكِ وربي عالم, ممم هنجول ايه عاد ! بيحب حياة ومش عايز الواد إلا منيها

 

ايوة, بيحبها... زي اللي سحراله..تشربي ايه يا صفية؟

 

لاه, آنا لا جاية اشرب ولا جاية اتضايف, آنا هحكيلك على حلم زين شوفتهولك

 

حلم شوفتيه ليا آنا؟

 

ايوة يا حاجة..جال ايه, شفتك لابسة أبيض في أبيض, ووشك كيف البدر الله أكبر, وبتجوليلي, بت يا صفية, أنا نفسي آكل فاطير من عمايل يدك وتغمسيه في العسل وتوكليني في خشمي, وتشربيني بعديه لبن حلباه بيدك, روحت صحيت من عز نومي وجولت وعزة جلال الله لازمن اعمل الفاطير للحاجة فايجة ومعاه العسل واللبن ووكلها بيدي في خشمها

 

هه واه! والله جلبك فيه الخير يا بت يا صفية, طب ايه رأيك كنت ناوية النهاردة اجول للبت حورية تسويلي فاطير

 

هه شوفتي كيف يا حاجة جلبي حاسس بيكِ وعارفة نفسك في ايه وحلمت بيه كماني!..استني هجيب المشنة ..أها..شوفي الفاطير شكله يفتح النفس كيف!

 

أي والله يا صفية, شكله وريحته جوعوني عاد

 

طب يلا بسم الله, اغمسلك لجمة فاطير بعسل, أها, افتحي خشمك المنمنم ديه يا حاجة

 

هه هتوكيلني في خشمي كماني!

 

أومال! زي ما شفت في الحلم هعمل, يلا افتحي خشمك عاد

هه أها

 

بسم الله .....ايه رأيك يا حاجة ؟

 

الله..حلو زي الفل يا صفية, تسلم يدك

 

تسلمي وتعيشي يا حاجة, اشربي شوية لبن من يدي

 

لبن كماني!

 

كله من خيركو يا حاجة, هو لولا الجاموسة اللي عطاهالنا كامل بيه كان يبجى حدانا لبن ولا شوفناه!

 

ما تجوليش كديه يا بتي, شاذلي واد عم كامل وزي خوه, وده واجب عليه

 

الله لا يحرمني من حنيه جلبه..يا خسارة

 

خسارة ايه يا بتي؟

 

بصراحة يا حاجة كل ما بوعى لكامل بيه لحاله من غير واد جلبي بيتجطّع عليه

 

آآآه اومال آنا أجول ايه بس يا صفية يا بتي! الله يراضيه ويبل ريجه بالواد

 

بس الله يخليكِ يا حاجة ما تجولي للست جميلة على اللي انا جولته ده, انتِ خابراها تحب حياة كيف وهتخرب الدنيا وتبهدلني لو دريت إني بجول كديه

 

لا ما تخافيش يا بتي, آنا عارفة ان جلبك علينا ونفسك تفرحي بواد لكامل

 

ربنا العالم بجلبي عاد يا حاجة..يلا نكمل الفاطير والعسل عاد, يلا افتحي خشمك

 

أها

 

 وبينما كانت صفية تطعم الحاجة فايقة الفطير والعسل في فمها لمحتها جميلة من أعلى الدرج، فأسدلت حاجبيها في عجب ...نزلت لتتبين الأمر الذي أدهشها. وقفت عن قرب ولم تنتبه صفية,,قهقهت وقالت ساخرة:

 

ايه الحنان ده كله يا صفية!

ست جميلة! صباحك زي الفل

 

ايه حكايتك يا صفية! جاية ع الصبح يعني وجايبة فطور وبتفطري امي بيدك

 

لا حكاية ولا حاجة يا ست جميلة, حلمت بالحاجة عايزة تاكل فاطير من يدي, جومت سويته وجبته لحديها

 

صُح! هه واشمعنى امي اللي حلمتي بيها عاد؟

 

واه! هو الواحد منينا بيختار يحلم بمين يا ست جميلة!

 

صُح على رأيك عاد, بس اللي يحلم,يحلم حلم على جديه, مش كديه ولا ايه!

 

...........جصدك ايه يا ست جميلة؟

صاحت الحاجة فايقة بابنتها:

جميلة, وبعدهالك عاد, صفية كتر خيرها جايبالي حاجة نفسي فيها, ايه اللي حُصل!

 

ما حصُلش حاجة يا امّا, أنا هلبس ورايحة لحياة مرت اخوي اطمن عليها وهاخد معاي حورية...... بت يا حورية

 

نعمين يا ست جميلة

 

ادبحي كام فروجة ونضفيها عشان رايحين لستك حياة

 

من عيني حاضر

 

صعدت جميلة إلى الدور العلوي في تجاهل لصفية... وبقت صفية تتبعها بنظرة غل متقدة..فقالت لها الحاجة فايقة:

 

معلش يا صفية, ماتاخديش على خاطرك, جميلة طيبة بس هي طبعها حامي حبتين

 

ما حصُلش حاجة يا حاجة, آنا ابلع الزلط لأي حد من ريحتك بس انتِ تبقي راضية عني

 

الله يرضى عنك يا بتي

 

طيب أنا هجوم يا حاجة عشان الحق اعمل لقمة لشاذلي والعيال

استني يا صفية, هنادم ع البت حورية تجيبلك شوية فاكهة للعيال

 

لاه, والله أبداً, هو آنا جاية عشان كديه عاد! فوتك بعافية يا حاجة

 

الله يعافيكِ يا بتي...يا بوي على طيبتها صفية, أطلع اشوف جميلة وعمايلها اللي بتكدرني بيها كل ساعة والتانية ديه

 

***************************************

فتحت الحاجة فايقة باب غرفة جميلة بعنف وصرخت بها:

 

ايه اللي سوتيه في صفية ده! بدال ما تجوليلها كتر خيرك افتكرتي امي وجاية تراضيها وتجبري خاطرها!

 

البت دي مجيتها مش مريحاني, وبعدين ايه الكلام المخربط اللي عما تجوله ده! حلم ايه اللي حلمته بيكِ , وبعدين ايه حكاية انها توكلك في خشمك ديه!

 

كتر خيرها, شفت منيها حنية ما شوفتهاش من بتي ولا من مرت ابني, عمرك شفتِ في يوم حياة جاية لحدي مسويالي وكل وبتوكلني في خشمي!

 

آه , أهي بشاير الست صفية بانت عاد, ما وصلتش دارها والبيت جام حريقة وجلبتي عليا وعلى حياة الغلبانة اللي ماشوفتيش منيها غير كل خير وما بتجوليش غير حاضر وطيب ولا يوم زعلتك منيها رغم انك بتقسي عليها كاتير

 

يا بووووي, كل كلمة نجولها تحشري حياة في النص, والله ما عارفة هي مسويالك انتِ وخوكِ ايه!..وبعدين انتِ لابسة ورايحة على وين كديه؟

 

ما جولتلك يا امّا هاخد حورية ونروح لحياة

 

لاه, ما ريحاش

 

واه! ليه بس يا امّا؟

 

اهو كديه وخلاص, سَمَعتِ في يومك ديه ولا ماسمعتيش!

 

حاضر يا امّا، حاضر..طيب والفروجات اللي جولت لحورية تدبحهم؟

 

مالكليش صالح بيهم, آنا هشيعهم لأي حد غلبان, هي حياة كانت ناجصة فروجات ولا خوكِ حارمها من حاجة! واكلة خيره ومتربعة في سرايته وبلياه بتلات بنات

 

لا حول ولا قوة إلا بالله, هي البنات بجت بلاوي يا امّا!!

 

بعدي عني, انا مهمللاك الدار ورايحة ازور الحاجة سميحة بت خالي, بعدي

 

بعدت يا امّا, اوووف منك لله يا صفية, آنا كنت خابرة ان زيارتها ما هتعديش على خير

**********************************


 وفي الحقل كان شاذلي بجوار ماكينة الري يروي الأرض وطفلاه يلعبان وقد طغى صوت الماكينة على صوت مرحهما وضحكاتهما, ووقتئذ اقتربت سيارة السيد كامل ابن عمه ومالك الحقل الذي يعمل فيه أجيراً, نزل عن سيارته مبتسماً وقال:

 

الهمة يا واد عمي

 

كامل بيه! يا مُرحب يا واد عمي, مبروك العروسة اللي جاتك

 

الله يبارك فيك يا شاذلي

 

والله كنت هاجي لحديك اباركلك بس اديك شايف المشاغل, ويادوب والله يا واد عمي اروح الدار أكل لقمة واتلجح ما ادراش من التعب

 

الله يعينك يا شاذلي, حياة جالتلي إن مرتك جاتها وعملت الواجب معاها

 

واجب ايه يا واد عمي! كله من خيرك

 

تعيش يا شاذلي, واه! دول حسن ومحمود بيلعبوا هناك...يا حسن, يا محمود, تعالوا يا ولاد

 

 هرع الصغيران إليه فرحان, فقال حسن:

 

كيفك يا عمي كامل

 

الحمدلله يا حسن, كيفك انت يا ولدي

 

الحمدلله

 

وانت ازيك يا محمود

 

الحمدلله مليح, كنا عنديك في السرايا, دي حلوة جوي وكابيرة كد الدنيا كلاتها

 

هاهاها صُح؟

 

امتعض شاذلي وقال معنفاً ولده الأصغر:

 

واد يا محمود, عيب كديه

 

هو انا جولت ايه عاد!

 

ايه يا شاذلي! الواد ما جالِش حاجة عفشة, عيل وبيتكلم ع اللي شافه بعينيه

 

 أخرج السيد كامل محفظته وجذب منها بعض النقود وابتسم وقال لحسن:

 

خد دول يا حسن

 

لاه,لاه

 

خد يا واد عيب,آنا عمك مش غريب, جول حاجة لولدك يا شاذلي

 

خد من عمك يا حسن

 

حاضر يا بوي, متشكر يا عمي كامل

 

العفو يا ولدي, وانت يا محمود, خد دول

 

هات.... يا بوووي!!! دول كاتير جوي! هاجيب بيهم حلاوة كاتير بدل اللي امي خدتهم من خالتي حياة وما رضتش تجيبلي بيهم حلاوة

 

هاهاها, هات اللي انت نفسك فيه عاد..مش عايز حاجة يا شاذلي؟

 

كتر خيرك يا واد عمي

 

 انصرف السيد كامل وعاد شاذلي لعمله والطفلان لمرحهما....أثناء لعبهما قذف محمود الصغير حذاء أخيه في ترعة المياه فانزعج حسن الكبير ونهر أخيه:

 

بجى كديه يا محمود! امشي من غير مداسي كيف آنا!

 

هاها وآنا مالي, آنا مداسي معاي

 

آنا هجول لبوي خليه يُضربك عاد ويجيبلي المداس من الترعة....لاه, ابوي ما فاضيش, ناولني العصايا الطويلة دي, آنا هجيب المداس بيها

 

لاه ما هاجيبش هاهاهاا

 

طيب يا محمود, طيب, آنا هجيب المداس بالعصايا ولما ابوي يفضي هشتكيك ليه

 

ما هيسوليش حاجة هاهاها

 

التقط محمود العصا الطويلة ووقف على حافة الترعة محاولاً جذب الحذاء, ولكن دون جدوى, ولكنه استمر في محاولاته فانزلقت قدمه فسقط في ترعة المياه فصرخ مستغيثاً بوالده ووقف اخاه يبكيه ويستغيث:

 

يا بوي, يابوي, حسن وجع في التُرعة

 

فزع الأب وهرع مسرعاُ وهو يصرخ:

ولدي, ولدي

 وألقى بنفسه في الترعة قائلاً:

ما تخافش يا حسن, ما تخافِش يا ولدي, هات يدك, هات

جذب الأب ولده بكل قوته وأخرجه من الماء واحتضنه وبكى:

 

ليه بس كديه يا ولدي! ليه يا حسن تخلع جلب بوك!

 

بكى حسن لبكاء والده وحنانه الجارف وقال:

 

أنت بتبكي يا بوي! سامحني يا بوي, والله غصب عني, محمود رمى المداس في الترعة وحاولت اجيبه بالعصايا ما عرفتش ورجلي اتزحلجت ووجعت فيها

 

فداك مليون مداس, آنا هجيبلك واحد جاديد, بس الله يخليك ما تقرب على خطر لوحديك تاني, أي حاجة تأذيك جول يا بوي وآنا التقى الأذى بدالك يا ولدي

 

يا حبيبي يا بوي! ربنا ما يحرمني منيك

 

ولا منيك ولا من خوك وامك يا ولدي...عاجبك كديه يا محمود يا ولدي! خوك كان هيروح منينا لولا ستر ربنا

 

معلش يا بوي, ما هعملش كديه تاني

 

طيب يا ولدي...اللهم لك الحمد يارب نجيتلي ولدي, يارب احفظهملي وبعّد عنهم الأذى يا كريم يا رحيم

 

************************************

في المساء عاد شاذلي ممتقع اللون من هول ما حدث لولده. كان ممسكاً بالطفليين في يديه..حيا زوجته بصوت واهن:

 

السلام عليكم يا صفية

 

عليكم السلام.....مالك يا شاذلي وشك اِصفر؟

 

مافيش

 

دخل شاذلي إلى الغرفة مهموماً, فقال لها محمود:

حسن كان هيغرج في الترعة النهاردة يا امّا وابوي طلعه

 

شخصت عينا صفية هلعاً وضربت بيدها على صدرها وضمت ولدها بلهفة وقالت:

حسن,اسم الله عليك يا حبيبي, انت بخير يا ولدي؟

الحمدلله يا امّا, ما تتخلعيش كديه

 

الحمدلله يارب, الحمدلله, عين حسود وصابتنا, أكيد عين اللي ما تتسمى حياة,الله أكبر على ولادي الله أكبر, أما ادخل اشوف بوك المهمل اللي كان هيضيعك ده

 

اندفعت صفية حانقة إلى الغرفة فوجدت شاذلي مستلقياً على الفراش ولم يستبدل جلبابه فصرخت في وجهه:

ولك عين تنام كمان! اديك الولدين أمانة تقوم تفرط في واحد فيهم وتغرجه في الترعة! كنت وين انت لما ولدي وجع في الترعة؟

 

وطي صوتك يا صفية واتكلمي معاي زين, آنا مش عيل جدامك عشان تعلي صوتك عليّ, انا راجلك ولازمن تحترميني

 

احترمك! تموت ولدي وعايزني احترمك! طب ويمين بالله لو كان ولدي جراله حاجة ما كان يكفيني عمرك جصاد عمره

 

يا بوووي, آنا مهملك الدار ورايح اجعد ع الجهوة

 

روح مطرح ما تروح, اعوذ بالله منك راجل

 

**************************************

 

عندما انتصف الليل كانت والدة صفية مستلقية على فراشها تسبح وتستغفر, وفجأة ...سمعت صوت مفتاح يدور في الباب..دب الخوف في قلبها وقالت بصوت مرتعش

 

مين...مين بيفتح؟

 

دلف رجل يرتدي جلباباً ومتلثماً بتلفيعته ,وقال:

آنا بدران يا امّا

 

ولدي, بدران, يا حبة جلبي يا ولدي

 

اتوحشتك يا امّا, يدك احب عليها

 

تعالى في حضني يا ولدي, تعالى في حضن امك العطشان لضمتك يا ضي عيني

 

أمّا,يااااه يا امّا, وحشني حضنك يا غالية, اتوحشتك يا امّا, اتوحشتك

 

آآآآه يا ولدي, اجول ايه غير الله يسامحك عاد, انت اللي حرمتني منيك وحرقت جلبي, كان لزومها ايه بس سكة الحرام اللي ماشيت فيها! مالك ومال السرجة والنهب يا ولدي!

 

اومال كنتِ عايزاني اموت من الجوع يا امّا!  ابوي لا ساب لنا مال ولا طين, ما سابِش غير البيت ابو حيطان مشققة ديه, كنتِ عايزاني اكسر الحيطان واكل طوب يا امّا ولا اشتغل كلاف مواشي زي بوي واعيش واموت بين البهايم!

 

الشغل الحلال لا عيب ولا حرام ولا يتعير بيه صاحبه, ما يعيبش البني أدم إلا الحرام وسكته يا ولدي

 

لاه يا امّا, الفقر عيب وحرام يامّا, وآنا عمري ما كنت هرتاح في الفقر ولا اصبر عليه

 

......ومرتاح ديلواك يا ولدي؟ مرتاح وانت هربان وما جادرش حتى توري وشك لحد وجاي متلتم!!

 

ايوة مرتاح يا امّا

 

وهتفضل معاشر الديابة في الجبل لحد ميتى يا ولدي ؟

 

عشرة الناس مش لزماني, لا حد هينفعني ولا حد هيمدلي يده..عشرة الديابة ارحم, وكهف الجبل أرحب, ومالي في الدنيا خل وفي غير سلاحي

 

........جلبك جسي يا ولدي

 

إلا عليكِ إنتِ يا امّا..اتوحشتك يا غالية, غلبني شوقي ليكِ يا امّا ونزلت من الجبل عشانك, جولت هشوف امي يعني هشوفها حتى لو كان التمن رصاصة تسكن جلبي

 

بعد الشر عليك يا ولدي. يسلم عمرك ويهديك يا بدران

 

كفاكِ دموع يا امّا الله يخليكِ

 

وآنا باجيلي ايه غير الدموع يا ولدي! عايشة لوحدي ولا كاني ليا عيال على وش الدنيا

 

واه! هي صفية اختي ما بتاجيش تزورك ولا ايه؟

 

......صفية!! الله يهديها ويكفيها شر نفسها..لو جت تاجي زي الضيفة الغريبة, لا تسألني كلت ولا شربت ولا يهمها حالي

 

واه! اومال مين بيطبخلك يا امّا؟

 

الحمدلله مستورة, صفية كانت جايبالي زلعة المش اللي هناك دي, وكل كام يوم تجيبلي كام رغيف عيش, واهم بيكفوني

 

ايه اللي بتجوليه ده يا امّا!! يعني ما تعطكيش من الوكل اللي بتاكله؟

 

يا ولدي الله يكون في عونها, جوزها ظروفه ضيجة ووراهم هم العيال والمصاريف كاتير

 

الله يفقرها كمان وكمان أم جلب اسواد مافيهوش رحمة ولا حنية

 

بعد الشر, ليه يا ولدي تدعي على اختك!

 

اومال عايزاني اعمل ايه يا امّا لما اشوف قلة أصلها معاكِ! يعني هتفتقر على فقرها لو طبختلك لقمة مليحة تاكليها! ولا جوزها هيزيد عوزة على عوزته!!

 

معلش يا ولدي, كل بني أدم وظروفه عاد وربك يساعد الكل على حاله

 

طيب يا امّا, آنا لازم أعاود الجبل  ديلواك قبل ما حد يوعالي

 

استنى يا ولدي,استنى ما شبعتش منيك

 

معلش ياامّا, هاجيكِ تاني عن جريب..خدي الفلوس ديه خليها معاكِ وشيعي حد من الجيران يجيبلك لحم وخضار

 

لاه,لاه, حد الله بيني وبين المال الحرام

 

يا امّا حرام ايه وحلال ايه يا امّا!!دانتِ وشك اِصفر من قلة الوكل

 

ولو هموت من غير وكل ماحطش في جوفي لقمة حرام

 

يا بوووووي, براحتك يا امّا,آنا ماشي

 

مع السلامة يا ولدي, خلي بالك من نفسك يا بدران

 

 ترقب بدران الطريق وتسلل إلى الخارج وأجهشت الأم العجوز بالبكاء

 

*************************

توجه بدران إلى بيت أخته صفية وطرق الباب برفق حتى سمعت, فقد كانت مستيقظة بينما نام الجميع يقض مضجعها التفكير ..اتجهت نحو الباب متسائلة بصوت خافت:

 

مين؟

 

بدران, افتحي

غمغمت دهشة:

بدران خوي! ايه اللي جابه ده!

فتحت الباب وقالت:

ادخل يا بدران..كيفك يا خوي, اتوحشتك

 

عندك احساس جوي وبتتوحشي الغايب!

 

واه! انت جاي بعد الغيبة دي كلاتها عشان تكشر في وشي وتجولي كلمتين ماصخين!

 

لا هجول ولا هعيد..أنا عارف ان الكلام ما هيجيبش نتيجة, كنت عند امي وجالت انها عايشة ع المش والعيش الناشف, وان ما حدش بيحن عليها بلقمة مليحة, وما رضيتش تاخد مني فلوس, بتجول على مالي حرام, خدي انتِ الفلوس واشتري لحم وخضار وفواكه وأكلي امي, وما تجوليش الفلوس من بدران, سامعة؟

 

طيب يا خوي

 

أنا ماشي

 

سلام يا بدران

أخذت تطلع إلى المال بعشق وتقول:

..أمي ما عايزاش الفلوس عشان حرام! أخدها آنا, جطعتي برزقك يا امّا...أبقى افوت عليها بكرة أوديلها فروجتين من عندي والله يعوض عليا عاد

 

*********************************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

********************************************

إلى حضن الجبل عاد بدران, دخل على رجاله ملقياً السلام  فقام الهاجع واعتدل المتكيء إجلالاً له , وردوا السلام, فقال خليل  وهو بمثابة ذراعه الأيمن:

جلجت عليك يا كابير, من بدري وآنا اجول ميتى يعاود

 

اديني عاودت يا خليل

 

كيفها امك؟

 

مرضانة ووشها اصفر وصوتها ما طمنيش, حاولت اديها فلوس ما رَضَتش, سيبتهم لاختي عشان تجيب لها وكل وتشوف ايه اللي ناجصها

 

وهي اختك مهملاها لحالها ؟

 

اختي! آآآه يا صفية, عمري ما ريت في جسوة جلبها وخصوصي ع امها, طول عمرها مش في طوعها ولا مريحاها , وحتى لما امي كبرت ومرضت ما درياش بيها ولا بتسأل عنيها

 

يا بوي! والله لو كان ينفع كنت جولتلك هات امك اهنيه واحنا نراعيها, ما يحسش بجيمة الأم إلا اللي اتحرم منيها زي حالاتي.....آآآه يا امّا, يا اما جالتلي بلاش سكة الحرام يا ولدي, ربي ولدك بالحلال وصون مرتك , أوعاك تغضب ربك, وياما كانت تدعيلي بالهداية...ماتت ومات معاها كل الدعا والخير, وما بجاش حد يفتكرني بدعوة  

 

كيف تجول كديه يا خليل! احنا النجع كلاته بيدعي علينا

 

 انفجر الجميع بالضحك..مضوا ليلتهم في احتساء الشاي والسمر

 

 

**********************************************

وفي صبيحة اليوم التالي, وقفت صفية تعد لأمها الدجاج على مضض وهي تتأفف, خرج شاذلي من غرفته وقد هيأ نفسه للذهاب إلى الحقل, اقترب منها مبتسماً, فما أن لمحته حتى قطبت جبينها ولم تعره اهتماماً, فقال لها متودداً

 

صباح الخير يا صفية

 

أهو صباح وخلاص عاد

 

...اومال فين حسن ومحمود؟

 

راحوا عند الشيخ سلطان يحفظوا القرآن زي ما شورت عليهم انت

 

لساكِ زعلانة مني من ليلة امبارح؟

 

بعد عني يا شاذلي الله يخليك وهملني لحالي

 

والله ما خابر يا صفية ازاي تتهميني اني جصرت مع ولدي وما وعتلوش زين, يا بت الناس الولدين كانوا عم يلعبوا وعيني عليهم في الروحة والجاية, واللي حصل ده حصل  في غمضة عين, كله من ولدك الصغير, هو اللي رمى مداس خوه في الترعة

 

آه, طلع نفسك منيها ولزِجها في محمود عاد

 

والله يا صفية ربنا العالم بالخلعة اللي اتخلعتها ع الواد عاد, ما دريتش كيف نزلت الترعة وراه وشديته ..أبقى  انا برديك غلطان يا صفية!

 

غلطان من ساسك لراسك, وهملني عاد عشان عم اسوي فروجة لامي

 

يا سلام عليكِ وعلى حنية جلبك يا صفية! ربنا يحنن جلبك عليا زي ما هو راضي وحنين ع الكل...أنا رايح الغيط, وادي مصروف البيت النهاردة

 

هات

 

ما ريداش حاجة تاني؟

 

هأ! وحتى لو رايدة, حيلتك ايه انت عشان تعطيهولي عاد!

 

....... سلام يا صفية

 

أوف, ما تستوي يا فروجة انتِ التانية

 

أعدت صفية الدجاجة على عجل وبغير اهتمام وذهبت إلى والدتها مغتاظة ...وما أن فتحت والدتها الباب حتى دخلت مندفعة وعلا صوتها قائلة:

 

يعني يصح اللي حصل منيكِ ده يا امّا؟

 

حُصل ايه يا بتي؟

 

عم تشتكيني لبدران خوي وتجولي صفية ما بتوكلنيش وصفية مجصرة معاي وصفية وصفية!!!

 

والله يا بتي ربي شاهد لا اشتكيت ولا جيبت سيرتك بردي, خوكِ هو اللي سألني مين بيطبخلك يا امّا ومين بيوكلك,جولتله عندي زلعة المش وصفية بتجيب العيش, وجولتله الله يعينها على حالها وعلى عيالها,غلطت في ايه آنا يا بتي؟

 

أوف, ما غلطتيش يا امّا, كلكو ما بتغلطوش وصفية هي الشيطانة أم طبع ردي اللي في وسطيكو, تعدموا صفية عشان ترتاحوا

 

بعد الشر عليكِ يا بتي, ليه كديه! ابوس يدك ما تدعيش على روحك تاني, عيالك عايزينك

 

وآنا ما عايزاش حد, خدي, فروجة اهيه بحالها جيبتهالك,كليها يا امّا,كليها وسدي خشمك بيها عشان ما تشتكيش مني تاني, يا بوووي, آنا ماشية

 

خرجت صفية من المنزل كالإعصار الأسود..وانهمرت دموع والدتها تبكي بحرقة وتقول:

 

الله يسامحك يا بتي, ليه يا صفية كديه! دانتِ بتي اللي ما حيلتيش غيرها,لو مالاجيتش الحنية عنديكِ هلاجيها عند مين عاد!..الله يسامحك يا بتي, الله يسامحك

 

*****************************************

 

وفي طريقها إلى بيتها تسمع صوت مذياع ينبعث من أحد الدور يبث هذه الآية الكريمة بصوت جلي

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا, إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)

 

 

تأففت صفية وصمت أذنيها بكلتا يديها وقالت منزعجة:

, ما عرفاش الناس عم يعلوا الصوت كديه ليه!, ما اللي عايز يسمع يبجى يسمع على جديه عاد,أوف

 

لم تقع معاني الآيات في قلبها الثمل بالشرور ولم تدرك خطاياها بحق والدتها أو تشعر حتى ولو بالقليل من الندم.....مضت في طريقها وهي تفكر في الخالة سكينة والمكائد التي دبرت للتخلص من حياة

 

***************************************

إلى  القاهرة.. توجه السيد  سلّام الرجل الثري المهيب من نجع أبو المنصور إلى زيارة سريعة  إلى شقيقه الدكتور الذي يصغره بخمس عشرة عاما عزت والذي تخرج في كلية الطب لتوه..وصل إلى منزل شقيقه في أحد الأحياء الراقية حيث قضى سنوات دراسته للطب....قرع الجرس, ففتح الباب شقيقيه وتهلل لرؤيته قائلاً:

 

سلّام خوي! ايه المفاجأة الحلوة دي! والله اتوحشتك, بالحضن ياخوي

 

بالحضن يا عزت

 

ادخل يا خوي,ادخل...تعال أجعد ع الكنبة دي, مريحة

 

الله يريح جلبك ياخوي..جيت من النجع عشان عندي شغل جنبيك اهنيه, جولت اعدي عليك اطمن على احوالك

 

الحمدلله يا خوي, تتغدى ايه؟

 

هاها وانت طابخ ايه؟

 

هاها والله ضحكتني يا خوي, طبيخ ايه عاد! كل الأكل ببعت اجيبه بالتليفون, هو انا فاضي اياك!, اجيبلك فروج مشوي؟

 

هات, حاسس بخوك وجوعه هاهااا..صُح صاحبك ده اللي اسميه محِمَد عامل ايه؟

 

تمام الحمدلله, والله هو اللي مونسني وواخد بحسي في الغربة

 

هاها! غربة! هي مصر بجت غربة!

 

معلوم يا خوي غربة, مش متغرب عن اهلي وناسي!

 

يبجى صُح حديتك انك ناوي تعيش في النجع على طول وتفتح عيادتك فيه؟

 

اومال, وهتجوز منيه كماني هاها

 

والله شكلك مختار العروسة ورابط راسك عليها

 

مش بالمعنى ده يعني, هي واحدة بت ناس وزينة بس جولت مش هتكلم عنيها ولا اطلبها إلا بعد ما اخلص دراستي, عشان في الفترة دي لو جالها النصيب مع حد غيري يبجى الله يهنيها, لكن سَمَعت إنها ما اتخطبتش عاد

 

ودي بت مين دي؟

 

جميلة بت ابو الحجاج

 

هاها, جميلة بت ابو الحجاج مرة واحدة! أتاريك مش ساهل يا واد, مال وجمال

 

وآنا ايه دخلي بالمال اللي عنديها! هو احنا شوية ولا ناجصين مال! وحتى الجمال فمصر مليانة بالبنيتا اللي اجمل منيها عاد, آنا بدور ع الأصل الطيب والأخلاق المليحة

 

عارف يا خوي, يا زين ما اخترت, البت وأهلها ونعم الناس

 

بس تفهم خوها كامل إن الجواز مش قبل سنة من ديلواك, عشان بس اكون رتبت حالي وفتحت عيادتي

 

ع البركة.. كنت ناوي ازور كامل عشان اباركله على البت اللي ربنا رزقه بيها, تبقى الفرحة فرحتين واخطبلك منيه جميلة

 

وانت معاود النجع ميتى ؟

 

مستعجل؟

 

يعني يا خوي هاها

 

بكرة آخر النهار إن شاء الله معاود ع النجع, أول ما اوصل هطلع على سرايته

 

إن شاء الله, ثواني اطلب الفروج

 

وقبل أن يتوجه عزت إلى الهاتف, دق جرس الباب..فقال)

 

أروح اشوف مين ع الباب في الاول

 

************

فتح الباب فألفى صديقه محمد:

واه! ده محمد, يا ريتنا افتكرنا حاجة مليحة عاد هاهااا

 

بقى كدة! هاهااا يا ابني هو حد بيسأل عليك غيري!

 

ذلني بجى هاهااا, ادخل سلم على خوي سلام يا محمد

 

هو هنا! أنا حاسس برضو إن في حد معاك, اوعى اما ادخل اسلم عليه

 

*****************************

أهلاً,أهلاً, السلام عليكم يا أستاذ سلام

 

الله يسلمك يا داكتور مِحمد,شاحوالك؟

 

الحمدلله تمام, نورت مصر

 

منورة بأهلها وناسها الزين

 

الله يكرمك يارب

 

خوي سلام كان لساه عم يسأل عليك يا محمد

 

متشكر قوي يا أستاد سلام, كلك ذوق والله

 

تعيش يا داكتور..وانت ناوي تفتح عيادتك وين؟

 

لا أنا ناوي أسافر أكمل دراسة برا, يمكن أسافر السنة الجاية, فمش هينفع افتح عيادة واسيبها وامشي

 

ربنا ييسرلك كل أمورك عاد, لكن كيف هتسيب والدك ووالدتك! عزت جالي أنك أكبر خواتك

ايوة, ماهو أخويا الصغير لسة في ثانوي وعايش معاهم, واخواتي البنات المتجوزين بيسألوا عليهم باستمرار, يعني مش هسيبهم لوحدهم

 

طيب عال, الله يوفقك يا داكتور

 

آمين يارب

 

كنت لسة هطلب فروج مشوي عشان اتغدا انا واخوي, كويس انك جيت عشان تاكل معانا ولا مش جعان؟

 

هاها ده ايه البخل ده! انت بتتلكك يا بني انت! لا جعان بقى, وجاي أصلاً عشان اتغذا معاك

 

ايوة ما انت طول عمرك سئيل ورامي بلاك ع الناس هاها

 

هاهاااا سامع يا أستاذ سلام اخوك البخيل ده بيقول ايه؟

 

هاها بيضحّك معاك, طول عمركو اصحاب وحبايب وما تستغنوش عن بعض

 

آه والله, ربنا يعلم إن عزت ده أغلى أخ وصاحب عندي

 

والله وانت يا محمد غالي عليا, وعشان الكلمتين الحلوين دول مش هعمل حسابك في الفروج عاد هاها

 

*****************************************

( بعد تناول الغداء انصرف سلام ومكث محمد مع صديقه عزت والذي أخبره برغبته في خطوبة جميلة ابنه قريته, صدم محمد لهذا الخبر وقال وقد علا وجهه الامتعاض)

 

ايه اللي بتقوله ده يا عزت! ازاي يعني دكتور زيك وراجل متفتح يتجوز واحدة صعيدية ويعيش حياةه كلها في الصعيد!

 

ومالها بقى الصعيدية؟

 

يا عزت انت ما تعرفش طريقة تفكيرها هتبقى ازاي! هيبقى بينكم توافق وانسجام ولا لأ! اسمحلي انت كدة بتضيق دايرة حياةك وبتجني على مستقبلك

 

وليه ده كله عاد!! دانت واخد فكرة وحشة جوي عن الصاعيد هاهااا

اسمع كلامي بس, خد واحدة من بنات القاهرة تكون متعلمة ومثقفة وتتفهم طبيعة شغلك وتعيش معاها سعيد, على الأقل يا أخي هتلاقي حد يشاركك تفكيرك وتقدر تتحاور معاه

 

اسمعني انت يا محمد, الصاعيد اللي انت ما تعرفوش زين ده,فيه بنات متعلمات ومثقفات ومن عائلات كبيرة, وحتى بنات العائلات اللي على قد حالها منهم كاتير متعلمات ومثقفات وعلى قدر عالي من الوعي وحسن التفكير, عيبكو يا بتوع بحري انكو واخدين فكرتكو عن الصاعيد من المسلسلات والأفلام اللي بتسخر منيهم وبتظهرهم قدام الناس جهلة وما فكرهم محدود , زور الصاعيد واتعامل معاهم وبعدين ابقى احكم بنفسك, انت دكتور ومثقف, ما تبقاش زي الناس اللي لا شافوا ولا عاشوا وسطيهم وبيحكموا عليهم من اللي سمعوه

 

تنكر إن الصاعيد فيه التار والعصبية والتشدد؟

 

لا ما انكرش, أي مجمتع ما يخلاش من السلبيات عاد, ولا هو وجه بحري ما فهوش خلق بتأذي وخلق بتفتري وبلطجة وسلاح من غير ضابط ولا رابط!!

 

هاها لا فيها, مش هنكر

 

يبقى أي مكان فيه الخير وفيه الشر يا واد الناس..والصاعيد زي ما فيه الشر والناس العفشة فيه الخير والجلوب الطيبة

 

خلاص يا سيدي ماتزعلش, طالما مقتنع بالعروسة ماليش دعوة , هي خريجة ايه؟

 

هي خدت الثانوية العامة وما رضتش تكمل, بس ماشاء الله عليها وعلى عقلها وكمالها

 

كمالها ولا جمالها؟ هاهااا

 

التنين يا خوي هاهااا

 

هاهاا ربنا يتمملك بخير يا سيدي

 

**********************************

 

وعند عودته من الحقل في المساء, ذهب شاذلي إلى بيت والدة زوجته وقد حمل بعض الفواكه إليها ..وجد الباب موارباً, فلم يدفعه قبل أن ينادي

 

خالة  أم بدران

 

مين؟

 

شاذلي

 

أدخل يا ولدي,الباب مفتوح

 

(دلف شاذلي فاعتدلت العجوز في مرقدها..وقعت عينه على المنضدة الخشبية المتهالكة وعليها صحن به دجاجة لم يقربها أحد...حيا العجوزوجلس إلى جوارها مبتسماً)

 

كيفك يا خالة أم بدران

 

الحمدلله,مليحة يا ولدي, كيفك انت يا شاذلي؟

 

الحمدلله يا خالة,جبتلك شوية موز وبطيخة زي العسل, ما انا داري انك تحبي البطيخ

 

تعيش يا ولدي, والله تعبت حالك

 

لا تعب ولا حاجة, دانت امنا كلاتنا.. دريت من صفية انك بعافية وكنت هاجيكِ امبارح,بس حصل حاجة لهتني وخربطت عجلي

 

بعد الشر عليك يا ولدي, خير؟

 

ابداً, الواد محمود بيشتشاقى كاتير وكان هيضر اخوه الكابير

 

الله يهديه محمود, كبر يكبر ويعقل

 

سبحان الله, أخوه حسن الكابير ربنا هاديه ومعقله من يومه, مع انهم اخوات بس الفرج بيناتهم كابير

 

مش بيحولوا البطن جلابة عاد! ما يتشترطش إن الخوات يبجوا زي بعضيهم, تلاجي المهدي منيهم واللي راكبه شيطان,وربك قادر يهدي الجلوب عاد يا ولدي

 

ادعيلهم يا خالة بالصلاح

 

يصلح حالهم ويهديهم ربك يا ولدي..أنت طيب ومليح وعمرك ما أذيت حد يا ولدي

 

تعيشي يا خالة..هي دي الفروجة اللي جابتهالك صفية؟

 

.....ايوة

 

اومال ما كلتيش ليه يا خالة؟

 

نفسي مش جابلاها يا ولدي, كلت لقمة بمش وحمدت ربي, خد الفروجة معاك للعيال

 

لاه, كيف كديه! دي صفية عاملاها بالخصوص عشانك

 

.......كتر خيرها , معلش يا ولدي, خدها معاك, لو فضلت كديه هتخرب وما تترمي,خسارة

 

لا والله يا خالة لتاكليها, طب هأكلهالك بيدي

 

(أمسك شاذلي بالدجاجة فوجد لحمها يابساً لا يقطع بسهولة دلالة عدم اكتمال نضجها..امتعض من صنيع زوجته ولكنه لم يبد ذلك لوالدتها, وحاول أخذ بعض النسائر منها , ودفع بإحداها إلى فم العجوز وأقسم عليها, ففتحت فمها لأجله..ولكن لم تستطع أن تمضغ نسيرة الدجاج فقالت

 

سناني ما جدراش عليها يا ولدي, ما عرفش اكل إلا الوكل الطري اللي اجدر امضغه..معلش, لجمة مش مجسومالي, رجعها لصفية تسويها وتوكلها للعيال

 

.....معلش يا خالة, صفية اصلها كانت تعبانة من شغل الدار الكاتير وعشان كديه ما جدرتش تسويها...طيب هجشرلك موزة....اتفضلي وما تكسفيش يدي

 

يزيدك من فضله يا ولدي..هاكلها بس اسمع كلامي ورجع الفروجة لصفية

 

حاضر, آنا هخليها تعملك احسن منيها

 

لا يا ولدي, كتر ألف خيرك , ما عايزاش

 

*****************************************

عاد شاذلي بالدجاجة إلى صفية عابساً, وضعها على المنضدة ولم يتكلم ..فنظرت إلى الدجاجة ثم نظرت إليه متسائلة:

 

ايه دي!

 

ما عرفاش ايه دي! دي الفروجة اللي ودتيها لامك, يا شيخة حرام عليكِ, مودية فروجة شكلها يسد النفس وكيف البلاستيك ما تتاكلش! هي امك عنديها سنان تاكل فروجة زي دي!

 

واه! هي امي ما نوياش تبطل شكاوي مني للرايح والجاي ولا ايه!!!

 

امك لا اشتكت ولا اتكلمت ولا حتى مدت يدها ع الفروجة, آنا اللي غصبت عليها ولما جيت أوكلها ما جدرتش تمضغها, وجالت رجعها لصفية تسويها للعيال

 

عملت طيب, العيال اولى.  اصلها امي هتفضل كديه, ما عاجبهاش عميل حد ولا مجايب حد, ما جدراش إلا ع الشكوى والبكا

 

يا صفية امك كبرت وعايزة اللي يراعيها, وانتِ بتها الوحيدة, ولازمن تحني عليها....ايه رأيك نجيب امك تعيش معانا هني؟

 

ايه! تجيبها وين! بجولك ايه يا شاذلي, فضك من تخاريف آخر الليل دي واتمسى

 

تخاريف! آنا بخرف يا صفية!

 

معلوم بتخرف. اسمع يا شاذلي, امي كلامها كاتير وما بتجعدش في حالها, هتفضل تجول مسوية ديه ليه وما سوتيش ده ليه, وتمرر عيشتي اكتر ما هي مرة

 

عيشتك مرة! بتسمي عيشتك معاي مرة يا صفية!

 

يا بوووي, انا بجول على امي, بتدخل نفسيك في الحديت ليه انت! اوعى اما اسوي الفروجة للعيال ياكلوها

 

أوف, الله يهديك يا صفية,,لا نافع معاها كلمة مليحة ولا بتلين جلبها معاملة زينة

 

*********************************************

 

عاد السيد سلّام إلى القرية, وتوجه بسيارته إلى سراي صديقه السيد كامل ليهنئه بمولدته ويخطب أخته إلى أخيه ...فتحت له الخادمة نعمة وتهللت لرؤيته قائلة

 

واه! سلّام بيه!اتفضل يا بيه اتفضل

 

كيفك يا نعمة ؟

 

الحمدلله مليحة, اتفضل في المندرة عبال ما اطلع ابلغ كامل بيه

 

طب خدي دول عشانك

 

ياخد عدوينك يارب ويكتر خيرك, بالإذن يا بيه

 

هرولت نعمة وصعدت الدرج بينما دلف السيد سلام إلى مجلس الضيوف ينتظر

 

*************************************

طرقت نعمة باب غرفة السيد كامل وزوجته وهي تنادي اسمه عدة مرات على عجل

 

كامل بيه, يا كامل بيه, كامل بيه

 

في ايه يا بت يا نعمة؟

 

سلّام بيه واد الحاج مطاوع مستنيك في المندرة

 

واه! هاها, طيب, انزلي يابت واعملي اتنين شاي مظبوطين وانا نازل وراكِ

 

طيب يا بيه

 

ناوليني جلابية غير دي يا حياة عشان انزل لسلام

 

ممم جالك حبيبك يا خوي! يا حظك يا حياة, دانا جولت كامل جاي بدري وعالية نامت في اوضة خواتها و هجعد احكي معاه حكاوي السبوع كله

 

هاها الحمدلله , ربنا نجدني منيكِ

 

بجى كديه! طب ما جايباش الجلابية

 

هاها يا بت بضحك معاكِ,هو انا اطول اجعد مع حياة الجمر دي! وبعدين يا ستي هنروح من بعض وين! لما يمشي سلام نكمل حكاوي وتصدعيني للصبح هاهاااا

 

هاهاااا مجبولة منيك عاد

 

*********************************

نزل كامل مسرعاً إلى صديق طفولته سلّام ..دلف إلى مجلس الأضياف متهللاً ومرحباً:

 

ايه النور اللي فج في السرايا ديه عاد . بالحضن يا سلام يا خوي

 

بالحضن يا كامل, والله اتوحشتك يا صاحبي

 

يا راجل جول كلام غير ديه.دانت سافرت ورجعت كذا مرة ولا فكرت تعدي وتجول اطمن على صاحبي, وعرفت ان ربنا رزقني بعالية ولا جيت ولا سألت

 

هاها هو انا جابني إلا عالية! مبروك يا خوي, تتربى في عزك هي وخواتها

 

تعيش يا سلام..سمعت انك طلجت مرتك

 

معلوم

 

ليه طلجتها طيب؟

 

اعفيني يا خوي, لا حب اعيب في حد ولا حد يعيب فيا, ماحدش فينا خالي من العيوب, وربنا يسترنا ما يفضحنا ابداً

 

هاها ما تبجاش سلام لو ما عملتش كديه..ربنا يعوضك عنيها , والله لو كان حياة ليها اخت ما كنا نعزها عنيك, كفاية تكون في أخلاق حياة وطيبة جلبها

 

الله يباركلك فيها يا خوي, مرتك ست الستات  بشهادة النجع كلاته , ما في حد إلا عم يشكر فيها ,وخصوصي الغلابة اللي بتجبر خاطرهم وتراضيهم بمالها وكلامها الطيب

 

الحمدلله, حياة دي هدية من عند ربي,عمري كله ما يوفيش شكره سبحانه وتعالى ع النعمة دي

 

ربنا يديمها عليك يا كامل يا صاحبي

 

تدخل نعمة بصينية عليها الشاي وصحن من الكعك ..تضعها على المنضدة وتقول مبتسمة:

 

الشاي يا بهوات ,عايز حاجة تاني يا كامل بيه؟

 

تشكري يا نعمة

 

تخرج نعمة ..ويعود السيد كامل للترحيب بضيفه

 

مرحب يا سلام, اتفضل الشاي يا خوي

 

تعيش...كنت جايلك في موضوع اكديه وعشمي في الجبول كابير

 

خير. عايز تخطب عالية بتي؟ هاهااا ولا ما اعزها عنيك

 

هاهاااا الله يحفظهالك وتكبر وتشوفها عروسة ومن جبليها خواتها سلمى ووطفة..ندخل في الجد عاد..خوي عزت رايد اختك جميلة

 

جميلة!

 

ايه! ما رايدش نسبنا ولا ايه

 

كيف تجول كديه! دانتو ناس احسن منينا, بس يمكن هي ما ترضاش تعيش في مصر وتسيب النجع

 

ومين جال كديه! عزت هياجي النجع ويعيش هنيه على طول, ولا انت كانك مالاكش غرض؟

 

لا والله ما جصديش, دانت خوي وعزت خوي الصغير , وما هنلاجيش لجميلة احسن منيه

 

تعيش يا كامل, وهترد علينا ميتى؟

 

مش لما العريس ياجي عاد؟

 

كلها سبوعين تلاتة وجاي إن شاء الله, بس هو مكلفني أطلبها منيك عبال ماياجي

 

احنا نتشرف يا سلام, بس لازمن اعرض الموضوع على جميلة وامي

 

عداك العيب, شوف عروستنا هتجول ايه, وإن وافجت نتاقلوها بالدهب

 

قد القول يا خوي, طيب يا سلام, ربنا يقدم ما فيه الخير عاد

 

سمعت نعمة الحوار الذي دار بين السيد كامل وصديقه بشأن جميلة فهرعت إلى سيدتها حياة في الدور العلوي فرحة لتبشرها:

 

***************************

 

ست حياة, يا ست حياة

 

ادخلي يا نعمة

 

دريتي يا ست حياة! الداكتور عزت اخو سلام بيه رايد يخطب الست جميلة

 

واه! هاهاا,صُح يا بت؟

 

أي والله صُح, الكلام سمعته بوداني وجريت عليكِ عشان ابشرك عاد

 

الله يبشرك بالخير يا بت يا نعمة, طب والله لو تمت الحكاية لدي لحليلك خشمك واجيبلك اللي تطلبيه

 

مش عايزة غير اني اكون جنبك وبس والله يا ست حياة, دانتِ عوضتيني عن امي اللي ماتت وابوي اللي اتجوز وهج من النجع, دانتِ امي واختي واهلي كلهم, هعوز ايه من الدنيا بعد حنيتك عاد!

 

بس يا بت بلاش كلام ماصخ,عملت ايه هنا استاهل عليه كلامك المليح ده!

 

ربنا ما يحرمنا منك يا ست حياة يارب, آنا نازلة ليكون كامل بيه رايد حاجة

 

طيب يا نعمة ...ربنا يجعله من حظك ونصيبك يا جميلة ونفرح بيكِ يارب

 

*************************

انصرف السيد سلام وعاد السيد كامل إلى غرفته ليجد زوجته حياة تنتظره إلى جوار الباب متلهفة بابتسامة عريضة..بادرته قائلة

 

أنت رديت جولت ايه لسلام على جواز اخوه من جميلة يا كامل؟

 

واه! لحجت نعمة تجولك!

 

وهي حكاية تستخبي عاد! فرحت وجريت عليا عشان تفرحني, ها جولت ايه عاد؟

 

ما اديتلوش رد

 

واه , ليه يا كامل! ده عريس ما يترفضش

 

جنيتي يا حياة! ازاي اديه رد من غير ما اشور اختي!

 

صُح, عنديك حق, هتشورها ميتى؟ ديلواك؟

 

ديلواك الساعة عدت حداشر يا حياة, اطب عليهم ديلواك اصحيها هي وامي واخلعهم! الصبر طيب, في المغربية  وانا راجع بكرة هعدي عليهم

 

واه! المغربية! والله انتو يا رجالة عليكو طولة بال ما اعرف جايبينها من وين!

 

هاها اومال زيكو يا حريم! ما تعرفوش تصبروا عن حاجة واصل!!

 

تطرق سلمى ابنتهما الكبرى الباب وتقول:

 

أمي

 

ادخلي يا سلمى

 

عالية عما تبكي وما عارفينش ننام منيها

 

طيب طيب, هاجي ارضعها . روحي انتِ يا حبيبتي

 

تتصبح بالخير يا بوي

 

وانت من أهل الخير يا بتي

بجولك ايه يا كامل, آنا كنت رايدة ازور امك في الصبح

 

واه! اشمعنى!

 

بجالي ياما ما شوفتهاش عاد, اخاف تجول حياة ما بتسألش عني

 

ولا عايزة تروحي عشان تجولي لجميلة ع العريس؟

 

واه! آنا! اخص عليك

 

طب شوفي, تروحي وتاخدي جعدتك وترجعي ع السرايا من غير ما تنطُجي بكلمة عن العريس لحد ما اشوف جميلة واتكلم معاها بنفسي

 

أمرك يا كامل

***************************

 وفي الصباح أسرعت حياة إلى سرايا والدة زوجها , وما أن رأتها حتى حيتها قائلة:

 

السلام عليكم يا حاجة

 

واه! حياة! عليكم السلام, جايانا بدري يعني!

 

اتوحشتكو يا حاجة جيت اطل عليكو

 

فيكي الخير يا مرت ولدي, كيفه كامل والبنات ؟

 

الحمدلله, كامل هياجيكو مع المغرب كديه إن شاء الله

 

ينور

 

وينها جميلة؟

 

في اوضتها

 

طيب هطلع اصبح عليها, بلإذن يا حاجة

 

إذنك معاكِ عاد...ايه اللي جايبها بدري ديه!

**************************

كانت الخادمة حورية ترتب دولاب جميلة حينما طرقت حياة الباب ونادت:

 

جميلة

 

حياة مرت خوي حبيبتي هاها ادخلي يا غالية

 

السلام عليكم, كيفك يا جميلة

 

عليكم السلام يا حياة, والله اتوحشتك, تعالي

 

اتوحشتك اكتر يختي..ازيك يا حورية

 

يا مرحب يا ست حياة, اتوحشناكِ

 

ما تشوفيش ردي يا حورية..ممم جميلة, كنت عايزاكِ في كلمتين

 

ممم طيب..بت يا حورية, انزلي انتِ ديلواك شوفي امي إذا كانت عايزة حاجة وشوفي الطبيخ اللي وراكِ

 

واه! طب والدولاب عاد!

 

انزلي انتِ وانا وحياة هنسويه, يلا يلا

 

طيب, بشوجك عاد يا ست جميلة

 

خرجت حورية وهرعت جميلة إلى حياة متهلفة لمعرفة ما جاءت به من أخبار:

 

في ايه يا حياة؟

 

في خبر يسوى الدنيا هيفرحك يا عروسة يا جمرة

 

عروسة! مم جيبالي عريس إياك؟

 

يختي لا جيبت ولا وديت, ده خوه اللي طلب يدك من كامل عشية

 

وده يطبع مين؟

 

يطلع الداكتور عزت واد الحاج مطاوع

 

واه! ممم هو جه من مصر؟

 

لاه لسة, خوه اللي جه جولتك وطلبك

 

وهو ما طلبنيش بذات نفسيه ليه!

 

هاها هياجي, هياجي يا عروسة, بس من قلة صبره بعت خوه,,ها جولتِ ايه؟

 

واه! هو آنا هوافج كديه جبل ما ياجي واصلي استخارة!

 

ههه يبجى موافجة عاد

 

هاها وعرفتِ منين يا ام العريف؟

 

عشان لو ما كنتيش موافحة كنتِ جولتِ زي خوي وما ننفعش لبعض,زي ما جولتِ جبل سابج لما  عرضت عليكِ صالح خوي

 

واه! هو انتِ لسة فاكرة الحكاية دي وكل شوية تفكريني بيها! كانك زعلانة مني يا حياة

 

والله يختي ابداً, آنا عايزة افرح بيكِ مع الراجل اللي تريديه , المهم عندي افرح بيكِ وخلاص

 

ربنا ما يحرمني منك يا حياة يارب

 

بس بجولك ايه عاد, ابوس يدك اوعي تجيبي سيرة لكامل اني جولتلك على الحكاية دي, ما نجصاش يسم بدني بكلمتين, أصله مشدد عليا ما جوليش

 

هاها ,لاه ما تخافيش, سرك في بير

 

*********************************************

بعد صلاة المغرب ذهب كامل إلى سرايا والدته وجلس إليها في مجلسها المفضل فقالت:

 

من يوم ما كنت عنديك في السرايا ما ريتكش يا كامل

 

معلش يا امّا, المشاغل كاتير

 

مشاغل عن امك!

 

حقك عليّ يا امّا, آنا مجصر معاكِ غصب عني, بس إن شاء الله من هني وجاي ما هيعديش يوم إلا اما اشوفك, وخصوصي بعد ما تتجوز جميلة اختي

 

وهي راضية بحد! اختك شايفة روحها لمونة في بلد قرقانة

 

هاهااا الله يجطع شيطانك يا امّا, ما اعرف بتجيبي الأمثال دي من وين!

 

من اللي بشوفه عاد, امتى تتجوز البت دي وتريحني, دي عنديها عشرين سنة عاد, هتقعد لميتي! دانا اتجوزت بت ستاشر

 

وهي هتتجوز بت عشرين إن شاء الله, جالها عريس زين

 

واه! صُح يا كامل؟

 

أي والله صح

 

وده واد مين؟

 

عزت واد الحاج مطاوع

 

ماشاء الله, الداكتور! وده طلبها ميتى؟

 

خوه سلام كان عندي عشية وطلبها وجال ان خوه على وصول

 

وماله, داحنا نجهزها ونوديها لحديهم, هو احنا نلاجي زي نسبهم وين!

 

المهم جميلة توافج

 

اهي عنديك فوج, اطلع كلمها

 

***************************

عرض السيد كامل الأمر على جميلة فتظاهرت أنها تفاجأت وقالت بدهشة مصطنعة:

 

عزت واد الحاج مطاوع!

 

ايه جولك؟

 

اللي تشوفه عاد يا خوي

 

ممم يعني نتوكل على الله؟

 

مش لما ياجي من مصر عاد؟

 

...وانتِ عرفتِ من وين انه ماجاش من مصر؟

 

ها! آآآ لا عرفت ولا حاجة, متهيألي كديه يعني

 

متهيألك! برديك يا حياة! مع اني مشدد عليها ما تجولش

 

وهي ما جالتش من نفسيها, آنا اللي سرسبتها في الكلام, بالله عليك اوعى تزعل منيها ولا تزعلها بكلمة, عايز تزعل ازعل مني آنا

 

هاهاا, ربنا يزيدكو محبة يا جميلة, لما اجي اخد حقي من واحدة منيكو, التانية تقف لها زي المحامي

 

هاها واه! ربنا ما يحرمني من مرت اخوي حبيبتي

 

*********************************

 

عندما انتصف الليل تسللت صفية إلى الخارج كعادتها وشقت طريقها وسط الظلام الدامس إلى سكينة لتستشيرها في خطواتها القادمة ......فقالت العجوز الخبيثة:

 

اسمعي يا صفية..سكتك مش هتخلى من الشوك ولا الدنيا هتفتحلك دراعتها طول ما انتِ مرت شاذلي, لازم شاذلي يبعد عن طريجك

 

......قصدك اطلج منيه؟

 

لاه....شاذلي لازماً يموت

 

يا مري! يموت! ..تجصدي...

 

ايوة, ينجَتل

 

ينجَتل!..لاه,لاه بلاش منيها السكة دي عاد

 

بشوجك يا بت كلاف البهايم, مادمتِ عاشجاه وعاشجة فقره خليكِ جنبيه عاد

 

أنا لا عاشجاه ولا طايجة فقره, لكن سكة الدم لاه, ده برديك ابو عيالي

 

وآنا ما عنديش كلام غير كديه, يا تجمدي جلبك يا تهمليني وما تورنيش وشك تاني عاد, وخليكِ عايشة عيشة الذل والفقر لحد ما تموتي

 

لاه,لاه, فقر لا, مش صفية أحلى بنات النجع اللي تعيش العيشة دي ولا يكون لها راجل كيف الشاذلي النحس دِه

 

يبجى خلاص عاد, مافيش سكة غير اللي دليتك عليها

 

طيب ما الاحسن اتطلج منيه يا خالة سكينة بدل ما اغرج يدي في دمه

 

ما تبقيش غشيمة اومال يا بت كلاف البهايم..المطلجة ليها من المعايب كيل في خشم الناس, لكن اللي جوزها يموت مسكينة وجار الزمان عليها وتستحج ألف جلب يحن عليها وعلى عيالها

 

......صُح,صُح يا خالة سكينة, كلامك زين وموزون...بس آنا خايفة عاد

 

انتِ تخافي! ده جلب الخوف يرجف لما يوعالك..جلبك جامد وعنيكِ ثابتة كيف عين الصجر ما يتهزلهاش جفن

 

عارفة إني جوية وجلبي جامد,بس..بس الخوف لينكشف أمري,وجتها هخسر كل حاجة وأولهم عيالي..كيف أجيب عيني في عينهم لو عرفوا إني جاتلة ابوهم ويدي متلطخة بدمه! وايه اجولهم! وحجتي ايه! أجولهم جتلت بوكو عشان فقره! مش هيسامحوني, أنا صحيح كارهة شاذلي,لكن مش كارهة عيالي

 

ومين هيجولهم عاد! ماحدش هيعرف غير تلاتة,آنا..وإنتِ..والجاتل

 

جاتل! هو مش انا اللي هجتله؟

 

هاها,إنتِ! لاه, مش كل اللي يحسن الغدر يحسن الجتل..لازم اللي يجتل ويدوس ع الزناد يكون صنعته الجتل

 

وده هنلاجيه وين؟ وكيف يجتل من غير ما ياخد مال ؟ومين دراكِ انه ما هيجولِش ويطلع سرنا؟ وده هيكون مين؟

 

.....خوكِ

 

بدران!! لاه,لاه, يا مري! عايزاني اجول لخوي اجتل جوزي! يجول عليّ ايه خوي!

 

هاها, يعني هيجول ايه! ولا فاكراه من طينة احسن من طينتك وكان مغشوش فيكِ! انتو التنين ألعن من بعض.همكو المال ورايدينه حتى لو كان التمن دم

 

حتى لو كان, آنا ما اجدرش اجول لبدران اجتل شاذلي

 

لاه هتجوليله, هدلك على سكته في الجبل

 

خابرة سكته وين في الجبل؟

 

هاها.. ولو سكينة ما خبراش جحر الدوادي وين, مين اللي خابر عاد!

 

طيب ميتي؟

 

هاها مستعجلة على موت جوزك يا بت كلاف البهايم؟

 

ايوة, خلينا نخلص عاد, ما ريداش الحكاية تطول وعقلي يودي ويجيب لحد ما يُحصل, آنا احب لما انوي على شيء اخلص منيه طوالي وارتاح

 

انتِ اللي تحددي الوجت اللي رايداه, أنا دليتك على طريج السعد, واعر صُح, لكن أخره وعدك اللي مستنيكِ

 

دليني على طريج خوي بدران في الجبل يا خالة سكينة

**************************************

 

عادت صفية إلى منزلها ودلفت إلى غرفتها على أطراف أصابعها وخلعت الثياب الذي خرجت به على عجل ودلفت إلى الفراش إلى جوار زوجها وتدثرت,فشعر بحركتها إلى جواره فاستيقظ وفتح عينيه قائلاً:

 

انتِ صاحية ولا ايه يا صفية؟

 

ايوة,حسيت بالعطش جومت اشرب ورجعت. نام يا شاذلي. نام

تتصبحي على خير

 

....وانت من اهل الخير

 

استدار شاذلي على جانبه الآخر وغط في نوم عميق..بينما ظلت هي تنظر إليه وتبوح بمكنونات نفسها إلى نفسها سراً:

 

سامحني يا شاذلي, سامحني, خابرة انك بتحبني وتحب عيالك كد عنيك واكتر..وعشان بتحبنا يبجى لازماً تضحي بروحك عشانا..لو عيشت يا شاذلي هنموت احنا بالحيا..آنا بعمل كديه عشان عيالك ما يشوفوش اللي شوفناه ولا يعيشوا أيام الفقر والمذلة اللي عايشينها ..يعني موتك فيه الحياة لينا يا شاذلي...والله هتوحشك يا الغالي

 

 وهكذا كانت تبرر لنفسها الخطيئة وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق...أجل في عرف صفية , في قتل شاذلي حياة لها ...ولكن أي حياة ستكون حياتها !

 

***********************************************

 وأمام ضريح الشيخ ابو المنصور والذي تسمت القرية باسمه تجمع الدراويش حاملي المباخر وأصحاب الحاجات من البسطاء يستغيثون ويطلبون العون من الراقد تحت الضريح لا حول له ولا قوة ..غير قوة أضفاها جهل العقول المغيبة ويرعاها هذا الشيخ...نعم هذا الشيخ ذو العمامة الخضراء الجالس بالمسبحة الكبيرة يهز رأسه ذات اليمين وذات اليسار قائلاً حي,حي,إنه الشيخ سمحون شيخ الطريقة المبتدع, والدراويش يجيئون ويروحون قائلون مدد يا سيدي ابو المنصور مدد...يطلبون المدد من غير الواحد الأحد...اقتربت منه امرأة من البسطاء وجلست إلى جواره وجذبت يده بقوة وقبلتها باكية وهي تقول بصوت خالطه النشيج:

 

احب على يدك يا شيخ سمحون وصي علينا الشيخ ابو المنصور يخلي بتي تخلف, أهل جوزها حالفين ليطلجوها منيه لو ما حبلتش الشهر ديه

 

وجيالي ليه! روحي اغسلي المجام بدموعك واترجيه

 

اترجيته كاتير, كاتير قوي, والبت زي ما هي جاطعة الخلف

 

اندري ندر ووفيه لما بتك تحبل

 

اندر, اندر وماله, المهم البت تحبل, بيجولوا معمولها سحر يا شيخ سمحون , فكهولي الله يخليك, انت من أولياء الله الصالحين

 

مولد سيدنا ابو المنصور قرب, تجيبي بتك وتيجي المولد وتدبحوا دبيحة لابو المنصور, يتفك السحر وتخلف بدل الواد عشرة

 

بس اكديه! عنينا لسيدنا ابو المنصور..مدد مدد يا سيدنا ابو المنصور مدد

 

 لا إله إلا الله ...خرجت المرأة إلى خارج المسجد ذا الضريح  وهي تلهج بطلب المدد من ابو المنصور,شاهدها الشيخ سلطان فامتعض, حاول مدارة ما به من ضجر وقال لها بلين:

 

يا ست, وحدي الله وما تطلبي المدد من غيره,سبحانه هو صاحب العون والمدد

 

واه! هو احنا كفرنا ولا ايه يا شيخ سلطان! عارفين ان ربنا واحد, لكن الشيخ ابو المنصور من الأولياء الصالحين وجينا عشان نتبارك ونترجاه يرزق بتي بالخلف قبل بيتها ما يتخرب

 

لا إله إلا الله, يا ست, اللي بيده يرزق بتك الخلف هو ربك, اترجيه هو

 

يا بووووي, كانك ما فاهمنيش يا شيخ سلطان..هو انت بس لحالك اللي فاهم في الدين! طب ما الشيخ سمحون كماني بيفهم في الدين وجاعد جنب مجام سيدي ابو المنصور وبيهدي الناس للخير, ليه انت مش زييه ومعجدها كديه! آنا هجيب البت واجي المولد وادبح دبيحة للشيخ ابو المنصور عشان يتفك السحر اللي عاملينه ولاد الحرام و بتي تخلف

 

لا حول ولا قوة إلا بالله, يا ست اللي بتعمليه وهتعمليه ده اسميه شرك بالله, اتقي الله وفوضي أمرك لربك واحسني الظن بيه وما تسمعيش للي يصدك عنيه

 

يا بوووي! فوتك بعافية يا شيخ سلطان

 

لا حول ولا قوة إلا بالله, أما ادخل للراجل الضلالي اللي اسميه سمحون دِه

 

خلع الشيخ سلطان نعليه ودخل مندفعاً إلى المسجد ووقف أمام الشيخ سمحون الذي كان مغمضاً عينيه يهز رأسه ويتمتم بالتخاريف والشرك..فقال له بحدة:

 

وبعدهالك يا سمحون

 

سلطان!! ايه اللي جابك هنيه! مش عم تجول ما اصليش في جامع فيه ضريح! رجعت لعقلك اياك! هاها

 

ولحد ما اموت مش هصلي في مسجد فيه ضريح, آنا جيت بالخصوص عشان اجولك كفياك تضليل للناس وصدهم عن دين الله

 

واه! وانت شايفني بعبد الاصنام يا راجل انت!

 

اللي بيعبد الاصنام معروفله ملة وانه كافر بدين الله , لكن انت ملتك ايه؟

 

زي ملتك بالتمام

 

بس وما تجولِش زي ملتي, انت بتبتدع في الدين وتحلل الحرام وتحرم الحلال ولامم حواليك دراويش جهال يا شيخ الضلال, بس آنا لازماً اتصدالك, مش عم اسيبك تنشر الشرك والباطل في النجع

 

اخرج برا الجامع وإلا اخلي دراويشي ومحاسيبي يجطعوك جطيع يا راجل يا ضلالي يللي عايز تمشي الناس على كيفك,برا

 

طيب يا سمحون,طيب, مسير الناس تصحى وتفوق لملاعيبك انت واللي مسلطينك عليهم وعايزينهم يفضلوا فاكرين ان الدين موالد ودروشة مش تطبيق سنة وقرآن ونهج سيد المرسلين

 

جولتلك اطلع برا,برا, تعالى يا مجذوب منك ليه طلعوا الراجل الضلالي اللي عم يشتم سيدكم المنصور دِه برا المجام الطاهر

 

 هجم المجاذيب والدراويش على الشيخ سلطان يجرونه ويسبونه فزجرهم:

 

بعد يدك يا مجذوب منك ليه, آنا خارج من جهنم بتاعتكو دِيّ

 

 خرج الشيخ سلطان من وكر المبتدعة يضرب كفاً بكف من شدة الغيظ ويستغفر الله ويسترجع, رأته صفية فتورات وأخفت وجهها بشالها,فما أن جاوزها بخطوات حتى خلعت نعليها ودخلت إلى مسجد المبتدعة وهرعت إلى الشيخ سمحون تقبل يده وتقول:

 

عواف عليك يا شيخ سمحون

 

الله يعافيكِ يا بتي,جاية تتباركي بسيدك ابو المنصور؟

 

اومال, هو احنا عايشين إلا ببركته عاد!..بس انا كان ليا طلب عنديه بس واعر قوي,حاجة نفسي تتحقق وخايفة ما يحققهاليش, يعني لو تتوسطلي عنديه يبقى كتر خيرك يا شيخ سمحون

 

اندري ندر ولما يتحقق مرادك وفيه لابو المنصور

 

معلوم هعمل كديه, بس ما تنساش توصيه على خدامتك وخدامته صفية

 

هوصيه, عاد, بس جومي اترجيه في الاول

 

هرعت صفية إلى  الضريح وطفقت تقبله وتناجي الشيخ المقبور ابو المنصور وتتضرع قائلة:

 

وحياتك يا سيدي ابو المنصور تخليك معاي في سكتي وتيسرهالي, طريجي واعر لكن انت ابو المنصور وسرك باتع, انت عارف اني ما هعملش كديه إلا للشديد القوي, معاي راجل فقران وفاقرني ومجوع عيالي, لا حيلته أرض ولا حداه طين, ومش هيورث عيالي إلا المر والضنك, لازم يتجتل عشان نعيش احنا في نعيم, سري ده ما يعلمه غيرك انت وخالة سكينة, حتى خوي لساه ما علمش بيه, وحياتك يا سيدي ابو المنصور تقف معاي وتسهلي الصعب , دانا من محاسيبك وطول عمري ازور مقامك واتبارك, بس ما حيلتيش مال ادبحلك واتقربلك, لكن وحياتك هندرلك ندر من ديلواك, لو وجفت معاي ووصلتني لمرادي وخلصت من حياة وبقيت ست نجع ابو المنصور كلاته لعمل ليلة كابيرة ادبحلك فيها عجلين بحالهم ووكل مجاذبيك ومحاسيبك..فوتك بعافية يا سيدي ابو المنصور

 

خرجت وحاملي المباخر حولها يطلقون البخور والمجاذيب يهزون رؤوسهم ذات اليمين وذات اليسار يرددون حي, حي , مدد, مدد يا ابو المنصور مدد ..ويرددون ألفاظ الشرك بالله الواحد الأحد

 

***********************************************

في طريقها أخذت صفية تحدث نفسها عن خطواتها القادمة فقالت:

 

لازماً اطلع الجبل الليلة, ايوة الليلة, لكن كيف! هجول ايه لشاذلي! مشوار الجبل واعر ويعلم الله ميتى ارجع, اعمل ايه ديلواك! .....آه , اروح ابات عند امي بحجة انها عيانة, ومن عنديها أطلع ع الجبل من غير ما حد يدرى, امي بتنام بعد العشا ما بتجومِش إلا على آذان الفجر عشان تصلي, ومن العشا لحد ما تصحى اكون رتبت حالي مع بدران...يا ترى هتجول ايه يا بدران؟ والله ما خابرة, لكن لازماً أطلع الجبل كيف ما جالت خالة سكينة..أول ما أوصل البيت اخبز تلات فطاير, فطيرتين للحاجة فايجة, وفاطيرة لامي عشان تسد خشمها عني, وقبل ما اروح لامي أعدي على سرايا الحاجة فايجة واسيبلها الفاطرتين بتوعها واخد التالتة لامي

 

أخذت تحدث نفسها بكل ما انتوت حتى وصلت بيتها..استبدلت ثيابها وأخذت في إعداد الفطائر حتى وصل زوجها وولداها ليجدونها تخبز الفطائر في الموقد الطيني المستعر, هرع إليها الصغيران فرحان وهما يقولان

 

فاطير, أمي بتخبر فاطير يا بوي

 

ماشاء الله, مساء الخير يا صفية

 

يسعد مساك يا شاذلي

 

بتخبزي في الليل يعني!

 

الفاطير مش ليكو,ده لامي عشان طلبته كاتير

 

تعيشي وتعمليلها يا صفية, ايوة كديه, حني على امك عشان تلاقي الحنية من ولادك في كبرك

 

واه! شايفني بجطع في لحمها ولا بكويها بالنار امي عشان تجولي كديه!

 

لاه لاه, ما جصديش والله, مالك زعلتِ كديه! آنا بس بوصيكِ

 

ما عايزاش وصاية من حد

 

 اعتدلت ناحية الموقد وأخرجت إحدى الفطائر بسيخها الطويل وزجت الأخرى في الموقد, امتدت يد محمود ولدها الأصغر إلى الفطيرة فنتش منها نتشة صغيرة فضربته على يده فبكى فقالت له زاجرة:

 

جطع يدك الباعيد, جولنا الفاطير مش ليكو, انتو طوالي كديه مساعير!

 

ربت الأب على ظهر ولده وقبل رأسه ..قال مطيباً خاطره:

 

ما تزعلش يا محمود, الفاطير امك مسوياه لستك, وستك مرة كابيرة وما عنديهاش حد يسويلها فاطير, امك إن شاء الله هتعملك بكرة ولا بعده...خلاص بقى يا ولدي ما تبكيش......حسن

 

نعم يا بوي

 

خد الفلوس ديه وخد خوك واشتروا حلاوة من عند عمك مرعي وارجعوا طوالي

 

حاضر يا بوي, تعال يا محمود

 

خرج الصغيران لشراء الحلوى فزفر شاذلي وقال لصفية:

 

ليه كديه يا صفية تضربي الواد! فيها ايه يعني لو خد حتة فاطير!

 

واه! ما جولنا لامي يا شاذلي! ولا اديها الفاطير وولادك مهبشينه ومنتشينه وشكليه يغم النَفس عاد!

 

دول تلات فطاير, كاتير جوي على امك يا صفية, ادي العيال واحدة

 

يا بوووي, يا مرك يا صفية. يعني كل ساعة والتانية تجولي امك يا صفية, سوي لامك, ابصر ايه لامك, ولما اسوي لامي تجول كاتير عليها!

 

يا صفية والله ما جصديش,آنا بس صعب عليّ الواد الصغير لما بكى عشان حتة فاطير

 

ولدك بيبكي على اي شيء وعايز كل شيء, ولو اديته جناطير ما يكفهوش ,ابني آنا فاهماه زين, ما تشغلش روحك انت....بجولك ايه يا شاذلي, أنا هروح ابات عند امي الليلة ديه

 

واه! ليه عاد؟

 

تعبانة وما عجبانيش, عشان كديه جولت اسويلها الفاطير عشان نفسيها فيه, بدل ما يجرالها حاجة واعيش بذنبها

 

للدرجة دي امك عيانة يا صفية! طب هاجي معاكِ اوديها المستوصف

 

مستوصف ايه بس وبتاع ايه! امي ما بترتاحش للدكاترة, وبعدين صحتها مش عفشة كديه

 

واه! انتِ مش لسة بتجولي انك سويتيلها الفاطير عشان خايفة تموت ونفسيها فيه!

 

صُح جولت, اكمن يا شاذلي ماحدش عارف عمره هينتهي ميتى ولا كيف يا واد الناس, كل واحد وعمره عاد, يعني انت ضامن عمرك؟

لاه يا صفية, ومين في الدنيا كلاتها يضمن لنفسه ساعة يعيشها, كل واحد له ساعة يمشي فيها, ماحدش فينا مخلد, ربنا يحسن ختامنا

 

هاها مممم الفاطير طاب واستوى, هاخده واروح لامي, وانت خلي بالك من العيال عبال ما ارجع الصبح

 

إن شاء الله يا صفية

 

***********************************************

في ردهة المنزل جلست الحاجة فايقة مع ابنتها جميلة يتجاذبان أحاديث المساء..تنهدت الحاجة فايقة بعمق وقالت:

 

والله يا جميلة يا بتي ما عارفة هسوي كيف لما تتجوزي وتروحي بيت جوزك. دانتِ اللي واخدة بحسي يا بتي

 

وانا يعني هروح وين يامّا! دانا هسكن معاكِ في النجع

 

الحمدلله، كنت حاطة يدي على جلبي ليجولوا واد مطاوع هياخدك معاه على مصر

 

واه! طب والله ما كنت قبلته من أصله, ياخدني من امي حبيبتي, طب اعيش في الدنيا كيف!

 

هاها يجبر بخاطرك يا بتي, طول عمرك حنينة يا جميلة

 

طبعاً يامّا, مش بيجولوا البنيتّا حنينين !

 

صُح يا بتي, بس برضو خلفة الصبيان سند للضهر, طب من غير خوكِ كامل اللي مراعيني أنا وانتِ ومراعي مصالحنا كنا سوينا كيف! عشان كديه يا بتي نفسي ربنا يمن عليه بالواد اللي يشيل حمله زي ما هو شايل حملنا

 

يا بوي عليكِ يا امّا, كل كلامك لازم ينفد ما اعرف كيف على الموضوع ديه, حتى لو بتتكلمي عن شوربة العدس

 

هاهااا, والله ضحكتيني يا بتي

 

 تطرق الخادمة حورية الباب وهي تحمل صينية كبيرة وعليها فطيرتان وطبقان أحدهما عسل والآخر جبن فتبادرها جميلة قائلة:

 

ايه اللي معاكِ ديه يا بت يا حورية؟

 

ديه فاطير وعسل وجبنة عطيتهوملي على باب السرايا صفية مرت الشاذلي واد عمك للحاجة

 

ليا انا! والله فيها الخير البت صفية، لكن هي ما دخلتش السرايا ليه ؟

 

هاها بتجول الست جميلة ما بتطيجش تشوفني

 

كويس انها عارفة عني كديه وما دخلتش

 

يا بوي يا جميلة يا بتي! والله ما عارفة كارهاها ليه!  هاتي الصانية يا بت يا حورية دوجيني

 

اتفضلي يا حاجة

 

جرا ايه يا امّا! من ميتى بتاكلي في الليل انتِ! الفاطير مليان سمن,بعدين تتعبي بعد الشر

 

يا بتي هاخد حتة صغيرة ,مافهاش حاجة

 

لاه يا امّا, الضغط يعلى عليكِ بعد الشر, الصبح كلي منيها, شيلي يا بت يا حورية الصانية ديه وديها المُطبخ

 

حاضر يا ست جميلة

 

يا بوي عليكِ يا جميلة, دانتِ تتجوزي احسن وتحلي عني

 

هاهااا بقى كديه يا امّا! تبعيني عشان فاطيرة!....وبعدين ايه حكايتها البت ديه! مالها واخدة بالها منيكِ كديه وكل ساعة والتانية تهاديكِ بفاطير!

 

واه! كتر خيرها, بتحبني وبتهاديني, اجولها بتحبيني ليه وكيف تهاديني!

 

الله يكفيكِ ويكفينا شرها يا امّا

 

**************************************

وصلت صفية إلى منزل والدتها تحمل الفطيرة وبعض اشياء جلبتها لتمكنها من التخفي حين صعود الجبل , دفعت الباب الموارب وأوصدته خلفها قائلة

 

سا الخير يا امّا

 

صفية! يسعد مساكِ يا بتي, ايه جابك ديلواك؟

 

سويتلك الفاطيرة اللي كان نفسك فيها عاد

 

صُح؟ الله يكرمك يا بتي زي ما كرمتيني وافتكرتِ اللي نفسي فيه

 

اومال ياامّا! مش امي وحبيبتي!

 

الله يحبب فيكِ خلقه يا بتي ويديكِ على قد نيتك عاد

 

واه! أعوذ بالله من دي دعوة, انتِ بتدعي عليا يا امّا! غيري الدعوة دي اللي يرضى عنيكِ آنا ما ناجصاش

 

ايه يا بتي! مادام البني ادم منينا مراضي ربه وبيعمل الخير يبجى نيته زينة, وانتِ جبتيلي فاطير مشتهياه وجبرتي بخاطري, يعني نيتك زينة

 

خلاص يا امّا خلاص, والله ما بخاف إلا من دعاكِ , ما عرفاش العمر ديه كلاته كنتِ بتدعيلي ولا بتدعي عليّ! عشان كديه حالي حال الشوم، والفقر واخدني في حضنه وما سك فيا بيده التنين

 

مافيش أم بتدعي على ضناها, حتى لو اللسان نطق بالكره, الجلب عمره ما ينطج غير بالمحبة يا بتي

 

طيب يا امّا, كتر خيرك, خدي الفاطيرة اها,كلي

 

تسلم يدك يا بتي

 

اجيبلك شوية مش جنبيها؟

 

لاه, آنا ما عايزاش غير الفاطيرة اللي نفسي مشتهياها ......الله, تسلم يدك يا بتي, مليحة جوي

 

كلي يا امّا, كلي وبلاش تدعيلي الله يرضى عنيكِ, بجولك ايه يا امّا, آنا هبات معاكِ الليلة، افرحي

 

تباتي معاي! وجوزك عارف؟

 

طبعاً عارف,أومال يعني هبات برا البيت من غير علمه! جولتله اتوحشت امي ونفسي ابات عنديها،جالي روحي وخلي بالك من امك

 

الله يخليه يا رب ويعطيه الصحة والعمر الطويل

 

يا بووووي! والله ربنا يستر علينا من دعاكِ يا امّا, كانها هتغفلج على روسنا وانا وبدران اللي هنموت

 

الف بعد الشر يا بتي, الله ما يحرمني منك ولا من خوكِ

 

آمين, آمين وكفاكِ دعا, كلي فاطير يا امّا

 

**************************

 

عندما انتصف الليل, اقتربت صفية من والدتها على أطراف أصابعها لتتأكد أنها تغط في نوم عميق, فلما تأكدت دلفت بخفة إلى الحجرة وفتحت الكيس الذي جاءت به وأخرجت جلباب زوجها وملفعته فلبست الجلباب وتلفعت وغطت وجهها بأطراف الملفعة وخرجت من الغرفة وتسللت إلى الشارع ترقبها عينا والدتها التي كانت يقظة في فراشها، تشعر أن هناك أمر يدبر بليل, غمغمت وقلبها يخفق بشدة:

 

يا ترى بتدبري ايه يا صفية؟ ليه متخفية كديه كيف الرجال؟ وايه جابك تباتي عندي وبتداري ايه, بتجولي عاملالك فاطير يا امّا عشان مشتهياه, من ميتى الحنية يا بتي! يا ترى رايحة وين ولمين ؟ جلبي مجبوض وحاسة ان خروجة صفية وراها شر, لكن بمين ما خبراش, يارب سلم

 

********************************************

وسط الليل الدامس وعواء الذئاب صعدت صفية الجبل في هيئتها الرجالية وسلكت ذات المسالك الميسرة التي دلتها عليها سكينة العجوز الخبيثة , فما أن وصلت إلى فوهة الكهف المظلم حتى وجدت فوهة بندقية تلتصق بصدرها وصوت أجش يقول

 

أنت مين يا مهدور انت ومين دلك على سكتنا؟

 

آآآآأنا,,آنا..........

 

حرمة!!! وليه لابسة توب الرجال يا مرة انتِ! ومين حدفك علينا! انطجي وإلا هفرغ البندجية في صدرك وارمي جتتك للديابة

 

لاه,لاه, هنطج,آنا..آنا عايزة بدران خوي

 

خوكِ ! الريس بدران كابيرنا يبجى خوكِ؟

 

ايوة, ايوة, آنا اخته صفية, جوله بس كديه

 

الكابير مش موجود, وما خابرش ميتى هيعاود

 

يا مري! كيف كديه! دانا وصلت هنيه بعد دمي ما نَشف من الخوف

 

خوف! حرمة زيك تشج طريج الجبل وسط الديابة والدوادي وبعدين تتكلم عن الخوف!...لكن مش غريب عليكِ, اخت الريس بدران صُح

 

طب جولي ياخوي هيعاود ميتى؟

 

واه, ما جولنا ما خابرش هيعاود ميتى عاد, يمكن ديلواك, يمكن في الصبح, يمكن بعد يومين

 

يا بوووي, طب هو راح وين؟

 

خد الرجالة وراح يسعى ورا رزقه, واحنا رزقنا ما نعرف وين ولا عند مين, مُطرح ما رجليهم تاخدهم عاد

 

طب وبعدين, آنا عايزاه ديلواك

 

طيب ادخلي استنيه جوا

 

واه! كيف ادخل وسط رجالة لحالي!

 

ما تخافيش عاد, احنا صحيح جطاع طريج, لكن ما نقربش ناحية الحريم ولا العيال الصغار, حتى لو ما كنتيش اخت كابيرنا, فاحنا ما نتعداش على العرض لانه عيبة كابيرة ومش من أفعال الرجال, ادخلي استني خوكِ وآنا هجعد هنيه برا, المغارة فاضية والرجالة كلهم مع الريس بدران

 

اسمك ايه؟

 

سعداوي

 

سعداوي! هاها, اومال لو اسميك حزناوي كان هيبجى حالك كيف!

 

اتفضلي يا ست

دلفت فغمغم:

 ماله حالي! هتحزني على حالي ليه الحرمة الدكر ديه!

 

************************************

دلفت صفية إلى داخل الكهف فوجدته مضاء بمصابيح الجاز المعلقة على الحائط. ووجدت على الأرض فرش من جلود الحيوانات وشلتات محشوة بالقش فجلست, ابصرت عن يمينها فوجدت طبق فاكهة فالتقطت تفاحة وقضمتها  وابتسمت قائلة:

 

والله عايش عيشة الملوك انت يا بدران يا خوي..يارب يجيبك ديلواك يا بدران, لو نزلت ما خبراش اعاود الجبل تاني ميتى, يارب يسوقك يا بدران عشان نُخلُص من الحكاية دي عاد, الله يهدك يا شاذلي, حتى موتك مش بالساهل يا وش النحس

 

*********************************************

وبعد حوالي الساعة, عاد بدران ورجاله مدججين بالسلاح ويسحبون بعض الماشية التي سرقوها من الأبقار والماعز والخراف التي علا جؤارها وخوارها ...استقبلهم سعداوي قائلاً:

 

حمدالله ع السلامة يا ريس بدران

 

الله يسلمك يا سعداوي..خليل ادبحلنا عنزتين وشويهم خلينا نتعشوا

 

أمرك يا كابيرنا

 

تعيش, ادخلوا يا رجالة

اعترضهم سعداوي:

استنى يا كابير ما تخليش حد يدخل

 

واه! ليه يا سعداوي عاد؟

 

اجولك كلمة على جنب في الاول

خير

 

اختك جوا

 

واه! بتجول ايه يا حزين انت! كانك جنيت, ايه هيجيب اختي هنيه!

 

والله صُح, طلعت الجبل متخفية بتوب رجال وسألت عنيك, واديها مستنياك جوا

 

..............طيب, ما تخليش حد يدخل لحد ما اشوف ايه الحكاية

 

أمرك يا ريس بدران

 

*********************************

هرع بدران إلى داخل الكهف فوجد اخته بالجلباب والملفعة مبتسمة تقول:

 

حمدالله ع السلامة يا ريس بدران

 

ايه اللي جابك هنهيه يا صفية! كيف طلعتي الجبل وليه؟

 

طب اجعد الاول يا خوي, الحديت اللي جيالك عشانه ما ينفعش فيه إلا الجعاد عشان تعقل الكلام وتوزنه

 

اديني جعدت, اوعك يكون الحديت بخصوص امي, أمي بخير؟

 

اطمن, امك بخير, والحديت باعيد عنيها

 

الحمدلله ان امي بخير

 

بس اختك مش بخير

 

وانتِ فيكِ ايه عاد! ما انتِ عايشة مع جوزك ومع عيالك مبسوطة

 

مبسوطة! هي اللي تتجوز راجل فقري كيف الشاذلي تكون مبسوطة برضو!

 

وهو كان حد دق بابك غيره!

 

ما هو البركة فيك وفي سمعتك الزينة عاد

 

واه! انتِ جاية تتمألسي عليّ عاد يا صفية!

 

لاه يا خوي, قال لا تعايرني ولا اعايرك, الهم طايلني وطايلك, احنا التنين ولاد كلاف البهايم ومقامنا في الأرض, انت مشيت في السكة العفشة وعيشت مع المطاريد, وآنا اتوكست واتجوزت راجل فقري وخلفت عيال لو ما كنتش اغيتهم  انا وانت هيعيشوا في الفقر يإما يبجوا من المطاريد زيك يا بدران, واظن ما ترضهاش لعيال اختك

 

وايه المطلوب مني يا صفية  عشان اغيتهم من الفقر؟

 

.................تجتل الشاذلي

...............ايه!! كانك جنيتِ يا صفية, عايزاني اجتل راجلك ابو عيالك!

 

ابو عيالي آه, لكن ما تجولش عليه راجلي, بقى الشاذلي ده هو اللي يليق باختك وجمالها يا بدران؟

 

ايه حديت الحريم المايع ده! جمال ايه ومرار ايه! هتيجي احلى من امك! امك في شبابها كانت اجمل منيكِ بمليون مرة, وعمرها ما جالت جمالي ولا دلالي, عاشت مع بوكِ بما يرضي الله لحد ما مات

 

عاشت! وهي عيشة امك دي كانت عيشة!

 

اهي كانت راضية وعايشة

 

واخرة رضاها كانت ايه! عايشة ما لجياش اللجمة الحاف تاكلها في بيت من طين مشقق, بتنام على فرشة كلها شوك يجطع جتتها

 

كفاية, كفاية ما تحزننيش على امي اكتر من كديه, انا لو اطول انيم امي ع الحرير ما اتأخرش, لكن هي اللي ما رضياش بمالي ولا بلجمتي وبتجول عليهم حرام

 

هي حرة, خلينا احنا في الحديت اللي جيتك عشانه

 

ولو جوزك اتجتل, ايه النفع اللي هيعود عليكِ؟

 

هتجوز بعديه راجل غني اعيش في خيره ونعيمه, وجتها النعيم هيعم عليا وعليك يا بدران يا خوي

 

هاهااا, والراجل الغني هيتجوز ارملة الغلبان ليه! بكتيره يعطف على عيالك بهدمة ولقمة, مش اكتر من كديه

 

مالكش صالح انت, خلصني من شاذلي وسيب حكاية جوازي عليا انا

 

(استشاط بدران غضباً  وأصر على أسنانه وقبض على ذراعها قائلاً)

 

كلامك بيجول انك بتخوني جوزك وبتعملي الحرام,انتِ اللي لازماً تموتي بعارك يا صفية

 

بعد يدك يا حزين انت, جنيت ولا ايه! مش صفية اخت الريس بدران اللي تعمل كديه, آنا لا عاشجة حد ولا مواعدة حد, عليم الله آنا صاينة شرف شاذلي وشرفك يا خوي, آنا بس بجول إني هدور على حظي ويمكن ياجيني بعد الشاذلي, لكن طول ما هو عايش هموت انا وعيالي من الفقر والجوع

 

........هيهون عليكِ ابو عيالك يا صفية؟

 

ايوة يهون, عشان خاطر عيالي يهون

 

....تعرفي يا صفية, آنا لو حكموني على الجتل, اجتلك انتِ واسيب شاذلي يربي عياله , لكن انتِ لو عيشتي وهو مات هتربيهم كيف ع الغل اللي مالي جلبك ديه, وكيف هتبصي في عنيهم وانت جاتلة بوهم!

 

بجولك ايه يا بدران, بلاش كتر حديت, انت هتجتل شاذلي وتخلصني منيه, وانت ليك عندي اقاسمك في الخير اللي هيعم عليا انا وولادي, هديك أرض, وهديك بيت, وهديك مال كد ما انت عايز....جولت ايه؟

 

..............ماشي الكلام يا صفية

 

ميتى هتنفذ؟

 

لازم يكون في الليل..يوم مولد سيدي ابو المنصور, عارف ان جوزك بياخد العيال ويروح المولد . هيخرج معاهم ومش هيرجع

 

واه! انت بتجول ايه! عيالي هيكونوا معاه

 

ما تخافيش, خوكِ نشانه ما يخيبش...يلا ديلواك عشان اوصلك وما تنزليش وحدك, وإياك تعاودي الجبل تاني

 

اومال هنتجابل كيف؟

 

هشيعلك مرسال عند اللزوم

 

طيب يا بدران

 

********************************

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

 

قبيل آذان الفجر عادت صفية من الجبل بهيئتها المتخفية, وتسللت إلى داخل منزل والدتها التي كانت متصنعة النوم ترقب ذلك... هرعت إلى الحجرة بحذر وخلعت جلباب زوجها وملفعته وعادت إلى ثيابها وعصبت شعرها المعقوص بمنديل وخرجت تتثائب وكأنها استيقظت لتوها من النوم ..اتجهت إلى فراش والدتها توقظها قائلة

 

أمّا, اصحي يامّا الفجر قرب

 

................................

 

واه! ما تصحي يا امّا عاد! نومك تاجيل ليه كديه!..امّا قومي صلي الفجر

 

ايوة يا بتي, ايوة, صحيت يا صفية

 

طيب

 

صاحية من بدري ولا ايه يا صفية؟

 

لاه لاه, لساي صاحية, جولت اصحيكي تصلي الفجرعاد

 

وانتِ ما هتصليش ولا ايه؟

 

لاه

 

ليه يا بتي؟ قلبك لساه جاسي وما راضيش يلين للصلاة؟

 

يا بووووي, خليكِ في حالك يا امّا! هتعمليلي فيها الشيخ سلطان انتِ التانية!!

 

الله يهديكِ يا بتي

 

مافيش لقمة افطر بيها في البيت الفقري ديه! أنا جعانة وكاني بجالي سنة ما كلتش

 

عندك المش والفاطير اللي عملاه بيدك

 

لاه, ماعارفاش نفسي مايعة ليه كديه وما طيجاش حاجة فيها سمن

 

يمكن حبلى يا بتي

 

واه! فال الله ولا فالك يا امّا, لساي هخلف تاني من الشاذلي! جومي اتوضي وصلي يا امّا, آنا هلبس خلجاتي وارجع داري اشوف العيال

 

.....بالسلامة يا بتي

**************************************

دلفت إلى بيتها صفية تحمل ذات الكيس الذي خرجت به, سمعت نحنحة زوجها في الغرفة فألقت به خلف الموقد على عجل...خرج شاذلي وهو يدخل أزرار جلبابه في عراها,فتفاجأ بها متسمرة أمامه باهتة الوجه فقال

 

واه! انتِ هنيه يا صفية! رجعتِ ميتى؟

 

توي راجعة يا شاذلي

 

كيفها امك؟

 

مليحة, كلت الفاطير من هنيه وبجت كيف الفرسة

 

هاها, والله ما في فرسة بين الحريم زيك يا صفية..بس يا خسارة ..لجامك مش بيدي

 

لا بيدك ولا بيد غيرك, حكمي بيدي ومااقبلش حد يتحكم فيا غير نفسي

 

....بس آنا جوزك يا صفية,وكماني بحبك, أي مرة في الدنيا تتمنى جوزها يحبها وما يشوفش مرة غيرها في الدنيا

 

هاها لاه, آنا غير أي مرة يا شاذلي, واللي معاه مرة زي صفية هو اللي يسعى لرضاها ويتمنى لحظة صفا منها

 

معلوم يا صفية, معلوم ..وآنا بتمنى رضاكِ وقتيل لحظة صفا منك

 

هاها..روح الحق صلاة الفجر يا شاذلي خليني احضر لقمة واصحي العيال ياكلوا معاي

 

....مش هتستنيني؟

 

انت وحظك, لو رجعت لجيتنا كلنا ابجى كل وحدك عاد

 

......طيب يا صفية

 

(خرج شاذلي للصلاة وانهمكت صفية في تحضير طعام الإفطار)

 

****************************************

بعد أداء الصلاة خلف الشيخ سلطان...سلم الإمام وتبعه المصلون وبدأوا في الانصراف واحداً تلو الآخر,عدا شاذلي الذي توجه إلى الشيخ سلطان وجلس أمامه وعيناه مثقلة بكلام يريد البوح به ولكن لسانه يتلجم داخل فاه..حيا الشيخ قائلاً

 

تقبل الله يا شيخ سلطان

 

منا ومنك يا شاذلي يا ولدي

 

.....آآ..كيفهم عيالي في حفظ القرآن, مبسوط منيهم؟

 

حسن الكابير ماشاء الله عليه بيحفظ وعنده عزيمة كابيرة انه يختم كتاب ربه, لكن محمود لعبي حبتين, وكانه ماعايزش يحفظ وانت اللي جابره

 

معلش, طول بالك عليه يا شيخ سلطان,أنا عايز ولادي التنين يحفظوا كتاب ربهم, عايزهم يتعلموا في الأزهر ويبجوا حاجة كابيرة

 

ربنا يهديهم ويحققلك مرادك فيهم يا ولدي

 

يارب....آآآ شيخ سلطان

 

مالك يا شاذلي يا ولدي, حاسس انك عايز تجول حاجة ماجادرش تجولها

 

صُح يا شيخ..حاجة بخصوص مرتي

 

طيب يا شاذلي يا ولدي, تعالى معاي نقعد ع الدكة اللي جنب بيتي ونتكلموا على راحتنا

 

طيب يا شيخ سلطان

 

********************************

على الأريكة الخشبية المكسوة بالخيش جلس الشيخ سلطان وإلى جانبه الشاذلي مطأطأ الرأس حزيناً,فبادره الشيخ قائلاً

 

زيح عن صدرك الهم يا ولدي وجولي ايه فيك؟

 

.....صفية مرتي يا شيخ سلطان, ما عارفش ليه زي الفرسة الجامحة,لجامها فلت من يدي وما قادرش احكم عليها..ماعرفش ليه ما بتحسسنيش إني جوزها وراجلها وكل دنيتها, دايما آنا اللي احايلها حتى لو غلطانة, بجيبلها طلباتها كد ما ربنا عاطيني وبحرم روحي حتى من الهدمة الزينة عشان اوفرها ليها ولعيالها وبرضو ما عاجبش...كان نفسي يا شيخ الاجيها حبيبتي ومرتي وكل دنيتي, لكن صفية...صفية باعداني عن دنيتها وعمري ما ريت المحبة والحنية منيها ..اعمل ايه يا شيخ؟

 

......شوف يا ولدي , الأصل في الاختيار هو انك تظفر بذات الدين اللي تخاف ربها وتتقيه.. الرسول عليه الصلاة والسلام قال{تنكح المرأة لأربع:لمالها,ولحسبها,ولجمالها, ولدينها,فاظفر بذات الدين تربت يداك)

 

عليه الصلاة والسلام..طيب ما هو يا شيخ, الرسول عليه الصلاة والسلام وصى الناس انهم يختاروا صاحبة الجمال وما نكرش عليهم

 

يا ولدي أنت وغيرك فاهمين غلط..حبيبنا النبي عليه الصلاة والسلام بيذكر مقاصد الناس من الزواج في الحديث ده, بيقول ان فيه منيهم عايز صاحبة الجمال وفي عايز صاحبة الحسب ومنهم اللي عايز صاحبة المال, وفيه اللي بيدور على صاحبة الدين, فالرسول حث في آخر الحديث على اختيار صاحبة الدين والظفر بيها, او الفوز بيها يعني..لأن دي اللي هتتتقي الله وتطيع  وتصون العرض والمال وتحفظ الغيب, فهمت يا ولدي؟

 

.......فهمت يا شيخ سلطان

 

مرتك بتصلي ؟

 

.....لاه , بس آنا والله نصحتها كاتير..لكن هي لا بتسمعني ولا حتى بتشوفني

 

شوف يا شاذلي يا ولدي ...انت صُح راجل طيب ومليح, والحنية مطلوبة مع مرتك وحلالك, لكن يا ولدي اللي يزيد عن حده يتقلب لضده

 

يعني ايه يا شيخ

 

يعني اللين وجت اللين, والشدة وجت الشدة يا ولدي,اللجام لازم يكون في يدك في كل وجت, وجت الرضا والسماح طبطب, وجت ما تحرن عليك شد..لكن يا ولدي الحنية لما تكون مع العنيد العاصي اللي وجب تأدبيه تقلب لفرعنة ونشوز...الراجل لازم يكون حكيم ..يعرف ميتى يشد اللجام وميتى يرخيه .. الست لما تحس إن الراجل ضعيف بيسجط من نظرها وبتستقوى عليه. أي ست تحب يكون راجلها مهاب وله كلمة عليها , وفي ذات الوجت يكرمها وما يحرمهاش من حنيته..الحكمة يا ولدي, الحكمة  فهمتني يا ولدي؟

 

فهمتك يا شيخ...لكن ..لكن فات الآوان, صفية خلاص فلتت من يدي, وغير كديه, جلبي ما يطاوعنيش أشد عليها ولو برمشة عين, يبجى كيف أضربها وأوجعها!

 

ومين جال اضربها وأوجعها يا ولدي؟

 

مش ربنا قال في القرآن الكريم ( واضربوهن؟)

 

هاها بس كديه! قول الآية كلها يا ولدي ..اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34

 

الآية الكريمة بتبدأ بذكر قوامة الرجل على المرأة ووجوب الإنفاق عليها..وبتذكر فضائل الزوجة الصالحة ..وبعدها كيفية التعامل مع العاصية لزوجها...الأول مطلوب توعظها باللسان وتقولها اتقي الله, لو بقيت على حالها تهجرها في المضجع, ما تسيب مضجعك,لكن لا تقربها كتعبير عن الغضب.ولو فضلت على عصايانها وجب ضربها..لكن يا ولدي الدين اشترط انه يكون ضرب غير مبرح, لا يوجع ولا يألم ولا يأذي الجسد, ده لأن الإسلام كرم المرأة وحث على الرفق بيها ..فيه رجالة والعياذ بالله بيضربوا نسائهم بوحشية وبيدموا وجوههم, وكل ده مش من الدين يا ولدي, واللي يقول غير كديه يبقى لا فاهم في الدين ولا عارف..يعني تكون رحيم حتى في تهذيبك ليها..فهمت يا شاذلي؟

 

صح لسانك يا شيخ سلطان..لكن حتى النظرة العفشة لصفية ما اقدرش عليها

 

....يبجى ما تلومش إلا نفسك يا ولدي

 

**********************************

 

وإلى أحد أحياء  القاهرة العتيقة توجه الدكتور عزت بسيارته لزيارة صديقه الدكتور محمد بشكل مفاجىء في منزل عائلته ..طرق الباب ففتح الأب الستيني المتقاعد,بابتسامة وابتهاج استقبله قائلاً

 

أهلاً يا عزت يا ابني اتفضل

 

يزيد فضلك يا عمي, يا ترى محمد موجود؟

 

ايوة موجود, اتفضل في الصالون

 

متشكر يا عمي

 

ازي حالك يا عزت يا ابني وازي الأهل في الصعيد

 

والله كله تمام الحمدلله, ازي صحتك انت يا عمي

 

الحمدلله يا ابني, الواحد مل من قعدة البيت والنقار مع خالتك أم محمد

 

هاها, ربنا ما يحرمكو من بعض

 

والله يا ابني الواحد بعد سن الستين وطلوعه ع المعاش بيحس انه زي العيل الصغير التايه في الشارع, لا عارف يروح فين ولا لمين

 

هاها, ليه بس كديه يا عمي عبد المنعم! أكيد لك حبايب ومعارف وجرايب

 

هو حد عاد فاضي لحد يا ابني! الحبايب اتفرقوا, والمعارف قلوا أو انعدموا بعد ما طلعت معاش, كانوا أصحاب مصالح مش أكتر, والقرايب حاولت كتير اتواصل معاهم بالزيارة أو حتى عن طريق المحادثات التليفونية, لقيت اللي يتهرب واللي يتعلل بالانشغال واللي يوعد برد الزيارة او الاتصال, وفي الآخر أعود خالي الفؤاد وما الاقيش غير خالتك ام محمد اشاكس فيها وتشاكس فيا, واهي دنيا ياابني بنقضيها وربنا يطلعنا منها على خير

 

ربنا يديكوا الصحة والعمر ويخليكو لبعض يا عمي

 

آمين يا ابني, والله بفرح لما حد يدق علينا الباب, امبارح جالنا محصل فواتير الكهربا, ومن فرحتي بزيارته دخلته وحلفت عليه ليتغدا ويشرب شاي

 

هاهاهااا, والله يا عمي كد ايه انت ظريف وجعدتك ما ينشبعش منيها

 

هاها الله يعزك يا ابني, اهو الواحد بيحاول يجمل الواقع عشان ما ينفرش من قبحه! مش واخد يا ابني على الوحدة, انا كنت راجل مدير عام وتحت ايدي مرؤوسين وطول النهار شغل وادي أوامر لده واكافئ المخلص واجازي المقصر  والشغل ما يقوملومش قومة إلا بتوجيهاتي..تخيل كدة مرة واحدة الاقي نفسي قاعد في البيت من غير لزمة ..بس الحمدلله على نعمة الولاد والأحفاد, لولا بناتي واحفادي وزيارتهم كل خميس مش عارف حياتي كانت هتبقى ازاي! ما تتصورش اليوم ده بيفرق في نفسيتي قد ايه! الأحفاد بيملوا علينا البيت بهجة وفرحة ولعب وجري ومرح, طب ايه رأيك اني بلعب معاهم! الأسبوع اللي فات لعبت معاهم استغماية واستخبيت منهم بس العفاريت دول عرفوا مكاني وقفشوني, وقالولي مسكناك يا جدو هاهااا

 

هاهاا ربنا يديمهم عليك نعمة يا عمي وتشوفهم كبار وتفرح بيهم

 

نسأل الله حسن الختام يا ابني

 

 يخرج الدكتور محمد من غرفته  ويتفاجأ بوجود صديقه عزت يجلس إلى والده يتبادلان الضحكات فيقاطعهما قائلاً:

 

يا مساء السعادة, ايه يا بابا, انت مستفرد بصاحبي وقاعد معاه من غير ما تبلغني انه هنا!

 

وفيها ايه يا سي محمد! هو صاحبك لوحدك! أي حد يجي البيت ده يبقى صاحبي أنا كمان, ولا ناسي انك قاعد في بيتي يا دكتور! لما يبقالك بيت وعيادة ابقى اتكلم

 

هاها, الله ,الله, دانا بتهزأ بقى. خلاص يا بابا ما تزعلش,أصحابي هما أصحابك

 

متشكرين يا سيدي ع التنازل, أما اقوم أقول لوالدتك تعملنا تلات فناجين قهوة, أنا جاي تاني اقعد معاكو, مش قهوتك مظبوطة زيي وزي محمد يا عزت؟

 

تمام  يا عمي

 

طيب عن إذنكو وراجعلكو تاني

 

تآنس وتنور يا بابا , مستنينك ..انت هنا من بدري يا عزت؟

 

يعني, مش كاتير

 

اوعى تكون اتضايقت من بابا, بابا من ساعة ما طلعش معاش من سنتين وهو اتغير خالص, اديك كنت بتلاحظ انك لو جيت وصادف انه موجود في البيت يادوب يرحب بيك ويمشي, لكن الفراغ بقى معلش

 

لاه لاه, اوعاك تجول كديه, والله ربنا عالم معزة والدك في جلبي, انا بعتبره والدي والله, وحاسس بيه وبوحدته بعد المعاش. ولعلمك بقى كنت مبسوط جدا انه اتكلم معايا وفتحلي قلبه

 

متشكر يا عزت, ما قولتليش يعني انك جاي

 

والله بصراحة أنا جاي اسألك سؤال عن حاجة محيراني بجالها يامين

 

وايه اللي بجاله يامين محيرك يا واد عمي؟ هاهااا

 

هاها, بتتمألس على اللهجة الصاعيدي! ماشي يا خال

 

لا والله بالعكس, دي لهجة ظريفة,بس القافية حبكت..ايه بقى اللي محيرك يا سيدي

 

انت عارف اني مسافر النجع بكرة إن شاء الله, كنت عايز اجيب هدية لعروستي وما عرفش اجيب ايه , ولا عارف ايه اللي بتشتهيه البنيتا

 

هاها الدهب يا عم ,الدهب يا خويا, الدهب يا سيدي, دول يموتوا في الدهب

 

هاها ايوة ما انا عارف وجبت اسورة وحلج زينين جوي, بس انا كنت عايز حاجة تانية يعني تستعملها وتبقى هدية خصوصي كديه من عريس لعروسته

 

ممم طيب ايه رأيك في ازازة برفان غالية وقيمة ومعاها كارت ظريف فيه كلمة حلوة

 

جزازة البرفان ماشي, لكن بلاش منيها حكاية الكارت ديه

 

ليه بس! دي هتبقى حاجة رومانسية وذكرى يخلدها زمن الحب هاهااا

 

ايوة ما انا عارف, لكن يعني احنا صعايدة ولينا عوايدنا ودي لساها ما بجتش مرتي عشان اهديها بكلام حب..ولا اجولك, احنا نكتب الكتاب واديها الكارت وماحدش له حاجة عندينا عاد

 

هاهاا ايوة كدة يا عم.,اكتب على طول, احنا بتوع خطوبة برضو!

 

هاها عجبالك يا محمد

 

لسة بدري يا سيدي, انا لا فاضي للدهب ولا البرفانات والكروت دلوقتي, مش بعد ما اكمل دراستي في أوروبا يا عزيزي

 

ربنا يوفقك عاد يا عزت

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

(في المطبخ وقف والد محمد يتعجل زوجته في اعداد القهوة)

 

ما تيلا يا سناء خلصي, كل ده بتعملي تلات فناجين قهوة!

 

خلاص اهيه يا عبد المنعم, انت على طول مستعجل كديه!

 

طب حاسبي القهوة تفور وتطلع من غير وش والضيف يقول عليكِ ست جاهلة بعلوم القهوة

 

هاها بقى كدة يا عبد المنعم ! طب بالله عليك عمرك دوقت في حلاوة قهوتي؟

 

ايوة, قهوة الواد عليش ساعي المصلحة كان يستاهل عليها جايزة البن الدولي..الله يمسيه بالخير..ده بكى عليا بكا يوم ما طلعت معاش, مش قادر اوصفهولك

 

لا وصفتهولي كذا مرة, حتى بالأمارة خدك بالحضن وفضل يبكي ويقولك هتقطع بينا يا أستاذ عبد المنعم انت وعشرتك الحلوة

 

تصدقي انك ست مش كويسة يا سناء!

 

انا مش كويسة يا عبد المنعم!

 

ايوة, مش كويسة ونص, عشان المفروض حتى لو كنتِ سمعتي الكلام مني قبل كدة ما تكسفنيش وتقولي انا سمعته منك قبل كدة..الله يسامحك سديتي نفسي عن الكلام

 

هاها طب بالله عليك ما تزعل, وادي راسك اهيه هبوسها, حقك عليا يا عبد المنعم, انا بضحك وياك,بالأمارة أنا ما اعرفش حكاية الساعي واللي عمله معاك يوم ما طلعت معاش

 

طيب كويس, هشرب القهوة مع محمد وصاحبه وارجع احكيهالك من الأول

 

طيب, وانا مستنية..روح انت وانا هلبس واحط شال على راسي واجيب القهوة عشان اسلم على الدكتور عزت

 

طيب , ما تتأخريش....لكن قوليلي, ابنك كريم فين؟

 

بيذاكر مع اصحابه

 

أنا مش عاجبني الحكاية دي, بعد كدة يبقى يذاكر هنا قصاد عنينا, ايش عرفنا مين صحابه دول!

 

والله ابقى اتصرف معاه

 

بس اما يجي الولد ده

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

( عاد والد الدكتور محمد بأحاديث جديدة يسري بها عن نفسه ويستأنس بجالسيه..وأخيراً جاءت والدة الدكتور محمد تحمل صينية صفت عليها فناجين القهوة وكوب من الماء..تبسمت والقت السلام على الجميع)

السلام عليكم

 

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

ازيك يا عزت يا ابني

 

ازيك انتِ يا امي

 

الله يكرمك يا ابني, انت فعلاً ابني والله زي محمد وكريم

 

انا عارف والله يا أمي, دايما لما بوعالك بفتكر امي الله يرحمها وحنيتها

 

الله يرحمها ويرحم موتانا جميعاً..أنا سمعت انك هتخطب من الصعيد

 

ايوة ان شاء الله

 

لازم قريبتك بقى

 

لا مش جرايب, ولاد نجع واحد وعارف اهلها زين, ناس أفاضل ما يتخريوش عنيكو

 

الله يعزك يا ابني, والعروسة حلوة بقى ؟ هاها

 

هاها ايوة الحمدلله, لكن أخلاقها اللي شدتني ليها

 

ربنا يوفقك يا ابني, دانا لو ليا بنت ما اتجوزتش كنت جوزتهالك ولو غصب عنك شخصياً, حد يلاقي عريس في أدبك وأخلاقك ويسيبه!

 

هاها, الله يكرمك يا أمي, دعواتك ان ربنا يوفقني مع عروستي ودنيتي الجديدة

 

يارب يا ابني يوفقك ويسعدك, ولو ان زعلت انك هتعيش في الصعيد وتبعد عننا, طب ما تجيب عروستك وتعيش جنبنا في القاهرة, واحنا والله هنبقى أهلها وتبقى بنتنا ونسأل عليها دايما ونزورها

 

عارف والله يا أمي, لكن الحقيقة دي رغبتي من قبل ما ادخل كلية الطب,طول عمري بحلم ابقى دكتور واخدم اهل النجع وخصوصي ان الغلابة فيهم كاتير وما يتحملوش تمن كشوفات الدكاترة بتوع اليامين دول, ناوي اخلي الكشف بتمن رمزي تتحمله الناس

 

ربنا يوفقك يا ابني, عن إذنكو هروح اعملكو حاجة تانية تشربوها

 

اتفضلي يا أمي

 

( بعد إنهاء زيارته لصديقه توجه الدكتور عزت بسيارته إلى محل فاخر لبيع العطور وابتاع زجاجة عطر انتشى لأريجها..ومنديل زهري حريري فاخر..إلى جانب بطاقة ملونة انتوى أن يبث فيها بعض مشاعره الصادقة البريئة لزوجة مستقبله التي اختارها قلبه وارتضاها عقله.....عاد إلى منزله حاملاً هداياه الرقيقة,هرع إلى غرفته وأخرج قلماً من أحد الأدراج وفتح البطاقة الملونة وابتسم وما أن هم ليكتب حتى تبعثرت الأحرف داخله ولم يستطع لها جمعا. فما بداخله يصعب ترجمته على الورق..أخذته الحيرى , تنهد من أعماقه..ثم قال معنفاً نفسه)

 

يعني حتى الكلام ع الورج ما جادرش تكتبه يا عزت! اومال هتجولها ايه عاد لما توعالها جدامك! يا بوي! اتاري الواحد ما يعرفش حاجة في حياته واصل غيرلغة الطب والمشارط واوضة العمليات..وانا كنت هعرف منين عاد! هو انا كنت حبيت قبل كديه! دي أول ست في حياةي ممم أنا هجول اللي في جلبي من غير زواق عاد

 

بحبك يا جميلة يا حلم السنين , ربنا يقدرني وأسعدك طول العمر يا ملاك في صورة بشر....عزت

 

اديني كتبت اهو, جولت اللي في جلبي عاد, هو يعني لازماً اكتبلها شعر وكلام مترتب زي بتاع الشعرا! المهم الصدق والكلام يكون الواحد فينا حاسه , ياما ناس بتكتب كلام متزين لكن كداب ومن ورا الجلب...ياترى الهدايا هتعجبها؟ يارب يعجبوكي يا جميلة ...اجوم بجى ارتب شنطة السفر عشان اتوكل على الله بعد ما اصلي الفجر إن شاء الله

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

وصل الدكتور عزت بسيارته إلى القرية وتوقف أمام بوابة سراية عائلته وأطلق نفير السيارة لينتبه الحارس ..والذي هرع يفتح البوابة متهللاً

 

حمدالله ع السلامة يا جناب الداكتور, نجع ابو المنصور نور

 

هاها الله يسلمك يا بكري, النور نورك ونور أهل النجع كلاتهم, اتوحشتك والله يا بكري واتوحشت وشك السمح ديه

 

والله يا جناب الداكتور آنا اللي اتوحشتك عاد واتوحشت كلامك المليح

 

الله يخليك, خوي سلام جاعد ولا برا السرايا؟

 

لاه, سلام بيه لساه ما خرجش

 

طيب, لحظة اجيب الشنطة من العربية

 

لاه لاه, عنك يا جناب الداكتور, آنا اللي هشيلها, حمدالله ع السلامة عاد

 

( هرع الحارس بكري إلى السيارة وأخذ الشنطة وحملها فوق كتفه وتقدم الدكتور بها , فدخل إلى مبنى السرايا فرحاً وهو يبشر السيد سلام بقدوم شقيقه

 

سلام بيه, يا سلام بيه, جناب الداكتور عزت وصل)

 

عزت, خوي, الف حمدالله ع السلامة يا خوي, تعال في صدر اخوك

 

خوي, اتوحشتك يا سلام, اتوحشتك جوي يا خوي

 

والله يا خوي كل ركن في النجع وفي السرايا اتوحشك ياللغالي

 

تعيش يا خوي

 

كويس انك جيت ديلواك, كنت لسة هنادم ع البت حسيبة تحضر الفطور

 

لاه انا سبجتك وفطرت

 

واه! فطرت وين عاد؟

 

ع الطريج, خدتلي سندوتشين من كافيتريا جابلتني

 

واه! وهو ده يتسمى فاطور عاد! انت جاي من سفر ولازماً تاكل, ولا عايز تروح للعروسة ووشك اصفر وماترضاش بيك! هاها

 

هاها لاه وعلى ايه, نفطر يا خوي, نفطر

 

بت يا حسيبة, يا حسيبة

 

نعمين يا سلام بيه, واه! الداكتور عزت, حمدالله بسلامتك عاد

 

الله يسلمك يا حسيبة, ازيك وازي ولادك

 

زينين وملاح الحمدلله, نورت نجع ابو المنصو,جبتلنا معاك حاجة حلوة من مصر نفرحوا بيها العيال؟

 

هاها وانا انساكِ عاد انتِ وعيالك يا حسيبة! جبتلك صانية بسبوسة بالجشطة لما افتح الشنطة هدهالك

 

واه! بسبوسة بالجشطة! يا فرحتكو يا ولاد حسيبة الداكتور بيوكلكو حلويات ما سمعتوش عنيها في عمركو, ربنا ما يحرمنا منيك عاد يا داكتور

 

تعيشي يا حسيبة

 

يلا يا بت يا حسيبة, سويلنا فاطور زين كديه عشان العريس

 

واه, يبجى الكلام صح وهتتجوز الست جميلة بت ابو الحجاج يا داكتور؟

 

هاها صُح إن شاء الله يا حسيبة

 

يادي الفرحة الكابيرة عاد, ازغرت يا سلام بيه؟

 

مش ديلواك يا حسيبة, لما نجيب شبكة العروسة ابجي زغرتي واملي النجع زغاريت

 

الله يتمم عليكو الفرح يا بيه, هروح طوالي احضر الفاطور عاد

 

طب يلا الهمة..اجعد يا عريس واجف ليه!

 

وانت يا سلام يا خوي, ما ناويش تتجوز بعد جوازتك ما خابت؟

 

كله بأوانه يا عزت

 

ومتسني ايه عاد؟

 

نفرح بيك الاول وبعدها اشوف نفسي , مش عايز اتسرع تاني

 

الحريم الزينة مالية النجع, ولا ناوي تاخد تاني من مصر؟

 

حسب النصيب عاد, اللي مكتوبلها عيش معاي ربنا هيقربهالي, سواء كانت من النجع أو من مصر أو من بلاد برا هاها

 

هاها الله يرزقك ببت الحلال يا سلام يا خوي اللي تعوضك عن اللي فات

 

آمين يارب..وناوي امتى تزور العروسة ؟

 

بعد صلاة العشا إن شاء الله

 

هاها كانك مستعجل يا واد ابوي

 

في دي عندك حق, وناوي اكتب عليها كماني

 

واه واه, طب ما نسوي الدخلة خلي الفرحة تكمل

 

لاه, مش ديلواك, نستنوا كام شهر كديه على ما نظبطوا حالي ونفتحوا عيادة

 

وماله يا خوي, وكماني نكون بنينا سرايا جاديدة تليق بيك وبالعروسة

 

لاه لاه, لا سرايا ولا غيره, أنا هبني بيت عادي من دور واحد وحواليه حتة جنينة صغيرة كديه وخلاص

 

واه! وده يليق بعزت واد الحاج مطاوع!

 

سيبني على راحتي يا خوي, انا احب اعيش حياتي ببساطة , لا غاوي جصور ولا سكنة جصور

 

على راحتك يا عزت, دي حياتك وانت حر فيها, أهم شيء انك ما هتفوتش النجع وتبجى وسط اهلك وناسك

 

الحمدلله ...بقول ايه, عايزين نبلغ كامل بيه اننا هنزورهم الليلة

 

قبل ما نبلغوا كامل لازماً نبلغ عمك رفاعي كابيرنا, تبجى عيبة كابيرة لو روحنا لدار العروسة واتفجنا من غيره

 

عندك حق يا اخوي, ازاي فاتتني دي!

 

العروسة كلت عقلك عاد يا واد ابوي هاها

 

هاها, طيب يلا استعجل حسيبة عاد عشان نفطر ونروح لعمي

 

طيب..الفاطور وين يا حسيبة

 

جاية طوالي اهو يا سلام بيه

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

وفي مندرة الحاج رفاعي  عمهما جلس السيد سلام والدكتور عزت يحتسيان الشاي معه, فقال العم مرحباً بعزت

 

يا مُرحب يا عزت يا ولدي, طوالي كديه مصر واخداك منينا!

 

هاها خلاص يا عمي, اتخرجت وهفتح عيادة هنيه في النجع ومش هفارجكو واصل إن شاء الله

 

عال عال..والله يا ولدي كان نفسي خوي مطاوع يكون عايش ويشوفك داكتور كد الدنيا, كان بيتمنى اليوم ده الله يرحمه

 

الله يرحمه, البركة فيك يا عمي, انت بداله

 

طبعاً يا ولدي..وانت يا عزت, ما ناويتش تتجوز بعد ما طلقت ولا هتقعد كديه من غير مرة!

 

ناوي يا عمي, بس ما خبيش عليك ماليش نفس ديلواك, الطلاق برديك مش بالساهل

 

هاها كانك حزنان عليها, طب ما تردها

 

لاه, راحت لحالها بعد ما عطيتها نفقتها و كل حجوجها, ربنا يرزقها باحسن مني

 

ويرزقك باحسن منيها يا ولدي..طب ايه رأيك في بت الحاج صديج واد عم ابوك ؟اصغر بت في بناته وما هيعزهاش عنيك

 

واه! هاها دي صغيرة جوي يا عمي

 

وانت كبرت ولا ايه عاد! دانت ما كملتش تمانية وتلانين سنة يا ولدي

 

ولو يا عمي, دي البت على ما اظن ما كملتش سبعتاشر, يعني زي بتي

 

الراجل ما يعيبوش سنه يا ولدي, وماشاء الله عليك,في عزك وشبابك..طيب بلاش منيها, هكلملك الحاج عبد اللطيف على بته المتطلقة, بختها مال مع واد لا من توبها ولا من مقامها, خلفت منه بت واهي عايشة معاها, واهو تربيها زي بتك, قولت ايه؟ يا ولدي انا عايز اطمن عليك , ماعاجبنيش جعدتك من غير مرة كديه

 

خلاص يا عمي, القول قولك, نتكلم عليها بس بعد ما نخطبوا لعزت

 

واه! ماشاء الله, ماشاء الله, ولقيت عروسة ولا نخلي مرت عمك تدورلك عاد

 

لقيت يا عمي الحمدلله

 

ودي تبجى بت مين في النجع؟

 

بت ابو الحجاج

 

جميلة! زين ما اخترت يا ولدي, عيلة ابو الحجاج ونعم النسب ممم وياترى اتحددتوا ويا خوها كامل يا سلام واتفجتوا على كل شيء ؟

 

ودي تاجي يا عمي قبل ما نشوروك وناخدوك معانا تخطبها لواد اخوك بنفسك!آنا بس جسيت النبض لقيت خوها مرحب,استنيت لما جه عزت وجولت لازم ابلغ عمي رفاعي عشان الاتفاق يتم في حضوره وبعد شورته

 

طول عمرك الأصول ما تفوتكش يا سلام يا واد خوي

 

تربيتك يا عمي

 

ونعم التربية يا ولدي..خلاص, على بركة الله, بلغ خوها كامل يا سلام ان العشا في بيت العروسة الليلة

 

أمرك  يا عمي ..نشاوروك في اللي ناوين عليه عاد قبل ما نروحوا

 

خير يا ولدي

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

(اتجه السيد كامل إلى سرايا والدته الحاجة فايقة ليبشرها بزيارة العريس وشقيقه..دلف إلى ردهة القصر فوجد أمه وأخته فتبسم وألقى نظرة على جميلة وقال لوالدته وهو ما زال ناظراً إليها)

 

صباح الخير يا ام العروسة

 

(خجلت جميلة وأطرقت رأسها وأخفت ابتسامة كادت تطل على محياها..فرحت الأم وقالت)

 

واه! ياك واد مطاوع جه من مصر؟

 

جه يا امّا, وجاي هو وعمه الحاج رفاعي وخوه سلام يتعشوا عندينا الليلة

 

يا مُرحب, يا مُرحب, السرايا سرايتهم عاد

 

وانت يا عروسة ؟

 

وانا ايه يا خوي؟

 

مش فرحانة ان عريسك جاي يتعشى عندينا؟

 

ممم آنا طالعة فوج, عايزة حاجة يا امّا

 

سلامتك يا بتي..يعني لازماً تكسفها يا ولدي! اختك بتستحي من الحديت ديه

 

وماله يامّا, هي البت تبجى بت من غير حيا! الله يرزق بناتنا الحيا يا امّا

 

آمين يا ولدي.طب شور عليّ, نطبخ ايه للجماعة دول؟

 

واه! اعملي حاجة تشرف يا امّا, وآنا عن نفسي هشيعلك البت نعمة تساعد حورية عشان ما نجصرش مع الناس

 

وماله يا ولدي

 

( فجأة يسمع الجميع أصوات ثغاء خراف في الحديقة..فيتجه السيد كامل إلى الشرفة, فيجد الحارس بكري وهو يسحب ثلاثة خراف ويسلمهم إلى عبد العاطي حارس السيد كامل..فيسئل السيد كامل بكري )

 

مرحب يا بكري, ايه اللي معاك دول؟

 

مرحب يا جناب كامل بيه, دول تلات خرفان, تنين باعتهم العريس الداكتور عزت, وواحد باعته الحاج رفاعي عمه

 

هاها طب متشكرين, خدهم منه ودخلهم الزريبة يا عبد العاطي

 

أمرك يا كامل بيه

 

(يستدير السيد كامل مبتسماً إلى والدته ويقول)

 

سمعتي يا امّا, العريس وأهله جايين بخيرهم, مشيعين تلات خرفان عشان العروسة

 

واه! وايه يعني تلات خرفان! والله لو شيعوا اربعين جمل محمل دهب ما يليق بمجام جميلة بتي , هي جميلة شوية ولا نسبنا اي نسب! طب دانا ناوية اخد حبابي عنيهم في الشبكة

 

هاها خفي يا حاجة من شغل الحموات, الواد امه ميتة ومش حملك

 

هاها واه! طب ما هو ابني كماني وهيبجى جوز بتي وحتة من جلبي, بس الناس مقامات يا ولدي

 

والله يا امّا ما بكتر المال ولا الدهب, المهم هداوة السر

 

ربنا يتمملهم على خير يا ولدي ويهدي سرهم ...ويرزقك الواد يا كامل

 

هاها آمين يا امّا, يلا جومي جهزي حالك وشوفي هتحتاجي ايه وانا هسيب عبد العاطي تحت لو عوزتي حاجة شيعيه يشتريها , خدي الفين جنيه اهم

 

واه! شيل فلوسك يا ولدي, هي امك ما حدهاش!

 

حداكِ الخير كله يا امّا, بس ده عريس اختي وآنا اللي واجب عليّ اصرف

 

تعيش يا ولدي, راجل وزين الرجال يا كامل, ربنا ما يحرمنا منيك

 

********************************************

في غرفته وبعد أن ارتدى بذلته, أخرج الدكتور عزت العلبة القطيفة الحمراء التي حوت الهدايا الذهبية لعروسه,فتحه وابتسم ثم سرعان ما أغلقها ودسها في جيب سترته..ثم نظر إلى قنينة العطر والمنديل الزهري والبطاقة الملونة القابعون في درج مكتبه وقال مبتسماً

 

لسة مش اوانكم, بعد ما اكتب عليها عاد وتبجى حلالي وما تستحيش من الكلام اللي كاتبه عشانها واديها المنديل في يدها ومعاها جزازة البرفان..ربنا يقرب الباعيد يا جميلة

 

( وفجأة يطرق شقيقه سلام الباب ليتعجله قائلاً)

 

يلا اومال يا عزت,اتأخرنا ع الناس

 

جاي يا خوي اها

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

اجتمع الرجال في بهو قصر الحاجة فايقة بهذه المناسبة السعيدة وقد صفت أمامهم صحاف الحلوى والفاكهة المتنوعة وكؤوس العصائر, ورحب بكبيرهم السيد كامل وحياه قائلاً:

 

يا مُرحب يا حاج رفاعي, والله السرايا نورت بوجودك

 

تعيش يا ولدي, آنا لما عزت واد اخوي شار عليّ في خطوبته لبتكو,جولتله عيلة ابو الحجاج ناس ونعم الناس ونسبهم يشرفنا

 

الله يخليك يا حاج, انتو الاحسن...واه, مالك يا عريس ما بتتحدتش ليه!

 

هاها لا ابداً, أنا بس ما اقدرش ابدأ بالكلام واتخطى عمي

 

واد أصول يا داكتور

 

الله يخليك يا كامل بيه

 

خوي عزت لو لف على رجليه الدنيا بحالها ما يلاجي زي نسبكو عاد يا كامل

 

الله يعزك يا سلام..وانت خلاص نويت ع العيشة هنيه يا داكتور؟

 

ايوة إن شاء الله, أهل بلدي اولى بيا وبالعلام اللي اتعلمته

 

صح لسانك يا داكتور. نسكت بجى في حضرة كابيرنا ونسمعه عاد

 

تعيش يا ولدي..عزت واد خوي عايز يكتب على عروسته يوم الخميس الجاي

 

كتاب على طول كديه!

 

وهنستنوا ايه يا ولدي عاد! واحنا جاهزين لكل طلباتكو

 

كد الجول يا حاج رفاعي.آنا ماليش طلبات, واختي تختار الشبكة اللي هي عايزاها حتى لو جرام دهب ماليش صالح, آنا لا بتشرط في دهب ولا في شوار, دي حاجة تخصها هي وعريسها

 

واحنا يا ولدي نتاجلوها بالدهب, مقامها من مقام واد خوي, وواد خوي مقامه عالي, والشبكة اللي هتختارها هنجيبوا عليها بزيادة عشان تعرفوا مقامكو عندينا

 

تعيش يا حاج رفاعي, والجواز ميتى؟

 

ادونا كام شهر نبني بيت العريس ونجهزه وكمان نجهزله عيادته

 

وماله, خدوا وقتكو, بس ما يزيدش عن ست شهور عشان يبقى الكلام له أول وآخر عاد

 

واحنا موافقين ..طيب يا ولدي مش هنخلوا العريس يشوف العروسة عشان نفسه تتفتح ع العشا ولا ايه؟ هاهااا

 

هاهاا, يشوفها حالاً اومال.,بالإذن عاد

 

إذنك معاك عاد يا ولدي

 

( اتجه السيد كامل إلى المطبخ ونادى حورية والتي كانت منهمكة مع خادمته نعمة في شئوون الطعام والقدور الكبيرة التي عج بها المطبخ )

 

بت يا حورية

 

نعمين يا بيه, نعمين, خلاص الوكل اهو هنغرفه واللي في الافران هنطلعه

 

سيبي الطبيخ لنعمة ديلواك واطلعي نادمي جميلة وامي عشان يسلموا على العريس وناسه

 

حاضر يا بيه, يارب يتمم بخير يارب وعجبال بناتك

 

تعيشي..الهمة يا نعمة

 

اهو يا بيه, على اخر جهدي والله

 

معلش تعبناكِ معانا

 

واه! كيف تجول اكديه! كلاتنا فرحانين للست جميلة, دي الفرحة الكابيرة عاد

 

تعيشي يا نعمة

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

بينما جميلة تعد نفسها وترتدي حجابها وتنظر في المرآه على فستانها الوردي الأنيق,كانت أمها تجلس على المقعد ترقبها في اعجاب متبسمة ..قالت مبهورة

 

ماشاء الله, جمرة يا جميلة,الله يصونك من عين حسادك يا بتي ويتملك على خير

 

هاها صُح حلوة يا امّا؟

 

واه! يعني ما وعياش لروحك يا بت!..يلا همي ولا اخوكِ يستعوقنا

 

خلاص اهو يا امّا

 

خلاص ايه يا بت! وين دهبك؟ مالبسهوش ليه!

 

واه! ما انا لابسة غويشتين وخاتم اهو!

 

غويشتين وخاتم! كان اهلك شحاتين يا حزينة انتِ! البسي السلسلة الكابيرة أم مصحف وتحتيها سلسلتين صغار وكملي  الغوايش دستة وزودي والخواتم في يدك

 

يا بوي يا امّا! هيبجى شكلي عفش وكيف الغوازي, الدهب كل ما قل كل ما زاد جماله ع الوحدة, هلبس سلسلة صغيرة وكديه يبجى زين جوي

 

ايوة زين جوي, كيف الشحاتين بالتمام, يلا يا فقرية  يا للي كارهة  الدهب خلصينا في ليلتك

 

هاها واه! مش لسة كنت بتجولي جمرة من شوية! والله كيف البحر انتِ يا امّا يجلب في ثانية

 

بلا بحر بلا ترعة خلصينا لنغرجوا

 

خلاص اهو

 

(تطرق حورية الباب وتنادي)

 

يا حاجة فايجة

 

ادخلي يا بت يا حورية

 

واه! الله أكبر على عروستنا الله أكبر, كان العريس ما هيمشيش غير لما يكتب وياخدك وياه الليلة

 

هاها يا بت يا حورية جولتلك بستحي

 

هاها طب يلا يا ست العرايس عشان خوكِ كامل بيه شيع عايزك انتِ والحاجة, الف مبارك يا حاجة للست جميلة

 

الله يبارك فيكِ يا بت يا حورية, اسبجينا واحنا هنحصلك , يلا يا جميلة

 

يلا يا امّا..لكن ليه يا امّا خوي كامل ما جابش حياة والبنات؟

 

واه! ويجيبهم ليه! ما هينوبنا إلا جلبة دماغ العيال وزن البت الصغيرة

 

ليه بس يا امّا! ربنا ما يحرمنا منيهم,طب دول بيعملوا روح للسرايا, والله مالوش حق كامل خوي, كان نفسي حياة تبجى معاي في ليلة زي دي

 

وهتعملك ايه حياة! لا وجودها هيزودنا ولا غيبتها هتنجصنا

 

الله يهديكِ عليها وعلينا يا امّا

 

يلا يا بت يلا بلاش منيه الكلام اللي مالوش عازة

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 ( وعلى الدرج نزلت حورية مسرعة وهي تقول فرحة  العروسة نازلة هي والحاجة ديلواك...وبدت جميلة  العروس الحسناء من أعلى الدرج بصحبة والدتها خجلى تنزل على استحياء..وما أن لمحها عزت حتى علت دقات قلبه و ابتسم في خجل,يعلق بصره بها تارة ويخفضه تارة خجلاً من أن يرقبه أحد الحضور..نزلت العروس ووقفت خلف والدتها التي دخلت مرحبة بالحضور وحيت كبيرهم  

 

مرحب يا حاج رفاعي

 

الله يرحب بيكِ يا حاجة

 

كيف يا سلام يا ولدي

 

تمام يا حاجة الله يخليكِ

 

منورنا يا عزت يا ولدي

 

النور نورك يا حاجة

 

تعيش, تعالي يا جميلة سلمي على الحاج رفاعي

 

ازيك يا حاج رفاعي

 

الله يسلمك يا عروستنا, ماشاء الله, تبارك الرحمن, مش هترحب بعروستك يا عزت! هاها

 

ممم....ازيك يا جميلة

 

الله يسلمك

 

آآآاتفضلي, دي هدية بسيطة, اسورتين وحلج يا رب يعجبوكي....ايه رأيك فيهم؟

 

الله..زينين جوي

 

وريني يا جميلة يا بتي

 

شوفي يا امّا

 

الله الله حلوين جوي يا ولدي..بس دول غير الشبكة , مش كديه؟

 

طبعا يا حاجة, دي هدية بسيطة بس بالمناسبة دي

 

تعيش وتجيبلها يا ولدي ..خدي هديتك واطلعي يا جميلة

 

حاضر يا امّا..عن اذنكم

 

اتفضلي

 

( استدارت جميلة واتجهت إلى الدرج بينما الدكتور عزت يسترق النظر إليها شارداً, فلم يخرج عن شروده إلا عندما ربت على ساقه أخوها السيد كامل وهو يقول)

منورنا يا عريس

 

ها! آآبنورك يا كامل بيه

 

( وبينما هم كذلك تأتي حورية لتخبرهم أن العشاء جاهز ..فقام الرجال وجلسوا إلى مائدة الطعام الفاخرة يصاحبهم ترحيب السيد كامل)

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

عاد شاذلي من عمله في اليوم التالي, حيا صفية كعادته مبتسماً

 

مساالخير يا صفية

 

يسعد مساك يا شاذلي..احطلك تتعشى؟

 

مش تجولي اتوحشتك يا شاذلي في الاول!

 

واه! والله كانك فايج ورايج انت التاني, هحطلك تتعشى

 

العيال وين؟

 

راحوا يلعبوا مع ولاد هانم بت خالتي

 

في الليل كديه! الدنيا اتمست

 

وهيجرالهم ايه! العفاريت هتاكلهم! هيلعبوا شوية وياجوا

 

ياجوا بالسلامة ان شاء الله..ما دريتيش

 

ما دريتيش بايه عاد؟

 

الداكتور عزت واد الحاج مطاوع خطب جميلة بت عمي

 

يا مري! الداكتور عزت!...طبعا, اومال يعني هيخطب مين! لازماً يدور ع الحسب والنسب اللي يليق بيه, وطبعاً دول بالكوم عند جميلة العايقة اللي شايفة روحها

 

هاها شايفة روحها على ايه بس وفي اللي احلى منيها, صفية مرتي الجمرة دي

 

هأ, الحظ ماله دعوة بالحلاوة, الحظ يعدي من فوج راس الزينة عديمة المال ويسقط في حجر العفشة عشان حسبها ومالها

 

هاهاا, بس جميلة مش عفشة, جميلة تبارك الله, مال وجمال وحسب ونسب

 

يا بووي, انت بتغلني يا راجل انت!

 

هاها ما قصديش يا صفية, هيكتبوا الكتاب يوم الخميس إن شاء الله, يوم الجمعة فرح صالح واد الحاج زيدان الله يرحمه

 

اخو حياة!..وانت مين خبرك؟

 

كامل واد عمي, وعزمني على كتب الكتاب وعلى فرح صالح اخو مرته كماني وجالي تاجيب مرتك والعيال, هتروحي؟

 

كتب كتاب جميلة لاه, لكن هروح فرح اخو حياة..لكن مال الفرح هاجم عليهم بصدره كديه! خميس وجمعة افراح عنديهم!!

 

واه! جولي ماشاء الله تبارك الله, ربنا يديم الفرح على عبيده

 

واحنا مش من عبيده ولا ايه! ليه الفرح مخاصمنا والدنيا مديانا ضهرها كديه

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم, استغفري ربك يا صفية, ربك مش ظلام للعبيد, ولو بصيتي في نفسك وفي عيالك هتلاقي نعم كابيرة محروم منيها غيرك, وحتى المحروم من اللي عندك ربنا معوضه بنعم تانية, قولي الحمدلله

 

أوف, الأكل عنديك. أنا داخلة ارتاح في السرير, ما خبراش ايه الدوخة اللي ماسكة فيا دي

 

(تشعر صفية بالدوار وتتأوه وتستند إلى الحائط فيهرع إليها شاذلي

 

آه,آه

 

صفية, مالك يا صفية

 

دايخة ما عرفاش ليه جولتلك

 

هاها, تكونيش حبلى وهتجيبي أخ تالت للولدين؟

 

ألف بعد الشر, اوعاك تجول كديه,هخلف منيك عيال للهم تاني! آنا كل الحكاية اني تعبت كاتير في خدمة امي لما كنت عنديها

 

ربنا يديكِ العافية يا صفية وما شوفش فيكِ حاجة عفشة

 

طب بعّد عني بعّد ما طيجاش ريحتك, حاسة اني هطرش منيها, يا بوووي

 

( ازاحت صفية زوجها ودلفت إلى الحجرة تترنح, بينما ظل معلقاً بصره بها بأسى وخيبة أمل كبيرة..اغلقت صفية باب غرفتها وجلست على الفراش وهي تقول )

 

الخميس كتب كتاب المخفية, والجمعة فرح صالح, وبعدها بتلات ليالي مولد سيدي ابو المنصور..آخر ليلة ليك في الدنيا يا شاذلي الهم 

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

في صبيحة يوم الخميس,وقفت السيدة حياة تساعد زوجها في ملبسه.قالت وهي تضع أزرار جلبابه في عراها

 

والله ما كان لك حق يا كامل تخلي كتب كتاب جميلة الليلة

 

واه! ليه طيب؟

 

يعني ما عارفش يا كامل ان النهاردة حنة خوي صالح في بيت أهل عروسته وكان لازم احضر! أنا جولتله امبارح اني مش هحضر وحسيته زعل, وبصراحة عنديه حق, كيف اخته يعني ما تحضرش حنته! الناس تجول ايه!

 

هيجولوا مشغولة في كتب كتاب اخت جوزها, وفي الآخر ماحدش له حاجة عندينا, ولو ما عايزاش تحضري كتب كتاب جميلة اختي على راحتك عاد

 

واه! ايه اللي عم تجوله ده يا كامل! آنا ما حضرش كتب كتاب جميلة! ما حضرش كتب كتاب اختي الصغيرة! والله جميلة غالية علية وكان نفسي ما افارقهاش ابدا, مش كفاية ما خلتنيش احضر يوم ما اهل العريس طلبوها! وكماني ما خدتنيش معاك عشية وانتو بتجيبولها الشبكة

 

كنتِ هتاجي كيف بس يا حياة بالتلات بنيتا! وعالية هتفضل تزن وتجلب دماغنا واحنا ما ناجصينش خوتة

 

ممم وده كلامك ولا كلام امك؟

 

هاها وامي مالها ومال الحديت ديه يا حياة!

 

لا والله! ياك انا ما درياش بامك وبكلامها اللي يسد النفس, ولا آنا ما خبراش انها ما طايجانيش آنا وبناتي ولا رايدة تشوفنا لا في سما ولا في أرض

 

طب بس بس وطي صوتك البنيتا يسمعوكِ

 

وانت فاكر ان البنيتا ما عارفينش الكلام ديه ولا حاسين بيه من معاملة جدتهم ! من كام يوم سلمى جالتلي ليه يا امّا جدتي ما بتحبناش ولا عمرها حضنت واحدة فينا ولا حتى بتجيبلنا حلاوة كيف ما بتعمل عمتي جميلة

 

وانتِ رديتِ جولتِ ايه يا حياة, عيبتي في امي وكرهتيهم فيها؟

 

يتجطع لساني يا كامل, وانت تعرف عني كديه! آنا جولت للبت معلش يا سلمى,جدتك بتحبكو زي عنيها واكتر  بس هي مرة كابيرة ومالهاش في جَلَع البنيتا

 

هاها يسلم خشمك يا حياة, هو آنا بحبك من شوية يا بت يا جمرة انتِ!

 

يجبر بخاطرك ربنا

 

واه! ما تفردي وشك وبلاش منيها التكشيرة العفشة ديه

 

طيب

 

ماتزعليش من امي يا حياة, أمي بتحبك

 

جوي

 

هاهاهاها والله امي بتحبك بس انت خابرة هي ايه اللي مكدرها من ناحيتك

 

يعني هو بيدي يا كامل! ولا هو حد فينا يملك يحدد مصير نفسه وياخد اللي رايده! لو كان كل واحد بياخد اللي رايده من الدنيا ما كانش حد غلب, ده رزق وصاحبه مقسمه, بس اللي يرضى عاد

 

وآنا راضي برزقي وراضي ببناتي نور عيني  وراضي عليكِ يا حياة

 

الله يرضى عليك يا كامل

 

طب يلا عاد البسي انتِ والبنيتا عشان اوديكِ سرايا امي, ولا ما عايزاش تكوني جنب جميلة من الصبح؟

 

كيف ديه! هلبس آنا والبنيتّا طوالي ممم بس بجول ايه, معلش يعني هعدي على دار عروسة خوي ابارك لامها واودي واجب واتعذرلها عشان مش هقدر أحضر الحنة

 

وماله, خدي الواجب اللي انتِ عايزاه وآنا هوصلك بيه لحد هناك بالعربية, وبعدها ابقي خدي العيال وروحي لامي..هنزل اخلي نعمة تعملي كوباية شاي على ما تنزلوا

 

كتر خيرك يا كامل.هنحصلك طوالي, بس جول لنعمة تلبس الله يخليك عشان هتاجي معانا

 

طيب يا حياة

**************************************

(اتجهت السيدة حياة إلى غرفة بناتها وفتحت الباب فوجدت الكبيرة سلمى والوسطى وطفة تداعبان أختهما الرضيعة عالية ويمسحان على رأسها ويربتان على جسدها الرقيق بعطف ..ابتسمت الأم وقالت)

 

الله أكبر عليكو يا بناتي, الله يزيدكو حنية على بعض وما يفرقكو أبداً, هاتوا عالية عشان ارضعها يا سلمى, وانتِ البسي انتِ ووطفة عشان نروح سرايا جدتكو

 

طيب يا امّا, اتفضلي عالية اهيه

 

هاتي يا بتي, بسم الله الرحمن الرحيم, ايه يا عالية يا نن عين امك من جوا,اخد بوسة من الخد العسل ده,  يلا يا وطفة جومي مستنية ايه! بوكِ مستنينا تحت

 

جايمة اهو يا امّا, هو بوي ما جبلناش ليه فساتين جاديدة نحضر بيها كتب كتاب عمتي جميلة؟

 

واه! بوكِ جاب تلات فساتين لونهم إبيض زي ما طلبتوا عشان تلبسوهم بكرة في فرح خالكم صالح

 

وايه يعني, كنا عايزين فساتين جاديدة النهاردة كماني

 

لاه, النهاردة البسوا اي فساتين من اللي مكومة عنديكو وبكرة تلبسوا الجاديد, وإن شاء الله يوم الفرح الكابير بتاع عمتك جميلة نجيبلكم تاني وكفاكِ رط يا بت انتِ والبسي في يومك ديه, يا بوي عليكِ يا وطفة

 

خلاص اهو يا امّا, طلعيلي الفستان لِاصفر بتاعي يا سلمى

 

خدي أها, آنا هلبس البنافسجي..عالية هتلبس ايه يا امّا؟

 

مالكيش صالح بعالية خلصوا انتو بس

************************************

(وأمام منزل والدة العروس وقف السيد كامل  بسيارته وقال لزوجته حياة)

 

خدي عيالك والواجب اللي معاكِ وانزلي يا حياة

 

طيب.اسبجينا يا نعمة بالسبت على جوا

 

حاضر يا ست حياة

 

( نزلت نعمة وسحبت السبت وحملته على رأسها وسبقت سيدتها حياة  ودلفت إلى دار أهل العروس ..وجدت أم العروس أمامها فقدمت لها التبريكات قائلة

 

الف بركة يا ام العروسة, ربنا يتمم بخير

 

الله يبارك فيكِ يا نعمة..من مين السبت الكابير ديه؟

 

من الست حياة اخت العريس صالح بيه, اهيه جاية ورايا اها هي والبنيتا

 

يا ألف مرحب بيها

 

(دلفت السيدة حياة تحمل صغيرتها إلى صدرها وخلفها سلمى ووطفة..تبسمت وألقت  السلام قائلة)

 

سلامو عليكو يا ام العروسة

 

عليكم السلام, يا مُرحب يا مُرحب يا حياة يا بتي

 

الله يرحب بيكِ يا حاجة رتيبة,تعالوا يا بنات, الف بركة وربنا يتمم بخير

 

يبارك فيكِ وعجبال ما تفرحي ببناتك يا رب, كيفيكم يا بنيتا يا حلوات؟

 

الحمدلله

 

ازيك يا جمرة يا صغيرة, الله أكبر, جمرة, والله نسيت سمتيها ايه يا بتي

 

عالية يا حاجة

 

الله يعليكِ ويعليها يا بتي..ولزومه ايه السبت الكابير اللي جايباه معاكِ ديه!

 

واه! كيف تجولي كديه! دولا كام جوز حمام وعلى كام بحة وشوية حاجات بسيطة ما تليجش بمجامكم ومجام عروستنا الحلوة

 

تعيشي يا حياة يا بتي. الواجب نردهولك يوم ما تفرحي بخلفة الواد

 

......والله كله خير من عند ربنا, وبناتي دول ضي عيني, بس ربنا يبارك فيهم وما يحرمنيش منيهم

 

يارب يا بتي

 

أومال عروستنا وين؟

 

نزلت المركز مع بوها وخواتها تجيب شوية حاجات ناجصاها قبل ما ننشغلوا في الحنة والجرايب والمعازيم

 

طيب سليملنا عليها, نشوفوها بكرة في الليلة الكابيرة إن شاء الله

 

واه! ما هتحضريش الحنة الليلة؟

 

والله كان نفسي,وشي منيكِ في الأرض يا حاجة, بس كتب كتاب جميلة اخت جوزي الليلة ولازماً أكون معاها, إنتِ عارفة ما ينفعش اجصر مع اهل جوزي, بس جولت مادام ما هحضرش معاكو الحنة في الليل  آجي ابارك في الصبح قبل ما اروح سرايا حماتي

 

كتير خيرك يا بتي, زي امك الله يرحمها, ماكانش يفوتها واجب وتراضي الكل وما تزعلش حد منيها..الله يرحمك يا نافيسة

 

الله يرحمها ويرحم جميع موتانا....طيب ما عايزاش حاجة قبل ما امشي يا حاجة؟

 

لاه يا بتي, كتر خيرك عاد

 

يلا يا نعمة

 

يلا يا ست حياة, فوتناكِ بعافية يا ام العروسة وسلميلنا ع الست صابرين العروسة الجمرة

 

الله يسلمك يا نعمة,بالسلامة

**********************************

(ما أن خرج شاذلي إلى الحقل وذهبا ولداه  للعب حتى أسرعت صفية إلى داخل الغرفة..فتحت دولابها ورفعت بعض الملابس وتحسست شيء ما وأخرجته..إنها النقود التي تركها شقيقها بدران لها كنفقة لوالدته ولكنها استحوزت عليها..ابتسمت ابتسامة ماكرة وقالت)

 

جه وقتكو يا فلوس بدران..هلبس واروح على دكان مرعي البجال اجيب الواجب اللي هشيعه لدار الحاجة فايقة عشان كتب كتاب المحسبة بتها هاها اومال,ماانا ما يفوتنيش الواجب حتى مع عدويني,آه يا طيبة ومسكينة يا صفية هاهاا...ومش بس كديه,آنا لازماً أجيب ديك رومي بحاله واشيعه مع الواجب كماني..لازماً الحاجة فايجة تِعرف كد ايه آنا مجدراها وعاملة كل المليح عشان خاطرها وبس..نعملوا زي ما جالتلي الخالة سكينة بالتمام..والله خالة سكينة دي طيبة,طيبة ومافي في طيبتها حد في النجع, بتعمل معاي ده كله لوجه الله وما طلبتش مني مليم اِحمر, ربنا ما يحرمني منيها الخالة سكينة الغالية, شوف والناس يجولوا عليها مرة لئيمة وخبيثة,ياما في الدنيا مظاليم صُح

************************************

(وأمام دكان مرعي البقال وضعت صفية السبت الفارغ على اللوح الخشبي بجوار الميزان و وقفت تبتاع بغياتها بعد أن حيته )

 

إصباح الخير يا عم مرعي

 

يسعد صباحك يا بتي

 

اديني الله يرضى عنيك عشر كيلو سكر وكديهم رز وكد اتناشر باكو شاي من الصغير ديه واتناشر جزازة زيت وعشر جزايز شربات من المليح, اوعاك تديني من العفش

 

هاها واه! عنديكو فرح ولا ايه؟

 

اومال! فرح جميلة بت ابو الحجاج, ولا ناسي انها بت عم جوزي!

 

آه والله نسيت, مبروك وعجبال عيالك

 

تعيش يا عم مرعي, بسرعة الله يخليك اديني حاجتي خليني امشي

 

طيب يا بتي...بس يعني ما تآخذنيش الحاجات اللي طالباها ديه هتكلفك فلوس كاتير

 

واه! جرا ايه يا عم مرعي! ما تكلف زي ما تكلف, حد جالك اني هاخدهم من غير فلوس!

 

طيب ما تزعليش كديه يا بتي, آنا بس حبيت انبهك يمكن مش واخدة بالك, ويمكن تحبي تقللي منيها الحاجات ديه

 

لاه, اللي جولته هاته وهتاخد حسابك ديلواك, وتاني مرة ما تبجاش تقطمنا بفقرنا

 

يا بتي كلنا فقرا والغني هو والله , آنا ما جصدتش حاجة عفشة, كل الحكاية ان نجعنا صغير وكلنا دارين بحال بعض,عارفين مين اللي معاه المال الكاتير ومين اللي عايش بستر ربه

 

طيب يلا يلا, حط الحوايج في السبت و بلاش منيه الكلام اللي يسم البدن ديه, لسة ورايا مشوار للمرة ام ناصر بياعة الفروج عشان اجيب منيها ديك رومي   

 

هاها ديك رومي كماني! والله كانك وجعتي على كنز يا صفية يا بتي

 

طب يلا خلصنا عاد يا عم مرعي ,يا بوي على رطك يا راجل انت

******************************************

 

(في قصرها كانت الحاجة فايقة تقف عند باب المطبخ  متوترة تصرخ في حورية معجلة إياها )

 

بت يا حورية, همي خلصي اللي في يدك, لسة ورانا حاجات كاتير النهاردة, يلا يا بت, بتعملي ايه عندك انتِ!

 

يا حاجة اخلص كيف بس! دا الدنيا مدربَكة وورايا ياجي غيط خضار عايز يتنضف,غير الفراريج اللي عما ادبح فيها من الصبح لما يدي يبست , ده غير الخرفان اللي الجزار دبحهم وشيعهم. آنا عارفة انتو جايبين ده كلاته ليه وعشان ايه! ده الليلة يا دوب كتاب مش فرح كابير

 

واه! انتِ هتعدي علينا المجايب يا حزينة انتِ! كل واحد بيجيب مجامه, وده كتاب جميلة بت ابو الحجاج مش أي بت

 

ربنا يتمم بخير يا حاجة..بس آنا بصراحة ما هجدرش أسوي الوكل ده كله لحالي

 

ومين جالك انك هتسويه يا حزينة انتِ! كامل هيشيع لنا تلاتة طباخين خصوصي من المركز

 

يكون أحسن, طمنتي جلبي

 

طب يلا يلا الواحد على أعصابه وما ناجصش, اخلصي

 

(وفجأة يدق جرس الباب وتنادي الصغيرتان من الخارج..افتحي يا جدتي فتمتعض الجدة وتقول)

 

يا ابوي, واحنا ناجصين ديلواك! مشيع مرته وعياله من بدري ليه كامل! روحي افتحي يا حورية في اليوم اللي ما يعلم بيه إلا ربنا ديه

 

طيب طيب يا حاجة, هدي خلقك شوية, واه!

 

( تسرع حورية وتفتح الباب وتندفع الصغيرتان داخلاً فرحتان وخلفهما أمهما تحمل أختهما الرضيعة وإلى جوارها نعمة تحمل أغراض حياة..ترحب حورية بحياة )

 

أهلاً يا ست حياة,كيفك

 

مليحة الحمدلله, كيفك انتِ يا حورية؟

 

الحمدلله يا ست, نعمة, الحمدلله انك جيتي, تعالي معاي ع المُطبخ ورانا هم تاجيل

 

هاها طيب, استني اسلم ع الحاجة واحصلك, هي وين ؟

 

في المطبخ, أهي خرجت اهيه

 

(تهرع إليها الطفلتان فرحتان يقفزان حولها, وتقولان)

 

اتوحشناكِ يا جدتي

 

ما تشوفوش وحش يا بنات ولدي

 

(تتجه إليها حياة مبتسمة وتقول)

 

ألف مبروك لجميلة يا حاجة

 

الله يبارك فيكِ يا حياة...عقبال ما تفرحي بالبنيتا يا ام البنيتا

 

أوف..تعيشي يا حاجة

 

الف بركة للست جميلة يا حاجة

 

يبارك فيكِ يا نعمة, روحي ساعدي حورية اللي يرضى عنيكِ

 

ايوة اومال هروحلها, بس جولت اسلم عليكِ في الاول, بالإذن

 

اذنك معاكِ

 

اومال جميلة وين يا حاجة؟

 

بتقيس الفستان اللي جابته الخياطة

 

( تبكي الصغيرة فتتأفف الجدة وتضع يداها على أّذنيها وهي تقول بضجر)

 

يا بوووي, بدينا الزن ووجع الدماغ عاد

 

......معلش يا حاجة استحملينا..ليلة وتعدي, يلا يا بنات نطلع لعمتكم

 

(أخذت حياة ابنتيها بغضب وصعدت الدرج بقلب يحترق غيظاً وعينان ملتهبتان حنقاً...وما أن اقتربت  من  باب غرفة جميلة حتى وقفت و حاولت ابتلاع كل الغصص في حلقها وحاولت رسم ابتسامة حتى لا تكدر صفو جميلة..لاحظت الطفلتان ما ألم بأمهما,كانتا صامتتان يرقبان أمهما بحزن عميق..ربتت على كتفيهما بعطف وقالت بحنو)

 

واه! مالكم يا بنيتا في ايه! يلا عاد خبطوا على عمتكو

 

 (تطرق الطفلتان الباب وتنادي حياة)

 

جميلة, ندخل ولا ايه يا عروسة عاد؟

 

حياة يا جلبي, ادخلي يا غالية

 

(دخلن فإذ بجميلة ترتدي فستان رقيق لونه كلون السماء الصافية وطرحة مزركشة من ذات اللون..فابتسمت حياة وقالت)

 

الله أكبر, صباحك زي الفل يا عروسة

 

زي الفل عشان اتصبحت بيكِ والبنيتا عاد, هاتي عنيكِ عالية الجمرة ديه حبيبة عمتها اموه جمر يا ناس جمر الله أكبر......واه! مالكم يا بنيتا؟

 

مافيش حاجة يا عمتي؟

 

لاه صُح في ايه؟ مالهم البنيتا يا حياة؟

 

مافيش حاجة يختي, بوهم بس زعج فيهم قبل ما ناجي

 

ممم بوهم ولا امي هي اللي سمعتكم كلمتين من كلامها المليح ع الصبح؟هاها جالت ايه امي يا حياة صُح؟

 

لا جالت ولا عادت, الله يهديها علينا

 

مممم ما جولتليش رأيك في الفستان عاد, حلو عليا؟

 

بسم الله ماشاء الله, حلو جوي يا جميلة,ولونه هادي وجميل, وريني جماشته كديه؟

 

شوفي

 

الله , حلوة جوي, مبروك عليكِ يختي ويتملك على خير

 

تعيشي يا حياة, ما شوفتيش الشبكة اللي جابهالي عزت, استني اما اجيب العلبة من الدولاب,سمي وشيلي عالية )

 

(اسرعت جميلة إلى الدولاب وأخرجت العلبة الكبيرة المكتظة بالذهب الذي جلبه العريس لأجلها,فتحتها وهرعت إلى حياة بوجه باسم لتريها إياها..قالت)

 

شوفي يا حياة شوفي عجبال شبكة بناتك

 

الله أكبر, بسم الله ماشاء الله, حاجات زينة ومليحة

 

واه! ما تطلعي بيدك وتشوفي, انتِ عم تتفرجي من باعيد ليه؟ خدي شوفي الأساور دول, ولا الغوايش دول, وخدي شوفي السلسلتين الكبار دول, ولا الأربع خواتم والتلات حلجان والعجدين دول وشوفي الانسالين دول كماني..كله ذوج امي هاها أنا ما اختارتش غير الخاتم والإسورة ديه, وعزت يضحك ويجولي,مكسوفة ليه كديه! اختاري اللي نفسك فيه وما يهمكيش الفلوس يا جميلة, وأنا اتكسف واحط يدي على خشمي واضحك وامي تنغزني في جنبي وتبرجلي بعنيها وتجول اختاري يا جميلة, وانا اجولها كفاية كديه يا امّا, راحت زغداني بكوعها في جنبي وجالت لعزت آنا اللي هختار, بتي بتتكسف ,بقت هي تكوم في الدهب وعزت يدفع هاها وانا وكامل كنا هنطُج من امي هاها

 

هاها أمك بقى وعايزة تاجيب الشبكة اللي تليق بيكِ, تستاهلي اكتر من كديه يا جميلة والله

 

تعيشي يا حياة..عم العريس الحاج رفاعي بعد ما امي اختارت كل اللي نفسيها فيه, راح جايبلي السلسلة الكابيرة دي ومعاها الخاتمين دول , وقال عشان جولنا في مجلس الرجال اننا هناجيب زيادة على اللي العروسة اختارته عشان قيمتها عندينا

 

ماشاء الله, العريس وناسه طيبين يا جميلة, الله يهنيكي بيهم يختي

 

تعيشي..ايه رأيك يا سلمى؟

 

زينة جوي يا عمتي

 

عجبال شبكتك يا جلب عمتك, وانتِ ما جولتليش رأيك يا وطفة؟

 

الله يا عمتي, زينة الدهبات دي جوي...هو انتِ يا عمتي هتهملينا وتعيشي في مصر؟

 

لاه يا وطفة, هعيش معاكم في النجع

 

واه! ليه بس كديه يا عمة!

 

هاها شوف يا خوي البت! كنت فاكراكِ هتفرحي, تجومي تجوليلي ليه مش هتعيشي في مصر! رايداني أبعّد عنيكو يا وطفة! هانت عليكِ عمتك حبيبتك؟

 

لاه والله يا عمة, آنا بس كنت عايزاكِ تعيشي في مصر عشان ناجي نزورك كل سبوع ونتفرج على مصر كاتير كاتير

 

هاها يعني هو بوكِ حارمك يا بت! كل سنة بياخدوكو يفسِحكو في مصر

 

آنا ما عايزاش كل سنة, آنا عايزة كل سبوع, عشان كديه كنت رايداكِ تعيشي في مصر, وجتها بوي ماكانش هيجدر ما ياجيش يزورك واحنا هناجي معاه

 

هاها, بتحبي مصر جوي كديه! طب دي وشة وناسها كاتير, النجع عندينا احسن

 

ممم طيب مش عمي عزت عريسك عنديه شجة في مصر؟

 

ايوة اومال

 

خلاص, هاتي منيه المفتاح ونروح نعيش هناك انا وامي واخواتي وابجي تعالي زورينا انتِ وبوي وعم عزت, بس ما تجيبوش جدتي فايجة معاكو

 

هاهااا والله ضحكتيني يا بت خوي, سامعة بتك يا حياة؟

 

عيب يا بت كديه, ما تجوليش على جدتك حبيبتك كديه تاني, ده أمنا كلنا وكابيرتنا

 

حاضر يا امّا

 

يلا غيري فستانك ده يا جميلة عشان ننزل لامك, ولا تجول هملوني لحالي, هستاكِ برا انا والبنيتا, اسبجوني يا سلمى انتِ واختك

 

طيب يا امّا

 

ما تتأخريش يا جميلة اللي يرضى عنيكِ

 

طيب يا حياة, بس فكيها كديه الله يخليكِ

 

والله يا جميلة انتِ اللي بتهوني عليا, ولولاكِ ما كنت اتحملت ولا خطيت برجلي هني

 

عارفة يختي, عارفة, انتِ جلبك كابير, سامحي امي

 

ربنا يسامحنا كلنا عاد

 

********************************

نزلت جميلة إلى جوارها حياة تحمل رضيعتها عالية وتسبقهما الطفلتان قفزاً على الدرج..رقبا الحاجة فايقة من أعلى وهي تضع أمامها سبت وتخرج ما فيه متهللة وكأنها تستخرج كنوزاً...اقتربا منها وجلستا...قالت جميلة

 

ايه السبت ديه يا امّا ومين مشيعه؟

 

شيعته صفية مرت واد عمك الشاذلي عشان كتب كتابك, وكماني ديك رومي كابير, خدته البت حورية تدبحه وتنضفه

 

يابووي, ومين جالها ديّ اني رايدة من وشها حاجة!

 

واه! صفية مشيعولي آنا مش ليكِ انتِ, هي لو عليها ما تعبركيش واصل, لكن هي مقدراني كتر خيرها, والله فيها الخير, شايفة مشيعة ايه؟ رز وسكر وشاي وزيت وشربات كماني, رغم ظروفها العفشة ما جصرتش في الواجب

 

والله هفضل اجول ربنا يكفينا شرها

 

طيب يختي, مانتِ عليكِ جلب ما اعرف معمول من ايه! يحب اللي ما يتحب ويكره اللي ما يتكره

 

(امتعضت حياة من الكلام وزفرت بضيق)

 

أوف, استغفر الله العظيم

 

كفاية عليها حبك انتِ يا امّا

 

اسيبك مع الحاجة يا جميلة واروح المطبخ اشوف نعمة وحورية عاملين ايه

 

روحي يا حياة....امّا, خفي على حياة شوية اللي يرضى عنيكِ

 

عارفة يا جميلة لو ما هملتنيش لحالي,هشج خلجاتي واجول بوووه والم عليكِ الخلق

 

واه! وعلى ايه يا امّا ! أنا مهملاكِ لحالك

 

يكون احسن, شيعيلي البت حورية تبللي جزازة شربات من المليح اللي مشيعاه صفية

 

طيب يا امّا طيب

 

والله حاجات مليحة جايباها صفية..وانتِ يا بت يا سلمى, خدي اختك وروحوا العبوا ولا اخفوا من وشي وما تجعدوليش زي العمل الرضي كديه

 

..........حاضر يا جدتي, تعالي نروح لامي يا وطفة

 

يلا يا سلمى ..آنا عارفة ميتى الليل ياجي ويكتبوا كتاب عمتي عشان نروحوا دارنا!

 

***********************************

في المساء وسط الزينات والزغاريد المنبعثة من مجلس النساء  وكؤوس الشربات والفرحة العارمة..وفي مجلس الرجال, وضع الدكتور عزت يده في يد السيد كامل وعلتهما يد عاقد الأنكحة بمنديل أبيض..وقال للدكتور عزت..قول يا عريس..زوجني أختك جميلة حسين ابو الحجاج على كتاب الله وسنة رسوله وعلى الصداق المسمى بيننا

 

زوجني أختك جميلة حسين أبو الحجاج على كتاب الله وسنة رسوله وعلى الصداق المسمى بيننا

 

قول يا كامل بيه.قبلت تزويجها

 

قبلت تزويجها

 

اللهم بارك لهما وبارك عليهما واجمع بينهما في خير

( انتصب العريس واقفاً وتجمع الرجال حوله يقدمون التبريكات وأولهم عمه الحاج رفاعي الذي ضمه إلى صدره بحنان الوالد وقال مهنئاً)

 

مبارك يا عزت يا ولدي

 

يبارك فيك يا عمي ويخليك لينا

 

خوي عزت يا غالي , مبروك يا واد ابوي,تعال في صدر خوك يا عريس

 

الله يبارك فيك يا سلام يا خوي وما يحرمنيش منيك

 

(اقترب السيد كامل واحتضن العريس وهو يربت على ظهره قائلاً)

 

مبروك يا جوز أختي, ربنا يتمم عليكو بخير

الله يبارك فيك يا كامل بيه, آمين يارب..وربنا يجدرني واسعد جميلة واصون الأمانة اللي امنتوني عليها

 

آمين يا داكتور..ده شاذلي واد عمي رايد يباركلك ويسلم عليك

 

عارفه, كيفك يا شاذلي, بجالي كاتير ما شوفتكش

 

أنتِ اللي بتاجي وتمشي زي الطيف اللي ما حد بيدرى بيه هاها مبروك عليك جميلة بت عمي يا داكتور

 

الله يبارك فيك يا شاذلي وعقبال ولادك

 

يارب يا داكتور, طب اسيبكم واروح اشوف العيال راحوا وين عاد

 

اتفضل

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

وإلى مجلس النساء اللواتي التففن حول العروس الجميلة هرعت  الخادمة حورية وهي تصيح فرحاً وتبشر العروس

 

كتبوا كتابك يا ست جميلة, زغرتوا يا حريم

 

( تهلل وجه العروس كالقمر في ليلة التمام  وضجت القاعة بالزغاريد وأصوات التبريكات المختلطة والقبلات والأحضان من نساء العائلة والأقارب والجيران... وهم يقولون ...مبروك يا جميلة...ربنا يتمم على خير يا جميلة...عروسة جمر يا جميلة ..مبروك يا عروسة....الله يبارك فيكو يارب وعقبال عنديكو ...اخترقت الجمع حياة وهي تحمل صغيرتها, وانكبت عليها فرحة تحتضنها وتقبلها وقد غلبتها عبرات الفرح وقالت بصوت مرتعش)

 

الف مبروك يا حبيبتي, والله ده اليوم اللي اتمنيته يا جميلة,يارب يتمم عليكِ بخير يختي والبسك طرحة فرحك بيدي

 

يا حبيبتي يا حياة! وليه بس الدموع ديّ!

 

ما مصدجاش ان السنين مرت كديه,دانا يوم ما اتجوزت خوكِ كنتِ يادوب عيلة صغيرة  بت عشر سنين

 

هاها يعني انتِ اللي كنتِ كابيرة يا حياة! ماانتِ كان عنديكِ يادوب ستاشر

 

هاها خدي يا جميلة, دول ألف جنيه هدية مني ليكِ

 

وليه بس كديه! ما تخليهم ليوم الفرح

 

لاه , هدية جوازك دي حاجة تانية مرتباها في دماغي,والله يا جميلة لجيبلك اتناشر توب حرير الوانهم احسن من بعضيهم عشان تخيلي بيهم عيون العريس عاد

 

هاها يا بت جولنا بستحي,يا بوووي

 

هاها ألف بركة يختي..تعالوا يا بنات باركو لعمتكو

 

مبروك يا عمتي

 

الله يبارك فيكو,تعالوا في حضني يا عسلات انتو, عجبالكو يارب

 

(كانت الحاجة فايقة تستقبل التهاني والتبريكات من النساء وسط القاعة التي عجت بالحضور وعلا بها ضجيج الضحكات والزغاريد والأحاديث وأغاني النساء , والخادمات تدور حاملات صواني الشربات والحلوى...لمحت الحاجة فايقة حياة وبناتها حول العروس يتبادلون الضحكات وأحاديث المزاح ..زفرت ثم هرعت فلمحتها حياة فبادرت قائلة

 

مبارك كتب كتاب جميلة يا حاجة

 

هأ لساكِ فاكرة! الله يبارك فيكِ يا مرت ولدي..جميلة يا ست العرايس,تعالي في صدر امك, الف بركة يا بتي

 

هاها لساكِ فاكرة يا امّا!

 

واه! ما شيفانيش ما عارفاش اخلص من الحريم اللي بيباركو عاد! ربنا يتمم بخير يا بتي

 

تعيشي يا امّا

 

( علت أصوات غناء النساء والقرع على الدفوف فقبلت حياة جميلة وقالت)

 

والله لجوم ارجص من فرحتي بليلة كتابك يا جميلة ,شيلي اختك يا سلمى

 

يا حبيبتي يا حياة يارب ما انحرم منيكِ

 

وعلى قرع الدفوف  وغناء النساء وتصفيق العروس المصاحب لها وبعض النساء  رقصت حياة فرحة بينما امتعضت الحاجة فايقة وأشاحت بوجهها وولت مدبرة ولا زالت حياة ترقص والغناء والقرع يصاحبها

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

بعد وقت ليس بالطويل اقترب السيد كامل من باب غرفة النساء وبصحبته العريس الدكتور عزت يحمل علبة الذهب الكبيرة , وتنحنح ونادى فيهن غير كاشف لسترهن

 

يا حريم, العريس عايز يلبس عروسته الشبكة

 

خرجت النساء الواحدة تلو الأخرى وبقت جميلة وحدها ترتجف خجلاً وتنظر إلى الأرض ..دلف العريس الدكتور عزت إلى الغرفة , وما أن رآها على هذه الحالة حتى ابتسم واقترب بخطواته وجذب أحد الكراسي المخصصة للحضور وجلس أمامها ..ثم قال مداعباً إياها

 

واه! لساكِ مكسوفة يا جميلة!

 

..................................

 

وبعدهالك اومال! طب بوصيلي كديه

 

......................................

 

بردك ما ريداش تبصيلي! ممم عرفت, يبقى آنا أكيد شكلي وحش كيف العفريت وخايفة تبصيلي لتتخلعي

 

هاهاهااا

 

واه! ما انتِ بتعرفي تضحكي اهو, طيب خير, يبقى في أمل تبصيلي وتتكلمي كماني

 

...............................................

 

لاه بقى, آنا كديه هقوم امشي,عن إذنك

 

واه! رايح وين؟

 

هاها ما رايحش, انتِ صدجتي! أسيب مرتي الجمرة ديه واروح وين انا!

 

هاها ممم كتر خيرك

 

وخيرك يا ستي, الحمد لله نطجتِ..إنما ايه الصوت الحلو ديه! آنا كنت فاكر في عصفورة بتزجزج

 

هاها تسلم

 

تسلمي يا ست العرايس..شوفي كديه جبتلك ايه..استني اما اطلعهم من جيبي ..اهم..دي يا ستي ازازة برفان حلوة جوي هتعجبك, استني اما اشيل الغطا واشممهالك..أها, ايه رأيك

 

الله..عمري ما شميت ريحة حلوة زيها

 

هاها الحمدلله انها عجبتك, وشوفي ايه ديه كماني..منديل حرير زهري,,اتفضلي

 

الله..ده حلو جوي يا عزت,ان شالله يخليك يارب

 

ياااه, اول مرة تناديني باسمي, جوليه تاني كديه

 

واه! هاها جرا ايه يا عزت!

 

هاها والله طالع منيكِ زي العسل

 

هاها تعيش

 

وتعيشي وتسلمي وربنا يخليكِ ليا يا جميلة...دا بجى كارت فيه كلمة من جلبي لجلبك..افتحيه واقريه في سرك

 

......حاضر............ (بحبك يا جميلة يا حلم السنين , ربنا يقدرني وأسعدك طول العمر يا ملاك في صورة بشر....عزت)

 

...... كلامك مليح جوي يا عزت, ربنا ما يحرمني منيك

 

ولا منيكِ يا حبيبتي

 

...................

 

هاها بتبصيلي باستغراب ليه كديه!.مستغربة يعني اني بناديكِ بحبيبتي؟...تعرفي يا جميلة,آنا حلمت بحاجات كاتيرة جوي في حياةي, وانتِ أهم حلم فيهم

 

حلم! آنا كنت بحلم بالنسبة لك؟

 

أهم حلم لو سمحتِ هاها..تعرفي آنا من ميتى فكرت اتجوزك؟

 

من ميتى ؟

 

من وآنا لسة في الثانوية العامة..كنتِ انتِ لساكِ صغيرة جوي. يمكن في اعدادي.كنت كل وما اوعالك في طريج أجول آنا رايد البت دي,مؤدبة وبت ناس طيبين هاها بس طبعاً كان لازم اكمل علامي في الاول..وسبحان الله كان دايماً جلبي مطمن انكِ ليا ومن نصيبي, واديكِ بجيتي مرتي وربنا حققلي حلمي الحمد لله

 

ممم وايه بجى حكاية الحلم التاني؟ عروسة تانية ؟

 

هاهااا يجطع شيطانك يا جميلة, طب ما انتِ دمك خفيف اهو وبتعرفي تهزري عاد..لاه يا حبيبتي.الحلم التاني هو العيادة اللي هفتحها هني إن شاء الله, ونفسي ربنا يوفقني وتبجى عيادة ناجحة وربنا يجعلني سبب لشفا الناس

 

يارب يا عزت تبقى أحسن دكتور في النجع وفي البلد كلاتها ويحبب فيك جميع خلقه

 

الله! تعرفي يا جميلة, من بعد موت امي الله يرحمها ماحدش دعالي بالحنية دي...عايزك دايماً حنينة وتعوضيني عن امي يا جميلة

 

ربنا يجدرني يا عزت واعوضك عنيها

 

إن شاء الله يا جميلة..وآنا إن شاء الله هخليكِ أسعد ست في الدنيا بحالها

 

ربنا ما يحرمنيش منيك يا عزت

 

طب يلا البسك الشبكة عاد

 

واه!  وآنا هلبس الدهبات دي كلاتها!

 

هاها لاه طبعاً..اختاري اللي على كيفك وآنا البسهولك

 

مممم طب اختار انت معاي, عايزة البس على ذوقك

 

هاها خلاص..هلبسك الخاتم ده ..هاتي يدك كديه

 

أها

 

(ألبسها الخاتم برفق وقبل يدها وتبادلا البسمات الرقيقة)

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

وفي ليلة عرس صالح شقيق حياة كانت صفية تعد نفسها وتلبس العباءة السوداء المخصصة لمثل تلك المناسبات..بعد أن أخرجتها من دولابها نظرت إليها بامتعاض وقالت

 

العباية الفقرية اللي لبستها ياجي الف مرة والكل حافظها..بس اعمل ايه عاد! هي احسن ما عندي, تعالي اما البسك يا فقرية, ياكشي تكون آخر مرة اشوف وشك العكر فيها

 

(ارتدت العباءة وأمسكت بالشال واتجهت للمرآة الباهتة ذات الشرخ الكبير لتظهر لها صورتها المنشرخة القاتمة ..وفجأة دفع الباب زوجها بعنف ثائراً يستشيط غضباً وهو يصرخ باسمها بصوت أجش فارتعدت فرائصها )

 

صفية

 

آآآها..في ايه يا شاذلي؟

 

ايه اللي وداكِ عند المرة اللي اسميها سكينة؟

 

ها!...سكينة!

 

انطُجي,ايه اللي وداكِ هناك عنديها بعد نص الليل وغفلتيني وآنا نايم وخرجتي من غير علمي؟وإياك تكدبي

 

آآآطب بس مش اعرِف في الاول مين اللي جالك؟

 

بجولك ايه اللي وداكِ عند المرة دي يا صفية,انطُجي وما ترديش على سؤال بسؤال

 

آآآ ايوة ما آنا هجول اهو يا شاذلي,بس بلاش منيها بصة عنيك اللي رعباني ديّ....آنا يا شاذلي,آناّ...آه افتكرت عاد, أصل أمي هي اللي شيعتني عنديها

 

أمك!...وامك هتشيعك عند المرة السو دي ليه؟

 

كانت عايزاها تعمل حجاب يهدي اخوي بدران ويرده عن سكة الشر اللي ماشي فيها

 

هاها! ومن ميتى سكينة بتعمل حجاب للهداية ولا يهمها صلاح حال حد! دي مرة سو وما بتسعاش غير في خراب البيوت وضر الخلق

 

واه! ما مصدجنيش ولا ايه يا شاذلي! بقى ما مصدجش حبيبتك صفية اللي روحك فيها! ولا كانك بطلت تحبني وتحرق جلبي على محبتك اللي ضاعت اهئ اهئ

 

كفاكِ من كهن الحريم ده,الله في سماه يا صفية لو دريت انك بتكدبي عليّ وإنك روحتِ للمرة دي عشان تسعي ورا شر ما هيكفيني حرقك حية

 

آنا ما بكدبش يا شاذلي,شوف انت مين اللي وزك عليّ ووسوس في ودانك زي الشيطان عشان يفرق بينا

 

اللي جال ما عايزش غير الصالح وما جصدش غير الخير

 

........مين؟

 

الشيخ سلطان

 

..............الشيخ سلطان!

 

ايوة,شافك خارجة من عنديها قرب الفجر الليلة اللي فاتت,قالي يا شاذلي حرام اللي مرتك بتسويه,كيف تروح لسكينة وتسعى في الشر وتغضب ربها..ما بجتش عارف ارد اجول ايه! اجول مرتي بتخرج من وراي في الليل ! مرتي بتروح لسكينة المرة السو عشان تأذي خلق الله وتغضب ربها!

 

والله ما سو وخراب بيوت غير اللي جالك, بجى ديه شيخ وحافظ كتاب الله ديه! وهو كتاب ربنا اللي بيقراه جاله فرق بين الست وراجلها بفتش سرها!

 

اخرسي وإياكِ تزيدي كلمة وإلا هضربك بالكف, الشيخ سلطان شاف منكر وما سكتش عليه, كيف كنتِ رايداه يسكت وهو شايف مرتي وحديها في الليل بتتسحب وتروح لمرة كل النجع خابر انها مخاوية الشيطان ذات نفسه وبتسوي اسحار تفرق بين الناس, لو كان سكت كان خان الأمانة, والمرة اللي زيكِ اللي تعمل كديه ما تستاهلش تعيش مع راجلها تحت سقف واحد

 

ها!آآآيعني ايه يا شاذلي!...آآآهتطلجني؟

 

( انكبت صفية على صدر زوجها وآخذت في بكاء مصطنع,بينما هو وقف ثابتاً مرفوع الرأس ينظر إلى رأسها الملتصق بصدره بملامح صارمة....فلمَا أدركت أنه لم يحن عليها ولم يتأثر بدموع التماسيح...رفعت رأسها عن صدره ومسحت عن عينيها الدموع وقالت له بصوت يستجلب الشفقة)

 

اوعاك تكون ما مصدجنيش يا شاذلي,جولتلك امي اللي شيعتني,آآآحتى خدني معاكِ وآنا اواجهها جدامك..يعني جزاتي يا شاذلي إني سمعت كلام امي وجولت اعمل الحاجة اللي أمرتني بيها عشان ترضى عني؟

 

ترضي امك عنك وتعصي ربك؟

 

عصيته في ايه آنا بس! جولتلك كنا رايدين نسوي حجاب لخوي عشان يهديه, ولا عاجبك عيشته كديه بين المطاريد وامي هتموت بحسرة جلبها عليه!

 

هاها واه! وحجاب سكينة بجى اللي يخليه من أولياء الله الصالحين وشيخ طريجة؟

 

ما انا جولت لامي زيك كديه, جولتلها يا امّا سكينة دي مرة سو وما تسعاش غير في الخراب, بس هي جالتلي يا بتي دي مرة سرها باتع وحجابها ما ينزلش الارض..معلش يا شاذلي, امي مهما كان مرة كابيرة وعقلها كديه, هنسوي معاها ايه يعني؟

 

...............................................................

 

آآآآانت بتطلع فيا ليه كديه زي ما بكون بكدب عليك لا سمح الله؟ جولتلك اسأل امي ولا حتى اسأل سكينة بذات نفسيها عشان تعرف انك ظالمني يا شاذلي, ومنيه لله عاد اللي وقع بينا

 

ما تدعيش ع الشيخ سلطان تاني, وإذا كان على السؤال نسأل, البسي شالك عشان نروح لامك

 

آآآآها! آآآ خليها في الصبح, الليلة عِرس صالح واد الحاج زيدان, اكديه هنتأخر عاد

 

عرس ايه اللي أهم من المصيبة اللي عِملتيها! نتأكد في الاول, ويإما نروح العرس يا إما نروح للمأذون وكل واحد يروح لحاله, يلا همي, مستنيكِ برا انا والعيال

 

( ارتعد جسد صفية وارتعشت يديها حتى أنها لا تستطيع أن تقبض على شالها ..آخذت تحاول وضربات قلبها يسمع لها دوي وأنفاسها تتلاحق ولا تستطيع ابتلاع ريقها..قالت وهي ترتجف..

 

.كنت مستخبيلي وين  يا سلطان النحس انت,كانها هتغفلج على راسي ولا ايه! سترك يا رب سترك

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

خرج شاذلي من المنزل وخلفه ولداه تتبعهما صفية بجسد مرتعد وعينان زائغتان عامدون إلى بيت والدتها ...طوال الطريق كانت تنظر إلى زوجها وتحاول أن تستجمع قواها وتلحق بخطواته المتسارعة..ودت لو استطاعت الوصول أولاً لترتب كل شيء من والدتها ولكنها لا تستطع إلى ذلك سبيلا..انعطفوا إلى الشارع الضيق المعوج الذي ينتهي ببيت والدتها ....وعند الباب وقف شاذلي وطرق الباب ثلاث طرقات متتابعة ..فسمعت والدة صفية واقتربت من الباب رويداً رويدا ,تسائلت بصوتها المعترى  بالوهن

 

مين؟

 

شاذلي ومعاي صفية والعيال,افتحي يا خالة ام بدران

 

شاذلي ومعاه صفية وديلواك! استر يا كريم

 

( فتحت الباب لتجد شاذلي متصدراً الباب متجهم الوجه على غير عادته...هالها ما رأت..تسمرت للحظات ثم قالت..فيه ايه يا ولدي؟

 

ندخل ونتفاهم جوا , ولا نجفوا ع الطريج نطلعوا فضايحنا للرايح والجاي!

 

.....فضايح!! سلم يارب, ادخل يا ولدي

 

(دخل شاذلي وأمر ولديه بالانتظار خارجاً. ووقف هو بالوسط بين زوجته ووالدتها...كانت والدة صفية ترقب وجهها الباهت وشفتيها اللتان استحالتا إلى اللون الأبيض بفعل الخوف والقلق , ولكن كلام احتبس بعينيها أرسلته لأمها بنظرات تستدر الشفقة وكأنها تقول لا تتخلي عني يا أمي وخذي جانبي....نظر شاذلي في عيني والدة زوجته بثبات وقال

 

هسألك سؤال يا خالة  وعايزة الجواب بكلمة واحدة...آه أو لاه

 

......اسأل يا ولدي

 

انتِ شيعتِ صفية الليلة اللي فاتت لسكينة السحارة؟

 

(نظرت الأم إلى ابنتها المرتجفة والتي هزت رأسها بسرعة خاطفة أي نعم)

 

.....ايوة يا ولدي..حُصل

 

شيعتيها هناك ليه؟

 

ها.....يا ولدي الناس أسرار, ومالوش لزوم تعرف, وربنا يسامحها صفية اللي هتكت ستر امها  وجالتلك..الله يسامحك يا بتي عاد

 

(وضعت صفية يدها على قلبها وتنفست الصعداء)

 

صفية مالهاش ذنب يا خالة, ولا هي اللي جالتلي

 

اللي جاله يا امّا هو الراجل السو اللي اسميه الشيخ سلطان, كان عايز يطلجني من جوزي الله ينتقم منه

 

......الشيخ سلطان!

 

ايوة يا امّا....شفت يا شاذلي انك ظلمتني! لكن باجيالك يا شاذلي, وحقي ما هنفوتوش

 

هاها جرا ايه يا صفية! يعني مش كان لازم اتأكد عشان اطمن ان مرتي اللي بحبها ما بتعملش الغلط ولا ماشية في سكة تغضب ربها!

 

هأ واديك عرفت يا خوي, منك لله نشفت دمي الباعيد

 

هاها ..خوفتِ مني صُح؟

 

صفية ما تخافِش من مخلوج, كل الحكاية اني ما رضاش لنفسي الظلم وانت ظلمتني

 

خلاص يا صفية, نتفاهموا في بيتنا

 

صُح! وعلى ايه! ما نروحوا للمأدون ونفضوها

 

واه! ايه اللي بتجوليه ده! الله يكفينا شر الفراق يا أم حسن

 

وانت همك حسن ولا محمود ولا فكرت فيهم لما سويت كديه في امهم! يلا هسامحك عشان خاطرهم, ما يرضنيش يتربوا بعيد عن بوهم

 

أصيلة يا صفية, أصيلة وبت أصول ومن بيت عالي ....ريتِ يا خالة ام بدران, ادي البيت كان هيتخَرَب بسبب سكينة والحجاب اللي رايدة تسويه لبدران

 

.....بدران!

 

ما كفياك رط يا شاذلي! يعني لساك عايز تسم بدن امي بحديتك تاني!

 

لاه لاه يا صفية, آنا ما جصديش, آنا بس عايزة اجول كلمتين ع الماشي للخالة ام بدران..يا خالة الله يرضى عنيكِ بلاش منيها سكة سكينة المرة السو ديّ, دي مرة والعياذ بالله ما ورهاش إلا الخراب وآذية الخلق

 

.......عنديك حق يا ولدي...آنا غلطانة....سامحني يا ولدي...بالله عليك تسامحني عن أي غلط اتسببتلك فيه بدون جصد....أنت ولدي يا شاذلي وغالي عليّ...بس المكتوب مكتوب وما بيديش احوشه

 

ربنا يخليكِ لينا يا خالة...ما عايزاش حاجة قبل ما آخد صفية ونروح عرس واد الحاج زيدان؟

 

....لاه يا ولدي, كتر خيرك

 

طيب, فوتناكِ بعافية

 

الله يعافيك يا ولدي

 

يلا بينا يا صفية

 

هاها يلا يا شاذلي,اتمسي بالخير يا امّا

 

......خير!...ربنا يسلم

 

(أغلقت الأم الحائرة الباب وقلبها يرجف خوفاً من الله أن كذبت ودارت على صنائع ابنتها التي تجهلها ..ولكنها متيقنة أنها لا تبتغي بها خيرا ...قالت وقد ذرفت العبرات )

استغفر الله العظيم...سامحني يا رب..خفت اجول الصدج لأذي بتي, والله ما عارفة بكذبي بأذيها ولا اجول ايه ولا اسوي ايه آآآآه الله يسامحك يا صفية يا بتي ويكفيكِ شر نفسك)

 

(نظرت صفية إلى شاذلي نظرات الظافرة المنتصرة وعيناها تقولان, ما الحال الآن وقد ثبت صدق كلامي!..ابتسم وأرسل إليها نظرة اعتذار صامتة,فرفعت رأسها وسبقته بخطواتها..بينما هو تبعها وبيده ولداه إلى وجهتهم )

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

هنا في حجرته كان صالح عريس الليلة قد لبس جلبابه الجديد الفاخر ووقف ليتعطر أمام المرآة..فإذ بأخته حياة تطرق الباب بعباءة فخمة وشال حريري مطرز ومتزينة بالذهب ..وما أن رأته حتى تهللت و أخذت تغني له أغاني الأعراس وهو يضحك

 

يا صااالح,يا صااالح

 

يا طيب السيرة

 

وعروستك أميرة

 

أميرة أميرة

 

هاها ايه الهنا ديه! بتغنيلي كماني!

 

واه! وآنا عندي أغلى منيك يا خوي! يا ماشاء الله عليك يا العريس, جمر يا خوي يا جمر..استنى, والله ما تخرج قبل ما ارقيك بآية الكرسي والمعوذات,وطي راسك هبابة

 

هاها طيب يا حياة

 

(وضعت حياة يدها على رأس أخيها وأحذت تقرأ المعوذات وآية الكرسي لرقيته..وما أن فرغت حتى دمعت عيناها وقالت)

 

ربي يحفظك يا خوي ويتملك فرحتك على خير

 

واه! ولزومه ايه البكا عاد يا حياة؟

 

لا بكا ولا حاجة, ربنا ما يجيب بكا,دي دموع الفرحة..افتكرت امي لما كانت تجول يوم عرس صالح الدنيا ما هتساعنيش من فرحتي

 

الله يرحمها..والله يا حياة يختي اللي له أخت زيك عمره ما يتحَرَم من حنان الأم ,ربنا ما يحرمنيش منك يختي

 

ولا منك يا خوي...صالح,عايزة أوصيك على عروستك عاد, لا تزعلها لا تجولها كلمة عفشة,الكلمة الطيبة تحنن جلب الحجر الصوان

 

هاها مش مع كل الناس, إذا كانت زييكِ وفي ربايتك وطيبة جلبك وحلاوة طبعك هتاخد عنيا, غير كديه لاه

 

هاها واه! مالك داخل حامي كديه يا واد ابوي! بالراحة ع البنية الغلبانة..وماشاء الله عروستك بدر وصوتها كيف صوت الجمرية ساعة الصبحية

 

هاها كانّك بتشوفي الحريم كلاتهم كديه,نفس الكلام اللي جولتيه على جميلة بت ابو الحجاج لما كنتِ عايزاني اخطبها

 

واه! كل البنيتا حلوات,ربنا يرزقهم بالازواج الصالحين ويهنيك بعروستك حلالك ياخوي

 

ربنا ما يحرمني منيكِ يا حياة وتفرحي بالبنيتا

 

آمين يارب ..يلا يا صالح الناس كاتير تحت وكامل والرجالة بيسألوا عليك

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

وصل شاذلي وزوجته إلى العرس  متأخران سمعا صوت الأعيرة النارية المنطقلة من فهوات البنادق ابتهاجا بالعرس ..رأوا الأنوار والزينات و جموع الرجال وفرس يرقص على عزف المزمار والدفوف المقروعة ..زحام وصخب شديد ..فمال على أذن وزوجته وقال بصوت عال لتسمعه

 

ادخلي انتِ عند الحريم يا صفية جوا السرايا  

 

طيب, خلي بالك من العيال,اوعي تسيبهم من يدك

 

طيب

 

(مشت صفية بخطوات متسكعة عامدة مبنى  القصر تنظر إلى جموع الرجال باحثة عن السيد كامل..رأته..ها هو يقف بين الرجال حاملاً ابنته الرضيعة عالية مداعباً إياها بوجه ضاحك..يرفعها بيديه عالياً فتضحك الصغيرة ويزيد ضحكه..امتعضت صفية لفعله وقالت بحقد دفين في نفسها)

 

فرحان بالبت وواجف بيها وسط الرجال,اومال لو كانت واد كان عمل ايه! يااخي استحي من عمايلك,بدل ما يداري البت ولا يدفنها في سابع أرض واجف بيها وسط الرجال وبيضحك..واه! البتين كمان يلعبوا حواليه ويتداروا في جلابيته! آنا ما عارفاش الراجل ديه بيفكر كيف ولا راضي بالبنيتا دول كيف ويصرف عليهم وعلى امهم زكايب فلوس! كانّها سحراله حياة بت نافيسة

 

(فجأة.. وقعت عينها على السيد سلام المهيب الهيئة يتجه صوب بعض الرجال من الأكابر ...تباطئت خطواتها أكثر وتنسمت عبق عطره وتنهدت ناظرة إليه بتمني من نفسها الدنيئة,..قالت وما زال عبق عطره في أنفها)

 

سلام بيه زينة رجال نجع ابو المنصور,يا سلام يا بت يا صفية لما يموت الشاذلي تلاجيه بيدق عليكِ الباب ويجولك..صفية,اتجوزيني ابوس يدك آنا ما جادرش اعيش من غيرك..وياخدني من يدي ع السرايا بتاعته ويفرشلي الحرير ويغرجني بالدهب..يوي لو يحصل كديه يوي..يا ترى هو ما اتجوزش ليه بعد مرته! والله كانّه مستنيكِ وسعدك معاه وعلى يده يا صفية

 

 (سقطت من أعلى تلة أحلامها وانتبهت لنفسها وصعدت درج القصر..كانت العروس تجلس متزينة على كرسي مذهب وحولها المهنئات..زغاريد لعروس الحفل وغناء وقرع دفوف من النساء

 

يا وردة

 

يا فلة

 

يا شمس,يا قمرة يا ضلة

 

عروستنا عليها ماشالله

 

ويا عريسك يحرسك الله

 

.وما أن دخلت صفية حتى شقت طريقها وسط جموع النساء تبحث عن الحاجة فايقة وتجاهلت البحث عن حياة لتهنئتها...وقفت ترقب وجوه النساء الواقفات والجالسات حتى انتهى بها نظرها إلى وجه الحاجة فايقة تجلس إلى جوار ابنتها جميلة...فاتجهت إليها مسرعة..فما أن رأتها جميلة حتى امتعضت وأسرعت بالانصراف حتى لا تلتقيها ..لاحظت صفية ذلك فنظرت إليها باحتقار وما أن وصلت إلى الحاجة فايقة حتى انكبت على يديها تقبلها ثم انهالت على رأسها  قبلات كالصواعق النازلات وهي تقول

 

حاجة فايجة, كيفك يا حبيبة يا غالية, والله اتوحشتك يا نور عيوني

 

هاها الله يسعدك يا صفية يا بتي, كيفك انتِ وكيفهم العيال؟

 

بيبوسوا يدك يا حاجة

 

هما وين؟ جيبتيهم معاكِ ولا ايه؟

 

ايوة اومال, مع شاذلي برا

 

ربنا يحرسهم, بجالي كاتير ما ريتهومش

 

هجيبهوملك تشوفيهم..خابراكِ تحبي الصبيان يا حاجة

 

اومال يا بتي..الله يحفظهوملك وتشوفيهم رجالة ساندين ضهر بوهم

 

.....مافيش حاجة تسند الضهر غير المال يا حاجة

 

كداب اللي يجول كديه يا بتي..عنديكِ كامل ولدي, عنديه المال مكوم, لكن ما عندوش اللي يسند ضهره في كبره..وكانّ ماله هياخدوه اجواز بناته من بعده ويضيع اسم ابو الحجاج

 

بعد الشر عليه الف مرة..ما تجوليش كديه. ماحدش عارف بكرة مخبيله ايه ولا الخير جايله من وين ...آآآآه

 

مالك يابتي؟

 

لاه مافيش حاجة يا حاجة, دوخة وراحت لحالها

 

واه! حبلى ولا ايه؟

 

لاه لاه يا حاجة, حبل ايه وهم ايه! آنا كانّي داخلني برد

 

سلامتك يا بتي الف سلامة..واه كنت هنسى اتشكرلك ع الواجب اللي شيعتيه لكتاب جميلة

 

واه! تتشكري على ايه بس يا حاجة! دي حاجة بسيطة ما تليجش بمجامك ولا مجال جميلة الغالية..والله ما تعرفيش غلاوتها في جلبي كد ايه..بس اجول ايه, ماليش بخت معاها وكارهاني ما اعرف ليه! دي بتوعالي زي ما تكون وعيت لعفريت وتفز من مطرحها وتجري,كلام في سرك شوفتها ديلواك لما وعيتلي جريت عشان ما تشوفنيش, صعبان عليا منيها جوي يا حاجة

 

لاه لاه ما تزعليش ولا يصعب عليكِ يا بتي, جميلة طيبة وجلبها ابيض ومسيركو تتصافوا

يكونش حد بيجومها عليا يا حاجة ويجولها عني كلام عفش؟

 

الله أعلم يا بتي

 

انما ايه يا حاجة الحلاوة دي الله أكبر, بدر في تمامه! طب والله اللي يوعالك يجول صبية على وش جواز

 

هاها واه! الله يحظك يا صفية يا بتي, من ميتى العجايز يتجال عليهم صبايا! انتِ بس اللي شايفاني كديه بجلبك لِبيض

 

هاها اي والله جلبي ابيض واحب الناس كلها واتمنى الخير للكل

 

عارفة يا بتي, عارفة

 

(وإذ هما آخذتان في حديث السمر والضحك..كانت حياة تمر على النساء المدعوات وتحييهن ويقدمن لها التبريكات فوقعت عينها على الحاجة فايقة تضحك وتتسامر مع صفية فأحزنها ذلك الصفو الذي لا تلقاه  من والدة زوجها وتغدقه على غيرها ..اتجهت إليهما ووقفت على مسافة ليست بالبعيدة ولا القريبة وهما غير منتبهتان..فاصطنعت ابتسامة وقالت

 

واه! انتِ هني يا صفية! يا مُرحب

 

حياة يا ست الستات, جيالك يا حتة من جلبي, عن اذنك يا حاجة شوية كديه نباركوا لحياة ونرجعولك

 

طيب يا صفية

 

حياة حبيبتي اخت العريس الغالي, تعالي في صدر اختك, مبروك يا خيّيتي

 

يبارك فيكِ يا صفية وتفرحي بعيالك, مش كان الاصول برديك تاجي تسلمي عليّ وتباركيلي اول ما جيتِ هني! ولا كانك ناسية اني اخت العريس ودي سرايا بوي!

 

هاها طب ما تزعليش كديه يا خيّيتي, عليم الله كنت هدور عليكِ بس جولت في الاول اسلم ع الحاجة

 

هاها باين الحاجة غالية عنديكِ جوي

 

جوي, جوي يختي, احبها زي امي

 

امك! طب بس انتِ يا ريت تحبي امك زي ما بتحبي الحاجة فايجة كديه وتحني عليها

 

...جصدك ايه يا حياة؟

 

جصدي ان ناس كاتير بيجولوا انهم بيسمعوكِ بتعلي صوتك على امك وتهينيها وهما فايتين من جنب دارها, بيجولوا صفية صوتها بيبجى جايب لاخر النجع وهي بتزعج في امها وتمسخرها..فكنت بجول يعني امك اولى بالمحبة والحنية من الحاجة..ولا ايه يخيتيّ! هاها ...بالإذن عشان رايحين نجفوا جنب العروسة آنا وجميلة

 

(استدارت حياة منتشية  بعد أن تعمدت آخذ ثأرها من صفية التي ايقنت من أحاديث جميلة انها لا تريد بها خيرا..بينما استشاطت صفية غضباً ونظرت إلى حياة من خلف كالنار المستعرة التي تبغي التهامها ...حاولت أن تستعيد حالتها الأولى وعادت إلى الحاجة فايقة لتكمل السمر ..)

 

معلش يا حاجة اتأخرت عليكِ, بنباركوا لام البنيتّا وبنعملوا معاها الواجب عاد

 

...صدجتِ يا صفية يا بتِي أم البنيتّا صُح

 

استني يا حاجة هننادوا ع البت نعمة نجيبولك كوباية شربات من اللي دايرة بيهم ع الصانية وما معبرناش ديّ

 

لاه لاه , ما هي جابتلي قبل ما تاجي, خدي منيها انتِ

 

هجيب منيها كوباية بس على شرط, تشربي منيها انتِ في الاول عشان اشرب مكان خشمك اللي بينجط عسل ديه هاها

 

هاها الله يرضى عليكِ يا صفية يا بتي ويزيدك حلاوة لسان

 

(كانت نعمة توزع أكواب الشربات الكبيرة على النساء على مقربة من صفية وقد تعمدت تجاهلها ..فنادتها صفية)

 

بت يا نعمة, انتِ يا حزينة

 

أوف, عايزة ايه مني يا صفية ؟

 

شايفة يا حاجة بترد عليا كيف وكاني جاتلالها جتيل!

 

ما تزعليش منيها, غشيمة ما تحسنش الرد زيكِ يا بتي..هاتي يا نعمة كوباية شربات لصفية

 

من عيني يا حاجة.....خدي

 

خدك ربنا جولي ان شالله يا باعيدة..استني يا حاجة هناخدوها على جنب نجولولها كلمتين عشان ما نمسخروهاش جدامك

 

(قبضت صفية على ذراع نعمة بعنف واقتربت من أذنها تقول)

 

بت يا نعمة,احسني معاملتك العفشة دي معاي واعرفي ازاي تكلمي أسيادك

 

هاها..أسيادي! وانتِ حاسبة نفسك من ضمن اسيادي!

 

غصب عنك ستك وستك النجع بحاله..اتقي شري يا نعمة وإلا يمين أتحاسب عليه أخليكِ عبرة للنجع كلاته عن جريب

 

هاها..يا بوي,كانّ الشربات فيه حاجة أثرت على دماغك..لكن خلاص ما تزعليش يا...يا ستي هاها

 

امشي غوري جبر يلمك

 

(اتجهت حياة إلى جميلة وهي مبتئسة فهالها ما رأت وقالت)

 

في واحدة يكون عرس اخوها الليلة وتكشر كديه!

 

يعني ما وعياش لامك بتتعامل مع صفية كيف وآنا بتتعامل معاي كيف!

 

ممم جولتلك دي حية وربنا يكفينا شر سمها, وامي الله يهديها تموت في اللي يضحك عليها وياكل دماغها حتى لو بكلام كدب,سبيك منيها البت ديّ يا شيخة, تعالي على جنب اما اوريكِ عزت جابلي ايه عشية وما لحجتش اوريكِ

 

جاب ايه وريني يا عروسة

 

استني اطلعهم من الشنطة,اوعي حد يوعالنا عشان ما عايزاش حد يشوف غيرك

 

وريني

 

شوفي جزازة البرفان ديّ

 

جزازة ايه يا خييتّي!

 

هاها جزازة برفان يا بت,ريحة يعني,ناس مصر يجولوا برفان,برفااان,احفظيها ما تفضحيناش هاها

 

هاها خلاص يختي,برفان برفان..الله شكليها حلوة جوي جزازة الريحة ديّ

 

هاها ريحة برضو! اومال لو شميتي ريحتها,تحسي كديه إنك مش ماشية ع الأرض ديّ

 

هاها ماشاء الله,الله يهنيكِ بيها وباللي جابها يختي,بجولك ايه,ابجي حطي منيها يوم عرسكو

 

مممم طب شوفي المنديل الحرير ديه؟

 

واه واه واه, ايه الحاجات الحلوة ديّ,ماشاء الله لا قوة إلا بالله, حلو جوي يا جميلة

 

والله انتِ اللي حلوة جوي يا مرت خوي هاها..جابلي كمان معاهم كارت

 

كارت! بتاع ايه ديه!

 

واه! كارت بيكتبوا فيه كلام حلو كديه

 

ويكتب ليه! مكسوف يتكلم!

 

هاها يجطع شيطانك ضحكتيني يا حياة..لاه هو زي ما يكون كديه حاجة نشيلها ذكرى عشان تفكرنا بالأيام الحلوة ديّ

 

هاها يا صلاة النبي,مليحة جوي حكاية الكارت ديه, هجول لكامل يجيبلي واحد ويكتبلي كلمتين حلوين على نفسي

 

هاها ربنا ما يحرمكو من بعض يارب

 

ولا يحرمك من عريسك يا عروسة

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

( انتهت ليلة العرس بزفاف العروس الجميلة إلى عريسها ...اقتربا من غرفتيهما ليجدا حياة تنتظرهما إلى جوار منضدة وضع عليها صينية عشاء كبيرة مغطاة, وهي تحمل كأس من اللبن وتبتسم قائلة

 

استنوا,إياكو تخطوا قبل ما تسموا

 

هاها سمي يا صابرين..بسم الله الرحمن الرحيم

 

مبروك عليكِ خوي صالح يا صابرين

 

الله يبارك فيكِ يا حياة

 

خد يا صالح اشرب من كاس اللبن واسجي عروستك

 

حاضر..بسم الله الرحمن الرحيم..اتفضلي يا صابرين

 

تعيش ..بسم الله الرحمن الرحيم

 

ايه حكايتك يا حياة,هتباتي معانا الليلة ولا ايه؟ هاها

 

هاها لا يا عريس, الله يهنيك بعروستك عاد..بس حبيت اجدم لعروستك كاس لبن من يدي عشان تعرف نيتي من ناحيتها ..نيتي من ناحيتك بيضا زي اللبن واصفى من نبع الميّ يا مرت خوي..عايزاكِ أخت ليا مش مرت أخ..حبيبة مش عدوة.تجمعينا ما تفرجينا ..ما تجولي إلا الكلمة الزينة وما تعملي إلا الصالح يا مرت صالح ..زي ما سجيتك من كاس اللبن تسجيني من كاس اللبن

 

....وكان حد جالك إني ناوية افرق بينك وبين خوكِ ولا جاصدة بيكو شر  عاد ولا ايه!

 

واه! هاها يبجى ولا فهمتيني يا مرت خوي,الله وكيلي ما جصدت إلا النصيحة ولا استنيتك على باب دنيتك الجاديدة إلا بنية خير..ولو كنتِ زعلتِ حقك عليّ عاد

 

لاه لاه ما تجوليش كديه يا حياة, هو آنا تايهة عنيكِ ولا مش عارفاكِ عاد! دانتِ اخت صالح الوحيدة..يعني الغالية

 

تعيشي يا مرت خوي

 

أختي حياة مافيش اطيب من جلبها يا صابرين, لا ليها في لوع الحريم ولا في كيد النسا..اللي في جلبها جالته من غير زواق

 

عارفة يا صالح..ربنا ما يحرمنا منيكِ عاد يا حياة

 

ولا منيكِ يا صابرين...صالح..أوعاك تنسى تصلي ركعتين انت وعروستك وتدعوا ربنا يباركلكو في دنيتكو الجديدة

 

حاضر يا حياة

 

ليلتكو بيضا زي الفل إن شاء الله وربنا يرزقكو الذرية الصالحة وتملوا السرايا عيال..تتمسوا بالخير يا عرسان

 

يسعد مساكِ

 

(خرجت حياة من الغرفة فلوّت العروس شفتيها في امتعاض دون أن يلحظها صالح...التفت إليها مبتسماً وقال)

 

مبروك يا صابرين يا ست العرايس

 

ست العرايس صُح يا صالح؟

 

....يعني ايه؟

 

يعني آنا كنت أملك ومناك من الدنيا ولا زي ما بيحولوا صُح انك ما اتجوزتنيش إلا بعد ما جميلة بت ابو الحجاج رفضتك؟

 

.........وبيجولوا ايه تاني يا صابرين؟

 

بيجولوا ان اختك حياة لحد ديلواك هتموت على جميلة وكان نفسها ومناها ويتقلعلها عين بس تجوزهالك...صُح يا صالح؟

 

هاها...عنديكِ كلام تاني ولا خلصتي عاد؟

 

لاه مافيش مممم آنا بصراحة ما خابراش فيها ايه يعني جميلة دي زيادة عن البنيتاّ عشان يتمنوها شباب الكفر كديه..لا وايه تحط رجل على رجل وترفض ديه وديه وعاملة نفسها آماثل. طب بالله عليك مش آنا أحلى منيها ياجي مليون مرة؟

 

......مممم اسمعي يا صابرين كلامي من أول ليلة في جوازنا عشان نبجوا على نور وتعرفي طبعي..آنا لا احب كلام الحريم الماصخ ولا احب اسمعه..تجولي فلانة جالت,فلانة عادت,لاه..تجولي اشمعنى فلانة واشمعنى علانة...لاه ..أحب المرة اللي جولها موزون وعقلها كابير وما تمشيش ورا ودانها..اللي تمشي ورا ودانها بتتعب وتتعب راجلها, وآنا بجى ما احبش اتعب..يعني المرة اللي ما تمشيش في طوعي وتعمل اللي يزعلني ما تلزميش

 

ها! بجى كديه يا صالح! يعني ممكن تستغنى عني؟

 

يوم ما تعملي اللي اكرهه واللي ما يرضنيش

 

وآنا مرتك وفي طوعك يا صالح

صابرين..أي راجل حر يحب الست الصالحة اللي تعينه ع الطاعة وتخلي حياةه جنة..ساعتها هو كماني هيكون خدام ليها ويديها عنيه لو طلبت..آنا لا راجل قاسي ولا طبعي عفش...ما تخلنيش ابجى كديه الله يرضى عنيكِ

 

أمرك يا صالح

 

وبالنسبة لاختي حياة...حياة دي اختي الكابيرة الحنينة أم جلب كابير وحضن واسع..حياة بتحب الدنيا كلاتها حتى بالعفشين اللي فيها. خديها اخت ليكِ وما تغيريش من حبها لجميلة لانها بتحبك انتِ كمان, ولولا انها شارياكِ ما كانتش جالت الكلام اللي جالته

 

عارفة يا صالح...ممم اوعاك تكون زعلت مني؟

 

لاه يا صابرين..بس حبيت افهمك طبعي يا بت الناس ..نورتي بيتك يا ست العرايس

 

تعيش يا صالح

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

( بعد أن خلت حياة إلى زوجها في غرفتهما وأخبرته بما دار بينها وبين شقيقها وعروسه أخذ يضحك ويضرب كفاُ بكف قائلاً)

 

بجى خوكِ ومرته يدخلوا الأوضة يلاجوكِ جنب الباب! عايزة تخليعيهم وتجطعي خلفهم هاها!

 

واه! ليه ! وعيوا لعفريت! آنا كان جصدي نبتدي بداية خير واسجيهم لبن

 

هاها لبن ايه يا مرة يا مخبلة انتِ! ده وجت نصايح! طب وربنا خوكِ صالح ديه طيب,آنا لو منيه وداخل آنا وعروستي ونلاجوا مرة واجفة بكوباية لبن,الله في سماه أكبه فوج راسها واشيلها ارميها من شباك السرايا

 

هاها والله كنت حاسة ان عروسته عايزة تعمل كديه بس كانت خايفة من صالح

 

هاها يا بوي عليكِ يا حياة, وربنا ضحكتيني

 

الله يسعد جلبك ويديم عليك الضحكة يا جلبي

 

يا بوووي ع الكلام الحلو بتاع آخر الليل ديه, طب وربنا له طعم تاني

 

هاها

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

في صبيحة اليوم التالي ..كان حسن ومحمود في كتّاب القرية يحفظان القرآن مع بعض الأطفال مع الشيخ سلطان ..كان الشيخ يردد هذه الآيات ويردد الأطفال خلفه بأصوات ملائكية )

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)

 

( بعد أن أتم القراءة وهم بأيات أخرى قاطعه محمود الصغير قائلاً)

 

كفاية كديه يا عم الشيخ سلطان, عايزين نمشوا بدري

 

هاها واه! وتمشي بدري ليه يا محمود؟

 

النهاردة مولد سيدي ابو المنصور ولسة عايز اروح استحمى

 

ممم وانت كمان يا حسن هتروح مع خوك المولد؟

 

ايوة يا عم الشيخ سلطان,بوي بيودينا كل سنة

 

واحنا يا ولدي مش جولنا إن المولد ده بتاع المبتدعة والاحتفالات دي مخالفة لدينا؟

 

يا شيخ احنا مش بنحتفل معاهم ولا بنرجص ع الذكر ولا بنجول حي حي مع المجاذيب,احنا بنروحوا عشان المراجيح

 

ايوة بوي بياخدنا آنا وحسن عشان نتمرجح ونجيب حلاوة

 

لا حول ولا قوى إلا بالله..يعني هي المراجيح ما تبجاش غير في الليلة دي! اسمعوا يا ولاد كلكو, اللي عايز يفلح في الدنيا دي ويرضي ربه يتبع نهج نبيه عليه الصلاة والسلام, واحنا نبينا لا عمل موالد ولا الصحابة هزوا روسهم يمين وشمال زي المجاذيب, ولا نساء الصحابة اختلطوا بالرجال ورجصوا على انشاد ولا حد قال مدد يا رسول الله, المدد بنطلبه من ربنا وحده, قولوا مدد يا الله

 

مدد يا الله

 

سبحانك واحد أحد,لا شريك لك

 

سبحانك واحد أحد لا شريك لك

 

ربنا يهديكو ويهدي أهاليكو, يلا نكمل قراءة , وبعدين هعدي على شاذلي في الغيط ليا معاه كلام

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 (بينما كان  شاذلي وبعض الزراع منهمكين في فلاحة الأرض,وقف الشيخ سلطان يناديه فترك ما بيده وهرع إليه متهللاً)

 

الشيخ سلطان بذات نفسيه جاي لحدي! اتفضل يا شيخ .حط الشاي ع النار يا رشاد

 

لاه كتر خيرك,لا شاي ولا غيره..يا شاذلي الله يهديك بلاش منيها حكاية المولد ديّ

 

ليه بس يا شيخ!..آنا خابر انك هتجول بدعة, وآنا عارف كديه,بس العيال متمسكين بالمراجيح واللعب في الليلة ديّ,ودول عيال وانت عارف زنهم كيف

 

ربي ولادك من صغرهم ع الحلال والحرام والبعد عن البدع..هو أنت اللي بتربيهم ولا هما اللي بيربوك يا شاذلي! الناس لو اتهاونت مع عيالها زيك كديه يبجى الدين هيضيع شوية بشوية من الجلوب والخوف من ربنا هيضعف, فمن الاول يا ولدي فهمهم ان ديه غلط

 

.......طب بس الليلة دي وخلاص يا شيخ,عشان بس العيال محضرين حالهم, لكن بإذن الله من السنة الجاية ما هوديهومش

 

.....اللهم بلغت,اللهم فاشهد..السلام عليكم

 

عليكم السلام يا شيخ سلطان...والله كلامه صُح,بس اعمل ايه في العيال!

 

************************

رواية الليل والدوادي

بقلم هبة عبد العظيم نور

************************

 

في ليلة مولد أبو المنصور

 

كان شاذلي في صلاة العشاء, وجلست صفية في صحن الدار تنتظره..كانت عيناها متعلقتان بالباب الموصد.تميل وتعتدل وتزفر من الضيق...فقد كانت في عجلة من أمرها..وكاتمت نفسها حديثاً بما يجيش في قلبها  

 

راح وين ده! كل ده بيصلي العشا! يا بوي ع الليلة الطويلة ديّ..يا ترى خوي بدران فاكر معادنا الليلة ولا نساه؟ ..لاه, ينساه كيف! بدران عمره ما ينسى حاجة فيها مصلحته, وآنا وعدته بالكاتير,بس ياجي شاذلي ديه عشان نخلصوا

 

( هرع إليها ولدها الصغير غاضباً يقول)

 

بوي اتأخر كديه ليه يوما!

 

واه! وآنا كنت معاه برا,ديلواك ياجي

 

عايز اروح عند المراجيح والعب مع العيال,المولد هيُخلُص وبوي لساه ماجاش

 

يا بوووي عليك يا محمود أنت التاني! روح البس انت وخوك على ما ياجي وهملني ديلواك

 

وانتِ بتزعجيلي ليه يامّا! كل ما اكلمك تزعجيلي

 

اوف, حسن,تعالى خد خوك والبسوا ولا اتطينوا بطين

 

حاضر يامّا,تعالى نلبسوا الجلاليب الجاديدة اللي بوي جابهالنا في العيد اللي فات

 

لاه,دول عفشين, وكمان لبسناهم عشية في فرح صالح واد زيدان

 

اسميه عم صالح,عيب كديه,وتعالى بجى والا امك هتضربنا احنا التنين,ما واعيلهاش عينها حمر ومبرجين كيف!

 

ايوة, كيف عين العفريت

 

بس بس هتسمعك وتجطع خبرك وخبري,يلا نلبس قبل بوي ما ياجي

*********************************

 

وبعد وقت قصيرعاد شاذلي من صلاة العشاء فاستقبلاه ولداه محمود وحسن وقد ارتديا جلبابان قد أحضرهما لهما في العيد الذي مضى واستعدا للذهاب إلى المولد, قال محمود الصغير

 

يلا يا ابويا عشان نروحوا المولد,اتأخرنا ع المراجيح

 

هاها طيب يا ولدي,هدخل بس البس جلابية المولد البيضا

 

طيب اوعاك تتاخر عاد

 

طيب..حسن, صليت العشا يا ولدي؟

 

ايوة يابوي, كنت عايز اروح اصليه معاك بس انت ما استنتنيش

 

معلش يا ولدي,كان الآذان أذن وانت كنت لسة ما اتوضيتش..وانت يا محمود صليت؟

 

بعدين يابوي, لما ناجي عاد, يلا عشان نلحق المولد

 

هاها الله يهديك يا ولدي

 

ما كفاياك يا شاذلي رط مع العيال, يلا عشان تلبس, آنا حضرتلك الجلابية البيضا وكويتها عاد,تعال الله يرضى عنيك

 

(هرعت صفية إلى الغرفة ونتشت الجلباب الأبيض المعلق على مسمار في الجدار, وما أن دلف زوجها إلى الغرفة حتى أعطته إياه تعجله قائلة)

 

البس يا شاذلي البس اتأخرت

 

هاها أول مرة يا صفية تحضريلي جلابية وتناوليهالي في يدي. ومكوية كماني من غير ما اطلب!...ده ايه الرضا ده كله يا حتة من جلبي؟

 

واه! وآنا عندي مين غيرك بس يا شاذلي عشان اراعيه!

 

هاها, وايه الكلام الحلو ديه!لاه لاه, دا كاتير علي جوي يا جمر

 

يا خوي بلا جمر بلا عتمة, العيال مستنين وعينهم هتطلع ع المولد وانت واجف تتغزل فيا!

 

واه! بلا مولد بلا غيره, أنا في لحظة الصفا اللي واعيلها دي

 

يادي المرار والحظ المغبش يا امّا..لما تاجي يا شاذلي, لما تاجي نعيدوها لحظة الصفا ديّ,المهم العيال ديلواك يا خوي,يلا يلا البس و خدهم الله يرضى عنيك

 

طيب يا صفية,هلبس اهو

 

ايوة كديه يا راجل يا طيب,كديه لما تسمع كلامي احبك واشيلك في جلبي

 

هاها ما اتحرمش من جلبك اللي يساع الدنيا محبة

 

كتر خيرك,يلا يلا اديك لبست اها,يلا على برا يلا

 

طيب ناوليني جزازة الكالونيا دي

 

يا بوووي,ولزومها ايه الكالونيا! انت رايح تتَجَوز انت التاني!اوف...اهيه خد ,افتح يدك احطلك

 

تسلم يدك

 

(وضعت له العطر في يديه فدلكهما ومسح على جلبابه منتشياً..فقالت)

 

خلاص اكديه ولا في هم تاني؟

 

هاها مافيش هم من اليلية يا صفية, دنيا جاديدة وزينة إن شاء الله

 

الله يهنيك بيها,بالسلامة يا خوي,والله هتوحشك يا الغالي

 

تعيشي يا صفية..بس آنا مش هتوحشك ابدا

 

واه! يعني ايه؟

 

.....عشان مش هسيبك ابدا حتى لو بعدت عنك..دايما هكون جنبك ومعاكِ حتى لو ما رايدنيش....سلام يا صفية

 

(خرج شاذلي من الغرفة وظلت صفية ترقبه وهو ينادي الصغيرين اللذان هرعا إليه فرحان وسبقاه خارج المنزل..ومنذ تلك اللحظة ظلت صفية تترقب خبر قتله وهي  تصارع القلق)

 

****************************************

 

 

(في المولد...انخرط شاذلي وولداه وسط الجموع رجالاً ونساءا وشيوخاً وأطفالا  في موكب يطوف يتقدمه كبير المبتدعة الشيخ سمحون في أبهى حلله وعمامته الخضراء وخلفه حاملي البيارق الملونة وقارعي الدفوف وإنشاد المنشدين لأبي المنصور الذي يتراقص عليه الناس يميناً ويساراً. وتزغرد النساء ويصفق الأطفال والكبار.ويسمع همهمة حلقات الذكر المبتدعة التي تنبعث من السرادقات  ..صخب وتداخل في الأصوات ..زحام شديد لا يكادوا يمشون خطوة حتى يقفوا ..رأى الصغير محمود الأرجوحات والأطفال يتأرجحون فلمعت عيناه وقبض على يد والده  وأشار باصبعه إليها قائلا)

 

المراجيح اهيه يا بوي,يلا نروح عنديها

 

طيب يا ولدي,الصبر,نخرج من الزحمة اللي احنا فيها ديّ..

(وسط الزحام كان هناك رجل ملثم..تطل عيناه كأعين الذئاب تنبعث منها نظرات ثابتة حادة ترقب شاذلي...إنه بدران..جاء لينفذ جريمته التي وعد...كان شاذلي يحاول دفع الناس عنه وعن ولديه ليتمكن من الخروج من الموكب)

 

أوعى يا عم انت,عديني يا مرة أنتِ..تعالوا يا ولاد....يا بوووي ادينا خرجنا من وسطيهم ..تعالوا اوديكو عِند المراجيح

 

************************

 

( وعند الأرجوحات الملونة القديمة التي تشبه الزوارق الخشبية  ..حمل الأب ولديه واحداً تلو الآخر ووضعهما داخل تجويف  الأرجوحة ..وقف الصبيان أمام بعضهما وتشبث كل منهما بالأذرع الحديدية المثبتة في أعلى الأرجوحة وأخذ الأب يدفعهما عالياً بوجه باسم  وهما يضحكان والسعادة تغمرهما......هناك عند بائع الشاي وقف بدران ..ألقى نظرة على شاذلي وولديه ثم التفت للبائع وما زال يخفي ملامحه بملفعته وقال)

 

واحد شاي يا بلدينا

 

من عنينا..لكن ليه متلتم كديه يا أخينا أنت؟

 

عليّ تار وخايف اللي جاصديني يوعولي

 

ربنا يكفيك شر المخبي..اتفضل الشاي

 

تعيش

 

لكن انت من عيلة مين؟

 

واه! جرا ايه يا بلدينا! ولَمَا نجولوا للرايح والجاي آنا ابجى مين,يبجى ايه لزومه نخبي وشي عاد!

 

عنديك حق..بالإذن نشوفوا الزباين

 

 في الاول خد حسابك يا بلدينا

 

مستعجل على ايه! خليها بعد ما تشرب كوبايتك

 

لاه,آنا اللي زيي في لمحة بصرة ممكن ما تلاجيهوش جدامك.خد

 

متشكرين...ايه رأيك في الشاي

 

كوباية شاي مظبوطة وتوزن الدماغ

 

عافية على جلبك,بالإذن نشوفوا الزباين

 

شوف زباينك وهملني لحالي...لساه شاذلي بيمرجح العيال ويلاعبهم...والله كانك خسارة في الموت يا شاذلي..بس نجولوا ايه! نصيبك كديه يا واد عمي وما حدش بياخد اكتر من المكتوب ..نشربوا الشاي ونستنوه

 

( ظل الصبيان يتأرجحان إلى أن كلا وأصابهما الملل, فأنزلهما الأب..فأشار الصغير إلى بائع الحلوى وقال)

 

يا بوي,بتاع الحلاوة اهو,هاتلنا يا بوي

 

حاضر يا محمود, هات يدك,تعالى انت كمان يا حسن في يدي التانية, الدنيا زحمة وخايف تتوهوا

 

( شقوا طريقهم وسط الزحام والصخب والضجيج وذهبوا إلى بائع الحلوى,بينما بدران يرقبهم عن كثب ..أدخل يده في جلبابه وتحسس سلاحه الناري..ثم أخرج يده وظل يرقب شاذلي بعينين ثابتتين مخيفتان.....وقف الأب وابتاع لصغيريه ما شاءا من حلوى وهما يقفزان فرحا ويأكلان الحلوى..نظر الأب إلى الصغير مبتسماً وقال)

 

مبسوط يا محمود؟

 

جوي يا بوي, الحلاوة دي مليحة,ابجى هات منيها كاتير بعد كديه

 

هاها إن شاء الله, وانت مبسوط يا حسن؟

 

جوي يا بوي, ربنا يخليك لينا

 

هاها عشان اجيبكو المولد؟

 

لاه..عشان آنا بحبك يا بوي,انت طيب جوي

 

هاها ربنا ما يحرمنيش منك يا ولدي انت واخوك وامك

 

(ربت الأب على كتف ولده الأكبر ومسح على رأس الأصغر,أمسك بأيديهما الصغيرة ومضى في الزحام والذئب يتتبعه....رأى حسن الكبير لعبة دفع الأثقال والتي يلعبها الكبار لإثبات قوة عضلاتهم..ظل حسن يرقبهم في إعجاب..ثم قال لوالده

 

بوي,عايز العب اللعبة دي يا بوي

 

هاها,مرة واحدة كديه! لاه يا ولدي,ما هتجدرش,دي عايزة الكابير العفي

 

الله يخليك يا بوي نفسي العبها

 

خلاص,تعال

 

( وأمام اللعبة وقف الوالد وقال لصاحبها)

 

الله يخليك يا اخينا,ولدي عايز يلعب اللعبة دي

 

مين في التنين؟

 

آنا

 

هاها اسمك ايه؟

 

حسن

 

باين عليك الجوة يا حسن..فارس وعزمك شديد..عنيك رغم الطيبة اللي فيها لكن مليانة جوة...لكن لساك صغير يا ولدي وما هتجدرش

 

لاه,هجدر

 

طيب..تعال ..هشيلك ووجفك جدامها وانت وشطارتك عاد

 

(ابتهج حسن وشمر عن ساعديه ..أخذ نفساً عميقاً ..استجمع كل قوته ودفع حاملة الأثقال..ولكن لخيبة أمل الصغير تحركت بتثاقل ووقفت قبل المنتصف ثم تقهقرت إلى الخلف ببطء..فوجم الصغير وحنى رأسه..فمسح الرجل على رأسه وأنزله ونادى على من بعده من راغبي التباري ..مشى حسن إلى جوار والده منكس الرأس بينما الوالد ينظر إليه بشفقة...ضحك أخوه الصغير وقال له مكايداً

 

يا خيبتك يا حسن, ماجدرتش تخبطها في الحيط

 

عيب يا محمود يا ولدي,ما تجولش لخوك كديه

 

( ثم أمسك شاذلي بذراع ولده بقوة وقال)

 

.ارفع راسك ياحسن, الراجل ما يحنيش راسه كديه, وايه يعني ما جدرتش النهاردة! اللي ما تجدرش عليه النهاردة تجدر على اكتر منيه بكرة يا ولدي..بكرة تكبر وتبجى راجل ودراعك ده لو لمس جبل يهده..بس اوعاك يا ولدي تستخدمه في أذية الناس..خليك مع الحق دايماً حتى لو راح الناس كلهم ورا الباطل ..تجف جنب المظلوم وتاخد حجه من الظالم..عايزك تبجى راجل..شديد...عفي...جوي,لكن حافظ كتاب ربه وصاين شرعه وما يخاف إلا من اللي خلقه..سمعت يا حسن؟

 

سمعت يا بوي,إن شاء الله هكون زي ما أنت عايز عشان ترضى عني

 

الله يرضى عنك يا ولدي..وانت يا محمود, ما هجولِش غير ربنا يهديك يا ولدي ويكفيك شر نفسك

 

يعني ايه! ما فاهمش!

 

يلا يا ولدي عشان نرجعوا الدار,أمكو زمانها جلجانة علينا

 

(قطع شاذلي وولداه الطريق المزدحم الصاخب الذي يضج بالأنوار كرامة لأبي المنصور ...انعطفوا إلى الظريق الزراعي المظلم إلا من بصيص نور أتي من القمر ...وخلف الزرع كان الذئب البشري مختبئاً  يرقب خطوات ضحيته التي تقترب شيئا فشيئا..أخرج مسدسه..وضع يده على الزناد في ترقب...صوب سلاحه إلى صدر شاذلي..وفجأة أطلق رصاصة اندفعت بسرعة الصاروخ لتستقر في قلب شاذلي وفر هارباً.. فسقط شاذلي  وقد سالت دماؤه على جلبابه الأبيض فصرخ الصغيران وانكب الكبير على صدر والده هلعاً

 

بوي,بوي,مين عمل فيك كديه يا بوي,جوم يا بوي جوم,ماتفوتنيش يا بوي

 

(قال الاب بصوت متحشرج)

حسن,ما تبكيش يا ولدي,انت راجل,راجل يا حسن,خلي بالك من خوك, خلي بالك من امك

 

بوي لاه يابوي, ما تفوتناش يا بوي,ابوس يدك ما تفوتناش

 

**************************************

 

يطرق عبد العاطي حارس السيد كامل طرقات مدوية على الباب وهو ينادي بصوت عال مرتجف,يا كامل بيه,افتح يا كامل بيه

 

هرعت نعمة تفتح وقد أرهبتها الطرقات وشعرت أن هناك خطب جلل

 

في ايه يا عبد العاطي؟

 

كامل بيه وين يا نعمة؟

 

كامل بيه فوج وكانّه نايم

 

اطلعي صحيه يا نعمة,شاذلي واد عمه اتجتل

 

يا مصيبتي! شاذلي! ليه وعشان ايه ومين اللي جتله؟

 

واه! وآنا هعرف من وين! صحي البيه الله يرضى عنيكِ

 

(سمع السيد كامل الطرقات وصوت عبد العاطي فنزل مسرعاً وهرع إلى عبد العاطي متسائلا بوجه قلق)

 

في ايه يا عبد العاطي؟

 

شاذلي واد عمك اتجتل يا بيه

 

شاذلي!!!...ايه اللي عم تجوله ديه! اتجتل وين وكيف؟

 

اتجتل وهو راجع من المولد ع الطريج,جدام أرض الحاج سباعي, والبوليس هناك والشاذلي غطوه بملاية والنجع مجلوب

 

(هبط  السيد كامل من هول الفاجعة على مقعد وأخذ يردد في ذهول)

 

شاذلي!...واد عمي!...يجتلوا شاذلي الراجل الطيب اللي عمره ما أذى حد! طيب ليه! ليه! ومين واد الحرام اللي عمل كديه!)

 

(ربت عبد العاطي على كتف السيد كامل وقال)

 

وحد الله يا بيه,قدره ونصيبه عاد

 

لا إله إلا الله,لا إله إلا الله ...اطلعي يا نعمة هاتيلي العباية الجوخ وتلفيعة من فوج بسرعة الله يرضى عنيكِ خلينا نروحوا نشوفوا المصيبة اللي وجعت على راس النجع كلاته ديّ

 

أمرك يا جناب البيه..لا حول ولا قوة إلا بالله

 

*********************************

 

(التهمت أقدام نعمة الدرج في سرعة ووجدت السيدة حياة تتسائل في هلع )

 

في ايه يا نعمة؟مال وشك أصفر وبتتنفضي كديه!

 

استني يا ست ابلع ريجي...شاذلي واد عم البيه اتجتل ع الطريج

 

ايه!!..شاذلي!..مين جتله يا بت؟

 

ماحدش عارف حاجة يا ست حياة,ناوليني العباية الجوخ بتاعة كامل بيه وتلفيعة اللي يرضى عنيكِ عشان البيه يروح يشوف ايه اللي حُصل

 

طيب طيب يا نعمة,آآآه والله ما عارفة اتلم على روحي ولا امسك حاجة بيدي..تعالي خديها اهي معلجة والتلفيعة جنبيها عندك اهيه

 

حاضر يا ست

 

*******************************

 

(وصل السيد كامل إلى موقع الحادث البشع ليجد رجال البوليس إلى جوار الجثة والطفلان يرتعدان ويبكيان في هلع ..وما أن وقعت عينا حسن على السيد كامل,حتى هرع إليه باكياً والقى بنفسه في أحضانه قائلاً

 

بوي اتجتل يا عم كامل,بوي سابنا خلاص وراح وما هنشوفوش تاني

 

بس يا ولدي,كفاك بكا,انت راجل يا حسن,انت الكابير وهتكون مطرح بوك...أمك عرفت؟

 

لاه,أمي ما تعرفش حاجة

 

طيب يا ولدي,تعالى نروح للظابط نسأله ايه اللي حُصل

 

(وضع السيد كامل يده على كتف الغلام واتجه إلى ضابط مخفر القرية وحياه)

 

السلام عليكم يا حضرة الظابط

 

وعليكم السلام يا كامل بيه..ابن عمك ده صحيح؟

 

ايوة يا بيه, ما عرفتوش مين جتله؟

 

لا لسة,ولاده بيقولوا ان الرصاصة المجهولة اضربت فاجأة وما شافوش حد,على العموم هنحقق وأكيد هنوصل للجاني,بس أكيد لازم تساعدونا في التحقيقات لما نستدعيكو

 

ونحن تحت أمركو يا حضرة الظابط

 

لكن فين مرات القتيل؟

 

ماحدش بلغها,هبعتلها الغفير بتاعي

 

*********************************

(طرق الغفير الباب بإيدي مرتعشة لظنه أنه يحمل خبراً بشعاً عن سيد الدار...ما أن سمعت الطرقات حتى اقتربت من الباب متسائلة)

 

مين؟

 

.....افتحي يا ست صفية

 

أنت مين يللي ع الباب

 

آنا عبد العاطي حارس كامل بيه

 

.....عبد العاطي!..استنى نغطوا راسي وتفتحولك

 

(غطت رأسها وفتحت لتجد الحارس مطأطأ رأسه والحزن تبدى على ملامحه,فسألته)

 

في ايه عبد العاطي؟

 

.................والله يا ست ما عارف اجولك ايه...جوزك شاذلي اتجتل ع الطريج

 

(ضربت صفية على صدرها وتصنعت الدهشة)

 

 شاذلي! شاذلي جوزي! يادي الخبر لِسواد,ياخراب بيتك يا صفية

 

ما تعمليش في نفسك كديه يا ست صفية

 

اتجتل وين يا عبد العاطي؟

 

جدام أرض الحاج سباعي

 

(نزعت صفية الحجاب عن رأسها وهرعت حاسرة الرأس إلى الخارج,أخذت تجري على الطريق وهي تصرخ شاذلي,يا خراب بيتك يا صفية ..متعمدة أن يراها كل أهل القرية على هذا الحال ويسمعوا عويلها ...كان كل من يراها من الرجال أو النساء ينظر إليها بشفقة ومنهم من يسترجع ومن يضرب كفاً بكف ويقول أصابها الجنون لفراق زوجها وخرجت حاسرة الرأس غير واعية كالسكرى,أخذت في عويلها وصراخها تجري حتى وصلت إلى جثة زوجها..دفعت الجميع حولها وانكبت على الجثة تبكي,وتقول..فوتنا ليه يا شاذلي,فوت عيالك لمين يا شاذلي..ثم أخذت تلطم خديها وتصرخ وتنتتحب وتنوح ,تقبض على التراب وتهيله فوق رأسها الحاسر وتولول,وإذ بأقدام تقف إلى جوارها وصوت يقول..شدي حيلك يا ام حسن..فرفعت رأسها فإذ هو السيد كامل..فقالت)

 

حيل ايه يا كامل بيه! ماخلاص,اتجطع حيلي واتكسر ضهري بعد موت شاذلي,مين هيربي العيال يا كامل بيه!

 

عيال شاذلي هما عيالي, وزي ما اصرف على عيالي هصرف عليهم,ماتشيليش هم..لكن عندي سؤال؟

 

......سؤال ايه؟

 

ما تعرفيش مين جتله؟

 

آآآوأنا هعرف من وين! ما شايفنيش جاية من داري ع الخبر لِسواد ديه!

 

عند حق,سامحيني يا ام حسن..خدي عيالك وروحي دارك واحنا هنشوفوا البوليس هيوصل لإيه؟

 

اودع شاذلي في الاول

 

(عادت إلى جثة زوجها الذي غدرت به بلا رحمة وانكبت عليه تقبله وتبكي بدموع كاذبة ولكنها انطلت على الجميع وأشفقوا عليها ...قامت واستدارت لتجد أمامها ولديها يبيكيان,قال حسن الكبير والذي كان أكثر تأثراً)

 

بوي يا امّا,بوي اتجتل وما هنشوفوش تاني..مين جتله يا امّا وليه! ده ابوي طيب يا امّا ,طيب جوي,الله ينتقم من اللي حرمه منيه,لازم اعرف هو مين واجتله زي ما جتل بوي 

 

........عمرك ما هتعرف مين اللي جتله يا ولدي

 

ليه يا امّا؟

عشان اختفى وما لوش أثر..بص لنفسك ومستجبلك يا ولدي وسيبك منيه الكلام عن التار ديه..يلا نروحوا درانا

 

(نظر حسن إلى أمه نظرة دهشة ممتزجة بحزنه الذي تملك قلبه الصغير ..مضى معها وهو ينظر خلفه إلى جثة والده الملقى على الأرضر  وهو يرتعد ويبكي مردداً

 

بوي..بوي..يا حبيبي يا بوي..مين جتلك يا بوي

 

************************************

(وفي مكتب المحقق استدعى عمدة القرية الحاج ياسين وجلس يدلي بمعلومات عن شاذلي حين سأله المحقق المتجهم والذي يجلس في ذات حجرة مكتبه الكاتب الذي يدون الأقوال )

 

بصفتك عندة النجع يا حاج ياسين,ايه اللي تعرفه عن الشاذلي أحمد ابو الحجاج؟

 

الشاذلي يا بيه راجل طيب وفي حاله, من بيته للجامع للغيط وفين وفين لو لجيته جاعد ع الجهوة

 

يعني مالوش أعداء ولا خصومات مع حد؟

 

أبداً يا بيه, ومين ديه اللي يعادي راجل طيب كيف الشاذلي

 

طيب مين قرايبه في النجع؟

 

مالوش غير واد عمه كامل بيه

 

ازاي الكلام ده! اللي اعرفه إن الصعيد عائلات كبيرة

 

صُح يا بيه, بس الحديت ديه لو كانوا من الأساس من ذات البلد,لكن هما أصولهم مش من نجع ابو المنصور

 

ازاي؟

 

اجولك يا بيه..من سنين طوال جه للنجع شابين صغار خوات,كانوا فقرا ومعدمين وما خابرش إيه رماهم على نجعنا..الكابير حسين والصاغير أحمد,أول ما اشتغلوا,اشتغلوا في أرض الحاج حربي ابو فاضل .كانوا أمنا ويتجوا ربهم وما يفوتوش فرض,وده اللي خلى الحاج حربي يجوز بته فايجة لحسين,وخلاه زي ولده وعطاه كل ماله يتصرف فيه,والشهادة لله كبرله ماله واتعامل معاهم بما يرضي الله ,وعاش في عز وخير لحد ما مات, لكن خوه احمد عاش فقير ومات فقير وولده الشاذلي ورث الفقر منيه, واهو المسكين اتجتل وهو على حاله وفقره, غير واد عمه كامل اللي ورث المال عن ابوه اللي في الأصل مال أهل أمه الحاجة فايجة زي ما حكيت لساعادتك..عشان كديه هما فروع مالهاش جدر في النجع

 

طيب, عندك معلومات تانية ؟

 

لاه يا بيه

 

وقع على أقوالك يا حاج ياسين ...يستدعى السيد كامل حسين أبو الحجاج للتحقيق

 

************************************

(جلس السيد كامل أمام المحقق الذي سأله)

 

أنت إبن عم القتيل شاذلي ابو الحجاج؟

 

أي نعم يا بيه

 

تفتكر مين اللي قتل ابن عمك؟

 

يا بيه شاذلي ابن عمي كل الناس بتحبه عشان طيبة جلبه ,طول عمره في حاله ولا له دعوة بحد ولا أذى حد

 

الله! هو كلكو هتقولوا نفس الكلام! يعني الجن هو اللي قتله مثلاً! في جريمة تمت, في طلقة نارية اخترقت صدر شاذلي وأردته  قتيل..مين اللي أطلق الرصاصة دي؟

 

العلم عند الله يا بيه..جايز تكون رصاصة طايشة ومش مجصودة

 

الكلام ده مقبول لو كان في فرح مثلاً وكانت الأعيرة النارية بتتضرب وجت فيه واحدة عن طريق الخطأ..لكن الرصاصة اتضربت من خلف الزرع,واللي ضربه صوب نشانه على القلب, اطلق الرصاص واختفى..هو مين؟ وليه عمل كديه؟ وارجوك تقول الحقيقة وكل اللي تعرفه عشان لازم نوصل للجاني

 

يا بيه جولتلك العلم عند الله,آنا عن نفسي ما اعرفش غير اللي جولته,يعني نتهموا الناس بالباطل!!

 

طيب زوجة القتيل من عيلة مين وعلاقتها بيه ايه؟

 

هي من عيلة على كد حالها, وشاذلي كان يحبها ودوم يتشكر فيها

 

يعني علاقتهم كانت طيبة؟

 

ايوة يا بيه, عمر شاذلي واد عمي ما اشتكى منيها ولا جاب سيرتها بعفش..لكن

 

لكن ايه ؟اتكلم ارجوك

 

........خوها بدران

 

بدران! وايه حكايته ده؟

 

(آخذ السيد كامل يدلي بمعلوماته عند بدران فاستدعى المحقق صفية ....إلى غرفة المحقق دخلت صفية متشحة بالسواد ترتعد....نظر إليها المحقق بوجهه الصارم نظرة ثاتبة فارتجفت..سألها المحقق بلهجة حادة

 

إنتِ مرات القتيل؟

 

ايوة يا بيه

 

اقعدي

 

طيب

 

اسمك بالكامل وسنك

 

صفية عبد ربه اسماعيل, تمانية وعشرين سنة

 

.....مين اللي قتل جوزك؟

 

هاآآآ,وآنا هعرف من وين يا بيه! آنا كنت في بيتي ساعة ما وقع المقدر, وكامل بيه شيعلي الغفير بتاعه عشان يبلغني بالخبر الشؤوم ديه اهئ اهئ عيني عليك يا شاذلي, الف حسرة على شبابك يالغالي, فوتني لمين يا شاذلي..يا ريت كنت اعرف يا بيه مين اللي عمل كديه وآنا كنت اجتله بيدي وآخد تار جوزي

 

طيب جوزك مالوش عدوات مع حد

 

أبداً يا بيه, شاذلي طول عمره طيب وفي حاله, لا عمره في يوم عادى حد ولا حد عاداه, منه لله اللي جتله وحرمنا منيه عاد اهئ اهئ

 

طيب واخوكِ بدران

 

.....بدران!...ماله ؟

 

ايه علاقته بزوجك القتيل ؟

 

يا بيه لا علاقة ولا غيره ولا عمرهم اتجابلوا من يوم جوازي بالشاذلي,بدران طول عمره في الجبل ومش عايش معانا ولا نعرف عنيه حاجة

 

يعني مافيش أي سبب يخليه يقتله؟

 

ويقتله ليه بس يا بيه وهو لا بيشوفه ولا بيجابله ولا بيناتهم أي عداوة

 

...........آخر مرة شوفتي اخوكِ بدران امتى؟

 

من اكتر من حداشر سنة يا بيه, زي ما سبج وجولتلك من يوم جوازي

 

يعني طول الفترة دي كلها ماحاولش يشوفك أو يقابلك ولا حتى في السر؟

 

ابداً يا بيه, هو اللي بيطلع الجبل بيعاود منيه ولا بيدور على أهله ولا ناسه! وبعدين يا بيه خوي بدران مش جتال جتلا, هو صُح يسرج,ينهب,يُخطف,لكن يجتل لاه

 

وانتِ تعرفي منين؟ طالما بتقولي لا بتشوفيه ولا تعرفي حاجة عنه؟

 

خوي وخابرة طبعه زين يا بيه,بدران مالوش في سكة الدم..وبعدين هو هيجتل شاذلي ليه! شاذلي لا وراه ولا جدامه ولا حيلته من الدنيا لا ابيض ولا اسود عشان يجتله ويطمع فيه

 

......سؤال آخير, ما بتتهميش أي حد بقتل جوزك؟

 

لاه يا بيه

 

أووووف, اومال مين اللي داس ع الزناد وضرب الرصاصة

 

متهيألي عيار طايش يا بيه ومش مجصود بيه الشاذلي

 

ممم طيب, اتفضلي وقعي على أقوالك

 

طيب يا بيه

 

(وقعت صفية على أقوالها بيدٍ مرتعدة,ثم انصرفت إلى بيتها)

 

***************************************

(في كهف الجبل,كان بدران يجلس مرتكناً إلى الجدار شارداً يكسو وجهه الهم والحزن ,وكان ذراعه الأيمن خليل يعد الشاي على الحطب المشتعل,يرقبه بين الفينة والفينة دونما حديث...نظر إلى براد الشاي فإذ بالأبخرة تتصاعد,فرفعه عن النار وصبه في كوبين واتجه إلى بدران قائلاً)

 

الشاي ياريس بدران

 

.............................

 

ريس بدران

 

ها! في ايه يا خليل؟

 

عملتلك كوباية شاي معتبرة هتعدل دماغك وتزيح عنيك الهم اللي راكبك

 

تزيح الهم! الهم كانه هيفضل راكبني وما هيفارجنيش واصل

 

واه! ..في ايه يا ريس بدران؟

 

مافيش

 

...........من ساعة ما رجعت في الليل وانت في حال غير الحال والهم راكبك وشارد وما بتتكلمش مع حد من رجالتك, وكلهم بيسألوا ماله الريس بدران وايه اللي مكدره كديه؟

 

جولهم مافيش

 

...........انت اتدليت من الجبل في الليل  ليه وروحت وين يا ريس بدران؟

 

واه! خبر ايه يا خليل! هتحقق معاي ولا ايه!

 

لاه لاه, ما تزعلش يا ريس بدران الله يرضى عنيك,آنا بس كنت رايدك تفضفض بللي جواك عشان أخفف عنيك

 

.......اللي جواي كاتير, لا اجدر اجوله.. ولا حد يجدر يخففه عني..كانّه حمل تاجيل وهشيله على صدري العمر كله...هملني ديلواك يا خليل الله يرضى عنيك

 

...........بشوجك يا كابير

 

منك لله يا صفية,جرتيني لسكة الدم وغوتيني زي الشيطان...كان مالي ومال الدم اللي لطخ يدي....الله يرحمك يا شاذلي ..يا ترى هنجني ايه من ورا موتك؟ خير زي ما وعدت صفية ولا لعنة هتصيبنا وتخلي عيشتنا جحيم!

 

**************************************

(وفي منزل صفية اجمتعت النساء متشحات بالسواد , وملأ العويل والنحيب المكان. كانت تجلس بينهن تتصنع البكاء وكلمات الفقد الموجعة وإلى جوارها هانم ابنة خالتها تبكي وتربت على كتفها, وفجأة تدخل الحاجة فايقة وخلفها ابنتها جميلة وزوجة ابنها حياة..تندفع صفية نحوها وترتمي في أحضانها بنشيج مصطنع فأشفقت الحاجة فايقة عليها وبكت لبكائها حين سمعتها تقول)

 

شاذلي فاتني آنا والعيال وحدينا وهملنا للدنيا اللي ما بترحمش يا حاجة

 

بس يا بتي, بس كفاكِ بكا, ربك ما بينساش حد يا بتي,آحنا جنبيكِ يا صفية,وحدي الله يا بتي

 

لا إله إلا الله, الصبر من عندك يارب

 

(تتقدم جميلة وتصافح صفية قائلة )

 

شدي حيلك يا صفية,الله يصبر جلبك

 

الشدة على الله يا ست جميلة

 

(اقتربت حياة واحتضنتها وهي تبكي قائلة)

 

شدي حيلك يختي, والله جلبي واجعني من ساعة ما سمعت الخبر المشؤوم ديه

 

جلبك فيه الخير يا حياة..مجدر ومكتوب عاد

 

( دخلن جميعاً وما أن هموا بالجلوس حتى ولجت والدة صفية تستند على عكازها  ببكاء وصراخ رج أرجاء المكان وفاق كل أصوات النحيب  وهي تحدج ابنتها صفية بنظرات الاتهام الملتهبة قائلة

 

شاذلي, وينك يا شاذلي, وينك يا ولدي,جتلوك يا شاذلي! جتلوك يا ولدي! حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم, حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم

 

( اتسعت حدقتا عينا صفية وارتعد جسدها وتسمرت مكانها, بينما هرعن النساء إلى العجوز يهدئنها ويجلسنها على الأريكة,فأسندت رأسها إلى الجدار تبكي وتردد حسبي الله ونعم الوكيل ....يخرج محمود الصغير من غرفته مندفعاً صوب أمه وهو يقول)

 

الحجي يامّا, خوي حسن ما عرفش ماله

 

ماله يا واه؟

 

عرقان وجسمه كله بيتنفض وعما يجول بوي بوي

 

ولدي!

 

(هرعت صفية إلى الحجرة وخلفها النساء فوجدت ولدها يتصبب عرقاً ويرتعد مردداً ,بوي,بوي,وينك يا بوي,مين جتلك يا بوي...وضعت صفية يدها على رأسه فوجدته متقدأ كآنية على موقد مستعر

 

انكبت صفية على ولدها وأخذت تجفف عرقه بشالها وهي تقول)

 

الواد سخن زي النار,ايه اللي صابك يا ولدي, فيك ايه يا حسن, يارب رحمتك, يا ولدي آنا ما ناجصاش الخلعة ديّ)

 

(ربتت على كتفها حياة وقالت)

 

عنك انتِ يختي..جميلة, ناوليني مية متلجة وجماشة الله يرضى عنيكِ

 

حاضر

 

هرعت جميلة لإحضار الماء المثلج وقطعة القماش..بينما ظلت صفية ترقب ما يحدث من اهتمام حياة بولدها والتي وضعت يدها على رأس الغلام قائلة

 

اسم الله عليك يا ولدي,الواد مخلوع, اللي شافه كاتير على عيل زيه

 

خدي المية والتلج أهم يا حياة

 

تسلم يدك يا جميلة ...بسم الله الرحمن الرحيم,بسم الله الشافي

 

بوي..وينك يا بوي, وينك يا بوي, جتلوك ليه وحرمونا منيك يا بوي

 

(كلام الصغير آثار بكاء الجميع وشفقتهن إلا صفية..فقد استحوز عليها شعور آخر غير الحزن..كان الاضطراب والقلق من المجهول هو المهيمن عليها ...دلفت والدتها إلى الغرفة ..رشقتها بنظرة حادة,فهربت عيناها وأسرعت خارجة من الغرفة ,اتجهت الجدة بخطوات متثاقلة وقلب متهلف إلى الصغير فقامت عنه حياة وأجلستها..قبلت الصغير وأخذت تمسح على رأسه برفق وهي تبكي قائلة)

 

الله يجازي ولاد الحرام اللي يتموك يا ولدي وجتلوا بوك من غير ذنب ولا خطية...هاتي الجماشة يا حياة يا بتي

 

اتفضلي يا حاجة,بس الواد حرارته ما بتنزلش,لازمه داكتور

 

(نهضت جميلة عن مجلسها وقالت  على الفور)

 

..هشيع مرسال لعزت ياجي طوالي

 

*************************************

( وبعد حوالي نصف الساعة جاء الدكتور عزت يهرول بحقيبته الطبية فقامت صفية عن جموع النساء واستقبلته قائلة )

 

يا مرحب يا داكتور عزت

 

متشكر, وينه ولدك ؟

 

تعال معاي

 

دلفت صفية إلى الغرفة وقالت لوالدتها التي تجلس إلى جوار الغلام باكية نائحة

الداكتور جاي يشوف الواد يا امّا

 

.................................................

 

اتفضل يا داكتور,معلش امي ما درياناش وما بتردش من حزنها,اتفضل

 

متشكر....ازيك يا خالة ام بدران

 

تسلم وتعيش يا ولدي..الواد يا حبة جلبي سخن زي النار وبيخترف

 

معلش,إن شاء الله يبجى أحسن,بعد إذنك شوية

 

طيب يا ولدي

 

بوي,يا بوي, وينك يا بوي

 

ياه! دي حرارته عالية جوي,هديله حقنة تخفض الحرارة

 

الله يجزيك خير يا ولدي

 

(حقن الدكتور عزت ذراع حسن,مسح على رأسه برفق وابتسم قائلاً)

 

إن شاء الله هتبجى تمام يا بطل..خالة أم بدران.أنا ماشي ديلواك وإن شاء الله هعدي عليه تاني عشان أطمئن..مش عايزة مني أي خدمة يا خالة؟

 

تسلم من كل رضي يا ولدي..كتر خيرك جبرت بخاطر اليتيم وجيت لحد داره

 

ازاي بس بتجولي كديه! احنا أهل

 

الله يعلي مراتبك ويعطيك الصحة والعافية يا ولدي

 

آمين,السلام عليكم

 

عليكم السلام

 

(وعند باب الحجرة الفى الدكتور صفية فسألته باهتمام)

 

الواد عامل ايه يا داكتور عزت؟

 

انا عطيته حقنة وان شاء الله هتخفض حرارته, وفي دوا للسخونية هشيعهولك مع حارس من الحراس

 

طيب وعايز كام ع الكشف عاد؟

 

عيب تقولي كديه يا أم حسن,احنا أهل..السلام عليكم

 

بالسلامة يا داكتور

 

(همت الحاجة فايقة وابنتها جميلة وحياة بالانصراف,فربتت على كتف صفية  وقالت احنا ماشيين ديلواك, شدي حيلك يا صفية يا بتي,ولو عوزتي اي حاجة اطلبيها واحنا عنينا ليكِ

 

تسلم عنيكِ يا حاجة

 

(قالت جميلة بلهجة فاترة  وهي تقف على مسافة منها

 

شدي حيلك يا صفية

 

الشدة على الله يا ست جميلة

 

(خرجت الحاجة فايقة وابنتها وسبقتا حياة التي نظرت بشفقة إلى صفية وضمتها إلى صدرها ثم  قالت  بحنو)

 

صفية,احنا اخوات يختي,وعيالك هما عيالي,بالله عليكِ لو عوزتي اي حاجة اطلبيها مني

 

شايلاكِ للعوزة يا حياة كتر خيرك

 

آنا مش بقول كديه وخلاص,آنا بيتي مفتوحلك تاجي في أي وقت,ده بيت اختك

 

واكتر كماني من اختي,اومال,تشكري يا حياة

 

آنا هشيعلك الغدا النهاردة للعيال وما هخليش نفسهم في حاجة,آنا سايبة هانم بتعمل في الوكل ,ساعة كديه واشيعهالك بيه

تشكري يا حياة يا ام الكرم

 

(نادت جميلة من الخارج تتعجل حياة)

 

خبر ايه يا حياة! همي اومال خلينا نمشوا

 

جاية يا جميلة,جاية, شدي حيلك يا صفية

 

بالسلامة يا حياة ....عايزة ترميلي اللي بيفيض منيها بت زيدان ها ,صبرك بالله يا حياة

 

 

( انفض الجميع من حول الغلام إلا الجدة التي جلست إلى جواره تتحسر على مآله ومآل أخيه الأصغر بقتل والديهما على يد والدتهما..أجل فهي كانت تشعر بشعور يصل إلى حد اليقين أن يد ابنتها ملطخة بدماء زوجها. ولكن..ماذا عساها أن تفعل غير البكاء والنحيب على الزوج المسكين...بينما هي تبكي كان حسن في عالم آخر, فقد رأى والده يدخل بوجه منير باسم إلى ذات الغرفة التي يرقد بها مريضاً,فناداه

 

حسن

 

بوي! حبيبي يا بوي,انت لساك عايش؟

 

ايوة عايش يا حسن,طول ما انت فاكرني أنا عايش, وطول ما بتعمل كل اللي اتمنيت اشوفك عليه أنا عايش وما هسيبكش أبداً يا ولدي

 

يعني هتعيش معاي في الدار على طول وما تفارجنيش يا بوي؟

 

لاه...هعيش في جلبك يا حسن,جلبك أوسع من الدنيا اللي الكل فيها هينساني إلا أنت يا ولدي

 

يعني هتمشي تاني يا بوي وتفوتني؟

 

جولتلك طول ما انت فاكرني أنا عايش معاك وجواك يا حسن, ومسيرنا يا ولدي نتجابل في الآخرة,ماحدش بيخلد في الدنيا يا ولدي.

 

بس انت يا بوي يوم ما طلعتني من الترعة ونجيتني من الغرق قلتلي لما تعوز أي حاجة قول يا بوي هتلاقيني جنبك

لاه يا ولدي,لما تعوز أي حاجة قول يارب,هو الدايم وهو الرحيم بيك وهو اللي نجاك من الغرق مش آنا..قول يارب

 

يارب,يارب

 

...مالك يا حسن؟ راقد ليه في سريرك؟

 

آنا تعبان, تعبان قوي يا بوي,حط راسك على راسي شوف سخن كيف

 

وريني كديه....لا سخن ولا حاجة,جوم يا حسن,جوم يا ولدي,ما ترقدش الرقدة دي تاني,استنى أما ارقيك بآية الكرسي

 

(وضع الأب يده على رأس الغلام وقرأ آية الكرسي ...ففتح حسن عينيه فلم يجده فانتفض من الفراش وآخذ ينادي)

 

بوي, بوي, روحت وين يا بوي, بوي راح وين يا جدتي؟ بوي كان هنيه

 

يا حبة جلبي يا ولدي,تعالى في حضني يا حسن,ادعيله بالرحمة يا ولدي

 

بوي,بوي,انت وين يا بوي,آنا عايزك يا بوي,هعيش من غيرك كيف يا بوي

 

كفاك بكا يا ولدي...بس انت ماشاء الله بجيت طيب والسخونة راحت..الحمدلله, الله يباركله الدكتور عزت

 

......جدتي..وين أمي؟

 

أمك مع الحريم برا ...أهي جت ع السيرة

 

واه! انت جومت ليه من سريرك يا حسن

 

آنا خفيت..أمي,آنا حلمت بابوي

 

يا بوووي,آنا في ايه ولا في ايه! حلم ايه وهم ايه ديلواك,في الصحيان تجول بوي وفي النوم تجول بوي,ارحمني يا حسن انت التاني,ارحمني آنا ما ناقصاش

 

..........آنا همشي مع جدتي ,كل مكان هنهيه بيفكرني بابوي

 

روح مطرح ما تروح وهملني بحديتك الماصخ ديه

 

.................. طيب ياامّا.استني يا جدتي,هلم خلجاتي وآجي معاكِ..ولا ما عايزانيش إنتِ التانية؟

 

ما تجولش كدة يا حسن,دانت نور عيني يا ولدي

 

( جمع حسن أغراضه وذهب مع جدته إلى بيتها عله يجد بعض الراحة من عناء فقد والده)

***************************

(في بهو قصر الحاجة فايقة جلست جميلة إلى خطيبها الدكتور عزت يتجاذبان أطراف الحديث..قالت جميلة)

والله ما عارفة أشكرك كيف يا عزت عشان روحت تكشف على حسن واد شاذلي الله يرحمه

 

كيف تقولي كديه يا جميلة! ده واجبي,وما روحتش عشان هو قريبك,أي حد يحتاجني لازم أكون جنبه,اومال آنا جيت هنهيه ليه!

 

ربنا يقدرك على فعل الخير دايماً,سمعت انك ما خدتش فلوس ع الكشف

 

واه! أخد من يتيم كلنا عارفين ظروفه اللي على قد حالها!

 

ربنا يعطيك على كد نيتك يا عزت...والله آنا لحد ديلواك ما مصدقة ان شاذلي يحصله اللي حصله ديه,ده طول عمره مسكين وفي حاله,كيف يتقتل بس!

 

يمكن يكون له عداوة مع حد ولا شيء خافي ما حد يعلمه

 

العلم عند الله وحده يا عزت,أهو البوليس بيدور

 

على فكرة آنا نازل مصر بكرة الصبح إن شاء الله

 

واه! ليه بس ولزومه ايه السفر عاد!

 

هاها ما عايزانيش آسافر؟

 

لاه,ما عايزاكش تهمل النجع ولا ثانية

 

هاها ربنا ما يحرمني منيكِ يا جميلة,بس هو مشوار لازم ومش هغيب اكتر من يامين إن شاء الله

 

وايه هو المشوار اللازم ديه؟

 

أولاً هعدي على صاحبي محمد وأزور والده عشان تعبان شوية وكمان عندي ورقات مهمة نسيت اجيبها من شقة مصر,وإن شاء الله يامين زي ما وعدتك ومش هغيب

 

خلاص,بس تكلمني في التلافون تلات مرات في اليوم عشان تطمني

 

تلات مرات بس! آنا ناوي اكلمك ست مرات,مرة قبل الفطار وبعده,ومره قبل الغدا وبعده,ومرة قبل العشا وبعده هاها

 

طب اكتبهوملي على روشيتة عشان ما انساش يا دكتور هاها

 

هاها بتتمألسي عليّ! طيب يا جميلة ..ما قلتليش عاد,اجيبلك ايه من مصر؟

 

تجيبلي عزت,عزت وبس, والله ما رايدة غيرك

 

يابووي! هاها ايه الكلام الحلو ديه عاد! الله يسامح السفر اللي هيفرقنا يامين بحالهم

 

هاها,هروح اعملك فنجان قهوة مظبوط بيدي

 

عارف انه مظبوط وتمام التمام وعدلي دماغي من قبل ما اشربه هاها مش مسواياه جميلة بدر البدور!

 

هاها يخليك ليا ياعزت

 

***************************.

....مرت الثلاثة أيام الخاصة بالعزاء وأضحى البيت خالياً إلا من صفية وولدها الأصغر محمود....كانت شاردة في غرفتها عندما دلف محمود إلى الغرفة قائلاً)

 

جعان يا امّا

 

ها! في ايه يا محمود

 

جعان

 

طيب,طيب,هجوم اجيبلك حتة جبنة وراغيف ....آه ,يابوي ع الدوخة اللي ما سايبانيش ديه هي وغممان النفس

 

مالك يا امّا؟

 

مافيش يا واه,مافيش,روح ديلواك على ما اجبلك تاكل ...هدي الواد ديه لقمة واخطف رجلي واروح عند الخالة سكينة اشوف هنعمل ايه بعد كديه ما قدراش اصبر

 

(استندت إلى الجدار حتى وصلت إلى الموقد الطيني التي تضع الخبر فوقه مغطى بقطعة قماش كبيرة..ثم اتجهت إلى زلعة جبن مرتكنة في زاوية وجلست القرفصاء وفتحتها وأخذت قطعة من الجبن ووضعته على الخبز ونادت محمود

 

خد يا واه

 

هاتي يا امّا

 

خد الراغيف ديه وروح العب مع عيال هانم بت خالتي عشان آنا ورايا مشوار كديه

 

رايحة وين يا امّا؟

 

مشوار كديه يا محمود, مشوار, مش كل حاجة تسأل عنيها

 

طيب مش هتعملينا لحمة وطبيخ؟ الوكل الكاتيراللي شيعته خالة حياة خلص وآنا عايز تاني

 

يا بوووي, بعدين,بعدين يا محمود, يلا روح ديلواك وما تاجيش إلا اما اعدي عليك اخدك

 

طيب يا امّا

 

( أسرع الغلام إلى خارج المنزل يحمل رغيف الخبز,زفرت صفية وقالت)

 

ما يروحش يعيش مع جدته ده التاني ويسيبني اشوف حالي اليامين دول وهنرسوا على ايه!..البس واروح ع الخالة سكينة أشوف حالي

 

(ارتدت ثيابها وأسرعت إلى الخارج, وما أن همت بإوصاد الباب حتى سمعت صوتاً خلفها يناديها,فاستدارت فإذ هي حورية خادمة الحاجة فايقة تحمل على رأسها صينية كبيرة مغطاة وتقول)

 

عواف يا ست صفية

 

حورية! الله يعافيكِ

 

انتِ خارجة ولا ايه؟

 

ايوة, رايحة عند امي اطمن عليها.. ايه الصانية  اللي فوج راسك ديه؟

 

مشيعاها الحاجة فايجة لغدا العيال, وسعي كديه أما ادخل احطهالك جوا

 

ادخلي يا حورية

 

اهيه حطيتهالك ع المجعد

 

كتر خيرك, وجولي للحاجة فايجة متشكرين وكتر ألف خيرها

 

هنبلغها,اجعدي بالعافية

 

الله يعافيكِ

(تدخل صفية صوب صينية الطعام وتميط الغطاء لتلقي نظرة,فوجدت الصحاف الكبيرة مكتظة بأطايب الطعام ولحوم الطير المشتهاة..فضحكت ساخرة وقالت)

 

.هأ...لاه يا حاجة فايجة, مش هو ديه اللي عايزاه منيكِ..اللي عايزاه أكبر بكاتير

 

(أعادت الغطاء كالسابق وانطلقت إلى وجهتها)

 

****************************************

(وعندما شارفت على الوصول عند دار سكينة,غطت وجهها بشالها حتى يجهلها من يراها....وصلت عند الباب فوجدته موارب فدفعته ودخلت منادية)

 

خالة سكينة

 

جيالك يا بت كلاف البهايم

 

أوف, وبعدهالك يا خالة سكينة! هتبطلي ميتى تناديني بالكلمة العفشة ديّ؟

 

هاها لما تغيريها بيدك يا بت كلاف البهايم..مبروك عليكِ جتل جوزك,كانك فرحانة عشان تم المراد

 

فرحانة على ايه بس! هو كان حصل حاجة لسة من اللي رايداه,آنا زي ما انا ..بت كلاف البهايم, وحياة زي ما هي,ست سرايا كامل بيه الآمرة الناهية, وكامل بيه ما خدتش منه غير الخمسوميت جنيه اللي عاطاهوملي,ووعدني بجديهم كل شهر للعيال

 

الصبر يا بت كلاف البهايم,الصبر,الأيام الجاية بتاعتك والدنيا المليحة ملكك,بس لازم تسعي بكل جهدك توصليلها

 

أومال آنا بعمل ايه! وخليت خوي بدران يجتل شاذلي ليه! مش عشان تجوليلي أعمل ايه بعد كديه وأوصل كيف لدنيتي الحلوة بعد ما أخطُفها من يد حياة! آآآه

 

مالك يا بت كلاف البهايم

 

ما عارفاش يا خالة سكينة,بجالي ياجي شهر والدوخة والغممان مش سايبني

 

حبلى ولا ايه؟

 

لاه يا خالة ما تجوليش كديه,آنا ما ناجصاش هم وعيل تالت من شاذلي

 

طب تعالي أما اشوفك حبلى ولا لاه؟

 

وانتِ بتعرفي في الحاجات ديّ يا خالة سكينة؟

 

سكينة بتعرف في كل شيء يا بت كلاف البهايم

 

********************************

(تحققت سكينة من وجود حمل مستكن في أحشاء صفية,فقالت)

 

حبلى يا بت في ياجي شهرين

 

يا مري,أهو ديه اللي كنت خايفة منيه عاد,يعني كديه حالي هيجف لحد ما اولد! سبع شهور يا خالة زي ما آنا وكمان الاجي عيل فوج صدري! ده ايه الحظ لِسواد ديه!...أعمل ايه يا خالة سكينة ؟ابوس يدك جوليلي اعمل ايه؟

 

لازماً العيل ينزل

 

كيف بس يا خالة؟ لو حد دري بالحكاية ديّ هيفضحني جدام النجع كلاته ويجول صفية كانت حبلى وسجطت روحها, وساعتها مافيش مخلوج هيرحمني

 

ومين جال إن حد هيدرى,آنا اللي هسجط العيل

 

...انتِ؟

 

تجيني في الليل من غير حد ما يدرى, وتعملي حسابك إنك هتبيتي عندي

 

ها! أبيت كيف, واجول للواد محمود ايه؟

 

مستنياكِ في الليل. إمشي ديلواك عشان ناس جايين ماعايزاهومش يوعولك

 

طيب يا خالة سكينة,طيب

 

(تلثمت صفية بشالها حين خروجها من دار سكينة وتوجهت إلى منزل والدتها)

***********************

(وهناك وجدت الباب مشرعا,فأبصرت والدتها فإذ هي تجلس على فراشها ممسكة بمسبحتها الخشبية القديمة وتتمتم بتسبيحات,وولدها منزوي في أحد الأركان حزيناً واجماً تسيل على وجنتيه العبرات..فزفرت وأشاحت بوجهها عنه وألقت السلام على والدتها)

 

عواف يا امّا

 

........الله يعافيكِ

 

ومالك بتنطجيها من تحت الضرس كديه!

 

عايزة ايه منينا يا صفية!

 

ما عايزاش حاجة يا امّا,عايزاكِ تفردي وشك لما تنضريني,دانتِ لحد ديلواك ما عزتنيش في شاذلي ولا واستيني بكلمتين

 

.....................شاذلي كان ولدي ولحد ما اموت هفضل باكية عليه وداعية ع اللي استباح دمه بجلب جاسي ما بيرحمش,حسرة جلبي عليك يا شاذلي

 

اتحسري يا امّا,اتحسري ع اللي كان مشربنا الشهد  ومغرجِنا في خيره..وانت يا واه,مالك شايل الطين ليه؟

 

بوي,بوي يا امّا

 

يا بوووي,ليلك ونهارك خشمك من بيتجفلش,بوي,بوي,بوي, كان مسيولك ايه بوك ولا وراك ايه غير الفقر والعيشة الضيجة,اومال لو كان معيشك عيشة مليحة كنت سويت كيف!

 

بوي كان راجل طيب,كان حنين,ماحدش هيحن علينا زي بوي ولا حد هيحبنا زييه يا امّا,آنا ما عايزش عيشة مليحة,آنا عايز بوي

 

ياخي الهي تحصله عشان ترتاح وتريحني,ده مراره ايه ديه!...أما,آنا هشيعلك محمود عشان يجعد مع اخوه يمكن ينسيه الهم اللي راكبه,خليهم عنديكِ يامين تلاتة كديه,اهو ياخدوا بحسك بدل ما انتِ جاعدة وحدك؟

 

...........ناوية على ايه تاني يا صفية؟

 

ناوية على ايه في ايه يا امّا انتِ التانية! هشيعلك محمود ديلواك,فوتك بعافية

 

الله يعافينا من عمايلك يا صفية

 

************************************

وفي الظلام الدامس وصلت صفية إلى باب سكينة, وطرقت الباب ثلاث طرقات متتالية بتؤدة,,فتحت الباب سكينة وقالت بصوتها المتحشرج)

 

ادخلي يا بت كلاف البهايم

( وبلا رحمة أسقطت سكينة الكائن البريء من رحم اللآثمة صفية حتى لا يكون عائق في تحقيق أحلامها الجهنمية السوداء..راحت في نوبة إغماء حتى أشرق الصباح...وعندما استفاقت وفتحت عينيها,أخذت نظراتها تدور في المكان فرمقت سكينة عند الموقد تعد الطعام في قدر صغير,تثائبت ونهضت جالسة على الفراش وقالت)

 

إصباح الخير يا خالة سكينة

 

واه! صحيتِ! حمدالله بسلامتك عاد

 

الله يسلمك,هو آنا نمت كاتير ولا ايه؟

 

ايوة,الشمس طلعت بجالها كاتير..عاملة ايه ديلواك؟ حاسة بحاجة؟

 

لاه,مليحة,كتر خيرك يا خالة سكينة,لولاكِ كان زماني حايسة بالعيل

 

اديني خلصتك منيه عشان تشوفي حالك

 

هنعمل ايه ديلواك يا خالة سكينة؟

 

ناكل لقمة في الاول وبعدين نجعدوا نرتبوا حالنا ونتفجوا على كل شيء واحنا بنشربوا الشاي,جومي انتِ اسّحمي في الاول وفوجي كديه على ما الفروجة تطيب

 

هتوكليني فروج! كتر خيرك والله يا خالة, طيبة وكريمة واللي ما يعرفك يجهلك

 

هاها تعيشي

 

****************************

 

قامت صفية عن الفراش وذهبت للاستحمام وما أن فرغت حتى نضج الطعام....وبعدها جلست وسكينة يتناولان الطعام,وأثناء احتسائهما الشاي,سألت صفية بلهفة

 

ماجولتليش يا خالة سكينة هنسوي ايه؟

 

اسمعي يا بت كلاف البهايم, طول ما حياة بت زيدان في سرايا كامل بيه,عمرك ما هتخطيها إلا ضيفة ساعة وتسبيها,هي ست السرايا وحبيبة جلب كامل بيه وام بناته الغالية, وعمر كامل بيه ما هيفرط فيها مهما حُصل..إلا بجى لو

 

لو ايه يا خالة,كملي الله يرضى عنيكِ

 

لو حُصل حاجة تخليه يطلجها و يطردها من السرايا  

 

وايه هي الحاجة دي يا خالة سكينة؟

 

اسمعي الكلمتين دول مليح عشان دول اللي هيكون فيهم سعدك بقيت عمرك ..حورية

 

حورية! وايه دخل حورية بحكايتنا عاد؟

 

حورية ديّ تبيع ابوها عشان القرش, واللي زي ديّ خدامة اللي يديها اكتر

 

مافهماش يا خالة, يعني هنعوزها في ايه يعني؟

 

هفهمك على كل حاجة مليح,وعليكِ تسوي كيف ما هقولهولك بالكلمة

 

حاضر يا خالة,بس جولي وبلي ريقي اللي نشف ديه

 

(وآخذت سكينة تحيك مؤامرة بإحكام لإخراج حياة من القصر طريدة ذليلة,بينما صفية تصغي بكل حواسها ..وبعد أن وعت جيداً كيف ستنفذ المؤامرة دب الحماس في قلبها وقالت بشغف)

 

طيب ميتى عاد يا خالة,ووين المال اللي هعطيه لحورية عشان تنفذ اللي هطلبه منيها ؟

 

هاها الصبر يا بت كلاف البهايم,احنا نستنوا شهر كديه تكون حكاية قتل جوزك بردت وبعدها تاجيني تاخدي الفلوس وتستني حورية وقت ما تخرج من السرايا وتتفقي معاها

 

يا بوي! لسة هستنى شهر! ده مر ايه ديه! ممم طب مش يمكن حورية وقتها ما ترضاش وتحكي ع اللي سمعته مني وتغفلج الدنيا على راسي؟

 

لاه, ما تخافيش,كله هينتفذ زي ما راسمينه بالحرف..واخفي من وشي ديلواك يا بت كلاف البهايم خليني اشوف حالي

 

خلاص يا خالة سكينة,هعدهم باليوم والساعة والداقيقة وهجيكِ بعد شهر بالتمام والكمال,فوتك بعافية

 

الله يعافيكِ يا بت كلاف البهايم ....ها مشت بت الكلاف..طول ما في أمثالك يا بت كلاف البهايم طول ما الدنيا هيملاها الدم والنار, ونهار المظلوم يبقى ليل دايم

 

*********************************

( ما أن فتحت صفية باب بيتها ودلفت حتى رأت ما أفزعها وأرعد فرائصها ,إنه شقيقها بدران ناظر إليها وقد استبد الغضب بملامحه..ارتجفت وسألته)

 

بدران! دخلت هنيه كيف؟

 

فايتة العيال لامك وبايتة برا بيتك عند مين يا صفية؟

 

واه! وانت عرفت ان العيال عند امي كيف؟

 

قلتلك كنتِ وين انطقي

 

طب بس بلاش منيها البصة اللي وقعت جلبي ديّ,هكون وين يعني يا بدران يا خوي! كنت عند خالة سكينة بندبروا حالنا ونشوفوا هنعملوا ايه عاد في الايام الجاية

 

وهو تدبير الحال يخليكِ تباتي برا بيتك وتجيبلنا العار!

 

عار ايه انت التاني! هو بس أصل يعني دريت اني كنت حبلى لكن الخالة سكينة الله يرضى عنيها خلصتني من العيل, وعشان كديه ما قدرتش اجي وبت عنديها لحد ما أشد حيلي

 

واه! يعني خلصتِ من الراجل وولده اللي ما شافش النور

 

ماكانش ينفع إلا كديه يا بدران, كان لازم اخلص من العيل ديه عشان نفوقوا لحالنا

 

واتفقتوا على ايه؟

 

بعد شهر ننفذ والبت حورية هتساعدنا

 

حورية مين ديّ

 

الخدامة اللي في سرايا الحاجة فايقة

 

يا بووي أهو آنا مش خايف إلا من لمة الحريم ديّ, ما عايزش ياجي اليوم اللي اجول لحالي  أدي آخرة مشيك ورا الحريم يا بدران,لا طولت سما ولا أرض وبقيت مسخرة بين الرجال

 

لاه يا خوي, ما تخافش, أختك بميت راجل واللي يمشي وراها ما عمره في يوم يندم

 

خابرة يا صفية لو اللي وعدتيني بيه ما حُصُلش هسوي فيكِ ايه؟ وحق جلال الله لقتلك بيدي واسيح دمك على الأرض والطخ بيه حيطان النجع كلاته

 

ما تخافش يا بدران, آنا ما عملتش كل ديه عشان أطلع خسرانة ولا اطلعك خسران,اطمن يا خوي,اطمن.....لكن انت دخلت هنيه كيف وعرفت اني بايتة برا من وين؟..أنت هنهيه من ليلة امبارح؟

 

ايوة, آنا ما انزلش من الجبل ولا اعاوده إلا في الليل

 

هاها واد ليل يا خوي ,لكن هياجي اليوم اللي تظهر في النهار وتبقى سيد النجع كلاته وأخو سته صفية

 

ادينا مستنين يا ست..شوفيلي لقمة أشق بيها ريقي

 

استنى كديه يا بدران..واه! هي راحت وين؟

 

بتدوري على ايه يا صفية؟

 

كان في صانية وكل  قد الداهية مشيعاها الحاجة فايقة

 

هتلاقيها في الأوضة جوا فاضية,اتسليت عليها في الليل,كنت نازل من الجبل جعان

 

صحتين على بدنك يا خوي,هحلب الجاموسة واجيبلك كوز حليب وحتتين قرقوش تتصبر بيهم على ما اخبزلك فاطيرتين...عارفاك هتقعد هنهيه لليل عشان تعاود الجبل

 

طيب همي عشان جعان

 

طيب..لكن عرفت منين ان العيال عند امي؟عديت عليها إياك؟

 

قربت من الباب وكنت لسة هدقه سمعت صوت عيالك رجعت,جيت على دارك دقيت ما فتحتيش,لفيت وطلعت ع الحيط  ونطيت من فوق السطوح

 

طيب, هجيب الحليب والقرقوش ورجعالك

***********************************

عاد بدران إلى الجبل والقى السلام على رجاله فأجابوه جميعا إلا خليل الجارحي ذراعه الأيمن الذي أشاح بوجهه عندما رآه,فتبسم بدران وقال له )

 

خبر ايه يا خليل يا جارحي! ما سمعتش السلام ولا كانك انطرمت!

 

يا مرحب يا ريس بدران

 

تعال يا خليل عايزك في كلمتين لحالنا,بالإذن يا رجالة

 

اتفضل يا ريس بدران

 

(اختلى بدران بخليل الذي ما زال عابس الوجه وقال)

 

اقعد يا ابو جارحي

 

قعدنا يا ريس بدران, خير؟

 

خبر ايه يا خليل؟ مش عوايدك تتعامل معاي كديه؟

 

أنت أمرتني بشيء ما نفذتوش يا ريس بدران؟

 

واللي بينا أوامر وبس يا ابو جارحي! دانت دراعي اليمين واخوي اللي بتسند عليه

 

كنت فاكر كديه يا ريس بدران قبل ما تداري عني أسرارك..أنت اللي ما كنتش كديه,كنت كل شاردة وواردة عنيك معرفهالي,الصاغيرة قبل الكابيرة,لكن ديلواك بقيت بحر ما له قرار ودافن سرك جواك...تنزل من الجبل وتغيب بالليلة والتنين وتعاود وما تعرفنيش كنت وين ولا نزلت ليه , وديما قاعد لحالك ما بتتكلمش...كانك ما بقيتش تآمنلي يا ريس بدران

 

هاها ما تقولش كديه يا خليل, هقولك كل شيء بس في أوانه,أخاف أقول ديلواك ما يتحققش المراد تتكسر عيني قدامك

 

ما عاش اللي يكسر عينك وخليل ابو الجارحي عايش يا ريس بدران, مش يمكن لما تقولي ادلك ع الصالح ؟

 

...............................................................

 

خلاص يا ريس بدران, طالما ما عايزش تقول ما تقولِش وخلي سرك جواك,بالإذن

 

اقعد يا خليل , آنا برديك عايز ازيح عن صَدري واقولك

 

زيح عن صدرك يا ريس بدران

 

طب في الاول هنادم على سعداوي يسويلنا اتنين شاي عشان نظبطوا دماغنا ...سعداوي,يا سعداوي

 

نعمين يا ريس بدران

 

اتنين شاي يا واه

 

أمرك يا كابير

 

( وهما يحتسيان الشاي أماط بدران لثام الخطايا التي ارتكبها وقتله لزوج أخته نزولاً عن رغبتها وأملاً في الحصول على الثروة والجاه...فتعجب خليل من حديث بدران وقال مندهشاً)

 

بقى أنت يا ريس بدران تقتل جوز أختك وتطلخ يدك بدمه ! وكماني هي اللي توزك على كديه! وكيف انت تصدقها في الكلام المخربط اللي قالته ديه! مين قالك انها هتقدر تتجوز كابير من الكبارات ؟ وحتى لو اتجوزته مين قال انها هتديك ماله؟ ومين هو اللي هيسيب مرته بت الحسب والنسب ويتجوز أرملة فقيرة على قد حالها ويمكنها من عزه وماله! ...بقى أنت يا ريس بدران تمشي ورا كلام حرمة !

 

يا بوي! اهو عشان كديه ما كنتش رايد اخبّرك يا ابو جارحي, واللي حسبته لقيته واتهمتني اني بمشي ورا كلام الحريم

 

حقك عليّ يا ريس بدران,أصل الكلام يخربط العقل, ومش عارف انت مصدقه كيف

 

ادينا مستنين , واحنا خسرانين ايه!

 

طب وجوز اختك اللي اتقتل!

 

نصيبه كديه, هو حد بيعيش اكتر من عمره اياك!

 

هاها طول عمر قبلك جامد والدم عنديك هيّن

 

وانت يعني الدم عليك ما بيهونش! ما انت قتلت قبل كديه وزهقت بدل الروح ثلاتة

 

نصيبهم كديه,كانوا هيعيشوا اكتر من عمرهم إياك

 

(انفجر الاثنان بالضحك ولكن سرعان ما عاد الوجوم لوجه خليل وشرد ذهنه..فسأله بدران قائلاً)

 

واه! خبر ايه تاني يا خليل. آنا قلتلك على كل شيء مداريه عنيك,حزين ليه تاني؟

 

.......افتكرت ولدي مصطفى...يا ترى عامل ايه يا ولدي وكيف احوالك!

 

هو مش عايش مع امه بعد ما اتطلقت منيك غيابي بحكم المحكمة المرة الخسيسة ديّ؟

 

سمعت انه عاش معاها شهرين وجوزها حكم عليها تزعطه من الدار

 

زعطته! وراح وين؟

 

ماحدش من اهلها وناسها رضى ياخده,حتى أمها, وقالوا ابوه وامه عايشين,نشيل همه احنا ليه

 

اما ناس قلالات اصل صُح..اومال عايش مع مين ديلواك؟

 

أختي سيدة خدته عنديها تربيه وسط العيال,الله يخليلك عيالك ويديك الصحة يختي...حنينة قوي..بتفكرني بامي..بس جوزها الله لا يسامحه مش راضي بوجود الواد لكن هي ما رضياش تفرط فيه

 

وانت عرفت الحديت ده كله من وين وكل أخبار ولدك مصطفى؟

 

واه! مش ولدي ولازم اعس عن أخباره! والجبل له ودان بتسمع دبة النملة وكل أخبار نجع ابو المنصور بتصب عندينا

 

على رأيك عاد

 

....آنا عايز أشوف ولدي

 

وهتشوفه كيف عاد! ما تجيبه يعيش وسطينا ويتربى على ايدينا

 

لاه, لاه يا ريس بدران,لاه, إلا ولدي مصطفى..مصطفى لازم يكمل علام ويبعد عن سكة الحرام,آنا ما رايدهوش يكون زيي

 

وانت عيبك ايه يعني! والله ما انت داري بقيمة نفسك ولا قيمتنا,الناس تخاف منينا ويعملونا ألف حساب

 

بيخافوا من أذانا يا ريس بدران,بيتقوا شرنا..لكن آنا عايز الناس تحب ولدي وتهابه محبة واحترام لقيمته...اتوحشتك يا مصطفى..مستني بس المدرسة تفتح ويخرج من الدار عشان أقابله وأخده في صدري

 

الحمدلله, لا عندي مرة ولا عيل اشيل همه..أحسن حاجة في الدنيا ديّ انك تعيش لنفسك وتشيل هم نفسك وبس,بلا خوتة دماغ..ومين دراني اتجوز واحدة تقوم تأجر واحد يقتلني عشان مش على هواها , والله عشرة الحريم تخوف

 

هاها كانها حكاية اختك مع جوزها هتلبشك من الحريم

 

ربنا يكفينا شرهم وينجينا منيهم

 

مش كلهم يا ريس بدران, الدنيا مليانة حريم يتقوا ربهم ويصونوا جوازهم وعشرتهم شبه عشرة الحور العين, ودول لا اتكتبوا علينا في دنيا ولا في آخرة

 

ما عايزينش, بلا حريم بلا هم..آنا ما عايزش منيهم غير المال,لو ما خدتوش زي ما وعدت صفية هقتلها

 

طب اشرب الشاي يا ريس بدران وكفانا من سيرة القتل والحريم

 

***********************************

في صبيحة اليوم التالي وفي منزل والدة صفية,كان حسن جالساً على الأرض منزوياً في أحد الأركان ومازال الحزن جاثماً فوق قلبه الصغير,تنبش مخيلته ذكرياته مع والده,فترق العبرات..اقترب أخاه الأصغر محمود قائلاً)

 

تعالى معاي نروح نلعب عند الساقية القديمة

 

لاه,ماعايزش العب,روح انت لحالك لو عايز

 

إنت ما زهقتش من القعدة في البيت العفش ديه!

 

يا بوي! ما تسيبني لحالي يا محمود انت التاني,قلتلك ما عايزش العب

 

طيب أنا هعدي على عيال خالة هانم اخدهم معاي ونروح نلعب,خليك انت كديه في البيت العفش

 

(انطلق الصغير خارج الدار يقفز..كانت الجدة تتحامل على نفسها وتعد بعض الطعام لحفيديها..فجأة,سمع حسن دقات رقيقة على الباب,رفع رأسه,فوجد رجل بملامح طيبة يبتسم كالملاك ويحمل كيساً كبيراً ملونا..إنه الدكتور عزت..ولأول مرة تبدت ابتسامة على محيا حسن منذ مقتل والده وانتصب واقفا..قال الدكتور عزت بصوت عذب)

 

ممكن ادخل؟

 

اتفضل

 

(سمعت الجدة فتهلل وجهها عندما أبصرت الدكتور عزت, ورحبت به قائلة)

 

يا مرحب يا ولدي,اتفضل يا داكتور

 

كتر خيرك يا خالة ام بدران ..كيفك يا حسن؟روحتلك البيت ما لقيتش حد,الجيران قالولي انك هنيه عند جدتك,جيتك طوالي عشان اطمن عليك,اخبارك ايه ديلواك؟

 

الحمدلله

 

وريني حرارتك كديه.....ماشاء الله,انت بقيت كويس خالص اهو يا بطل..فينه اخوك اومال؟

 

رايح يلعب مع العيال عند الساقية القديمة

 

وانت ما روحتش معاه ليه؟

 

ما عايزش العب

 

ليه بس؟

 

..........................................

 

عارف يا حسن.آنا ياما لعبت عند الساقية القديمة آنا وعيال النجع,آيامها كانت لسة شغالة وبيجرها التور هاها,كانت أيام حلوة صُح

 

والأيام اللي بوي كان عايش معانا فيها كانت حلوة صُح

 

شوف يا حسن,لو كنت بتحب بوك صُح يبقى لازم تبقى زي ما اتمناك تكون

 

.....بوي كانت عايزني ابقى مهندس زراعي وأراعي الأرض,ودايماً كان يقولي,الأرض كلها خير يا حسن,واللي يحبها ويراعيها تحبه وتعطيه من خيرها

 

يبقى لازم تبقى مهندس زراعي زي ما اتمناك بوك يا حسن,ولازم تحافظ على صلاتك وصلتك بربك عشان يوفقك في طريقك

 

.......آنا ما صليتش من يوم ما مات بوي

 

لاه,لاه يا حسن,إلا الصلاة,أومال مسلم وبتحب ربك كيف لما ما تصليش! وكيف تطلب من ربنا يوفقك وانت ما بتأديش فرضه!

 

هصلي,لازم أصلي وارجع لحفظ القرآن زي ما بوي وصاني

 

طيب تمام, شوف بقى آنا جيبتلك ايه انت وخوك.كل واحد جلابية جاديدة,شوف

 

الله.دول زينين قوي

 

الكابيرة ليك والصاغيرة لخوك,يلا البسها عشان نلحق صلاة الضهر وبعدها آخدك معاي أوريك حتة الأرض اللي هبني عليها العيادة...هتاجي معاي؟

 

ايوة هاجي

 

طيب يلا البس وآنا مستنيك

 

حاضر

 

وانتِ عاملة ايه يا خالة ام بدران

 

الحمدلله يا ولدي,طالبين رحمته وعفوه,اسويلك شاي؟

 

لاه ما تتعبيش نفسك..خدي المبلغ البسيط ديه عشانك

 

لاه يا ولدي,كتر خيرك

 

والله ابداً,لازم تاخديه,هو آنا مش زي ولدك؟

 

....ولدي!...ياريت ولدي كان زييك يا ولدي,الله يحفظلك شبابك ويصونك يا طيب يا واد الناس الطيبين

 

الله يحفظك يا خالة ..اتفضلي

 

يزيد فضلك يا ولدي ويعطيك من نعيمه ويجبر خاطرك زي ما جبرت خاطر اليتيم

 

***************************

 

(بعد أداء الصلاة أصطحب الدكتور عزت حسن إلى الأرض التي اختارها لبناء عيادته..وضع يده على كتف الغلام وقال)

 

ايه رأيك بقى في حتة الأرض دي يا حسن؟

 

زينة قوي,وكمان جنب المدرسة بتاعتي وقريبة من دارنا

 

طيب الحمدلله انها عجبتك,تعرف انك اول واحد آخد رأيه فيها؟ حتى قبل مرتي جميلة هاها

 

هاها..هي مرتك ولا خطيبتك؟

 

مرتي,طالما كتبت كتابي عليها تبقى مرتي

 

اومال ليه مش عايشين في بيت واحد؟

 

ده بعد يوم الزفاف بقى إن شاء الله,كلها كام شهر أكون بنيت دار جديدة واخدها تعيش معاي..هتاجي عرسنا؟

 

ايوة إن شاء الله,خالة جميلة تبقى بت عم بوي

 

هاها آنا عارف, وآنا اعتبرني زي بوك,وأي شيء تحتاجه انت أو خوك تطلبه مني..توعدني؟

 

أوعدك

طيب يلا بقى عشان اروحك دارك, ونتقابل في المسجد في صلاة العصر

 

إن شاء الله

 

****************************************

دلفت صفية إلى منزل والدتها فوجدت أمها جالسة على فراشها تصلي الظهر ولم تجد والديها,تلفتت عليهما ونادت فلم تجد مجيبا..فقط لمحت الكيس الذي به جلباب الصغير..امسكت بالكيس وفتحته وأخرجت الجلباب وتعجبت ..انهت والدتها الصلاة وقالت بفتور

 

انتِ جيتِ! كنتِ وين؟

 

يابوي ع السؤولات والرط, كنت في جهنم

 

ما تستعجليش عليها,طول ما انتِ ماشية في سكة الدم والخراب هتدخليها

 

.....قصدك ايه يا امّا! دم ايه اللي بتتكلمي عنيه؟

 

كل واحد داري بحاله وبجرايره, واللي يحاسب العباد رب العباد اللي لا بيغفل ولا بينام

 

طيب سدي خشمك يا امّا عشان انتِ باين عليكِ كبرتِ وخرفتِ وما درياش بللي بتقوليه

 

حسبنا الله ونعم الوكيل في الظالم

 

أوف,العيال وين خليني اخدهم وامشي من البيت النحس ديه

 

محمود راح يلعب مع عيال هانم, وحسن راح مع الداكتور

 

........الداكتور عزت! ...خد الواد على وين ؟

 

لقى الواد حزين خده يروح عنيه,ومش بس كديه, جابله وجاب لخوه جلابيتين جداد

 

آآآه فهمت,يبقى حسن طلع بالجلابية الجاديدة , ودي جلابية محمود ..ما هو الخلق خلاص اعتبروا ولادي يتامى ويستحقوا الاحسان وهيحنوا عليهم بالمال اللي فايض عنديهم , لكن لاه يا نجع ابو المنصور, ولادي دول هيبقوا اسيادكم كلكم وانتو اللي هتتمنوا احسانهم بللي فايض عنديهم

 

هاها خبر ايه يا بتي! لقيتِ كنز انتِ وعيالك؟

 

امّا,خليكِ في حالك يا امّا وهمليني لحالي

 

ههملك يا بتي,بس ربك مش هيهملك,خليكِ فاكرة كديه زين

 

أوف, اتأخروا ليه خلفة الشوم دول!

 

(يدفع محمود الصغير الباب وينطلق إلى الداخل قفزاً ممسكاً بثمرة موز يأكلها ,فنادى والدته فرحاً)

 

انتِ جيتِ يا امّا؟ شفتِ باكل ايه!

 

مين اللي اداك الموزة ديّ؟

 

خالة أم ياسين اللي ساكنة جنب خالة هانم,دفدفت على كتفي واديتهالي, وكمان خالة هانم غدتني عنديها,يا بوووي, ده طبيخها حلو قوي, طابخة لحمة وفاصوليا ورز, وعطتني اربع نوايب لحمة لحالي وكلتهم كلهم

 

وانت كنت رايح تلعب ولا رايح تتسول عنديهم! اياك تاني مرة تاكل عن حد ولا تاخد حاجة من حد, احنا مش محتاجين يا واه

 

مش محتاجين كيف! الأكل اللي في الدار خلص, وانتِ ما اشترتيش لحمة ولا فروج

 

هجيبلك, هجيبلك يا دني يا ابو عين فارغة ما يملاها الا التراب

 

الله! انتِ جبتيلي جلابية جاديدة يا امّا؟

 

لاه, الداكتور اللي جاب

 

داكتور ايه ديه! الداكتور جوز خالة جميلة

 

هو جوز الفقرية

 

حلوة قوي الجلابية دي,أنا هلبسها

 

البسها ولا اتطين, اهو شهر ويعدي على خير

 

شهر ايه ديه يا امّا؟

 

بس يا واه,بس

 

(يدفع حسن الباب ويدخل بخطا هادئة ..فتزجره والدته )

 

كنت وين يا واد لحد ديلواك؟

 

مش ستي قالتلك ان الداكتور عزت خدني معاه؟

 

خدك على وين

 

صلينا الضهر في الجامع وبعدها خدني وراني الأرض اللي هيبني عليها العيادة بتاعته

 

....أرض هيبني عليها عيادة ! ممم مكتوبالك يا جميلة يا بت ابو الحجاج ,,وهي وين الأرض دي؟

 

في طريق المدرسة بتاعتي, قصاد أرض الحاج عيد ابو حسنين

 

ايوة ايوة عرفت .قريبة من دارنا..الله لا يحوجنا ليه ولا لعيادته ولا لمرته ولا يكتبلهم هنا ولا سعد ويفقرهم التنين,يلا يا واد هم انت وخوك خلينا نروحوا دارنا

 

لاه يا امّا, روحي انتِ ومحمود, خليني هنيه مع ستي, آنا ما طايقش الدار من غير بوي

 

 

يا بوووي, خليك مطين هنيه, يلا يا محمود

 

طيب يا امّا

 

(خرج الصغير يقفز أمام والدته ولم يلق السلام على جدته التي استضافته , وكذا فعلت والداته التي خرجت مسرعة وأغلقت الباب خلفها بعنف ....فنظرت الجدة نظرة حانية إلى حسن الذي ارتمى في حضنها يتنعم بمصدر الحنان الآخير في عائلته )

 

*************************************

 

وبعد مرور شهر يدخل ضابط المباحث  المتولي البحث عن الجاني الذي قتل شاذلي ,يدخل على  رئيسه ملقياً التحية

 

السلام عليكم يا احمد بيه

 

عليكم السلام ورحمة الله..ايه اخر تطورات البحث عن الجاني يا ناجي؟

 

والله يا فندم ما وصلناش لأي حاجة, من وقت وقوع الجريمة واحنا بنبحث عن الجاني لكن للأسف مافيش أي أثر

 

استجوبتوا كل أهل النجع؟

 

ماخليناش حد يا فندم, والكل أجمع ان القتيل كان راجل طيب ومالوش عدوات مع حد

 

يعني ايه! قوة خفية اللي قتلته! طالما في جريمة قتل يبقى أكيد في قاتل, وأكيد حد عارفه كويس ومتستر عليه, والأغلب على الظن إن الموضوع فيه تار وعشان كدة متسترين على الجاني عشان ياخدوا بتارهم منه ,كتير من الناس بيعملوا كدة ,يقتص من الجاني بنفسه

 

وده لعدم ثقتهم في العدالة يا فندم؟

 

احتمال, لكن في منهم بيعتبرها مدعاة للفخر

 

فخر! يعني حضرتك تعتقد انهم مستسترين على الجاني للسبب ده؟

 

ده مجرد اجتهاد شخصي مافيش عليه دليل

 

طيب المفروض نعمل ايه دلوقتي يا فندم؟

 

قيد القضية ضد مجهول لأن من الواضح ان البحث في قضية زي دي ما هو إلا مضيعة للوقت

 

( وحفظت القضية ضد مجهول لاستحالة الوصول إلى الجاني ..وعادت القرية كما كانت وكأن شيئاً لم يكن, ودبت الحياة ببهجتها على الأرض..إلا حسن, حسن وحده الذي لا يزال قلبه الصغير حزيناً وملامحه البريئة بائسة...أما والدته فقد حانت لحظتها الحاسمة والفارقة في مصار حياةها,فإما جنة الدنيا ونعيمها, وإما نارها وبؤسها)

 

*******************************************

جلبت المال من سكينة كالمتفق..وبعد ذلك انطلقت بالمبلغ الذي أعطته إياها,ووقفت إلى جوار سرايا الحاجة فايقة تترقب خروج حورية لجلب الأغراض من سوق القرية ..لم تقف طويلاً حتى رمقت حورية تخرج بحقيبة التسوق,هرعت خلفها,وما أن ابتعدت قليلاً عن السرايا حتى وضعت يدها على كتفها فارتعدت حورية خوفاً ونظرت خلفها فوجدت صفية,فقالت

 

بسم الله الرحمن الرحيم,خلعتيني يا ست صفية

 

هاها ما عاش اللي يخلعك يا حورية,تعالي معاي نتداروا ورا الشجرة الكابيرة ديّ,عايزاكِ في كلمتين من غير ما حد يوعالنا

***************************************

في ايه يا ست صفية؟

 

يا بت تعالي يا بت بلاش كتر حديت

 

( وخلف الشجرة جلست صفية على النجيل وقالت لحورية )

 

اقعدي يا حورية

 

قعدت أها يا ست صفية,كانّ الموضوع واعر

 

واعر قوي يا بت وما حدش يقدر يسوي اللي الست رايداه غيرك

 

ست مين ديّ, ورايدة مني ايه؟

 

ما اقدرش اقول هي مين ديلواك, لأنها ما هتظهرش غير لما يتم المراد وتعملي اللي هتطلبه منيكِ زي ما رايداه تمام

 

وايه اللي رايداه الست؟ واشمعنى آنا بالذات اللي اختارتني من بين الناس؟

 

في الاول خدي الألف  جنيه دول عشانك

 

يا بووي! ألف  جنيه عشاني آنا؟

 

هاها اومال عشان امي! الست سخية وفلوسها كاتير ويا بخت اللي ترضى عنيه عاد, خدي يا بت,خدي

 

من ايد ما نعدموهاش يا ست صفية,الله,ورق جاديد وبيضوي في الشمس

 

هاها حلال عليكِ يا بت,ها..ما قولتليش, هتقدري ع اللي رايداه الست ولا ترجعيهم عاد؟

 

هقدر, ما اقدرش كيف! ولو رايدة لبن الزرزور بذات نفسيه اجيبهولها

 

لاه, اللي عايزاه اسهل بكاتير,الست عايزة شكمجية الدهب بتاعة الحاجة فايجة

 

يا مري! ايه اللي عم تقوليه ديه يا ست صفية! عايزاني اسرق مصاغ الحاجة عشان كامل بيه يشقني نصين! لاه,لاه, خدي الألف جنيه بتوعك, وقولي للست العمر مش بعزقة عاد

 

اقعدي يا بت يا مخبلة انتِ واسمعي الحديت لآخره

 

آخرة حديتك مشنقة أو سجن يا ست صفية,همليني امشي الله يرضى عنيكِ

 

يا بت ما تبقيش كيف الباهيمة اللي ما بتفهمش كديه

 

باهيمة باهيمة بس اعيش عاد

 

يا بوووي,يا بت اسمعي,حياة هي اللي هتلبس التهمة ديّ مش انتِ

 

الست حياة! والله كانك اتجنيتِ يا ست صفية,بقى حد هيصدق ان الست حياة تسرق مهما قولنا! وهي تسرق ليه! هي ناقصة مال ولا مصاغ!

 

اسمعي يا حورية ونفذي اللي هقولهولك ديه وانتِ الكسبانة

 

وهكسب ايه آنا؟

 

الست هتديكِ ألفين جنيه بحالهم يوم ما حياة تنطرد من السرايا  

 

.....هي مين الست ديّ؟ وليه كارهة الست حياة كديه وعايزاها تنطرد بفاضيحة من سرايا كامل بيه؟

 

قولتلك ما اقدرش اقولك هي مين ديلواك,أصلها مشددة عليّ ما اقولِش, بس اقولك هي كارهة حياة ليه...حياة خطفت منيها كامل بيه, أصل البيه في الاول كان يتجوزها هي, ولما حياة دريت,رمت شباكها عليه وخطفته منيها وبقت ست السرايا, واحنا بقى يا حورية هنرجع الحق لصاحبته

 

ايوة بس الست حياة طيبة وما تستاهلش ينعمل فيها كديه

 

طيبة! كانك ما عارفهاش على حقيقتها انتِ التانية ولا دارية بقلبها الإسواد, طب خابرة يا بت يا حورية,دي حياة نويالك على نية عفشة قوي

 

ناويالي آنا على نية عفشة!...طب ليه عاد!

 

يا بوي! ما كنتش رايدة اقولك,لكن أعمل ايه! أمري لله هقول, أصلها يا بت يا حورية قالتلي في يوم وآنا عنديها في السرايا, ميتى الحاجة فايقة تموت ونرتاح منيها ومن زنها على خلفة الواد, ووقتها السرايا تفضى واجيب خدم جاديد وازعط البت اللي اسميها حورية ديّ عشان من ريحة الحاجة فايقة وأيامها الطين, ,آنا اقولها اخص عليكِ,طب حورية ذنبها ايه عاد! تقولي آنا ما بطيقهاش من غير سبب ولا طايقة سحنتها ,بقولها طب انتِ كديه هتقطعي عيشها وتحرميها من النعمة اللي في يده, قالتلي ماليش صالح ,خليها تغور في داهية

 

بقى كديه! بقى الست حياة عايزة تزعطني من السرايا وتقطع عيشي! منك لله يا للي اسميكِ حياة,الله ينتقم منك

 

عرفتِ بقى هي ناويالك على ايه عاد لو فضلت في السرايا وعلى ذمة كامل بيه؟ يبقى لازم تساعديني عشان نطردها,ووقتها تظهر الست الطيبة بت الأصول وتتجوز كامل بيه وتعيشي في خيرها ونعيمها

 

يا ست صفية آنا جلبي مش مطمن للحكاية ديّ,خايفة اروح فيها آنا وما تلبسش الست حياة ولا حاجة

 

لاه,اطمني,اطمني ع الآخر,لبساها لبساها وانتِ حتى لو تهموكِ هتطلعي منيها زي الشعرة من العجينة..قوليلي في الاول,حياة بتاجي السرايا عنديكو ميتى؟

 

بتاجي كل خميس هي والبنيتا,يعني النهاردة جاية

 

بتاجيب معاها مخفية الاسم نعمة؟

 

سواعي تجيبها وسواعي لاه

 

ومتعودة تقعد وين؟

 

تقعد هبابة مع الحاجة وين ما تلاقيها وبعدها تاخدها الست جميلة على اوضتها ويقعدوا يتحدتوا ويتثغرنوا لحد ما كامل بيه ياجي في الليل,يتعشوا مع الحاجة كلاتهم وبعدين ياخدها ويمشي هي والبنيتا

 

والحاجة ما بتطلعش اوضتها إلا في الليل؟

 

ايوة, الحاجة ما تحبش الحبسة في اوضتها,كل قعدتها تحت في المندرة

 

مليح لحد كديه,يعني مش هتعرف بسرقة الشكمجية إلا بعد ما تمشي حياة

 

ايوة صُح

 

طيب....النهاردة هنعملوا عملتنا من غير ما حد يدرى..هتروحي ع السرايا بعد ما تجيبي الحوايج اللي خرجتِ عشانها, ولما حياة تاجي وتطلع الدور الفوقاني,هتطلعي انتِ كمان بأي حجة,تتسحبي وتدخلي اوضة الحاجة فايقة وتسرجي الشكمجية وتدسيها في هدومك,وتنزلي على اوضتك تدسيها لحد ما حياة تشيعك السرايا عنديها,هناك تلهي البت نعمة في اي حاجة وتدسي الشكمجية في بدروم السرايا

 

واه!كيف ديه! وهي الست حياة هتشيعني السرايا عنديها ليه؟

 

هقولك,بقى حياة لما.....

 

(ووصفت صفية وصفاً دقيقاً لحورية لما ستؤول إليه الأحداث المدبرة, وأصغت الآخيرة باهتمام)

 

***********************************

عادت صفية إلى منزلها والقلق على مآل الأمور يوخز قلبها, ماذا لو فشلت المؤامرة التي تحكيها,وماذا لو افتضح الأمر, وهل ستستسلم للهزيمة إن وقعت..وهل الطريق إلى سريا كامل ميسر كما تخيلت أم ستظهر عقبات جديدة إذا فلح التخلص من العقبة الكؤؤد حياة القابعة في قصر كامل..أفكار وأفكار بل يم  من الأفكار غرقت في أعماقه, وبينما هي ذاهلة تفكر فإذ بالباب يطرق..زفرت وقالت

 

اما اشوف مين, والله ما رايدة حد ولا رايدة انضر حد

 

(؛فتحت الباب فألفت حسن أمامها,فقالت ساخرة)

 

حسن! حمدلله بسلامتك عاد,ايه اللي رجعك من عند ستك؟

 

المدارس بعد بكرة ان شاء الله, وهدوم المدرسة وكل حاجتي هنيه

 

يعني ده اللي رجعك وبس! افتكرتك اتوحشت امك يا ابن قلبي

 

اتوحشتك يا امّا, ربنا ما يحرمناش منيكِ

 

تسلم يا ضي عيني

 

وينه محمود خوي؟

 

راح يلعب مع العيال, اهي المدارس جاية عشان تلمه, اجيبلك تاكل؟

 

كلت عند ستي

 

هي ستك حداها وكل! دي عايشة ع العيش الناشف والجبنة القديمة, ولو الزمان سعدها بتشويلها بتنجالة

 

طب ليه يا امّا ما تديهاش وكل من عندينا؟

 

اللي عندينا على كدنا عاد

 

وليه يا امّا خالي بدران مهملها كديه؟ وليه عايش في الجبل ومش عايش ويانا,آنا ما اعرفش شكله عاد

 

خالك مسيره ينزل من الجبل وتشوفه , وعمره ما همل ستك, لكن هي اللي رافضة ماله وبتقول عليه مال حرام

 

بوي كمان الله يرحمه كان يقول على مال خالي بدران حرام

 

مافيش حاجة يا ولدي اسميها مال حرام ومال حلال, المال كله حلال للي يده تطوله

 

لاه يا امّا, في مال حلال ومال حرام, واللي ياخد مال مش ماله يبقى حرامي وماله حرام, لو مافيش فرق بين المال الحلال والمال الحرام ,يبقى الجنة والنار ربنا عملهم ليه ؟ الشيخ سلطان قال اللي يتقي الله  ويصلي فرض ربه وما يأذيش حد وياكل حلال يدخل الجنة, لكن العفشين اللي بيأذوا الناس وياكلوا حرام هيدخلوا النار, يعني اللي قتل بوي يا امّا هيدخل النار وربنا يحرقه فيها

 

يحرق اليوم اللي شوفتك فيه يا باعيد, اخفى من وشي, اخفى

 

(استشاطت غضباً صفية من كلام ولدها وجلست على الأريكة وشرد ذهنها,بينما تولى عنها حسن....نظر بعينيه التي توطن فيها الحزن  إلى غرفة والده وقلبه ينفطر ألماً..أخذ يقترب شيئا فشيئاً وكلما اقترب شعر بروح والده تحيطه وكأنه يستمع لأنفاسه ..دلف إلى الغرفة وأسرع خطواته إلى الخزانة التي تحوي ملابس والده شوقاً إلى  احتضان أحدها وتنسم روائحه فيها,فتح الخزانة فكانت صدمته حين وجدها خاوية..فهرع إلى أمه يسألها

 

أمّا,وينها خلجات بوي؟

 

رميتها باعيد عن الدار

 

ليه يا امّا عاد! حرام عليكِ,آنا كنت عايز أي حاجة من ريحة بوي

 

أوف, يا واد انت عمل الإسواد! مسلطك عليّ زماني! هتسوي بيها ايه خلجات بوك وريحة بوك! أهو راح وراحت ريحته, فكر في أيامك الجاية وزمانك اللي هيسعدك وكفاك فقر وكلام عن بوك اللي كانّك عايش عشان تمرر عيشتي بسيرته,كفاك يا حسن كفاك,وإياك تجيب سيرة بوك قدامي مرة تانية,سامع؟

 

............... هسألك سؤال واحد يا امّا وبعدها مش هجيب سيرة بوي

 

 

اسإل وخلصني

 

انتِ كنتِ كارهة بوي وما عايزاش تعيشي معاه؟

 

هاآآآ لاه لاه يا حسن, كيف تقول كديه يا ولدي! آنا كنت احب بوك,اومال,كنت احبه زي عنيّ الجوز, بس يا ولدي اهو مات وراح لحاله,وبكينا عليه وانفض البكا,نشوفوا حالنا بقى ودنيتنا الجاية ولا نفضلوا نندبوا على بوك اللي مات! الدنيا الجاية أحلى وفاتحة درعاتها لينا يا حسن, انسى بوك,انساه يا ولدي وعيش أيامك وما تجيبش سيرته قدامي تاني وبزياداك

 

..............حاضر يا امّا حاضر

 

( أشاح حسن بوجهه عن أمه ذات القلب المتحجر,اتجه إلى غرفته وهو يتفكر في أمرها وأسر إلى نفسه حديثاً لا يستطيع البوح به أمامها)

 

لاه يا امّا, انتِ كارهة بوي,وكنتِ كارهة عيشتك معاه, وديلواك لما مات كارهة سيرته,حتى خلجاته رمتيها عشان ما عايزاش حاجة تفكرك بيه..حتى في عزاه كنت حاسس إن عنيكِ مش حزينة, والدموع كانت نازلة منيها غصب...الله يرحمك يا بوي,صحيح امي منتعتني اجيب سيرتك قدامها,لكن قلبي عمره ما هينساك ولا هيمل من سيرتك

 

(دمعت عينا الصغير ولكنه استسلم لأمر الله,أمسك بمصحفه وأخذ في قراءة آي الله عله يشعر بالسكينة )

 

************************************

(وبعد حوالي الساعة والنصف عادت حورية إلى السرايا تحمل الحقيبة الممتلئة بالحاجيات, فوجدت سلمى ووطفة تلعبان في جو من مرح,بينما كانت الحاجة فايقة ممتدة على الأريكة..فقالت حورية للطفلتين بابتسامة مصطنعة)

 

انتو جيتوا يا حلوات!...مسا الخير يا حاجة

 

اتأخرتِ كديه ليه يا بت؟

 

ولا اتأخرت ولا حاجة يا حاجة,يادوب جيبت اللازم للسرايا....هي الست حياة طلعت اوضة الست جميلة اياك؟

 

وهي بتجعد وين غير هناك! ما يهون عليها تجول اتونس مع الحاجة

 

هاها ما انتِ يا حاجة اللي بتكشري في وشها وتخليها تجري على فوج

 

ريحت ,والله ما بطيج اشوف وشها

 

هاها وهي خابرة, عشان كديه بتريحك منيها...آنا هدخل الحاجات ديّ المطبخ واعمل شوية كركديه سخنين للست جميلة والست حياة يشربوهم,تشربي كركديه يا حاجة؟

 

لاه,آنا هطلع اجعد في الجنينة برا,ابجي تعالي اجطفيلي شوية موز على كام تفاحة

 

حاضر يا حاجة من عيني,بالإذن عاد

 

( أسرعت حورية إلى المطبخ,وضعت الحقيبة جانباً,وأخذت تصنع المشروب الساخن على عجل,وضعته فوق الموقد وظلت ترقب من الشباك المطل على حديقة القصر نزول الحاجة فايقة حتى رمقتها فابتسمت,فهكذا الأمر أصبح أيسر....عادت إلى المشروب الذي تعد فوجدته يفور,صبته على عجل في كوبين,...وضعته على صينية وخرجت مسرعة واعتلت الدرج...وفي الدور العلوي وجدت الصمت يخيم على المكان..نظرت إلى باب غرفة الحاجة فايقة,فرتأت أن الوضع مناسب تماما لاقتحامها.وضعت الصينية أسفل أحد المقاعد,ثم خلعت نعليها حتى لا يحدثان خفقا.. وآخدت تنظر يمنة ويسرة فاطمئنت أنها بمأمن عن النظر البشري, ولكن الديان يرى من فوق سبع سماوات إجرام البشر..تسللت إلى الداخل,فوجدت شكمجية الذهب على التسريحة كالمعتاد,فقبضت عليها بكلتا يديها ودستها في ثيابها وهرعت مسرعة إلى الخارج..أوصدت الباب كالسابق ونزلت الدرج بسرعة البرق,هرعت إلى غرفتها الصغيرة الكائنة بجوار المطبخ,فتحت الدولاب,وبين ملابسها وارت الشكمجية وأغلقت الخزانة,وانطلقت إلى الدور العلوي...سحبت الصينية من أسفل المقعد واتجهت إلى غرفة جميلة..عندما اقتربت سمعت همهماتها وحياة وبكاء الرضيعة عالية...طرقت الباب منادية

 

ست جميلة

 

ادخلي يا حورية

 

واه!إنتِ هنيه يا ست حياة! صباحك نادي زي الورد

 

صباحك حلو زي الشهد يا حورية,كيفك؟

 

مليحة...كيفك انتِ يا ست الناس؟

 

في فضل ونعمة الحمدلله

 

ازيها القمرة الصغيرة ديّ,كيفك يا ست عالية,عم تبكي ليه! ما ترضعيها يا ست حياة

 

مرضعاها ومغيرالها كماني,بس نقول ليه في جلعها الست عالية! هاها

 

هاها تعيش وتتجلع عليكِ..اتفضلوا الكركديه السخن,هحطهولكو ع الطرابيزة اللي جنبيكو

 

( تصنعت  حورية التعثر في الطنفسة وأسقطت الصينية فوق حقيبة ألبسة الصغيرة فانسكب المشروب الساخن فنهرتها جميلة قائلة)

 

ايه ديه يا بت يا حورية! عميتِ في نضرك!

 

لامؤاخذة يا ست جميلة,والله رجلي اتكعبلت في السجادة..معلش يا ست حياة

 

حصل خير يا حورية,بس ما عارفاش هلبس البت ايه ديلواك! داحنا ماشيين في الليل

 

طيب هاتي اغسلهوملك عاد

 

وهيلحجوا ينشفوا ميتى! الجو بدأ يصجع...طب بجولك ايه يا حورية, الله يخليكِ روحي السرايا عندينا وجولي لنعمة الست حياة بتجولك هاتي غيارات وخلجات لعالية

 

من عيوني يا ست,بس كديه!انتِ تأمري أمر

 

(انطلقت حورية كالإعصار الأسود لتتم خطتها المشؤومة..خبئت الشكمجية بين طيات ملابسها وهرعت إلى قصر السيد كامل ..تفاجئت نعمة عندما فتحت الباب وألفتها أمامها..فحيتها حورية

 

إصباح الخير يا نعمة

 

يسعد صباحك يا حورية,في حاجة ولا ايه؟

 

ايوة, الست حياة مشيعاني أخد غيارات وخلجات لعالية اسم الله, أصل باعيد عنيكِ اتكعبلت في السجادة والكركديه انكب مني على شنطة الست حياة والخلجات غرجت

 

آه,عشان كديه,طيب يا حورية, استني هنيه على ما اطلع اجيب الطلبات من فوج

 

وماله يختي,آجي اساعدك؟

 

لاه,آنا مش هتأخر

 

براحتك يختي,براحتك

 

(استدارت نعمة واتجهت ناحية الدرج وأخذت في الصعود,بينما ترقبها عينا حورية إلى أن بلغت الدور العلوي وغابت عن النظر,فأسرعت حورية إلى القبو..فتحت الباب واندفعت إلى  الداخل وأخذت تتحسس طريقها في الظلام حتى ارتطمت ببرميل صغير فارغ,ففتحته ووضعت الشكمجية على عجل وأوصدته بإحكام,ثم هرعت إلى الخارج وقد نال ثوبها وشالها بعض الأتربة دون أن تلحظ....عادت إلى جوار الباب حيث تركتها نعمة ووقفت تنتظر نزولها وكأنها لم تبرح المكان..وبعد لحظات نزلت نعمة بالحاجيات ..فوجدت حورية وقد بدا عليها الارتباك ولحظت الأتربة,فقالت)

 

واه! ايه التراب اللي على خلجاتك وشالك ديه يا حوريه؟ كنتِ بتدفني جاتيل إياك!

 

ها! تراب ايه عاد! يا بوي! صُح تراب,آآآه ديه تلاجيه من الطريج

 

بس انتِ ما كنتيش كديه لما جيتِ

 

واه! وانتِ يعني كنتِ وعيتيلي زين ولا وعيتِ لخلجاتي! انتِ بس اللي وعيتِ ديلواك,آنا كديه من ساعة ما جيت هنيه

 

يمكن..مال عنيكِ زايغة وبتتنفضي كديه؟

 

واه! في ايه يا نعمة,لفيني يختي طلبات الست حياة بلاش كلام ماصخ

 

خدي,واوعي لروحك وبلاش تكبي العصير وتتربي هدومك كديه كيف العيال الصغار هاها

 

اوعي يا نعمة اوعي خليني الحق الست حياة,فوتك بعافية

 

..........الله يعافيكِ..مالها البت ديّ زي اللي عاملة عملة كديه

 

****************************************

(وعند المساء,غادر السيد كامل وزوجته وبناته قصر والدته..صعدت الحاجة فايقة وابنتها جميلة الدور العلوي للنوم..وعند باب غرفة الحاجة فايقة,قبلت جميلة وجنتها وقالت

 

تتصبحي بالخير يا امّا

 

تلجي كل خير يا بتي

 

(ذهبت جميلة إلى غرفتها,ودلفت الحاجة فايقة إلى داخل غرفتها..اتجهت إلى التسريحة لتعيد بعض المصاغ,فشهقت وجحظت عيناها حين لم تجدها وكاد قلبها أن يتوقف,فهرعت إلى الباب فتحته صارخة فارتج القصر بمن فيه وهرعت جميلة فزعة,بينما حورية تصنعت النوم وعدم السماع رغم ارتعاد جسدها من هول الصرخة...تسائلت جميلة فزعة)

 

في ايه يا امّا,بتصرخي ليه بعد الشر؟

 

الحجيني يا جميلة, دهباتي مالاجياهومش,الشكمجية بحالها ما لجيهاش يا جميلة

 

مالجيهاش كيف بس يا امّا! تلاجيها هنيه ولا هنيه

 

هي إبرة عشان تتنطر هنيه ولا هنيه! دي شكمجية دهباتي اللي ورثاهم عن امي وجدودي,أمك اتسرجت يا جميلة آآآه جلبي هيجف,اتصلي على خوكِ كامل هاتيه عشان يشوف هنسوي كيف,جوليليه امك اتسرجت, وصحي البت اللي اسميها حورية

 

استني بس يا امّا,اتسرجتِ كيف بس! هو احنا هملنا السرايا ولا حد يتجرأ يهوب نواحيها حتى في غيابنا!

 

اومال يعني الشكمجية راحت وين! عفريت خفاها في سابع أرض!

 

استني بس يا امّا,انتِ آخر مرة شوفتيها ميتى؟

 

في الصبح قبل ما انزل,خدت منيها الخاتم والكردان دول وديلواك جيت ارجعهم ما لجيتها,يا مرك يا فايجة,يا مرك,اتصلي باخوكِ كامل يا بت وبلاش رط

 

طب استني بس يا امّا الله يرضى عنيكِ..آنا خايفة تكوني حطيتيها هنيه ولا هنيه وانتِ ما درياش

 

ايوة, امك اصلها كبرت وخرفت يا بت يا ابو الحجاج

 

بعد الشر عليكِ يا امّا ما اجصدش,آنا بس جصدي آننا نتأكد قبل ما نجيب كامل ولا نتهموا حد زور..استني آنا هدور في اوضتك زين

 

(أخذت جميلة تبحث وتفتش في كل الخزانات والأدراج ,بينما الحاجة فايقة ترقبها بامتعاض وتضع يدها على وجنتها..فرغت جميلة وقالت في يأس)

 

مالجيهاش يا امّا

 

صدجتِ وآمنتِ ديلواك! اتصلي على كامل خليه ياجي يشوف البلوى اللي وجعت على راس امه ويشوف هيبلغ النجطة ولا هيسوي ايه,دهباتي يا بوي,دهباتي,يا مرك يا فايجة..صحي الجاتيلة اللي اسميها حورية وهاتيهالي هنيه,عشان الله في سماه لو كانت هي اللي سِرجتني هولع فيها بجاز اسود,دهباتي يا بوي

 

طيب طيب يا امّا,هنزل اصحي حورية بس انتِ اهدي كديه بدل ما يجرالك حاجة بعد الشر

 

هيجرالي ايه بعد دهباتي ما راحوا,الله ياخد عمر اللي خده وحرق جلبي عليهم

 

******************************

(هرعت جميلة إلى غرفة حورية ودفعت الباب ودخلت تنادي,بينما حورية تتصنع الغط في نوم عميق)

 

بت يا حورية,انتِ يا بت اصحي

 

...........................................

 

واه! حورية,اصحي يا بت انتِ

 

ممم مين بينادم عليّ ممم ست جميلة! خير يا ست

 

جومي يا بت,دهبات امي اتسرجت

 

يا بوي! دهبات الحاجة! كيف ديه!

 

وآنا ايش عرفني عاد! اطلعي معاي,امي عايزاكِ

 

جصدك ايه يا ست جميلة! الحاجة تهماني في دهبها! حد الله بيني وبين الحرام

 

ماحدش تهمك انتِ التانية,امك هتسألك

 

آنا لا شفت حاجة ولا نضرت حاجة

 

اطلعي معاي,امي جالبة الدنيا صريخ وزعاق

 

طيب يا ست جميلة,آنا هطلع معاكِ,آنا ماعنديش حاجة أخاف منيها

 

************************************

(هرعت حورية إلى الحاجة فايقة وأخذت في تصنع البكاء وقالت)

 

يا حاجة آنا لا جيت ناحية الشكمجية ولا ليا صالح بيها, وكماني آنا مش جاديدة عليكو,آنا بخدم في السرايا بجالي ياجي ست سنين,في ابرة اختفت من يوم ما جيت هنيه؟

 

لاه يا بت حورية,لكن دهباتي اتسرجوا ولازم اعرف مين سرجني

 

حقك يا حاجة,حقك

 

انتِ يا بت آخر مرة دخلتِ الأوضة ديّ ميتى ؟

 

في الصبح يا حاجة

 

يا بوي! في الصبح ميتى؟

 

قبل ما اروح اجيب الطلبات من السوج, وكانت الشكمجية في مكانها ع التسريحة

 

سمعتِ يا جميلة! كانت على التسريحة في مكانها في الصبح قبل ما البت دي تروح السوج,وآنا نزلت قبليها,يعني اللي دخل الأوضة بعدي لجى الشكمجية في مكانها, وآنا طلعت في الليل ما لجيتهاش عاد,يبحى مين اللي دخل وسرجني؟

 

آآآعايزة اجول حاجة يا ست الحاجة وخايفة

 

ايه يا بت؟

 

عايزة اجول إني لمحت الست حياة جنب باب الأوضة, وكانت بتدراي حاجة في هدومها واتخلعت لما وعيتلي

 

(انتفضت جميلة وانتفخت أوداجها وصفعت حورية على وجهها وصرخت قائلة)

 

اخرسي جطع رقبتك قبل لسانك يا خسيسة

 

انتِ بتضربيني يا ست جميلة!

 

واطلع روحك في يدي كمان يا عقربة يا نجسة اللسان انتِ,إياك تجولي كديه تاني وإلا والله ما يكفيني موتك

 

جميلة,وانتِ بتدافعي عنيها من غير ما تسأليها ليه!

 

عشان السؤال في نفسيه عيب يا امّا,مش حياة مرت خوي اللي تعمل كديه,حياة تخاف الله وعمرها ما تعصيه, وبعدين ايه يخليها تتدانى ع الدهبات وتعمل كديه!هي ناجصة دهب ولا ناجصة مال! حياة بت أصول وطول عمرها متمرغة في الدهب والعز يا امّا, ولا كانك ناسية حياة تبجى بت مين في النجع!

 

....اتصلي على كامل هاتيه

 

طب بالله عليكِ يا امّا ما تعيدي جدامه الكلام اللي جالته قليلة الأصل ديّ

 

الله يسامحك يا ست جميلة,بس يكون في معلومك,آنا ما هشيلش تهمة غيري اللي عملها ويده مطلطخة بيها

 

(حدجتها جميلة بنظرة حنق وأخذت بتلابيبها وقالت بحدة)

 

عارفة يا خسيسة انتِ لو نطجتِ بإسم حياة جدام كامل ولا تهمتيها بالتهمة ديّ, والله لكون طرداكِ من السرايا ومن النجع كلاته وما يكون لك عيش بينا واصل,سامعة ولا لاه يا عقربة يا ام ناب ازرق؟

 

سامعة يا ست جميلة,سامعة,لكن والله آنا بريئة من سرجة الدهبات ديّ

 

أفتش أوضتك في الاول واتأكد

 

وماله,فتشي براحتك يا ست,ماهو الغلبان دايماً هو المتهوم والمظلوم والمتفتش,لكن ولاد الأكابر حتى لو شافوهم بيسرجوا يبرؤوهم, عيني علينا يا غلابة

 

بس يا بت,بس,اتسدي..آنا نازلة يا امّا افتش اوضة البت دي

 

طيب,آما نشوف آخرتها عاد

 

انزلي وراها يا حاجة ابوس يدك

 

ليه يا بت؟

 

أخاف تفتري عليّ الست جميلة وتجول انها لجت الدهبات عندي عشان تطلع الست حياة منيها التهمة ديّ

 

....وهي يعني هتتهمك من غير ما تلاجي الدهبات عندك يا بت!

 

وآنا ايش دراني عاد!انزلي وراها يا ست ابوس يدك عشان تتوكدي اني بريئة ويدي ما تتمدش على مليم إحمر حرام

 

وانتِ يا بت صُح وعيتِ لحياة جنب باب أوضتي وكان بتدس حاجة في خلجاتها؟

 

ايوة يا ست الحاجة ايوة,يمين بالله حُصُل,يعني هو آنا هحلف كدب! طب اروح من ربنا وين!

 

عارفة يا بت لو كانت حياة صُح سرجتني, والله ما خليها على ذمة ولدي ولو دقيقة,واخلي فاضيحتها في النجع على لسان  الرايح والجاي

 

سرجتك يا ست الحاجة,طمعت في مالك وسرجتك,بس الخوف من الست جميلة اللي هتداري عليها

 

وجتها ما تجدرش تتكلم جميلة ولا تدافع

 

ربنا يظهرلك ويظهر للست جميلة ولكامل بيه كمان أخلاقها العفشة ويدها الطويلة

 

طب تعالي ننزل لجميلة  نشوفها بتسوي ايه

 

يلا يا ست يلا,يا ظاهر الحق وناصر الغلابة يارب

******************************

(عند باب الغرفة وقفت الحاجة فايقة وخلفها خادمتها الآثمة حورية فوجدتا جميلة وقد قلبت الغرفة رأساً على عقب, هاهي مرتبة السرير ملقاة على الأرض, وخزانة الملابس مفتوحة وجميع ما بها ملقى أرضاً, وحتى الأردية التي كانت تكسو الأريكة ملقاة على الأرض,وجميع الأشياء مبعثرة,وما زالت جميلة تبحث بين الركام وتتصبب عرقا....كانت حورية تحدجها بنظرات شامتة وتحاول إخفاء ابتسامة ماكرة,بينما والدتها تنظر في صمت لم يدم طويلاً حتى قالت باستنكار؟

 

لقيتِ الدهبات يا جميلة؟

 

لاه يا امّا

 

شفتِ يا ست جميلة انك ظالماني؟

 

آنا لا ظالماكِ ولا ظالمة غيرك, دهبات امي اتسرجوا وبدور عليهم

 

دوري يا ست جميلة,دوري, ولو رايدة تشجي صدري وتدوري جواه ما همنعكيش يا ست,عشان دهبات الحاجة مش عندي ولا يدي اتمدتلهم,لكن يمين الله يا ست اللي جولته فوق حُصُل, وشفت الست حياة جنب أوضة الحاجة وبتدس حاجة في هدومها

 

يا بوووي,يابت ما تغلنيش وإلا وربنا هشق صدرك صُح, والحديت ده زي ما سبق وحذرتك ما يتفتحش جدام كامل

 

أمرك يا ست أمرك..الأمر لله من قبل ومن بعد

 

اسم الله,اعملي فيها شيخة وعارفة ربنا,دانتِ ما بتركعيهاش

 

صُح ما بصليش, لكن بخاف ربنا وعمري ما اسرج يا ست جميلة

 

جميلة,سيبك من حورية ديلواك واتصلي بخوكِ خليه ياجي يشوف البلوى اللي وجعت على راس امه, ولا هنجضي الليل حكاوي من غير ما اعرف دهباتي راحوا وين!

 

حاضر يا امّا,حاضر,لا حول ولا قوة إلا بالله

 

*******************************

(كان كامل نائماً وزوجته حياة حين دق جرس الهاتف فأيقظهما فزعان, ,بسملت حياة وهي ترتجف وكأن شيء ما وقع في قلبها )

 

بسم الله الرحمن الرحيم,رد شوف مين يا كامل,استر يارب

 

ايوة مين

 

آنا جميلة يا خوي

 

جميلة! خير يا جميلة؟أمي بخير؟

 

ما تتخلعش كديه يا خوي,أمي بخير وكلنا بخير,بس دهبات امي اتسرجوا

 

واه! الدهبات اتسرجوا !كيف! هو حد غريب بيخطي السرايا! ده مافيش غير انتِ وامك وحورية اللي عايشين فيها

 

والله يا خوي ما عارفاش راحوا وين دول, وامي جالبة الدنيا وراسها وألف سيف اتصل بيك اجيبك

 

طيب يا جميلة,آنا جاي ديلواك

 

(نهض كامل من فراشه مسرعاً وعمد إلى جلبابه المعلق ليرتديه.فتسائلت حياة منزعجة)

 

في ايه يا كامل؟دهبات ايه اللي اتسرجوا؟

 

دهبات امي

 

دهبات الحاحة!...ومين اللي سرجهم؟

 

ما عارفينيش عاد يا حياة,ما عارفينش,آنا هلبس واروحلهم ديلواك اشوف ايه الحكاية

 

طب بالله عليك ما تتهم حد من غير بينة, خايفة تتهموا فيها حورية,ودي غلبانة وما جربناش عليها سرجة قبل كديه,ربنا يبين الحق

 

إن شاء الله,آنا نازل,كملي نومك انتِ

 

نوم ايه عاد! هستناك لما ترجع تطمني,يارب اظهر الحق وماحد ينظلم ابدا

 

*************************************

(في القصر اجتمع كامل مع والدته وأخته,ودار بينهما حديث بينما كانت حورية تقف على مقربة من الباب تلصق أذنها وقد تحولت كل حواسها إلى مسامع...سأل كامل والدته)

 

يعني يا امّا انتِ ما بتشكيش في حورية؟

 

لاه,حورية ما تعملش كديه, وكمان اختك جميلة فتشت أوضتها وما خلت فيها مكان إلا اما قلبته ما لجتش حاجة

 

وانتِ ايه جولك يا جميلة؟

 

والله يا خوي عقلي هيشت مني ما عارفاش راحوا وين الدهبات دول

 

ما تجولي لخوكِ ع الكلام اللي جالته حورية

 

أمّا,بالله عليكِ اسكتِ ما ناجصينش هم

 

في ايه يا امّا؟كلام ايه اللي جالته حورية ؟

 

اوف,مافيش يا ولدي,مافيش,استعوض ربنا في دهباتي واسكت عشان جميلة ترتاح واللي سرج الدهبات يتهنى

 

واه! وبعدهالك يا امّا! طب ايه جولك بجى إن آنا شاكة في البت حورية ديّ إنها مخبية الدهبات في مكان ماحدش يعرفه وكل اللي بتجوله ديه عشان تبعد التهمة عنيها

 

في ايه يا امّا! في ايه يا جميلة؟ ايه الكلام اللي جالته البت ديّ؟

 

.......هجولك يا خوي,البت دي تهماني آنا في دهبات امي

 

واه! جنت البت ديّ ولا ايه! ازاي تطاول على أسيادها! والله لو تجول الكلام ديه في وشي لكون مجتلّها ومالهاش عندي دية, وانتِ يا امّا كيف تهمليها تجول الكلام ديه وما تزعطيهاش من السرايا؟

 

....بتتهمي نفسك يا جميلة عشان تداري عن...

 

آمّا,إن كنتِ عايزة تتهمي حد بسرجة دهباتك اتهميني آنا,لكن لو سمعت منك جول تاني وربنا لهمل السرايا واعيش عند خوي وما هتشوفي وشي تاني

 

يا بوووي,طيب يا جميلة,طيب

 

في ايه يا امّا؟انتو مداريين عني ايه انتو التنين؟

 

مامدارينش حاجة يا ولدي..آنا ديلواك عايزة دهباتي وين ما يكونوا,بلغ المركز يا ولدي يمكن يكون حرامي نط ع السرايا واحنا ما درينش

 

معلوم هبلغ يامّا وما هعديش الموضوع على كديه,بس اما اسأل البت اللي اسميها حورية واشوف هتجول ايه جدامي

 

(نهض كامل من مقعده واتجه صوب الباب بينما جرت حورية مسرعة إلى المطبخ

 عند سماع خطواته تقترب,وقف عند الباب ونادى بنبرة شديدة الجفاء والحدة)

 

حورية,بت يا حورية

 

آآآنعمين يا جناب كامل بيه

 

تعالي هنيه يا بت

 

أمرك يا بيه

 

(عاد كامل إلى مقعده,وجاءت حورية ترتجف,بينما جميلة تحدجها بنظرة تهديد ووعيد,والحاجة فايقة ترقب الموقف بصمت وعلامات الحزن تتبدى على وجهها ..نظرإليها كامل بوجه عابس وسألها؟

 

دهبات امي راحوا وين يا بت؟

 

يابوي! يا مرك يا حورية,وربنا يا بيه ما سرجتهم ولا نضرتهم بعيني,يا بيه آنا بجالي كاتير بخدم عنديكم في السرايا وعمر ما راح منيها ابرة , وطول عمري أدخل اوضة الحاجة وأوضة الست جميلة والم دهباتهم المرمية هنيه وهنيه وارجعهم مكانهم وعمر يدي ما اتمدت ليهم,ايش عجب ديلواك اللي هسرج يا بيه! الحرامي من يومه حرامي,وآنا من يومي أمينة والكل يشهد بأمانتي وأولهم الحاجة, مش كديه يا حاجة ولا ايه؟

 

مالكيش صالح بامي وردي على سؤالاتي..ولما انتِ ما سرجتيش الدهب,مين اللي سرجوا عاد؟

 

(نظرت حورية إلى جميلة فإذ بحدقتا عيناها تتسع تهديدا وترهيباً.فارتبكت حورية وقالت بتلعثم)

 

ممااعرفش يا بيه

 

يابوووي,يعني جن سفلي هو اللي سرج امي! اسمعي يا بت,مافيش حد بيدخل السرايا ويتنقل فيها غيرك,مافيش حد غريب بيدخل وسطينا

 

يعني هو لازم اللي سرجكو يكون غريب يا كامل بيه!

 

(انتفضت جميلة وصرخت في وجه حورية )

 

اخرسي يا بت,غوري من هنيه ديلواك

 

أمرك يا ست جميلة

 

استني يا بت عنديكِ

 

نعمين يا جناب البيه

 

جدامك مهلة لحد بكرة في الليل,هصلي العشا واجي,لو الدهبات ما ظهرتش هبلغ المركز وانتِ أول واحدة هيتحط في يدك الحديد

 

اللي تعمله اعمله يا بيه

 

يعني ما خايفاش؟

 

واخاف من ايه وآنا بريئة!

 

طيب روحي ديلواك,ومعادنا في الليل..يا تسلميني الدهبات ويا دار ما دخلك شر,يا هسلمك للمركز

 

المكتوب ع الجبين هتشوفه العين يا بيه, وحسبي الله ونعم الوكيل في السارج

 

(امتعضت الحاجة فايقة ونهرت ولدها قائلة )

 

جرا ايه يا كامل! لساك هتستنى لبكرة في الليل! ما تبلغ المركز ديلواك خلينا نخلصوا ونشوفوا الدهبات راحوا وين

 

هيكونوا راحوا وين غير مع البت ديّ يا امّا! حبيت اهددها بالمركز والحبس عشان تفوق لروحها وترجع الدهبات

 

واه! وإن ما رجعتهومش عاد؟

 

يبجى هنبلغ المركز يا امّا وهما يتصرفوا معاها ويطلعوا الدهبات من حبابي عنيها

 

وان ما كانتش هي السارجة؟

 

هاها جرا ايه يا امّا! هتشكِ في جميلة انتِ التانية ولا ايه!

 

يا بووي اديني الصبر ع المر اللي شارباه وما جدراش انطج يا رب, طيب يا كامل,نستنى لبكرة في الليل اما نشوف اخرتها, والله جلبي حاسس اني ما هشوفش دهباتي تاني وهموت بحسرتهم

 

ما تجوليش كديه يا امّا,إن شاء الله دهباتك يرجعوا والبت دي اللي هترجعهم

 

***********************************

(عاد كامل إلى قصره فألفته حياة عند الباب فور دخوله,متسائلة)

 

لجيتوا دهبات الحاجة يا كامل؟

 

لاه

 

ولا عرفتوا مين اللي سرجهم؟

 

هيكون مين غير حورية؟

 

لاه ما تجولش كديه يا كامل إلا اما يكون عنديك بينة,الظلم حرام

 

واه! ظلم ايه عاد! هيكون مين غيرها اللي سرجهم! هي الوحيدة اللي بتدخل وتطلع في أوض السرايا من غير حسيب ولا رقيب,غفير السرايا عمره ما عتب الدور الفوجاني ولا يعرف فيه ايه,زي الغفرا بتوعي تمام,ما في حد بيدخل ويطلع غير البت ديّ

 

ايوة يا كامل لكن دي عمر يدها ما اتمدت على حاجة في السرايا

 

وايه يعني! الدهبات حليوا في عنيها وشيطانها وسوسلها ويدها اتمدت,البني أدم منينا ضعيف,وخصوصي ديّ لا بتصلي ولا تعرف حلال من حرام

 

لاه,لاه يا كامل,بالله عليك ما تاخذ ذنبها وتتهمها من غير بينة,الله وحده العالم الدهبات راحوا وين..طيب مش يمكن يكون حرامي دخل السرايا من غير ما حد ينضره ولا يوعاله؟

 

لاه,طلعت أوضة امي ولجيتها زي ما هي مرتبة والشباك مسكّر,يبجى مين عاد غير حورية,لاه والبت من فجرها بتتهم جميلة

 

واه! جنت ديّ ولا ايه! جطع لسانها

 

شفتِ جولتي ايه! وديه معناته انها عايزة تلبس التهمة لأي حد عشان تبعدها عن نفسيها

 

استغفر الله العظيم يارب,الله وحده عالم الحق وين يا كامل

 

على العموم آنا عطيتها فرصة لحد بكرة في الليل عشان ترجع الدهبات وإلا هبلغ المركز

 

ربنا يظهر الحق يا كامل..لا حول ولا قوة إلا بالله

 

************************************

 

(عند المساء في اليوم التالي, وأثناء قيادته لسيارته بالقرب من حقله وجد امرأة على الجانب الآخر تلوح له بيديها وتناديه..إنها صفية,توقف بسيارته على الفور وترجل عنها ليسألها عن بغيتها)

****************************************

 

خير يا ام حسن,واجفة ع الطريج ليه؟

 

مستنياك يا كامل بيه

 

خير,محتاجة حاجة عشان العيال؟

 

لاه,خيرك سابج,لساها الفلوس اللي فوتهالي باجي منيها كاتير,الحمدلله ع الرضا والجناعة,وربنا يزيدك من خيره

 

اومال في ايه يا ام حسن؟

 

في ظلم كابير واقع على واحدة مسكينة مالهاش سند غير ربنا , ومحتاجة كلمة حق نتجيها,وكلمة الحق دي عندي

 

تجصدي مين؟

 

أجصد حورية المتهومة ظلم في دهبات الحاجة

 

واه! وعرفتِ من وين ان دهبات امي اتسرجوا؟

 

هو في حاجة بتستخبى في النجع عاد يا كامل بيه؟

 

ودريتِ من وين إن حورية مظلومة؟

 

عشان عارفة السارجة بت الحرام اللي عملت كديه

 

مين؟

 

.....مرتك حياة

 

(انتفخت أوداج كامل وهم بصفع صفية وهو يقول)

 

اخرسي

 

عايز تضربني يا كامل بيه عشان بشهد شهادة حق!..اضرب عاد,لكن مهما عِملت ما هسكتش, وحتى لو وصلت للشهادة جدام الحاكومة هشهد واخلص ضميري,إلا الظلم يا كامل بيه, مش عشان احمي بت الأكابر أضيع المسكينة ديّ, ديه حتى ما يرضيش ربنا.والرسول عليه الصلاة والسلام قال إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد..ديما اسمع الشيخ سلطان يجول كديه

 

.......وايه بينتك على إن حياة مرتي هي السارجة؟

 

أجولك يا كامل بيه,في الصبح جولت اعدي ع السرايا عنديك عشان اطمن على حياة والبنيتا,فتحتلي نعمة, ودخلتني,ولما سألتها على حياة جالتلي بتنضف البدروم استنيها,جعدت استناها لكن اتأخرت كاتير,قلت انزلها البدروم يمكن تكون عايزة مساعدة,نزلت وفتحت الباب فجأة لجيتها فاتحة شكمجية فيها دهبات كاتير,نورهم زغلل عيني,وأول ما وعيتلي قفلتها ورمتها من يدها في البرميل,وفكرتني ما وعيتلهومش,حالها اتشندل وما بجتش عارفة تجول ايه,وبعدين جالتلي,دي كراكيب وحاجات جاديمة بتاعة كامل نزلت عشان احطها في البدروم عشان مالهاش عازة عندينا..سكت وما رضيتش اجولها إني وعيت للدهبات,طلعت من السرايا وسمعت من الناس ان دهب الحاجة اتسرج والمتهومة فيه حورية الغلبانة,جولت والله لاستنى كامل بيه على الطريج عشان اجوله واخلص ذمتي من ربنا, الظلم حرام يا كامل بيه,اوعاك تظلم حورية وتبرأ مرتك بت الأكابر,وإلا آنا بذات نفسي اللي هفضحها في النجع عشان ابرأ حورية الغلبانة

 

....وايه يخلي حياة تمد يدها وتسرج؟

 

اجولك يا كامل بيه,حياة ما حساش براحة في عيشتها معاك,ديما كانت تجول كلام غريب كديه ,بس آنا ما كنتش حاطاه في بالي

 

كلام غريب كيف؟

 

يعني,كانت دِيما تجول,آنا حاسة إن كامل هياجي يوم ويغدر بيا ويسمع كلام أمه عشان آنا ما خلفتش الواد, ومش بعيد يطلجني ويرميني برا السرايا,ووجتها ابجى طلعت خسرانة من كل شيء,عشان كديه لازم ما اديش الآمان واوعى لروحي واعمل اللي ما يطلعنيش خسرانة...اهو كلام زي كديه يا كامل بيه,لكن ما كنتش أعرف أنها ناوية على الأذية الكابيرة ديّ,سبحان الله,هي حصلت انها تمد يدها وتسرج! أخص عليكِ يا حياة,خلاص مافيش خوف من ربنا! نعوذ بالله من طمع النفوس يا كامل بيه

 

وإن طلع كلامك كذب؟

 

فرغ بندجيتك في صدري

 

.....هروح اتأكد بنفسي من اللي جولتيه

 

روح يا بيه

 

(انطلق كامل بسيارته كالمجنون  عامداً قصره, وقلبه يلتهب رغبة للتيقن وقد أطلت من عينيه نظرات الحيرة ,بينما أطلقت الأفعى ضحكات هيستيرية )

 

**************************

(ما أن وصل إلى قصره حتى انعطف مندفعاً صوب القبو,حتى إن نعمة تعجبت وسألته إن كان هناك شيء فلم ينتبه, دفع باب القبو وهرع إلى البرميل القديم آملاً ألا يجد شكمجية والدته, ولكن ...يا لخيبة أمله وحسرة قلبه,فقد وجدها, شخص بصره وأمسك بالشكمجية مشدوهاً مذهولا,شعر بالدوار وكأن الأرض تميد به,ألصق ظهره بالجدار وهو ما زال منتاباً بالذهول..نظر إلى الشكمجية وهو يردد ,ليه يا حياة,ليه يا حياة..ولما أفاق من ذهوله أنطلق خارج القبو والشر يتطاير من عينيه وصعد إلى الدور العلوي مسرعاً والغضب يسبق خطواته )

 

*********************************

(كانت حياة في غرفتهما في الطابق العلوي ممتدة على الفراش لنيل قسط من الراحة حينما دفع الباب كامل بعنف وألقي شكمجية الذهب على الفراش ناظراً إليها بعينين متقدتين,فاعتدلت مندهشة حين رأت الشكمجية  وقالت)

 

ايه ديه يا كامل؟

 

ما عارفاش ايه ديه؟

 

دي شكمجية امك

 

صُح؟

 

في ايه يا كامل؟ ولقيتها وين الشكمجية ديّ؟

 

(انقض كامل عليها  وصب جام غضبه وانهال على وجهها صفعاً وهو يسبها بالسارقة ,جذبها من جمة رأسها وألقاها أرضاً وهو يركلها بقدمه ويكيل لها السباب(فضحتيني وجرستيني وسيرتي هتبجى على كل لسان في النجع,ناجصك ايه يا حياة,ناجصك ايه عشان تسرجي دهبات امي,ناجصك ايه, وآخذت تصرخ وتسأل مندهشة بصوت ممتزج بالنشيج والبكاء والصراخ )

 

بتعمل كديه ليه؟ هي مين ديّ اللي سرجت دهبات امك؟

 

لساك هتستعبطي بعد ما فضيحتك بانت يا سارجة يا ام يد طويلة!

 

ايه! ايه اللي عم تقوله ديه يا كامل! أنت واعي لروحك؟

 

ما كنتش واعي لروحي,لكن الحمدلله لقيت اللي يوعيني ويعرفني حقيقتك يا خسيسة يا ام يد طويلة يللي ما صونتيش النعمة اللي كنتِ فيها,كان ناقصك ايه عشان تمدي يدك على دهبات امي

(تبكي حياة وتذرف الدموع في ذهول وكأنها في جاثوم وليس واقع مرير..تقترب من زوجها الذي أشاح بوجهه عنها وتقول)

.....آنا! آنا يا كامل أمد يدي على دهبات امك!..ليه يا كامل! دانا بصلي وعارفة ربنا وعارفة حدوده, وكمان آنا مش محتاجة عشان امد يدي..آنا عايزة اعرف ديلواك من اللي افترا عليّ واتهمني التهمة ديّ..أمك؟

 

واشمعنى امي؟

 

عشان كارهاني وما عايزاش تنضرني جدامها., ومناها انك تطلجني وتتجوز غيري عشان تجيب الواد

 

أعوذ بالله,اتهمتي امي تهمة زور,لكن أكدتي الكلام اللي سمعته,انتِ خايفة لطلجك وارميكِ عشان كديه سرجتِ دهبات امي عشان ما تطلعيش خسرانه,مش كديه؟

 

والله ما سرجت ولا مديت يدي,عيب تجول كديه يا كامل,دانا حياة يا كامل,حياة مرتك اللي انت عارفها زين

 

آنا ما عارفكيش,آنا كنت مغشوش فيكِ,واللي انت عمليته اتجلب عليكِ, وهتطلعي من السرايا ديّ بالهدمة اللي لبساها

 

.......لاه يا كامل,لاه, آنا يوم ما اطلع من سرايتك اطلع وآنا رافعة  راسي,لكن اطلع بفاضيحة وظلم لاه, لاه يا كامل, آنا ربي شاهد اني لا سرجت ولا مديت يدي,حرام عليك الظلم والافترا, ومش كل كلمة تسمعها تصدجها من غير بينة ,اتقي ربك

 

من غير بينة! من غير بينة كيف وآنا لجيت دهبات امي في بدروم سرايتي!

 

...في البدروم!!...ومين اللي جابهم في البدروم؟

 

ماعارفاش مين اللي سرجهم من اوضة امي ودسهم في البدروم! مين غيرك يعمل كديه!

 

وربي ما عملت كديه ولا مديت يدي,ابوس يدك فهمني ايه حُصل ومين جالك ان مرتك مدت يدها وسرقت امك ودست السريجة في البدروم؟

 

اللي نضرتك بعنيها وانتِ بتدسيهم , ولا هتكدبيها هي التانية!

 

.....مين دي؟

 

صفية

 

صفية! صفية مرت واد عمك الشاذلي؟

 

ايوة

 

صفية! صفية نضرتني وآنا بدس الدهبات في البدروم! كيف! كيف! آنا ما فهماش حاجة! كيف نضرتني وآنا بدس سريجة ما سرجتهاش! وكيف نضرتني وهي ما عتبتش السرايا من شهور طوال من وجت ما جت تباركلي لما ولدت عالية! كيف ,كيف حد يفهمني,حد يفهمني يا خلق قبل عقلي ما يشت مني آآآآه

 

بجولك ايه,بلاش منيه كهن الحريم والدموع اللي ما هصدقهاش ديّ,صفية صادجة والدليل اني لجيت دهبات امي في البدروم زي ما جالت

 

دي كدابة, وربنا كدابة, لا جت هنيه من شهور ولا وعيتلي بدس دهبات,لاني ما سرجتوهمش من الأساس, حرام عليك يا كامل, وصفية دي الله ينتقم منيها,المرة السو دي اللي ما تمرش فيها جميل لازم اروحلها وانت تاجي معاي واواجهها جدامك

 

انتِ جنيتي يا مرة انتِ! انت بتدافعي عن ايه ولا بتنكري ايه وانا لقيت السريجة اللي انتِ دساها! وصفية مين اللي عايزة تواجهيها بعد كلامها ما طلع صدج وطلعتِ سارجة !

 

(تمسك حياة رأسها بكلتا يديها وكأنها تحاول أن تحفظها من الجنون, قالت والذهول يفتك بها )

 

يا بوي,يا بوي ! ايه اللي عم يحصل ديه! في ايه! سرجة ايه يا خلق! دهب ايه اللي دسيته في السرايا! صفية ميتى وعيتلي وهي بقالها شهور ما دخلتش السرايا! عقلي يا ناس, عقلي هيشت مني,منك لله يا صفية,منك لله,الله ينتقم منك...كامل حرام عليك,آنا بريئة, وربنا بريئة,حتى نادم على نعمة تجولك بلسانها إن صفية ماجاتش هنيه,نادم عليها ابوس يدك واتحجج من الكلام لحد ما نعرف واصل لحد فين ومين اللي وراه

 

.....طيب, هعمل كل اللي تجولي عليه عشان حاجة واحدة بس, لما حد يسألني طلجتها وطردتها من السرايا ليه أجوله كل اللي حصل من أوله لآخره عشان الكل يشهد اني ما ظلمتكيش ..هنادم على نعمة

 

(فتح الباب ونادى بأعلى صوته)

 

بت يا نعمة,نعمة

 

ايوة يا بيه,ايوة

 

اطلعي يا بت عايزك

 

حاضر يا بيه..هو ماله بيزعق كديه! مش عوايده كامل بيه

 

(صعدت الدرج مسرعة وانعطفت صوب الغرفة ودخلت وهي تلهث ,هالها ما رأت عندما رمقت حياة تجلس على مقعد باكية  بشعر مشعث وآثارأصابع كامل بارزة على وجهها من أثر الصفع وعيناها شديدة الاحمرار, وقد علت علامات الغضب وجه كامل,اسرعت على الفور إلى حياة وقالت بلهفة المحب الصادق)

 

مالك يا ست حياة,في ايه كفالله الشر ؟

 

تعالي هنهيه يا بت,كلامك معاي آنا,مالكيش صالح بيها

 

في ايه يا بيه؟

 

ميتى آخر مرة جت هنيه صفية مرت الشاذلي؟

 

صفية!! بجالها كاتير يا بيه,شهور طويلة, آخر مرة لما جت تبارك للست حياة على عالية

 

سمعت يا كامل, سمعت آني ما بكدبش عليك وإن المرة السو ديّ ما عتبتش السرايا من شهور!!

 

.........وهي نعمة هتجول ايه غير اللي متفجة وياها عليه! ماهي خدامتك وسرك, جوليلي يا نعمة, عطيتك كام حياة عشان تجولي الكلام المترتب ديه! ولا تكون وعدتك بحتتين دهب من اللي سرجتهم من سرايا امي!

 

واه! ايه يا كامل بيه الحديت اللي عم تجوله ديه! الست حياة تسرج! قطع لسان اللي يتهمها بالتهمة الزور ديّ! ست الستات بت الأصول تربية الآكابر اللي حافظة كتاب ربها وما يفوتهاش فرض تسرج!

 

بقولك ايه يا بت انتِ التانية, آنا واعيلك زين وواعي للي مشغلاكِ ,هي تسرج وانتِ تداري عليها واطلع آنا المغفل اللي بيمشي ورا حديت الحريم ودموعهم ,لكن لاه, مش كامل اللي يستغفلوه الحريم,سامعين ولا لاه! ...وديلواك, هملي السرايا يا حياة وإلا هجرجرك من شعرك واطلعك منيها كيف الدابيحة,يلا

 

يا بيه هو في ايه بس,اعوذ بالله من الشيطان الرجيم,انتو اتحسدتوا ولا ايه! يا بيه دي الست حياة مرتك وام بناتك وحبيبتك اللي عارفها زين, كيف بس تتهمها التهمة الباطلة ديّ! وايه دخل صفية اللي يجحمها بالحديت ديه! والله عارفة من زمان انها بتزن على خراب السرايا وما حد كان مصدجني حتى الست حياة بذات نفسها , والله يا بيه صفية ديّ بتكره الست حياة وتتمنى لها الشر والآذى

 

كفاكِ من حديت الحريم اللي مالوش عازة ديه, وبطلوا افترا على صفية الغلبانة اللي رغم فقرها عنديها عزة نفس وآخلاق مش عند ولاد أكابر النجع, هي اللي خرجتني من الحيرة  وفوقتني من غفلتي, ازاي تنكري ان صفية جت هنيه ووعيت لستك السارجة وهي بتدس السريجة في البدروم! وبعدها بتبجحي وتجولي ما جاتش هنيه !بس ربنا كشف ستركو على يد صفية

 

بدروم ايه يا بيه! ودهب ايه اللي لجيته مدسوس فيه!...البدروم! واه! يبقى هي, هي, هي حورية مافيش غيرها يا بيه

 

حورية! مالها حورية ! هتفتروا عليها هي التانية؟

 

مش افترا يا بيه, حورية كانت هنيه امبارح, شيعتها الست حياة عشان تاخد غيارات للست عالية, على ما طلعت ونزلت لجيت خلجاتها معفرة تراب وعنيها لايجة ومش على بعضها , يبقى هي اللي سرجت الدهبات ودستهم في السرايا عشان تتهموا الست حياة

 

سمعت يا كامل, يبقى هي.,هي حورية يا كامل,هي حورية, اسألها وقررها مين اللي ورا الحكاية ديّ وليه عملت كديه؟ وليه صفية جالتلك الحديت ديه,اسأل حورية يا كامل,ابوس يدك اسألها

 

بعّدي عني واخرسي بجى, اخرسي, ايه! انتو ما بتخافوش ربنا واصل! تتهموا الناس بالباطل عشان تطلعوا انتو الشرفا !! اعوذ بالله منيكِ ومنيها,يلا غوري من السرايا وخدي خدامتك معاكِ يا سارجة يا ام يد طويلة,انتِ طالج يا حياة,طالج وتحرمي عليّ ليوم الدين

 

لاه يا كامل بيه,لاه, الست حياة ما تستاهلش منيك كديه

 

حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا كامل,حسبي الله ونعم الوكيل,ظلمتني الله لا يسامحك ولا يسامح كل اللي ظلموني,فايتالك السرايا لكن ربي وكيلي وعارف اني مظلومة وإن شاء الله هيجيبلي حقي ويشفي غليلي منيك ومن صفية وحورية وكل اللي ياخد صفكو ,حسبي الله ونعم الوكيل....نعمة

 

نعمين يا ست

 

(كانت نعمة تبكي بكاء مرير بينما تماسكت حياة وشمخت برأسها وصرخت في نعمة)

 

ما تبكيش يا نعمة, بتبكي على ايه! الناس بتظلم ورب الكون شاهد ويوم الحساب جاي, وطالما في رب حاكم ما نبكيش ولا نذل نفسنا قدام محكوم, روحي لبسي البنيتا  وهاتيهم

 

حاضر يا ست

 

البنيتا مش هيخرجوا من السرايا ,اخرجي انتِ وخدامتك لحالكم

 

آنا ما هسيبش البنيتا يا كامل, وانت ما تملكش تمنعني

 

بجولك  خدي خدامتك واطلعي برا السرايا لحالكم ,البنيتّا ما هيهملوش السرايا, ولو نطجتِ بكلمة زيادة ما هيحصلكيش طيب

 

طب وعالية! عالية اللي لساها بترضع ومحتاجاني؟

 

ها! محتاجاكِ في ايه! عشان ترضعيها مع اللبن كيف تسرج وتبجى شيخة منصر!

 

كامل بيه,مش الست حياة بت الحاج زيدان اللي النجع كلاته خابر هو مين اللي يتجالها كديه

 

اخرسي يا بت انتِ التانية وإلا همد يدي عليكِ, كانت وعداكِ بكام حتة صيغة عشان تداري عنيها! كلكو صنف نجس يستاهل الحرج

 

كتر خيرك يا كامل بيه يا واد الأصول

 

استنيني برا انتِ يا نعمة وانا هلبس خلجاتي واحصلك

 

حاضر يا ست, هلم خلجاتي آنا التانية واستناكِ

 

أنا فايتالك السرايا يا كامل,بس يكون في معلومك ما هسيبش البنيتا وهعرف اخدهم منيك ازاي من غير مذلة.حسبي الله ونعم الوكيل فيك, وحسبي الله فيها صفية

 

(أشاح كامل بوجهه,التقط شكمجية والدته الملقاة فوق الفراش, وقال قبل مغادرة الغرفة,قدامك خمس دجايج مش اكتر وتكوني برا السرايا, وإياك يدك تتمد على الدهبات اللي جايبهوملك  ...خرج كامل غاضباً وأغلقت حياة الباب وأجهشت بالبكاء, أسرعت بتبديل ملابسها وهي تنشج وتسترجع الله...انتهت واتجهت بخطوات متثاقلة صوب الباب, جففت دموعها بمنديلها,أمسكت بمقبض الباب بيد مرتعشة وفتحته,فألفت خادمتها نعمة تبكي بمرارة,ربتت على كتفها وقالت)

 

ما تبكيش يا نعمة بالله عليكِ, ما تزوديش همي عاد, آنا مش زعلانة على كامل ولا عيشتي معاه,مادام طول السنين اللي عيشتها مع كامل ما عرفنيش فيها ولا عرف آنا مين وكاني غريبة عنيه لدرجة انه يسمع ويصدج فيّ التهمة الزور ديّ,يبجى عيني عمرها ما تطاوعني في البكا على عشرته ولا قلبي هيطاوعني في الحزن عليه, لكن اللي جايد جلبي نار وبيبكيني بدل الدموع دم هما البنيتا اللي خايفة يتبهدلوا ويدوقوا المر بعيد عن حضني, لكن والله يا نعمة ما ههملهم لكامل ولازم أخدهم ولو غصب عنيه

 

يا عيني عليكِ يا ست حياة,كان مستخبيلك فين ده بس!

 

استغفر الله العظيم, كل قدره خير, الحمدلله على كل حال

 

يا ست آنا ما جادراش اتحمل الظلم اللي انتِ فيه ديه, ما جدراش,هاين عليّ اجتل الزفتة اللي اسميها صفية ديّ بيدي,الله ينتقم منيها,هي اللي اتلمت على حورية والله اعلم عشمتها بإيه عشان تفتري عليكِ كديه

 

حسبي الله ونعم الوكيل,يلا يا نعمة

 

يلا ايه! فين دهباتك يا ست؟

 

كامل جالي إياك يدك تتمد على الدهبات

 

يتكلم في اللي يخصه يا ست,لكن إنتِ عنديكِ دهبات ياما جاية بيهم من بيت بوكِ

 

ما عايزاش حاجة يا نعمة

 

ما عايزاش يعني ايه! آنا عارفاكِ حاطاهم في الدرج ديه في شكمجية لحالهم ,هجيبها, والله ما نسيبهم في السرايا ديّ

 

سيبيهم يا نعمة,مسيرهم للبنات

 

للبنات! والله طيبة وعلى نياتك  يا ست الناس, ياك خابرة انه هيجعد من غير جواز ولا هيجيب ست في السرايا تاخد كل شيّ! آنا هجيب دهباتك ,والله لو رمتيهم بيدك في السكك احسن ما تتهنى بيهم الحرباية اللي عينها ع السرايا من زمان,الله يحرقها قبل ما تخطيها  

 

( جلبت نعمة شكمجية السيدة حياة, وخرجتا من الغرفة والحزن يعتصر قلبيهما ...نظرت حياة إلى غرفة بناتها واتجهت صوب الباب, فتحته برفق,أضائت المصباح وألقت نظرة وداع  على وجوههن الملائكية النائمة..بكت وعضت على شفتها كمداً,وقالت بصوت خافت لا يسمعه غير ربها )

 

اوعوا يا حبايبي تصدجوا في امكوا حاجة عفشة,آنا لا سرجت ولا عمر يدي في يوم اتمدت على مال مش مالي, أشوف وشكم بخير يا ضي عيني, الله يحفظكم ويرعاكم ويكفيكم شر كل ذي شر آمين

 

(أغلقت الباب رويدا رويدا وهي تعلق بصرها ببضع منها نائمات,تذرف العبرات وقلبها ينزف ألماً حتى تلاشت صورتهن من مرآها شيئاً فشيئا,مسحت العبرات عن عينها و اتجهت إلى الدرج وخلفها نعمة تحمل حقيبتها,تنزل وكل درجة تنزلها كأنها خنجر يطعن قلبها ..وما أن وصلت إلى باب القصر بخطواتها المتثاقلة تتبعها نعمة,حتى سمعت صوت كامل مدوياً

 

استني عندك منك ليها

 

في ايه تاني يا كامل؟

 

افتشكو في الاول,الله اعلم دسيتِ ايه في شنطة خدامتك,افتحي الشنطة ديّ يا بت

 

افتحي الشنطة يا نعمة عشان البيه يتأكد اننا ما سارجينش

 

ادي الشنطة اهيه يا بيه, مافهاش إلا خلجاتي ودهبات الست

 

برديكِ خدتِ الدهبات يا ام يد طويلة!

 

(يفتح كامل الشكمجية بينما تنظر إليه حياة باذدراء,فقالت نعمة بحزم)

 

يا بيه دي الدهبات اللي جاية بيهم الست من بيت بوها, ولا هتتهمها فيهم دول كماني!

 

خدوهم وغوروا, الله أعلم بوها كان جايب فلوساتهم من وين

 

أخرس يا كامل,اخرس , ولو ما عارفش مين هو الحاج زيدان اسأل اي كابير من كبارات النجع وهو يدلك, اسأل امك الحاجة فايقة بوي عمل مع بوك ايه لما نزل نجعنا بالهدمة اللي عليه وما يملكش لقمة ياكلها هو وخوه, ولا كانك نسيت اصل بوك يا واد ابو الحجاج!

 

..........انتِ بتغلطي في بوي وأصله!

 

مش حياة اللي تغلط يا كامل يا وادّ ابو الحجاج, آنا بس بفكرك مين هو الحاج زيدان, كانّ المال بينسي الناس أصحاب الفضل عليهم وينهشوا في عرضهم لما الروس تتساوى...حسبي الله ونعم الوكيل, يلا يا نعمة ,مالوش عازة الحديت

 

يلا يا ست

 

(خرجت حياة بأنف شامخ وبعينين تملئهما القوة والثبات,تبعتها نعمة وشقتا طريقيهما في الظلام بخطوات متسارعة  في شوارع خلت من المارة إلا قليلا..أخذت تمشي وتمشي والأفكار تكاد تعصف برأسها, تتعجب حد الجنون من صنيع صفية, لِمَ تفعل بها ذلك وهي لم تر منها إلا خيرا! فجأة توقفت عن المسير والتفتت إلى نعمة قائلة بعد اتخاذ قرار حتمي )

 

نعمة, يلا بينا على بيت صفية

 

بيت صفية! بلاش يا ست,بلاش تنزلي مقامك وتروحي لمرة زي ديّ

 

لازم اروح اشوفها عملت كديه ليه؟

 

مش هتاخدي معاها لا حق ولا باطل يا ست, والله أعلم كماني تتبل عليكِ بايه المرة دي,بلاش يا ست

 

لاه, هروح, لو ما عايزاش تاجي معاي همليني لحالي

 

لاه كيف!, هروح معاك, ما ههملكيش لحالك تروحي للمرة السو ديّ

 

(اتجهت حياة كالبرق تتبعها خادمتها إلى بيت صفية..,كانت صفية التي خلعت ثوب الحداد تقف أمام المرآة بثوب أحمر تختال بقدها الممشوق مبتسمة, اكتحلت وطفقت تضفر شعرها الطويل الحريري الأسود,حين أزعجتها دقات على الباب متسارعة عالية,فتأففت وظفرت قائلة)

 

وده مين اللي جاي ديلواك! ماعايزاش حد يوعالي وآنا متكحلة ولابسة احمر وابجى لبانة في خشم اللي يسوى واللي ما يسواش في النجع, هصحي الواد حسن يفتح ويجول امي نايمة

 

(أسرعت إلى غرفة ولديها النائمان في فراشهما,اقتربت من حسن وهمست في أذنه)

 

واد يا حسن,انت يا واه,جوم اصحى

 

ممم أمي! في ايه يا امّا...ايه اللي لابساه ديه يا امّا, وايه الكحل والضفاير ديه!

 

يا بوي! يا واد انت مالكش صالح بللي لابساه والكحل والطين,جوم شوف مين الحزين اللي بيخبط.,ماعايزاش خوك يصحى

 

حاضر يا امّا

 

اسمع يا واه,آنا داخلة اوضتي,اللي يسألك عني جول امي نايمة

 

نايمة! لكن ده يبجى كدب يا امّا,وآنا ما احبش اكدب

 

يا بووي عليك واد,غور افتح وإياك تجول غير اللي جولته

 

(نظر إليها حسن بحزن واتجه إلى الباب وهو يقول في سريرته,لاه ما هكدبش,هجول امي صاحية حتى لو ضربتني,المهم ما ابجاش كداب..كانت صفية تطل برأسها من خلف باب حجرتها تنظر إلى الباب لترى من الطارق...فتح حسن الباب فألفى حياة عابسة الوجه حزينة,لا تبتسم كما عهدها..فقال لها )

 

خالة حياة! مالك يا خالة؟

 

وينها امك يا حسن؟

 

(عندما رأت صفية حياة ابتسمت بمكر وخرجت إليها تتهادى في مشيتها وتمسك بإحدى ضفائرها في دلال لتثير غيظها..كان حسن يرقب ما يحدث حزيناً يشعر بالخجل مما تفعله والدته التي قالت بلهجة مائعة )

 

مين! حياة! يا مرحب يا غالية

 

غالية! غالية جوي,بأمارة الكيد اللي كدتيهولي وخربتي بيتي يا صفية

 

واه! مافهماش حاجة,بتتكلمي عن ايه عاد ؟

 

ليه كديه يا صفية,ليه؟ شفتِ مني ايه عفش عشان تخربي بيتي وتفرقيني عن جوزي؟

 

والله ما فاهمة حاجة عاد, صُح بتتكلمي عن ايه يا حياة؟

 

بجى انتِ يا صفية جيتي السرايا ولجتيني بدس دهبات الحاجة فايجة في البدروم؟

 

هاها واه! طب ليه كديه الفضايح جدام حسن وجدام خدامتك! ما عايزاش أفضحك,ربنا ستير حليم

 

يعني ايه! يعني بتأكدي الكلام كماني وبتجولي انك وعتيلي صُح؟

 

واه! انتِ ما درياش بروحك ولا ايه يا حياة! ولا تكوني سرجتي وانتِ سكرانة ومش في وعيك هاها

 

(هنا انتفضت نعمة وأمسكت برقبة صفية بعنف وألصقتها إلى الحائط وهي تصر على أسنانها وتقول )

 

اخرسي يا حية يا للي عم تبخي السم وين ما تكوني,الست حياة دي ستك والضفر اللي بتطيره من رجليها بمليون من عينتك,اللي وز ع السرجة هو انتِ, اللي وز على دس السريجة في بدروم السرايا هو انتِ, كل ده من كرهك للست حياة وكرهك للعز اللي هي فيه,طمعانة في جوزها وفي السرايا,لكن بعون الله ما هتوصلي للي انتِ عايزاه يا عقربة يا مدفونة

 

(كادت صفية أن تختنق,جحظت عيناها واغرورقت بالدموع,فهم حسن أن يهرع إليها لولا أن حياة سبقته وصرخت في نعمة وهي تشد يدها بعنف عن رقبة حياة )

 

سبيها يا نعمة, سبيها هتموت في يدك,سيبيها ما ناجصينش مصايب

 

(تمكنت حياة من ابعاد نعمة التي أخذ جسدها يرتعد وأنفاسها تتلاحق, بينما صفية أخذت في السعال الكثيف حتى استعادت أنفاسها..ثم نظرت إلى نعمة وهي تقول)

 

كنتِ عايزة تموتيني عشان بشهد شهادة حق! طب يمين بالله يا كلبة حياة لدفعك تمن اللي عملتيه غالي واجيبك تحت رجلي راكعة تلحسي التراب اللي بخطي عليه...وديلواك يا حياة,خدي خدامتك واطلعي برا بيتي,بدال ما اصرخ واجول بوه وألم عليكِ النجع ياجي يشوف بت الأكابر اللي جايبة خدامتها تقتلني عشان اسكت عن فضايحها

 

فضايحي! آنا يا صفية عندي فضايح وانتِ اللي كشفتيها! اجول ايه غير حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ, لكن والله ما هسكت ولا اسيب حجي ولازم الحجيجة تبان للكل وأولهم كامل اللي مشي ورا دوادي الليل اللي زيك انتِ وحورية,حسبي الله ونعم الوكيل..يلا يا نعمة

 

مش جولتلك يا ست حياة دي صنف واطي ما صدجتنيش!حتى جوزها اللي مات وما وفتش عدته خلعت عليه السواد ولبست احمر واتكحلت وماشية تتغندر بضفايرها ولا كانها عروسة جاديدة,اللي زي ديّ لا ليها عزيز ولا غالي ولا تعرف ربها , اهو جه اليوم اللي كادتلك فيه وفرجتك عن جوزك وانزعطي من سرايته, الله يلعنك يا صفية انتِ وأمثالك,اتفو عليكِ

 

بتفي في وشي يا كلبة حياة! معلش,باجيالك ,اطلعوا برا انتو التنين,برا

 

(حدجت حياة صفية بنظرة احتقار وهرعت إلى خارج المنزل تشكو بثها وحزنها إلى الله,تتبعها نعمة باكية لا تملك شيئاً لرد الظلم عن سيدتها..ما أن غادرا حتى هرع حسن إلى أمه متسائلاً )

 

صُح يا امّا انتِ نضرتِ خالة حياة وهي بتخبي الدهبات اللي سرجتهم؟

 

ايوة نضرتها بعيني,اومال بكدب إياك !

 

.........خالة حياة تسرج يا امّا!

 

وما تسرجش ليه! اكمنها يعني ما سكنتش غير السرايات, والمال والدهبات عنديها كاتير؟

 

لاه يا امّا, مش عشان المال عنديها كاتير,عشان خالة حياة بتصلي وبتخاف من ربنا,ماهو في يا امّا ناس كاتير فقرا لكن ما بيسرجوش عشان عارفين ان السرجة حرام,مش عشان الواحد فقير يسرج, ولا عشان غني ما يسرجش,اللي يخاف ربه وبس هو اللي ما يسرجش

 

بس يا واه انت, ولا كانك فاهم في دنيتك شي وبتغرك المظاهر ,خال عليك كدب حياة وغشها, دي لا بتخاف ربها ولا عنديها دين, دي مرة نعوذ  بالله منيها ومن شرها,تقدر على كل حاجة عفشة,يلا غور نام عنديك مُدرسة في الصبح

 

(نظر حسن إلى والدته نظرة توحي بعدم الارتياح والريبة في الأمر, ولكن ماذا عساه أن يفعل غير العودة إلى فراشه في صمت رغم صخب الظنون والأفكار في رأسه )

 

*******************************************

وفي قصره ظل كامل ملتصقاً بمقعده في البهو ملقياً برأسه إلى الخلف,غلبته عبرة,فمسحها عن عينيه,أما عن قلبه فكان منفطراً باكياً يئن أنين فراق المحب..خرج عن صمته وضرب الأرض بقدمه بقوة قائلاً

 

ليه يا حياة! ليه! عملتِ فيا وفي نفسك كديه ليه..جتلتيني يا حياة,جتلتيني,وآنا اللي طول عمري اتباهى بيكِ وباخلاجك وسط الخلج, ليه تفضحيني وتفضحي بناتك,ريتي مني ايه عفش خلى شيطانك يهيألك إن ممكن ياجي اليوم اللي افرط فيكِ! الحاجة الوحيدة اللي كانت هتفرجني عنك هي الموت يا حياة...لكن انتِ اللي اختارتي الفراج يا حياة..يا خسارة يا حياة...الله يسامحك يا حياة,الله يسامحك ويجدرني على نسيانك ونسيان اللي عِملتيه فيا..يا رب لطفك وعفوك يارب

 

(نهض كامل من مقعده متثاقلاً..واتجه للوضوء والصلاة عل نفسه الثائرة تهدأ

*******************************************

أما عن حياة المحطمة وخادمتها نعمة فقد غابتا وسط الحارات والأزقة حتى نفذتا منها إلى الشوارع الواسعة ووصلتا  إلى قصر أخيها صالح  والذي استيقظ من نومه فزعاً و هرول من أعلى إلى باب القصر عندما سمع الأجراس تقرع , واستيقظت زوجته التي كانت تنعم بنوم عميق في فراشها الوثير,انتفضت فزعة وهي تلعن من أقض مضجعها, وهرعت إلى خارج الغرفة والتصقت بالدرابزين المطل على البهو وباب القصر لترى من أعلى من الطارق, فما أن فتح زوجها الباب رأت أخته حياة تبكي وخلفها نعمة  وهو في ذهول من مجيئها في هذه الساعة, لوت العروس شفتيها في امتعاض وعادت إلى غرفتها لتستكمل نومها.بينما صالح أنهال بسيل من الأسئلة على أخته فزعاً من أمرها )

 

خبر ايه يا حياة,مالك؟ البنيتا كويسات؟ كامل بخير؟ ايه جابك لحالك انتِ ونعمة في ساعة زي ديّ؟ اتكملي يا حياة الله يرضى عنيكِ

 

طب خليها تدخل ترتاح في الاول يا صالح بيه وبعدها اسألها

 

طيب يا نعمة, تعالي يا حياة, ادخلي يختي, تعالوا نقعد في المندرة

 

( دخل ثلاثتهم إلى المندرة, وجلسوا,أجهشت حياة بالبكاء وقالت لأخيها)

 

كامل طلجني يا صالح

 

بتجولي ايه!! ...كيف! وليه يا حياة؟ حصل بيناتكو ايه يوصل للطلاج؟ اتكلمي يا حياة

 

............بيتهمني في دهبات امه

 

بتجولي ايه! اتجن كامل ولا حُصُل ايه في دماغه! كيف يتجرأ ويتهمك تهمة زي ديّ! هو نسي انتِ مين وبت مين! ولا ناسي انك حافظة كتاب ربك وعارفة حدوده! في ايه يا حياة اتكلمي

 

اتكلم اجول ايه يا خوي غير حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كانوا السبب, صفية مرت الشاذلي الله لا يسامحها افترت عليّ هي وحورية ودسولي دهبات الحاجة في بدروم سرايتي, وجالوا لكامل مرتك سرجت أمك,جه فتش ولجى السريجة طلجني وزعطني من السرايا ومنعني آخد البنيتا

 

(انخرطت حياة في البكاء والنشيج,بينما استشاط صالح غضباً وأطاح بمزهرية على يمينه فطارت في الهواء وارتطمت بالأرض محدثة جلبة وتناثرت شقفاتها وقام يتوعد ونيران الغضب مستعرة داخله)

 

كيف يتجرأوا المحاريج عدمات الأصل دول على ستهم وست النجع كلاته, والله ما يكفيني حرجهم حيين وحرج بيوتهم وكل اللي يحاميلهم,كيف كامل يخيل عليه ملاعيب بت المحروج ديّ! بس يمين بالله ما ههملهم يفلتوا بعملتهم ديّ واخلي النجع كلاته يتحاكى على اللي هسويه فيهم

 

بس يا خوي الله يهديك,ما تعملش في نفسك كديه,ربنا كبير وما هيهملهمش, مالكش صالح بيهم ولا بسكتهم,دول ما بيتقوش ربنا, واللي اسميها صفية ديّ مستجوية بخوها واد الليل اللي ما يخاف الله اللي اسميه بدران, وآنا أخاف عليك وعلى شبابك يا خوي,الله يكفيك شرهم

 

عايزاني اعمل ايه عاد! اجعد جنبك احط يدي على خدي واندب زي الحريم! آنا ما بخافش إلا من اللي خلقني يا حياة, بس في الاول اروح لكامل واد ابو الحجاج أشوف كيف يعمل كديه

 

طب خليك الصبح يا خوي,انت ما داريش بروحك, وماعايزاكش تغلط في كامل وفي الآخر يطلعونا إحنا الغلطانين من ساسنا لراسنا وهما اصحاب الحق

 

لاه, هروح ديلواك

 

طيب يا صالح بالله عليك اوعى تترجاه ولا تبينله إننا باجيين عليه..كامل خلاص..سجط من نظري بعد اللي عمله,آنا كل اللي رايداه منه ديلواك هما البنيتا, هاتهوملي منيه الله يرضى عليك يا صالح, الموت عندي أهون من حرماني منيهم

 

ربنا يقدم ما فيه الخير يا حياة,البنيتا من حجك وهجيبهم معاي إن شاء الله ,هطلع اصحي صابرين عشان تنزل ترحب بيكِ

 

يا بوي! هتصحيها وتجلجها ليه بس يا خوي! يادي الكسوف,والله لو كان عندي مكان تاني كنت روحته عشان ما اضايجهاش

 

ايه اللي بتجوليه ديه يا حياة! ناسية ان ديّ سرايا بوكِ وليكِ فيها زي ما ليّ ولا ايه, عن اذنك

 

اذنك معاك يا خوي...يا دي الكسوف يا نعمة, والله خجلانة من مرت صالح,دي لساها عروسة,كيف اجعد عنديها واجل راحتها

 

واه! يا ست حياة دي سرايا بوكِ, وليكِ فيها اكتر ماليها

 

ربنا يعديها على خير يا نعمة

 

هجوم ألملم الجزاز المكسور ديه وانضف الأرض

 

*****************************

اندفع صالح إلى غرفته, أضاء المصباح,فتأففت زوجته وغطت وجهها وانقلبت على جانبها الآخر,فناداها

 

صابرين,اصحي يا صابرين

 

يا مري,كانه ما هيهملنيش انام,نعمين يا صالح

 

اختي حياة جت هي ونعمة,انزلي رحبي بيها وطلعيها

 

ايه اللي جابها في ساعة زي ديّ عاد؟

 

جوزها افترا عليها وطلجها

 

واه! افترا عليها كيف؟

 

يا بوووي,افترا عليها يا صابرين,سمع لولاد الحرام وصدج في مرته انها سرجت امه,عرفتِ وارتاحتي!

 

.....سرجت امه! ممم طب وانت متأكد انها ما سرجتش؟

 

ايوة متأكد

 

هاها وانت كنت ريت بعنيك!

 

(غضب صالح من تلميحات زوجته ونهرها قائلاً)

 

صابرين,إياك مرة تانية تجولي جدامي كلام زي ديه ولا تردديه بينك وبين نفسك عاد,حياة أختي ديّ لو جدامها مال جارون ما تمد يدها عليه,اختي بتخاف ربها

 

ممم طيب, هلبس عباية وانزل ارحب بيها

 

وآنا هلبس واروح لكامل اشوف اسوي معاه ايه

 

***************************************

(نزلت صابرين متأففة بوجه كالح, جلست في مقعد بعيد ونطقت بعبارة ترحيب باردة )

 

يا مرحب يا حياة

 

الله يرحب بيكِ يختي..كيفك؟

 

كيفك انتِ..صالح جالي ان جوزك طلجك عاد

 

....نحمده على كل حال

 

ممم صُح تاهمينك في دهبات الحاجة؟

 

صُح,لكن والله يختي افتروا عليّ,لا سرجت ولا مديت يدي

 

ست حياة, هي يعني الست صابرين جاديدة ع النجع ولا ما خابراكيش زين وخابرة انك ست ستات النجع وحسادك كاتير!.. ولا ايه يا ست صابرين؟

 

هاها وانتِ بجى عينوكِ محامي عنيها يا بت يا نعمة!

 

لاه يا ست صابرين, الست حياة مش محتاجة محامي, أخلاجها وسيرتها الطيبة هي وأهلها وناسها من جدود الجدود تشهدلها, النجع ديه كلاته اللي خير الحاج زيدان عليه يشهدلها,طوب الأرض اللي بنخطي عليه يشهدلها يا ست صابرين

 

هاها يا بختها بيكِ عاد, ربنا يظهر الحق...اطلعي معاي يا حياة اوريكِ الأوضة اللي هتشرفينا فيها اليامين اللي جاعداهم عندي في السرايا

 

...........حاضر يا صابرين, تعالي معاي يا نعمة

 

نعمة لاه, من ميتى الخدم بيناموا في أوض الاسياد! ولا كانك نسيتي الأصول يا حياة

 

ايوة بس.....

 

الست صابرين عنديها حق يا ست حياة, آنا هنام في الأوضة الصاغيرة جنب المطبخ زي زمان, ماآنا طول عمري كنت عايشة فيها من أيام امك الحاجة نافيسة,وكانت فرشهالي فرش مليح الله يرحمها يا ست حياة..اطلعي انتِ مع مرت خوكِ

 

.......طيب يا نعمة

 

(سبقت صابرين حياة على الدرج وكأنها تريد أن تقول أنا سيدة القصر صاحبة المقام الأول, لم تأبه حياة لفعلتها وسمت عن ذلك سمواً كبيرا,فهي أتت إلى القصر وتعلم أن هناك من تسيدت عليه كما كانت سيدة هي في قصر زوجها, والأن تعرف مقامها كضيفة ...وأثناء صعودهما الدرج ألفيا صالح ينزل وهو يهندم ياقة جلبابه,ابتسم لاخته قائلاً

 

نورتي سرايتك يختي

 

منورة بيك يا خوي

 

نزل صالح بينما استمرا في الصعود إلى أن بلغا الدور العلوي..مشت صابرين في صمت ينم عن ضيقها  وخلفها حياة, فاختارت لها غرفة بمنأى عن غرفتها وزوجها,فتحت بابها وقالت بتأفف

 

اوضتك يا حياة, لو عوزتي حاجة نادي على خدامتك تجيبها

 

طب استني يا صابرين

 

خير

 

معلش يختي زي ما انتِ شايفة جيت من بيتي من غير خلجات البسها, لو تديني بس حاجة من عنديك لحد ما اشتري

 

ممم طيب

 

(أسرعت الخطا ودلفت إلى غرفتها وأحضرت ثوب وآبت إلى حياة تعطه إياها بغير اعتناء)

 

خدي أها

 

....توشكري يا صابرين,تتصبحي بالخير

 

أوف وانتِ من اهله

 

(أغلقت الباب فلم تمتلك حياة إحجام وابل العبرات الحبيس في مقلتيها )

********************************************

(كان كامل جالس على المقعد يسترجع الله ويحوقل حين دق جرس باب القصر, انتبه فقام يتهدج في مشيته حتى بلغ الباب,فتح فألفا صالح عابس الوجه..فقال مندهشاً

 

صالح!

 

ادخل ولا هتزعطني آنا كمان

 

ادخل

 

(دخل صالح وجلس في أقرب مقعد ألفاه وجلس إليه كامل صامتاً مشيحاً بوجهه..نظر إليه صالح وقال لائماً)

 

بجي هانت عليك حياة وعشرة حياة يا كامل؟

 

اختك وشيطانها اللي غواها هما السبب يا صالح

 

شيطانها هي واللي الشياطين اللي اتلموا عليك وملوا دماغك من ناحية مرتك وأم بناتك!

 

ها ممم وانت صدجتها برديك! ليه؟ هي ما جالتلكش اني لجيت الساريجة مُطرح ما جالت صفية!

 

صفية بت الكلاف اللي الكفر كلاته عارف جلبها الإسواد وحجدها على ولاد الأكابر!

 

صالح, بلاش حديت الحريم الماصخ اللي اختك ملت بيه دماغك وجاي تجوله, اختك سرجت امي وخبت الساريجة في سرايتي وأمرها اتفضح وطلجتها, ايه اللي رايدينه مني تاني!

 

........بوي الله يرحمه جالي كلمة زمان وجالها لاختي وما بنعملوش غيرها, كان يجول اللي باعك بيعيه ولو روحك بيده. ومادام انت بايع احنا ما شارينش, ولا حتى عايزين منيك حق ولا مستحق عشان نجفل الباب بينا وبينك. اختي في سرايا بوها واجيبها ألف تحت رجليها يخدموها, وبكرة ياجيها الراجل اللي يجدر جيمتها ويشيلها على راسه شيل, كل اللي رايدينه هما البنيتا

 

والبنيتا ما هيخرجوش من سرايتي يا صالح, ولا ههملهم لامهم تفسد اخلاجهم

 

الكلام ديه عن حياة يا كامل! حياة اللي عاشت معاك العمر ديه كلاته وعمرك ما شفت منيها طبع رضي ولا عملت حاجة تزعلك..صانت مالك وعرضك في غيابك وحضورك وكانت نعم الزوجة ليك ونعم الأم لبناتك! ديلواك بتجول في حجها الكلام ديه! حياة بت الأصول ..تجول في حجها كديه يا كامل يا ابن ابو الحجاج يللي ما حد عارفلك أصل!

 

أخرس يا خسيس,جطع لسانك النجس انت واختك,غور من السرايا وإياك تهوب برجليك هنهيه تاني وإلا هخلي الحرس يفرغوا رصاص بنادجهم في صدرك,برا

 

هخرج يا واد ابو الحجاج لكن ما ههملش بنيتا اختي, ولازم أخدهم حتى لو طار فيهم رجاب

 

( خرج صالح مغتاظاً يتوعد كامل,بينما كامل يكيل له السباب...وهكذا تحول أحباب الأمس إلى ألد الأعداء اليوم وتأججت نيران الفتن بفعل صفية الآثمة والتي ما زال في جعبتها الكثير )

 

************************************

(عاد صالح بأوداج منتفخة يغلي كالمرجل من الغضب فألف زوجته مستيقظة في فراشها فسألته)

 

خبر ايه يا صالح,كانك اتعاركت مع جوز اختك

 

ما تجيبش سيرته جدامي الخسيس الواطي ديه, لكن يمين الله ما ههمله وهاخد حج اختي وارجعلها البنيتا

 

خبر ايه يا صالح! بنيتا ايه اللي هترجعهم عاد! ولو رجعتهم هيجعدوا وين؟

 

يعني ايه هيجعدوا وين! هيجعدوا هنيه مع امهم في سراية جدهم

 

أوف,يعني ايه يا صالح! معناة كلامك ان اختك هتجعد هنيه على طول؟

 

ناسية ان دي سراية بوها اياك!

 

لاه ما نسياش يا صالح, لكن اللي فاكراه مليح اني اتجوزتك عشان اعيش معاك لحالي في السرايا,مش عشان اختك تاجي بعيالها تجعد فيها معانا

 

والظروف حكمت عاد, عايزاني اعمل ايه! ازعط اختي من سراية بوها!

 

أوووف,يا مرك يا صابرين , أنا هنام,ده إذا جالي نوم يعني,تتصبح بالخير

 

وانتِ من أهله

 

****************************

(أمضى كامل ليلة عصيبة لم يغمض فيها عينيه..وما أن بزغ ضوء الصبح, وضع شكمجية والدته في حقيبة وذهب إليها , وسكن كل شيء حوله إلا أصوات خطواته الحزينة كفؤاده...لم تنم أمه منذ الأمس أيضاً ولكن حزناً على الذهب الذي اقتنته طوال عمرها وورثته عن أجدادها ,فقد كان كبضعة منها لا تستطيع الحياة بدونه,لذا فقد كان قلبها يئن لفقدانه, وما زاد أنينها عدم مجيء ولدها كامل لإبلاغ الشرطة كما وعد, وقالت في نفسها إن لم يجىء اليوم ستذهب هي للشرطة بنفسها أياً كان السارق, فما يهمها ويشغل خاطرها ويفت كبدها هو الذهب وفقط.. جلست في البهو  تزفر وتتوعد السارق وتتوعد ولدها الذي أهمل الأمر بلا سبب, أما جميلة فقد كانت منذ استيقاظها بغرفتها قلقة ومتوترة في انتظاره أيضاً لإبلاغ الشرطة ضد حورية إن لم تعترف بأنها السارقة, فقد كانت جميلة متيقنة أنها من فعلت ذلك, أما حورية فقد إنتابها الهلع حين سمعت دقات الجرس واصطكت أسنانها من  شدة الخوف, لذا لم تجب سيدتها حين نادتها لفتح الباب وتصنعت النوم)

 

بت يا حورية,افتحي الباب لكامل يا بت

 

...........................................

 

كانها لساها نايمة الحزينة ديّ, افتح انا اما اشوف كامل ناوي على ايه

 

(اتجهت صوب الباب مسرعة وفتحت, فألفت كامل حزينا واجما,فانزعجت وسألته)

 

كامل! خبر ايه يا ولدي؟ مال وشك إصفر كديه؟ وايه الشنطة اللي في يدك ديّ؟

 

(دخل كامل صامتاً وتبعته والدته وهي ترمقه في دهشة وتقلب كفيها في تعجب..جلس في أحد المقاعد فجلست في المقعد الملاصق وسألته بلهفة؟

 

في ايه يا كامل؟

 

(فتح كامل الحقيبة وأخرج منها الشكمجية وأعطاها لأمه صامتاً,فعندما رأتها اتسعت حدقتا عيناها وفغر فاها دهشة,ثم سألته بلهفة؟

 

لجيتها وين الشكمجية ديّ ؟

 

...........في سرايتي

 

يا مري!...في سرايتك!...يعني اللي جالته حورية صُح ومرتك هي ال...

 

هي السارجة يا امّا

 

حسبي الله ونعم الوكيل فيها بت الحرام ديّ, وعِملت معاها ايه؟

 

طلجتها يا امّا وظعطها برا السرايا

 

(هنا اقتحمت حورية المجلس بالزغاريد والفرحة وقالت لكامل بوجه متهلل)

 

صدجت يا كامل بيه؟ صدجت ان مرتك هي السارجة وآنا كنت متهومة ظلم؟

 

.....احمدي ربك يا حورية

 

دانا هحمده واحمده وازغرت وما بطلش زغاريت..لكن مين يا بيه اللي جالك اني مظلومة؟

 

صفية

 

الست صفية! يا حبيبتي يا ست صفية,الله يسعدك ويهنيك ويخليلك عيالك

 

(وفجأة ارتج الدرج بصوت نعلي جميلة التي اندفعت على الدرج كالبركان الثائر عندما سمعت هذا الهراء,هجمت على حورية وأمسكت بجمة رأسها تجرها بجنون وانهالت عليها ضرباً وهي تصرخ قائلة)

 

اتلميتِ على صفية وكيدتوا لحياة يا دوادي, عطيتك كام ولا وعدتك بايه عشان تعملي كديه يا نجسة, دانا هطلع روحك في يدي يا خسيسة, منك لله انتِ والمحروجة صفية,منكو لله

 

الحجوني, غيتوني من يدها هتموتني,الحجني يا كامل بيه,الحجيني يا حاجة

(أسرع كامل بإبعاد اخته عن حورية ونهرها)

 

بعّدي عنيها,خبر ايه يا جميلة! جنيتِ؟

 

ايوة جنيت,جنيت يا كامل,لما اشوف الباطل بيتجلب حج, والخاين يجولوا عليه أمين, والأمين يتجال عليه خاين,ايه يا ناس, ماعندكوش عقل! أي كلب يفتري ع الناس نسمعله ! بجى تطلج حياة يا كامل عشان اللعبة اللي لعبتها الخسيسة ديّ مع التعبانة اللي اسميها صفية! يا اخي اتقي الله يا اخي وما تبجاش ظالم

 

(أثارت كلمات جميلة غضب كامل فنهرها )

 

جميلة,إلزمي حدك مع خوكِ الكابير,إياك تتكلمي معاي كديه تاني وإلا مش هيحصلك طيب

 

.....طيب يا خوي..حاضر..أشوف الظلم واسكت عن ولاد الحرام عشان ترضى عني...لكن لاه يا كامل, ما هسكتش عن حق حياة...وانتِ يا عقربة يا خسيسة انتِ,لمي خلجاتك وما اشوفش وشك في السرايا وإلا هجيب مسدس بوي وافرغه في جلبك الإسواد ديه,غوري من جدامي

 

طيب يا ست جميلة, طيب, الارزاق على الله, حسبي الله ونعم الوكيل..أنا ماشية يا حاجة

 

تمشي تروحي وين! وبعدهالك يا جميلة ! تطردي الغلبانة ديّ ليه! كل ديه عشان جالت الحجيجة وفضحت صاحبتك! ياك كنتِ رايداها تسكت عنيها وتشيل هي التهمة بدالها وتتسجن!

 

جولي اللي تجوليه يا امّا, انتِ كديه طول عمرك, اللي في راسك في راسك وما بتسمعيش غير اللي يغشك, بس مهما جولتِ, برديك ما عايزاش البت ديّ في السرايا , جولتلك لمي خلجاتك وغوري من هنيه يا بت, آنا طالعة اوضتي ديلواك وإياك انزل الاجيكِ

 

واعي لاختك وعمايلها يا كامل! جميلة الصغيرة هتمشي كلامها علينا وتزعط حورية الغلبانة من السرايا!

 

معلش يا امّا, آنا هاخد حورية عندي, حتى عشان تراعي البنيتا بعد نعمة ما مشيت مع حياة

 

في داهية التنين, الله لا يرجع حياة ولا أيامها العفشة ويرزقك بست ستها, شاور انت بس على زينة بنات النجع وآنا اجوزهالك

 

.......آنا مافايجش للحديت ديه يا امّا, آنا اللي فيا مكفيني عاد

 

ياك حزين على حياة!

 

واه! مش كانت مرتي يا امّا وشفت معاها ايام حلوة كاتير

 

أيام حلوة كاتير! جصدك أيام وحلة كاتير,ورزتنا بتلات بنيتا , أهي غارت, وإن شاء الله الواد جاي من غيرها

 

يا بوووي, والله يا امّا كانك ما حساش بيا...حورية, لمي خلجاتك عشان هتاجي معاي سرايتي تراعي البنيتا

 

عيوني ليك يا كامل بيه, ده يوم المنى يوم ما نخدموك ..آآآه يا ضهري يا امّا, آه يا دراعي, الست جميلة فشفشتني الله يسامحها, بالإدن يا حاجة هلم خلجاتي

 

روحي يا بت, كلها شهرين وجميلة تروح بيتها وارجعك السرايا, آنا ما استغناش عنيكِ

 

حبيبتي والله يا حاجة, ربنا ما يحرمنيش منيكِ

 

************************************

(هرعت جميلة إلى الهاتف لتقص على عزت ما حدث وهي تبكي وتنشج..قال محاولاً تهدأتها)

 

كفاكِ بكا يا جميلة عشان نعرف نفكر عاد

 

آنا ما عايزاش أفكر, آنا عايزاك تجول لخوك سلام على اللي عمله كامل عشان ياجي يوجفه عند حده ويخليه يروح يصالح مرته اللي ماعملتش معاه ومعانا غير كل مليح

 

حاضر يا جميلة, لما ياجي هجوله, سلام خوي في مصر,ماهواش في النجع

 

يا بوووي, جاي ميتى؟

 

والله ملوش معاد, يامين تلاتة بالكاتير ويعاود إن شاء الله, بس انتِ اهدي كدة وبلاش منيه البكا عاد, ما اتحملش انا اسمع بكاكِ كديه

 

ربنا ما يحرمنيش منيك يا عزت..طيب هسيبك ديلواك عاد عشان لساي ما صليتش الضحى

 

ربنا يتقبل منك يا جميلة, بالسلامة عاد

 

الله يسلمك يا عزت ........آآآآآخ , الله يسامحك يا كامل يا خوي, ادعي عليك ولا اجول ايه بس

 

*******************************

(في سرايا كامل,استيقظت سلمى ووطفة على صوت بكاء أختهما الصغيرة عالية, قالت سلمى الكبيرة )

 

يا بوي يا عالية, كل يوم كديه تصحينا وما عارفينش ننام منيكِ, جومي وديها لامي ترضعها يا وطفة

 

آنا عايزة انام, وديها انت عاد يا سلمى

 

أوف,طيب, كل حاجة عليّ آنا

 

هاها ما انتِ الكابيرة عاد

 

(حملت سلمى أختها عالية وتوجهت إلى غرفة والدتها..تفاجئت بالباب مفتوح على مصراعيه,ليس كعادة والدتها في غلق الباب..دلفت إلى الغرفة ونادت..أمي....فلم يجبها صوت أمها الحنون.. الغرفة خالية من الوجه الملائكي الذي يلقاها كل صباح بابتسامة وعبارة( صباح الخير يا بتي )...شعرت الطفلة بوخزة في قلبها وكأن شيء ما حدث, أطرقت رأسها قليلاً وبعدها انطلقت بين الغرف تفتح الأبواب  وتنادي أمي, وصراخ الصغيرة يتعالى.اندفعت على الدرج تنزل حاملة أختها الباكية وتنادي في جميع الأرجاء والأماكن بأعلى صوتها .. أمي, خالة نعمة ,بوي..فينك يا امّا ؟ ..لكن كل شيء في القصر ساكن بشكل يثير الكآبة...فهرعت إلى أعلى عائدة  إلى اختها وطفة تناديها  في فزع بصوت متهدج وأنفاس لاهثة

 

وطفة, اصحي يا وطفة, مالجياش أمي

 

واه! مالجياهاش كيف يعني ! تلاجيها تحت مع خالة نعمة ولا مع بوي

 

مافيش حد هنيه , نزلت تحت ودورت عليهم كلاتهم ونادت لما صوتي اتجطع ماحدش رد..آنا خايفة يا وطفة

 

خايفة ! انتِ هتخوفيني ليه عاد معاكِ,يمكن يكونوا راحوا مشوار هنيه ولا هنيه وما رضيوش يصحونا عشان ما يجليجوناش

 

....لاه...ما عارفاش ليه حاسة ان في حاجة كابيرة حصلت يا وطفة

 

هاها انتِ على طول كديه مخبلة وتخافي من كل شيء, ما عارفاش انتِ الكابيرة كيف, تعالي نستناهم تحت على ما ياجوا, بس سكتِ البت ديّ عشان وجعتلي راسي ببكاها

 

بس يا عالية, بس يا حبيبتي, أمي جاية, جاية يا عالية, تعالي ننزل نستناها

 

( نزلت الطفلتان ومعهما أختهما الرضيعة..جلستا في مقعدان على مقربة من باب القصر ...لم يطل انتظارهما حتى سمعتا صوت المفتاح يدور في الباب, فرحتا وتهللتا وهرعتا صوب الباب ..فكانت الصدمة التي شدهتهما عندما وجدا والدهما يدخل وخلفه حورية تحمل حقيبتها ..فأمسكت عالية بمعصمه ونظرت في عينيه وسألته بصوت مرتعش

 

وينها أمي يا بوي؟

 

(هربت عيناه من عينيها وتعثرت الكلمات على شفتيه..واستدار لحورية قائلاً)

 

ادخلي يا حورية وحطي خلجاتك في أوضة نعمة ..دي هتبقى اوضتك من هنيه ورايح

 

هاها أمرك يا جناب البيه, صباحكو نادي يا جمرات

 

(شدت سلمى على معصمه وقالت )

 

سألتلك وينها امي يا بوي

 

......تعالي معاي يا سلمى انتِ واختك, عايزكو في كلمتين لحالنا في المندرة

 

(نظرت الطفلتان إلى بعضهما باندهاش, ثم تبعتا والدهما إلى المندرة وهما تتوجسان خيفة مما سيقول......جلس الوالد, وجلستا الطفلتان تحملان أختهما الرضيعة وقلبيهما ينبض خوفا..بادرت سلمى تسأل)

 

في ايه يا بوي, وينها امي ؟

 

......طلجتها

 

(انتفضت الطفلتان من مقعديهما وصرخا في ذهول

 

طلجتها ليه يا بوي؟

 

.....انتو كبرتوا ديلواك وما عدتوش صغار, ولازم تعرفوا الحجيجة مني آنا, لأن حتى لو ما عرفتوهاش مني, هتعرفوها من أهل النجع اللي امكو فضحتنا وسطيهم ...أمكو سرجت دهبات جدتكم وأمرها انكشف

 

(خيم الحزن على وجه الطفلتان وعلت صرخات الصغيرة..سألته وطفة مستنكرة؟

 

أمي تسرج يا بوي! مين اللي جال عليها كديه يا بوي؟ وكيف تصدجه! كيف يا بوي!

 

وطفة, آنا ما بصدجش كلام حد من غير بينة, آنا لجيت دهبات جدتكم في بدروم السرايا, في نفس المكان اللي دلوني عليه اللي نضروها وهي بتسرج

 

(تبادلت الطفلتان نظرات الدهشة لبعضهما البعض..فسألته وطفة بلهفة )

 

ومين دول يا بوي اللي وعيولها بتسرج وبتخبي الساريجة؟

 

صفية مرت شاذلي واد عمي الله يرحمه

 

وكيف وعيتلها يا بوي وهي ما بتاجيش عندينا من الأساس!

 

صُح يا بوي دي ما بتاجيش عندينا كيف ما جالت وطفة , دي كدابة يا بوي

 

يا بوووي, كانّ امكو محفظاكو الكلام انتو التانيين, انتو هتجولوا ايه غير كديه عشان تداروا عنيها!

 

( وجمت الطفلتان , وقالت الكبيرة سلمى)

 

الله يسامحك يا بوي في الكلام اللي بتجوله عن امي, والله لا يسامحها اللي اسميها صفية ديّ, آنا ما بحبهاش

 

وآنا كمان يا سلمى زييكِ, لما كنت أوعالها كنت اتضايج, ضحكتها في وشنا مش مليحة, عنيها مش طيبة..احنا عايزين امنا يا بوي

 

جولتلكم طلجتها

 

ووين خالة نعمة؟

 

نعمة كمان زعطها عشان واجفة في صف امكو وبتحاميلها

 

(صرخت وطفة في وجه والدها)

 

واحنا كمان يا بوي واجفين في صف امنا, ازعطنا احنا كمان من السرايا, ما عايزينش نجعد فيها بعد امي ما سابتها

 

ايوة يا بوي, ازعطنا واحنا هنروح عنديها احنا التلاتة, بس جولنا راحت وين

 

لاه, لا هتشوفوها ولا هتشوفكم بعد كديه, المرة اللي طبعها عفش ما يصلحش تربي عيال زييكو, لانها لو ربتكو هتطلعوا زييها , آنا بحميكو منيها

 

(صرخت الفتاتان في صوت واحد وتحدي لوالدهما)

 

لاه يا بوي, احنا عايزين امنا, امنا مش سارجة

 

اخرسي يا بت انتِ وهي, غوروا على اوضتكم وسكتوا المحروجة التالتة ديّ, ما عايزش اسمع نفس في السرايا , يلا غوروا

 

(قالت وطفة بصوت قد هدجه البكاء)

 

عالية جعانة عايزة ترضع, هنسوي كيف ديلواك يا بوي؟

 

(زفر وطفق ينادي على حورية بأعلى صوته)

 

حورية,إنتِ يا حورية

 

نعمين يا كامل بيه

 

البت الصاغيرة عايزة ترضع,شوفي هتسوي معاها ايه

 

هاها بس كديه! بسيطة يا بيه, شيِع عبد العاطي يجيبلها علبة لبن من اجزخانة الوحدة الصحية ومعاه الجزازة اللي بيرضعوا العيال منيها, وآنا هرضعها بعون الله كل ما تجوع, ولا تحمل هم يا كامل بيه , دي كيف بتي تمام

 

طيب

 

(أرسل كامل في طلب لبن الأطفال المصنّع, وأخذت حورية الطفلة إلى غرفتها لترضعها إياه..فلم تستطع لذلك سبيلا.إذ كلما حاولت وضع حلمة الزجاجة في فم الطفلة لفظته وزادت في البكاء والصراخ, فما كان من حورية إلا أن قرصت الرضيعة في فخدها قائلة بغيظ)

 

ما تبطلي بكا يا حزينة انتِ يللي تعدمي عمرك صدعتيلي راسي

 

(سمعت سلمى ووطفة ازدياد الصراخ فهرعا إلى حجرة حورية,وصرخت فيها وطفة الأخت الوسطى

 

بعدي يدك عنيها, خدي عالية يا سلمى

 

اوعي يدك, تعالي يا عالية, هاتي جزازة اللبن, احنا اللي هنرضعها بيها

 

ليه يا سلمى يا بتي كديه! كنت هرضعها آنا , بس هي اسم الله عليها ما راضياش وما مابطلاش صريخ

 

مالكيش صالح بيها,إحنا بعد كديه اللي هنسويلها اللبن وهنرضعها لحد امي ما ترجع

 

هاها ترجع! ممم طب يا بتي, على كيفكو عاد, اختكو وانتو ادرى باحوالها

 

(أخذت الطفلتان أختهما الرضيعة إلى  غرفتهما, واستطاعتا أن يطعماها فسكنت ونامت في سلام ..بينما استسلمتا لنوبة من بكاء مرير  على ما آلت إليه الأمور)

*****************************************

نزلت جميلة للمرة الثانية لتتيقن أن حورية غادرت المكان,فوجدت أمها جالسة واضعة يدها على خدها, وما أن لمحت جميلة حتى أشاحت بوجهها..فلم تأبه جميلة لذلك وسألت أمها)

 

غارت العجربة  من هنييه؟

 

.........................................

 

على راحتك يا امّا, ما ترديش, الحمدلله انها غارت, ولو وعيتلها في السرايا تاني هجطع رجلها, وديلواك طالعة البس عشان اروح لحياة اطمن عليها في سرايا خوها, والله ما دارية هوريها وشي كيف بعد اللي خوي عِمله فيها

 

(وهنا هبت والدتها وصرخت فيها )

 

وبعدهالك يا جميلة! ناوية على ايه عاد! ياك مالكيش كابير انتِ وماشية براسك! طايحة فينا ليه كاننا جتلنالك جاتيل! وزعطي حورية المسكينة اللي كانت هتروح في داهية بذنب ما عِملتوش, اسمعي يا جميلة, آنا ساكتالك وربي عالم حايشة غضبي عنيكِ كيف, لايميها يا جميلة وكفاكِ من اللي عِملتيه عشان بت نافيسة..مافيش مرواح عنديها ولا ليكِ بيها صالح بعد كديه, خوكِ وطلجها وراحت لحالها, تحمد ربها اننا ما بلغناش عنيها الحاكومة

 

هاها كمان! ده ايه الجبروت ديه يا امّا!..اسمعيني انتِ كمان يا امّا..ربنا قال في كتابه العزيز ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على  ألا تعدلوا,إعدلوا هو أقرب للتقوى )

 

والكلام معناته يا امّا, انك مش عشان كارهة حد وما طيجاهوش تجومي تظلميه وما تحكميش بالعدل..وانتِ من جواكِ عارفة زين ان حياة مظلومة ولا عمرها تسرج ولا تمد يدها, بس انتِ عشان كارهاها اتهمتيها ظلم وكانها جاتك ع الطبطاب عشان تخلصي منيها ..لكن آنا لاه يا امّا, آنا لا زييكِ ولا زي كامل خوي اللي باع العشرة وصدج فيها كلام الناس اللي ما تتقيش ربها ..حياة عاشت وسطينا سنين وسنين, لا جربنا عليها سرجة ولا شوفنا منيها غدر, ايش عجب عاد ديلواك اللي هتسرج وتخون! حسبنا الله ونعم الوكيل في الظالم

 

بتتحسبني على امك يا جميلة! حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ انتِ وفي عمايلك يا بت ابو الحجاج, اخفي من وشي ما عايزاش انضرك جدامي

 

هريحك مني يا امّا, هلبس واروح لحياة

 

اياك يا جميلة, اياك, مافيش خروج من هنيه وإلا هكلم خوكِ ياجي يشوف معاكِ صرفة

 

جولي اللي تجوليه واعملي اللي تعمليه انتِ وولدك, لازمن اروح لحياة واواسيها بعد الظلم اللي شافته على يدكو

 

بجى كديه! طيب يا جميلة, على كيفك عاد, بس هتصل بكامل اجوله عشان ياجي يربيكِ , كانّ عيارك فلت وعايزة اللي يوجفك عند حدك

 

( لم تعر جميلة اهتماماً لما قالته والدتها وأسرعت إلى الطابق العلوي وارتدت ملابسها  وخرجت تشق طريقها قاصدة قصر شقيق حياة )

 

****************************************

(ما أن خرج صالح لمباشرة أعماله حتى أغلقت زوجته خلفه باب الغرفة وأسرعت إلى جمع مصاغها المبعثر على التسريحة وهرعت إلى الخزانة وأخرجت شكمجيتها التي حوت جميع مصاغها الذي جلبه لها وكل مصاغها الذي أتت به من بيت أهلها وأعادت الذهب الذي كان على التسريحة داخلها وأحكمت أغلاقها, ثم أسرعت بتبديل ملابسها استعدادا للخروج..ولكن إلى أين؟...أرتدت ملابسها على عجل وأخفت الشكمجية بين طيات ملابسها, نزلت الدرج مسرعة, ومنه إلى باب القصر الذي انطلقت منه كالإعصار متوجهة إلى بيت والدتها...وصلت ودقت الباب ونادت وهي تلهث)

 

افتحي يا امّا, آنا صابرين

 

صابرين ! أهلاً يا بتي, ادخلي

 

إصباح الخير يا امّا

 

يسعدك صباحك, ايه اللي جايبك ديلواك عاد؟

 

جيت ادس عندك دهباتي ليتسرجوا , خدي أها يا امّا, دسيهم في مكان وجوليلي عليه

 

في ايه يا بتي؟

 

يا امّا يعني انتِ ما دارياش بللي بيجرا في النجع! ما دريتيش ان دهبات الحاجة فايجة اتسرجوا واللي سرجتهم حياة اخت جوزي؟

 

واه!..ايه يا بتي اللي عم تجوليه ديه! حياة! اتقي الله يا بتي بلاش ظلم ,ما ناجصينش غضب من ربنا الله يرضى عنيكِ

 

جرا ايه يا امّا! هتعملي زي صالح انتِ التانية اللي ما مصدجش في اخته وراح اتعارك مع كامل بيه بعد ما طلجها وزعطها من السرايا !

 

يا مري!..أخص عليك يا كامل ! ليه كديه يا ولدي! بنات الأصول يتسوا فيهم كديه!

 

بنات أصول ايه يا امّا! بجولك جوزها لجى الساريجة اللي دساها في السرايا, ولما زعطها جت تجعد عندي,ريتِ صالح وعمايله! دانا ما برضاش حد من الخدم يبات في السرايا, ويادوب البت الخدامة تاجيني كل يامين تنضف السرايا وامشيها عشان يدها ما تتمدش على حاجة وتسرجني, يجوم صالح يرازيني بشيخة منصر تجعد عندي!

 

اخرسي يا بت, اخرسي حرام عليكِ, دول أسيادنا واسياد النجع كلاته بأخلاقهم المليحة وسيرتهم الطيبة, خيرهم ع النجع كلاته, وأوعاك تنسي إن حياة هي اللي جوزتك لصالح بعد ما ظنت فيكِ ظن حسن وانك بت ناس طيبين, ماتخليهاش تعض ايديها ندم انها اتغشت فيكِ وفي ناسك

 

واه يا امّا عاد! هو مين اللي اتغش في التاني! احنا اللي اتغشينا فيهم

 

يا بتي, الله أعلم مين اللي افترا على حياة وكادلها الكيد العفش ديه, خليكِ انتِ اختها اللي تاخد صفها وتدفدف عليها لحد ما ربنا يظهر الحق

 

بجولك ايه يا امّا, الله يخليكِ سوي اللي جولتلك عليه بدل ما في الآخر مالجيش دهباتي آنا التانية وأجعد أولول جنبك.الدهبات أهم, أمانة عنديكِ لحد ما المرة أم يد طويلة دي تنكشح من السرايا واخدهم منيكِ..آنا ماشية, فوتك بعافية يا امّا

 

يا بوووي, الله يهديكِ يا صابرين

 

***************************************

(لم تنطبق أجفان حياة منذ الأمس, قضت ليلتها بين بكاء مرير وصلوات لله تسأله كشف الكرب العظيم ..سمعت دقات نعمة خافتة على الباب,تناديها بصوت حزين)

 

ست حياة

 

ادخلي يا نعمة

 

صباح الخير يا ستنا

 

يسعد صباحك يا نعمة

 

يا مري! عنيكِ كيف الدم وباين عليكِ ما نمتيش

 

نوم ايه عاد يا نعمة! من وين هياجيني النوم! آنا يا نعمة يتهموني بالسرجة!

 

جطع لسانهم ولسان اللي يردد كلامهم يا ستنا..معلش..بكرة الحق يظهر وكامل بيه...

 

ما تجبيش سيرته جدامي, حسبي الله ونعم الوكيل, ما طليجاش اسمع اسمه يا نعمة, ما طايجاش, آنا اللي محزن جلبي ومجطع في روحي هو بناتي..بناتي يا نعمة, يا ترى حالهم كيف؟ جالولهم ايه عني؟ صدجوا في امهم الكلام العفش ديه يا نعمة؟ عالية الصاغيرة عاملة ايه! مين بيرضعها ويهتم بيها..في جسوة اكتر من انهم يحرموني منيها وهي محتاجة حضني! حسبي الله ونعم الوكيل

 

وحدي الله يا ست

 

لا إله إلا الله

 

ربك كبير وقادر ينتقم منيهم والحجيجة تبان  ويرجعلك البنيتا

 

يارب يا نعمة يارب

 

لكن هي الست صابرين وين ما وعيلهاش في السرايا؟

 

ما اعرفش عاد, السرايا كابيرة, يمكن تكون هنيه ولا هنيه, ديلواك تاجي..لكن صالح عدا عليّ جبل ما يطلع لأشغاله..جالي ما تخافيش, هرجعلك البنيتا , وجال انه هيدخل العمدة وكبارات النجع في الموضوع عشان يحكموا على بوهم يرجعهوملي ..لكن اللي بفكر فيه من ليلة امبارح هي جميلة..يا ترى صدجتي فيا يا جميلة ووجفتِ في صف امك وخوكِ!

 

(هنا دقت أجراس القصر معلنة بوجود ضيف على الباب..إنها جميلة التي تحدت الجميع وجائت لتواسي صديقتها وتشد من أزرها ....التفتت حياة إلى نعمة قائلة)

 

انزلي افتحي الباب يا نعمة

 

طيب يا ست, يمكن تكون الست صابرين, حاسة انها مش في السرايا, لو كانت هنيه كان بانلها حس

 

(نزلت نعمة وأسرعت بفتح الباب فألفت جميلة فتهلل وجهها فرحاً وقالت بابتهاج)

 

ست جميلة, والله كان جلبي حاسس انك هتاجي ومش هتهون عليكِ الست حياة

 

وينها حياة يا نعمة

 

حابسة روحها في أوضتها في الدور الفوجاني..ريتِ اللي عمله فيها كامل بيه! بجى يرضي ربنا يصدج مرة زي صفية السو ديّ ويخيل عليه كيدها هي وحورية للست حياة! بجى تتزعط من السرايا وتتحرم من البنيتا كماني!

 

لا يرضي ربنا ولا يرضي حد بيتقي ربنا يا نعمة, مش حياة اللي تستاهل منينا كديه, ربنا يظهر الحق عاد..هي صابرين مش هنيه عشان نسلم عليها ولا ايه؟

 

كانّها خرجت يا ست, مالهاش حس

 

طيب بلغي حياة إني مستنظراها هنيه

 

حاضر يا ست جميلة

 

**************************

(أخبرت نعمة حياة بمجيء جميلة, فكانت بمثابة طيف من فرح زار قلبها البائس, فنزلت إليها فألفتها جالسة على استحياء وقد وضعت نعمة أمامها كأس من عصير  لضيافتها ..اقتربت وحاولت جاهدة أن تبدد حزنها بابتسامة ولكنها ظهرت باهتة على شفتيها..قالت بصوت أثقلته الهموم)

 

ازيك يا جميلة

 

حياة يا حبيبتي, والله ما جادراش أرفع عيني في عينك بعد اللي عمله خوي

 

وانتِ ذنبك ايه عاد!..الله يسامحه

 

بتدعي ربنا يسامحه بعد اللي عمله! والله ربي شاهد عملت معاه ايه هو وامي لما دريت, وزعطت البت اللي اسميها حورية من السرايا, عشان آنا متأكدة إنها هي اللي سرجت بعد ما اتفجت مع المرة السو صفية انهم يتهموكِ في الساريجة

 

كل ديه ما يهمنيش, ربي عالم إني بريئة, كل اللي يهمني ديلواك يا جميلة هما بناتي, خايفة يصدجوهم ويظنوا فيا ظن عفش, خوكِ حرمني منيهم , ولما صالح راحله برديك ما رضاش يعطيهومله واتعارك معاه

 

اتعارك مع صالح!

 

أومال..هو خوكِ عاد باجي علينا ولا نهمه ! لكن هو كمان ما يهمنيش وما ليش عنده غير بناتي

 

لاه, ليكو عنده حجوجك اللي لازم يديهالك بعد ما طلجك

 

لاه, ما عايزاش منيه حاجة, آنا لا غاوية مال ولا باكية على حجوج, آنا ما عايزاش غير بناتي يا جميلة, أخدهم في حضني وأجفل عليهم رموش عيني واربيهم, ما عايزاش من الدنيا حاجة تاني

 

......والله ما عارفة أرد على كلامك أجول ايه! بس اللي رايداكِ تعرفيه مليح إني عمري ما هجف في صفهم ضدك مهما عملوا, ولا هبعّد عنيكِ مهما حاولوا يفرجوا بينا , إنتِ أختي الكابيرة يا حياة اللي يامَا اتعلمت منيها, وإذا كان فيا طبع مليح فآنا واخداه منيكِ مش من حد تاني

 

الله يعزك يختي ويصلح حالك ويتملك فرحتك على خير

 

فرحة ايه عاد وانتِ مش معاي يا حياة!

 

ومين جال اني هبعّد عنك يا جميلة! هنفضل خوات وحبايب طول العمر

 

لكن آنا ما عايزاكيش تسكتِ عن حجك, وآنا كلمت عزت عشان يحكي لخوه عن كامل واللي عمله, وهو طول عمره يحب سلام ويعمل بشورته, بس ياجي من مصر

 

ها !...مش لوصدج سلام إني بريئة!

 

الناس كلاتها في النجع عارفينك يا حياة

 

....كلاتهم عارفيني إلا عدويني اللي ولعوا نار العداوة من غير ما اعاديهم

 

ربنا كبير وعادل يا حياة

 

( سمعتا صوت مفتاح يدور في باب القصر..إنها صابرين التي امتعضت عندما رأت جميلة تجلس إلى حياة في البهو, فدخلت بترحيب باهت ساخر لجميلة فقالت)

 

واه! جميلة بت ابو الحجاج مرة واحدة! يا مرحب

 

مرحب بيكِ يا صابرين

 

جاية تواسي صاحبتك بعد اللي عمله خوكِ؟

 

واجب يا صابرين, حياة أختي قبل ما تبجى مرت خوي

 

هاها يخليكو لبعض يا نضري, كان نفسي ارحب بيكِ أكتر من كديه, بس حياة جامت بالواجب وعملت نفسيها صاحبة السرايا وضايفتك كماني اهو, ها ها..اشربي العصير اللي مضايفينك بيه الضيوف ..بالإذن, طالعة ارتاح من حر المشوار

 

(استدارت واتجهت إلى الدرج وهما تنظران إليها في دهشة ممتزجة بامتعاض من سوء خلقها وعباراتها المستفزة ..إستشاطت جميلة غضباً, وقالت لحياة بقوة )

 

جولي لخوكِ يأدب مرته ويعلمها ازاي تتكلم مع اخته وضيوفها

 

يا مري يا جميلة! هو آنا جاية أولع نار بينهم ياخيتي! الله يهديها ويصلح حالها ..صاغيرة ما تعرفش, لساها عروسة برديك وآنا جيت اتجل عليها

 

يا صبرك يا حياة, والله آنا لو مكانك ما اتحمل, كنت جومت جريتها من شعرها وبركت فوجيها وطلعت روحها في يدي

 

هاها الله يسعدك يا جميلة ضحكتيني وآنا ما جادراش ع الضحك, طول عمر طبعك حامي يا جميلة

 

في الحق وبس يا حياة

 

الله يصلح حالك يا حبيبتي ويكفيكِ شر الظلم والظالمين

 

آمين..حياة, لازم أمشي ديلواك, لكن هاجيكِ تاني بإذن الله اطمن عليكِ

 

طيب يا جميلة, هنتظرك , وإن شاء الله المرة الجاية يكون معاي البنيتا ونكونوا اشترينا بيت جاديد نعيش فيه وتاجينا, وناجيكِ في بيتك لما تتجوزي عن جريب إن شاء الله

 

إن شاء الله يا حياة, فوتك بعافية يختي

 

الله يعافيكِ يا جميلة

 

****************************************

(عادت جميلة إلى القصر فألفت شقيقها كامل لدى الباب ينظر إليها بعينين متقدتين وسألها بصوت أجش)

 

كنتِ وين ؟

 

واه! كامل! هي امي بلغتك وسيبت مصالحك عشان تاجي تسألني كنت وين!

 

ردي على سؤالي,كنتِ وين؟

 

انت عارف مليح كنت وين, وجاي بالخصوص عشان كديه..وعلى العموم كنت عند حياة, أصل نسيت اجولك انها صاحبتي ويجوز ازورها بعد طلاجك ليها, ولا يكون حرام في شرعك الجاديد انت وامي!

 

اتكلمي عدل وما تخلنيش أمد يدي عليكِ

 

.....تمد يدك عليّ..وماله يا كامل, مد يدك, ما انت كانك مش كامل خوي اللي اعرفه مليح..انت واحد تاني ما عرفاهوش, وما عارفاش شيطانه موديه على وين, كانك مغمض عنيكِ وماشي ناحية بير ميته نتنة ريحتها ما تنطاج..يا تفتح عنيك, يا هتغرج وما تلاجي حد يطلعك منيه

 

( ألجمت فاهه كلمات جميلة التي بها من التحذير من مصيره المحفوف بالمخاطر التي ألقتها وانطلقت كالسهم إلى الدور العلوي, بينما هبط في كرسي وجالسته حيرته التي شرد فيها ذهنه)

 

 

**************************************

 

( في صبيحة اليوم التالي خرجت حورية لشراء بعض الحوائج, فتفاجئت بيد قبضت على كتفها,فارتعدت,فإذ بصفية وهي صاحبة اليد ملثمة بشالها تكتم الضحك وتقول)

 

اتخلعتِ اياك يا حورية!

 

ست صفية! الله يسامحك نشفتِ دمي,يا بوي ع الخلعة

 

سيبك من الخلعة وتعالي معاي عايزاكِ

 

دانا اللي عايزاكِ وكنت هاجيكِ ع البيت عاد, وين الألفين جنيه اللي الست وعدتني بيهم جصاد خروج حياة من السرايا؟

 

يا بت اصطبري يا بت, الست ما هتاكلش حجك, بس لسة الحكاية ما بانتش ولا عرفت هتتجوز كامل ميتى, وجتها هتديكِ حجك وزيادة

 

يعني انتِ ضامناها يا ست صفية؟

 

ضامناها برجبتي, يلا احكيلي واحنا في الطريج كديه ايه حصل والحاجة عملت ايه لما دريت بللي حياة سوته؟

 

ولا عملت ولا سوت, كانّها جالت بركة يا جامع, بتجول غارت في داهية,الله لا يرجع ايامها

 

هاها واه! دي كارهاها جوي بجى

 

ايوة اومال, كارهاها وكارهة البنيتا, وممنية روحها ان كامل بيه هياجيب الواد من غيرها

 

هياجيبه يا بت, هياجيب بدال الواد تلاتة ومن ست ستها ..طب وجميلة عملت ايه؟

 

يا بوووي, ما تفكرنيش, كانت عاملة زي الغولة الله أكبر, تو ما سمعت ان الطلاج كان بسببي هجمت عليّ كيف الديب السعران وكانت هتموتني لولا كامل بيه خلصني من يدها

 

مممم يعني ما مصدجاش الحديت

 

لاه, وبتجول ان آنا السارجة وانتِ اللي وزتيني

 

.............وبعدهالها البت ديّ!..دي كديه ممكن تخربط كل اللي بنعمله...طب جوليلي يا بت كامل بيه حاله كيف؟

 

والله حاله مشندل وما طايج روحه, طول الليل شارد وما غمضله جفن لحد الصبح, حتى الوكل زي ما بحطه زي ما باشيله, كانّه حزنان ع الست حياة, أصله بيحبها جوي

 

...لساه بيحبها بعد اللي عملته!

 

هاها وهي كانت عملت حاجة! ما كله على يدنا يا ست صفية

 

طب امشي انتِ ديلواك يا حورية وسيبيني ادبر حالي عشان نخلصوا

 

(مشت صفية وقد عقدت العزم على صعود الجبل ليلاً لأمر ما)

 

**************************************

 

هناك خلف شجرة أمام مدرسة القرية وأثناء خروج الأطفال بعد اليوم الدراسي  وتدافعهم ومرحهم واختلاط أصواتهم المتعالية ..وقف هذا الرجل الملثم يرقب وجوهم بتمعن..إنه خليل الجارحي  الذراع الأيمن لبدران والذي كان يرقب خروج ولده مصطفى ..فجأة تهلل وجهه وانفرجت أساريره, فقد رأى ولده يخرج من بين الجموع حاملاً حقيبته على ظهره, كان الطفل مطأطأ الرأس لا يمرح كمرح زملائه, حتى أنه لم يقف للحديث مع أحدهم ..اتجه إلى منزل عمته تتبعه لهفة قلب والده وخطواته المتسارعة, وفي أحد الأزقة الضيقة التي كان ماراً بها الغلام,وضع الأب يده على كتفه برفق فالتفت الغلام وأبصر الملثم..فارتعد وقال؟

 

انت مين ؟

 

آنا بوك يا مصطفى

 

بوي, بوي, اتوحشتك يا بوي

 

(انكب الوالد باكياً بلثامه على ولده واحتضنه بشوق يفوق الحدود, قائلاً)

 

اتوحشتك يا مصطفى, اتوحشتك يا ولدي, كيفك يا حبيبي, طمني عليك, كيفك وكيف احوالك

 

.....زعلان منك يا بوي, الناس بتعيّرني بيك وأولهم جوز عمتي عم شاهين, كل يوم والتاني يجول لها مشي الواد ديه من هنيه, كانه هيطلع زي بوه ويفسد عيالي , كل ليلة انام وانا باكي واجول يا ريتك يا بوي ما كنت كديه, ياريتك عيشت معاي ومع امي وما فوتونيش انتو التنين

 

..........مجدر ومكتوب يا ولدي, وعشان كديه يا مصطفى ما عايزاكش تكون زيي, عايزك تتعلم وتتنور وتبجى راجل الناس كلاتها تحترمه وتهابه

 

كيف يا بوي وهما عارفين إن بوي جاتل وواد ليل !

 

.......ماحدش بيختار بوه يا ولدي, لكن جادر يختار سكة غير سكة بوه ويبجى احسن منيه....انت عامل ايه في المدرسة؟

 

مليح يا بوي, آنا شاطر والمدرسين كلاتهم بيحبوني

 

الحمدلله, خليك على كديه, شوف مستجبلك ودروسك ومالكش صالح بحاجة تاني, أما جوز عمتك آنا ليا صرفة معاه ..خد الفلوس ديه خليها معاك, لو عوزت حاجة اشتري منيها

 

آنا بكره الفلوس يا بوي, عشان الفلوس انت بعدت عنينا, ما عايزهاش

 

بس يا واه ما تبجاش خايب ومخبل كديه, الفلوس هي الجوة, هي المهابة, هي اللي هتخلي الناس تحترمك...اسمع يا ولدي, انت عليك تتعلم ومالكش صالح بالفلوس, بوك هيعطيك كل الفلوس اللي يده تطولها

 

.....الفلوس اللي بتسرجها يا بوي؟

 

جولتلك بلاش حديت خايب ومالوش عازة, وديلواك روح على بيت عمتك سيدة عشان ما تتوغوش عليك,,جولها بوي بيسلم عليكِ وبيجولك كتر خيرك عشان مراعياني وسط ولادك

 

.....حاضر يا بوي

 

بالسلامة يا ولدي

 

الله يسلمك يا بوي

 

(مضى الغلام في طريقه واختفى الوالد كالشبح )

 

*********************************

(عاد إلى منزل عمته فألفى الباب مفتوحا على مصراعيه كالعادة ..كانت عمته تخبز أمام الموقد ...تبسمت حين رأته وقالت)

 

جيت يا مصطفى! حمدلله بسلامتك عاد يا ولدي

 

الله يسلمك يا عمتي

 

كنت مليح النهاردة في المدرسة؟

 

الحمدلله

 

تلاجيك جعان, كلها هبابة كديه أكون خلصت خابيز ويكونوا ولاد عمتك جم واغديكو سوا, عاملالك السبانخ اللي بتحبها عاد

 

ربنا ما يحرمنيش منيكِ يا عمتي

 

........مالك يا ولدي متكدر ليه كديه؟

 

جابلت بوي

 

(انتفضت العمة وقامت عن الموقد واتجهت إلى الغلام وقالت بدهشة)

 

جابلته وين؟

 

جريب من هنيه...لكن ما نضرتوش, كان متلتم بتلفيعته

 

وجالك ايه وجولتله ايه؟

 

جالي خلي بالك من دروسك وسلم على عمتك,وبيتشكرلك عشان مراعياني وسط ولادك

 

عليم الله انت كمان ولدي وحتة مني يا مصطفى

 

وانتِ امي يا عمتي وبحبك اكتر من الدنيا بحالها, انتِ اللي حنيتِ عليّ وخديتِ عنديكِ, أمي حتى ما بتسألش عليّ

 

......معلش يا ولدي, غصب عنيها, جوزها طبعه شاديد حبتين..وبعدين هو آنا معوزاك حاجة يا ولدي؟

 

لاه يا عمتي, ما معوزانيش حاجة, ولا عايز حاجة غيرك, حتى الفلوس اللي ابوي عطهالي ديّ ما عايزهاش

 

فلوس!

 

( هنا خرج زوج عمته من الغرفة مندفعاً يقول )

 

الفلوس ديّ آنا اللي هاخدها يا سيدة, وكفاية اني متحمل واد كيف الواد ديه اللي اهله رامينه, وما عارفش ميتى هنخلصوا من عيشته بيناتنا

 

شاهين, وبعدهالك عاد, كل يوم والتاني تسم بدن الواد كديه! هو انت كنت شايله فوج راسك يا واد الناس!

 

لاه ما شايلوش فوج راسي, شايله كيف الهم على جلبي, وكانه هو اللي هيخرب عليكِ يا سيدة, شوفيلك حل معاه الواد ديه, يا ترجعيه لامه, يا إما بوه ياجي ياخده يعيش معاه في الجبل

 

واه! اسيب الواد يتلف أمله ويضيع مستجبله! والله ما اسيبه لحد آخر يوم في عمري , هو خلاص, الرحمة اتعدمت من الجلوب ولا ايه! دي دنيا ايه ديّ اللي ماليها الديابة وما حد بيرحم حد !

 

هاها طب يا ام جلب كيف جلب الزرزور انتِ ...وين يا واه الفلوس اللي بوك عطاهالك ؟

 

اهم يا عم شاهين

 

هات,جبر يلمك

 

(احتضنت العمة ولد شقيقها وهي تقول)

 

بعد الشر عنيك, اسم الله يا ولدي....بجولك ايه يا شاهين, المال ديه مال حرام, ما يتصرفش منيه مليم عليّ  ولا على عيالي

 

بجولك ايه, اذا كانت فلوس خوكِ حرام, يبجى أي حاجة من ريحته حرام وأولهم ولده, لكن اطمني, ما هصرفش عليكِ منيهم, هنزل بيهم المركز واشتري جلاليب جاديدة وبلغة جاديدة وانزه روحي واخش السيما هناك واعيشلي يامين بعيد عن خلجتك العفشة يا اخت العفش هاها

 

(خرج من المنزل وهو يدس الفلوس بمحفظته ويضحك, بينما زوجته تحدجه بنظرات غضب )

 

**********************************

 

( في طريقه في أحد الأزقة الضيقة تفاجأ بذراع غليظ يتلف حول رقبته وسحبه خلف جدار,هلع وشخص بصره وكاد أن يتوقف قلبه رعباً..نظر إلى أعلى فإذ برجل ملثم تطل عيناه بنظراتها المخيفة التي أرعدت فرائصه, وسمع صوته الأجش يقول

 

 خبرايه يا شاهين يا جوز اختي, اتخلعت ولا ايه!

 

......خليل ابو جارحي!

 

هاها فاكرني أها, مليح عاد.

 

هو اللي زيك يتنسي يا زين الرجال! آآآآ خير يا ابو جارحي؟

 

 جاي احذرك انك تتعرض لولدي مصطفى بأذى ولا بكلمة تجرحه

 

آآآآهو الواد اشتكالك مني! آآآ الله يسامحك يا مصطفى يا ولدي, طب ليه كديه, دانا بحبك وبتعبرك زي عيالي

 

كفاك من حديت الحريم ديه يا محروج انت, ولدي ما بيكدبش, إياك اسمع منيه انك اتعديت عليه ولا على اختي سيدة بأذى, وإلا ما هيطلع عليك شمس و هيتم عيالك عاد

 

آآآآيا بوي,لاه ,لاه يا خليل يا خوي, دانا اشيلهم في عنيّ الجوز, دول من ريحة الغالي , هو آنا افديك الساعة  اعيش مع ولدك واختك في بيت واحد!

 

طيب, الحديت خلص, وعرفت نهايتك ايه لو خالفت الكلام, سلام يا شاهين

 

(انطلق خليل كالبرق بينما وضع شاهين يده على رقبته التي كادت أن تتمزق عروقها  وأخذ يسعل بشدة ثم قال)

 

غور الله لا يرجعك الباعيد, كان يوم ماطلعتلوش شمس يوم ما اتجوزت المحروجة اختك

 

************************************************

(على مائدة الغداء في قصره,كان صالح يجلس في المقعد الملاصق لزوجته وفي الجانب المقابل حياة, والتي كانت شاردة لا تقرب الطعام وذاهلة عما حولها , ورغم ملاحظة صابرين لذلك فلم تعر للأمر اهتمام واستمرت في مواصلة طعامها بشهية وسط اختلاس النظر إلى حياة بين الفينة والفينة دونما حديث..لاحظ صالح شرود حياة, فسألها؟

 

واه! ما بتاكليش ليه يا حياة؟ الوكل مش عاجبك؟

 

ها!..بتجول حاجة يا خوي؟

 

كانك شاردة باعيد يا بت بوي هاها ..سرحانة في ايه؟

 

هيكون في ايه بس يا خوي غير البنيتا! جلبي واجعني عليهم..يا ترى حالكم كيف يا حبايبي, جعانين ولا شبعانين, حزانى ولا فرحانين, وعالية الصغيرة مين بيوكلها ومين بيدفف عليها بس! عقلي هيشت مني , يا رب الصبر من عندك

 

جولتلك اطمني يا حياة, اتفجت آنا وكبارات النجع نتجابل يوم الخميس الجاي في مندرة العمدة بعد صلاة العشا إن شاء الله  , وكمان هيشيعوا لواد ابو الحجاج ويحكموهم بيناتنا في المجلس, وإن شاء الله هيحكموا عليه يرجعلك البنيتا

 

يارب يا خوي,يارب..كل اللي خايفة منيه انه ما يروحش المجلس ويعند

 

ما يجدرش, كامل عارف انه لو عمل كديه ما هيتعدش كابير ويسجط من نظر الكل, عشان كديه ما هيعملهاش

 

ربنا كبير وقادر يظهر الحق ويرجعلي بناتي ويجازي ولاد الحرام اللي تهموني ظلم

 

إن شاء الله يختي

 

( زفرت صابرين وهمت بترك المائدة دون استئذان, فقال لها صالح)

 

على فين يا صابرين؟

 

شبعت عاد..شبعت

 

طب مش هتشربي الشاي معانا؟

 

لاه. ما شرباش, هطلع ارتاح فوج

 

طيب, نادمي على نعمة وجوليلها تعمل تنين شاي

 

حاضر يا صالح, حاضر

 

(مشت وهي تغمغم متأففة ونادت على نعمة بصوت حاد ووجه عبوس )

 

بت يا نعمة, انتِ يا طارمة يللي ما بتسمعيش

 

نعمين يا ست صابرين

 

سوي تنين شاي لصالح بيه واخته, وبعدها لمي الصحون واغسليهم ونضفي المكان

 

على عيني حاضر يا ست صابرين

 

(صعدت الدرج تصحبها نظرات حياة المندهشة من تصرفاتها ..قالت لأخيها)

 

ما عايزاش اتجل على مرتك يا صالح, دي برديك عروسة ومن حجها تتهنى بحياةها الجاديدة من غير ما حد ينغص عليها عيشتها

 

......جالتلك حاجة ضايجتك؟

 

لاه يا خوي, لاه, دي زينة ومليحة الله يصلح حالها, بس انت خابر طبعي زين, طول عمري ما حبش اكون تاجيلة على حد, عشان كديه عايزاك تشتريلي بيت ولو صغير اعيش فيه مع بناتي, آنا هبيع حتة أرض من أرضياتي واعطيك تمنهم عشان البيت وتجهيزه

 

ايه الكلام اللي عم تجوليه ديه! ومين جال اني ههملك تعيشي لحالك انتِ والبنيتا! طب يمين بالله..........

 

لاه يا صالح, اوعاك تحلف ابوس يدك, سيبني على راحتي يا خوي الله يرضى عنيك, وعشان تكون مطمن علينا, اشتريلنا بيت جريب منيك, وتبجى في الروحة والجاية تعدي تطمن عليّ وع البنيتا

 

أوف.نأجلوا الحديت ديلواك .نخلصوا الأول من حكاية كامل ونرجعلك البنيتا, وبعدها يحلها ربنا

 

*******************************************

بعد احتساء الشاي مع شقيقته,صعد صالح إلى غرفته, فألفا زوجته تتزين أمام المرآة ,فابتسم واثنى عليها قائلاً

 

بسم الله,تبارك الله, ايه الجمال ديه يا ست الحسن

 

هاها مليحة صُح يا صالح؟

 

يعني ما وعياش لروحك يا صابرين! هاها

 

واعية, بس احب اسمع الكلام المليح منيك يا صالح

 

واه! وآنا عمري حرمتك من الكلام المليح يا حبيبتي !

 

ابدا يا صالح, ديما كلامك مليح وبتضحك في وشي ومحلي دنيتي بافعالك

 

طب مادام انتِ عارفة كدي ومجدرة محبتي ليكِ, يبجى تحسني معاملتك مع اختي وتسمعيها كلام مليح

 

أوف, هي اشتكت مني عشان توجع بيناتنا يا صالح! ادي اللي آنا كنت خايفة منيه عاد, اهي بدت شغل اخوات الجوز وكانها ما هترتاح إلا اما اطلج زييها والسرايا تفضى ليها هي وبناتها

 

صابرين, إلزمي حدك وما تنطجيش بكلام احاسبك عليه, اختي لا اشتكت ولا جابت سيرتك, ربنا عالم كد ايه بتدافع عنيكِ وما بتجولِش في حجك غير كل مليح, كفاها اللي هي فيه وارحميها

 

اوف, ربنا يلمها على خير الأيام الجاية يا صالح

 

(لمح صالح جيد زوجته فوجده يخلو من العقد الذهبي الذي أهداه إياها ولم ينتبه لذلك من قبل لانشغال فكره باخته....فسألها )

 

وين العجد يا صابرين ؟

 

آآآآعجد! عجد ايه؟

 

العجد اللي ديما لابساه من يوم ما هديتك بيه, وحتى الغوايش مالابساهومش, ولا حتى الخواتم والأساور اللي كانت مبعترة هنيه وهنيه

 

آآآ شيلاهم في الشكمجية

 

......... ايش عجب؟

 

آآآبداً, زهجت منيهم

 

ممم طيب

 

( عمد إلى الخزانة وكأنه أراد أن يتيقن من وجود الشكمجية ....فتح فلم يجدها في مكانها المعتاد ..استدار مقطباً الجبين وسألها بصوت أجش)

 

دسيتِ الدهبات وين يا صابرين وليه؟

 

آآآآآ واه يا صالح! وهدسهم ليه آنا! دهباتي وشيلاهم

 

شايلاهم ولا خافياهم عشان ماحدش يعرف مُطرحهم؟

 

..............................................................

 

وين الدهبات يا صابرين انطجي

 

يا بوووي, عند امي يا صالح

 

........وودتيهم عند امك ليه؟ وجولتيلها ايه؟ جولتليها هدسهم عندك وإلا حياة تسرجهم؟

 

آآآآآلاه, لاه, شوف انت بجى اللي ظنك عفش كيف يا صالح! آنا خوفت للحرامي اللي سرج الحاجة فايجة يغافلنا ويسرج سرايتنا, حتى نسيت اجول لحياة تدس دهباتها هي التانية

 

......صابرين, هي كلمة وما هعيدهاش, الصبح تروحي لامك تاجيبي الدهبات من عنديها وترجعي طوالي, وإياك مرة تانية تتصرفي بغير إذني

 

(استشاطت صابرين غضباً وحدجت زوجها بنظرة ملتهبة وهرعت إلى فراشها واستلقت وغطت وجهها وهي تغمغم بسب حياة ...أخدت تفكر طوال الليل في الأمر حتى قررت أمر ما  )

 

************************************

 

(عند منتصف الليل, تخفت صفية في زي الرجال وصعدت الجبل وسط عواء الذئاب, وقبل أن تصل إلى فوهة الجبل صعقتها طلقات نارية تضرب فوق رأسها فصرخت ونادت بصوت ارتد صداه في الأرجاء مدوياً)

 

بدران, بعد رجالتك عني يا بدران

 

سمع الجميع صوت امرأة فبهتوا وشدهت أفواهم..أنكرها الجميع إلا سعداوي الذي جحظت عيناه وقال بصوت خافت( الحرمة الدكر) و بدران الذي قال لرجاله

 

دي مرسال مشيعهولي ناس من النجع..تعالي يا مرة انتِ ..وسعوا الطريج يا رجالة

 

(تفرق جمع الرجال وأفسحوا الطريق لها, فشقت طريقها إلى داخل كهف الجبل وسط دهشة الجميع وانزعاجهم ,فبدأوا يتحدثون عن هذا الأمر فيما بينهم ...فقال أحدهم

 

ايه اللي عم يحصل ديه يا رجالة الجبل! كيف الحرمة ديّ وصلت لهنيه ومين دلها ع الطريج؟

 

ما خابرش آنا حرمة ايه ديه اللي ما تخاف من ناب ديب يرشج في لحمها ولا جرصة طريشة, مين مشيعها؟ وتعرف الريس بدران من وين ورايدة منيه ايه؟

 

والله خايف تكون جارة الحاكومة وراها ونروحوا في داهية بسببها بت المحروج ديّ

 

عايزين منينا ايه الحريم, فوتنالهم النجع بللي فيه, طالعين الجبل ورانا ليه! والله جلبي ما مطمن للحرمة ديّ

 

( التفت إليهم خليل الجارحي وقال)

 

كفاكم يا رجالة, خبر ايه! الريس بدران جالكم إنها مرسال مشيعينه ناس من النجع, ومدام الريس بدران جال كديه, يبجى في خير جاي من وراها, وكفاكم من الحديت الماصخ, كل واحد يروح يشوف حاله

 

أمرك يا ريس خليل

 

(قال لهم خليل ذلك ليهدأ من روعهم, أما عنه فلم يكن يشعر بالارتياح من الأمر وقال في نفسه....أكيد دي أخته صاحبة جلب الديب.يا ترى اختك جاتك ليه يا بدران, عايزاك تجتل مين تاني...هتودينا معاك على وين يا بدران!!..نستنظروه لحد ما يخلص حديت معاها...يا ترى هيجولي الحجيجة ولا هينكر!)

********************************

(جلس بدران إلى أخته والشرر يتطاير من عينيه وقال بصوت أجش)

 

ايه طلعك الجبل تاني يا صفية! مش جولتلك ما تخطيش برجلك هنيه تاني, ولا كانك عايزة تهزي هيبتي بين الرجال!

 

ما عاش اللي يهز هيبتك يا خوي, الأمر اتحتم, ما بيديش يا بدران

 

عايزة ايه يا صفية

 

حاجة واحدة بس عشان السكة تخلالنا يا واد بوي, واحدة لازم نخلصوا منيها

 

واحدة !...تجصدي مرة يعني؟

 

ايوة مرة

 

يا بووووي! تجصدي مين؟

 

..............حياة

 

حياة بت الحاج زيدان! ....طب ليه؟ هو مش كامل طلجها والسكة خليتلك؟

 

لاه, ما عايزهاش في النجع, ما عايزهاش في الدنيا واصل, وجودها ممكن يخلي كامل جلبه يحن, خصوصي ان اخته المحروجة جميلة في صفها , وكمان ناس كاتير في النجع ما مصدجينش, وسمعت ان خوها صالح ناوي يجمع كبارات النجع في مجلس عند العمدة يوم الخميس بعد صلاة العشا, وجلبي حاسس انهم لو اجمتعوا هيصلحوهم , ومش باعيد أمري يتكشف والنجع كلاته يتجلب عليّ, عشان كديه عايزين نخلصوا منيها جبل يوم الخميس....تخطفها وتجتلها...لكن ما عايزاش النجع يعرف ان سبب غيابها جتل

 

اومال رايداهم يعرفوا ان سبب غيابها ايه عاد؟

 

انها طفشت مع راجل غريب, وبكده العار يطولها ويطول اللي يدافع عنيها, والناس بدل ما تجول بريئة, تجول خاطية وملعونة, واللي هيشهد عليها نعمة بذات نفسيها, آنا مرتبة كل حاجة, هتخطفهم التنين وتجيبهم هنيه, وآنا بنفسي هطلع الجبل عشان اصفي حسابي معاهم وكماني أودع حياة هاها دي برديك زي اختي وجتلها يحز في نفسي ..ووجتها صالح خوها المتعالي بنسبه وأصله يطاطي راسه بين الخلج ,ويهج ويسيب النجع والعار اللي ملاحجه

 

يا بوووووي! انتِ ايه! حرمة من لحم ودم ولا شيطان رجيم ؟

 

هاها آنا !! الله يسامحك عاد يا بدران يا واد بوي, دانا غلبانة وما فيش اطيب من جلبي

 

جلبك! جلبك ديه جلب ديب, أفعالك أفعال شيطان,عنيكِ عين صجر, كيف الدواودي ما لكيش آمان, الدوادي تأذي بسمها حتى اللي ما جاش في سكتها ولا داسلها على طرف, لكن حظه العفش اللي رماه في سكتها

 

هاها والله كانك ظالم اختك..خلينا في حديتنا عاد, وديلواك  أجولك هتنفذ ميتى

 

لو نفذت نصيبي هيكبر, ما هرضاش بللي ترمهولي يا صفية, هاخد نص اللي تتحكمي عليه

 

هاها وماله يا خوي, هو اللي هتحكم عليه شويّ! ده مال كاتير ماله حصر

 

لكن لو نفذتلك ديه كلاته وفي الاخر ما وصلتنيش للي منيتي نفسي بيه ..هجتلك يا صفية كيف ما سبج وجولتلك

 

ما تخافش يا خوي, نفذ بس وما هتندمش. نتفجوا على يوم التنفيذ

 

عايزاه ميتى؟

 

جولتلك المجلس يوم الخميس في مندرة العمدة بعد العشا...الخميس الصبح تكون حياة ونعمة هنيه في الجبل

 

اتفجنا عاد

 

هاها تعيش يا ريس بدران

 

( غادرت صفية الجبل بعد اتفاقها الآثم مع أخيها ...جلس شارداً يفكر, دخل عليه خليل فلم ينتبه, نظر إليه هنيهة ثم قال )

 

كان الحكاية اللي جاتك فيها اختك واعرة يا كابير

 

ها! خليل! اجعد يا خليل , عايزك في كلمتين

 

 أمرك يا كابيرنا

 

الحكاية المرة ديّ ما ينفعش اعملها لحالي , عايزك معاي انت وسعداوي

 

رجبتي يا كابير, كلنا رجالتك ورهن إشارة من صوبعك الصغير

 

تعيش يا بو جارحي ......هنخطفوا حرمتين ونجتلوا واحدة منيهم

 

(انتفض خليل وانتصب واقفاً وقد بدا الغضب على ملامحه)

 

خبر ايه يا كابيرنا! من ميتى احنا بنمدوا يدنا ع الحريم!

 

(قطب بدران جبينه وصرخ في خليل )

 

ومن ميتى صوتك بيترفع عليّ يا بو جارحي! نسيت نفسك اياك !

 

.....ما تآخذنيش يا ريس بدران, آنا بس عايز اجول ان ديّ مش عوايد رجالة الجبل, لا نمدوا يدنا على حرمة ولا عيل صغير ولا شيخ كابير

 

سيبك من الحديت الماصخ اللي كانّه هيخلينا طول عمرنا في الجبل ما نشوف النور ابدا, إذا كان المصلحة في جتل حرمة يبجى خلاص, نجتلوها ونتغرجوا في دمها كماني, المصلحة اللي بتحكم يا خليل, وآنا اخترتك انت تكون جنبي عشان انت دراعي اليامين وأخلص رجالتي...جولت ايه؟

 

في ضهرك يا كابير وأمرك على راسي , ولو جولت لي ارمي روحك في النار هرمي وآنا عارف ان ديه في مصلحتي

 

هاها الفين براوة عليك يا بو جارحي, نادم على سعداوي عشان الحديت يكون جدامه

 

أمرك يا كابير

 

( ذهب ونادى على سعداوي الذي جاء مهرولاً, وجلسوا إلى كبيرهم يخططون )

 

************************************

(بعد أن خرج صالح باكراً إلى أشغاله,أسرعت صابرين إلى الخزانة وقد التقطت بعض القطع من ملابسها ووضعتهم في حقيبة صغيرة وقد عقدت العزم على الذهاب إلى منزل والدتها لبعض الوقت عسى صالح يعرف قيمتها وينزل على رغبتها في ترك المصاغ لدى والدتها ولا يجبرها على أمر لا ترضاه, خرجت خلسة فلم يشعر بها أحد وعمدت إلى بيت والدتها التي شهقت حين رأتها تحمل حقيبتها وتقول)

 

إصباح الخير يا امّا

 

خير ايه عاد وانتِ جاياني بشنطتك! في ايه يا صابرين؟ زعلتِ ويا صالح؟ آنا جلبي كان حاسس ان حكاية دهباتك ديّ ما هتجيش لبر, فوتِ بيتك ليه؟

 

يا مرك يا صابرين, يا امّا اصبري يا امّا, اصبري الجط نفسي اللي اتجطع من المشوار ديه

 

اديني صبرت يا خلف الشوم, جولي ايه اللي جابك ديلواك؟

 

صالح رايدني اجيب الدهبات من عنديكِ بالجوة , واتعارك معاي وصوته علي, وآنا يا امّا ما اتعودتش حد يجبرني على حاجة ما رايدهاش, ماله هو اشيل الدهبات وين! هما مش دهباتي! ولا هو ناسي ان بوي جايبلي دهبات جبل ما زماني يبليني بيه !

 

اخرسي يا بت, اخرسي يللي كانك ما هترتاحي إلا اما تخربي على روحك وتجعدي جنبي, ياجوا ايه الدهبات اللي بوكِ جابهوملك جنب دهبات صالح اللي يسدوا عين الشمس, صالح اللي اما اتجوزك تجل ميزانك بين الحريم يا عديمة المجام, جاية ديلواك تبدي الدهب عليه وعلى عشرته يا خسيسة انتِ

 

واه واه واه! خبر ايه يا امّا, انتِ امي ولا مرت بوي عاد! حد يجول على بته كديه!

 

اجول واجول واحرجك بالنار كمان لما عقلك يخيب وتفكري بجلة أصل, اومال امك كيف لما ما افوجكيش من غفلتك وابعد عنيكِ شيطانك اللي نازل على ودانك وز, اسمعي يا صابرين, صالح واد الحاج زيدان لو ضيعتيه من يدك ما هتعوضيهوش وتعضي يدك ندم بعد فوات الآوان, خليكِ جنب جوزك, دفدفي عليه وجوليله كلام مليح يحسسه بحنيتك, ما تخليهوش يندم انه اختارك

 

يا امّا مين جالك بس إني ما ريداش صالح! آنا رايداه يا امّا وباجية عليه, بس ما حباش انه يفرض عليّ حاجة ما ريداهاش..يامين تلاتة كدة عنديكِ لحد ما يعرف بجيمتي وياجي ياخدني, ويا دار ما دخلك شر

 

.......والله كانك انتِ اللي فاتحة الدار للشر ..ربنا يلمها على خير عاد

 

****************************************

 

( بعد صلاة العصر عاد صالح, فألفى أخته شاردة في البهو, فألقى عليها السلام )

 

السلام عليكم

 

عليكم السلام ورحمة الله, يا مُرحب يا صالح

 

مرحب بيكِ عاد يا حياة..مليحة؟

 

......مليحة الحمدلله

 

وينها صابرين؟

 

ما عارفاش والله يا صالح, من الصبح ما بانتش

 

واه! راحت وين عاد؟

 

الله أعلم, يمكن تكون راحت تزور امها ولا حاجة

 

(ابتلع صالح غصة في نفسها ولم يبدها, إذ كيف تتأخر  زوجته حتى الآن غير آبهة بموعد عودته..أم أنها أضمرت أمر ما...حاول الابتسام والانتقال إلى حديث آخر وقال)

 

اومال وينها نعمة؟

 

بتسوي الوكل عاد, زمانها خلصت, هروح أنادم عليها عشان تغرف الوكل ونتغدوا سوا

 

لاه, اتغدي انتِ بألف هنا, آنا رايح مشوار كديه وراجع

 

على وين يا صالح؟

 

مشوار كديه ومش هتأخر عاد إن شاء الله

 

(خرج صالح مسرعاً قاصداً بيت والدة صابرين, بينما خرجت نعمة على صوت الباب يغلق, فسألت حياة؟

 

هو مش صالح بيه اللي كان هنيه؟

 

ايوة . كان هنيه وخرج

 

واه! هو جاي في ايه وماشي في ايه!

 

ماجالش والله يا نعمة

 

ممم يمكن زعل عشان مالجاش الست صابرين؟

 

حاجة تخصهم يا نعمة مالناش صالح بيهم , عايزين نجعدوا هنيه خرس وطرم وما نتدخلش بيناتهم اللي يرضى عنيكِ

 

هاها حجك عليّ يا ست الناس, اغرفلك الوكل؟

 

وكل ايه بس يا نعمة! آما ياجي صالح ومرته

 

طيب يا ست حياة, على راحتك عاد

 

******************************************

 

( عند باب منزل والدة زوجته, وقف صالح ودق الباب,فتحت والدة زوجته, وبدا عليها الارتباك وهي تقول)

 

صالح! يا مُرحب يا ولدي, اتفضل

 

كيفك يا خالة رتيبة

 

مليحة يا ولدي, مليحة الحمدلله, اجعد يا ولدي

 

توشكري, وينها صابرين؟

 

آآآآ صابرين جوا

 

(خرجت صابرين وقالت بتحدي)

 

آنا أها يا صالح

 

وايه اللي مجعدك لحد ديلواك عند امك! ما عاودتيش السرايا ليه؟

 

(قبل أن تجيب سبقتها أمها وقالت)

 

معلش يا ولدي, هي جت وجالت يا امّا هاتي الدهبات عشان أعاود السرايا, روحت اجيبهوملها من الدولاب جومت اتكفيت على وشي, وركابي وجعوني باعيد عنيك وما كنتش جادرة اجف عليهم, لولا صابرين اللي يكرمها خدت بيدي وجومتني من الأرض, وعشان كديه ما رضتش تهملني لحالي, وخصوصي خواتها مش هنيه

 

ألف سلامة عليكِ يا خالة رتيبة, طيب كيفك ديلواك؟ اشيع اجيبلك داكتور؟

 

لاه, لاه يا ولدي كتر خيرك, آنا بجيت مليحة, استني هدخل اجيبلك الدهبات

 

(اعترضت صابرين طريق والدتها وقالت بصوت خافت  (لاه يا امّا لاه) دفعتها والدتها وقالت بضيق,بعدي عني....بهتت صابرين ولم تنبث ببنت شفه وألصقت نظرها بالأرض, سرعان ما عادت والدتها مبتسمة تحمل شكمجية الذهب, أعطتها لصالح وقالت)

 

الدهبات أهم يا ولدي, الله يزيدك من نعميه, وتعيش وتجيبلها

 

تعيشي يا خالة, يلا يا صابرين

 

يا ولدي معلش, استسمحك تسيب صابرين يامين كدة عشان كانّي برديك حاسة بوجع في رجلي ومحتاجاها

 

طيب ما آنا جولتلك اشيع اجيبلك داكتور يا خالة مدام لساكِ تعبانة

 

لاه لاه, الحكاية مش مستحجة, يامين كدة وهبجى مليحة وأجيبلك صابرين لحد باب السرايا

 

طيب يا خالة ..خلي بالك من امك يا صابرين, وخدي الجرشينات دول خليهم معاكِ يمكن تعوزوا حاجة

 

طيب, كتر خيرك يا صالح

 

آنا ماشي ومستنيكِ في السرايا بعد يامين...ما عايزاش حاجة يا خالة رتيبة ؟

 

عايزاك طيب يا ولدي, الله يرضى عنيك, بالسلامة يا حبة جلبي

 

(طوى الشكمجية في ملفعته وخرج وأغلق الباب خلفه, فثارت صابرين على والداتها وقالت معنفة إياها)

 

ايه اللي عملتيه ديه يا امّا! كيف تعطيه الدهبات من غير إذني!

 

اخرسي يا بت, وطي حسك وانتِ بتكلميني, خبر ايه! هتعملي زي صفية ما بتعمل مع امها وسيرتها على لسان النجع كلاته وبينضرب بيها المثل في جلة الرباية! اياكِ تاني مرة صوتك يطلع في وجودي وإلا هتلاجي كفي على وشك واتبرا منك ليوم الدين, واجول لا بتي ولا اعرفها

 

حجك على راسي يا امّا, راسك ابوسها, يا امّا آنا بعمل كديه للمصلحة, خايفة على دهباتي لحياة تسرجهم, ووجتها صالح هيجول عليّ كدابة واخته هي الأمينة, ودهباتي يروحوا مني

 

يا بوووي, يجطع الدهب والمال اللي ياجي من وراه خراب البيوت..لايميها يا صابرين وبلاش منيها عمايلك اللي هتضيع منك الراجل الطيب ديه, خليكِ معاه ع الحلوة والمرة عشان يشيلهالك جاميلة فوج راسه, اوعي تعامليه بطبعك العفش وإلا جلبه يجسى عليكِ وما يبجالكيش غلاوة عنديه..ويمين بالله يا صابرين لو ما اتعدلتِ لشيع اجيب عمامك وخوالك واجيب خوانك الرجالة من مصر يتصرفوا معاكِ

 

واه! وعلى ايه ديه كلاته! خلاص يا امّا,خلاص, فضيناها سيرة عاد, يامين وهرجع السرايا, يمكن تكون حياة غارت منيها

 

*****************************************

 

(عاد صالح إلى القصر وكانت حياة في انتظاره,سألته)

 

ايه يا صالح, روحت وين ؟

 

روحت اجيب صابرين من عند امها, لكن لجيت امها عيانة وهي هتجعد جنبيها يامين وتعاود

 

...........صالح, جول الصراحة...صابرين سابت السرايا عشان آنا موجودة فيها ؟

 

ايه اللي عم تجوليه ديه بس! طب والله امها عيانة وهي اللي استسمحتني ان صابرين تجعد جنبيها, وآنا بصراحة اتحرجت اجولها لاه

 

ممم عنديها ايه بعد الشر؟

 

وجعت على ركابها وواجعينها

 

سلامتها الف سلامة, هبجى اخد نعمة ونزورها عاد

 

ما يفوتكيش واجب يا حياة

 

لا واجب ولا حاجة , احنا أهل ...اخلي نعمة تغرفلك؟

 

انتِ اتغديتِ؟

 

لاه, كنت مستنياك انت وصابرين

 

طيب, خليها تغرف عشان نلحجوا ناكلوا قبل صلاة المغرب

 

حاضر يا خوي ...نعمة, حطي الوكل يا نعمة

 

*************************************

(بعد غياب عن القرية عاد السيد سلام إلى قصره, استقبله شقيقه عزت بالأحضان والأشواق

 

حمدالله بسلامتك عاد يا سلام يا خوي

 

الله يسلمك يا داكتور, كيفك يا عزت

 

تمام الحمدلله

 

خلصت بنا البيت والعيادة  ولا المجاول مغلبك؟

 

لاه, ماشي تمام, أها قرب يخلص وهنبتدوا طوالي في التوضيب والديكورات

 

الله يوفقك يا عزت

 

(كان الدكتور عزت ينظر إلى أخيه فيهم بقول شيء ثم يتراجع, ثم يخفض بصره, ويعيد النظر والهم بالحديث والتراجع مما لفت انتباه سلام, فقال باهتمام)

 

عايز تجول حاجة ولا ايه يا عزت؟

 

بصراحة عايز اجول, لكن حاسس الوجت مش مناسب, لساك جاي من سفر طويل ومحتاج راحة

 

لاه جول اللي عنديك يا خوي, كان الحكاية كابيرة وما تستناش

 

.........كامل طلج مرته وزعطها من السرايا

 

(انتفض سلام عن مقعده من هول ما سمع وعظمه على نفسه, فقال باندهاش وغضب

 

بتجول ايه! كامل طلج حياة ! ...ليه ؟

 

والله يا خوي حكاية ملخفنة كديه, متهمها في سرجة دهبات امه

 

بتجول ايه!...... انت واعي للحديت اللي بتجوله؟

 

ولا ما حد مصدج,بيجولوا صفية مرت الشاذلي نضرتها وهي بتخبي الساريجة, وكامل صدج وطلجها

 

 اتجن العويل ديه ولا انصاب في نفوخه عشان يسلم ودانه لمرة كيف صفية, جطع لسانه جبل ما يتهمها تهمة كيف ديّ. حياة! حياة تسرج! ست ستات النجع تسرج! كيف يجول كديه الحزين ديه وكيف يتجرأ ويطلجها ويزعطها من سرايته! ...حياة اللي ولاد الأكابر كانوا يتمنوا زمانهم يسعدهم وكل واحد ممني نفسه تبجى من نصيبه ! يااااااااااه يا حياة, يااااااه

 

( شرد سلام بذهنه وعاد إلى الخلف بذاكرته لأكثر من اثنى عشر عاماً ...حين دخل على والديه أثناء جلوسهما في شرفة القصر يحتسيان الشاي ويتبادلان الحديث..القى عليهما السلام

 

السلام عليكم

 

عليكم السلام يا ولدي

 

كيفك يا بوي

 

مليح الحمدلله ,يا مرحب يا ولدي, صبي لولدك شاي يا فاطمة

 

نصبله يا مطاوع , ما نصبلوش ليه, اجعد يا ولدي, اجعد, اتوحشنا الجعدة معاك, خد الشاي أها

 

تسلمي يا امّا.....آآآ بوي, آنا كنت عاوز اتحدت معاك في حكاية كديه

 

خير يا ولدي

 

......كنت عايز اتجوز

 

(نظر والداه إلى بعضهما البعض وانفجرا بالضحك, فتعجب وقال لهما)

 

آنا جولت حاجة غلط ولا ايه يا بوي!

 

غلط ايه يا ولدي! هو اللي عايز يعف نفسه يبحى غلطان! آنا وامك بنضحك عشان جبل ما تدخل بهبابة كانت بتجولي , عايزة اجوز سلام يا مطاوع, عايزة افرح بولدي الكابير, جوم انت دخلت جولت عايز اتجوز

 

هاها عشان كديه بجى, طيب تمام, اخطبلي بجى يا بوي اللي رايدها

 

ودي بت مين في النجع؟

 

حياة بت الحاج زيدان

 

هاها والله يا زين ما اخترت يا ولدي, نعم النسب, ايه جولك يا فاطمة؟

 

واه! هي حياة فيها جول! هو انا افديك الساعة اما تبجى مرت ولدي!أدب وأخلاج مافيش بعد كديه, بت أصول وتربية عالية وتختشي من خيالها, وكفاية انها بت نافيسة حبيبة النجع كلاته

 

هاها يعني انتو التنين رأيكو من رأيي, طيب الحمدلله, هنخطبها ميتى يا بوي؟

 

اصبر عليّ يا ولدي بعد ما اجي من الحج بإذن الله وبعدها نخطبهالك ونتتموا الجواز طوالي

 

طب وليه نستنوا بس يا بوي! ده الحج لسة باجي عليه سبوعين بحالهم, بجول يعني لو نتكلموا عليها بس ونربطوا مع بوها حديت ولما تعاود نتمموا كل حاجة

 

واه! يا ولدي الصبر يا ولدي, الحكاية ما تاجيش كديه, يعني لما نطلبوها ونتفجوا لازم نعزموا الناس وندبحوا  الدبايح ونننزلوا المركز نجيبوا الشبكة والشوار , والحكاوي دي ما فاضيهاش ديلواك, نأجلوا لبعد الحج إن شاء الله وبعدها نتمموا كل شيء دفعة واحدة

 

......أمرك يا بوي ...بالإذن

 

إذنك معاك يا ولدي

 

ليه كديه يا مطاوع كسرت بخاطر الواد, كنت اتكلمتله ع البت وريحت جلبه

 

يا فاطمة الصابرين بخير

 

يا بوووي, إنت كديه على طول يا مطاوع, صبرك صبر الجمال

 

هاها هنجوزوهاله يا فاطمة ونريحوا جلبه, كله بأوانه..آنا واحد من خلق الله ما احبش اعمل شيء إلا اما انهيه وبعدها نفكروا في شيء تاني, وآنا ديلواك بجهز حالي للحج, بعدها إن شاء الله اجهز ولدي للجواز

 

ربنا يسهل الحال عاد يا مطاوع

 

(وبعد عودة والده من الحج اصطحب سلام والده الحاج مطاوع إلى قصر الحاج زيدان لخطبة ابنته, جلس إليهما مرحباً)

 

يا مرحب يا مطاوع يا خوي, حج مبرور وذنب مغفور إن شاء الله وعجبال العودة

 

آمين يا زيدان يا خوي, مش ناوي تحج تاني ؟

 

هاها جصدك تالت إن شاء الله, ربنا يجدرنا عاد...كيفك يا سلام يا ولدي وكيفه الشغل معاك؟

 

الحمدلله يا عمي زيدان, شغال بين هنيه وبين مصر

 

هاها كانك حبيت بحري وبتاغيب هناك كاتير وفي الاخر هتتجوز بحراوية

 

لاه يا عمي لاه, آنا هتجوز من هنيه إن شاء الله , ما تتكلم يا بوي الله يرضى عنيك

 

هاها بجول ايه يا زيدان يا خوي, عايزين نناسبك عاد وناخدوا حياة بتك لولدي سلام

 

....حياة! والله كان على عيني يا خوي, حياة خطبها كامل واد ابو الحجاج السابوع اللي فات وبكرة هنشتروا شبكتها

 

(وجم سلام وتسلل الحزن إلى قلبه,فأطرق رأسه..نظر إليه والده مشفقاً,ثم استطرد كلامه مع الحاج زيدان )

 

على البركة يا خوي, ربنا يتتم بخير عاد

 

اوعاك تكون زعلت يا مطاوع

 

نزعلوا كيف! كامل ولدي تمام كيف سلام, وحياة بتي ونتمنولها الخير مع اللي نصيبها اتحتم معاه ..مبارك عليكو

 

الله يبارك فيك يا خوي...عجبالك يا سلام يا ولدي

 

.....تعيش يا عمي زيدان...يلا يا بوي عشان نلحجوا صلاة العشا

 

طيب يا ولدي

 

(بعد عودة سلام إلى القصر,دخل إلى غرفته حزيناً واجماً فهرعت خلفه والدته والتي علمت كل شيء من والده...دخلت فألفته جالساً على مقعد وقد وضع كفه على رأسه مهموماً..فتألم فؤادها لحال ولدها, فاقتربت شيئاُ فشيئاً وقلبت رأسه وقالت في حنو )

 

معلش يا ولدي, مجدر ومكتوب عاد, لو كانت من نصيبك ما كانش حد خدها غيرك

 

بوي السبب يا امّا, فيها ايه يعني لو كان اتكلم عليها جبل ما يروح يحج!

 

معلش يا ولدي, بوك ما كانش يجصد, والدليل على كديه انه اول ما عاود خدك عشان يطلبهالك

 

بعد ايه يا امّا! بعد ايه! خلاص...خدها كامل واد ابو الحجاج

 

سلام..حياة مش من نصيبك وراحت للي ربنا كاتبهولها..انساها يا ولدي وما تفكرش فيها

 

افكر فيها بعد ما بجت لغيري يا امّا! استغفر الله العظيم, لاه يا امّا, حياة من ديلواك اختي..الله يهنيها مع كامل

 

(غرق سلام في يم ذكرياته القديمة, فما أخرجه منه إلا صوت شقيقه وهو يقول )

 

بجالي كاتير بكلمك وانت سرحان يا خوي, سرحان في ايه عاد؟

 

ها! لاه لاه, مافيش حاجة يا عزت

 

طيب مش هتروح لكامل تشوف حكايته ايه وتسمع منيه؟

 

لاه..آنا هروح لصالح في الاول اعرف منيه ايه الحكاية

 

على العموم, كبارات النجع بكرة إن شاء الله  هيتجمعوا كلاتهم في مجلس العمدة بعد صلاة العشا إن شاء الله بخصوص الحكاية ديّ...هتروح؟

 

طبعاً هروح, اومال ايه! وهناك كل شيء هيبان , وحياة هتتبرأ من التهمة ديّ..وبعدها ما ههملهاش تاني للي ما يعرفوش جيمتها

 

********************************

كانت إلى جانب القصر مختبئة خلف أحد الأسوار ترقب خروج صالح إلى أشغاله وتجارته..سيدة غريبة لم يرها أحد من قبل,ملثمة بوشاحها الأسود...تخرج رأسها كالحية وتشرأب بعنقها صوب باب القصر, وما أن خرج صالح وأصبح القصر خالياً إلا من حياة وخادمتها صفية, انطلقت كالإعصار الأسود صوب باب القصر ودقت الأجراس وقد كشفت عن وجهها .....هرعت نعمة لفتح الباب...تفاجئت بالمرأة الغريبة والذي كان وجهها لا يبعث الارتياح في النفس, انقبضت نعمة وسألتها

 

انتِ مين يا مرة انتِ ؟

 

مرسال للست حياة

 

...مرسال من مين؟

 

من الست رتيبة ام الست  صابرين ؟

 

ام الست صابرين !...خير ؟

 

واه! يا مرة انتِ ما تجوليلها زي ما بجولك, خلصيني عايزة اروح لعيالي

 

طيب ادخلي على ما اجولها

 

(دلفت المرأة ذات الوجه المقبض إلى القصر..جلست في انتظار السيدة حياة, والتي صعدت نعمة إلى غرفتها لتخبرها بما حدث)

 

ست حياة, في مرة مشيعاها أم الست صابرين مرت خوكِ وعايزاكِ تحت

 

......أم صابرين!....مشيعاها ليه؟

 

ما جالتش يا ست, كل اللي جالته إنها مرسال من عنديها, بس كانها مرة غريبة عن النجع, ما شوفتهاش جبل كديه

 

طيب يا نعمة, انزلي جدميلها حاجة تشربها وآنا هحصلك عاد

 

حاجة تشربها ايه بس! مش لما نشوف جاية في خير ولا شر ديّ

 

واه! شر ايه عاد! ربنا ما يجيب شر يا نعمة, دي ضيفة عندينا, والضيف لازم ياخد واجب الضيافة..انزلي عاد اعملي اللي جولتلك عليه وآنا هلبس واحصلك

 

أمرك يا ست  عاد, هجول ايه!

 

*******************************

( نزلت حياة بعد قليل  فألفت المرأة تحتسي كوباً من شراب بارد, لمحتها المرأة فقامت عن المقعد وتصنعت ابتسامة وقالت)

 

لازم انتِ الست حياة

 

ايوة آنا, انتِ مشيعاكِ الخالة رتيبة؟

 

ايوة عاد, آنا نجية, من نجع ابو مسالم جنبيكو, وادي جرابة من باعيد  للست رتيبة

 

يا مرحب, خير؟

 

مش خير ابدأ يا ست

 

نعوذ بالله, حُصل ايه؟

 

الست صابرين راسها وألف سيف عايزة تطلق من صالح بيه بسببك

 

اعوذ بالله ! بسببي آنا ؟

 

ايوة, لكن امها مش مطوعاها, عشان كديه لمت خلجاتها وراسها وألف سيف تنزل لاخوانها في مصر تجعد عنديهم لغاية ما يطلجوها من خوكِ صالح بيه عاد؟

 

......لا حول ولا قوة إلا بالله ! طب وعايزة تطلج بسببي ليه بس؟

 

والله يا ست ما خابراش, بس سمعت كدة حديت ما فاهماهوش, بتجولها يا امّا, طول ما حياة في السرايا آنا ما داخلهاش , وخلي صالح يشبع باخته وكفاية عليه هي عاد

 

.......صابرين جالت كديه؟

 

ايوة يا ست, لكن أمها ما سكتتلهاش, وجالتلها حرام عليكِ تخربي بيتك بيدك, وإذا كان على حياة نمشوها من السرايا عشان تعمر, لكن هي أبداً ما سمعاش الكلام, واتفجت مع عربية خصوصي تاخدها على مصر, عشان كديه الست رتيبة جالتلي اجري ع الست حياة يا بت يا نجية وجوليلها تستنانا هي ونعمة ع الطريج عشان نمنعوا صابرين تسافر جبل ما صالح يدرى وتبجى واجعة ما تتلمش عاد..يلا يا ست الله يرضى عنيكِ وإلا بيت خوكِ هيتخرب بعد الشر

 

لا حول ولا قوة إلا بالله ..آنا كان جلبي حاسس إنها فايتة السرايا بسببي..استني, آنا هطلع البس خلجاتي آنا ونعمة وناجي معاكِ, وإن شاء الله نمنعوها

 

فيكِ الخير يا ست , بس بالعجل الله يرضى عنيكِ خلينا نلحجوها

 

( نادت حياة على نعمة واندفعت تصعد الدرج مثقلة بهمومها وأسرعت خلفها نعمة, دلفت إلى الغرفة وتبعتها نعمة وهي تسأل )

 

خير يا ست

 

مش جولتلك يا نعمة ان صابرين فايتة السرايا بسببي! اهي ديلواك عايزة تطلج من صالح ولمت خلجاتها ورايحة عند خوانها في مصر

 

يا مري! وليه كديه! يعني هي عايزة خوكِ يرميكِ في الشارع! هو خلاص مافيش رحمة! خليها تغور في داهية, والله صالح بيه ما كان له الجواز منيها

 

انتِ بتجولي ايه عاد يا نعمة! آنا ما ههملش خوي يطلج مرته بسببي, آنا ديلواك هاخدك ونستنوا العربية اللي راكباها ع الطريج وهجولها خلاص يختي, ارجعي السرايا وما هتلاجنيش فيها

 

(انخرطت حياة في البكاء, فرقت نعمة لحالها وذرفت دمعة واحتضنتها وقالت

 

يا عيني عليكِ يا ست حياة, والله ما بيديش احوش عنيكِ الهم ديه, الله يجازي اللي كانوا السبب عاد وطلعوكِ من سرايتك غدر وخلوكِ تحت رحمة مرة كيف صابرين ديّ اللي ما عارفاش ادعي عليها ولا اجول ايه

 

لاه يا نعمة, ما تدعيش عليها , الله يهديها ويصلح حالها, يلا عشان نلحجوها, وبعدها ناجي نلم خلجاتنا ونروح عند اي حد من جرايبي لحد ما اشترى دار جاديدة اعيش فيها مع بناتي, لا نضايجوا حد ولا حد يطلج بسببنا, يلا يا نعمة همي الله يرضى عنيكِ

 

.....أمرك يا ست

 

**********************************

ارتدت حياة عبائتها السوداء وتوشحت بشالها الأسود وكذا فعلت نعمة وهرعا إلى الطريق المهجور بصحبة المرأة الغريبة..كانت السيارة متوارية خلف الأشجار, فما أن ظهرت حياة ونعمة حتى خرجت السيارة على الطريق.فاستدارت المرأة المقبضة إلى حياة وقالت, العربية أها يا ست, وطفقت تلوح بيديها للسيارة .كانت السيارة تقل السائق والذي كان خليل الجارحي وإلى جواره سعداوي  وفي الخلف امرأة متسربلة بالسواد, وقد اسدلت شالاً على وجهها..فظنت حياة للوهلة الأولى إنها صابرين. وفي أقل من لمح البصر ترجل خليل الجارحي وسعداوي  عن السيارة واندفعا صوب حياة ونعمة, لف خليل ذراعه حول رقبة حياة التي كاد يتوقف قلبها هلعاً وما أن همت بالصراخ حتى كمم فاها بمنديل قماشي أحكم وثاقة خلف رأسها وكبلها بأحبال خشنة متينة وزج بها إلى السيارة إلى جانب السيدة في المقعد الخلفي, وفي ذات الوقت فعل سعداوي ذات الفعلة بنعمة وزج بها إلى جانب حياة, وألقى  خليل الجارحي بصرة نقود على الأرض للمرأة التي اتمت مهمتها فانكفأت على الأرض فرحة تلتقطها. واندفعت السيارة بقوة متسببة في تطاير غبار الأرض وكأنه دخان كثيف ...وفي داخل السيارة,أماطت المرأة الشال عن وجهها, فإذ بها صفية الغادرة يعلو صوتها بالضحك وتقول

 

حياة يا غالية, والله اتوحشتك يا جلبي

 

(شخص بصر حياة وشعرت أنها مقبلة على هلاك محقق, فأخذت تستغيث بالله في سريرتها وتطلب النجاة, بينما أخذت نعمة تحدج حياة بنظرات غيظ ملتهبة وتزمجر كالنار المستعرة, في حين تنظر إليها صفية وتضحك بشدة لتزيد من غيظها ..وصلت السيارة إلى سفح الجبل, فكان رجال بدران في الانتظار, اقتادوا حياة ونعمة إلى أعلى الجبل حتى وصلوا إلى فوهته التي ابتلعت الجميع .......وفي الداخل كان بدران في انتظارهم ..فقال بصوته الأجش لخليل

 

يسلم زندك يا ابو جارحي

 

رجالتك يا كابير ونفدوك بروحنا

 

تعيش....سعداوي, خدوا المرة دي وخدامتها وارموهم في آخر الجبل

 

أمرك يا ريس بدران, يلا يا مرة انتِ وهي فوتوا جدامي

 

اجبرت حياة على المسير فوق الأرض المتعرجة , كانت خطواتها متثاقلة, ينزف قلبها حزناً تسيل عبراتها أنهاراً ..ترقبها نعمة بنظرات حسرة أطلت من خلف عبرات عيناها, فهي لا تملك لسيدتها غير البكاء ورثاء حالها ....في ذات الوقت كانت صفية تقف إلى جوار شقيقها ترقب حياة ونعمة في نشوى ,يطل بريق الفرحة من عينيها...استدارت لأخيها ,ربتت على صدره وهي تقول

 

راجل يا بدران, راجل, تسلم يا زين الرجال

 

ما رايدش منيكِ كلام ما يجضيش مصلحة, آنا عايز حجي, وين المال اللي وعدتيني بيه يا صفية؟

 

واه! واحنا بنعملوا كديه ليه وخليتك تُخطُف المرة دي ليه! مش عشان السكة تخلالنا, والمال والعز يبجوا عندينا من غير حساب! ..اطمن يا بدران, هانت يا واد بوي, هانت ..وديلواك شوفلي لجمة أكلها عشان نفوجوا لحياة ونعملوا معاها الواجب جبل ما انزل من الجبل

 

طيب, هخلي الرجالة يشوولنا كبش كابير

 

تعيش, على ما تشووه اجعد اريح رجلي شوي جنب صحن الفاكهة المليح ديه

 

(جلست والتقطت ثمرة تفاح وقضمتها , وقلبها يتراقص طرباً لقضاء مآربها كما دبرت)  

**************************************

 ..دفع الرجال  ذوي الأذرع الغليظة  المددجون بالأسلحة  بحياة ونعمة إلى أحد غرف الكهف المظلمة وتركوهما مكبلتان كليمتان وانصرفوا عائدون إلى بدران

 

**********************************************

 

(في المسجد وبعد أداء فريضة العصر, ألفى سلام صالح, فاقترب منه بوجه باش وقال

 

تقبل الله يا صالح

 

منا ومنكم يا سلام ان شاء الله

 

كنت هاجيك في الليل بس طبوا عليّ ضيوف فجأة

 

خير يا سلام

 

ليا معاك حديت طويل, نتكلموا في الطريج, يلا بينا

 

طيب يا سلام

 

(وما أن خرجا إلى الشارع حتى قال سلام)

 

صالح, آنا ما مصدجش ولا كلمة من اللي جالوها كلاب النجع عن حياة, وعارف ان في ظلم كابير واجع عليها , عشان كديه هاجي مجلس الرجال واعمل اللي يرفع التهمة عنيها ويحفظلها كرامتها بين الناس كيف ما كانت

 

كتر خيرك يا سلام, عارف انك مننا وخابرنا زين, وعمرك ما تعمل كيف عدمات الأصل ما عملوا معانا

 

ربنا وحده يعلم غلاوتكو في جلبي يا صالح يا خوي, واللي يضركو يضرني جبل منيكو

 

عارف يا سلام, ربنا يديم المعروف يا خوي

 

آمين, نتجابلوا في الليل إن شاء الله في مجلس الرجال

 

إن شاء الله

 

(مضى كل منهما في طريقه بعد أن تواعدا على اللقاء في مجلس الرجال....عاد صالح لأشغاله بعد أن اطمئن قلبه بموازرة سلام

****************************************

أمام داره جلس الشيخ سلطان على مصطبته يتلو آي القرآن الكريم , وإلى جانبه مشنة بها كسرات من خبز يابس يعلوها قطعة من الجبن..وقف غلام يرقبه ويستمع إلى تلاوته بصوته العذب صامتاً على استحياء ..لم يلحظه الشيخ لدقائق معدودات,وشاء الله  أن يرفع رأسه عن المصحف لحظة فأبصر الغلام ...إنه مصطفى ابن خليل الجارحي,تبسم له الشيخ وأومأ له بالاقتراب ...اقترب الغلام بخطوات بطئية حتى وقف أمام الشيخ منكس الرأس..فقال له الشيخ

 

اجعد يا ولدي

 

حاضر

 

اسمك ايه؟

 

مصطفي

 

أهلاً يا مصطفى, أسويلك شاي ولا تتغدا؟

 

لاه, ما عايزش حاجة..آنا بحب اسمع القرآن ,عشان كديه وجفت اسمع

 

ماشاء الله ..حافظ شيء من القرآن؟

 

مش حافظ غير السور القصيرة, حفظتهالي عمتي

 

ووينها امك؟

 

.......أمي اطلجت من بوي ومتجوزة راجل تاني, وبوي....بوي يبجى..بوي من رجالة الجبل, بيسرج ويجتل والكفر كلاته بيعيرني بيه...ليه بوي ما كانش واحد من الناس الطيبين اللي بيصلوا وراك يا شيخ؟

 

اسمع يا ولدي...ماحدش بيختار أهله, ولا بيختار شكله ولا لونه, لكنه بيده يختار الطريج المستقيم ويرضي ربه

 

كيف يا شيخ! كيف وآنا بوي الناس كلاتها عارفة انه جاتل وحرامي ومن رجالة الجبل! يعني حتى لو بجيت كويس وطيب وما آذيش حد, برديك هيعيروني بيه وهيبعدوا عني

 

يا ولدي..ربنا قال في كتابه العزيز,( لا تزر وازرة وزر أخرى )..يعني ما بيحاسبش حد بذنب حد تاني, وأمرنا بكديه كمان, إننا نحكم على الشخص بافعاله, مش هو مين ولا شكله ايه ولا بلده ايه

 

طيب والناس ليه ما بيعملوش كديه يا شيخ! الناس ليه ظالمة وبيعيروني بللي ما عملتوش!

 

نسأل الله لهم الهداية يا ولدي...وانت يا مصطفى لو حسيت انك ما جادرش تعيش وسطيهم, أول ما تشد حيلك وتجوى فارجهم وعيش وسط ناس يخافوا الله ملتزمين بحدوده

 

هعمل كديه يا شيخ, ما عايزش اعيش في نجع ابو المنصور آنا...بس عايزك معاي يا شيخ, تعالى معاي نسيب نجع ابو المنصور واعيش معاك واعتبرني ولدك, وآنا والله هسمع كلامك ومش هعصيلك أمر

 

هاها والله انت طيب ومليح يا مصطفى يا ولدي..آنا يا ولدي مكاني هنيه عشان أخد بيد الناس لطريج الهداية, لو هملت النجع ومشيت هيخفى منيه صوت الحج وهتشيع البدع ويختالوا أهل الضلالة

 

لكن اللي بيسمعوا كلامك قليل يا شيخ

 

حتى لو كانوا كديه, ما ينفعش اهملهم وافوت النجع يا ولدي..لكن انت لو ما جدرتش تعيش وسطيهم هملهم, ولحد اليوم ديه اعتبرني بوك يا مصطفى يا ولدي, وكل اللي رايده اطلبه مني...بس أول شيء لازم تحافظ على الصلاة في المسجد و تتعلم القرآن وتحفظه , هاخدك تتوضا عشان اللي يمس المصحف لازمن يبجى طاهر

 

طيب يلا يا شيخ

 

في الأول نتجاسم اللجمة عشان يبجى عيش وملح..خد كسرة الرغيف ديّ عشان تاكل معاي جبنة جاديمة

 

لاه, شبعان يا شيخ

 

خد يا ولدي اومال من يدي, مش جولت انك هتعتبرني كيف بوك وتسمع كلامي! خد

 

 

حاضر يا شيخ

 

(تبسم الغلام وتناول كسرة الخبز ..كان الطفل فرحاً فقد لقى بغيته عند الشيخ الطيب الذي وعده أن يكون أباً له عوضاً عن أبيه اللآثم ويشد عضده إلى أن يبلغ أشده..فياله من وابل خير أصاب الغلام)

***************************************

(بعد أن أكلت صفية الشواء وامتلئت أضلاعها ..نادت على سعداوي وقالت

 

سعداوي, هاتلي البت نعمة هنيه وارميها تحت رجلي كيف الكلبة

 

أمرك يا كابيرة ..والله ودار الزمان عليك يا سعداوي وخدت أوامرك من حرمة ..لكن حرمة ايه! دي دكر ناجصله شنب ونبوت..الشكل شكل حرمة زي البدر في ليلة تمامه, والفعل فعل ديب سعران ..وآنا ايه صالحي! , آنا اعمل اللي يأمروني بيه واخد حجي وخلاص, من حرمة ولا من عنزة, كله محصل بعضيه عاد
(أخذ يهمهم  في الطريق بما يجول بخاطره حتى وصل إلى الغرفة المظلمة واقتحمها دونما استئذان, انكفأ على نعمة يجذبها من ذراعها قائلا

 

همي معاي يا بت المحروج انتِ, الست صفية عايزاكِ

 

(أخذت نعمة تزمجر وتحاول مقاومته , بينما هو يسحبها بذراعه الغليظ  في ممر طويل غير آبه بها ..حتى وصل إلى صفية وألفاها واقفة فألقى بنعمة تحت أقدامها قائلاً

 

المرة أها يا كابيرة

 

هاها يسلم زندك يا سعدواي

 

تسلمي يا كابيرة, عايزة المرة التانية؟

 

لاه, التانية ديّ مجامها كابير عندي وآنا اللي هروح لحديها هاها , روح انت لمصالحك يا سعداوي

 

أمرك يا كابيرة

 

(نظرت حياة إلى نعمة الملقاة تحت أقدامها وانفجرت بالضحك, ثم قالت)

 

مش جولتلك يا بت يا نعمة مسيري في يوم اجيبك تحت رجلي!

 

(اصرت على أسنانها وانكفأت على نعمة تصب جام غضبها فنزعت عنها حجابها وجذبتها من جمة رأسها وأوقفتها ,ثم فكت وثاق الكمامة وقالت)

 

ربنا وحده هو العالم آنا كنت ناويالك على ايه, كنت ناوية اخليكِ تلحسي مداسي وتراب الأرض اللي واجفة عليها..لكن أعمل ايه في جلبي الحنين اللي مضيعني عاد, كفاية عليكِ تحبي على يدي , خدي يدي أها يا بت, حبي عليها وجولي حجك عليّ يا ست صفية

 

(حدجتها نعمة بنظرة احتقار وقالت متحدية إياها )

 

ولو جطعتِ من لحمي بسكين عمري ما هعمل مجام  لواطية زيك واجولها يا ستي , وبصقت في وجهها

 

(زمجرت صفية كالوحش الكاسر وانهالت على نعمة ضرباً وركلاً وقالت)

 

والله يا كلبة حياة لتشوفي الويل ويلين وفي الأخر هتعملي كل اللي رايداه من غير ما تنطجي

 

(دفعتها أرضاً وهرعت إلى فوهة الغرفة تنادي الرجال لتستعين بهم في ترويع نعمة ,فأتوا يهرلون وأمامهم الجارحي, الذي قالت له)

 

البت ديّ جليلة الرباية وعايزاها تتربى عشان تعرف جيمتها وتنفذ كل اللي رايدينه

 

أمرك يا ست ...تعالي هنيه يا بت المحروج انتِ

 

(صرخت نعمة هلعاً حين رأت الرجال الغلاظ يقتربون منها, بينما خرجت صفية وهو منفجرة بالضحك ,حملت أحد المشاعل واتجهت إلى حياة

 

**********************************

لاحظت حياة اقتراب ضوء شيئاً فشيئا يصاحبه صوت خطوات, فزاد ذلك من هلعها ,وفجأة دلفت صفية إلى الغرفة مبددة الظلام بمشعلها ..حدجتها حياة بنظرات غضب .فابتسمت صفية بمكر وقالت ساخرة

 

يا عيني يختي! بهدلوكِ ولاد الحرام دول! بجى حياة بت الحاج زيدان تترمي في ضلمة الجبل وسط ديابته! لاه لاه لاه, دنيا غدارة صُح هاها ...واه! ما بترديش ليه! آآه هاها كاتمين صوتك! ليه كديه! استني اما افك المنديل عن خشمك المسمسم ديه عشان تتكلمي معاي, أصل اتوحشت صوتك يا الغالية وعايزاكِ تجولي كل اللي نفسك فيه جبل ما تتجتلي هاها , استني, فكيته أها , عايزة تجولي ايه ديلواك

 

حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ يا صفية, الله يرد كيدك وينتقم منك

 

هاها ..بجى كديه! ديه جزاتي اني عايزة اريحك من الدنيا وهمها! صحيح, خير تعمل شر تلجى

 

اللي بيعمل خير عمره ما يلجى شر, ولو ما لجاش الخير بدنيا الديابة بتاعتكو, هيلاجيه في الآخرة

 

هاها ايوة كديه, استني الخير في الآخرة وكفاكِ من الخير اللي اتمرمغتي فيه في الدنيا, وفوتيها لغيرك بجى وحلي عنينا, يا بوووي, دانتِ كيف الهم على الجلوب

 

آنا ما عايزاش اعرف غير حاجة واحدة بس, انتِ ليه بتعملي كديه معاي؟ آنا عملت فيكِ ايه عفش؟

 

عملتِ ايه عفش! انتِ وجودك في الدنيا هو العفش بذاته, عايشة في عز وآنا عايشة في مذلة, عايشة في نعيم وآنا عايشة في جحيم, عايشة متمرمغة ع الحرير وآنا عايشة فوج الخيش, وارثة المال عند جدود جدودك وآنا وراثة الفقر

 

وآنا ايه صالحي!,ذنبي ايه! لا حد بيختار أهله ولا حد بيختار يبجى مين ولا عنده ايه, ليه ما تحمديش ربك عشان يرضى عنيكِ ويباركلك في صحتك وولادك, بدل الكيد والحسد اللي وصلك للدم والنار؟

 

ارضى! ارضى بايه! بالفقر! ارضى بالبيت العفش واسيبك في السرايا! ..لاه يا حياة, لاه..آنا حكمت بموتك عشان اعيش, حكمت بالعار عليكِ عشان ابجى آنا المتصانة الشريفة هاها ....اسكتِ يا حياة اما احكيلك هنعمل ايه ..هنجتلك ونرمي جتتك للديابة , لكن هنشيع في النجع انك طفشتِ مع راجل غريب, والعار يلاحجك والناس تلعنك

 

انتِ ايه! شيطانة! لاه, شيطانة ايه! دي الشايطين ما توصل لكيدك, حسبي الله ونعم الوكيل, الله ينتقم منك يا صفية, اجتليني يا صفية, اجتليني ولا احرجيني بالنار, لكن اتقي الله في شرفي, لو اتهمتيني في شرفي هتأذي بناتي

 

ما يتأذوا ولا يولعوا بجاز اسود, ذنبي ايه آنا إن كانت أمهم فاجرة هاها

 

انتِ اللي فاجرة وملعونة وربنا هيعذبك في الدنيا جبل الآخرة

 

هاها مالكيش صالح انتِ, فوتي الدنيا وما تشيليش همها عاد ...بالإذن عاد يا حياة يا حبة جلبي, لازم انزل النجع عشان فايتة العيال وحديهم, وانتِ ام وخابرة كيف جلب الأم هاها

 

(خرجت صفية ضاحكة بينما انخرطت حياة في بكاء مرير واسترجاع وحوقلة )

 

*******************************************

بعد المغرب عاد ليتناول غدائه مع اخته حياة وبعدها يخرج لصلاة العشاء والتوجه إلى المجلس ....دلف إلى القصر فتفاجأ بالمصابيح منطفأة والظلام والصمت يخيمان على القصر..طفق يضيء المصابيح وينادي

 

حياة....نعمة....وينك يا حياة...بت يا نعمة....واه! يمكن يكونوا فوج! طب ليه مضلمين السرايا طيب!

 

(هرع إلى أعلى, فألفى كل المصابيح منطفأة , فتوجس خيفة, وزاغ بصره وقال )

 

روحتي وين يا حياة انتِ ونعمة! ..كيف تخرج حياة من غير اذن! ....يمكن راحت تزور البنيتا؟...لاه ,لاه, كيف تروح هناك وهي خابرة زين ان مرواحها لحد سرايا كامل مذلة, وحياة اختي نفسها ما تجبلش المذلة...يا ترى روحتي وين يا حياة..كنت رايد اشوفها جبل ما اروح المجلس واطمنها ان سلام في صفنا وما صدجش فيها الكلام العفش...قدر الله وما شاء فعل, اروح اصلي العشا وبعدها اطلع على بيت العمدة وبعد اما اعاود اجولها عملنا ايه آنا وسلام في المجلس وجبنا حجها كيف.....لكن معناته ايه الكلام اللي جاله سلام!! ناوي يحفظ كرامتها كيف؟ ...ربنا يكتبلك كل خير ويعوضك يا حياة..بس برضو آما تاجي لازم احاسبها على غلطها وخروجها من غير اذني هي ونعمة

 

*******************************

 

(بعد صلاة العشاء, تجمع الرجال من سادة القرية  في مجلس العمدة على مقاعد قد اصطفت على الجانبين,فلم يبق مقعد شاغر..ها هو سلام يجلس إلى جوار صالح يتبادلان الأحاديث والابتسام,  وعلى الجانب الآخر يجلس كامل ممتعض الوجه يرقب سلام وصالح ويتسائل في نفسه, كيف أن سلام يجلس إلى جانب خصمه وقد بدت على وجهه علامات الارتياح, وكيف لسلام وهو صديقه القديم أن يحييه تحية عابرة باردة عندما التقيا ولم يكترث بسؤاله عن مآلات الأمور وكيف انزلقت إلى هذا المنحدر..ولكن الأمر يبدو جلياً, فسلام منحاز إلى حياة وأسرتها وهذا ما ايقنته نفسه ,فاكتفى باستراق النظر إليهما بين الفينة والفينة.كانت القاعة تضج بالأصوات المختلطة والأحاديث الجانبية حتى دخل العمدة الحاج ياسين القاعة وألقى السلام على الرجال

 

السلام عليكم يا رجالة

 

عليكم السلام ورحمة الله يا جناب العمدة

 

يا مُرحب بيكم يا رجالة..الليلة احنا متجمعين في المندرة عشان نفضوا مشكلة كابيرة بين اتنين من ولادنا اللي ربناهم على يدنا وكبروا جصاد عنينا, وبجالهم سنين السنين كانوا ونعم النسايب, وحكم ربنا وافترجوا بالمعروف, وعشان كديه عايزين المعروف يدوم بيناتهم ونفضوا مشكلتهم على خير الليلة ...اتكلم يا صالح يا ولدي, الكل سامعك, ايه اللي رايده عاد من كامل ولدنا؟

 

ما رايدينش منه حاجة غير انه يرجعلنا البنيتا, حتى حجوج اختي عنديه فوتنهاله عشان ما نفتحوش بيبان جاديدة ونجفلوا على اللي فات, البنيتا أمهم أولى بيهم وبربايتهم, وخصوصي انهم لسة صغار وفيهم عيلة لساها بترضع

 

وانت ايه جولك في الكلام ديه يا كامل يا ولدي

 

يا جناب العمدة, آنا ما اجدرش اهمل بناتي لمرة يدها طويلة وسرجت دهبات امي وجصرت رجبتي بين الخلج, المرة اللي كيف ديّ تخسّر رباية البنيتا وهتطلعهم زييها

 

(انتفخت أوداج صالح وفز عن مقعده غاضباً وقد اخرج سلاحه الناري من جيبه وصوبه إلى صدر كامل قائلاً

 

اخرس يا خسيس يا عويل يا جليل الأصل وإياك تتجرأ وتاجيب سيرة ستك وست النجع كلاته

 

(هاجت القاعة وماجت وبدا الغضب على وجه العمدة ..انتفض سلام وأمسك يد صالح واخفض السلاح الناري إلى الأرض وهمس في أذنه)

 

اجعد واهدا يا صالح, انت كديه هتضع حجك وحج اختك

 

أوووف استغفر الله العظيم

 

(قال العمدة غاضباً)

 

ايه اللي سويته في حضرتي ديه يا صالح! كانك ما رايدش المشكلة تنفض

 

يعني ما سامعش اللي جاله في حج اختي يا جناب العمدة!

 

اجعد واستهدا بالله  يا ولدي, ولو ما جبتلكش حجك ابجى ارفع سلاحك

 

لا إله إلا الله

 

حدج العمدة كامل بنظرة غضب وقال ..يا ولدي, ربنا بيقول في كتابه العزيز, اعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) ما يليجش بمجام الرجال انهم يعيبوا في حريمهم بعد ما يفارجوهم

 

يا حاج ياسين آنا ما غلطتش فيها ولا في خوها, آنا بجول اسبابي في اني ما ههملش البنيتا ليها, غلطت في ايه آنا عاد! يعني يا خلق اهمل بناتي لامهم بعد ما لجيت الساريجة اللي سرجتها في سرايتي! يعني لا بفتري عليها ولا كان في نيتي من أصله إني احرمها من البنيتا لولا اللي عملته

 

( كان صالح يتمزق ويكاد أن ينزف وجهه دماً من فرط الاحمرار, يحدج كامل بنظرات كراهية مستعرة ويصر على أسنانه محاولاً كظم غيظه, فما هدأه غير سلام عندما ربت على كتفه وانتصب واقفاً , ووجه كلامه لجموع الرجال قائلاً

 

اسمعوا يا رجالة..آنا هجول اللي يخلص ذمتي من ربنا وهعمل اللي يرد لحياة ست ستات النجع اعتبارها, عشان مش حياة بت الحاج زيدان اللي نتهموها تهمة كيف ديّ ونحرموها من بناتها عشان تهمة متلفجة ومحبوكة من كلاب النجع ...جناب العمدة..آنا نويت بإذن الله إني ...........

 

(وفجأة تقتحم المجلس نعمة صارخة تقول)

 

حضرة العمدة, الست حياة طفشت من النجع مع راجل غريب

 

(ضجت القاعة وشده سلام وهبط في مقعده, وعلا الغضب وجه كامل وشعر بإهانة كونها كانت زوجته, بينما اندفع صوبها صالح كالمجنون , صفعها صفعة اسقطها أرضاً وهم بركلها فأبعدوه عنها الرجال..وقام العمدة منتصباً صارخاً في الجميع, اهدوا شوية يا رجالة خلينا نسمعوا نعمة

 

(تلاشت الأصوات شيئاً فشئيا..فقال العمدة لنعمة التي كانت تبكي بحرقة

 

جربي يا بت يا نعمة

 

نعمين يا حضرة العمدة

 

ايه اللي جولتيه ديلواك ديه يا بت

 

جولت اللي نضرته بعيني, الست حياة كانت تعرف راجل غريب عن النجع, بيته في المركز, وكانت تتحجج كاتير وتجول لكامل بيه ايام ما كان جوزها آنا هاخد نعمة وننزلوا المركز نشتروا هدومات وحوايج للبنيتا, كنا نروحوا هناك, وكان الراجل الغريب يبجى مستنظرها عند حارة كديه, وكانت تجولي, استنيني هنيه يا بت يا نعمة على ما اجيكِ..كانت تاغيب بالساعة والتنين وبعدها ترجع من عنديه..وآنا كنت اجولها ليه كديه يا ست حياة, بجى انتِ تعرفي راجل على جوزك وتروحي معاه بيته بخطرك! كانت تضحك وتجولي, الجلب وما يريد عاد يا نعمة, ما جادراش أحب كامل , كامل جوزي, لكن ديه اللي عاشجاه

 

(كان صالح كالوحش الثائر يريد الانقضاض عليها لولا عصبة من الرجال أحالوا بينه وبين ذلك..سألها العمدة)

 

وديه كانت عارفاه من ميتى؟

 

من سنين, ياجي تلات أو اربع سنين كديه, حتى من جبل ما تحمل في الست عالية

 

(كان صالح يفور كالمرجل وأخذ في كيل السباب لها )

 

اه يا نجسة يا بت الحرام انتِ, خونتِ حياة وتبعتِ اللي ظالمينها, كلكو اتفجتوا على اختي وما كفاكوش تهمتها بالسرجة, كماني بتتهموها في شرفها يا ولاد الحرام

 

(انتفض العمدة عن مقعده وثار في وجه صالح قائلاً )

 

ولما اختك شريفة وطاهرة كيف ما بتجول, جولنا هي وين ديلواك

 

(أطرق صالح رأسه وسكت,فقد شعر باحتكام المؤامرة وبالتأكيد هناك من اخفى أخته التي يعلم يقيناً أنها لا تفرط في عرضها مهما حدث..ولكن...من الذي سيصدق بعد غيابها عن القرية والكلام المسمم الذي القته نعمة على مسامع الرجال...........وسط نظرات الاحتقار وامتعاض الوجوه غادر صالح المجلس دون أن ينبث ببنت شفه, فأي دفاع سيقوله سيرد عليه طالما أن شقيقته اختفت عن القرية ..أما عن سلام فقد جلس باهتاً ذاهلاً, فما وقع على مسامعه كان كصاعقة مزلزلة..هو لا يصدق, ولكنه لا يملك دفاعاً.فاختفاء حياة كان بمثابة سنداً لأباطيلهم ...شعر بأنفاسه تحبس, وكأن الدخان تصاعد من أفكهم وكاد يخنقه,فهرع خارج المجلس وكأنه أراد النجاة من مستنقع نجس.....أما عن كامل,فقد كانت مصيبته عظيمة,ووقع كلام نعمة كان كخنجر طعنه في صدره, فكيف لا تكون مصيبته عظيمة وقد كانت زوجته وستظل أم بناته, فهو يدرك بل يتيقن أن العار سيلاحق بناته وسيعزف عنهم الرجال ولن يقبلوا بهن زوجات لهن طالما أن أمهم وصمت بهذا العار ...اشتعلت براكين الغضب في قلبه وتطاير الشرر من عينيه..ثم وقف صائحاً

 

المرة الزانية اللي اسميها حياة ديّ لازم تنجتل, وآنا اللي هجتلها بيدي عشان اغسل عاري

 

قال العمدة الحاج ياسين محاولاً تهدئة ثورته

 

استهدا بالله يا ولدي, العار مش عليك انت, احمد ربك انك طلجتها وخلصت من عارها, العار عار خوها صالح, هو اللي لازم يجتلها بيده

 

وبناتي يا حاج ياسين! بناتي اللي العار هيطولهم ويعيشوا خزيانين طول عمرهم؟

 

نصيبهم كديه عاد, ما حدش بيختار امه ....اسمعوا يا رجالة, بلغوا النجع كلاته, اللي يشوف حياة بت زيدان وين ما تكون  يجتلها وياجيب جتتها غرجانة في دمها جدام النجع كلاته, عشان تكون عبرة لأي فاجرة تفرط في عرضها

 

(صاح الرجال بالموافقة وأثنوا على العمدة فيما ذهب إليه, وكيف لا والعرض غال ولا تفرط فيه إلا ساقطة تستحق القتل! ...ولكن....حياة الضحية البريئة, ماذا جنت لتستحق القتل واللعنات! )

 

**************************************

هرعت نعمة إلى خارج المجلس تذرف عبرات الحزن الدفين بقلبها, والقهر الذي أجبرها على كسر سيدتها ونهش عرضها..ينزف قلبها ألماً لقتل سيدتها الذي أوشك أن يتم ..سيدتها الشريفة الأصل الطاهرة التي ستموت موصومة بعار لم ترتكبه..فياله من حزن يعتصر قلبها ويبكيه دماً ..ولكن ...لا حيلة لها غير الدموع ..خرجت إلى الطرقات لا تتبينها, فقد غبشت الدموع رؤيتها , وما أن انعطفت إلى أحد الأزقة حتى اصطدمت برجل ضخم الجثة فشهقت وارتعدت فرائصها, ومسحت عن عيناها الدموع هلعة لتتبينه, فإذ به خليل الجارحي تطل عيناه المخيفة من خلف ملفعته التي تلثم بها,قبض على ذراعها بعنف وقال

 

من الليلة تسيبي نجع ابو المنصور وما ترجعيش تاني, إن وعيتلك هنيه مرة تانية مالكيش عندي غير عيار طايش في جلبك,يلا غوري

 

(أومأت برأسها مرتعدة شاخصة البصر وولت مدبرة لا تدري إلى أين, لكنه الفرار بالروح والنجاة من المهالك المحققة..أخذت تجري وتجري في الطرقات كالمجنونة التي سلب عقلها .يمر نصب أعينها العذاب الذي لقته, وتتذكر أصوات استغاثاتها التي لم  يرحمها مردة الإنس)

 

**************************************

(اندفع صالح داخل القصر كالمجنون ينادي بأعلى صوته ,حياة, وينك يا حياة ,اندفع على الدرج عامداً الدور العلوي وهو ينادي حتى بلغ حجرتها, فهرع إلى خزانة الملابس فألفى كل القطع التي اشترها من أجلها كما هي مصطفة على الأرفف, وعلى أحد الأرفف ألفى شكمجيتها,فتحها فوجدها كما هي مكتظة بالذهب...فقال)

 

كل خلجاتها ودهباتها هنيه, كيف يجولوا هربت مع عشيجها وهي مهملة  كل حاجاتها ومالها هنيه! ...اختي ما هربتش, اختي خفوها ولاد حرام ما عارفهومش....لكن ما عارفهومش كيف! ...صفية بت كلاف البهايم وخوها واد الليل الكلب اللي اسميه بدران...هما وبس اللي من مصلحتهم اختي تختفي من النجع آآآآآآآآآخ والله ما ههملهم...بس يطلع النهار وهفتح عليهم طاجة جحيم تحرجهم كلاتهم

 

(ذرف صالح العبرات وهبط في مقعد وقال بصوت خافت شققته الأحزان

 

وينك يا حياة, عايشة ولا جتلوكِ الكلاب! ...اطمني يا حياة, اطمني, خوك ما هيهملش حجك حتى لو كان التمن دمي

 

*********************************

 

(إلى قصر والدته هرع كامل ملتاع القلب ممتقع اللون يشعر بالانكسار , , فتحت له والدته ,فلم يلق عليها تحية, فتبعته صامتة مندهشة والفضول يقتلها لتعرف ما ألم به, صاح منادياً أمّا, تعالي يا امّا وانضري الفضايح اللي رمتها على راسي بت زيدان

 

مالها السارجة ام يد طويلة

 

يا ريتها رسيت ع السرجة وبس يا امّا, بت زيدان فضحتني وخلت راسي في الوحل وطفشت مع راجل غريب

 

(شهقت أمه وضربت على صدرها وقالت)

 

يا مري! انت بتجول ايه يا كامل! كيف تعمل كديه النجسة ديّ! نسيت ان عنديها بنات! اللي يحرجها وين ما غارت , احمد ربك انك مطلجها, وإلا كان الوحل غرجك وغرجنا وجوازة اختك من الداكتور عزت باظت

 

(انطلقت ضحكة من أعلى الدرج,فصوبا بصرهما تجاهها,فإذ بجميلة تنزل وهي تقول ساخرة)

 

وعرفت عن حياة ايه تاني يا كامل عشان تجوله لامي وتبرد صدرها! ها..ما تنطج

 

جميلة. جولتلك بدل المرة ألف تتأدبي وانتِ بتتكلمي معاي وإلا ما في حد هيرحمك من يدي ,سكتِ بتك يا امّا وخليها تخفى من جدامي

 

وبعدهالك يا جميلة, برديك هتاخدي صف حياة بعد اللي عملته! عايزة أهل النجع يجولوا انك واجفة في صف مرة زانية هربت مع عشيجها عشان يعتبروكِ زيها! المرة ديّ خلاص, غارت في داهية, وما تجيبيش سيرتها جدامنا بعد كديه

 

صُح يا امّا ! انتِ وكامل خلاص بجيتوا تصدجوا كل عفش عن حياة من غير ما تنضروها بتعمله! ..هو برديك مش ربنا قال اللي يشهد ع الزنا يكونوا اربع شهود! ولا كانكو ما تعرفوش! وديه عشان مش أي كلب يطعن في عرض الحراير والناس تصدجه

 

(قبض كامل على كتفها وهزها بعنف قائلاً)

 

عارفة مين اللي شهد عليها يا جميلة؟....نعمة

 

(شدهت جميلة واختل توازنها وكادت أن تسقط لولا أنها اسندت يدها على ذراع مقعد..حاولت لم شتات نفسها وقالت بدهشة)

 

نعمة!....طب كيف؟

 

نعمة كانت بتروح معاها وهي بتجابل عشيجها في المركز,كانت تروح معاه وتسيبها في الشوارع بالساعة والتنين..بت الحرام كانت عارفاه من سنين, من جبل ما تحمل في عالية..العلم عند الله ,عالية تبجى بتي ولا ....

 

(صرخت جميلة)

 

لاه يا كامل, اوعاك تنطجها, عالية بتك, وحياة عمرها ما خانتك

 

(صاح كامل)

 

وشهادة نعمة اللي مرافجاها كيف ضلها! هتجولي فيها ايه؟

 

نعمة ما تجولش كديه إلا لو حد مهددها

 

هاها مهددها! ومين اللي هيهددها عاد! ومين يهمه أمر حياة كديه وشاغل حاله بيها!!

 

صفية الله ينتقم منيها, هي اللي كارهاها وعايزلها الخراب, ما كفاهاش تتفج عليها ويا حورية على تلفيج السرجة , كماني بيتهموها في شرفها ويجولوا طفشت مع راجل غريب, والله أعلم هددوا نعمة بإيه..هات نعمة واسألها واستحلفها بالله وهي هتجول الحجيجة, ده إذا ما جتلوهاش جبل ما حد يوصلها

 

ولو كان كلامك صُح..وينها حياة؟ خوها بذات نفسه جال انها اختفت وما عارفلهاش طريج

 

الله أعلم عملوا فيها ايه المحاريج دول..لكن تجول طفشت مع عشيجها لاه, لاه يا كامل, حياة في شدة, ويا إما جتلوها, يا إما هيجتلوها , لازم نتصرفوا ونجيبوا نعمة ونعرفوا منيها ايه حصل

 

(لم يعر كامل اهتماماً لدفاع اخته, واعتبره مجرد دفاع لمحبة عن حبيبتها, واخته ما زالت صغيرة لم تعركها الحياة واحكامها نابعة عن عاطفتها ...أما والدته فكانت تنظر إليها بامتعاض, لوت شفتها وأشاحت بيدها وقالت لها, اخفي من وشي يا جميلة, ما طايجاش اسمع صوتك ولا سيرة المرة الفاجرة ديّ

 

أما...

 

اخرسي وما تزوديش كلمة, جولتلك اخفي

 

حاضر يا امّا, حاضر, حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم

 

(صعدت الدرج حزينة تبكي وتنشج )

**********************************

(عادت صفية إلى بيتها معتقدة أن ولداها قد غطا في نوم عميق, ولكنها ألفت حسن عند الباب,فسألها)

 

كنتِ وين يا امّا ؟

 

واه! لساك صاحي يا حسن! كنت مفكراك نمت

 

لاه, محمود اللي نام, لكن آنا ما جدرتش أنام جبل ما اطمن عليكِ

 

هاها اسم الله عليك راجل..ما انا جولتلك يا حسن انت خوك إني النهاردة هجضي اليوم بطوله في مجامات الأولياء الصالحين في المركز, كان عليّ ندر ولازمن اوفيه ياولدي

 

.....يا امّا مش جولتلك زيارة المجامات حرام؟ الشيخ سلطان جال كديه

 

يا بووووي, يجطع الشيخ سلطان وكلام الشيخ سلطان اللي مصدعنا بيه, ما تتبعش الراجل ديه, عنديك الشيخ سمحون ابو الكل وسيد النجع, روحله مجام سيدي ابو المنصور واتعلم منيه, وسيبني ديلواك اروح ارتاح من المشوار اللي هد حيلي ديه, سلطان وما سلطانش عاد, جلبة تجلبه الباعيد

 

(حزن حسن من كلمات والدته, فكيف هي تتبع أصحاب البدع وتترك علماء الدين الثقات..فهذا كل ما طرأ على ذهن الصغير, فهو لا يعلم أنه يحيا مع شيطانة من الجحيم تحيك مؤامرات شنيعة بشعة, تقتل وتحرق وترمي الشرفاء بالفحور...يا له من مسكين لا يدرك , ربما كانت رحمة به في سنه الصغير )

****************************************

(انتشر خبر هروب حياة مع عشيقها كانتشار النار في الهشيم , طرق كل المسامع, صدق الكثيرون, بينما القلة هم من لم يصدقوا عن حياة الفجور, وذهبوا إلى ما ذهبت إليه جميلة, أن هناك من أخفاها ..ولكن من؟ من الآثم الأبليسي الذي حاك كل هذه المؤامرات اللعينة...لا يعرفون)

*********************************

(أخذت صالح غفوة, فأفاق على أصوات الأحجار تتقاذف بشدة على زجاج القصر وكأنها وابل من جحيم فقام فزعاً ..فتوارى خلف أحد النوافذ يختلس النظر ,فإذ بجموع الناس رجال ونساء يرجمون القصر بالأحجار ويأمرونه بترك القرية ...شق الجموع الثائرة العمدة وبعض الرجال, فقال له الرجال واحدا تلو الآخر

 

يا جناب العمدة, صالح واد زيدان اخو الزانية مالوش مكان بينا

 

ايوة يا عمدة , نجعنا طول عمره نجع الشرفا, عدمات الشرف يبعدوا عنينا

 

خليه يهمل النجع وإلا هندخلوا عليه السرايا ندبحه

 

صاح فيهم العمدة

 

بس يا رجالة, كفاكم, آنا جمعت كبارات النجع وجيت عشان نطلعه, من اللية ما هيباتش في النجع

 

 بعد  أن أمر الناس بالكف عن رمي الأحجار والعودة إلى منازلهم وأنه هو من سيتولى الأمر بإخراج صالح ..سكنوا وتفرقت جموعهم ..كان صالح يرقب ذلك محزونا لا حيلة له..رمق العمدة وبعض الرجال وهم يتجهون إلى باب القصر, فهرع إلى أسفل ليفتح الباب ....فتح الباب صامتاً متجهماً ,فولج العمدة والرجال ..فقال العمدة بلهجة حادة

 

اظنك سمعت الناس واللي جالوه واللي عملوه..بعّد عن النجع يا صالح وخد عارك معاك

 

......عليم الله لا عندي عار ولا اختي عملت شيء تخجل منيه يا حاج ياسين, كلاب النجع هما اللي كادوا لاختي  وهو وحده اللي يعلم خفوها فين, ويمكن يكونوا جتلوها

 

صالح, مالوش عازة الحديت, مالكش مكان بينا في النجع

 

آنا مش بجول كديه عشان يبجالي مكان وسطيكو, آنا كرهت النجع بللي فيه وما عايزش أعاوده تاني, لكن هملوني كام يوم ابيع ارضياتي وبهايمي واملاكي

 

لاه, مالكش حاجة عندينا, هتسيب النجع بالهدمة اللي عليك , وكفاية اننا هنهملك عايش

 

لكن ده ظلم يا حاج ياسين

 

اللي ظلمتك ووجعت هيبتك بين الرجال هي اختك, يوم ما تجتلها عاود بجتتها وخليها عبرة جدام النجع, وجتها تاجي وتسأل عن أملاكك, وده حكم المجلس اللي مشيت منيه جبل ما تسمعه, يلا, اطلع برا السرايا

 

(هال صالح ما سمع, ولكن ليس بيده غير الانصياع لحكم المجلس وإلا تركوه لأهل القرية ليفتكوا به, وهو يحتاج إلى البقاء حياً حتى بثبت براءة اخته, فإن قتل سيقتل معه السعي وراء الحقيقة وينتهي كل شيء..لذا آثر سلامة الرحيل ..وقال للعمدة في صغار

 

هطلع اجيب بطاجتي من فوج

 

بطاجتك وبس,ما تمدش يدك على أوراج ولا مال ولا دهبات, ويكون في معلومك الرجالة هيفتشوك

 

.......أمرك يا جناب العمدة ...حسبي الله ونعم الوكيل

 

ما أن استدار عامداً الدرج,حتى سمع صوت امرأة دوى كرعد السماء..إنها صابرين ,شقت صفوف الرجال ونادته فاستدار

 

صالح, طلجني يا صالح, ارمي عليّ اليمين جدام الرجال, مش صابرين اللي تعيش مع راجل اخته خلت راسه في الوحل

 

استشاط صالح غضباً وحدجها بنظرة احتقار, وقال على الفور

 

والحرمة الخسيسة ناكرة الجميل  اللي زيك ما تلزمنيش , انتِ طالج يا صابرين ..استدار صالح مستأنفاً عروج الدرج, بينما اتجهت صابرين للعمدة قائلة

 

من بكرة هاجي اجعد في السرايا يا عمدة

 

تجعدي فيها بصفتك ايه ! الراجل طلجك والسرايا ما بجتش ليكِ

 

واه! كيف ديه يا عمدة! ماليش حجوج عنديه إياك! طب دانا كل دهباتي وخلجاتي فوج

 

بعدين يا بتي, بعدين, تعالي في الصبح خدي اللي ليكِ , ديلواك ما يصلحش, صالح لساه فوج ما هملش السرايا وما عايزينش نفتحوا حديت جاديد, روحي على دار بوكِ ديلواك

 

أوف, أمرك يا عمدة

 

(مشت صابرين ثائرة ممتعضة, فما أتت إلا لحمل صندوق جواهرها وأيضاً صندوق مجوهرات  حياة, ظناً منها أن الجميع لا يعلمون بوجود ممتلكات حياة في القصر ..ولكن ما قهرها إنها عادت خالية الطناب ...نزل صالح على الفور, ففتشوه الرجال وتأكدوا أنه لا يحمل إلا بطاقته الشخصية وبعض النقود التي بالكاد تكفي استئجار عربة على الطريق, وربما لا تكفي لجلب طعام من أطعمة البسطاء ...تولى عنهم وغاب كطيف حزين ..إلى أين؟ لا يدري, وإلى متى ؟ ربما لنهاية الحياة

************************************

ترك العمدة ثلاثة من الحراس على القصر ومضى بصحبة أكابر الرجال

************************************

عادت صابرين إلى بيت والدتها فوجدتها مغتمة, القت عليها السلام

 

مسا الخير يا امّا

 

.............................

 

واه ! ما بترديش ليه ! كل ديه عشان جولتلك هروح ع السرايا جبل صالح ما يهملها واخليه يرمي عليّ اليمين جدام الرجالة! أهو طلجني بس العمدة الله لا يسامحه حاشني عن طلوع السرايا عشان أخد الدهبات وجالي تعالي في الصبح, وجلبي ما اطمنش إلا أما ساب الغفر على الباب عشان ما حدش يخش ولا يطلع , بيني وبينك يا امّا خوفت ع الدهبات ليخش حد من جعانين النجع يسرجهم

 

........مشيتِ اللي في راسك عاد واطلجتِ من صالح!

 

واه يا امّا عاد !ياك كنتِ رايداني انزعط معاه من النجع وما نلاجيش العيش الحاف ناكلوه ! اتجوزته عشان اتطفلح آنا اياك ! يا بوووي يا امّا لو وعيتي لصالح والرجالة بيهتروه ويجلوا جيمته ..تصدجي صعب عليّ! طب والله جلبي بيتجطع عشانه رغم انه شتمني وجال اني مرة خسيسة

 

والله صدج , خسرتيه وعمرك ما هتعوضي ضفره

 

ليه بس يا امّا كديه! ده بدل ما تجولي ربنا يعوض عليكِ بالاحسن منيه يا صابرين يا بتي ! ولا كانك كنتِ بايعاني ورايداني انزعط من النجع وما تشوفنيش ليوم الدين

 

(بكت أمها وانتحبت وقالت بنشيج)

 

ياريتك كنتِ عملتي كديه ووجفتي جنبيه وما هملتهوش لحاله, ياريتك كنتِ الجلب الحنين اللي يدفدف عليه ويهون عنيه جسوة الدنيا , لكن انتِ جاسية يا صابرين, صدجتي عليه وعلى اخته العار اللي ما عملهوش ولا لهم يد فيه, وكان كل همك تطولي الدهبات اللي حتى لو اتغطيتي بيهم عمرك ما هتحسي بدفا حبيب زي صالح ..يا جلبي يا صالح يا ولدي, الله معاك يا حبيبي , الله يعزك زي ما كنت بينا عزيز ولا يذلك لمخلوق

 

أوف, يا امّا ابوس يدك كفاكِ بكا ونواح, اللي راح راح يا امّا, خلينا احنا في اللي جاي, واللي جاي كلاته خير , آنا جلبي حاسس بكديه يا امّا

 

اسمعيها مني كلمة يا صابرين ..عمر الخير ما هيجي النجع مدام الظلم عشش فيه

 

*****************************************

عاد كامل إلى قصره مكبل بأغلال غضبه...صعد مسرعاً إلى غرفة بناته..فتح الباب فوجد سلمى ووطفة يداعبان الصغيرة عالية ..انتبهت الطفلتان وتبسمتا لواديهما ..بينما هو ظل يتفرس في ملامح ثلاثتهن واجماً مقطب الجبين مما أثار فزع الطفلتان وبدد الابتسامة على وجهيهما شيئاً فشيئا.خافت سلمى الكبيرة أن تسأل والدها, ولكن وطفة استجمعت شجاعتها وسألته

 

مالك يا بوي؟ إنت زعلان منينا في حاجة ؟

 

(لم يجب الأب وظل صامتاً يتفرس في ملامحهن, وكأنه يريد التيقن إن كن بناته أم لا .ولكن كيف لا وهم يشبهنه إلى حد كبير , وتتحد ملامح الصغيرة مع ملامح عمتها وكأنها قطعة منها ..ولكنها نار الشك المندلعة في صدره..ظل هكذا لدقائق ثم أغلق الباب وانصرف عامداً غرفته ...كان يتصارع مع نفسه, هل يخبر بناته بأمر أمهم والعار الذي جلبته فوق رؤوسهن؟ هل يصمت ؟ ولكن إن صمت سيعلمن هذا الأمر حتماً من أهل القرية الذين سيعرونهن بأمهن بائعة عرضها للشيطان.سيعلمون حتماً حين يعزف عنهن الرجال ويظللن بلا زواج بجريرة والدتهن..لا.. يجب أن أبلغهن ..هكذا حسم أمره وعاد إليهن وفتح الباب بعنف فارتجفت الطفلتان .ولج الغرفة وجلس بعيد عنهن إعلاناً منه بنبذهن من الآن ..ظلت الطفلتان تنظران إليه والخوف قد تملك من قلبيهما ..قال بهلجة حادة

 

الكلام اللي هتسمعوه ديلواك ديه لازم تعرفوه, عشان لو ما عرفتوش مني, هتعرفوه من غيري. امكم طاوعت شيطانها وأغضبت ربها وطفشت من النجع مع راجل غريب

 

(صرخت الطفلتان وهما تنشجان)

 

لاه, لا يا بوي

 

قالت وطفة الوسطى

 

بتجول على امي كديه ليه يا ابوي! انت مش طلجتها؟ كل ديه عشان عايزنا نكرهها ؟

 

اخرسي يا بت, اياك تتكلمي معاي كديه مرة تانية, امك فضحتكوا وجابتلكو العار, العار اللي هتعيشوا بيه طول عمركم لحد ما تموتوا, لو ربنا رايد بيكم رحمة, يكتبلكم الموت بدل المذلة اللي هتعيشوا فيها..طول عمركو هتعيشوا متطاطين راسكو

(القى بكماته القاسية على الزهرتين البريئتين واندفع خارجاً وصفع الباب خلفه ..بينما ارتمت الطفلتان في أحضان بعضيهما وانخرطتا في بكاء مرير وهما لا تصدقان ما سمعتاه ..منذ هذه اللحظة اختفى عن عينيهما بريق السعادة ولمعان البراءة وحل محلهما حزن وانكسار)

 

********************************************

 ..وما أن انتصف الليل حتى  تسلل بدران ورجاله الملثمون والمدججون بالأسلحة إلى  القرية وانقسموا إلى عصابتين, عمدت إحداهما إلى حظائر صالح للسطو عليها والإستيلاء على البهائم والأنعام , بينما عمدت العصابة الأخرى إلى قصر صالح من الجهة الخلفية المطلة على الزراعات حيث الظلام الدامس والسكون حتى يتمكنون من النفوذ إليها آمنين من النظر ...تسلقوا الأعمدة ونفذوا إلى الشرفات..فتحوا الأبواب باحترافية اجرامية وانتشروا في الأروقة والحجرات وفي مقدمتهم بدران وخليل الجارحي يحملون كشفات بأضواء خافتة  حتى وصلوا  إلى غرفة نوم صالح ..عمد بدران مسرعاً إلى خزانة الملابس وفتحها فألفى شكمجية زوجة صالح التي أعادتها من عند والدتها, فتحها فتهلل وجهه وقال ضاحكاً

 

كانها هتمطر دهب يا رجالة

 

انفجر الجميع بالضحك..فقال له خليل الجارحي

 

 عايزين ندوروا على خزنة واد المحروج ديه اللي بياشيل فيها المال المكوم على جلبه كيف الجبال

(..اندفع يفتش عن المال كالذئب يبحث عن فريسة حتى عثر على الخزانة الحديدية فأشرق وجهه وحملها مغلقة كما هي ..وبعدها انطلقوا إلى بقية الغرف حتى عثروا على مجوهرات حياة ..قلبوا الدور العلوي رأساً على عقب فاستولوا على المجوهرات والنفائس والأموال وكل ما غلا ثمنه وخف وزنه, أما عن الخزانة الحديدية فلفوا حولها الأحبال بإحكام  حتى يتمكنوا من تدليتها من النافذة بيسر  ..كل ذلك دون أن يحدثوا جلبة أو يقلقوا منام الحراس الذين يغطون في نوم عميق ..عادوا إلى الجبل يسحبون خلفهم البهائم والأنعام التي اختلط ثغائها وجؤارها مع عواء الذئاب  يتقدمهم بدران يحمل صناديق الذهب  وخلفه الجارحي يحمل الخزانة الحديدية ..التفت بدران إلى رجاله الذين تلتصق أعينهم بصناديق المسروقات وقال

 

حجكم محفوظ يا رجالة, كل واحد هياخد حجه تعبه بالتمام والكمال, الريس بدران ما يظلمش رجالته

 

متشكرين يا كابير

 

(خرج عليهم سعداوي الذي أبقاه بدران لحراسة حياة ,استقبلهم متهللاً وهو يقول

 

حمدالله ع السلامة عاد يا ريس بدران انت والرجالة

 

تسلم يا سعداوي, كيفها الحرمة ؟

 

ما بطلاش بكا ونواح كاننا جتلنالها جاتيل بت المحروج ديه, وما رضياش تاكل, كل ما ادخل عليها بالأكل تصرخ وتزعطني

 

عنها ما كلت, تاكل ليه من الأساس! كديه ولا كديه هتتجتل والوكل ما هيفيدهاش...خليل, تعال معاي انت والرجالة  نفتحوا الخزنة ديّ وننضر ايه اللي فيها

 

هاها هيكون فيها ايه غير كل خير مشتاجينله يا كابير

 

(دلف بدران إلى أحد غرف الكهف الضيقة وخلفه رجاله ..وضع ما بيده أرضاً وعمد إلى مصباح وأخرج من جيبه علبة ثقاب فأخرج أحد الأعواد وأشعله ومده إلى فتيل المصباح فأضاء المكان..ثم قال لخليل الجارحي

 

افتحلنا الخزنة ديّ يا ابو جارحي , ماحدش يجدر ع الخزاين الحديد غيرك

 

ما هيفتحاش إلا النار

 

(بذل خليل الجارحي قصارى جهده لفتح الخزانة, وبعد عدة محاولات مضنية فتحت ففغر الجميع افواهمم عند رؤية الأموال المصطفة التي اكتظت بها الخزانة , وفي أحد الجوانب أوراق كثيرة  مطبقة..ففتحها الجارحي فوجد أنها عقود ملكيات الأراضي والبنايات المملوكة لصالح وحياة, لم يعر للأمر اهتماماً, فألقى بها ارضاً دون اكتراث, وقال بدران, وديلواك نعدوا اللي في الخزنة ديه عشان كل واحد يعرف نصيبه عاد

 

هاها طيب يا ابو جارحي, وبعدها ندسهم في مكان ما حد يعرفه, حكم الشيطان شاطر وعم يوز  على ودان الخلق ليل نهار, واخاف ولاد الحرام يسرجونا يا رجالة

 

انفجر الجميع بالضحك وبدأوا في عد الأموال المنهوبة

********************************

في محبسها كانت حياة تذرف العبرات وتشكو بثها وحزنها إلى الله متجهة بنظرها إلى السماء

 

يارب, لو كنت كتبت عليّ الموت على ايد أشر خلقك دول, اغفرلي وارحمني وسامحني وما تقبضش روحي إلا وانت راضي عني...لكن عندي وديعة يارب عايزاها في أمانتك...بناتي ..بناتي يارب , احفظهم وصونهم وما تخليش واحدة فيهم تظن سوء فيا, ارزقهم اليقين ببرائتي اللي انت عالم بيها يارب ..اللهم إني استودعك بناتي يارب

 

(وانخرطت في بكاء مرير ونشيج ...سمعت خطوات تقترب فتوقف نشيجها وارتعد جسدها واتسعت حدقتا عيناها رعباً وعلقتها بفوهة الحجرة, فإذ بها تبصر ذاك الرجل الضخم المتجهم صاحب الصوت الأجش خليل الجارحي ..نظر إلى جسدها المرتعد ووجهها الفزع المتصبب عرقا,فانفجر ضاحكا وقال

 

عم ترجفي ليه يا مرة انتِ! خايفة على عمرك ؟

 

زاد ارتعادها ولم تجب

 

أطلق ضحكة مدوية  وقال ساخراً

 

خايفة تموتي وتهملي الحرير والدهب!

 

(قالت وهي تنشج وقلبها يتمزق )

 

دهب ايه وحرير ايه اللي هخاف عليه! آنا خايفة على بناتي اللي هيتعذبوا بسببي

 

موتك احسن من حياةك, لو ما جتلناكيش بيدنا وهملناكِ تنزلي النجع, أهل النجع هيجتلوكِ..عارفة ليه ؟ عشان الكل خابر انك خاطية ..جهزي حالك للموت في أي لحظة يمكن ما يطلعش عليكِ صبح

 

(انفجر بالضحك وخرج من الغرفة ,فزاد بكائها ونحيبها, ولكنها استسلمت لأمر الله وكفت عن طلب النجاة , فقد انقطعت الأسباب وتحتم الأمر , فهي مقتولة لا محالة . فقط كل ما كانت تطلبه من الله بدموعها هو حفظ بناتها وألا يصدقن عنها ارتكاب الفاحشة

 

*********************************

ما أن بزغ الصباح حتى هرعت صابرين إلى القصر,فسمح لها الحرس بالدخول فهرعت إلى الدرج تلتهمه بأقدامها ,فتخالط صوت قعقعة نعليها مع صوت ضربات قلبها ..بلغت الحجرة وهي تلهث وتتصبب عرقاً وأنفاسها تتلاحق, فما أن وقفت تلقاء الباب المفتوح حتى شهقت وشخص بصرها  وكاد قلبها يتوقف, فالغرفة منقلبه رأساً على عقب وخزانات الملابس مفتوحة وما بها مبعثر على الأرض, ضربت على صدرها وجرت إلى الخزانة تفتشها فلم تجد صندوق المجوهرات..هرعت فزعة إلى الخزانة الحديدية فلم تعثر لها على أثر.خرجت من الغرفة مندفعة كمن طاش عقلها عامدة غرفة حياة آملة أن تجد مجوهراتها ..فكانت صدمتها مضاعفة,فالغرفة خاوية إلا من الملابس المبعثرة ولا يوجد أثر للذهب والنفائس ولا الأموال..فقد ذهب الذهب خلف من ذهب , ولم يبق لها إلا هذه الصيحة النابعة عن حسرة قلبها وهي تقول دهباتي, دهباتي اتسرجوا ,اسرعت بنزول الدرج وهي تصرخ وتضرب على صدرها تارة وتلطم خديها تارة نائحة تقول

 

الحجوني, دهباتي, دهباتي اتسرجوا, الخزنة اللي مليانة لتمها مال اتسرجت, غيتوني يا ناس , وينه العمدة, وينهم الحرس ! الله ينتقم منيكو , ضيعتوا مالي وضيعتوني

 

(..هرعت إلى خارج القصر تجري في الطرقات والحارات الضيقة والشوارع المتسعة تصطدم بالمارة وتدفع هذا وذاك عن طريقها حتى وصلت  إلى بيت العمدة واقتحمت عليه مجلسه باكية منتحبة وهي تقول )

 

دهباتي اتسرجوا يا عمدة, كل الدهبات والمال والخزنة ذات نفسيها اتسرجت يا عمدة., غفرك ما حموش السرايا يا عمدة

 

واه! ايه اللي عم تجوليه ديه يا صابرين ! اتسرجت كيف؟

 

اسأل رجالتك يا عمدة اللي وجفتهم يحموا السرايا

 

جصدك ايه يا صابرين! رجالتي هما اللي سرجوا السرايا ؟

 

آنا لا شفت ولا نضرت, اسأل رجالتك الدهبات والمال راحوا وين, ومين دخل السرايا وهما نايمين كيف الولايا ..يا دهباتي يا امّا, يا مرك يا صابرين, مين يرجعلي دهباتي ديلواك, يا دهباتي, يا مرك يا صابرين يا مرك

 

يا بوي! كفاكِ نواح يا مرة انتِ, هشيع للغفر اجيبهم واشوف كيف السرايا اتسرجت وهما موجودين ..واد يا عبد السميع, انت يا واه

 

نعمين يا عمدة

 

روح هات التلات غفرا اللي واجفين عند سرايا صالح واد زيدان

 

حاضر يا عمدة

 

وانتِ روحي على دارك ديلواك يا صابرين

 

اروح على وين! والله ما منجولة من هنيه إلا اما اعرف دهباتي ومالي راحوا وين

 

خليكِ مادام ديه هيريحك

 

ما هيريحنيش إلا رجوع الدهبات يا حاج ياسين, يا دهباتي يا امّا, يا مرك يا صابرين

 

يا بوووي, اجعدي من غير نواح يا مرة انتِ, اكره ما على جلبي نواح الحريم كيف الغربان ,اعوذ بالله ,ربنا يغيتنا

 

اديني حطيت بلغة في خشمي وسكت اهو, بس رجعولي دهباتي

 

(وفجأة يدخل أحد الحراس مندفعاً  ينادي العمدة فزعاً)

 

يا جناب العمدة, يا جناب العمدة, الحج يا جناب العمدة

 

خبر ايه يا واكل ناسك انت التاني

 

الزرايب بتاعة صالح اتسرجت وما فيهاش ولا باهيمة

 

واه! كيف ديه!

 

ما خابرش يا عمدة, روحنا من هبابة عشان نحرسوها زي ما امرتنا,لجينا الأبواب مفتحة وما فيش ولا حتى عنزة صغيرة

 

(ضربت صابرين على صدرها وصرخت )

 

يا مري

 

بس يا مرة انتِ, جولتلك ما طايجش اسمع نواح, خلينا نشوفوا مين واد الحرام اللي سرج السرايا والبهايم

 

(وفجأة تدخل صفية وتقول )

 

لا تسأل ولا تحير روحك يا عمدة ,آنا عارفة مين ولاد الحرام اللي سرجوا الدهبات والبهايم

 

(اشرأبت صابرين بعنقها صوب صفية وشحذت سمعها وهيأته لمعرفة الجاني, بينما قال العمدة على الفور)

 

مين يا صفية يا بتي ؟

 

آآآآخ الله يجازيهم ولاد الحرام هما واللي مسلطهم ع النجع عاد

 

تجصدي مين ؟

 

اللي عملوا كديه يا عمدة رجالة صالح اللي شيعهم عشان يسرجوا المال والدهبات والبهايم ويرجعوهومله

 

وانتِ عرفتِ ومن وين الكلام ديه؟

 

آنا شفت تنين منيهم متلتمين وما باين إلا عنيهم, كانوا فايتين جنب دار امي وانا خارجة من عنديها في الليل, كانوا بياجولوا,بعد نص الليل هنطلعوا على دار صالح بيه وناخدوا الدهبات والمال من غير ما حد يدرى بينا وبعدها نطلع على الزرايب ناخدوا البهايم ونرجعوله كل ماله. وبعدها نفوجوا للعمدة اللي طرد صالح بيه وننتجموا منيه واد الحرام ديه آآآ حجك على راسي يا عمدة, بس آنا بنجل الحديت كيف ما سمعته

 

(ارتعد العمدة ووضع يده على رقبته, بلع ريقه ثم قال)

 

ينتجموا مني كيف ؟ وآنا عملت ايه عشان ينتجموا مني !

 

واه! مش انت اللي زعطه من النجع يا حاج ياسين! كان رجالته ما هيهملوكش

 

(شخص بصر العمدة وقال متلعثماً)

 

وبعدهاله صالح! ناوي على ايه واد المحروج ديه!

 

العلم عند الله عاد يا عمدة , ربنا يكفيك شره, خلي بالك من نفسك, انت ابونا كلاتنا والنجع محتاجك

 

(وضع يده على رقبته مرة أخرى وزاغ بصره, خرجت صفية وهي تنظر إلى العمدة وتبتسم ابتسامة ماكرة,  بينما صابرين تنادي على العمدة وهو ذاهل لا يسمعها

 

يا عمدة, يا عمدة, واه! ما بتردش ليه! يا عمدة

 

خبر ايه يا صابرين, خبر ايه! عايزة ايه مني انتِ التانية!

 

واه! عايزة دهباتي اللي سرجوهم رجالة صالح

 

يا بوووي, دهبات ايه يا مرة انتِ! صالح الله يحرجه ماعارفينش بيدبر ايه للنجع ولا ليا آنا بالخصوص, يلا فزي جومي من هنيه بلا دهبات بلا هم على دماغك

 

(خرجت صابرين مندفعة وهي تولول على الذهب والمال وتلطم خديها, بينما العمدة الحاج ياسين هرع إلى الباب يستنفر غفره وحراسه قائلاً

 

أنت يا واه منك ليه , انت يا حزين انت وهو , هم يا بغل منك له

 

نعمين يا جناب العمدة

 

عايز تنين فيكو يروحوا يجمعوا الغفر اللي نايمين في البيوت, كله ياجي هنيه يجف زنهار على باب داري, اياك واحد فيكم عنيه ترمش

 

أمرك يا جناب العمدة

 

(تجمع حوله الخفر يحملون بنادقهم  وبالرغم من ذلك ظل يرتجف, أمرهم بالانتشار حول داره وبقى على اربعة على الباب يحرسونه في تيقظ..بينما هو اتجه مرتعدا تصطك أسنانه خوفاً إلى غرفته..وما أن دخل غلق الأبواب والمتاريس بينما زوجته ترقب أفعاله في دهشة ..سألته

 

خبر ايه يا ياسين؟ مالك عم ترجف وسكرت علينا البيبان كديه!

 

ولو في ألف باب وباب كنت سكرتهم واتداريت وراهم يا باخيتة

 

واه! ليه اومال؟

 

صالح واد زيدان كانه مرتب مصايب للنجع وما هيهملنيش آنا بالخصوص, شيع رجالته سرجوا الدهبات والمال المتلتل في السرايا وحتى الخزنة سرجوها ولاد الحرام , وكمان ما كفاهومش كديه, سرجوا البهايم والغنم من الزرايب , وواحدة من النجع سمعت رجالته بيجولوا انهم ما هيهملوش النجع بخير وما هيهملونيش, خبيني يا باخيتة

 

يا مرك يا باخيتة, اخيبك وين يا راجل, كانها هتغفلج على روس الكل ..بجولك ايه يا ياسين, آنا هاخد العيال واروح ازور خوالي في نجع ابو مسالم

 

واه! هتهمليني لحالي يا باخيتة!

 

لحالك كيف يا ياسين! حواليك رجالتك وغفرك يحموك

 

يحموا مين! فرة تاخدهم اول عن آخر, دول ما جدروش يحموا البهايم, هيحموني آنا كيف من رجالة صالح

 

والله انت اللي بديت العداوة معاه يا ياسين انت ومجلس الطين اللي اتفجتوا عليه, كان لزمته ايه تزعطوه وتحرموه من ماله! اهو شيع رجالته ياخدوا حجه من حبابي عنيكو, عشان كديه لازمن امشي أنا والعيال وإلا حساب صالح هيجمعنا كلاتنا وما هيرحمش حد ..والله هتوحشك يا الغالي

 

اجعدي يا مرة انتِ, رايحة على وين, طب والله لو رجلك خطت برا العتبة لخلي الغفر يطخوكي

 

يا بووووي, اديني جعدت, خلي صالح يجتلنا كلاتنا عشان تنبسط

 

ما تخافيش يا باخيتة , آنا هشيع اجيب حرس خصوصي من مصر , رجالة كيف  الديابة 

 

والرجالة اللي كيف الديابة دول هيحموك ببلاش اياك ! دول ما يكفيهومش تجبلهم فلوس

 

يا بوووي, ما تجفليهاش في وشي يا مرة انتِ, اتكتمي خليني اشوف هسوي كيف مع رجالة صالح ...ياترى ناوي على ايه يا صالح ,الله ينتقم منيك الباعيد

 

*****************************************

وعندما حل الظلام وسكن كل شيء إلا صوت عرير صراصير الغيط المتواصلة الجهورة, انتشر رجال بدران الملثمون بتلافيعهم  يحملون صفائح الكيروسين في بعض الأراضي  المزروعة يسكبونه على عجل وبعدها اشعلوا أعواد الثقاب وألقوها فاندلعت النيران وسرعان ما تصاعد اللهب, بينما هم لاذوا بالفرار عائدين إلى كهف الجبل ..أخذت النيران تمتد إلى الحقول المجاورة وتلتهم الزرع الأخضر وتحوله إلى هشيم تذروه الرياح ...لم يدرك أهل القرية ذلك إلا عندما قام من قام إلى صلاة الفجر...دب الهلع في القرية وهرول أصحاب الأراضي المتفحمة إلى أراضيهم وما أن رأوها حتى تعالت صيحاتهم النابعة عن حسرة القلوب على ضياع الثمار التي ذاقوا الوان العناء في زراعتها ورعايتها حتى أينعت وحان قطافها..ولكن ياللحسرة , لا قطاف ولا أموال ستعود عليهم من بيعها..إنه خراب لبيوتهم وضياع لأبنائهم ...هرع المتضررون إلى العمدة يصيحون فمنعهم الحرس من الدخول, فما كان منهم إلا أن وقفوا تحت نافذته يصيحون ويستغيثون حتى فتحها بزاوية ضيقة ونظر بنصف عين على وجل متوارياً خلف الشيش..سألهم

 

في ايه يا راجل انت منك له

 

الحجنا يا عمدة, زرعنا اتحرج وبيوتنا اتخربت

 

شجانا وتعبنا راح يا عمدة وعيالنا هيجوعوا

 

عايزين نعرف مين واد المحروج اللي حرج زرعنا وضيع مالنا يا عمدة

 

(صمت العمدة هنيهة ثم قال وهو يفكر)

 

..........الزرع اتحرج !! يبجى هو , هو يا نجع ابو المنصور

 

هو مين يا عمدة ؟

 

صالح, صالح واد زيدان ورجالته

 

وهو وين صالح ! انت مش زعطه من النجع؟

 

وعشان كديه بينتجم منينا يا نجع ابو المنصور, احمدوا ربكم انها جت على كديه

 

طب ومالنا اللي ضاع يا عمدة !

 

استعوضوا ربنا عاد, هعملكم ايه آنا, يلا يا راجل منك له من هنيه , ماليش صالح بللي بتجولوه , اللي خايف على ماله يبات جنبه يحرسه, يلا

 

(أغلق العمدة النافذة بالمتاريس, بينما انصرف الناس وهو يضربون كفا بكف عجباً من صنيع العمدة الذين لجئوا إليه فلم يهتم لأمرهم , لم يكن أحد ليدرك أن هذه مؤامرات أحاكتها صفية وشقيقها بدران لترويع القرية , حتى وإن دب الخوف في القلوب وانتابها الهلع ولم يجدوا من يحميهم من صالح ورجاله, يظهر بدران ورجاله ليحمون القرية من بطش صالح ورجاله ..لذا فهناك دور لصفية لابد من إكماله ...فاليوم عندها الكثير من المهام التي خرجت من أجلها باكرأ مع صياح الديكة ....ذهبت إلى هانم ابنة خالتها وطرقت الباب ..تسترت هانم وغطت رأسها وأسرعت بفتح الباب لتجد صفية أمامها متبسمة تقول

 

إصباح الخير يا هانم يا بت خالتي

 

صفية! يسعد صباحك يا خيّتي, جاياني بدري كديه ليه!

 

جولت الحجك جبل ما تخرجي تلفي ع البيوت بالبضايع

 

لا والله تعبانة النهاردة وحاسة زي ما تكون رجلي ما شيلانيش, ادخلي يا صفية

 

طيب, جوزك هنيه ولا خرج؟

 

خرج جبل الفجر, حسن ولدك عامل ايه؟

 

هاها وايش عجب حسن! ما بتسأليش على محمود ليه؟

 

محمود كل يوم عندينا بيلعب مع العيال, لكن حسن ما نضرتوش بجالي كاتير

 

اهو كويس, يا بيذاكر يا في الجامع

 

الله يرضى عنيه ويصلح حاله ..بتزوري أمك

 

سواعي, مش كاتير

 

ما هي التانية بتجول والله يا هانم يا بت اختي ما حد بيدخل عليّ الدار ويسأل إلا انتِ وحسن واد بتي

 

....يعني اشتكتلك مني؟

 

ولا جابت سيرتك, بس الكلام بيبان, ابجى اسألي على امك يا صفية, دي مهما كان مرة كابيرة ومحتاجة اللي يراعيها

 

والله يخيّتي امي ديّ مهما الواحد يعمل معاها فاضحاه وشايفاه مجصر, هنجول ايه! الله يهديها عاد....ريتِ صالح ورجالته واللي عامليه في النجع؟

 

وهو وين صالح بيه عشان يعمل ولا يسوي! مش زعطوه بعد ما هتروه وحرموه من ماله!

 

ما هو عشان كديه بينتجم من النجع وناسه

 

واه! طب وهما الناس ذنبهم ايه!

 

تجولي ايه عاد ! منيه لله الباعيد, سرج الدهباب والبهايم وحرج غيطان الناس وجوعهم هما وعيالهم

 

وانتِ متأكدة كديه ليه ان هو اللي عِمِل كديه؟

 

ماحدش له مصلحة يعمل كديه غيره, ايش عجب عاد كل ديه يحصل بعد ما اتزعط من النجع!

 

العلم عند الله وحده, آنا لا شفت ولا نضرت عشان احكم

 

واه! كانك ما مصدجاش كماني اللي عملته حياة! ولا ما عرفتيش انها طفشت من النجع مع راجل غريب ومن جبلها سرجت دهبات الحاجة فايجة!

 

والله لو جابولي الف عقل على عقلي ما صدج في بت الناس الطيبة العفيفة اللي حافظة كتاب ربها كل الكلام العفش اللي بيتجال عنيها في النجع ديه , هي جاديدة علينا ولا ما عارفينهاش اياك!

 

واه! اومال يعني تكون راحت وين!

 

العلم عند الله, يمكن هربت من الظلم اللي شافته وراحت تعيش برا النجع , لكن انها تطفش مع راجل غريب لاه وألف لاه , بكرة ترجع والحج بيان

 

(استشاطت صفية غضباً وانتفخت أوداجها وقالت)

 

ترجع وين يا مرة انتِ! عمرها ما هترجع تاني, النجع خلاص نضف منيها ومن نجاستها

 

طب بس الله يرضى عنيكِ , ما عايزينش نخوض في عرض الولايا...اجيبلك حاجة تشربيها ولا مستعجلة؟

 

ممممم طيب, بتزعطيني بالذوج , بس جبل ما امشي كنت جيالكِ في طلب صغير كديه

 

أوف خير

 

كنت عايزة منيكِ دكر بِح  سامين كديه, العيال نفسهم في البِح  وآنا البح عندي لساه صغير, بس ديه سلف ما تخافيش, تو ما البح يكبر هرجعلك دكر البح بتاعك

 

لا سلف ولا تلف, ديه هدية مني للعيال, استني أما اجيبهولك

 

طول عمرك حنينة وكريمة يا هانم يا بت خالتي

 

(ذهبت إلى الحظيرة وعادت بذكر بط سمين, فأخدته صفية شاكرة إياها وعمدت إلى بيتها لتعد أصناف من الطعام الشهي ....وقت صلاة الظهر كانت قد أعدت كل ما أرادت ووضعته في صحون على صينية كبيرة يتوسطها صحن ذكر البط السمين, غطت الصينية بقطعة كبيرة من القماش, وحملتها فوق رأسها عامدة ديوان السيد كامل..أخذت تقطع الطريق الطويل الذي امتلأ بالغادين  والرائحين ..كان الجميع يتحدث في أمر صالح ورجاله وما أحدثوه في القرية ووعيدهم لأهلها..كانت تسمع اللعنات لصالح واخته وتشق وجهها ابتسامة خبيثة ..مرت بجوار المقهى تتهزهز بصنيتها فوق رأسها وتلقي بمسامعها فلا تلتقط من همهماتهم إلا صالح..صالح..صالح ...كل الحوانيت وأصحابها وزبائنهم يتحدثون في ذات الأمر , كل العابرون إلى جوارها ليس لهم حديث إلا صالح ورجاله ..مضت في طريقها منتشية حتى وصلت إلى ديوان السيد كامل..ألفته جالساً في ديوانه وقد عاد من صلاة الظهر يراجع بعض الدفاتر ..فوقفت عند الباب وقالت بصوت مائع

 

سلامو عليكو يا كامل بيه

 

(أخذته الدهشة عند رؤيتها تحمل صينية الطعام فوق رأسها , قال)

 

أم حسن!  يا مُرحب, اتفضلي

 

يزيد فضلك يا كامل بيه, يا بوووي تاجيلة جوي الصينية, الله يخليك نزلها عن راسي

 

(قام مندهشاً يرفع عن رأسها الصينية ويضعها على طاولة إلى جواره ..جلست صفية على مقعد أمام المكتب, وعاد هو إلى مقعده يتسائل في دهشة )

 

خير يا ام حسن, وايه الصينية ديّ؟

 

خير, خير إن شاء الله يا كامل بيه , ديه غدا سويته خصوصي عشانك , وعملتلك دكر بح كنت مربياه مخصوص عشانك لحد ما سمنته..كنت بجول لروحي, يا عيني عليك يا كامل بيه, من يوم اللي حُصل تلاجيك لا لاجي حد يطبخلك لجمة زينة ولا ست حنينة تدفدف عليك, جومت من الفجر وجولت والله لدبح دكر البح واسويه واحمرهوله بيدي واعمله على مرجته كام صنف طبيخ زينين وشوية رز مفلفل هاها ممم استني اما اوريك طبختلك ايه

 

(قامت عن مقعدها بدلال وعمدت إلى الصينية ترفع الغطاء, بينما هو ينظر إليها في اعجاب يحاول مواراته خلف تجهمه .. قالت بتغنج )

 

شوف يا كامل بيه, شوف دكر البح حلو كيف!

 

احم احم..تسلم يدك يا ام حسن

 

طب والله لتدوج , استنى هجطعلك حتة منيه عشان تشوف عمايل صفية ..خد الورك ديه من يدي

 

(اضطرب وتعرق وجهه, ومد يده وأخذ فخذ البط الذي كادت أن تقربه من فاه..اقتضم قضمة فاستحسنه وتبسم وقال مثنياً عليها )

 

تسلم يدك يا ام حسن

 

مٌطرح ما يسري يمري يا سيد الناس...ياه يا كامل بيه, والله ما تعرف آنا كل يوم ببات وآنا ببكي على حالك

 

(تصنعت البكاء وهي تتغنج كالمائلات المميلات فأسرته فأخذ يتفرس في ملامحها الفاتنة وهي تقول )

 

الله ينتجم منيها حياة وين ما راحت, بجي في واحدة تبجى متجوزة راجل زييك وتفكر في راجل غيره! كيف ديّ ما تعرفش جيمتك يا سيد الناس! اللي معاها راجل زييك تحب على يده ورجليه ليل نهار وتجوله يا سيدي, تجعد تحت رجليه خدامة وتحمد ربنا ع الأملة اللي الناس حسداها عليها

 

(حدجها بنظرة اعجاب إذ هي تمتدح رجولته, تبسم ابتسامة خافتة وقال)

 

كتر خيرك يا ام حسن

 

واه! هو آنا بجول حاجة غير الحج يا كامل بيه! آآآخ من المجدر والمكتوب , ويابخت اللي يسعدها زمانها بيك....ألا جولي صح, الحاجة فايجة عاملة ايه ؟

 

الحمدلله مليحة

 

والله اتوحشتها جوي, الحاجة فايجة دي غلاوتها في جلبي فوج غلاوة امي بكاتير, يا سلام, يا سلام لو كنت عايشة معاها في بيت واحد, كنت اخدمها برموش عنيّ واجضي عمري تحت رجليها..والله اتوحشتك يا حاجة فايجة ..السلام أمانة للحاجة بالله عليك يا كامل بيه , جولها بتك صفية بتحب على يدك وبتجولك اتوحشتك يا امّا

 

تسلمي يا ام حسن, هبلغها إن شاء الله ..لكن انتِ ليه ما تعديش عليها في السرايا؟

 

والله كان بودي يا كامل بيه, لكن اعمل ايه عاد في بختي مع اختك الست جميلة اللي كارهاني ماخابراش ليه, رغم اني طول عمري احبها زي اختي الصغيرة واتمنالها الخير

 

على العموم جميلة كلها شهرين وتتجوز

 

يتملها على خير الغالية اخت الغالي آآآ واه! آنا جولت ايه ! كان الواحد اللي في جلبه على لسانه وما جادرش يحوشه

 

(تبسم منتشياً ولم يعقب..فهمت بالقيام عن مقعدها قائلة)

 

اجوم آنا بجى عشان العيال زمانهم راجعين من المُدرسة , ما انت عارف ما لهومش غيري وآنا ماليش غيرهم بعد ما بجينا لوحدنا من غير سند ...فوتك بعافية يا كامل بيه

 

.....بالسلامة يا ام حسن

 

(مضت تتهادى في مشيتها بينما هو ظل معلقاً بصره بها في اعجاب منتشياً من امتداحها لرجولته, ..ما أن اختفت عن ناظريه حتى انتصب واقفاً يشذب شاربه بيده في نشوى, واتجه صوب صينية الطعام وأنقض على ذكر البط ينهشه بأسنانه ثم تركه وبدأ بقطع أحد الأرغفة وطفق يغمسها في الصحون لقمة بعد أخرى ويتبعها بملاعق من الأرز ..ثم تبسم قائلاً ...)

 

والله طبيخك زين يا ام حسن

 

*********************************

 

(بعد أن أسدلت شالها على وجهها ,اتجهت صفية إلى قصر السيد كامل من الناحية الخلفية وعمدت إلى نافذة المطبخ حيث كانت حورية متواجدة تعد الطعام..دقت على الشباك دقات خافتة فالتفتت حورية لتجد امرأة متخفية فأسدلت حاجبيها ,فرفعت صفية الشال عن وجهها بخفة ثم أعادته كما كان وأومأت إلى حورية بالخروج)

 

وضعت ما بيدها جانباً, وخرجت مسرعة, فسبقتها صفية بخطواتها وتوارت خلف شجرة فتبعها حورية وهي تقول

 

خبر ايه يا ست صفية, كيف تاجي هنيه, ما خيفاش حد يوعالك ؟

 

يا بت ما آنا متغطية بالشال اهو, كيف حد هيعرفني ! كان لازم اجيكِ, الست عايزة منك خدمة صغيرة

 

يا بوووي ع الست وطلباتها, ولحد ميتى هنخدمها من غير ما ناخدوا فلوس !

 

واه! جرالك ايه يا بت يا حورية! مالك مسعورة ع المال كديه!

 

اومال يعني آنا كنت بعمل كديه ليه وشهدت زور معاكِ ليه وطلعنا الست حياة من السرايا!

 

بس يا بت اكتمي هتفضحينا يا باعيدة, يا بت اطمني يا بت, آنا كمان لساي ما خدت فلوسي من الست, بس هي بتجولك اطمني, فلوسك في الحفظ والصون وهتاخديها تو ما تدخل سرايا كامل بيه وتبجى مرته

 

ماشي يا ست صفية, لكن يكون في معلومك لو الست ما عطتنيش مالي يوم ما تخش سرايا كامل بيه لكون مغفلجاها على راسها

 

ما تخافيش يا بت, جولتلك الست ما بتاكلش حج حد

 

ماشي, مشيعاكِ ليه تاني؟

 

عايزاكِ في الصبح لما تطلعي السوج تشيعي بين الناس بياعين ولا مشترين إن صالح ورجالته بعد ما حرجوا الغيطان والزرع, بيجولوا إن الدور الجاي ع الأهالي, هيحرجوا بيوتهم ويجتّلوا فيهم ويدبّحوهم

 

يا مري! الكلام ديه صح يا ست صفية؟

 

هاها لاه يا بت, هو وين صالح ولا وين رجالته! بس انتِ جولي كديه وخوفي الناس منيهم

 

طب وليه ديه كلاته يا ست صفية! هنستفاد ايه يعني؟

 

اعملي اللي الست بتجولك عليه ومالكيش صالح, كل اللي ليكِ عنديها فلوس وهتاخديها

 

ماشي, أوامر الست عاد

 

***************************************

اتجه الدكتور عزت لزيارة جميلة, استقبلته والدتها في بهو القصر , وما أن جلس حتى أخذت في الترحيب

 

يا مرحب يا داكتور عزت يا ولدي

 

الله يرحب بيكِ يا حاجة, اومال وينها جميلة ؟

 

جميلة! آخ من جميلة ومن عمايل جميلة, الله يعينك عليها عاد يا ولدي

 

هاها مزعلاكِ في ايه بس يا حاجة؟

 

والله يا ولدي مزعلاني وممرراني, واخدة صف بت زيدان اللي النجع كلاته خابر زين انها سارجة وزانية وبت حرام

 

........يا حاجة الله يباركلك بلاش منيه الخوض في الأعراض, احنا لا شفنا ولا نضرنا بعنينا

 

واه! بتبل عليها إياك! واحدة وطفشت من البلد والكل شاهد, وخدامتها شهدت انها هربت مع عشيجها اللي نضرته بعنيها, يبجى ما مصدجينش ليه انتو التنين!

 

....العلم عند علام الغيوب يا حاجة , وحياة بت الحاج زيدان ما شوفناش منيها غير الأدب والأصول والأخلاق الدين

 

مممم بجى كديه! طيب

 

(دخلت عليهم جميلة من الباب عابسة تلقي التحية على عزت )

 

كيفك يا عزت

 

كيفك انتِ يا جميلة

 

الحمدلله على كل حال

 

(قامت الحاجة فايقة عن مقعدها وهي تقول)

 

طيب, اسيبكم تغنوا وتردوا على بعض في حكاية بت زيدان واجوم اعملك حاجة تشربها يا ولدي, أصل جميلة زعطت حورية الغلبانة من تحت راس حياة ومن يوميها وآنا ما لجياش حد يخدمني

 

واه يا امّا! وآنا جصرت معاكِ في ايه!

 

لا جصرتِ ولا طولتِ , بكرة ولا بعده تروحي بيتك وارجع حورية , بعد إذنك يا ولدي

 

اتفضلي يا حاجة ...ايه يا جميلة, هتفضلي مكشرة كديه! ..كانك زعلتِ اما نضرتيني جدامك

 

ما تجولش كديه يا عزت, آنا ما جدراش اتبسم عشان جلبي واجعني على حياة, يا ترى عملوا فيكِ ايه يا حياة

 

(ذرفت جميلة العبرات حزناً على حياة ..كان عزت يرمقها في حنو..قال مهدئاً خاطرها

 

كفاكِ يا جميلة, والله كلنا ما مصدجينش, ما تعرفيش خوي سلام حاله كيف, ما طايجش يكلم حد وكاره النجع بللي فيه  من بعد اللي حصل ومن بعديها كمان خروج صالح من النجع ذليل بعد ما حكم عليه مجلس الرجال يهمل كل ماله ويخرج بالهدمة اللي عليه , واللي مزعل سلام ومطير النوم من عنيه انه ما عرفش بللي حُصُل إلا بعد ما صالح همل النجع وماحدش عارفله طريج

 

آآآآخ من الظلم يا عزت آآآخ, كيف دول اللي ما يتجوش ربنا يزعطوه من سرايته ويحرموه من ماله! كيف! هو ديه عدل ربنا! ناس ظلمة الله ينتقم منيهم

 

طيب بس اهدي وبلاش منيه الحزن والبكا ديه

 

وآنا حيلتي ايه عاد يا عزت غير الحزن والبكا على حياة وخوها واللي جرالهم

 

طيب بجولك ايه ..روحي البسي عشان اخدك تشوفي البيت بتاعنا بجي كيف وكماني العيادة

 

طيب يا عزت, آنا من الأصل مخنوجة من السرايا وما طايجاش روحي

 

(هرعت جميلة إلى الدور العلوي ,رمقتها أمها وهي تحمل صينية الشاي متجهة إلى عزت..وضعت الصينية وقالت..)

 

الشاي يا ولدي

 

متشكر يا حاجة

 

طلعت فوج وهملتك لحالك ليه ديّ؟ اوعى تكون زعلتك في حاجة؟

 

هاها لاه يا حاجة, جميلة ست البنيتا واعقلهم..طلعت تلبس عشان نروح نشوف البيت الجاديد والعيادة بجوا كيف

 

الله يهنيكو يا ولدي..بس بجولك ايه, ابجى عقلها وجولها يا جميلة عيب لما تعادي امك وخوكِ عشان حياة

 

ربنا ما ياجيب عداوة يا حاجة, جميلة أصيلة وما هاينش عليها عشرة حياة

 

صُح يا ولدي, اللي معاشر كلب ما بيهونش عليه, وبتي طيبة وعلى نياتها ..اشرب الشاي يا ولدي

 

تعيشي يا حاجة

 

*******************************

 

كانت حياة تصلي في خلوتها في ظلام دامس..وفجأة سمعت دبيب خطوات تقترب ..تقترب..فارتجفت وتسارعت نبضات قلبها هلعاً واصطكت أسنانها رعباً, فرغم تأهبها للموت بين اللحظة والأخرى إلا أن وقع الأمر جلل على نفسها..أخذت الخطوات تقترب وتقترب, وفجأة توقف صاحب الخطوات عند فوهة الغرفة وأضاء كشافه, فأبصرته فشهقت مترجفة شاخصة البصر..إنه خليل الجارحي يقف أمامها مقطب الجبين يحمل سكيناً حاداً كبيراً, اقترب نحوها كوحش مخيف وانكفأ عليها وقد وضع شفرة السكين على رقبتها فذرفت العبرات ونطقت الشهادتين

 

أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله

 

(فقال هامساً في أذنها)

 

ما تخافيش, ما هأذكيش

 

اومال ماسك السكينة في يدك ليه؟

 

خفت تصرخي لما توعيلي, وآنا ما عايزش حد يدرى بينا

 

............................................

 

 اطمني, جومي معاي وبلاش منيه الرعب اللي في عنيكِ ديه , جومي ودلي شالك على وشك

 

على وين؟

 

جومي مش وجت السؤال ديلواك.....واه! بتطلعيلي كديه ليه! جولتلك ما هأذكيش, يلا جومي جبل ما حد يدرى بينا, يلا اتبعيني 

 

(قامت وهي ما فتأت تتوجس خيفة ولا تأمن جانبه,  ..وضح ذلك جلياً في نظراتها واضطراب ملامحها..أسدلت شالها على وجهها وتبعته .أخرج رأسه يترقب الطريق فوجده خالياً.....ما أن خرج من الغرفة حتى التقط جوالاً كبيراً مملوءاً عن آخره..اندهشت ولكنها لم تسأل, فالأمر ليس به متسع للأسئلة, فهو يمشي على عجل يحمل الجوال فوق كتفه  يريد الفرار.مشت خلفه فإذ به ينظر مضطرباً يمنة ويسرة ليتيقن أن الجميع لا يراه ..مضيا فوق الأرض المتعرجة في ممر طويل حتى بلغا فوهة خلفية للجبل فنفذا منها إلى الخارج حيث ضوء الشمس ونسيم الهواء الذي حرمت منه عدة أيام..انحدرا إلى أسفل بعد معاناة فوق الصخور والتعرجات وتعثر الخطوات...كانت حياة تلهث بشدة وبدا عليها الإعياء...نظر إليها محاولاً أن يطمئنها

 

معلش يا ست حياة, هانت..ديلواك هنأجر عربية توصلنا مصر

 

واه! مصر! ليه اومال؟

 

ما تسأليش ديلواك, مش أوان السؤال

 

ما هروحش مصر آنا, آنا راجعة النجع

 

لاه يا ست حياة لاه, أهل النجع لو وعيولك هيجتلوكِ, كانك ما خبراش المرة اللي اسميها صفية شاعت بيناتهم ايه, جالت عليكِ خاطية

 

....وأهل النجع اللي خابريني زين صدجوها؟

 

ايوة, كاتير منهم صدجوها

 

ما يهمونيش, ربنا كبير وقادر يحميني منيهم,وديني عند خوي صالح الله يرضى عنيك

 

خوكِ صالح!.. وهو وين عاد!

 

يا مري! خوي جراله ايه؟ جتلوه ولا ايه ؟

 

ما تخافيش, خوكِ عايش, لكن الله أعلم الدنيا رسيت بيه على وين بعد ما زعطوه من النجع وحرموه من ماله واملاكه

 

يا مري! يا حبة جلبي يا خوي, حسبي الله ونعم الوكيل

 

(نشجت حياة وبكت بمرارة على مصير شقيقها الوحيد, فقال لها خليل الجارحي مهدئاً فؤادها المكلوم

 

كفاية بكا الله يرضى عنيكِ, الحمدلله إني جدرت اهربك منيهم يا بت الناس, لو عتروا عليكِ ما هيرحموكيش

 

.....انت ليه هربتني؟ ليه بتساعدني؟

 

جولتلك مش أوان السؤال, ديلواك عايزين نمشي من هنا جبل ما حد يدرى بينا

 

(وإذ هما كذلك حتى ظهرت سيارة اجرة على الطريق فلوح للسائق فتوقف وسأل)

 

على وين يا اخينا؟

 

تودينا مصر؟

 

يا بوووي! مصر! باعيد, شوفلك عربية تانية

 

وصلنا واللي رايده هعطيهولك وفوجيه زيادة من عندي

 

إذا كان كديه خلاص, اركبوا

 

( فتح خليل الجارحي الباب الخلفي وأومأ لحياة بالركوب, فدلفت إلى السيارة على وجل...أغلق خليل الباب بعد أن تأكد أنها استراحت في جلستها, وركب هو إلى جوار السائق محتضناً الجوال ..انطلقت السيارة  إلى القاهرة ..طوال الطريق كاد الحزن والقلق يفتكا بقلبها ..حزناً على أخيها الشريد المنبوذ وهو عزيز قومه, حزناً على بناتها ومآلهن, حزناً على حالها وقد ذلت بعد عزها ..وقلقاً من مصير مجهول...وبين سيل من العبرات التي شقت سبيلها على ملامحها الحزينة الصامتة, وتساؤلات وحيرة كاتمتها سريرتها أمضت الطريق الطويل ..كانت تقول في حديث صامت لنفسها

 

يا جلبي عليك يا صالح يا خوي, يا ترى روحت وين يا جلبي, كيف يحرموك من مالك اللي ما يتقوش ربهم دول, حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم....بناتي..يا ترى عاملين ايه ومسويين ايه من غير امكم يا حبايبي, اتوحشتكو يا ضي عيني, اتوحشتكو يا بنات عمري, يا فرحتي اللي ما كملتش, يا زرعتي اللي ما حصدتهاش, آآآآه يارب رحمتك..مستودعاك البنيتا يارب اللي ما عارفاش هشوفهم بعنيّ تاني ولا العمر هيعدي وما نتجابلش..آنا رايحة في سكة ما عارفهاش, دنيا ما خبرهاش..يا ترى على وين يا حياة وهتعيشي كيف..هصرف على نفسي من وين بس! ..لازم اشتغل...اشتغل! ...اشتغل ايه؟ ههين نفسي والخلق يتحكموا فيا بعد ما كنت.....كنت ايه ! آآآآآه دنيا ما تستاهلش وما بترحمش.....لكن رحمتك انت يارب اللي متعشمة فيها...رحمتك يارب, زي ما نجتني من الموت يسرلي حياةي, آنا ما خابراش حاجة ولا عارفاش حاجة ولا ادري أسوي كيف في دنيتي..دبرلي أمري يا رب فإني لا أحسن التدبير.....منك لله يا كامل, منك لله, مش مسامحاك أنت وكل اللي ظلموني ليوم الدين....وربنا يجازيكِ خير يا جميلة على وجفتك جنبي يا حبيبتي

*********************************************

استيقظ بدران ورجاله ودبت الحركة في كهف الجبل...حياه سعداوي قائلاً)

 

يا صباح المرجلة يا ريس بدران, صباحك نادي

 

يسعد صباحك يا سعداوي..روح يا واه سويلي كِباية شاي وسويلي حجر للشيشة ولافيهالي متظبِطة ونادم على خليل يشرب الشاي معاي

 

أمرك يا كابير

 

(انطلق سعداوي في تلبية مطالب سيده بدران..أشعل النيران وأعد الشاي والنارجيلة, وذهب بهما إلى بدران ووضعهما أمامه ثم انطلق في طلب خليل الجارحي....وقف إلى جوار مخدعه وتنحنح ونادى )

 

ريس خليل...ريس خليل يا ابو جارحي

 

...............................................

 

واه! ما عيردش ليه! لساه نايم الحزين ديه ولا ايه! أما ادخل اصحيه .....ريس خليل, اصحى عشان تشرب الش......واه! ديه مش هنيه...ولا مع الرجالة برا....يكون عند المرة اللي اسميها حياة , اروح اشوفه جتلها ولا ايه

 

(انطلق إلى غرفة حياة, تنحنح ودلف فصعق وفغر فاه حين لم يجدها..هرع كالإعصار إلى بدران الذي كان يدخن النارجيلة )

 

ريس بدران, الحج يا ريس بدران

 

خبر ايه يا واه؟

 

المرة اللي خاطفينها مالجيهاش في مُطرحها

 

(ذهل وألقى بأنبوب النارجيلة من يده وقال)

 

بتجول ايه يا حزين انت!

 

كيف ما سمعت يا كابير, دخلت عليها مالجتهاش, كانها هربت يا ريس بدران

 

هربت كيف يا واد انت! نادم على خليل ابو الجارحي

 

يا بوووي نسيت صُح اجولك ان الريس خليل ما لجيهوش هو التاني

 

(تطاير الشر من عيني بدران وانتصب واقفاً وضرب النارجيلة بقدمه فانكسرت وتناثرت , وهرع خارج الغرفة  دافعاً سعداوي من أمامه فهرول خلفه ..عمد بدران إلى الغرفة التي كانت حياة حبيستها فوجدها شاغرة كما أخبره سعداوي,ثم هرع إلى مخدع خليل الجارحي فلم يجده..تفقد أسلحته فلم يجدها في مواضعها..شعر بشيء من الريبة في الأمر..ضيق عيان مفكراً ..أين اختفت المرأة! أين ذهب خليل! هل أخذها ليقتلها ويلقي جثتها بعيداً عن الجبل وسرعان ما سيعود!...قفز الشيطان إلى رأسه فذكره بالذهب والأموال والنفائس التي استولوا عليها وكنزوها في أحد مغارات الجبل, هل هي موجودة أم سرقها خليل الجارحي واختفى! اتسعت حدقتا عيناه وانطلق كالكلب العقور عامداً المغارة وخلفه سعداوي...بلغ المغارة فاندفع داخلها فوجدها خاوية والخزانة مفتوحة وخالية من كل شيء,فزئر غاضباً وضرب الحائط وهو يصر على أسنانه وشررات الغضب تتدافع من عينيه, استدار إلى سعداوي الذي يرقب الموقف مشدوهاً وقال

 

خليل خاننا يا سعداوي, خليل سرجنا وهرب بالدهبات والفلوس اللي ماليها حصر

 

كيف يعمل كديه يا ريس بدران! خليل!! خليل يعمل كديه! ده كان دراعك اليامين

 

يا بووووي, هتجف تولول كيف الحريم! نادم ع الرجالة يجيبوا سلاهم وياجوني ديلواك, لازم نلحج ود المحروج ديه جبل ما يختفي, يلا غور

 

(هرع سعداوي يجمع الرجال بعد أن أخبرهم بسرقة خليل للكنوز,هاجوا وماجوا واستشاطوا غضباً, حملوا اسحلتهم يتدافعون إلى سيدهم بدران..وقفوا أمامه وهم يقذفون عبارات الغضب والتهديد والوعيد للسارق,أصوات ضجيجهم ووعيدهم كادت تصم آذان بدران الذي صاح فيهم )

 

بس بس انت وهو .كفاكم حديت من غير فعل......ضاحي

 

نعمين يا ريس

 

تاخد الرجالة انت وسعداوي وتجلبوا النجع عاليه واطيه لحد ما تعتروا في الكلب ديه...تاجيبوا منيه اللي سرجه , وتجيبهولي هنيه أجتله بيدي عشان يكون عبرة لأي كلب يخون الريس بدران

 

ياريس بدران, ما اظنش ان واد المحروج ديه متداري في النجع, ده لازمن يكون هرب برا النجع عشان ماحدش يعرفله مُطرح, هو مش مخبل عشان يتدارى في النجع ولا يدس السريجة فيه, لأنه عارف ان دبة النملة في النجع ما تخفاش على رجالة الجبل

 

يعني ايه يا ضاحي؟ يكون هرب راح وين؟

 

ما خابرش عاد, بس اللي متأكد منيه انه مش في النجع

 

طيب والمرة المخطوفة ؟

 

الله أعلم يا كابير..يمكن جتلها, ويمكن ما جتلهاش

 

يا بوووووي, هنجعدوا نجولوا يمكن وما يمكنش والدهبات والمال بيتمتع بيهم واد المحروج ديه! ..اسمعوا يا رجالة, هتجسموا نفسيكو عشان نلاجوا العويل ديه,  كام راجل منيكو يجلبوا النجع عاليه واطيه , عسوا عن أخباره في كل مكان في النجع,  وشوية منيكو يدلوا في نجع ابو مسالم, وشوية في نجع المحارثة, وكام راجل ينزلوا المركز..ما هيروحش مكان غير اللي جولنا عليهم دول..يلا يا ضاحي, خد سعداوي والرجالة واعملوا اللي جولت عليه, ما عايزش الليل ياجي إلا وواد المحروج ديه متكتف جدامي .وساعتها...ما هرحموش ولا هيطلع عليه صبح, يلا هموا, ما ترجعوش الجبل من غيره, هو جبل المال والدهبات, الدهب والمال يتعوضوا, لكن الغدار مالوش غير الجتل

 

(انطلق الرجال بأسلحتهم خارج الجبل بعد أن قسمهم ضاحي وعرفهم وجهاتهم التي سيعمدون إليها ..بينما ظل بدران يبرق ويرعد ويتوعد خليل بالقتل )

***************************************

في قصرها كانت الحاجة فايقة تحتسي الشاي بمفردها,بعد أن عزفت عن الجلوس إلى جميلة والمؤانسة بحديثها في الآونة الأخيرة, وكانت جميلة تكتفي بتحية الصباح والمساء لوالدتها وسؤالها عن احتياجاتها لتلبيها دونما التطرق لأي حديث آخر, فكل الأحاديث تقودهما إلى خلاف وتشاحن, لذا فكانت جميلة تؤثر الصمت على أحاديث تثير غضب والدتها براً بها ..كانت الحاجة فايقة تتنهد في ملل وتأفف, ولكن صمتها لم يطل, فاهو جرس باب القصر يدق,فهرعت لتفتح فألفت كامل ولدها مبتسماً ابتسامة بدت منها ثناياه ..فأشرق وجهها لذلك فقالت

 

واه! والله بجالي كاتير ماشفتكش متبسم كديه يا كامل يا ولدي

 

هاها خلاص يا امّا, الهم انزاح ومن هنيه ورايح مافيش غير روجان البال والضحكة الرايجة

 

هاها الله يسعد جلبك عاد يا ولدي, بركة دعا امك يا الغالي, طول الليل ارفع يدي واجول يارب حوش عنيه الهم وبدل حاله وفرح جلبه واكفيه شر الحزن وعوض عليه

 

هاها كان دعوتك ربنا استجابها يا امّا وولدك هيتنعم في الفرح أيامه الجاية

 

ممم كان كديه حاجة حصلت وفرحتك عاد

 

صُح يا امّا,صُح يا غالية, تعالي نجعد عشان احكيلك ع اللي حُصُل عاد

 

(ذهبا إلى البهو وجلس, وجلست والدته في المقعد المجاور,سألته فور جلوسها)

 

ها, حصل ايه احكيلي يا كامل

 

احكيلك يا امّا, بجى امبارح وآنا في الديوان جتني صفية

 

واه! صفية! جاتك ليه طيب؟

 

والله يا امّا جابتلي صينية غدا كابيرة وجالتلي عملتهالك عشان صعبان عليّ حالك وجعدتك من غير حرمة تراعيك

 

هاها كتر خيرها عاد, صاحبة واجب طول عمرها البت صفية

 

وسألتني عليكِ عاد, ووصتني أوصلك السلام وبتجولك,بتك صفية بتسلم عليكِ وبتجولك اتوحشتك يا امّا

 

هاها الهي ما تشوفي وحش بنضرك يا صفية يا بتي, والله طيبة طيبة طيبة وتتحط ع الجرح ياطيب, ما انساش حنيتها لما كانت تاجي بالفاطير المشلتت وتوكلني في خشمي

 

هاها......كانها حنينة جوي يا امّا

 

 حنينة وطيبة وتتقي ربها

 

عارف يا امّا, عارف, هي لو ماكانتش بتتقي ربها كانت بلغتني بللي عملته حياة وسرجتها!

 

نعوذ بالله من سيرتها, ما تاجيبش سيرة المرة الزانية بت الحرام ديه جدامي تاني ..خلينا في صفية بت الحلال المصفي, اسم الله عليها, غير أدبها وكمالها ربنا اداها جمال ما اداهوش لمرة في النجع هاها ممم يا بخته عاد يا كامل اللي هيتهنى بيها

 

...جصدك ايه يا امّا؟

 

واه! جال يعني ما فاهمش جصدي كامل هاها ..بجولك ايه يا ولدي, اتجوز صفية

 

.........اتجوزها؟

 

ايوة اتجوزها, دي نجاوة امك ليك, وبكرة تدعيلي

 

ايوة يا امّا بس..صفية يعني مش من مجامنا, مهما كان بوها كان كلاف بهايم

 

واه! وماله يعني كلاف البهايم! ماانت ناسبت جبل كديه بت عين أعيان نجع ابو المنصور, وفي الآخر سرجتنا وفرطت في عرضها وفضحت بناتها وطفشت مع الراجل الغريب

 

كفاية يا امّا, بس الله يرضى عنيكِ بلاش منيه الحديت ديه, كل ما افتكر المرة ديه وانها كانت بتخوني وهي محسوبة عليّ مرة وعايشة في بيتي بحس النار بتجيد في جلبي وبيبجى هاين عليّ أفتش عنيها وين ما تكون واجتلها بيدي

 

ولا تفتش عنيها ولا تشغل روحك بيها, أهي غارت من النجع, ربنا ما يكتبلها رجعة

 

.....عمرها ما هترجع بعارها يا امّا

 

يااخي الله يحرجها مطرح ما راحت, كفانا من الحديت عنيها المحروجة ديّ, خلينا في صفية..ها , هتطلبها للجواز ميتى؟

 

يا امّا انتِ ناسية انها لساها في العدة!

 

والعدة جربت تخلص, بجولك ايه, آنا بكرة هروحلها واشوف رأيها ايه, مع اني جلبي حاسس انها ما هترفضش

 

ياريت يا امّا, حتى كماني أربي ولاد شاذلي في حضني

 

ربنا يجازيك خير يا ولدي..والله جلبي حاسس ان سعدك مع صفية وهتاجيب منيها بدل الواد تلاتة

 

هاها دعواتك عاد يا حاجة..والله نفسي اتفتحت للجواز وللواد اللي مشتهيه

 

ربنا يعطيك يا ولدي الواد اللي يسند ضهرك ويكون راجل يتحاكى عنيه

 

آمين ياامّا

 

(مرت جميلة عليهم وألقت السلام على أخيها من بعيد واجمة )

 

كيفك يا كامل

 

مليح الحمدلله, كيفك انتِ يا جميلة

 

الحمدلله ..كيفهم البنات,اتوحشتهم

 

لو اتوحشتيهم صُح كنتِ جيتِ سألتي عنيهم

 

ما جدراش اشوف المرة اللي اسميها حورية ولا انضرها جدامي, بالله عليك يا خوي ابجى هات البنيتا معاك المرة الجاية

 

ربك يسهل

 

تعالي يا جميلة باركِ لخوكِ, هيتجوز صفية

 

(اتسعت حدقتا عين جميلة واشتعلت النيران داخلها فاتجهت صوبهما وقالت بصوت ثائر)

 

كان جلبي حاسس انك هتتجوزها, هي من الأساس ما عملتش في حياة كديه وخلت الكل يلعنها إلا عشان توصل لسرايتك وتتربع فيها بت كلاف البهايم, وهعيد عليك الكلام تاني يا كامل يا واد بوي, كانت بتعمل كديه عشان توصل لسرايتك, اوعاك تكون فاكر انك فارج معاها ولا عاشجة طلتك, انت عنديها مال وسرايا وعز وجاه وبس, وبكرة تاجول أختي جميلة جالت..وطالما انت وامي متفجين يبجى خلاص, كلامي مالوش عازة, واللي يعيش وسط النار بخطره يتحمل عذابها يا خوي, وحديتي لحد هنيه خلص وما هعيدوش تاني...باجي حاجة واحدة بس يا كامل...اديني ورثي من ابوي كامل مكمل

 

(امتعض كامل وحدجها بنظرة غضب ونظر إلى والدته,فانتفضت عن مقعدها وقالت بلهجة حادة)

 

ايه اللي عم تجوليه لخوكِ ديه يا جميلة! من ميتى بتطالبي بحجوجك ولا بتفرجي بينك وبين خوكِ! طول عمره مراعي مالك وأرضياتك بما يرضي الله وعمره ما بخسك حجك, تجومي النهاردة تجوليله حجي وما حجي!

 

ايوة يا امّا هجول وأطالب وما ههملش مالي في يد صفية اللي ما تتقيش ربها دي وطلجت راجل من مرته ورمتها في شرفها بالزور.يكون في معلومك انت وكامل يا امّا, آنا عمري ما كان يخطر ببالي إني أطالب خوي بورثي, لإني عارفة انه كان محافظ عليه وما فيش فرج بيناتنا يوم ما كان معاه ست تتقي ربها وعارفة حدوده وبتعينه على طاعة ربه , لكن ديلواك ..ديلواك كل شيء اتغير, وآنا ما ههملش مالي لكلبة مال سعرانة زي صفية

 

سامعة بتك يا امّا!! كبرتِ خلاص يا جميلة وصوتك علي على خوكِ الكابير! بتطالبيني بمالك عشان مش مأمناني عليه بعد ما صونتهولك من يوم موت بوكِ لحد ديلواك!

 

انا جولتلك السبب يا كامل, وما تخلنيش أزود في الكلام ونخسروا بعضينا

 

واحنا لسة ما خسرناش بعضينا يا بت بوي!

 

ما تسمعش كلامها يا كامل, كنها جنت بت ابو الحجاج, اخفي من وشي ديلواك يا جميلة ما تخليش جلبي الغضبان يدعي عليكِ

 

تدعي عليّ ليه يا امّا! عشان بطالب بحجي!

 

لاه, عشان مخونة خوكِ

 

آنا ما خونتوش يا امّا

 

واه! اومال معناته ايه الكلام اللي عم تجوليه ديه!

 

أمّا, انتِ وكامل سمعتوني زين., وآنا جولت ما ههملش مالي لصفية

 

وصفية صالحها ايه بمالك!!

 

هاها صُح! والله يا امّا كانك هتعيشي طول عمرك مغشوشة فيها مهما عملت..خلي كامل يتجوزها براحته, إن شالله من الصبح تزفيه عليها, لكن جبل ما صفية تدخل سرايته يديني ورثي من بوي وإلا ما هسكتش واروح للعمدة واجمع مجلس الرجال يحمكوا بيناتنا

 

بجى كديه يا جميلة! عايزة تشكي خوكِ للناس وتفضحيه في النجع! الله يحرق جلبك ولا يتملك فرحتك على عزت ويحسرك طول العمر

 

..............بجى كديه يا امّا!.....هونت عليكِ تدعي عليّ الدعا العفش ديه يا امّا!.....الله يسامحك يا امّا, الله يسامحك....بس يكون في معلومك برديك ما هسكتش , ويإما ولدك يديني ورثي يا إما هفضحه في النجع

 

(هرعت جميلة تصعد الدرج وهي تبكي وتنشج, بينما يتبعها شقيقها بنظرات حادة غاضبة...نظرت إليه والدته بحنو وربتت على صدره قائلة)

 

ما تزعلش روحك ولا تاخد على كلامها البت ديّ, ما هتجدرش تعمل حاجة, اهو كلمتين فضفضت بيهم وخلاص, لكن انت ما تهونش عليها

 

اللي مزعلني يا امّا انها بتخوني وبتتهمني آني هاكل مالها لو اتجوزت صفية

 

هاها ديه بس من زعلها على المحروجة حياة, ما انت خابر كانت تحبها كيف وبكت عليها جد ايه لما طلجتها

 

ايوة يا امّا بس مين ابجالها! آنا ولا حياة! بجى تعاديني وتسب صفية اللي ما شيلاش ليها في جلبها الا الخير وتجول عليها كلبة مال وما خابرش ايه!

 

جولتلك من زعلها على المرة اللي طلجتها, خلاص عاد, ما تزعلش روحك, يامين وتروج جميلة وترجع زي الاول والاحسن, وهتتصاحب كماني على صفية لما تشوف جلبها الطيب ومعاملتها المليحة, بكرة تجول امي جالت يا كامل, جميلة طيبة وحنية جلبها سابجاها 

 

ربنا يهديها ويكفيها شر شيطانها يا امّا, هروح آنا السرايا عشان اشوف البنيتا مسوين كيف...,والله يا امّا خايف منيهم لتربيتهم تخرب ويبجوا زي امهم

 

بعد الشر, ما تجولش كديه, اومال صفية راحت وين! اطمن يا ولدي, صفية هتربيهم احسن رباية وهتبحى ليهم الأم الحنينة وتعوضهم عن امهم اللي طفشت مع الراجل الغريب وهملتهم

 

إن شاء الله يا امّا

 

اتوكل على الله يا ولدي, وآنا في الصبح هروح لصفية اطلب يدها ليك

*******************************************

في السيارة كانت حياة غارقة في يم أفكارها ذاهلة عما حولها...أدار خليل رقبته ناظراً إليها..ثم استدار إلى السائق قائلاً

 

الله يخليك يا اخينا وجفنا عند اجرب مطعم ولا حتى عربية فول خلينا ناخدوا كام راغيف

 

هاها باين عليك جعان

 

الطريج طويل, ومعاي جماعتي زي ما انت واعي

 

طيب, في مطعم صغير هنعدوا عليه كمان عشر دجايج بالكاتير

 

(وصلوا إلى المطعم, فترجل خليل والسائق عن السيارة....جلب بعض الطعام والماء وعلبة من السجائر, وأعطى السائق من الطعام, وتوجه إلى حياة بأغلبه وأبقى لنفسه القليل, وقف إلى جانب شباك السيارة ومد يده إليها بما جلب...ولكنها ما فتأت ذاهلة لم تسمعه وهو يقول )

 

اتفضلي الوكل والمية يا ستنا

 

........................................

 

يا ستنا.....يا ستنا......ماسمعانيش ولا ايه؟

 

ها! في ايه؟

 

الوكل والمية يا ستنا, اتفضلي, خابر انك جعانة

 

ايوة صُح جعانة, كتر خيرك

 

(أخذت الطعام والماء وابتعد هو بخطواته عدة أمتار ليشعل سيجارة, تبعه السائق ووقف إلى جواره وهو يشعل سيجارته وأخذا يتحدثان كعادة بعض رفقاء السفر ...أما حياة فطفقت تأكل الطعام في نهم,فالأن بعد أن خرجت من محبسها ورحل عنها بعض الخوف من المجهول, شعرت بالجوع وقد كاد يفتك بها ....تناولت طعامها وأتبعته بالماء وحمدت الله على نعمه....نظرت من شباك السيارة فوجدت خليل يدخن سيجارته ويتبادل حديثاً مع السائق ويضحكان...لمحت ملامحه وقد تبدلت إلى ملامح هادئة لرجل وقور باسم الثغر,اضفا عليه طول القامة والمناكب العريضة مهابة...وكأنه رجل غير الذي اختطفها وكبلها بأغلال خشنة وزج بها في محبسها...كانت نظرة عابرة وغضت بصرها وطفقت تفكر...لمَ يساعدها هذا الرجل! ما الذي يحمله على ترك بلدته ليهرب بها بعيداً وينجيها من هلاك محقق!....سؤال لن يجيب عنه غيره...لذا يجب أن تسأله لتعلم ما أخفاه عنها قبل أن يفترقا ....ترجلت عن السيارة ...لوحت إليه عدة مرات حتى انتبه ...ترك السائق وهرول إليها ..وما أن وصل حتى سألها باهتمام)

 

في حاجة يا ستنا؟ عايزة وكل تاني ولا أي حاجة ناجصاكِ؟

 

لاه, الحمدلله...آنا عايزة اسألك انت ليه ساعدتني ونجيتني منيهم؟

 

مش آنا اللي نجيتك يا ستنا...بوكِ  هو اللي نجاكِ

 

......بوي!....تجصد ايه؟

 

هحكيلك يا ست

 

(رجع بذاكرته إلى عشرين عاماً...تذكر أمه حين ذهبت إلى الحاج زيدان تشكوه إليه في مندرته وتقول باكية)

 

جيتك عشان تشوف صرفة مع ولدي خليل يا حاج زيدان, عمايله كلها سو ومجصر رجبتي مع الخلج, وهو ما عادش صغير, عنديه ياجي تمنتاشر سنة ديلواك , لا نفع في علام ولا نفع في شغل, بيشرب سجاير وداير يتصرمح مع العيال البايظين ولا سامعلي كلام ولا سامعلي نصح, وآنا تعبت وحدي بعد موت بوه وماخابراش اسوي كيف, جولت اجيلك يا حاج

 

هاها طب كفاكِ بكا عاد يا ام خليل, لساه طايش وعايز اللي يعقله, شيعيه وما تعوليش هم

 

كتر خيرك يا حاج زيدان, يباركلك في ولادك يا رب

 

(ثم تذكر لقائه مع الحاج زيدان الذي أحسن استقباله وتهلل لرؤيته وقال)

 

يا مرحب يا خليل يا ولدي, اجعد واجف ليه

 

.....تشكر يا حاج زيدان

 

في الاول ناكلوا لجمة مع بعضنا وبعدها نتحدتوا واحنا بنشربوا الشاي

 

(وبعد أن فرغا من الطعام, أجلسه إليه وقدم إليه الشاي مبتسماً وقال)

 

اتفضل الشاي يا خليل يا ولدي

 

تشكر يا حاج, ربنا يخليك

 

عندي كلمتين يا ولدي عايز اجولهوملك..الأم والأب دول ما يتعوضوش, رضاهم يساوي الدنيا بللي فيها, بعدهم ضنين لما تلاجي حد يهمه صالحك ولا يبكي على حالك, وامك يا ولدي عايزالك الصالح, عايزة تشوفك راجل زين يفرح جلبها, لكن لما تمشي في سكة عفشة زي ديّ ما هتجرش على نفسك غير غضب ربنا وحرجة جلب امك وبكاها...اتقي ربنا يا ولدي وطيع ربك عشان يرضى عنيك وتطمن جلب امك

 

......يا حاج زيدان آنا ما بعملش حاجة عفشة,فيها ايه يعني اما اسهر مع اصحابي ! لازم ابجى زي البنيتا واجعد جنبيها!

 

ماحدش جال كديه, ولا هي ترضى بكديه, امك عايزاك راجل, تشتغل وتشوف حالك

 

ولما اشتغل هاخد ايه! هيدوني جليل وما يكفنيش حتى السجاير

 

يا ولدي وليه بس السجاير ديه ولزومها ايه! لو بطلتها هيبجى مالك كله خالص مخلص ليك وتجدر تحوش منيه كمان وتتجوز ويبجالك بيت وعيال, وآنا لو لجيتك بتصلي وواخد بالك من امك ومراضيها وبتشتغل وشايل همها وهم خواتك الصغيرين,هجوزك واحدة بت حلال أهلها ناس طيبين وأساعدك في الجهاز كماني

 

.....صُح يا حاج زيدان؟

 

ايوة صُح يا ولدي, آنا بدال بوك يا خليل, واللي تطلبه يا ولدي ما هعزوش عنيك

 

ربنا يخليك يا حاج, يدك احب عليها

 

لاه, لاه يا ولدي, استغفر الله..لو عايز تشكرني صح يبجى تعمل اللي جولتلك عليه, وآنا في الصبح هجيبلك شغلانة مليحة..ايه رأيك تشتغل في طاحونة الغلة عندي؟

 

اشتغل يا حاج, اشتغل

 

طيب مليح....خد الفلوس ديّ هدية مني,اشتري منيها اللي نفسك مشتهياه, بس ما تاخدش على كديه هاها مالك اللي جاي يكون من عرقك وكدك يا خليل ,مد يدك وخد يا ولدي

 

هاها ربنا ما يحرمناش منيك يا حاج, ربنا يخليك لينا, والله ما هنسالك اللي عملته ديه وانك اعتبرتني ولدك واهتميت لصالحي

 

(فرغ خليل الجارحي من حديث ذكرياته الذي أصغت له حياة باهتمام...وسألته)

 

وصُح اشتغلت عند بوي في الطاحونة؟

 

ايوة يا ستنا اشتغلت..سبوع بحاله وآنا شغال وحاسس اني راجل ومسؤول عن امي وخواتي وبمني روحي باليوم اللي الحاج زيدان هيجوزني فيه بت من بنات الناس الطيبين...لكن....الله ينتقم منيه بدران اللي زن على دماغي زي إبليس اللعين, كان ياجيني الطاحونة ويضحك ويجولي, وآخرتها ايه شغلانتك الفقرية ديّ! اخرتها هتتجوز واحدة فقرانة وتخلف منيها عيال يزيدكو فقر على فقركو وفي الآخر تموت وانت ما اتمتعتش بالدنيا اللي بيتمتعوا بيها اسيادنا .من كتر زنه على دماغي طاوعته وهملت الشغل في الطاحونة ورجعت للسهر والمسخرة من التاني ...ورغم كديه الحاج زيدان بوكِ ما هملنيش,كان يشيعلي مراسيل كل يوم والتاني, لكن ما روحتلوش...والسنين مرت بيا وما نضرتوش لحد ما مات....ربنا يعلم بكيت عليه بكا ما بكتوش على بوي ...كان راجل طيب وصالح...كان مناي ابجى زييه...لكن ما حصلش.....لكن جميله لحد ديلواك مطوج رجبتي, وعشان كديه لما عرفت انهم عايزين يجتلوكِ عملت روحي مطاوعهم عشان اجدر انجيكِ منيهم ومن شرهم يا ستنا, وده يكون رد شيء من جميل بوكِ الراجل الطيب الله يرحمه

 

.......الله يرحمه....آنا لحد ديلواك ما خابراش انت ناوي معاي على ايه؟ هتهملني وين ولا هسوي كيف ولا .....

 

ما تفكريش في حاجة يا ستنا,اطمني, الشوال اللي واعياله ديه,فيه كل مالك ومال خوكِ, دهبات فلوس وحجيات الأرضيات وكل شيء

 

واه! ووصلتلهم كيف؟

 

بدران ورجالته سرجوهم من سرايا خوكِ صالح بيه ودسوهم في مغارة في الجبل.اتسحبت وهما نايمين ولميت كل حاجة في الشوال ديه,حتى الورجات اللي رميتهم بيدي تحت رجلي, خدتهم من غير ما يدروا و دسيتهم في جيوبي لحد ما اجدر ارتب حالي واجيبلك كل حجك واسلمهولك بعد ما اهربك منيهم

 

.......بس آنا ما خابرش اسوي كيف بالمال ديه! آنا عمري ما عيشت لوحدي ولا اتصرفت لحالي, هسوي كيف ديلواك!

 

........................في طلب تاجيل ولساني ما مطاوعنيش عليه يا ستنا

 

خير ؟

 

.......نتجوز

 

.............ايه!

 

خابر اني ما ليجش بمجامك العالي يا ستنا

 

آنا ما اجصدش مجامات, آنا اجصد انك......

 

حرامي وجتال جتلا, خابر اللي هتجوليه....لكن آنا عايز اتوب يا ست

 

تتوب! وآنا ايش دراني بصدج توبتك؟

 

يا ست آنا لو كنت رايد أأذيكِ ما كنتش عملت كديه عشانك, المال كلاته في يدي, لو كنت رايد كنت خدته وهربت لمكان ما يوصلوش الجن الارزق. وربنا عالم ان طلبي ديه عشان بس اكون جنبيكِ واراعي مصالحك واحميكِ

 

لا حول ولا قوة إلا بالله ....حتى لو وافجت, ما ينفعش ديلواك, آنا لساي في العدة

 

ماجولناش حاجة, هنشوف مطرح نأجره و.....

 

وتعيش معاي في الحرام ولا ايه! لاه, بجولك ايه احنا نفضوها سيرة ونتفرجوا وربنا هو اللي يتولاني

 

لاه يا ستنا لاه, ما فهمتنيش صُح, أنا لساي ما كملتش كلامي, آنا هأجرلك مطرح لوحدك وآنا هأجر مطرح تاني لحد ما توفي عدتك ونتجوز, مافيش حل غير الجواز يا ستنا, وياريت تكوني مصدجاني انه عشان صالحك مش صالحي

 

........لا إله إلا الله ....لله الأمر من قبل ومن بعد

 

اركبي العربية يا ست عشان ننادي ع الاسطى يكمل بينا على مصر

 

جبل ما نتوكل على الله عايزة اعرف نعمة وين,سويتوا معاها ايه؟

 

اطمني يا ست, نعمة في مكان أمين, آنا ما ارضاش ان حرمة تتبهدل ولا تنهان وآنا موجود, صُح سويت شر كاتير, لكن عليم الله لا في يوم يدي اتمدت بسوء لحرمة ولا لشيخ كابير ولا عيل صغير..نعمة حصلتها على الطريج ووديتها بيت مرة طيبة كابيرة في السن هتعيش معاها زي بتها, وما هملتنيش إلا بعد ما طمنت جلبها عليكِ, كانت بتبكي بدموع عنيها عشان شهدت زور عليكِ, لكن هما اللي غصبوها على كديه وما جدرتش لانا ولا هي نحوش عنيكِ كيدهم

 

منهم لله, حسبي الله ونعم الوكيل

 

اركبي يا ست

 

(دلفت إلى السيارة ونادى خليل السائق وانطلقوا في طريقهم إلى القاهرة)

*****************************************

إلى سوق القرية المكتظ بالباعة والمشترين,شقت حورية طريقها لتبث السموم في آذانهم متظاهرة بالشراء..اقتربت من بائع الطماطم الذي تجمع على عربته الخشبية ذات اليد  بعض النساء للشراء,اقتربت منهن وسألت البائع

 

الطماطم بكام النهاردة يا عم عبد الباسط؟

 

الكيلو بنص جنيه

 

واه! نص جنيه بحاله!..انزاحي يختي خليني انجي على عجب عيني

 

نجي يختي

 

ممم سمعتوا يا حريم النجع بلي عملوه رجالة صالح؟

 

منيهم لله

 

الله يحرجهم زي ما حرجو الزرع وضيعوا الناس

 

هما ما مسكهومش لحد ديلواك؟

 

(ردت حورية بصوت عال في رغبة لإرهاب القاص والدان)

 

يمسكوا مين يختي انتِ وهي! ماحدش جادر عليهم, وياريت جت ع الزرع وبس, دول بياجولوا انهم هيحرجوا بيوت الأهالي ويدبحوهم وما هيرحموش حد

 

(ارتعدت فرائص الجميع, وتركوا ما بأيديهم وانتبهوا لها,وتوقف المارة عن المسير, وترك بعض الباعة الذين سمعوا جيداً ما قالت عرباتهم وهرعوا إليها في رغبة للتيقن ..قال بائع الطماطم)

 

صُح اللي عم تجوليه ديه يا حورية يا بتي؟

 

اومال ايه! صُح يا عم عبد الباسط, والله الواحد ميت في جلده وبيرجف

 

طب ويعملوا فينا كديه ليه! الناس ذنبيها ايه!

 

اللهم ينتقم منيهم عاد, هياخدوا عاطل في باطل من غير ذنب ولا خطية, صالح عايز ينتجم من أهل نجع ابو المنصور كلاتهم عشان العمدة والكبارات زعطوه وخدوا منيه ماله وارضياته

 

(ارتعد كل من سمع,وقالت النساء واحدة تلو  الأخرى  )

 

وبعدين في صالح ديه! ماحدش جادر عليه إياك!

 

ذنبنا ايه احنا يحرج بيوتنا ويدبحنا ويدبح عيالنا!

 

حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا صالح يا واد زيدان يا اخو الزانية الفاجرة

 

(وضعت حورية يدها على فم السيدة التي قالت العبارة الأخيرة وقالت بصوت خافت)

 

بس يختي, بس الله يرضى عنيكِ, رجالة صالح في كل حتة, ولو سمعوكِ ما هيرحموكيش, اجري استخبي في دارك وخدي عيالك في حضنك وما تخرجيش

 

(هرعت السيدة مرتعدة, ووقف الناس يتحدثون عن صالح ورجاله الذين روعوا القرية وأرعدوا فرائص أهلها....وقفت حورية ترقب عن كثب ماذا يحدث وهي تخفي ابتسامة ماكرة...كل من يرى التجمع يهرول إليه ليسأل ماذا يحدث وفيما الوقوف...نفذ الخبر إلى كل المسامع وارتاع الجميع خوفاً...أطلت نظرات الهلع من العيون وهم يتسائلون ماذا نحن فاعلون وكيف السبيل إلى النجاة من صالح ورجاله؟...اتجهت إلى الخروج من السوق بعد أن أشعلت فتيل الخوف في القلوب, وكانت على يقين أن الحاضر سيعلم الغائب..فأي خبر يقال لشخص واحد في القرية فهو ينمو إلى مسامع الجميع

 

******************************************

عند العصر كان الخبر قد عم بيوت القرية والقى الرعب في قلوب الجميع كباراً وصغاراً ,رجالاً ونساءا..فخرجوا عن بكرة أبيهم عامدين بيت العمدة ....سمع جلبة خارج بيته تتعالى وتتعالى وصياح ونداء واستغاثات, فخرج إليهم محاطاً بحرسه المددجون بالسلاح وصاح فيهم

 

متجمعين ليه يا نجع ابو المنصور؟

 

يا عمدة, احمينا من صالح ورجالته

 

هيدبحونا ويحرجوا بيوتنا يا عمدة

 

عيالنا وحريمنا مرعوبين يا عمدة

 

هيدبحوا رجالتنا وعيالنا ويدبحونا يا عمدة,احمينا منيهم

 

واه! اعملكم ايه آنا عاد! اعين غفير لكل نفر فيكو! احموا حالكم بحالكم

 

وانت وغفرك لزمتكو ايه عاد!

 

اخرس يا واد المحروج انت....هاتلي الواد ديه يا عبد العليم وارميه في الحبس على ما نبلغوا المركز عنيه, عشان يكون عبرة لكلاب النجع اللي يتجرأوا ع العمدة

 

أمرك يا عمدة ......تعال معاي يا واكل ناسك انت

 

هملني, تحبسوني ليه! كل ديه عشان بجول ايه لزمة العمدة لما رايد كل واحد فينا يحمي حاله!

 

هم معاي وما تزودش انت التاني, مالك انت العمدة لزمته ايه ولا ما لزمتوش ايه! ما تجف وانت ساكت يا باهيم, يلا ع الحبس

 

يا بوووووي, حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا عمدة

 

بجى كديه! طب احبسوه من غير وكل ولا شرب واد المحروج ديه..يلا يا نجع خسيس ما يتمرش فيه, يلا غوروا من وشي وإلا هسيب عليكم الغفر يجتلوكم مكانكم من غير دية, يلا

 

(هرع الجميع يتدافعون بعيداً عن بيت العمدة الذي لم يجدوا عنده مأمنهم بل روعهم وطالبهم بحماية أنفسهم من صالح ورجاله....ولكن...كيف السبيل للنجاة والعمدة بذاته لا يقوى على حماية نفسه ولولا حراسه لسقط مغشياً عليه من فرط خوفه! )

 

********************************************

(وصلت السيارة التي تقل خليل الجارحي وحياة إلى القاهرة بعد عناء سفر طويل...أعطى خليل السائق أجرته, وترجل هو وحياة عن السيارة, فلم يشأ خليل أن يجعل السائق يوصله إلى أي مكان يعمد الاستقرار فيه حتى يخفي مكانه عن كل من رآه أو قابله حتى يحيا في أمان هو وحياة .....استقلا سيارة أخرى وطلب من السائق أن يوصله إلى مكان شعبي مزدحم ....إلى أحد الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان توجه السائق....ترجلا عن السيارة وأخذا طريقهما وسط الحارات والأزقة الضيقة حتى وجدا مبتغاهما في هذه الحارة التي تعج بالمارة وتضج بحركة الحياة.دكان المكوجي,دكان الحلاق, دكان الخياط,دكان البقال...ومن المقهى التي عليها بعض الزئابن بين من يضع مبسم النارجيلة في فمه ومن يلعبان النرد, ومن ينادون على النادل الذي يحمل صينيته معبئة بطلبات الزبائن تنبعث أغنية قديمة كعادة المقاهي في الحارات

إن شالله إن شالله إن شالله ما اعدمك

يا جميل يا جميل إن شالله ما اعدمك

إن شالله..إن شالله..إن شالله ما اعدمك

انت الحبيب...وانت والطبيب..وانت القريب وانت الغريب

ولو ان حبك شيء عجيب

ولا حد قادر يفهمك

 

(عالم جديد وروح جديدة لم يألفاها .كان خليل يمشي حاملاً الجوال فوق كتفه وخلفه حياة, ينظران يمنة ويسرة ويشعران بالاغتراب...لمحهما ذاك الرجل الجالس على المقهى, ترك كوب المشروب الذي يحتسيه وقام إليهما..اقترب من خليل قائلاً

 

بتدور على حد يا بلدينا؟

 

لا والله, بدور على مطرح نأجِره

 

وماله, البيت اللي على يمينك ده في شقة للإيجار

 

وصاحب البيت راجل مليح؟

 

هاها مليح جوي جوي يا بوي, بنحب لهجة الصعايدة وربنا, اصل ابويا اصله من الصعيد, بس بقى الواحد لا بيروح ولا بيجي ولا بيعرف حد, الدنيا بقى ومشاغلها , اخوك سيد, صاحب صالون الحلاقة اللي على شمالك ده, تبقى تيجي تحلق عندي بقى يا اخ....اسم الكريم ايه ؟

 

خليل

 

يا مرحب يا أخ خليل, نورت الحارة وربنا

 

تعيش يا أخ سيد, وينه صاحب البيت اللي يرضى عنيك؟

 

صاحب البيت يبقى الحاج عامر صاحب محل البقالة ده اللي البيت فوقيها على طول, كلم يا حاج عامر..روحله وقوله طلبك,نورتنا يا بلدينا, اسيبك واروح اشرب اليانسون, ولو ان زمانه برد هاها

 

(اتجه خليل وخلفه حياة إلى محل البقالة وألقى السلام على الحاج عامر

 

سلامو عليكو يا حاج

 

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابني

 

الأخ سيد جال ان عنديك مطرح للإيجار

 

ايوة يا ابني, شقة جاهزة بفرشها, كنت بأجرها للطلبة, لكن ما قسمش حد يأجرها مني السنة دي

 

والشُجة دي مليحة ؟

 

هتعجبك ان شاء الله انت والست بتاعتك, اوضتين وصالة كبار, والمطبخ والحمام كبار, الاوض كلها ع الشارع وبتخشها الشمس, مافيش حاجة على منور, وتبقى في الدور التاني قصاد شقتي, عايش انا ومراتي الحاجة حليمة لوحدنا, لا عيل ولا تيل, ومش هتسمعولنا حس

 

ربنا يديكو الصحة يا حاج , واجرتها جد ايه ؟

 

مية وخمسين جنيه في الشهر

 

موافجين, اتفضل المية وخمسين جنيه اهم

 

الله! طب مش تشوفوها الاول !

 

لاه لاه, احنا عارفين انها زينة, اتفضل

 

طيب يا ابني, تعالوا معايا عشان افتحهالكو وتدخلوا تستريحوا , باين عليكو تعبانين من المشوار

بجولك ايه يا حاج, المطرح ديه مأجره لبت عمي لحد ما نتجوز

 

ايه! هو انتو مش متجوزين؟

 

هنتجوز جريب, كلها شهرين ولا تلاتة ونتجوز بإذن المولى , عشان كديه ما يصحش اجعد معاها في بيت واحد, وعايز مطرح وحدي

 

مممم..... والله يا ابني انت جيت معايا دوغري, واحد غيرك كان قال مراتي ونسيت القسيمة ولا لسة ما ضيفتهاش في البطاقة, وعشان صراحتك مش هكسفك, عندي اوضة ع السطوح مفروشة برضو, تلزمك ولا عايز شقة واسعة ؟

 

لاه لاه, مليحة, إيجارها كام؟

 

خمسين جنيه بس

 

طيب تمام, اتفضل اهم يا حاج عامر

 

طيب يا ابني, تعالوا معايا

 

( دفع الحاج عامر الباب الحديدي ودلفوا,أشعل المصباح... كان المنزل قديما إلى حد ما,أرضيته من البلاط  الفقير, صعدوا إلى الدور الثاني, اخرج الحاج عامر المفتاح من جيبه وفتح الباب قائلاً, اتفضلوا يا جماعة

 

يزيد فضلك يا حاج عامر ...ادخلي يا ستنا

 

(دلفت حياة إلى الشقة تتفقدها بنظرها...شقة فسيحة ذات أثاث قديم, ستائر باهتة, نظرت إلى أسفل فإذ بطنافس قديمة كالحة الألوان ...ألقت بنظرها بعيداً حيث غرفة النوم,فرمقت سرير خشبي قديم مكسو بملاءة باهتة, إلى جواره طاولة خشبية عليها ابريق نحاسي ..وامتد بصرها إلى الغرفة الأخرى فإذ بسرير آخر لا يختلف حاله عن الأول.....حياة لم تعهدها حياة ساكنة القصور الفاخرة ...ولكن, هذا لم يفزعها ولم يكدرها, فالثراء وحياة الترف ليست بغاية عندها ..لذا فكان احساسها بالمكان هو الارتياح من صخب الأثاث الفاخر وحياة البهرجة ..حمدت الله في سريرتها ....قال لها خليل...عجبك المُطرح يا ستنا؟

 

مليح الحمدلله

 

طيب آنا هطلع مع الحاج استلم منيه اوضة السطوح, وبعدها هنزل اجيب وكل واخبط عليكِ واسيبهولك ع الباب , اتفضلي المفتاح اها, والشوال خلي بالك منيه

 

طيب, كتر خيرك

 

(خرج مع الحاج عامر عامدان السطوح, فور خروجها واطمئنان حياة للبقاء وحدها انفجرت في البكاء وذرف الدموع...فمن داخلها لا ترتضي خليل الجارحي زوجاً رغم شعورها أنه تاب ويريد أن يبدأ معها من جديد.وأخذت تفكر, هل النجاة في هذا الزواج أم  تراه سيزيد حياةها تعقيدا ويضيف إلى أثقالها أثقالا لا طاقة لها بها ....فوضت الأمر لله وقامت لصلاة الاستخارة ليختار لها الله

 

************************************************

عند منتصف الليل,كانت صفية يقظة في فراشها وقد أقضت الأفكار مضجعها ككل ليلة...سمعت دقات خافتة على الباب,فانتبهت...أسرعت إلى الباب لتتبين من الطارق,اقتربت من الباب وقالت بصوت خافت

 

مين

 

بدران

 

واه! بدران..ادخل يا خوي

 

(دلف إلى الدار ورفع ملفعته عن وجهه وسألها)

 

عيالك نايمين؟

 

ايوة, التنين نايمين....خير يا خوي؟

 

لاه, مش خير

 

(ارتعدت وضربت على صدرها)

 

واه, مش خير كيف؟ في ايه وجعت جلبي

 

خليل الجارحي سرج كل الدهبات والمال اللي خدناهم من سرايا واد زيدان

 

يا مرى! سرجهم يعني ايه! الله يحرج جلبه الباعيد, سرجهم وراح على وين؟

 

ما خابرش, الرجالة دوروا عليه في كل النجوع اللي حوالينا, حتى المركز جلبوه عاليه واطيه, لكن كانه فص ملح وداب

 

ملح ايه وهباب إسواد ايه على دماغه الحزين ديه! يا مرك يا صفية

 

اومال هيبجى حالك ايه لو عرفتِ إن حياة هي التانية ما لجينهاش

 

(شخص بصرها وفغرت فاهة وأمسكت بتلابيب أخيها قائلة)

 

بتجول ايه يا بدران! حياة مالجينهاش! مالجينهاش يعني ايه! يعني ما جتلتوهاش يا بدران! ما جتلتوش حياة! يا مرك يا صفية,جات الحزينة تفرح ما لجتلهاش مُطرح

 

اوعي يدك من على رجبتي وكفاكِ ولولة حريم يا مرة انتِ, اسويلك ايه! خطفناها زي ما شورتِ علينا, والنهاردة الصبح لا لجيناها ولا لجينا خليل ابو جارحي ولا لجينا الدهبات

 

.........يبجى هما التنين اللي سرجوهم..يبجى هي اتفجت مع واد الحرام ديه يهربها وتديله كل اللي يطلبه الفاجرة

 

كفاكِ خرابيط يا صفية, وهو كان ايه حاشه عنيها عشان توعده تدهوله, لو كان رايدها كانت جدامه لا حول ولا قوة ..لكن خليل ما يعملش كديه, من الأول ماكانش رايدنا نخطفها, وكان بياجول من ميتى بنمدوا يدنا على حريم ولا صغار ولا شيخ كبير

 

الله يحرجه الباعيد, ولما هو جلبه رهيف كديه, كنت ليه بتعرفه سرنا وتكشفنا جدامه يا بدران!

 

خليل اكتر راجل من رجالتي بعطيه الأمان, عمره لا كان ندل ولا خوان

 

ايش عجب يخون ديلواك!

 

ما خابرش, لكن اللي خابره زين انه هرب المرة ديّ عشان ما نجتلهاش

 

يعني ايه! يعني حياة عايشة وممكن ترجع النجع وتغفلج الدنيا على راسي وراس اللي جابوني! يعني هعيش متهددة وخايفة منيها طول عمري! يعني بعد ما جربت اوصل لمرادي الاجي حياة ظهرت تاني ورجعتني للمر اللي كنت فيه! لاه, لاه يا بدران, حياة لازم تموت يا بدران, لازم تموت

 

يا بوووي واجيبهالك منين يا حزينة انتِ! جولتلك هربت وما خابرش راحت على وين...بس اطمني

 

اطمن كيف؟

 

حياة عمرها ما هترجع عشان خابرة زين انها لو رجعت اهل النجع هيجتلوها

 

صُح, صُح يا بدران, حياة ما هترجعش, ايوة ما هترجعش, وآنا هتجوز كامل واتنعم في السرايا واعيش في العز والجاه اللي اشتهيته طول عمري, مش كديه يا بدران ؟

 

ده شغلك انتِ عاد, آنا عملت اللي عليّ

 

لاه لسة, لسة باجي كاتير, انت نسيت ولا ايه! مش كنا متفجين تحرج كام بيت في النجع وتدبح نفرين تلاتة عشان يتهموا فيهم صالح ورجالته ؟

 

كنت ناوي على كديه, لكن خليل ابو الجارحي الله يحرجه جلب دماغي

 

لاه يا خوي, اللي راح راح, والدهبات والمال اللي خدهم هنعوضهم باكتر منيهم ,عشان كديه مش لازم نغفلوا عن مصلحتنا واللي متفجين عليه....من بكرة في الليل تنفذ كل المتفجين عليه..لازم الناس تخاف,ترجف,يبكوا بدل الدموع دم ,عشان وجت ما نجول بدران ورجالة الجبل نازلين يحموا النجع الكل يفرح ويفتح بابه بالترحاب للي هيحموهم من صالح

 

هاها شيطان رجيم يا صفية, نعوذ بالله منك ومن دماغك اللي مليانة سم كيف سم الدوادي

 

هاها ولسة عندي كاتير يا خوي, بس نفذ انت وما لكش صالح بالترتيب ..لكن ديه ما يخليكش تنسى اللي اسميه خليل الجارحي ولا تارنا معاه, لازم تلاجيه وتاجيبه ولو تحت سابع أرض

 

ومين جال اللي ههمله! نخلصوا من موالنا مع النجع ديه وبعدها نفوج لواد المحروج ديه, ما هسيبش مكان إلا ما افتش عنيه لحد ما اعتر عليه ..ووجتها....حسابه هيبجى معاي تاجيل, ما هيكفنيش دمه ولا دم ولده

 

ولده! هو عنده واد؟

 

ايوة , واد وحيد اسميه مصطفى,مهمله لاخته تربيه بعد طلاجه من مرته وجوزاها من راجل تاني

 

ممممم طب بجولك ايه, ما تخطف ولده

 

واه! وهنعلموا ايه بولده! آنا صح فكرت اجتله,بس جدام بوه عشان احسر جلبه عليه, أصلك ما خابراش يعز ولده جد ايه, طول عمره يتمنى يشوفه راجل له هيبة وشنة ورنة والكل يتحاكى بيه

 

هاها مممم بجى كديه....طب ايه رأيك تخطف الواد وتربيه على يدك وتشربه طبع ولاد الليل ورجالة الجبل,وجتها بوه يتحسر عليه صُح لما يشوف أمله خاب فيه

 

هاها مش بجولك شيطان رجيم يا صفية

 

اعمل اللي بجولك عليه بس , وهجولك كمان تجول للواد ايه عشان تلاجيه في طوعك

 

جولي

 

(كان حسن نائماً في غرفته, وما أن تقلب حتى سمع أصواتاً خافتة  وهمهمات انبعتثت من الخارج...نهض عن فراشه يسبقه خياله الذي نتج عن الإضاءة الخافتة,وقف عند الباب ليجد رجلاً غريباً طويل القامة عريض المنكبين أجش الصوت لم يره من قبل يتحدث مع أمه في حميمية,اتسعت حدقتا عيناه وصاح بأعلى صوته

 

مين الراجل ديه يا امّا

 

(التفتت صفية وشقيقها إلى الغلام في ارتباك,حاولت رسم ابتسامة وقالت

 

تعالى يا حسن, جرب يا حبيبي, تعالى سلم على خالك بدران

 

(ظل حسن ثابتاً في مكانه لا يظهر على وجهه أي تعبير...فابتسم بدران وقال للغلام )

 

بجى انت حسن! ماشاء الله عليك, كبرت وبجيت راجل يا واد اختي ...تعالى يا حسن, واجف بعيد ليه! ما عايزش تسلم على خالك اللي أول مرة توعاله من يوم ما اتولدت!

 

(اقترب حسن بخطوات بطيئة غير مكترث بخاله بدران, فقد سمع عنه الكثير من الحكايات المفزعة من أهل القرية....قاتل...لص....مروع آمنين, فكيف يلقاه مبتسماً...ما أن اقترب  حتى ضرب بدران على صدره قائلاً

 

ماشاء الله عليك,راجل يا حسن,بالحضن يا واد اختي

 

(انكفأ بدران على الغلام يحتضنه,بينما هو بدا كتمثال بلا روح لم يبادل خاله حرارة اللقاء...كان حسن يتفرس في ملامح خاله,فوجدها جامدة وكأنها نحتت من غلظة, ينظر إلى راحتيه الكبيرتان و جلدهما الغليظ الخشن فيخالهما تقطران دماً..أرعده صوت ضحكته المخيف وهو يقول)

 

مالك يا واه! بتخاف من الاغراب كيف البنيتا ولا ايه!

 

ما تجوليش كديه, آنا ما خافش غير من اللي خلقني, آنا راجل, وبوي اللي رباني راجل, وبعد ما مات وفاتنا, آنا راجل البيت ديه بداله, انت اللي بتخاف, عشان كديه زرتنا في الليل عشان ماحدش يوعالك

 

(انتفضت صفية وضربت حسن بقبضة يدها على صدره بقوة وهي تقول)

 

ايه يا جليل الرباية اللي عم تجوله لخالك ديه !

 

همليه يا صفية ..هاها راجل يا حسن...كلامك مش كلام عيل صغير,كلام راجل عوده شاديد...هات يدك في يدي وسلم عليّ يا حسن

 

(نظر حسن إلى يد خاله الممدوة له, ثم أمد بصره إليه في ازدراء واستدار متوجهاً إلى غرفته,تتبعه نظرات بدران الحانقة ....لاحظت صفية ذلك فربتت على كتف أخيها قائلة)

 

سيبك منيه, لساه عيل صغير

 

عيل! كيف تسمي ديه عيل! ..وولدك التاني على كديه زييه الحزين ديه؟

 

هاها محمود! لاه, محمود ديه الضحكة ما بتفارجش وشه ولا فارج معاه الدنيا, لافيه بس أكل وشرب وراحة وانت تبجى حبيبه, حتى بوه لما مات ما حزنش عليه,لا له في الحزن ولا البكا, غير الحزين التاني اللي لحد ديلواك ما نسيش بوه وجلبه حزين عليه والضحكة ما عارفالوش طريج

 

........بوه! الواد كانه خابر اني....

 

بس ما تكملش ليسمعك

 

طيب, آنا ماشي ديلواك, وهننفذوا كل اللي اتفجنا عليه

 

طيب يا بدران, بالسلامة يا خوي

 

(تلثم بدران بملفعته وخرج يترقب الطريق,بينما أصرت صفية على أسنانها وقالت)

 

روحتي على وين يا حياة الهم انتِ, هتبجى كيف العفريت اللي خايفاه يطلعلي من أي خرابة,يجصف عمرك يا باعيدة, كان بودي جلبي يرتاح منيها وياجيني خبرها...يا ترى الدنيا مخبيالك ايه يا صفية يا بت عبد ربه!

(ألقت نظرة غاضبة  على باب غرفة ولدها واتجهت بخطوات متسارعة إليه لتبكيته وتحذيره....كان حسن جالساً على فراشه وكأنه يتوقع مجيئها..ما أن دخلت حتى وقف احتراماً لها رغم ما يكنه من غضب, أمسكت بتلابيبه فكان طوع يداها دون أن يطفو الخوف على وجهه,موجهاً نظرة ثابتة بعيداً عنها, أصرت على أسنانها وهمست في أذنه بصوت مخيف

 

إياك تجول لمخلوق إن خالك بدران كان هنيه الليلة

 

ايه اللي جابه عندينا يا امّا؟

 

مالكش صالح يا واه, ياجي كيف ما هو رايد ووجت ما هو رايد, وإياك مخلوق يعرف, ويا ويلك لو حد دري

 

.....آنا بكرهه يا امّا الراجل ديه

 

اخرس جطع لسانك الباعيد, خالك ديه احسن من بوك بذات نفسيه, خالك ديه احنا عايشين في حما دراعه,لولاه كنا هنعيش ونموت في الذل والفقر, بكرة تعرف جيمة خالك وتحب على يده ليل نهار

 

أمّا, مافيش حد احسن من بوي مهما عمل, عمري ما هحب على يد حد بعد بوي, ولو حبيت على يد حد , ما هيكونش خالي بدران, عشان يده ديّ سرجت وجتلت وحرجت وعملت كل شيء يغضب ربنا

 

(أشتد غيظ صفية بعد ما قاله ولدها, دفعته بقوة فكاد أن يسقط وقالت )

 

غور من وشي, عيل كيف الباهيم ما عارف عدوه من حبيبه, وربنا عمايلك ديّ هتخليني أكرهك واتمنى موتك

 

(خرجت غاضبة بينما انزوى حسن في فراشه مطأطأ الرأس يذرف العبرات,فقد أحزنته عبارة والدته وأبكت فؤاده قبل مقلتاه ...قال وعبراته تتساقط....وينك يا بوي, ماحدش بيحبني من بعدك, وامي بتتمنالي الموت....انكمش في فراشه ..أغمض أهدابه المبللة وظل يقرأ بعض أي القرآن وهو ينشج حتى احتضنه النوم وهدهده بين ذراعاه )

 

**************************************************

 

(لم تنم حياة من ليلتها,بل إنها قضت الليل على مقعد في ردهة البيت شاردة واجمة حتى أخرجها عن شرودها آذان الفجر..انتبهت ورددت خلف المؤذن,أسرعت بالوضوء وعادت إلى الردهة..سمعت الباب المقابل يفتح وخطوات تنزل على الدرج..لابد وأنه الحاج عامر نزل إلى صلاة الفجر في المسجد..ما أن استقبلت القبلة حتى سمعت خطوات تنزل من أعلى ..ربما أحد الجيران أيضاً نزل ليلحق بصلاة الفجر..هذا ما ظنته, بينما كانت الخطوات لخليل الجارحي الذي سارع إلى مغفرة من ربه...ومن للمذنبين والعصاة غيره! وإلى من يلجؤون حين توصد الأبواب إلا إلى بابه الذي لا يوصد!...استقبلت حياة القبلة وبدأت في الصلاة تبلل العبرات وجناتها

 

**********************************

(بعد أن أدى صلاة الفجر وعمد إلى الخروج من المسجد, سمع خليل صوتاً يناديه,إنه الحاج عامر )

 

تقبل الله يا خليل يا ابني

 

منا ومنكم يا حاج عامر إن شاء الله

 

والله أنا انبسطت قوي لما شفتك في الجامع,أصل يا ابني ما حدش بيحافظ على صلاة الفجر إلا كام واحد معددوين ع الصوابع ..باين عليك من الصالحين

 

...........ربنا يغفرلنا ويسامحنا

 

طيب يلا بينا ع البيت, بس هعدي ع المطعم الأول, خالتك الحاجة حليمة عند اختها من امبارح ومافيش فطار في البيت, تعالي نعدي نجيب تحبيشة طعمية على بتنجان وشوية بطاطس ونفطر سوا عندي في الشقة عشان يبقى عيش وملح, ولا انت مش عشري ؟

 

هاها لاه كيف! أنا حتى حبيتك زي ما تكون بوي

 

الله يرضى عليك يا ابني, يلا بينا

 

يلا يا حاج, عشان كماني اجيب للست فطور

 

.....هي بنت عمك بصحيح يا ابني؟

 

ايوة يا حاج بت عمي

 

وايه اللي خلاك تسافر بيها من بلدكو لحد هنا من غير جواز؟ القصد يعني ما اتجوزتوش هناك ليه وعيشتوا وسط أهلكو وناسكو بدل ما الغربة تنهشكو؟

 

للظروف أحكام يا حاج

 

.....عليك تار؟

 

لاه يا حاج, لا عليّ تار ولا جاي وسطيكو جاصد أذى, آنا جاصد وجه رب كريم وساعي ورا رزقي, لما ضاج بيا الحال آنا وبت عمي الله يرحمه ,وجلوب الناس ما رحمتناش,جبتها وجيت نتجوز ونعيش هنيه في حالنا,لا نإذوا حد ولا حد يإذينا

 

والله يا ابني أنا قلبي انفتحلك,رغم إني عارف انك مخبي عني كتير, لكن مصدق انك قاصد وجه رب كريم, وطالما قصدته,مش هيردك خايب..يلا نجيب طلباتنا من المطعم

 

*******************************

(فرغت حياة من صلاتها وبقت على المصلاة تسبح وتستغفر وتناجي ربها...سمعت طرقة على الباب ..قامت فزعة واقتربت من الباب وسألت)

 

مين؟

 

خليل يا ست, جبتلك الفطور وهملتهولك على الباب, لو عوزتي حاجة آنا في الشُجة اللي جصادك مع الحاج عامر, نادمي عليّ

 

طيب, كتر خيرك

 

(اتجه إلى شقة الحاج عامر ودلف وأغلق الباب, وحين اطمئنت لذلك فتحت بابها والتقطت الطعام ....وضعته على الطاولة وعادت إلى مصلاها )

 

***********************************

في ذات الصباح , وقبل أن تخرج الحاجة فايقة من قصرها متوجهة لبيت صفية , اتجهت إلى غرفة ابنتها جميلة التي لم تلقاها منذ أن أغضبتها بالدعاء عليها ..طغى شعور الأمومة الحاني وعلت مشاعر الحب على الغضب ففتحت باب غرفة جميلة مبتسمة, فألفتها متكئة على جانبها حزينة باكية ..أطلت الشفقة من عينيها وقالت بحنان

 

واه! لساكِ بتبكي من عشية يا بتي! بجى جميلة اللي جلبها كيف صخر الجبل تبكي كديه من غير حول ولا قوة ! هاها

 

بتضحكي يا امّا! اضحكي عاد, ادعي عليّ بالدعا العفش اللي هيهد فرحتي عشان ربنا يستجيب وترتاحي

 

(انخرطت جميلة في البكاء بينما هرعت والدتها وانكفأت عليها بكل حنانها تحتضنها وتقول بلهفة)

 

بعد الشر عليكِ يا حبة جلبي, بجى كديه يا جميلة! آنا يا بتي رايدة فرحتك تتهد! دانا يا بتي لو اطول اغزلك من الفرح توب يكسيكِ طول العمر ما اتأخر, ما تآخذنيش بدعوة جولتها في ساعة غضب

 

ساعة غضب! وآنا كنت سويت ايه ولا عملت ايه يا امّا عشان تغضبي!

 

يا بووووي, مش من عمايلك عاد يا جميلة! واجفة ضدي وضد خوكِ اللي روحه فيكِ عشان مرة سو سرجتنا وحطت راس خوكِ في الطين وما همهماش بناتها وسمعتهم والعار اللي هيعيشوا بيه طول العمر لحد ما يجابلوا ربهم

 

يا امّا كدب, كدب يا امّا, والله يا امّا حياة بريئة من التهم العفشة ديّ

 

يا بتي كفاكِ من الحديت اللي مالوش عازة ديه, السريجة ولجيناها وين ما دستها, والنجع وطفشت منيه مع عشيجها الغريب بتاع المركز, وخدامتها بذات نفسيها شهدت على جلبها, وانتِ بعد ديه كلاته تجولي بريئة وما خابراش ايه

 

ايوة يا امّا بريئة, بريئة , وهتني اجول بريئة لحد ما اموت

 

والله يا بتي آنا اللي هموت من فرستي منيكِ آآآآخ منك يا جميلة, طب لو كلامك صُح, تجدري تجوليلي هي وين ديلواك؟

 

......ما خبراش يا امّا, الله أعلم عاد, يمكن جتلوها اللي ما يعرفوش ربنا ولا بيخافوه

 

هاها واه! جتلوها! طب يا ريت, حتى عشان تتدفن بعارها.أووووف, والله جلبي بيتجبض لما تاجي سيرتها الباعيدة...بجولك ايه يا جميلة, آنا رايحة ديلواك لصفية عشان اخطبها لخوكِ, خليه يتجوز ويلاجي مرة تهنيه وتنسيه همه

 

اعملي اللي رايداه إنتِ وولدك يا امّا, لكن ورثي لازمن أخده قبل ما صفية تخطي سرايته

 

يا بوووووي! لساكِ هتعيدي الحديت الماصخ ديه يا بت ابو الحجاج!

 

وانتِ ايه يزعلك عاد يا امّا لما اخد ورثي! مش حجي عاد ولا ايه!

 

لاه مش حجك يا جميلة, عايزة أرض بوكِ تتقسم وتتفرق وتديها لواد مطاوع!

 

وعزت صالحه ايه بورثي عاد!

 

صالحه ايه يعني ايه! معلوم له صالح, مش هتبجي مرته والمال اللي رايدة تاخديه من خوكِ هتعطيهوله عن طيب خاطر!

 

آما! ده حجي يا امّا, ورثي من بوي, وده شرع ربنا, للذكر مثل حظ الانثيين, وبوي ساب مال كاتير غير الأراضي والاملاك, هتبعّدوا عن شرع ربنا وتعاملوني بشرعكو انتو ولا ايه!

 

اسمعي يا جميلة, لو عيدتِ الحديت ديه تاني آنا اللي هقفلك مش كامل خوكِ, عشان البت اللي يفلت عيارها وتجف في وش خوها وتجوله ورثي تبجى محراك شر ورايدة الفرقة والخراب

 

آنا يا امّا اللي رايدة الفرقة والخراب ولا انتِ وولدك!

 

آنا جولتها كلمة يا بت ابو الحجاج, ورث مافيش, كل حاجة هتفضل في يد كامل, ولا نسيتِ مين هو كامل يا قليلة الأصل ! نسيتِ خوكِ اللي رباكِ بعد موت بوكِ! خوكِ اللي لو طلبتِ لبن الزرزور يجيبهولك وانتِ في مُطرحك وكأنه خدام عنديكِ! كامل اللي شفتِ منيه حنية ما شفتيهاش من بوك ولا هتشفيها من حد بعديه! ولا كانك استغنيتِ بواد مطاوع وشوكتك جويت عليّ وعلى خوكِ يا رباية سو انتِ ! كل ديه عشان ايه! عشان طلج واحدة جلبك الاعمى رايدها وما شايفش بلاويها!

 

جولتِ اللي عندك يا امّا وارتحتِ! بس يكون في معلومك يا امّا, آنا ما هسكتش عن حجي ولازمن آخده, عارفة ليه يا امّا! عشان كامل اللي بتتحدتِ عنيه وعن حنيته ديه ما بجاش كامل, وبكرة هنشوف منيه الوش العفش لما يتجوز بت الكلاف ..وديّ بجى يا امّا جاية عشان تاخد مكان الكل وتحط يدها على كل شيء, بت الكلاف غولة ونازلة عليكم من الجبل عشان تاكل جوتكم وتطفحكم بداله المر والحنضل..لكن آنا بجى يا امّا ما هسيبش للغولة مالي ولا هملكها أمري, هسكت عن حجي في حالة واحدة بس.....لو جتلتوني

 

(حدجتها أمها بنظرة ملتهبة بالغضب وعمدت إلى الباب مسرعة وصفعته خلفها ...زفرت جميلة واتجهت إلى الهاتف لتحدث عزت ..قصت عليه كل شيء, رغبة أخيها في الزواج من صفية, خروج أمها الآن عامدة بيت صفية, طلبها من أخيها ميراثها بأكمله....اصغى إليها باعتناء بالغ....سألته بعد إفراغها ما في جعبتها ....)

 

يبقى آنا غلطت في ايه يا عزت لما بطالب بورثي!

 

ما غلطتيش ولا حاجة, لكن مش وجته يا جميلة

 

مش وجته! اومال ميتى عاد يا عزت!

 

يا جميلة, بصراحة آنا خايف من المشاكل بينك وبين خوكِ ديّ تخليه يعند في اتمام جوازنا ويهد كل اللي بنيناه, واحنا كلاتها شهرين ونروحوا بيتنا , وبعدها ابجي كلميه في موضوع ورثك

 

لاه يا عزت, يديني ورثي قبل ما المرة  السو ديّ تخطي سرايته

 

يا بووووي, والله يا جميلة كانك ما فاهمانيش, يا بت الناس ما عايزينش مشاكل ديلواك, وطلبك الورث لازم يكون بالأصول والتراضي, مش في ساعة غضب منك وتخلي امك وخوكِ يغضبوا عليكِ ويعندوا معاكِ

 

يا عزت افهمني, آنا ما بعرفش ازوج كلامي ولا اغش حد وما بخافش إلا من اللي خلقني, والوضع المايع ديه ما يعجبنيش, ومش جميلة بت ابو الحجاج اللي تطاطي وهي بتطلب حقها , العزيز ما يذل روحه ولا يطلب حقه إلا بالعزة, وآنا لا غلطت في امي ولا في خوي عشان يزعلوا مني ويجوموا الحرب عليّ..سبحان الله, حجي ورايداه, يزعلوا ليه هما! يدوني حجي ويا دار ما دخلك شر

 

يا جميلة آنا مش معترض انك تطلبي حجك, وعارف انك مش هتأمني على مالك لو خوكِ اتجوز اللي اسميها صفية..لكن اصبري شوي بدل ما ندخلوا في مشاكل كابيرة ويعندوا معانا ويعطلوا جوازنا ولا يفرقونا

 

هاها مممم فارقة معاك جميلة يا عزت !

 

واه! اومال لو ما فرجاش معاي روحي ايه يفرج معاي تاني!

 

هاها روحك! الله ما يحرمني منك يا عزت

 

ولا منك يا جميلة, الله يخليكِ أجلي الحديت مع خوكِ لحد ما نتجوز يا بت الناس, وجتها بس هطمن ان ما حدش يجدر يفرقنا

 

خلاص يا عزت, أمرك

 

هاها ايوة كديه, خليني احس اني بمشي كلامي على مرتي

 

كلامك سيف يمشي على رجبتي يا راجلي, الله يحفظك ليا يا سندي من بين الناس

 

ويحفظك يا حبيبتي...اسيبك ديلواك عشان ورايا كام مشوار لازمن اجضيهم , السلام عليكم

 

وعليكم السلام ورحمة الله

 

(ما أن وضع عزت سماعة الهاتف وهم بالقيام حتى دق الجرس مرة أخرى,رفعها فقال المتصل, السلام عليكم..إنه صديقه الدكتور محمد رفيق سنوات دراسة الطب في القاهرة.. رد السلام بصوت يشوبه بعض الحزن

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, كيفك يا محمد, اتوحشتك والله

 

والله انت بكاش, اتوحشتني ايه بس يا راجل! دانت بقالك شهر ما سألتش على صاحبك المسكين اللي على وش سفر

 

هاها والله لما تعرف اللي آنا فيه هتعذرني.خلصت اجراءات السفر ولا لساك ما خلصتش؟

 

قربت اخلص ان شاء الله واطير على برا, لكن قولي بقى, مالك يا سيدي؟

 

والله ما عارف اجول ايه, مشاكل كاتير يا محِمد؟

 

بينك انت وجميلة؟

 

لاه, الحمدلله, لكن برديك المشاكل بين جميلة وأهلها, وديّ حاجة مزعلاني

 

اعوذ بالله! مشاكل بينها وبين أهلها ليه ؟

 

هحكيلك يا محمد يمكن الهم ينزاح عن صدري

 

(أخذ يقص عليه أمر مقتل الشاذلي ومؤامرات صفية التي حاكتها لحياة واختفائها من القرية وانقطاع أخبارها بعد اتهامها بالسرقة ثم وصمها بالعار وطرد أخيها بعد الاستيلاء على أمواله , ورغبة كامل في الزواج من صفية الآثمة  مما أدى إلى ثورة جميلة ومطالبة شقيقها بالميراث والوقوف على شفا هاوية المشاكل .....هال الدكتور محمد ما سمع , فقد كان يسمع مشدوهاً..فما أن فرغ عزت حتى قال محمد في ذهول

 

ايه يا ابني اللي انا سمعته ده! قتل وتلفيق سرقة وخوض في أعراض وطرد واحد من سرايته بعد ما خدوا منه كل ماله, هو احنا في غابة ولا ايه!

 

عنديك حق, الدنيا بجت عاملة كيف الغابة وما حد بيرحم حد إلا اللي ربنا حط في جلبيهم الرحمة, ودول ضنين تلاجيهم بين الناس

 

بقولك ايه, ما تيجي معايا نسافر على برا نكمل دراستنا وتبعد عن وجع الدماغ ده كله, وإن كان على جميلة هاتها معاك

 

يا محمد آنا جولتلك ما ههملش النجع, جولتلك الناس الغلابة محتاجاني

 

أوف, وكانوا فين الغلابة دول لما شافوا كل الظلم اللي بيحصل في النجع!

 

وكنت رايدهم يعملوا ايه! يجفوا في وش العمدة ومجلس الرجال! دول غلابة وماحدش بياخد برأيهم, وبعدين آنا دكتور وهمي هو علاج المرضى وتخفيف آلامهم, مش سلطتي أحاسبهم عشان قبلوا بظلم صالح وحياة, آنا طبيب مش جلاد

 

أنا مقدر انسانيتك وطيبة قلبك يا عزت, لكن بصراحة شايف انك داخل على مشاكل ومعارك الفترة الجاية بسبب أهل جميلة وموضوع ميراثها

 

إن شاء الله مافيش مشاكل, والموضوع يتحل ودي

 

اتمنى ....على العموم برضو ادي لنفسك فرصة وفكر تبعد عن النجع بكل مشاكله, واعرض موضوع السفر على جميلة, جايز توافق

 

جميلة عمرها ما توافج تبعد عن النجع, وكماني هتفتكر اني بجولها كديه عشان تنسى موضوع الميراث وتهمل حجها, وجميلة بجى شخصيتها جوية وعنيدة في الحق ومش هتسلم للباطل ولو فيها موتها , آنا أقنعتها بالعافية تأجل حكاية ورثها لبعد جوازنا عشان اخوها ما يعندش معانا ويوجف الجوازة, بس بعد كديه لازم أكون جنبيها كتف بكتف لحد ما تاخد حقها

 

هاها ربنا معاكو, شكلكو داخلين على حرب

 

ربنا ما يجيب حرب ولا يجيب مشاكل

 

ابقى طمني عليك

 

إن شاء الله, أول ما احدد معاد الفرح هبلغك يا محمد, مع السلامة

 

الله يسلمك يا عزت...ممم مش عارف ايه اللي عاجبه في العيشة وسط المشاكل !

 

************************************

 

(استلقى عزت على فراشه عاقداً كفاه تحت رأسه, زفر من أعماقه ناظراً إلى سقف الغرفة...طرق شقيقه سلام  الباب منادياً إياه)

 

عزت

 

(إعتدل جالساً وقال)

 

اتفضل يا خوي

 

كنت هتنام ولا ايه؟

 

لاه, حسيت إني عايز افرد ضهري هبابة كديه

 

(جلس سلام على أحد المقاعد...أطرق رأسه قليلاً ثم نظر إلى عزت وقال بحسم)

 

عزت..تعال اجعد هنيه, رايد اتحدت معاك في موضوع مهم

 

(نظر عزت إلى أخيه بقلق, انتفض من فراشه مسرعاً, وجلس في المقعد الملاصق لمقعد أخيه وقال والقلق ينتابه)

 

خير يا خوي؟

 

.....آنا خابر إن حديتي هيكون شاديد, لكن مافيش مفر منيه....عزت...لازم تطلج بت ابو الحجاج

 

(فزع عزت واتسعت حدقتا عيناه وقال مستنكراً)

 

انت بتجول ايه يا سلام! اطلج بت ابو الحجاج يعني ايه!

 

عزت, ديه أمر ولازمن تطيعه, ولا ناسي إني خوك الكابير!

 

هو عشان انت خوي الكابير يا سلام تأمرني أطلج مرتي!

 

أيوة أأمرك وعليك الطاعة, طالما الأمر فيه صالحك يا عزت

 

وايه الصالح في اني اطلج الإنسانة اللي اختارها جلبي عشان تكون مرتي!

 

يا بووووي, جلب ايه وهم ايه ! ايه حديت النسوان اللي لا يودي ولا ياجيب ديه!

 

.........الله يسامحك يا خوي

 

حقك عليّ يا عزت, آنا ما جصدتش أهينك, آنا كل اللي جصدته إن مصلحتك أهم من الحديت اللي مالوش عازة ديه

 

عمال تجول مصلحتك مصلحتك, وآنا عايز اعرف ايه هي مصلحتي ديّ عشان أكون على بينة

 

ما عايزينش نسب كامل ابو الحجاج

 

والسبب عاد ؟

 

يعني ما خابرش السبب يا عزت! كيف نحطوا يدنا في يد كامل ابو الحجاج بعد اللي عمله في مرته بت الأصول, فضحها وجرسها بذنب ما عملتوش وكان سبب في طفشانها من النجع وحرمان خوها من ماله وزعطه

 

وجميلة ذنبها ايه في ديه كلاته؟

 

ذنبها ايه يعني ايه! مش اخته ومن عيلة ابو الحجاج وبيجري في عروجها نفس الدم! ايش درانا تسوي فيك اللي سواه خوها في مرته بعد ما تكون عندك منيها عيلين ولا تلاتة...العرق دساس يا خوي, وعيلة ابو الحجاج ما يتآمنوش بعد اللي عملوه

 

يا سلام يا خوي صدجني, جميلة من طينة تانية غير طينة خوها وامها, جميلة من وجت اللي حُصُل وهي في مشاكل مع امها وخوها وواجفة في صف حياة وخابرة انها مظلومة,دي حتى زعطت البت حورية عشان خابرة ان البلاوي اللي حصلت لحياة من تحت راسها, ولما عرفت ان كامل هيتجوز صفية....

 

ايه! بتجول ايه! كامل هيتجوز صفية بت الكلاف؟

 

ايوة, وعشان كديه جميلة طلبت منيه ميراثها عشان ما تبجاش كل حاجة في يد صفية

 

...........يتجوز صفية!... يطلج حياة بت الأصول الطاهرة ويتجوز صفية بت الكلاف اخت واد الليل جتال الجتلا! يستبدل الماس بتراب النعال! ...كانك جنيت يا كامل يا واد ابو الحجاج........اسمع يا عزت, ديلواك واكتر من الاول بجولك ما عايزش نسب كامل ابو الحجاج, ولا ناوي تناسب الراجل اللي هيحط يده فيد ولاد الليل ويناسبهم وعياله يبجوا منيهم!

 

يا سلام يا خوي ارجوك افهمني, جميلة مالهاش ذنب في ديه كلاته, جولتلك انها واجفة جصاد خوها وامها وما رضياش بللي بيعملوه

 

وآنا جولت لاه يا عزت, جميلة ما تناسبكش, ولادك ما هيكونوش ابداً من بت ابو الحجاج, والحمدلله احنا لسة ع البر وما دخلتش بيها

 

.......آسف يا سلام, آنا ماههملش جميلة مرتي ولا هاخدها بذنب ما عملتوش

 

انت بتعصى أوامري يا عزت! تعصى أوامر خوك الكابير!

 

العفو يا خوي, ديه مش عصيان لأوامرك, ديه التزام بكلمتي للإنسانة اللي ما شفتش منيها اللي يخليني اتخلى عنها واديها ضهري..وإذا كان وجودي هنيه هيضايجك ويخليك تحس إني عصيتك , آنا هاخد مرتي وابعد عن النجع ومش هتشوف وشي بعد كديه

 

(هزت الكلمات كيان سلام وجاشت مشاعر الحنان داخله فاحتضن أخيه وقال بصوت حاني مرتعش)

 

كديه يا عزت! هان عليك تجول كديه لخوك! عايز تفارجني يا عزت! جدرت تنطجها يا واد بوي! ده الروح تفارجني ولا افارجك يا عزت , داانت ولدي اللي ربيته على يدي مش خوي الصاغير وبس. الله يسامحك يا عزت

 

(فاضت عيناهما بالدموع معاً فانكب عزت على يد أخيه يقبلها وانطلق لسانه بعبارات الأسف)

 

حقك عليّ يا خوي, ربنا يعلم قد ايه انت غالي عليّ, انت صُح مش خوي الكابير وبس, انت بوي وصاحبي وحبيبي, وآنا ما اجدرش اخسرك, بس ارجوك يا سلام, رجاء من خوك الصاغير وولدك اللي ربيته ع الحق والصالح, ما تخلنيش صاغير في عين مرتي...يوم ما اتخلى عنيها عشان ذنب ما عملتوش يبجى هكون صاغير جدام نفسي جبل ما اكون صاغير جدامها..وانت ما ترضاليش بكديه يا خوي

 

........اللي شايفه في صالحك اعمله يا عزت...آنا خارج

 

استنى يا خوي..آنا ما عايزكش تكون شايل في صدرك مني,  واحلفلك يمين يا خوي ان جميلة غير كامل خوها وغير امها, جميلة كيف حياة في أدبها ورزانة عقلها وفعلها المليح

 

......حياة....يا ترى روحتِ وين يا بت الأصول !

 

إن شاء الله هترجع يا خوي والحق هيظهر

 

يارب , يارب ....ربنا يتملك على خير انت وجميلة يا عزت

 

هاها اهو كديه عاد, بالحضن يا خوي

 

هاها بالحضن يا سيد خوك, اعمل ايه عاد! عشان خاطرك هحط يدي في يد كامل واد ابو الحجاج وانا متغصب

 

ربنا يهديه ويصلح حالنا وحاله يا خوي

 

*************************************

(كانت صفية شاردة الذهن تفكر في مصيرها بعد أن فشل مخطط مقتل حياة,بل وهروبها إلى مكان مجهول..هكذا أصبح الأمر مثيراً للقلق,إذ ربما تظهر هذه على حين غرة, يجب أن يتم مقتلها بلا شفقة إن بدا طرف ثوبها من بعيد على مشارف القرية, يجب مراقبة كل والج إلى القرية, يجب أن تسمع دبيب النمل القادم إلى القرية حتى لا تتفاجأ بأي أمر ليس في الحسبان. ولكن كيف يتم ذلك؟ من ظل صفية على مشارف القرية ؟ من ؟ لابد وأن يظهر, لابد أن يكون خليصاً مخلصاً ويتم شرائه بالمال...ولكن هل يشترى الإخلاص بالمال! ...لا يشترى بالمال إلا الذمم الخربة ومردة الأنس الذين لا مانع عندهم من اراقة الدم في مقابل المال....لا يهم, فالأمر بالنسبة لصفية هو حياة أو موت, فيجب أن تقاتل بضراوة حتى تحافظ على ما حققت من آمال كانت تظنها بعيدة يوماً ما........ظلت تفكر في كل هذه الأشياء في شرود وعينان تضيق وتتسع مع كل خاطرة وفكرة, حتى أخرجها عن ذلك صوت طرقات على الباب...قامت عن مقعدها واتجهت إلى الباب متأففة , فلم تكن تعلم أن الطارق هو طارق خير بالنسبة لها...إنها الحاجة فايقة جاءت تحمل البشرى المرتجاة ..فتحت الباب فكاد قلبها يتوقف فرحاً حينما رأت الحاجة فايقة تقف مبتسمة وتنظر إليها نظرة تحمل الكثير من المعاني التي ترجمها صوتها وهي تقول

 

عواف عليكِ يا صفية يا بتي

 

يا بوووي, والله ما مصدجة نضري, الحاجة فايجة! امي الغالية , اتوحشتك يا امّا

 

(انكبت صفية على الحاجة فايقة تحتضنها بلهفة الشوق إلى البشرى, فاهو وابل الآمال المحققة  بدأ في الهطول على قلبها الطامع فجعلها تلهب وجنتي الحاجة فايقة بقبلات كالجحيم وتقول مرحبة بها)

 

يا حبيبتي يا حاجة, يا حبيبتي, ايه الخطوة العزيزة دي! اتفضلي, اتفضلي , معلش بيت بتك صفية مش جد المجام

 

هاها انتِ تعملي مجام لأي مكان تكوني فيه حتى لو كان عشة من الخوص يا بتي

 

الله يا امّا على كلامك المليح  ديه

 

دانا اللي عايزة اجول الله على كلمة امّا اللي طالعة من خشمك اللي ما يطلعش منيه غير المليح يا صفية يا بتي

 

تعيشي يا امّا, تعيشي يا غالية, تعالي يا امّا اجعدي ع الكنبة ديّ , مريحة عن باجي الكنب

 

الله يريح جلبك يا بتي, تعالي اجعدي جاري بجى عشان عايزاكِ في كلمتين

 

خير يا امّا, لو عايزة أي خدمة اجضيهالك على عيني

 

الله يسعدك يا بتي, عارفة انك عمرك ما تتأخري في خدمة ولا تعزي نفسك عني, لكن اللي طالب الخدمة واحد تاني

 

.....مين يا امّا؟

 

هاها.....كامل ولدي

 

ها! كامل بيه! خير؟ ايه الخدمة اللي رايدها وآنا عيني له

 

يا سعدك يا كامل يا ولدي, ربنا هيعوضك بجمال ولسان مليح كماني

 

ما فهماش حاجة يا امّا

 

هاها كامل رايد يتجوزك يا صفية

 

(فرحت صفية حد الجنون ولمعت عينيها وكادت تتراقص طرباً ولكنها...اصطنعت الدهشة وأن الأمر بعيداً عن مطامحها, بل إنها فيه زاهدة  )

 

واه! كامل بيه يتجوزني! آنا اتجوز بعد الشاذلي الغالي ! لاه لاه يا حاجة, آنا هعيش عشان اربي عيال شاذلي واوصلهم لبر الأمان

 

أصيلة يا صفية يا بتي,أصيلة وبت أصول وخايفة على عيالك, لكن يا بتي انتِ لساكِ صغيرة ومحتاجة راجل يسعدك وتسعديه

 

طب وعيالي يا حاجة؟

 

مالهم عيالك عاد! عيالك هيعيشوا معاكِ في سرايا كامل معززين مكرمين, هيربيهم كيف ما يربي عياله ويكبروا في حضنه ...جولتِ ايه يا بتي؟

 

هجول ايه بعد جولك يا امّا! أمرك على راسي

 

هاها ما يأمرش عليكِ عدو يا حبة جلبي

 

تسلميلي يا امّا, أما اجوم اجيبلك حاجة تشربيها

 

لاه, مش ديلواك, أجليها لبعد صلاة العشا لما اجيب كامل واجيكِ ومعانا الشربات اللي هنبلوه ونشربوه حلاوة الاتفاج

 

هاها ..هو ...هو كامل بيه هياجي هنيه؟

 

أومال يا بتي, هياجي عشان يشوف طلباتك بخصوص الجواز, ولا مش عروسة انتِ وست العرايس ويلزمك شبكة ومهر وشوار!

 

هاها يخليكِ ليا يا امّا يا حتة من جلبي انتِ

 

(انكبت صفية عليها تقبلها ذات اليمين وذات اليسار فرحة والحاجة فايقة تضحك في انسجام..بعدها قالت لصفية)

 

فوتك بعافية ديلواك, واستنينا بعد صلاة العشا

 

إن شاء الله يا امّا يا غالية , واكون آنا كمان صليت وحمدت ربنا على رضاكِ

 

هاها رضا كامل أهم

 

لاه يا امّا, والله رضاكِ انتِ عني فوج رضا الكل

 

هاها يسعدك يا بت الأصول, سلمي ع العيال لما ياجو من المدرسة, فوتك بخير يا عروسة ابني

 

هاها الله يعافيكِ يا امّا

 

(أغلقت صفية الباب وآخذت في الضحك والرقص والغناء وهي تداعب خصلات شعرها

 

وجمر الليل

 

دج على دارنا

 

من بين الصبايا اختارنا

 

يسجينا الهنا

 

يلبسنا حريره

 

ويغزل خيره

 

يلبسنا توبه

 

سعد ومكتوب

 

 وبجي المحبوب

 

وساب الشينة

 

راح للزينة

 

(فرغت من غنائها وجلست منهكة على الأريكة تضحك وتقطر عرقاً ..مسحت عن جبينها العرق بذراعها وهدأ خفقان قلبها ,تنهدت فرحاً وقالت)

 

كانها طابتلك يا بت يا صفية والسعد اترمى خدام تحت رجليكِ ..أجوم احضر نفسي للسعد اللي جاي يرمح كيف الرهوان ديه هاها آه  من السعد لما يواتي والدنيا لما تملا حجرها  فرح وترميه فوج روسنا, يا بووووي هاها كانها طابت صُح

 

***************************************************

 

بعد أدائه لصلاة الظهر انطلق خليل الجارحي إلى السوق ليبتاع بعض الأثواب لحياة كي تتمكن من استبدال الملابس التي أتت بها ولا تملك غيرها ...كان الأمر غريباً عليه بعض الشيء,فلم يعتد على الشراء من المحال قدر اعتياده على السطو عليها وسرقتها...اعتاد على الظهور ليلاً,لم يعتد على الظهور في وضح النهار والتعامل مع الباعة ...ظلت عيناه تدور بين المحال التي تبيع الملابس النسائية حتى استقر على أحدها ودلف ملقياً السلام على البائعة

 

سلامكو عليكو

 

عليكم السلام,أي خدمة

 

عايز كام جلابية حريمي زينة كديه للبيت

 

المقاس قد ايه حضرتك؟

 

...ما خابرش

 

ازاي بقى! هي مش لمرات حضرتك؟

 

....ايوة لمرتي, بس ما خابرش المجاس ..يعني هي زيكِ كديه

 

ممم يعني مش تخينة

 

لاه

 

طيب, الألوان؟

 

اللي تجيبيه جبيه ما يفرجش

 

طيب هي مش في الوان معينة بتحبها؟

 

يا ست الله يرضى عنيكِ هاتي اللي تجيبيه وما تحيرنيش معاكِ,آنا أول مرة اشتري لحرمة

 

خلاص يا فندم, هختارلك تلات جلابيات

 

توشكري

(تنقلت البائعة بين الأرفف وجلبت ثلاثة جلابيب ووضعتهم في كيس وعادت إليه)

 

اتفضل اهم يا فندم, ولو في أي مشكلة في المقاس أو الألوان تعالالنا واحنا نغيرهم

 

كتر خيرك, تمنهم كام؟

 

سبعين جنيه

 

طيب, اتفضلي اهم

 

شكراً يا فندم

 

طب ما تعرفيش الله يرضى عنيكِ اشتري اتواب خروج لمرتي من وين؟

 

المحل اللي جنبنا على طول عنده هدوم خروج حريمي

 

متشكرين يا بت الناس

 

العفو.....غريب قوي الراجل ده, لا عارف مقاس مراته ولا حتى الألوان اللي بتحبها

************************************

(عاد خليل بالملابس الجديدة وبعض أغراض البقالة والخضر والفواكه التي ستحتاجها  وطرق الباب,سألت حياة من وراء حجاب)

 

مين

 

خليل يا ست, جبتلك حاجات لابد هتحتاجيها واتواب تغيري فيها بدل التوب اللي لابساه من وجت ما..........,ههملهوملك جدام الباب

 

استنى

 

خير يا ست

 

تمن الوكل وكل اللي جبته كام وصرفت جد ايه من وجت ما هملنا النجع؟

 

بتجولي ايه يا ست! بجي معجول هدفعك تمن الوكل والخلجات!

 

لازمن ادفع تمن الوكل والخلجات اللي جبتهم ,اللي يجبل الحرام مرة يجبله ألف مرة,حدالله بيني وبين الحرام لحد ما اموت ,استنظر هبابة,هجيبلك فلوس بزيادة تخليها معاك

 

بشوجك يا ستنا

 

(ذهبت وعادت بسرعة البرق تمسك رزمة من الأوراق المالية لا تعرف عددها,فتحت شراعة الباب بفرجة بسيطة ومدت يدها إلى الخارج وقالت

 

خد الفلوس أها

 

طيب يا ست...رايدة مني أي حاجة ديلواك؟

 

لاه,توشكر

 

(أخذ المال وعرج الدرج قاصداً غرفته الكائنة فوق السطح..بينما اتجهت هي لتبديل ثوبها الذي امتزج بالغبار والعرق طيلة أيام مضت )

********************************************

(جاء حسن وشقيقه محمود من المدرسة فتفاجآ بوالدتهما جذلة متهللة تكنس الدار وهي تغني وتتراقص ...ساء حسن ذلك خاصة أنها ما فتئت في عدة والده المتوفى, نظر باستياء ولم يعقب, دخل إلى غرفته صامت واجم, بينما ظل محمود يضحك ويقول

 

مليحة جوي الغنيوة ديّ يا امّا, غنيها تاني

 

هاها هغنيها تاني وتالت ورابع وعاشر يا واه , من هنيه ورايح الغنا والفرح بس هو اللي هيرافجنا

 

طب آنا جعان ديلواك

 

من عيني يا ضي عيني, هوكلك واشبعك لحد ما تجول يا كفا, نادم على اخوك الفقري اللي كانه مخاصم الفرح ديه وجوله هياكل ولا ايه

 

طيب يا امّا

 

حسن, كلم امك يا حسن

 

نعم يا امّا

 

ايه يا واه! جاي من المُدرسة وغايب عن امك طول النهار تجوم لما تعاود تجري على اوضتك كيف الباهيم و ما يهونش عليك تجول ازيك يا امّا !

 

وعيتلك بتغني زعلت يا امّا, كانك ناسية ان بوي ما فاتش عليه كاتير

 

يا بوووووووي, داهية تغم نفسك الباعيد, ولما انت يا حزين واعيلي فرحانة وبغني , تفكرني بابوك الفقري ليه! ما عايزش امك تفرح! خلاص اتكتب عليّ الحزن والبكا طول عمري!

 

آنا ما جولتش كديه يا امّا

 

لا تجول كديه ولا تجول غير كديه, انت تسد خشمك وما اسمعش حسك..هتاكل مع خوك ولا ايه ؟

 

ما عايزش آكل

 

انشالله ما طفحت, اخفى من وشي ما عايزاش انضرك جدامي

 

.....حاضر يا امّا

 

يا بوووي أعوذ بالله منيك عيل, كان الشاذلي مات وسابهولي عشان ينغص عليّ فرحتي

 

وين الوكل يا امّا جعان ؟

 

طيب انت التاني,طيب..واحد ما فارجش معاه  الدنيا وما بيفكرش غير في   روحه وبس ,وواحد الهم والحزن راكبينه ورايد يركبهوملنا معاه, خلفة ايه الطين ديه!

 

(ذهبت إلى الموقد وسخنت بعض الطعام الفائض من الأمس ووضعته في صحن قديم من الصاج كسائر صحونها .,وأحضرت رغيفاً من الخبز ونادت ولدها

 

خد يا واد يا محمود, صحن لوبيا أها

 

مافيش لحمة يا امّا؟

 

وهتاجينا من وين اللحمة يا حزين!

 

يا بوووي, كل يوم طبيخ من غير لحمة !

 

هاها ...عايز تاكل لحمة كل يوم يا محمود؟

 

ايوة ياامّا, عايز كل يوم لحمة كاتير وفراخ وحمام وبط ووز وديوك رومي كماني

 

هاها عن جريب, عن جريب جوي يا حبة جلبي هتاكل اللحم اللي نفسك فيه لحد ما تزهج منيه

 

حد يزهج من اللحم يا امّا!

 

على جولك يا ولدي, المليح ما ينشبعش منيه ممم بجولك ايه يا محمود

 

نعم يا امّا

 

في الليل الحاجة فايجة هتاجي هي وكامل بيه عندينا

 

ليه يا امّا ؟

 

.....اجولك وما تاجيبش سيرة لخوك الفقري ؟

 

جولي يا امّا

 

بجولك ايه, مش انت تتمنى تعيش في سرايا كامل بيه الواسعة الكابيرة وتاكل من الوكل الزين اللي ماليها وتنام على فرش مليح في اوضة حيطانها وارضها رخام في رخام؟

 

يا بوووي, يا ريت يا امّا, لكن كيف ؟

 

هاها ممم ما هو آنا لو اتجوزت كامل بيه هياخدنا نعيش في سرايته

 

صُح يا امّا؟

 

صُح يا محمود, ها ...توافج على جوازي من كامل بيه؟

 

ايوة أوافج, يلا نروح عنديه يا امّا, يلا جومي البسي توبك

 

هاها يا واد يا مخبل انت, هو اللي هياجي لحد هنيه هو وامه الحاجة فايجة عشان يخطبوني ويشوفوا طلباتي في الليل, بس ما عايزاش خوك يعرف ديلواك  عشان ديه لو عرف, ربنا العالم هيسوي ايه ويمكن يغفلج الدنيا على روسنا

 

لاه يا امّا ما هجولوش,بس ميتى هنروح السرايا؟

 

عن جريب يا ولدي, عن جريب جوي

 

***************************************

(فور عودتها إلى قصرها, هاتفت الحاجة فايقة ولدها كامل وأخبرته عما دار بينها وبين صفية,والموعد الذي ضربته للزيارة, ولم تنس أن تطلب منه جلب الهدايا وألوان الفواكه الفاخرة لصفية, تهلل للأمر وترك وراءه كل شؤونه وعكف فقط على أمر صفية عروسه الجديد وعوض زمانه المرتجى ....أخذ حراسه  وانطلق بين الأسواق وجلب أقفاصاً من أفخر أنواع الفواكه وبعض قنينات العطر والأقمشة الحريرية ....عاد إلى قصره وخلفه حراسه يحملون ما جلب ..أمرهم بالانتظار خارجاً وولج إلى قصره منتشياً ينادي على حورية بأعلى صوته  )

 

حورية ...بت يا حورية

 

نعمين يا كامل بيه

 

جهزيلي الجلابية الجاديدة اللي شريتها من يامين, ومعاها شال العمة والتلفيعة الجداد على ما اطلع اسحّم واحلج دجني

 

هاها انت رايح عرس ولا ايه يا جناب البيه؟

 

ماتسأليش عن حاجة ديلواك, لما أعاود هخبّرك

 

هاها ولا كانك يا كامل بيه انت العريس ورايح لعروستك وما رايدش تجول ديلواك,وشك المنور بيجول كديه

 

واه! كفاكِ رط يا بت انتِ وسوي اللي بجولك عليه عاد

 

من عنيا التنين يا كامل بيه

 

(انطلق كامل إلى الدور العلوي وخلفه حورية, دخل للاستحمام بينما اتجهت هي إلى خزانة الملابس تجلب منها ما أمرت به وهي تكاتم نفسها حديثاً )

 

كان الست هانم اللي الست صفية جالت عليها خلاص هتتجوز كامل بيه وهتاجي السرايا عن جريب, ووجتها تعطيني المال اللي مديناها بيه وتوفي معاي ..طيب وايه الحال لو ما عطتكيش المال يا بت حورية!..لاه كيف, لازم هتعطيني, دانا اللي ساعدتها ولولاي ماكانت الست حياة خرجت من السرايا بفاضيحة ولا هي جدرت تخطيها برجليها ..الله في سماه لو ما عطتني فلوسي لكون فاضحاها في النجع كلاته واخليهم ينهشوا لحمها كيف الكلاب....لكن ما اظنيش هتغدر بيا, هتخاف لغدر بيها آنا التانية..احنا التنين روحنا في يد بعض وما حدش يجدر يغدر بالتاني

 

(وضعت الجلباب وكل ما طلب كامل على الفراش وخرجت وأغلقت الباب خلفها....خرج كامل على الفور وهو يدندن بأغنية ويهتز لها...لبس جلبابه ولف عمامته وتلفيعته وتعطر ..زاد النقود في محفظته ووضعها في جيبه وخرج يسابق الريح, حتى أنه لم يلتفت أن وطفة كانت على باب غرفتها تناديه...ابتئست الطفلة ودخلت غرفتها تقول لأختها )

 

هو بوي ماله مستعجل كديه! حتى نادمت عليه ما ردش, وكانه ما سمعنيش

 

يمكن وراه مشوار

 

.....بوي ما بجاش بوي يا سلمى, ما وخداش بالك إنه لا بيسأل علينا ولا بياكل معانا! كل وكله عند جدتي وكل جعدته معاها, واحنا حتى ما بيسأل علينا كلنا ولا ما كلناش

 

......كانه كرهنا احنا التلاتة كيف ما كره امنا وطلجها

 

طيب لما هو ما رايدناش هنيه, ليه ما مشناش ولا بعتنا لامنا نعيش معاها؟

 

وهي وين امي يا وطفة! يا ريتنا كنا نعرف هي وين واحنا كنا خدنا عالية و روحنا نعيش معاها....صعبانة عليا عالية جوي يا وطفة, ماشافتش أمي ولا تعرفها

 

احنا هنعرفها مين هي امي يا سلمى,احنا التلاتة بناتها ومن دمها وهنفضل نحبها ونعشجها حتى لو متنا من غير ما نشوفها تاني

 

لاه,لاه يا وطفة بالله عليك ما تجوليش اننا ما هنشوفهاش تاني, آنا كل يوم ادعي ربنا وانا ساجدة انه يجمعني بامي واترمي في حضنها, يا حبيبتي يا امّا

 

(انخرطت سلمى في بكاء مرير واحتضنتها اختها وقد ذرفت العبرات....جافت السعادة قلبي الصغيرتان بينما ذهب أباهما بقلبه المفعم بالسعادة إلى أمه تاركاً حراسه خارج قصرها بالمحامل .....دق الجرس ففتحت له متهيئة بثوب فخم استعداداً لزيارة العروس, ما أن رأته حتى علا الابتسام قسماتها قائلة )

 

يا مرحب يا زين العرسان, اسم الله عليك يا ولدي,كيف البدر الله أكبر

 

هاها اومال العروسة تجولي فيها ايه عاد ياامّا!

 

أجول بدر البدور اللي ربنا كتبلك السعد معاها وخلفة الواد منيها

 

ياريت يا امّا, ياريت

 

هيحصُل يا ولدي, آنا مستبشرة خير بوش الخير صفية,جبت اللي جولتلك عليه؟

 

ايوة يا امّا, جابر وعبد العاطي واجفين برا بيهم

 

طيب خير, وآنا كمان خدت خاتم كابير من شكمجيتي ههاديها بيه مرت ولدي الغالية

 

هاها يلا يا امّا

 

(اصطحب والدته وخلفهما حارسيه بالمحامل إلى بيت صفية...كانت جميلة ترقبهما من النافذة ونار الغضب متأججة في قلبها ...قالت بصوت خافت تعتصره المرارة )

 

ماشي فوج الشوك وما داريش يا خوي,من هنيه ورايح ما هيملا جوفك غير المر والحنضل وانت مفكره شهد ....يا خسارتك يا كامل يا خوي

******************************************

(كانت صفية  قد انتهت من ترتيب منزلها وتفرغت لنفسها فارتدت ثوب كالح الألوان, ولكنه أجمل ثيابها الفقيرة,اكتحلت وتعطرت واستعرضت قوامها الممشوق ,عقصت شعرها والقت فوقه شال ملون باهت بعض الشيء, ولكنه لم يقلل من بهائها وجمالها الآخاذ..ازاحت الشال قليلاً إلى الوراء حتى تظهر بعض شعرها ..نظرت إلى وجهها وهيئتها في المرآة وقالت)

 

آن الآوان لست الحسان تتربع في سرايتها وسط الخدم والحشم هاها ...والله كان نفسي نشوف حياة في اللحظة دي وهي واجفة برا السرايا وواعيالي وآنا متغندرة وداخلاها وصوت رنة خلاخيلي يخلع جلبها من مكانه هاها ....هو كامل والحاجة اتأخروا ليه عاد! ماجدراش اصبر

 

(دخل عليها محمود فجأة فأفزعها وهو ينادي بصوت عال ..أمّا...  فانتفضت وقالت زاجرة إياه)

 

خلعتني يا واه, ابجى خبط بدل ما تدخل كيف الباهيم اللي داخل زاريبة كديه, عايز ايه؟

 

كنت هسألك هو كامل بيه وامه  اتأخروا ليه, آنا جاعد جنب الباب مستنيه وكل شوي افتح انضر ما لاجاهوش

 

زمانه جاي يا واه, خوك وين؟

 

بيذاكر

 

(أثناء حديثهما دق الباب فقفز محمود فرحاً وقال )

 

جم يا امّا جم

 

هاها طب روح افتح بسرعة ودخلهم وجعدهم , ولو سألوك عني,جول امي جاية

 

طيب يا امّا

 

راح الغلام يقفز فرحاً  صوب الباب ..سمع الدقات حسن فترك كتابه ووقف بجوار باب غرفته يستشرف من الطارق..فكانت دهشته عندما رمق عن بعد الحاجة  فايقة تقف متهللة وخلفها السيد كامل مبتسماً يحمل في يده كيس كبير ..ظل يرقبهما من طرف خفي, ما أن دلفا إلى المنزل حتى استدار السيد كامل لحارسيه يأمرهما بإدخال أقفاص الفاكهة التي انكفأ عليها شقيقه محمود يلتقط منها بشراهة المحروم والجميع يضحك ...اغتاظ حسن من تصرف أخيه الذي لم يكن عفوف النفس ,ظل صامتاً يرقب ما يحدث..فقد تسلل إلى صدره إحساس بأن شيء ما يخفى عليه..ولكن ما هو..لا يعلم ....شاهد الحاجة فايقة تهمس في أذن محمود الذي انطلق إلى غرفة والدته...بعد قليل شاهد والدته بكامل زينتها وقد اخترق عطرها أنفه فجحظت عيناه من فرط الدهشة ...قتلته الغيرة على عرضه حين شاهد قذائف نظرات الإعجاب النارية تنطلق من عيني السيد كامل صوب والدته فترتشق في صدره فجعلته يغلي كالمرجل من فرط الغضب , هرع الغلام خلف أمه ليستوضح أمرها الذي هاله .....ما أن اقتربت صفية حتى وقف كامل احتراماً لها متبسماً,بينما تصنعت هي ابتسامة خجلى, تنتقل عيناها بينه وبين الأرض,فحياها باسمها مجرداً لأول مرة

 

كيفك يا صفية

 

بخير يا كامل بيه,تسلم من كل ردي

 

(اتجهت إلى الحاجة فايقة وانحنت في خفة تقبل يدها وتقول بذات الصوت الهادئ الخافت)

 

كيفك يا حاجة, منورة بيتك يا امّا

 

هاها تعيشي يا بت الأصول يا غالية,اجعدي يا بتي,كامل رايد يتكلم وياكِ

 

حاضر

 

(كان ولدها محمود الصغير يعبث بين أقفاص الفاكهة ويأكل ما يحلو له من ثمار حين اقتحم حسن المجلس صامتاً ينظر إلى الجميع بحنق شديد,وثبت عيناه في عين كامل كالصقر الغاضب ..لاحظ كامل عدم ارتياح حسن لوجوده ,ربما لأنه لا يفهم السبب في معتقد السيد كامل, لذا فابتسم في وجه الغلام وقام عن مقعده وتوجه إليه, ربت على كتفه وقال

 

كيفك يا حسن يا ولدي؟

 

.......مليح الحمدلله...إنت جاي تزرنا يا كامل بيه؟

 

ايه كامل بيه ديّ! من ميتى بتجولها! ليه ما باتجولش يا عمي كامل؟

 

......... انت جاي عندينا ليه يا كامل بيه وجايب معاك الحاجة وكل اجفاص الفاكهة ديّ؟

 

هجولك يا حسن, انت كبرت ديلواك وكل حاجة لازمن يكون عندك علم بيها ...آنا جاي اطلب امك للجواز

 

(جحظت عينا حسن ,أصر على أسنانه وتطاير شرر الغضب من عينيه ,ضرب الأرض بقدمه بقوة قائلاً بأعلى صوته )

 

لاه, أمي ما هتتجوزش بعد بوي,خد الفاكهة اللي جاي بيها وامشي من هنيه

 

(انتفضت أمه كالوحش الكاسر صوبه تزمجر عامدة صفعه بكل ما تحمل من غضب, فحال بينهما كامل قائلاً)

 

اجعدي يا صفية, لساه عيل ما يحسنش...يا حسن يا ولدي آنا هربيك في سرايتي وهكون كيف بوك الله يرحمه

 

لاه, ما عايزش اعيش في سرايات, ومافيش حد في الدنيا دي كلاتها كيف بوي

 

(وجد السيد كامل أن الكلمات الطيبة لم تفتح قلب الغلام, فعمد إلى المال..أخرج محفظته وسحب منها المال الكثير لاسترضاءه,مد يده بالمال وقال برفق)

 

خد دول يا حسن, هات اللي انت رايده واللي نفسك فيه, عشان بس تعرف إني ما هحرمكش من شيء وهعيشك في خيري

 

(نظر الصغير إلى المال باذدراء, ونقل ذات النظرة إلى السيد كامل, فوقفت والدته وقالت له بحسم)

 

اسمع يا واه, كامل بيه جاي لحدينا هو وامنا الحاجة عشان يتجوزني, وآنا رايداه والجوازة هتتم, وكفاك منيه العند وجلة الرباية, خد الفلوس من يد عمك كامل اللي هيكون لك انت وخوك احسن من بوك بذات نفسيه, خد من يده

 

(نظر حسن إلى أمه بانكسار وتدفقت العبرات من عينيه, حدج السيد كامل بنظرة غضب مستعرة تكسوها الدموع,انطلق خارج البيت مسرعاً فهرعت أمه خلفه تناديه بضيق وحنق

 

واد يا حسن, انت يا واه, يا مرك يا صفية, يا مرك من خلف الشوم

 

(قامت إليها الحاجة فايقة تهدئها)

 

معلش يا صفية يا بتي, لساه عيل صغير, ما تاخديش على عقله

 

الواد ديه طول عمري مشربني المر, غير خوه محمود, طول عمره في طوعي وما يخالفلي أمر

 

هاها هو في كيف محمود عاد! تعا يا محمود, تعا يا ولدي خد الفلوس اللي ما رضاش بيها خوك من عمك كامل

 

(هرع الصغير صوب كامل يختطف المال من يده ناظراً إليه في شهوة عابد .فضحك السيد كامل ووالدته, تبسمت صفية واحتضت ولدها الصغير بينما عيناها معلقة بالسيد كامل في اعجاب, بادلها ذات النظرات قائلاً

 

اجعدي يا صفية عشان تجولي طلباتك وشروطك عاد

 

طلبات ايه وشروط ايه يا كامل بيه! حظي من الدنيا كله خدته الليلة دي, تو ما وعيتلك في داري بتطلبني للجواز

 

وما هتندميش بجوازك مني يا صفية في يوم من الايام

 

وآنا عارفة كديه وجلبي مطمن عاد يا كامل بيه

 

(ابتسمت الحاجة فايقة وفتحت محفظة نقودها واخرجت الخاتم الذهبي الكبير اللامع الذي ما أن وقعت عينا صفية عليه حتى اتسعت حدقاتها انبهارا ...قدمته لها وهي تقول

 

الخاتم ديه هدية امك الحاجة فايجة ليكِ يا عروسة ولدي, ولسة هدية ليلة عرسك عاد,هتكون حاجة تليج بيكِ صُح,مدي يدك ما تتكسفيش كديه

 

هاها يخليكِ ليا يا امّا وتعيشي وتاجيبي يا غالية

 

تعيشي يا بتي...اومال وين هديتك لعروستك يا كامل؟

 

أها يا امّا....دول كام توب جماش حرير على كام جزازة ريحة هيعجبوكي جوي يا صفية

 

هاها يخليك ليا

 

(كانت الحاجة فايقة ترقب نظراتهما التي يختلساها إلى بعضهما,فابتسمت وقامت عن مقعدها وهي تقول)

 

طيب آنا هجعد مع محمود هبابة كديه واهملكم لحالكم يمكن تكون صفية مستحية تجول على طلباتها جدامي

 

أها امي هملتنا وحدينا يا صفية, جولي كل اللي نفسك فيه وآنا انفذ

 

ان شالله ما اتحرم منيك يا كريم يا طيب يا واد الناس الطيبين

 

هاها تعيشي يا صفية ويعيش كلامك المليح, ها , جولي عاد يا ست ستات النجع

 

يا بوي! آنا ست ستات النجع!

 

اومال! ستهم وتاج راسهم وراسي

 

هاها يسعدك يا كامل بيه, ما رايداش حاجة

 

جولي عاد ما تتعبيش جلبي

 

سلامة جلبك يا غالي

 

(لمعت عيناه من السعادة وتبسم وظل ينظر إليها في انتظار أوامرها)

 

شوف يا كامل بيه, آنا طول عمري فقيرة بت فقرا, والنجع كلاته بينضرلي من فوج وما ليش جيمة عنديهم...حتى يوم ما اتجوزت ما حد دري بيا ولا جالي مبروك, بكيت ليلتها وجولت لو كنت بت أكابر كان زماني اتزفيت لسرايا جوزي على تختروان يلف النجع كلاته والخلج كلاتها تدرى مين هي صفية

 

هاها بس كديه! الله في سماه لجيبلك تختراوان متزين بالدهب ومفروش بالحرير تجعدي فيه كيف الأميرة جطر الندى في زمانها ويلف بيكِ النجع كلاته والكل يعرف مجامك

 

(قفز قلبها فرحاً وأمسكت بيده تقبلها وتقول)

 

تعيش يا راجلي وسندي وكل دنيتي, يجدرني وأملا دنيتك سعد وهنا وما اخلي الحزن يعرفلك طريج

 

(نظر إليها بإعجاب شديد, أمسك بيدها وهم بتقبيلها فجذبتها بقوة وقالت)

 

لاه, آنا اللي هعيش عمري احب على يدك يا سيدي وتاج راسي, كيف ما هتخليني ست النجع, آنا هخليك سيدي وآنا جاريتك اللي تأمرها بأي شيء تنفذه

 

سلم لسانك يا صفية, من هنيه ورايح انتِ فوج الكل عندي, حتى بناتي واختي مرتبتك عندي أعلى منيهم , رضاكِ عنيهم معناه رضاي, لكن امي...

 

عارفة من جبل ما تجول, امك فوج الجميع, وعايزاك تعرف انها امي جبل ما تكون امك ورضاها عهد ودين في رجبتي طول العمر

 

الله يرضى عنيكِ يا صفية

 

ويرضى عنيك يا سيدي وتاج راسي

 

( نسى السيد كامل الورع أنه اختلى بامرأة دون زواج, لمس يدها ولمست يده واستحلا ما حرم الله, يبدو أنه على موعد مع الانحدار من أعلى قمم الأخلاق إلى سفح الرذائل ..فما الذي في جعبة صفية له بعد ذلك!)

 

**********************************

(دفع حسن باب منزل جدته وهو يلهث ويقطر عرقاً وتغرق وجهه العبرات, هال جدته ما رأت,وقبل أن تسأله عم ألم به ارتمى في احضانها وهو يرتعد وينشج, قالت فزعة وهي تربت على ظهره )

 

مالك يا حسن, فيك ايه يا ولدي؟

 

أمي هتتجوز كامل بيه يا جدتي

 

........كامل بيه!...هي اللي جالتلك كديه؟

 

هو جه بذات نفسيه وجايب امه وفاكهة كاتيرة بالاجفاص, وامي يا جدتي كانت لابسة ملون ومزينة روحها وعما تتجلع عليه, وجالت انه هيتجوزها, ولما جولت لاه امي ما هتتجوزش بعد بوي, كانت هتضرُبني وهو اللي حاشها عني وطلع من محفظته مال كاتير عشان اسكت عن جوازه منيها...هملتهم وجريت وآنا ببكي وجيتك يا جدة, آنا خلاص ما رايدش امي تاني, آنا هعيش معاكِ هنيه....ولا ما رايدانيش يا جدتي انتِ التانية؟

 

كيف تجول كديه يا ولدي! هنيه دارك يا حسن, تجعد فيها كيف ما تريد وآنا اشيلك على راسي

 

ربنا ما يحرمني منيكِ يا جدتي...عارف انك ما تجدريش على امي, وإلا كنت جولتلك ما تخليهاش تتجوز بعد بوي

 

.....أمك ما يجدر عليها إلا ربنا يا ولدي, والله أعلم عاد جدرت كيف تخلي كامل بيه يطلب منيها الجواز بعد ما طلج مرته المليحة بت الأصول.....يا ترى سويتِ ايه يا صفية عشان تفرجيهم بعد ما لبستيها توب العار بيدك! حسبي الله ونعم الوكيل

 

.....جدتي, انتِ طيبة ومليحة وبتصلي الفرض بفرضه, ليه امي وخالي مش كديه؟ ليه مش طبيبن زييكِ ولا بيصلوا ! أنا عمري ما ريت امي بتصلي, وخالي كمان طول عمري اسمع عنيه كلام يخوف من بوي وأهل النجع كلاتهم, بيجتل ويسرج وعايش ع الدم والنار, حتى لما وعيتله خوفت منيه بس داريت خوفي عشان ما ابانش ضعيف جدامه

 

....وعيتله! وعيتله وين؟

 

في دارنا, جه من ليليتين فاتوا في العتمة, حسيت بيه هو وامي وجومت من ساريري وريته , أول ما وعيتله كرهته, شفت الدم بعيني بينجط من كفه, مد يده عشان يسلم عليّ ما رضيتش أسلم عليه ولا احط يدي في يده

 

......كان جاي ليه عنديكو؟

 

ما اعرفش, وامي جالتلي إياك تجول انه جه عندينا وإلا هجطع خبرك, بس آنا ما خايفش منيها, وجولتلك ع السر اللي مخبياه

 

ها, جولتلي ع السر اللي مخبياه! كانك طيب يا ولدي, امك ما حد يعلم اسرارها غير ربك, واللي يعرف سرها يا ويله, يكفيك شرها يا ولدي

 

ما جولتليش يا جدتي, ليه امي مش زييكِ, ليه خالي مش زييكِ؟ ليه التنين جلبهم مليان شر كديه؟

 

التنين همهم الدنيا والمال يا ولدي, واللي همه الدنيا وما بيفكرش في الآخرة ولا في حساب ربه, يعمل كل شي عشان يوصلها حتى لو بجتل النفس وهتك العرض وشهادة الزور...اوعاك يا ولدي تخلي الدنيا في جلبك ولا تعملها وزن, خليهم يتجاتلوا عليها كيف الديابة ما تتجاتل على جتة جاتيل وكانها كنز..وفي الآخر كلهم هيهملوها ويجابلوا رب عادل منتقم عقابه شديد هيحاسبهم في يوم محتوم , واليوم ديه جاي, جاي عن قريب وكل واحد عمله في كتابه مرصود وما هيفلتش من عذاب ربه

 

وهيحاسب اللي جتل بوي يا جدتي؟

 

اومال يا ولدي, هيروح وين من عذاب ربه!

 

كان نفسي اعرف مين اللي جتل بوي يا جدتي, كان نفسي آخد تاره بيدي واجتله كيف ما جتل بوي, بس ما اعرفوش, ما اعرفوش يا جدتي

 

ربك عارفه يا ولدي, طمن جلبك وارتاح, مافيش حق عنديه يضيع

 

(تقتحم صفية المنزل فجأة فتجد حسن في أحضان جدته, فانتبها حين شعرا بدخولها وهي تقول )

 

كنت خابرة إني هلاجيك هنيه يا خلف الشوم

 

آنا هعيش مع جدتي هنيه على طول مادام انتِ هتتجوزي يا امّا

 

هاها بتهددني ولا ايه! ولا تكون مفكر انك اما تجول كديه هرجع عن اللي في دماغي واحب على يدك واجولك خلاص ما هتجوزش يا ولدي وتعال نعاودوا على دارنا! كانك باهيم ما بتفهمش اني هتجوز كامل عشانك وعشان خوك, لكن اعمل ايه في حظي مع ولدي الكابير واول فرحتي, رايداله الفرح والعز وهو رايدلي البكا والفقر....ما تعقلي الواد يا امّا بدل ماانتِ ماسكة ودانه عما تبخي فيها سم

 

انتِ اللي عما تبخي سم بعمايلك وكرهتِ ولدك في العيشة معاكِ, آنا لا وزيته يهملك ولا ياجيني, هو اللي جاني بعد اللي عملتيه, عايزاه في ايه ولدك! كفاكِ كامل اللي لبستيله الملون وكحلتيله عيونك واتجلعتِ عليه

 

(اصرت صفية على أسنانها وانكفأت على ولدها تجذبه من ذراعه بقوة حتى ارتشقت أظافرها في لحمه وآلمته ألماً شديداً وقالت وهي تنظر إليه نظرات مخيفة)

 

كيف تحكي بلسانك اللي عايز جطعه على اللي حُصُل في الدار يا واد المحروج انت

 

ما تشتميش بوي يا امّا, اجتليني وما تشتميش بوي

 

يا اخي ان شالله تحصله عشان تريحني

 

....الله يسامحك يا امّا, اعتبريني مت وما تسأليش عني تاني, آنا هريحك واعيش مع جدتي لحد ما اموت

 

(دفعت حسن إلى فراش جدته بعنف وأسرعت خطواتها الغاضبة  إلى الباب مغادرة تتبعها نظرات حنق من أمها وما أن اختفت عن ناظريها حتى انكبت على حسن تحتضنه وتمسح على رأسه في حنان,طوقها الصغير بكلتا ذراعيه الجريحتين باكياً حتى سكن ونام)

***********************************

(عاد السيد كامل إلى قصره منتشياً منفرج الأسارير,نادى على حورية بأعلى صوته

 

حورية, وينك يا حورية

 

انا اها يا كامل بيه, حمدالله بسلامتك عاد

 

الله يسلمك يا بت يا حورية.حضريلي لجمة ناكلوها,كان الفرحة بتجوع عاد هاها

 

واه! هاها والله حسيت بيك من ساعة ما وعيتلك بتضحك ان في حاجة فرحتك,الله أكبر عليك,بتضحك ووشك منور,فرحنا معاك يا كامل بيه

 

ست الحسن وافجت ع الجواز وكلها شهرين ولا اكتر هبابة وتنور السرايا

 

ست الحسن! ..مين دي يا بيه؟

 

هاها ستك وست النجع كلاته صفية

 

(ذهلت حورية وبدت الدهشة على وجهها فلم تكن تتوقع أن السيدة الخفية التي تسمع عنها سيماط عنها اللثام ويتضح أنها صفية..ظلت صامتة شاردة الفكر تكاتم نفسها حديثاً.....يا بت الايه يا صفية! شوف المرة اللئيمة اللي كادت ودبرت للست حياة وطلعتها من السرايا عشان تتجوز جوزها وتعيش في العز والنعيم بدالها ..يا بوووي على دماغك اللي كيه السم يا بت الدوادي..جال وآنا اللي مصدجاها ومفكرة ان في ست هانم من بنات الأكابر هي اللي بتاكيد عشان تاجي مُطرح الست حياة, أتاريني كنت بساعد بت الكلاف جليلة الجيمة واديها أها ركبت فوج راس الكل ويا عالم ناوية على ايه...لكن آنا ماليش صالح, آنا هكون خدامتها وفي طوعها والمهم آخد مالي منيها, لازمن اروحلها في بيتها واطلب مالي,عشان ما اروحش في الرجلين, وإلا يمين الله هفضحك يا صفية عند كامل بيه واهل النجع كلاتهم

 

(لاحظ كامل شرود حورية فزجرها )

 

واه! مالك يا بت بلمتِ كديه! ما عاجباكيش صفية ولا ايه!

 

هاها كيف تجول كديه  يا بيه! آنا بس الفرحة خدت عقلي... يا دي السعد اللي جاك وجانا معاك يا بيه, والله يا زين ما اخترت, ميتى هتاجي الست صفية تنور السرايا؟

 

توفي عدتها بس واكتب عليها واجيبها على هنيه

 

هاها طب والله لزغرت

 

(أخذت تزغرد وتزغرد وكامل يقهقه..استيقظت سلمى ووطفة على صوت الزغاريد, وتسابقتا صوب الدرج, شاهدتا من أعلى والدهما يجلس ضاحكاً وحورية تزغرد..نظرتا إلى بعضهما البعض في عجب ونزلتا تقفزان فوق الدرج..أسرعت وطفة إلى والدها تسأله)

 

في ايه يا بوي؟

 

(ما أن هم بالرد عليها حتى سبقته حورية في رغبة خبيثة لإثارة غيظ الطفلتان )

 

بوكو ربنا عوض عليه وهيتجوز,باركوله عاد هاها

 

(ابتئست الطفلتان ودمعت عيناهما ...اقتربت وطفة حتى التصقت بمقعد والدها, نظرت في عينيه الهاربتين من عينيها وسألته)

 

هتتجوز مين يا بوي؟

 

.......صفية

 

صفية!......بت كلاف البهايم يا بوي؟

 

(انتفض من مقعده ودفعها بعنف فكادت أن تقع لولا احتضان اختها لها..وقال معنفاً إياها)

 

اخرسي يا بت, اياك مرة تانية اسمعك تجولي كديه حتى بينك وبين نفسك, صفية ديّ ستك وست أمك وست ستات النجع, ومن هنيه ورايح لازم تعرفي انتِ واختك إن رضاها من رضاي, واللي يدوس لها على طرف هيشوف الويل مني,اخفي من وشي انتِ وهي

 

(أشاح بوجهه عن الطفلة التي كانت تنظر إليه بحنق شديد وكاد الغيظ يفري كبدها..كانت حورية ترقب الموقف وتبتسم بخبث وقد نضحت الشماتة على وجهها....ربتت سلمى الكبرى على كتف أختها وقالت بحنو)

 

حقك عليّ آنا يا وطفة, تعالي نطلع فوج,بوي ما رايدش ينضرنا جدامه,يلا

 

(جذبت سلمى أختها وطفة من ذراعها صوب الدرج,بينما ظلت وطفة ناظرة إلى الخلف صوب أبيها وكأنها لا تصدق أن هذا هو أب الأمس الحاني......صعدت الطفلتان الدرج تتبعهما عينا حورية الشامتتان..استدارت إلى السيد كامل وقالت)

 

ولا يهمك منيهم يا بيه, ما هو لازم يعملوا كديه, ماهم لحد ديلواك ما مصدجينش في امهم بت الحرام كل اللي عملته وظالمين الست صفية اللي ماحدش نضر منيها غير كل مليح

 

ماليش صالح يصدجوا أو ما يصدجوش, المهم عندي إن ماحدش يضايج صفية ولا يخليها تندم انها جت السرايا

 

هاها تندم انها جت السرايا! لاه يا بيه اطمن, ما هيحصلش..واذا كان ع البنيتا ما تخافش, الست صفية حنينة وبكرة لما يشوفوا معاملتها المليحة وجلبها الطيب يحبوها وينسوا امهم واسمها

 

أنا متوكد من حنية صفية وطبعها المليح, ماخايفش إلا من بنات الفاجرة حياة واللي ممكن يعملوه في صفية

 

جولتلك ما تخافش يا بيه, اطمن وسيب البنيتا على الست صفية وما تحملش همهم..هروح اجيب العشا ,عجبال ما اجيبلك عشا ليلة العُرس يا عريس هاها

 

هاها

**************************************

(منذ أن صعدت وطفة إلى غرفتها لم تتوقف عن البكاء والنشيج, كانت سلمى تجلس إلى جوارها تبكي وتربت على كتفها وتقول )

 

كفاكِ بكا يا وطفة, ما عارفاش بتبكي على ايه! كان لازم هياجي اليوم وبوي يتجوز وياجيب مرته الجاديدة السرايا, ولا كانك مفكراه هيعيش كديه!

 

يتجوز كيه ما هو رايد, لكن المرة ديّ لاه, لاه يا سلمى

 

ومين يجدر يمنع بوي! الكل موافجه وأولهم جدتي فايجة

 

يا بووووي, ما تاجيبيش سيرتها جدامي, والله كرهتها, كرهتها, وكرهت بوي كمان

 

لاه, لاه يا وطفة, ديه مهما كان بوي ال...

 

الإيه عاد! الحنين؟ ...الطيب؟ ...اللي يامّا جلِعنا ودفدف علينا؟ ...خلاص يا سلمى, ماعادش ديه بوي, بوي الحجيجي بان النهاردة لما لزني بيده باعيد عنيه وكان هيوجعني....بوي خلاص, انسيه من النهاردة يا سلمى ....اللي نفسي اعرفه ديلواك هي وين عمتي جميلة, وين اللي كانت مسوية روحها حبيبة امي, مهملانا في الهم ديه ليه! لادد عليها العروسة الجاديدة كيف ما لدت على بوي وجدتي! والله لو عرفت انها واجفة معاهم لكرهها كيه ما كرهت بوي وجدتي وما انضر في وشها ليوم الدين

 

لاه يا وطفة, ما تجوليش كديه على عمتي جميلة, عمتي جميلة صُح حبيبة امي وحزنت عليها, ولا نسيتِ انها زعطت اللي اسميها حورية من السرايا عشان خاطر امي!

 

لاه ما نسيتش عاد, كل اللي فاكراه انها لا جت ولا سألت علينا من يوم ما امي انزعطت من السرايا لحد النهاردة, كانها مشغولة مع عريسها ونستنا, جولتلك يا سلمى بعد امنا مالناش حد

 

وانا جولتلك ما تجوليش على عمتك جميلة كديه, آنا خابرة زين انها ما بتاجيش عشان المرة اللي اسميها حورية, لكن هتاجي, هتاجي وما هتهملناش لوحدنا كديه

 

يارب تاجي يا سلمى...وينك يا عمتي, والله محتاجينلك, وينك تاجي تشوفي بوي واللي مسويه فينا ..وكماني الله أعلم صفية بت الكلاف هتسوي ايه هي التانية

 

(ظلت الطفلتان تدعوان الله بقدوم العمة جميلة, وكأنها قشة النجاة الأخيرة بعدما بهتت بوارق الأمل أمامهما )

************************************

 

(هرعت حورية إلى منزل صفية فرحة فما أن فتحت لها الباب حتى احتضنتها قائلة )

 

ست صفية الغالية اللي هتنور السرايا عن جريب, والله ما عارفاش اجول ايه من فرحتي

 

هاها, إنتِ عرفتِ!

 

واه! هو الفرح يستخبى إياك! طب ده كامل بيه من فرحته ناجص عليه يرجص

 

هاها صُح يا بت فرحان؟

 

جوي يا ست صفية, جوي, كانه عريس أول مرة يدخل دنيا جاديدة, والله تستاهليه ويستاهلك يا ست صفية

 

تعيشي يا بت يا حورية..لكن جوليلي,عملوا كيف بنيتا حياة اما عرفوا؟

 

يا بوووي ما عايزاش اجولك ع الشندلة اللي بجوا فيها, ويجولوا لاه يا بوي ما تتجوزش, البت سلمى الكابيرة مخبلة كديه وتخاف من خيالها وما حيلتهاش غير البكا ,لكن البت وطفة عينها جوية كيف عمتها جميلة وما بتخافش,خابرة يا ست صفية,دي وجفت جصاد بوها عين في عين و جالت كيف يا بوي تتجوز بت كلاف البهايم! ............آآآآ مالك يا ست صفية وشك جلب كديه ليه! البت وطفة اللي تعدم عمرها هي اللي جالت مش آنا

 

.......خابرة يا بت يا حورية انك ما تعبيش فيا ولو على رجبتك....أما وطفة بت حياة حسابها معاي بعدين وهيكون حساب قد نار جلبي من ناحية امها وناحيتهم, الملعونة بت الملعونة ديّ

 

الله يرضى عنيكِ اوعي تجولي إن آنا اللي بلغتك بللي جالته

 

لاه ..اطمني..بس من هنيه ورايح أي كلمة تدور في السرايا تبلغيني بيها اول باول, إنتِ عيني في السرايا يا بت

 

عنيكِ التنين مش عين واحدة يا ست صفية, خدامتك ورهن اشارة من صباعك ..بس آآآ يعني كنت عايزة اجول....

 

هاها ما تكمليش يا بت, آنتِ جاياني عشان تسألي على الفلوس اللي وعدتك بيها

 

هاها طول عمرك أم المفهومية يا ست

 

جولتلك ليلة ما ادخل السرايا, ليلة ما هتاخدي فلوسك, والكلام خَلَص

 

أمرك يا ست, مستنظرة الليلة ديّ أكتر ما انتِ مستنظراها..بالإذن يا ست قبل ما كامل بيه ياخد باله إني مش في السرايا, فوتك بعافية

 

الله يعافيكِ يا بت يا حورية........طيب يا بت حياة انتِ وخواتك...زمن النعيم ولى وجايكو زمان المر والعلجم على يد صفية

القاهرة

 

الحارة  الشعبية الكائن بها شقة حياة المستأجرة وسط صخب الحياة وضجيج البشر

 

عادت الحاجة حليمة زوجة الحاج عامر صاحب البيت, من زيارة أختها, فألفت زوجها في دكانه, تبسمت واتجهت صوبه. وما أن رأها حتى قال حانقاً

 

أخيراً حنيتِ ورجعتِ يختي!

 

هاها ماكانوش يومين اللي غبت فيهم عند اختي يا عامر

 

هما يومين شوية يا حليمة! مش قلتلك ما تباتيش

 

غصب عني والله, المشوار يهد الحيل, بروح هناك قاطعة النفس واقول الحقوني بكرسي عشان اقعد, بركب تلات مواصلات لحد هناك, اعمل ايه! صلة رحم ولازم اوصلها, ولا عشان ما اختي ساكنة بعيد مش هروحلها!

 

تقومي تغيبي يومين يا ولية!

 

اعمل ايه بس! ما انا اتصلت بيك في الدكان وقلتلك اختي وولادها ماسكين فيا وما رضيوش يسيبوني امشي ابدا

 

وانا اتفلق بقى

 

هاها وحشتك يا عامر؟

 

البيت من غيرك وحش قوي يا حليمة, وانا ببقى لايص لا عارف اكل ولا اشرب

 

هاها قول بقى كدة وبان على حقيقتك, عايزني عشان اخدمك يا سي عامر

 

عايزك عشان ترد فيا روحي يا حليمة

 

هاها يارب ما اعدمك, هطلع على طول اهو اعملك لقمة تاكلها

 

على فكرة الشقة اللي قدامنا اتأجرت

 

طيب خير وبركة الحمدلله, الإيجار برضو بيفرج علينا العيشة

 

على رأيك, الدكان ما بقاش جايب همه, والرفوف فضيت من البضاعة وما معييش فلوس أدفع الديون للتجار

 

ربنا يسد ما علينا آمين يارب. أجرتها لطلبة برضو؟

 

لا, جدع صعيدي ومعاه بنت عمه, أجر الشقة عشانها وهو أجر الأوضة اللي فوق السطوح

 

....الله! هي مش مراته؟

 

لا, لسة هيتجوزوا

 

وانت ازاي يا عامر تأجر الشقة لناس أغراب ما نعرفهمش, ايش عرفنا دول جايين من الصعيد ليه ولا عاملين ايه, ما يمكن عاملين عملة وهربانين

 

يا ولية ما يبقاش ضميرك اسود كدة, ده راجل طيب وبيصلي الفرض بفرضه

 

أنا ما اعرفش الكلام ده, بصراحة مش مرتاحة, يعني ايه جاي مع بنت عمه ومأجرلها شقة وهو مكان تاني! ما يمكن مش بنت عمه ولا يعرفها ووراهم مصيبة

 

والله انتِ اللي مصيبة ودايما شاكة في الناس كلها, الست اللي سكنت في الشقة في حالها ومن ساعة ما طلعت ما نزلتش ولا فتحت باب ولا شباك

 

شفت مش بقولك,أكيد عاملة عملة وهربانة وجاية تستخبى هنا, أنا هطلع امشيها بلاش وجع دماغ, هو عشان محتاجين فلوس هنأجر لأي حد والسلام! قال الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح

 

استني يا حليمة,يا حليمة , وبعدين بقى في قلة عقل الحريم دي!

*************************************

(صعدت الحاجة حليمة الدرج مسرعة حتى بلغت شقة حياة, طرقت الباب بعنف,ارتجفت حياة واقتربت من الباب تسأل بصوت خافت)

 

مين ؟

 

الحاجة حليمة مرات الحاج عامر صاحب البيت,افتحي

 

(فتحت حياة الباب على الفور,فما أن رأتها الحاجة حليمة حتى رق قلبها لوجهها المريح والطيبة التي تبدو جلية على ملامحها.... ابتسمت وحيت حياة)

 

مساء الخير يا بنتي

 

مساء النور, يا مُرحب,اتفضلي

 

يزيد فضلك يا حبيبتي

 

(دلفت الحاجة حليمة واتجهت إلى مقعد وجلست..تبعتها حياة وجلست في المقعد المقابل, فبادرت الحاجة حليمة قائلة )

 

أنا زي ما قلتلك الحاجة حليمة مرات الحاج عامر صاحب البيت, ولما عرفت انك غريبة ومش هنا, جيت ارحب بيكِ واقولك انك في وسط أهلك وناسك يا بنتي

 

الله يعزك يا حاجة, كتر ألف خيرك..هجوم اعملك كباية شاي

 

لا لا والله أبداً, ده واجب علينا احنا, أنا بس جيت اسألك إذا كنتِ عايزة حاجة

 

توشكري, الحمدلله ما ريداش حاجة, الحاجة الوحيدة اللي رايداها انك تشربي كباية شاي من يدي, عيبة في حجنا لما الضيف ياجي لحدينا وماياخدش واجبه..عوايدنا كديه

 

هاها خلاص يا حبيبتي, طالما مصممة بقى يبقى اعملي كوباية شاي سكر زيادة

 

من عيني حاضر,دجايج والشاي يكون جدامك

 

ان شاء الله السعد هو اللي يبقى قدامك وخدامك يا حبيبتي

 

(اتجهت حياة إلى المطبخ لإعداد الشاي, بينما استشعرت الحاجة حليمة  من نبراتها الحزينة وملامحها التي تنبض تعاسة أن هناك جراح تعتري قلبها ..تبعتها بنظرات متحسرة وطقطقت شفتيها وقالت في أسى)

 

شابة زي الفل وباين عليها بنت ناس, لكن الزمن جار عليها. اكفينا شر غدر الدنيا يا رب

(مرت دقائق معدودة وعادت تحمل صينية الشاي محاولة دفع الوجوم بابتسامة, فبدت باهتة...قالت للحاجة حليمة )

 

اتفضلي الشاي يا حاجة حليمة

 

تعيشي يا بنتي..الله! يعني عاملة كوباية واحدة, هو انا هشرب لوحدي ولا ايه!

 

معلش...شربت من هبابة, اتفضلي انتِ الشاي....اعذريني يا حاجة, كان نفسي اجوم معاكِ بواجب يليج بيكِ وبمجيتك لحدي اللي تساوي كاتير, لكن لساي جاديدة هنيه وما عنديش اللي اضايفك بيه

 

ما تقوليش كدة يا حبيبتي, كفاية مقابلتك الحلوة مممم......لكن صحيح هو الجدع اللي ساكن في اوضة السطوح ابن عمك وهتتجوزوا عن قريب؟

 

..........ايوة ...مجدر ومكتوب

 

باين عليكِ مش مبسوطة بالجوازة دي

 

ها! لاه لاه, كيف! مبسوطة...مبسوطة جوي

 

وهتتجوزوا امتى يا حبيبتي؟

 

يعني...شهرين وسابعوين تلاتة كديه

 

الله! طب وليه ما تتجوزوش من الليلة وتلموا الشمل ؟

 

.....ما ينفعش...لما اوفي عدة طلاجي

 

.....ايه! هو انتِ متطلقة!...عندك عيال؟

 

 

تلات بنيتا

 

لا حول ولا قوة إلا بالله. طب وليه يا بنتي تطلقي وتسيبي بناتك! أعوذ بالله...باين شيطانك ضحك عليكِ وغواكِ وخلاكِ اطلقتي ورميتِ بناتك عشان خاطر تتجوزي الجدع اللي معاكِ ده

 

حد الله بيني وبين الحرام, عليم الله ان ديه كلاته ما حصلش...طليجي هو اللي شيطانه غواه وصدج المرة اللي افترت عليا بالزور والزيف..الله ينتقم منيها .خلته طلجني وحرمني من بناتي, وجلبت الناس كلاتها عليّ وكانوا هيجتلوني,......حتى خوي الوحيد ظعطوه من النجع وما عارفلهوش طريج ...لو كنت اعرف وين خوي كنت روحت وراه وين ما يكون ...ما بجاليش حد ديواك غير واد عمي الشهم ديه اللي ربنا سخره عشان ينجيني منيهم وجابني على هنيه ..وعشان ما ينفعش اعيش معاه في الحرام لازمن نتجوز, وكمان عشان من غيره اضيع في الدنيا الواسعة ....مصدجة حديتي يا حاجة حليمة ؟

 

يا حبيبتي يا بنتي! ايوة مصدقاكِ وحاسة بيكِ, ربنا ينصرك على اعاديكِ يا حبيبتي ويردلك بناتك

 

آمين يارب ...عشمي فيه كابير كد رحمته ....ما تآخذنيش إني حكيتلك حكايتي ووجعت جلبك بيها..ربنا عالم ان جوايا كاتير ونفسي اجول للناس كلاتها اللي اعرفهم واللي ما اعرفهومش إني مظلومة ومغدور بيا

 

فضفضي يا حبيبتي , قولي كل اللي في قلبك يمكن ترتاحي

 

جلبي عمره ما هيرتاح غير لو الظالم اترد كيده وغرج في ظلمه

 

ربنا كبير يا بنتي ...تسلم ايدك على كوباية الشاي الحلوة دي..أقوم أنا بقى عشان اعمل لقمة للغدا, عمك الحاج عامر ما داقش طبيخ بيتي من ساعة ما كنت عند اختي..منورانا يا حبيبتي, من هنا ورايح اعتبريني زي امك, لو كنت خلفت من زمان,كان يبقى معايا عروسة حلوة زيك كدة,بس ربنا ما أرادش, كله خير الحمدلله, واهو أراد يعوضني بيكِ وجيتي سكنتي قصادي, طب والله قلبي اتفتحلك بصحيح زي ما تكوني بنتي

 

تعيشي يا حاجة حليمة, وانتِ كماني دخلتِ جلبي زي ما تكوني امي الله يرحمها

 

الله يرحمها ويرحم موتانا جميعاً يا بنتي...فوتك بخير

 

(خرجت الحاجة حليمة وصحبتها حياة عند الباب وأغلقته خلفها...اتجهت الحاجة حليمة إلى باب بيتها وفتحته بمفتاحها,وما أن دلفت حتى تفاجأت بالحاج عامر يجلس في انتظارها ..شهقت وقالت)

 

يوه! انت هنا يا عامر! أنا مش سيباك تحت في الدكان!

 

طلعت وراكِ اشوف هتعملي ايه مع الغلبانة دي

 

هاها على قولك, والله غلبانة بصحيح, طب دانا حبيتها ونزلت غلاوتها في قلبي من ساعة ما شفتها..باين عليها بنت حلال مصفي..اسكت دي حكايتها تصعب ع الكافر,خارجة من بلدها مطرودة ومتبهدلة على ايد ناس ما بيتقوش ربنا, افتروا عليها وطلقوها من جوزها وخدوا من نن عينها تلات بنات, ولها أخ وحداني مش عارفاله طريق بعد ما طردوه هو كمان

 

اعوذ بالله..كان قلبي حاسس ان وراهم حكاية كبيرة...لكن الجدع ده يبقى ابن عمها بصحيح؟

 

بتقول آه, ولولاه كانوا قتلوها ولاد الحرام

 

........يبقى كدة وراهم هم ما يتلم, وجايز يكونوا بيدوروا عليهم عشان يخلصوا منهم

 

ايه!...لأ, ماحدش يقدر يقربلهم وهما هنا, وبعدين اصلاً هيعرفوا طريقهم منين! دي مصر واسعة زي البحر اللي بالع الناس, دانا ليا قرايب امي عايشين هنا ومش عارفالهم طريق, وحتى لو عرفوا طريقهم ماحدش هيقدر يمس شعرة منها وانا موجودة

 

هاها الله! مش كنتِ طالعة تطرديها!

 

يوه! انت هتمسكهالي ذلة يا عامر! المثل بيقول اللي ما يعرفك يجهلك, وانا ما كنتش عارفاها ..دي بنتي اللي ما خلفتهاش....يوه! دا الكلام معاها خدني ونسيت أسألها على اسمها

 

هاها, والله ضحكتيني, بنتك ومش عارفة اسمها!

 

ما انا لما اعمل الأكل, هاخدلها طبق بامية وطبق رز تتغدا بيهم واسألها عن اسمها, غلبانة مالهاش حد, مين هيطبخلها يا كبدي !

 

الحمدلله ان قلبك حنيلها, انا قلت لو حليمة ركبت راسها وطردتها,هاخدها هي والجدع اللي اسمه خليل واوديهم بيت الحاج محمد الدمياطي في الحارة اللي ورانا

 

لا دمياطي ولا أسيوطي, خلاص, بنتي مش هتسيب بيتي

 

(اتجهت الحاجة حليمة إلى المطبخ لإعداد الطعام الذي عزمت أن تجعل لحياة نصيباً منه)

 

********************************************

 

بعد اداءه لصلاة العصر في المسجد, اتخذ خليل الجارحي طريقه إلى المقهى..جلس على أحد الكراسي ونادى على النادل: كباية شاي تاجيلة عاد يا واد بوك

 

حاضر, احلى كوباية شاي حبر صعيدي لبلدينا

 

لمحه الأسطى سيد الحلاق من داخل محله وكان ينهي حلاقة شعر أحد زبائنه, فقال لينبهه بانتهاء مهمته: نعيماً يا أخ

 

الله ينعم عليك يا اسطى, اتفضل أجرتك

 

توشكر, بالسلامة

 

خرج الزبون من المحل وتبعه الأسطى سيد عامداً المقهى..جذب كرسي وهو يحيي خليل في نفس الآن: ازيك يا خليل يا صعيدي

 

يا مرحب يا أخ سيد

 

طلبت حاجة ولا اطلبلك

 

طلبت كباية شاي

 

ماشي. ولا يا عبده, هاتلي كوباية عناب

 

حاضر يا اسطى سيد, احلى كوباية عناب لأجدع حلاق في المنطقة

 

عاد النادل بعد قليل بصينية عليها ما طلبا, وضعهما أمامهما وانصرف..فقال الأسطى سيد: أشرب الشاي يا أخ خليل

 

توشكر..بجولك ايه يا أخ سيد, ما تِعرِفليش شغلانة كديه ناكلوا منيها لجمة عيش

 

شغلانة! شغلانة زي ايه يعني ولا مؤاخذة؟

 

أي شغلانة مهما تكون, المهم يكون مكسبها حلال

 

واحنا ما نعرفش غير الشغل الحلال..طب بقولك ايه, في مقاول انفار شغال مع مقاول في كار المعمار, بيجي يسألني كل يوم والتاني على عمال, اكلمهولك؟

 

وماله, كلمه, بس ما تناسنيش الله يرضى عنيك

 

لا ما تشيلش هم, النهاردة بالليل  بإذن الله اعدي عليه واكلمهولك

 

توشكر يا أخ سيد, وآنا الصبح بإذن الله هاجيك تجولي سويت ايه

 

ماشي يا بلدينا

 

استأذن خليل وغادر المقهى, واتخذ طريقه إلى المنزل

****************************

وقف أمام شقة حياة وطرق الباب برفق ونادى: يا ستنا..تسترت وغطت رأسها وفتحت الباب قائلة: مُرحب

 

الله يرحب بيكِ يا ستنا, جيت اسأل تكوني محتاجة حاجة

 

لاه, الحمدلله..كنت لساي هطبخ الفروج اللي جبته عشية عشان تتغدا بيه, لكن الجارة اللي جنبينا مرت صاحب البيت جابت صحن طبيخ وصحن رز, خليتهوملك لحد ما تاجي, هجيبهوملك عاد

 

واه! طب وانتِ؟

 

لاه...ما رايداش آكل..كلت لجمة الصبح بحتة جبنة وسديت جوعي والحمدلله

 

 ما ينفعش تصومي عن الزاد كديه, خلي الطبيخ عنديكِ, ما لازمنيش طالما ما هتشاركنيش فيه

 

جولتلك خده مش لازمني, وما تعّبش جلبي اومال, آنا ما ناجصاش

 

ماشي يا ستنا...بس آنا يعني كنت رايد اجول حاجة كديه

 

خير

 

ما كنتش رايد يعني تولفي ع الجيران ويعرفوا انتِ مين وجاية من وين

 

آنا جولتلها على كل حاجة

 

واه!...ليه بس كديه يا ستنا! كنا عايزين نتدارى عاد وما حد يعرف شي عنينا

 

يعني ايه! كنت رايدها تظن فيا ظن عفش كيف ما ظنوا فيا أهل النجع وتجول هملت عيالها وطفشت مع راجل غريب !

 

اجهشت بالبكاء, فرق قلبه وقال بحنو: لاه, لاه يا ستنا, بلاش منيه البكا الله يرضى عنيكِ

 

وآنا بجيلي ايه غير البكا بعد اللي عملته فيا صفية الله يحرج جلبها

 

مسير الحج يبان يا ستنا

 

ميتى..ميتى ..بعد ما يولي عمري وآنا باعيد عن بناتي اللي هيعيشوا بعار مش عارهم ولا عار أمهم! آآآآخ آنا الود ودي أرجع النجع وازعج بعلو صوتي واجول مظلومة, مظلومة يا ناس, وما رايداش حاجة غير بناتي, حتى لو كامل عرف الحجيجة وحب على رجلي عشان اسامحه ما هسامحهوش..بس يعرف, يعرف يا خليل هو وأهل النجع بكيد صفية أم جلب إسواد

 

ربك كبير يا ستنا, ارمي تكالك عليه, وطول ما آنا جنبك ما تشيليش هم..بس الله يرضى عنيكِ جولي لمرت صاحب البيت تجفل ع الحديت ديه وما تاجولوش جِدام حد ابدا

 

ما تخافش, الحاجة حليمة مرة طيبة وبت حلال...ظني فيها كديه, وربنا ما يخيب ظني

 

ربنا يكفيكِ شر ولاد الحرام....آنا اتحدت مع الاسطى سيد الحلاج عشان يدوِرلي على شغلانة, وهو جال هيكلملي مجاول انفار شغال في المعمار

 

واه! وتشتغل نفر عند مجاول ليه عاد واحنا معانا المال!

 

المال مالك يا ست, وآنا حارس عليكِ وعليه, لا من حجي آخد منيه ميلم إحمر ولا ابدد فيه

 

المال مال خوي صالح, اللي ما عارفاش هياجي اليوم اللي ياخد ماله..ولا خلاص الدنيا فرجتنا على كديه وما هنتجابلوش تاني آآآآه يا صالح..هنفضل لميتى حيين على الدنيا ومتفرجين يا خوي!

 

ربنا يجمعكم يا ستنا..بالإذن آنا

 

طيب خد معاك الصحون, استنى

 

أعطته صينية الطعام, وأغلقت الباب وغرقت في جب ذكرياتها تذرف العبرات التي لا تكاد أن تجف في مقلتيها

 

******************************************

قرية أبو المنصور

بعد عمل يوم شاق كأجير في حقل السيد كامل, عاد سباعي زوج هانم ابنة خالة صفية إلى داره, كانت هي فوق سطح المنزل,  دلف الدار وهو يناديها بلهفة من يحمل الأخبار

 

هانم, إنتِ وين يا هانم

 

جياك يا سباعي

 

نزلت من أعلى الدرج الطيني البسيط وقالت: حمدالله بسلامتك عاد يا سباعي

 

الله يسلمك, كنتِ بتسوي ايه ع السطح في الليل؟

 

كنت بنشّر الغسيل عاد.. من طلعة النهار بلف على كعوبي ع اللي طالبين البضايع لما ما جادراش أجف..ويادوب جيت طبخت لجمة وجولت اشوف هم الغسيل آآه هحطلك الوكل أها

 

سيبك من الوكل وتعالي اجولك ع اللي بيحصل في النجع

 

تنهدت بحسرة على أحوال النجع, وجلست على الأريكة وهي تمسك ركبتيها المتألمتين وقالت: حُصُل ايه تاني يا سباعي في نجع الهم؟

 

دريتِ ان كامل بيه هيتجوز؟

 

يتجوز! صالحنا بيه ايه احنا يتجوز ولا ما يتجوز...مرته الحبيبة الغالية راحت وفارجت النجع , ومن وجتها والنجع في كرب... كانها خدت الفرحة معاها..جفل على الحديت يا سباعي ما عايزاش اسمعه

 

خابرة هيتجوز مين! لو عرفتِ هتجعي بجلبك, كامل بيه هيتجوز صفية بت خالتك

 

جحظت عينا هانم وفغرت فاهها من هول ما سمعت..تمالكت نفسها وسألت مندهشة: صفية بت خالتي!....بجي كامل بيه واد ابو الحجاج يتجوز صفية بت خالتي اللي لا جيمة ولا مجام ويجيبها في السرايا بدل الست حياة! ...لاه, لاه يا سباعي, ما مصدجاش..انت دريت من وين؟

 

واه! كانك ما خابراش اني أجير في أرض كامل بيه! عبد العاطي الغفير بتاعه بذات نفسيه اللي جال كديه, وجال ان كامل بيه والحاجة فايجة راحوا دار صفية محملين بالخير الكاتير وطلبوها وهي وافجت عاد, وهيكتب عليها بعد ما توفي عدتها

 

...لاه, ما مصدجاش, ما مصدجاش ان كامل بيه يسيب بنات أكابر النجع وياخد صفية , طيب ليه! ليه عاد؟ يا بوووي دماغي هتشت..بجولك ايه يا سباعي, أنا هلبس خلجاتي واروح لصفية اعرف منيها

 

هرعت إلى غرفتها تغالب آلام ركبتيها وارتدت ملابسها على عجل واتجهت إلى بيت صفية

 

****************************************

دقت الباب بشدة وعجلة..هرعت صفية وفتحت الباب, فعندما رأتها أكفهر وجهها وقالت بضيق: هانم!

 

كيفك يا صفية

 

مليحة, ادخلي

 

دخلت هانم وجلست على الأريكة, فسألتها صفية بفتور؟

 

اسويلك شاي

 

لاه, أنا جيت عشان اتوكد من حديت سمعته

 

جلست صفية وقالت بمكر: وسمعتِ ايه عاد يا هانم؟

 

صُح انتِ كامل بيه طلبك للجواز؟

 

هاها صُح يا هانم

 

....كيف حُصُل ديه يا صفية؟

 

انتفضت صفية عن مقعدها وقد استشاطت غضباً وقالت بحدة: هو ايه اللي حصل كيف يا هانم! راجل ومرة عِجبته وطلب منيها الجواز! ايه اللي فيها عاد!

 

آنا ما جصديش حاجة عفشة يا بت خالتي, آنا جصدي يعني...

 

اسمعي يا هانم وسمعي أهل النجع اللي ما وراهم غير الرط ع المصاطب في سيرة الخلج, جوليلهم كامل بيه ربنا عوض عليه بست ستات النجع كلاتهم صفية وهيكتب عليها تاني يوم ما توفي عدتها وهنعمل ليلة عرس كابيرة والكل معزوم فيها ..وأولهم انتِ يا هانم...ولا ما فرحاناش لبت خالتك عاد؟

 

الله يديكِ على كد نيتك عاد يا بت خالتي ويسجيكِ من اللي في جلبك

 

.....ايه! جصدك ايه بحديتك الماصخ ديه يا هانم! متمنيالي خير ولا ريدالي شر؟

 

وهريدلك الشر ليه يا بت خالتي!

 

سدي خشمك عاد ومن هنيه ورايح ما تجوليش بت خالتي ديّ, لا جدام الناس ولا بينك وبين نفسك..من هنيه ورايح تجولي الست صفية, كيف ما كنتِ بتجولي للمحروجة حياة

 

هاها واه! بجة كديه عاد! من ديلواك نفسك كبرت علينا وجبل ما تعتبي السرايا برجليكِ!..اسمعيني مليح يا صفية..إذا كان كامل بيه شايفك ست الستات وعايز يعلي مجامك, فديه حاجة تخصه وحديه, لا تفرضيها على حد ولا تجبري حد ينضرك بعين غير اللي نضرك بيها طول عمره..وآنا يا صفية يا بت خالتي عمر عيني ما هتنضر الحية غير حية ولو رجصت على المزمار, ولا في يوم هجول لعديم المجام يا سيد ولو كتر ماله

 

خرجت هانم مسرعة وأسرعت خلفها صفية وأغلقت الباب وقالت: غوري جبر يلمك الباعيدة, اعوذ بالله , كرهالي الخير ومستكترة النعمة عليّ ..بس الله في سماه لربيكِ واعرفك مجامك صُح يا هانم الكلب وتاجي تحت رجلي تتململي

 

********************************************

 

كان هناك بلثامه ليلاً, يرقب خطوات الصغير مصطفى ابن خليل الجارحي, إنه أحد رجال بدران الذي أرسله ليختطف الغلام كالمتفق مع صفية ...كان مصطفى متجهاً بعد صلاة العشاء من منزل عمته إلى منزل الشيخ سلطان ليحفظه بعض آيات القرآن الكريم كما تعهد له بذلك, وصل الغلام إلى منزل الشيخ فألفى حسن ولد صفية هناك, هذه هي المرة الأولى التي يقابله, ولكن ما أن رآه حتى شعر بارتياح شديد..وقف صامتاً فناده الشيخ باسماً

 

مصطفى, ما رمتش السلام ليه؟

 

السلام عليكم ورحمة الله

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..اجعد يا ولدي جنب خوك حسن, سلم عليه, هيحفظ معاك طوالي إن شاء الله, ورايدكو تاخذوا بيد بعض

(تبسم الغلامان ابتسامة صافية كقلبيهما, فبادر حسن بالسلام

 

كيفك يا مصطفى

 

كيفك انت يا حسن

 

يلا يا ولاد نبدأ على بركة الله, الله يثبت الحفظ في صدركم ويجعل كتاب الله نبراسكم لآخر عمركم آمين ......أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم

ألم, ذلك الكتاب لا ريب فيه, هدى للمتقين .....

 

(ذهل الصغيران عن همومهما بتلاوة آي الذكر الحكيم ...وبعد انتهائهما خرجا من عند الشيخ يترافقان في الطريق إلى منزليهما.....قال حسن:

 

آنا أول مرة اوعالك يا مصطفى, إنت ما بتاجيش كاتير عند الشيخ سلطان؟

 

لاه, ما كنتش باجي, بس من هنيه ورايح هاجي كل يوم إن شاء الله...أصل آنا ما كنتش بحب اخرج ولا رايد انضر حد

 

ليه كديه يا مصطفى؟

 

...الناس بتعيّرني ببوي يا حسن... اصل بوي واد ليل وجاتل وعايش في الجبل والناس بتخاف منيه

 

طب وانت ذنبك ايه عاد!

 

جول للناس ما تجوليش آنا.. بس الشيخ سلطان جالي آنا بدال بوك وهربيك

 

ايوة, الشيخ سلطان جالي آنا كمان كديه

 

ليه؟ وانت بوك وين؟

 

....بوي اتجتل

 

اتجتل!.....مين جتله؟

 

يا ريت كنت اعرف وآنا كنت جتلته كيف ما جتل بوي

 

لاه يا حسن لاه, بلاش منيها سكة الجتل والدم, آنا بكره الجتل وبكره الدم وبكره المال كماني, حب بوي للمال هو اللي خلاه يجتل ويحط يده في الدم. بلاش منيه الجتل يا حسن الله يرضى عنيك

 

آنا التاني بكره الدم والجتل يا مصطفى, لكن كل ما افتكر اللي جتل بوي جلبي بيقيد نار وببجى نفسه اجتله كيف ما جتل بوي

 

لاه, إن شاء الله ربنا هو اللي هيعاقبه, بلاش انت...تاجي نتفج نفضل طيبين ونبعد عن الدم والجتل والسرجة لحد ما نموت يا حسن؟

 

آنا موافج, عشان آنا طبعي من طبعك يا مصطفى

 

طب حط يدك في يدي عشان يبجى عهد بينا يا حسن

 

ماشي, ادي يدي يا خوي

 

(ابتسم الصغيران وتشابكت كفاهما عهداً ألا يصيبا مالاً أو دماً حراما....لم يكن مصطفى يعرف ما ينتظره من بدران ....استأنفا الصغيران المسير حتى وصل حسن إلى منزل جدته..فقال

 

ده بيت جدتي يا مصطفى , أصل آنا عايش معاها

 

ليه؟ امك اتجوزت كيف امي ما عملت ؟

 

......هتتجوز, عشان كديه جيت اعيش مع جدتي

 

هي اللي زعطتك من الدار؟

 

لاه, آنا هملت الدار بخطري, وما هروحش معاها سرايا جوزها الجاديد

 

يا بووي,سرايا! ديه غني جوي على كديه

 

ايوة غني, بس آنا ما يهمنيش المال, وحزنت عشان امي همها المال وما همهاش زعلي وهتتجوز رغم انها خابرة زين إني ما رايدهاش تتجوز..لكن خوي الصغير موافج..آنا زعلان منيهم, بس ما جادرش أكرهم

 

آنا غيرك يا حسن, امي زعطتني من الدار عشان جوزها ما رايدنيش, وماحدش رضي ياخدني عنديه غير عمتي سيدة. آنا بحبها جوي, اصلها طيبة, اطيب مرة في النجع كلاته ,بس جوزها مش طيب زييها

 

مش كل الناس اللي في الدنيا طيبين, الدنيا فيها الطيب وفيها العفش

 

بس العفشين كاتير جوي يا حسن

 

مالناش صالح بيهم, احنا هنحفظ عهدنا آنا وانت وهنفضل طيبين ونرضي ربنا 

 

ايوة صُح..طيب آنا ماشي بجى عشان يادوب اسّحم جبل ما انام. سلام يا حسن

 

الله يسلمك يا مصطفى, اجابلك في الجامع عشان نصلي ورا الشيخ سلطان إن شاء الله كل الفروض

 

(دلف حسن إلى بيت جدته بينما أخذ مصطفى طريقه إلى بيت عمته تتبعه خطوات الملثم الذي يظهر تارة ويختفي خلف الجدران والأشجار تارات حتى لا يلحظه أحد ...ما أن انعطف الغلام إلى أحد الأزقة الضيقة حتى باغته من الخلف بمنديل قماشي لفه حول فمه فجحظت عينا الصغير رعباً وتفاجأ بنفسه داخل جوال يحمله أحدهم فوق ظهره  ويجري بسرعة مخيفة..كاد قلب الصغير أن يتوقف هلعاً ...مضت عليه أوقات عصيبة ,لا يستطيع الصراخ, لا يستطيع الاستغاثة إلا برب السماء ..فقال مناجياً ربه بعبراته وجسده النحيل المرتعد....آيا ربي أنا لم أفعل شيئا يغضبك, ما زلت صغيراً لم أقترف الآثام, نجني من شر ذاك الآثم الذي اختطفني وقيدني فلم استطع إلى الفرار سبيلا , نجني يا ربي كما نجيت يوسف من البئر ....شعر الصغير بمن يحمله يصعد إلى مكان عال...يسمع أصوات هزيم الرياح..عواء الذئاب ..أصوات خطوات ملتجة بأنفاس لاهثة ...وفجأة ..سمع الصغير أصوات رجال عن بعد تقترب منها الخطوات شيئا فشيئاً حتى أصبحت تصم الآذان...سمع صوت أجش يقول؟

 

جبت الواد؟

 

معاي في الشوال

 

طلعه

 

شعر الصغير بالجوال يوضع على أرض غير مستوية استشعرها بجسده النحيل, وفجأة فتح عنه الجوال فطل برأسه فإذ برجال مدججون بالسلاح ملتفون حوله ..اقترب كبيرهم بدران  إليه متبسماً, مد يديه وأوقفه, ربت على ظهره واحتضنه وأجهش ببكاء كاذب يخادع الصغير وقال:

 

مصطفى, واد خوي خليل الغالي الله يرحمه

 

بوي!...بوي مات؟

 

بوك اتجتل يا ولدي

 

(صرخ الغلام وقد سالت عبراته )

 

بوي اتجتل! مين جتله؟

 

أهل النجع جتلوه

 

أهل النجع! جتلوه ليه ؟

 

بوك الله يرحمه نزل النجع من ليلتين فاتوا عشان يرجع لهم مالهم ويجولهم سامحوني, لكن طلعوا ناس غداريين, خدوا منيه المال واتكاتروا عليه وجتلوه, وحلفوا ليجتلوك انت التاني

 

يجتلوني! وآنا سويت لهم ايه؟

 

ما كفاهمش دم بوك, جالوا مش هيشفي غليلنا غير دم ولده, عشان كديه جبناك هنيه ندسك منيهم ونبعدك عن شرهم, نعلمك كيف تمسك السلاح وتحمي حالك وتاخد بتار بوك من اللي جتلوه

 

لكن آنا ما اعرفش مين جتله

 

(قبض بدران على كتفي الغلام وأخذ يهزه بعنف ناظراً في عينيه بثبات وقوة وهو يقول بصوته الأجش )

جولتلك أهل النجع كلاتهم اتفجوا على بوك واتكاتروا عليه وجتلوه, عشان كديه لازم تعتبرهم كلهم اعاديك, ما ترحمش فيهم كابير ولا صاغير, لا مرة ولا عيل ولا شيخ كابير, دمهم حلال ليك

 

كيف تجول عنيهم كديه وفيهم الشيخ سلطان؟

 

الشيخ سلطان أول اللي يستاهلوا الجتل, هو اللي حرض اهل النجع على جتل بوك من غير شفجة ولا رحمة

 

.........الشيخ سلطان!

 

ومتعجب ليه! ايوة هو, هو اللي جالهم اجتلوا خليل واجتلوا ولده من بعده

 

......الشيخ سلطان!!

 

هو و أهل النجع كلاتهم يستاهلوا الحرق, جتلوا بوك, حرموك منيه, بوك اللي ياما بكا لفراجك وكان يجول ميتى يجمعني الزمان بولدي واهج من النجع واعيش آنا وهو في أمان, عشان كديه نزل من الجبل عشان يرجع المال لأهالي النجع وياخدك وترحلوا, لكن ما هملوهوش ولاد المحروج, لازم تنتجم منيهم وتجتلهم كلاتهم , تحرج بيوتهم وتاخد مالهم اللي انت واحنا احق منيهم بيه

 

.....لكن آنا بكره المال

 

المال قوة

 

بكره الجتل

 

الدم بالدم والبادي أظلم

 

...أنا ما اعرفش اجتل

 

اومال احنا جبناك هنيه ليه!

 

(استدار بدران إلى سعداوي  وأومأ إليه  برأسه...فسرعان ما خرج وعاد يجر كبشاً كبيرا ضج المكان بثؤاجه, بطحه أرضاً وأحكم السيطرة عليه  ..استل بدران سكيناً ذو شفرة حادة واتجه إلى الغلام قائلاً بحسم

 

ادبح الكبش ديه عشان جلبك يجوى , طير راسه بضربة ساكين واحدة من غير شفجة

 

(ارتعد الغلام وابتلع ريقه فزعاً وقال بصوت متهدج )

 

لاه, آنا خايف

 

(أصر بدران على أسنانه قائلاً)

 

مش واد خليل الجارحي ابو جلب ديب اللي يجول كديه, امسك الساكين, امسك

 

(مد الغلام يده المرتعشة إلى السكين, ينظر إلى بدران  في رعب..بينما بدران ينظر إليه بثبات مخيف...أمسك السكين لا يستطيع عليه قبضاً واحكاما فسقطت..فنظر عالياً بخوف وترقب إلى بدران فإذ بنظراته على ثباتها إليه لا ينطق, استجمع مصطفى قواه والتقط السكين من الأرض وأحكم القبض عليه فلا مفر, وضع الشفرة على رقبة الكبش المنبطح وبضربة واحدة فصلها عن جسده فقهقه بدران ووضع يده على كتف الغلام وأوقفه, ربت على صدره وقال

 

راجل يا مصطفى, جلبك جلب ديب كيف جلب بوك, وديلواك اغمس يدك في دمه ولطخ بيها وشك وتوبك عشان تولف على ريحة الدم

 

.....أمرك

 

(انكب الغلام على دم الكبش المسال برباطة جأش وقلب قوي يغمس يده المرة تلو الأخرى ويلطخ بها وجهه وجلبابه مما أثار اعجاب بدران الذي قال له: وديلواك تعال معاي برا الجبل اوريك كيف نشان الرجال اللي يصيب جلب العدو ما يخيب

 

اصطحب بدران الغلام إلى خارج كهف الجبل, أشار إلى بعيد وقال

 

واعي للديب ديه

 

ايوة

 

شوف كيف هنشن على راسه واجتله

 

(صوب بندقيته إلى رأس الذئب في تلك النقطة البعيدة, ضغط على الزناد فأصاب رأسه وأرداه قتيلا على الفور مما أثار إعجاب الغلام الذي قال

 

علمني النشان يا عم..... واه , آنا ما خابرش اسمك عاد

 

آنا الريس بدران, كابير رجال الجبل

 

 

طيب علمني يا ريس بدران عشان انشن على جلوب أهل النجع اللي جتلوا بوي واجتلهم كيف انت ما جتلت الديب

 

هاها راجل يا مصطفى..امسك البندجية واعمل كيف ما هجولك

 

(أمسك الغلام البندقية بحماس المقاتل وصوب على رأس ذئب آخر,ضغط الزناد فخاب نشانه فابتئس, فقال بدران مستفزاً فيه رجولته )

 

لساك ضعيف ما تجواش ع النشان

 

فرد الصغير بعينين متحديتين:لاه, آنا مش ضعيف, حتى انضر

 

صوب على رأس الذئب فأرداه قتيلاً فامتلاً فخاراً ونظر إلى أعلى, فابتسم بدران وربت على كتفه قائلاً:

 

واد بوك صح

 

(ومنذ هذه اللحظة ذهب مصطفى بقلبه الحنون بغير رجعة, ودب قلب آخر في أعماقه ثائراً,متأججاً يجنح إلى سفك الدماء باحثاً عن ثأر أبيه الذي ظن مقتله..فيا ثأراً يبدل القلوب مهلاً, فقد أضعت الصالحين واستحال الحِلم حُلما)

 

*************************************

 

(مضى موعد عودة مصطفى إلى بيت عمته فبدأ القلق يتسلل إلى قلبها ...كانت تذهب عند الباب تترقب قدومه بين الفينة والفينة...تعبت قدماها فجلست تستريح على الأريكة بينما عيناها ملتصقة بالباب الموارب..فجأة اندفع الباب فتهللت وقالت..مصطفى..ولكن خاب ظنها, فمن دخل هو زوجها, فقالت بأسى:

 

شاهين!

 

مال وشك جلب كديه يا مرة! وعيتِ لعفريت!

 

كنت بحسبك مصطفى واد خوي, أصله عوّق جوي وماجاش لحد ديلواك

 

وراح وين الحزين ديه؟

 

ما تجولش ع الواد حزين, يكفيه ربنا شر الحزن.اسم الله عليه راح يحفظ قرآن عند الشيخ سلطان, بس عوّق جوي وجلبي متوغوش عليه

 

وماله ومال القرآن واد جتال الجتلا ديه!

 

يا بوووي, الله يرضى عنيك يا شيخ شيل الواد من دماغك وما تسمش بدنه بالكلام اللي كيف السم ديه..آنا طالعة استناه عند المصطبة برا

 

حطيلي لجمة آكلها وبعدها روحي مُطرح ما تروحي

 

طيب يا شاهين, طيب...يا ترى عوّجت ليه يا مصطفى!

 

(أسرعت إلى الموقد وسخنت له بعض الطعام على عجل ومعه بعض الأرغفة, صفتهم على صينية كبيرة ووضعتهم أمامه وقالت)

 

اتفضل الوكل أها, رايد مني حاجة تاني يا شاهين؟

 

لاه يختي ما رايدش, حطي الأولة جاري واخفي

 

الأولة أها, أنا طالعة اجعد ع المصطبة استنى الواد

 

(أشاح بيده مستهيناً بالأمر وانقض على طعامه.....خرجت هي وجلست على المصطبة أمام الدار ترقب الرائح والغادي, وكلما لاح خيال من بعيد اشرأبت بعنقها , ولكن في كل مرة كان يخيب ظنها ...مر من الوقت الكثير وهي على هذه الحالة ...خرجت اليها ابنتها الصغرى ذات الست سنوات تشدها من ثوبها وتقول

 

جعانة يا امّا

 

الأكل عندك جوا يا مريم

 

ما عايزاش من الوكل ديه, عايزة عيش وجبنة

 

يا بوووي,يا بتي الله يرضى عنيكِ كلي أي لجمة تسد جوعك وهمليني, واد خالك عوّج وما جاش لحد ديلواك

 

(دلفت الصغيرة إلى الداخل, بينما قالت سيدة:  لاه ما بدهاش بجى, آنا لازمن اخرج ادور ع الواد, أما ادخل استأذن شاهين في الاول

 

هرعت إلى زوجها والذي كان جالساً يدخن النارجيلة بعد أن فرغ من طعامه..فقالت له مضطربة:

 

شاهين, آنا هروح اسأل ع الواد عند الشيخ سلطان

 

سويلي كباية شاي

 

شاي ايه ديلواك! بجولك هروح اسأل ع الواد اشوفه راح وين

 

يغور في ستين داهية وما يرجع إن شاء الله, صالحي ايه آنا عوّج ولا مات حتى, اجري يا مرة سويلي كباية شاي خليني اعدل دماغي اللي متكلفة كاتير ديّ

 

......حاضر يا شاهين, هسويلك الشاي واروح ادور ع الواد, اللي الواجب عليك تجولي خليكِ وآخرج آنا ادور عليه

 

وصالحي ايه بيه آنا! خلفته ونسيته ولا ايه! لما ابوه بذات نفسيه راميه وأمه ما طايجاش تنضر سحنته, هشيل همه آنا!

 

......على رأيك..الحنية لا بتنباع ولا بتنشرى عاد

 

(أعدت الشاي وأسرعت إليه وقلبها يحمل من الهم الكثير مما نضح على وجهها, قدمته إليه قائلة )

 

الشاي أها

 

هاتي, وافردي خلجتك اللي تجطع الخاميرة من البيت ديّ

 

...آنا رايحة ادور ع الواد

 

روحي يختي دوري على واد مدير المديرية, داهية لا ترجعك ولا ترجعه

 

(وضع مبسم النارجيلة في فمه بينما انطلقت هي بخطوات متسارعة  إلى بيت الشيخ سلطان ..وصلت وهي تلهث, وضعت يدها على قلبها لتلتقط أنفاسها, وباليد الأخرى دقت الباب ...فتح الشيخ سلطان فقال:

 

خير يا بتي ؟

 

مصطفى واد خوي هنيه يا شيخ؟

 

مصطفى! لاه يا بتي, مشى بجاله زيادة عن ساعتين

 

يا مري! طيب الواد راح وين؟

 

يمكن يكون بيلعب هنيه ولا هنيه

 

لاه يا شيخ, لاه, واد خوي لا له اصحاب ولا بيحب يخرج برا الدار من عمايل الناس السو فيه ومعايرتهم له بابوه, ياجي من المدرسة ما يخرجش إلا تاني يوم ع المدرسة, وفرحت لما جالي انه هياجيك يحفظ القرآن. دي أول مرة ياغيب عن الدار كديه ,ادور عليه وين يا ربي

 

طيب يا بتي يمكن يكون راح لامه, روحي اسأليها عنيه

 

يمكن يا شيخ, يمكن, هروح اسأل عنيه هناك

 

ان شاء الله تلاجيه, ولو ما لجيتيه جوليلي عشان اكلف ناس تدور عليه, مع ان النجع صاغير وما يتوهش فيه حد, هتلاجيه هنيه ولا هنيه بإذن المولى

 

يارب يا شيخ سلطان, يارب

 

(التهمت خطواتها الطريق الطويل إلى منزل طليقة أخيها أم الغلام لتسألها عنه,ربما يكون فؤادها قد رق لولدها وأخذته ونست أن تخبر أحد ...وقفت عند الباب لا تستطيع لأنفاسها التقاطا وجبينها يتماطر ..دقت الباب, فتحت والدة مصطفى التي امتعضت ولوت شفتها حين رأت سيدة وقالت متأففة

 

سيدة! ايه اللي رماكِ عليّ في الساعة دي عاد

 

هيكون ايه يعني غير مصطفى! الواد عنديكِ؟

 

عندي وين يا مرة انتِ! ما انتِ خابرة إن جوزي ما رايدوش وزعطه, ايه هياجيبه هنيه تاني!

 

يا مري! اومال الواد راح وين!

 

ممم طفش وما لاجياهوش اياك! ريحي روحك, تلاجيه اتلم على عيال بايظة وراح يسرج معاهم ولا ينهب كيف ما بيسوي بوه, هيطلع لمين عاد غيره!

 

يا مرة انتِ ماعندكيش جلب ولا رحمة! اللي بتتكلمي عنيه ديه ولدك, ولدك اللي جطعوه من لحمك ودمك

 

(جاء من داخل الدار صوت امرأة عجوز هي حماة والدة مصطفى تسألها:

 

بتكلمي مين عنديكِ يا زيناهم

 

جاية يا حاجة, جاية. عاجبك كديه يا مرة انتِ! رايدة تخربي عليّ انتِ وخوكِ! رايدين مني ايه! خوكِ واطلجت منيه, والواد وهملتهولكو,غوري وما تاجيش هنيه تاني, جوزي لو درى انك جيتي هنيه هيغفلج الدنيا على راسي

 

جاز عليكِ الهم يا باعيدة, الله ينتقم منيكِ وتشربي الويل بذنب ولدك اللي ضيعتيه

 

غوري من هنيه غوري,أوف يا بووووي

 

(صفعت الباب في وجهها غير آبهة بولدها ومصيره, بينما ذرفت العمة العبرات وانطلقت بين الطرقات تنادي بأعلى صوتها )

 

مصطفى, وينك يا ولدي,روحت وين يا جلب عمتك..يا مصطفى

 

(سألت عنه القاص والدان فلم يدلها عليه أحد...استسلمت لليأس والدموع وعادت إلى بيتها مكلومة الفؤاد ذارفة العبرات عازفة عن الحديث إلى أحد)

**************************************

كانت مقهى القرية مكتظة بالرواد, وقد ضج المكان بأصوات ضحكهم الملتجة بأصوات النرد المقذوف وحكايا السمار..وفجأة يسمع الجميع صوت طلق ناري مدوي أتي من بعيد.فارتعدوا واتسعت حدقات أعينهم وفغرت أفواههم وألقوا ما بيدهم ذاهلون صامتون وكأن على رؤوسهم الطير

 

فجأة انتبهت آذانهم لقرعات على الأرض لرجل يجري صوبهم بأقصى ما أوتي من سرعة يلهث ويتصبب عرقاً وقد بدا الفزع على وجهه, صاح فيهم :

 

الحاج غباشي ابو احمد اتجتل يا اهل النجع

 

(التف الجميع حوله مذعورون يتسائلون ويناقشون الأمر )

 

مين جتله؟

 

ما خابرش, كانه عيار طايش من صالح ورجالته

 

صالح ورجالته!

 

يا اهل النجع, لازمن العمدة والأكابر يحمونا منيهم

 

هو العمدة جادر يحمي نفسه ! ديه ماشي وسط رجالته يتلفت كيف البسة

 

وبعدين يا اهل النجع! هنفضلوا كديه لحد ما صالح ورجالته يجتلونا واحد ورا التاني!

 

ماحدش فينا بجى مآمن على روحه, حتى جعدتنا ع الجهوة اللي بتروح عنينا ما هنجدروش عليها ولا هنجدروا نهوبوا هنيه

 

ايوة, كاننا هنتدارى في البيت ونلبسوا طرح كيف الحريم

 

هو احنا لسانا ما لبسناهاش عاد! آنا معاود على داري اجعد وسط مرتي وعيالي,تتصبحوا بالخير, ولا الله أعلم هتتصبحوا كيف, الله يحرجك يا صالح انت ورجالتك وناسك

 

(فروا مذعورون إلى دورهم علهم يجدوا الآمان.. ولكن هيهات هيهات لما يأملون ..........عندما انتصف الليل تسلل بعض رجال بدران ليثيروا المزيد من الذعر في القرية ,تسللوا إلى ثلاثة منازل متلاصقة مملوكة للفقراء, اضرموا فيها النيران فحرقت بمن فيها من رجال ونساء وأطفال وشيوخ...وعندما خرج بعض الرجال من الجيران للمساعدة أطلقوا عليهم أعيرة نارية .فالتجت الدماء بتراب الطريق وترامت جثث القتلى وعلا الصراخ والنحيب في ليلة دامية لم تشهد مثلها القرية ...هرع أهل القرية إلى منزل العمدة طالبين الغوث ,ارتعد العمدة وطلب الشرطة , وعندما حضر الضابط إلى مندرة العمدة وسأله:

 

تفتكر مين اللي عمل الجرايم دي يا عمدة ؟

 

مافيش غيرهم يا سعادة البيه, صالح ورجالته

 

صالح مين؟

 

صالح واد زيدان اللي يحرجه ويحرج رجالته, من يوم ما زعطناه من النجع وهو مسلط علينا رجالته يحرجوا الزرع ويجتلوا في الخلق ومعيشينا في رعب

 

وده ايه حكايته وايه سبب طرده من النجع؟

 

يا بيه كان لازمن ينطرد, العرض غالي والشرف غالي, وديه اخته الكابيرة والعياذ بالله زنت وجابت العار لناسها ومن جبل كديه كماني سِرجت ساريجة كابيرة كانت سبب في طلاجها من جوزها, من بعد تهمة العار وطفشانها من النجع,اتفج كبارات النجع على زعط صالح اخو الفاجرة, واشترطنا عليه, ياإما يرجع بدمها اللي يغسل عاره وبعدها نرجعله ماله, يإما يخليه باعيد عن النجع وما يلوثهوش بعاره..يبجى ذنبينا ايه احنا ويجتل ويحرج فينا ليه واد المحروج ديه!

 

وهو فين صالح ورجالته دول؟ فين أماكن تواجدهم ؟

 

مالهومش مكان, زي ما يكونوا مخاويين جن سفلي, يعملوا العملة ويختفوا في سابع أرض

 

ايه التخريف ده! وده كلام منطقي يتكتب في محضر ولا يتاخد بيه كشواهد يا حضرة العمدة!

 

يا بيه آنا اللي اعرفه جولته, صالح ورجالته بيعملوا العملة من غير ما حد ينضرهم

 

وايه خلاك متأكد انهم هما طالما ماحدش شافهم؟

 

يا بيه هما, جبل صالح ما ينزعط ,النجع كان في أمان. صحيح كانوا مطاريد الجبل بيسرجوا وناهبين النجع, لكن عمر يدهم ما اتمدت بأذى على حد من أهل النجع, لا عمر حد اتجتل ولا دار اتحرجت ولا أرض بارت, لكن من اليوم اللي خرج فيه صالح من النجع واحنا عايشين في الهم ديه.الله ينتجم منيه الباعيد اللي سيب ركبنا وجطع خلفنا. احنا عايشين في رعب يا سعادة البيه, ابوس يدكو اجبضوا عليه جبل ما يدبّح أهالي النجع كلاتهم وآنا أولهم,الشر برا وباعيد, نجينا منيه يارب داحنا غلابة

 

طيب يا عمدة ما عندكش أي أقوال تانية ؟

 

هجول ايه يا بيه غير حسبي الله ونعم الوكيل فيه صالح واد زيدان

 

على العموم احنا كدة ما عندناش أي معلومات نستند إليها في البحث, لكن أكيد طبعاً مش هنتوانى في البحث, وياريت لو وصلتوا لأي معلومة جديدة تبلغونا يا حضرة العمدة

 

أمرك يا جناب البيه

 

(غادر الضابط ومعاونوه منزل العمدة, وشددوا الحراسة على القرية, فانتشر عساكر الشرطة في الشوارع والحارات, وأطلت الشائعات برأسها بين أهل القرية بفعل صفية أن القادم هو الأسوأ على يد صالح ورجاله.فسيطر الذعر على الناس ووجمت وجوههم ..فكل من يمشي يلتفت يمنة ويسرة ويبتعد عن الجميع, فالجميع خائف من الجميع ...يا لكِ من امرأة نارية يا صفية !.....في مساء اليوم التالي كان العمدة خارجا بحراسة رجاله متجه إلى منزل أحد أكابر القرية للمناقشة حول ما يحدث.....ما أن نزل من سلم البوابة ومشى بضع خطوات حتى أطلق عيار ناري فوق رأسه فارتعدت فرائصه وجرى عائدا إلى منزله وهو يصرخ فانكفأ على وجهه وقام مسرعاً بترابه الذي عفر عبائته الجوخ ووجهه المذعور واستكمل الجري فانكفأ مرة أخرى على السلم فأكمل الصعود على يديه وركبتيه حتى بلغ الباب الذي وقف ونفذ منه مسرعاً وغلّقه بإحكام وهرع إلى غرفة نومه وقفز في فراشه وتدثر حتى وجهه وهو ينتفض ويسب صالح ورجاله,هرعت إليه زوجته وهي تقول)

 

خبر ايه يا ياسين؟ ما روحتش دار الحاج علي ليه؟

 

اروح وين يا ولية يا مخبلة انتِ! يعني ما سمعتيش العيار اللي اتضرب من هبابة؟

 

ايوة سمعته, فيه ايه يعني! عيار نار واتضرب, عوايدنا كديه, والناس ما بطلاش ضرب نار

 

يا ولية العيار ديه كان جاصدني وربنا نجاني منيه

 

يا مري! جاصدك يعني ايه!

 

اتضرب فوج راسي وكان هياجيب أجلي, لولاش طيب وغاوي فعل خير كان انصبت وروحت فيها, الله ينتجم منيك يا صالح, عايز تجتلني يا واد المحروج

 

يا بووووي هنفضلوا احنا في صالح وموال صالح لحد ما يخلص علينا كلاتنا وعنديه ألف حج وحج, بتزعطوه ليه انتوا يللي تتزعطوا من رحمة ربنا, اهو زعط النوم من عيونكم وزعط الأمان من النجع, مين هينجينا منيه ديلواك! روحوا صالحوه ورجعوله ماله ويا دار ما دخلك شر

 

صالحك حانوتي في ليلة عتمة يا مرة يا مخبلة انتِ, عايزاني آنا وكبارات النجع نرجع عن قرار المجلس ! ده الواحد يموت رافع راسه ولا يحنيها لعدو

 

(انفجرت زوجته بالضحك وهي تراه يقول هذه الكلمات وهو يرتجف مذعوراً في فراشه لا تطل إلا عيناه من تحت الدثار ..امتعض وزجرها )

 

بتضحكي على ايه يا مرة انتِ؟

 

لاه مافيش يا سبعي, الجصد يعني كنت بجول نجفلوا باب الشر مع صالح

 

لاه, احنا جديه وجدود وهنجيبله اللي يحمينا منيه ويرفع يده عن النجع, بس ما خابرش مين....فكري معاي يا باخيتة, مين يحمينا منيه؟

 

ما خابراش, آنا رايحة اخلي البت عزيزة تسويلي كباية شاي..اخليها تسويلك معاي؟

 

شوف يا خوي المرة اللي ماعنديهاش دم,يا مرة بجولك كنت هتجتل,هتجتل يا باعيدة, وانتِ رايحة تشربي شاي!

 

واه! وكان حصل ايه يا عمدة! ما انت جدامي كيف السبع اهو, وعلى جولك عملك الصالح نجاك من صالح, فوتك بعافية, هنام في اوضة الضيوف

 

غوري, مرة تاجيب المرض....مين يحميني من صالح ,مين ؟

 

(قضى ليلته رجفان قلِق لم تنغلق أجفانه حتى سمع صوت المؤذن معلناً عن صلاة الفجر..هم بالقيام للوضوء ولكن خوفه ألصقه بفراشه, ظل على حاله حتى بزغ الصباح وقد قرر ألا يبرح داره ويتكلم مع الجميع من وراء حجاب صوناً لحياةه الثمينة)

 

*******************************

 

(في ذات الصباح الباكر وعند إشراق الشمس تفاجأ الشيخ سمحون شيخ المبتدعة بطرقات على باب الدار ..عندما أتى الباب ألفى امرأة متسربلة بالسواد ينسدل شال على وجهها, وما أن سألها من أنتِ رفعت الشال عن وجهها وتبسمت قائلة )

 

صفية يا عم الشيخ سمحون

 

يا مُرحب يا صفية ,خير؟

 

صفية ما تاجيبش إلا الخير وما تبشر إلا بكل خير,بس دخلني في الاول عشان عندي حديت واعر عايزاك تسمعه زين ,بس ما عايزاش حد يعرف اني جيت هنيه ولا يوعالي عنديك

 

مافيش حد هنيه. ادخلي يا صفية

 

(دلفت إلى الدار وعمدت إلى أحد الأرائك وجلست, سارع بالجلوس على الأريكة المقابلة وسألها بلهفة)

 

في ايه يا صفية؟

 

دريت عن اللي حُصُل في الليل والناس اللي اتجتلوا؟

 

ومين ما دريش يا بتي! النجع كلاته في كرب من ليلة امبارح وعساكر المركز مالين النجع...لكن انتِ صالحك ايه بالحكاية ديّ؟ لو خايفة روحي اتحامي بمجام سيدي ابو المنصور, اللي يحتمي فيه ما في مخلوج يجدر يجربله

 

ايوة ما انا خابرة كديه زين, بس اللي سمعته ليلة امبارح من رجالة صالح عنيك رجفني وما خلاش عيني تغمض لحد الصبح

 

(ارتعدت فرائص سمحون واتسعت حدقتا عيناه خوفاً وقال بصوت راجف)

 

سمعتِ ايه؟

 

يا مري ع اللي سمعته يا مري, طب وربنا ركابي ما شيلانيش وجيت لحديك مسندة ع الحيطان

 

يا بووووي, كفاكِ من رط الحريم وجولي سمعتِ ايه

 

ليلة امبارح وبعد ما حُصل اللي حُصل, جلبي اتخلع على امي, لبست خلجاتي وحطيت طرحتي على راسي وجريت عليها, وجرب بيتها لجيت كام راجل شداد متلتمين بيمدوا خطاويهم ويجولوا..الدور الجاي ع العمدة وبعدين واد المحروج اللي اسميه الشيخ سمحون آآآما تآخذنيش يا شيخ, آنا جولت اللي سمعته عاد,آنا خابرة زين انك ما يهمكش منيهم وهتتحامى في سيدي ابو المنصور

 

(ارتعد ووضع يده على رقبته خوفاً ثم انتصب واقفاً وهو يسألها بصوت واهن)

 

صُح اللي سمعتيه ديه يا صفية يا بتي؟ يعني سمعتيهم بودنك بيجولوا الدور الجاي ع الشيخ سمحون)

 

أي والله صُح سمعتهم بودني زي ما آنا سمعاك كديه,جلبي رجف, وجولت العمدة لو راح ياجي بداله ألف عمدة احسن منيه, لكن الشيخ سمحون حبيبنا نعوضه كيف! إلا انت يا شيخ سمحون يا بركتنا وبركة النجع كلاته يا حبيب سيدنا ابو المنصور وزين خدامه

 

(لم تحمله قدماه, فأسند يده على ذراع الأريكة وجلس وأسنانه تصطك خوفاً ,ابتلع ريقه ثم قال)

 

طب وذنبي ايه آنا! طيب العمدة وليهم تار معاه,آنا صالحي ايه؟

 

كيف تجول كديه يا شيخ سمحون! يعني ما داريش إن صالح واد زيدان طول عمره ماشي ورا الشيخ سلطان ومن اتباعه, ودول والعياذ بالله كلاتهم بياجولوا انك هتكون سبب في خراب النجع وكل جولك باطل في باطل وبتحرم وتحلل براسك من غير شرع ولا دين

 

خابر بيجولوا ايه ولاد المحروج دول, خابر, الله يجطع دابرهم من النجع ويريحنا منيهم

 

(لمعت عينا صفية وقامت متجهة إلى مقعده, وقفت بالقرب منه وقالت)

 

عندي اللي يخلص النجع منيهم يا شيخ

 

(انتفض عن مقعده وقال بلهفة الغريق الباحث عن طوق نجاة)

 

مين؟

 

ممم لاه, بلاش

 

واه! بلاش ليه عاد؟ ما تجولي

 

(اقتربت من أذنه وقالت بحسم وقوة وصوت متأسد)

 

رجالة الجبل

 

.....ايه! كيف ديه!

 

هما وبس اللي يجدروا يحموا النجع من صالح ورجالته. بلغ العمدة بكديه, خوي بدران ورجالته مستعدين ينزلوا من الجبل ويحموا النجع وأهله ويرجعوا الأمان تاني

 

....ايوة يا بتي, بس العمدة وأهل النجع ما هيوافجوش,كيف يوافجوا ان المطاريد يحموهم !

 

خلاص, خليهم كديه لحد ما ينجتلوا واحد ورا التاني وأولهم أنت

 

لاه,لاه, لازمن ينزلوا النهاردة جبل بكرة ,بس كيف اخلي العمدة واهل النجع يوافجوا عاد

 

هاها آنا برديك اللي هجول للشيخ سمحون يجول ايه عشان يخلي العمدة يوافج! وماله, نجول عاد,انت ديلواك تروح على دار العمدة وتجوله......

 

( أخذت تصهر حمم خططها الخبيثة في آذانه المصغية..بعدما فطن للأمر انطلق الشيخ المبتدع ذو الحلة الخضراء إلى منزل العمدة .طلب مقابلته فطرق أحد الخفراء باب غرفة العمدة ليبلغه,ما أن سمع طرقة الباب حتى ارتعد جسده وسأل من موقعه على فراشه بصوت عال)

 

عايز ايه يا غفير الهم  ؟

 

الشيخ سمحون عايز يجابلك يا عمدة

 

الشيخ سمحون! عايز ايه ؟

 

ما خابرش عاد, جال عايز يتحدت معاك في أمر ضروري

 

طيب. نادم على باجي الغفر يتجمعوا ع الباب, اول ما اطلع عايزكم تحاوطوني لحد المندرة وما تهملونيش لحد ما اعاود الجاعة تاني

 

أمرك يا جناب العمدة

 

(بعد قليل, فتح الباب بزاوية ضيقة على وجل ليتأكد أن جميع الخفراء في انتظاره..انتصب وشمخ بأنفه وتنحنح وهو يهندم عبائته الجوخ , وخرج وتبعه رجاله..وصل إلى المندرة فألفى الشيخ جالساً..ألقى عليه السلام قائلاً

 

يا مرحب يا شيخ سمحون

 

الله يرحب بيك يا حاج ياسين,جيت تو ما دريت بللي حُصُلك في الليل

 

الحمدلله, قدر ولطف عاد, كنت هروح فيها لولا ستر ربنا

 

الحمدلله..لكن ما عرفتوش مين عمل كديه؟

 

لاه, فُص مِلح وداب

 

لكن هيعاود تاني

 

.....ها! وعرفت من وين؟

 

اسمع يا عمدة, انت المرة دي فلت من الجتل ببركة سيدي ابو المنصور اكمنك من محاسيبه وراضي عنيك, وعشان كديه زارني في المنام ليلة امبارح وجالي بلغ العمدة الرسالة ديّ

 

ايه هي الرسالة, جول الله يرضى عنيك

 

بيجولك ان صالح ورجالته مش ناوينلك على خير, وان كنت عايز تنجى بروحك وتعيش في أمان مافيش جدامك غير رجالة الجبل وكبيرهم بدران يحموك

 

رجالة الجبل!!...بدران!!....كيف نتحامى في هجامة ومطاريد الجبل واحنا ما بنتقيش شرهم !

 

جه وجتهم عاد, مافيش غيرهم اللي هيحمي نجع ابو المنصور من صالح ورجالته, دول مهما كان ولاد النجع وما يهونش عليهم أهله, ولما حسوا بالخطر علينا جالوا خدولنا إذن من العمدة واحنا ننزلوا نحموه ونحموا أهل النجع ..كل ديه جالهولي سيدي ابو المنصور في المنام, ويكون في معلومك يا عمدة,لو عصينا أوامر سيدي ابو المنصور هيرفع يده عنينا ويهملنا لصالح ورجالته ينهشوا فينا كيف الديابة

 

لاه ,لاه, أمره مطاع, العمر مش بعزجة عاد, وحتى لو ماجالش كديه,طالما رجالة الجبل هما اللي هيحموني من واد المحروج ورجالته يبجى آنا مستعد أطلع اجيبهم من الجبل بذات نفسي

 

لاه يا عمدة, مجامك محفوظ, هما اللي هينزلوا لحديك, وآنا من ناحيتي هشيع مراسيل ينتشروا بين أهالي النجع يعرفوهم إن رجالة الجبل نازلين يحمونا

 

خير ما هتعمل عاد

 

(أرسل الشيخ سمحون الدراويش والمجاذيب في كل أنحاء القرية,لم يتركوا حجراً أصماً حتى أسمعوه أن رجال الجبل سينزلون لحماية القرية وأهلها من بطش صالح ورجاله..تهلل أهل القرية إلا قليلاً وهم الشيخ سلطان وأتباعه الذين هالهم الأمر,إذ كيف يطلبون من فسدة القوم حمايتهم! كيف يؤتمن الذئب على الحملان! كيف لسارق الأمس أن يتولى حماية الخزائن! ...ولكن للبسطاء رأي آخر, فلنحتمي ولو في مردة الجن من صالح ورجاله الذين يسومون القرية سوء العذاب ..ولم يكن يعلم هؤلاء أنهم يطلبون السقاء من رادم البئر...وما حملهم على القبول برجال الجبل أكثر هو أن الهرج والمرج لم يتوقف يوماً, فبين عائد من حقله يقنص على قارعة الطريق, وبين طفل يذبح بلا جريرة, ونيران تضرم في البيوت وثمار تموت...ضج القوم والتمسوا الخلاص عند رجال الجبل وكبيرهم بدران الذين تهيئت القرية لنزولهم وتعلقت الأبصار بالجبل يترقبون الغوث زهاء ثلاثة أشهر ذاقوا خلالها الويلات ...لكن اليوم قد شاع خبر رج أرجاء القرية بأن بدران ورجاله سينزلون اليوم لحمايتهم ....خرج أهل  القرية على الطريق يتدافعون ويترقبون ..جاء العمدة يحوطه حرسه بعتادهم, وجاء موكب الشيخ سمحون يتقدمه حملة المباخر وخلفه المجاذيب والدراويش ..أصوات ملتجة, عيون حائرة وعيون وجلة,الجميع ينظر إلى بعيد..خرج عليهم الشيخ سطان ينادي فيهم بينما الجمع بين صماء وصمان, لا أحد يراه أو يسمعه وهو يصرخ فيهم قائلاً

 

يا ناس, يا أهل البلد, كيف تآمنوا لرجالة الجبل! كيف تآمنوهم على مالكم وعرضكم ودمكم, يا ناس فوجوا, فوجوا وارجعوا لربكم, انشروا العدل وانصروا المظلوم وهو سبحانه يحميكم, يا ناس اسمعوا, اسمعوا يا ناس, العدل هو اللي هيحميكم, الحق هو اللي هيحميكم , فوجوا يا نجع ابو المنصور, فوجوا

 

ظل ينادي بأعلى صوته ولكن لا حياة لمن ينادي, لم يكل أو يمل وظل ينادي فيهم, وفجأة ...ظهر من أعلى الجبل بدران وعدد كبير من رجاله يمتطون صهاء فرسهم و ينحدرون كالبرق إلى السفح فتهلل الناس وكبر الرجال وزغردت النساء , فقد جاء حامي الديار بدران ...تقدم العمدة الجمع ووقف مشرئباً بعنقه في انتظار بدران...ما أن وطأ فرسه أرض القرية حتى تجمع الجميع حوله يهللون ويضحكون ويتمسحون في جسده, ترجل عن فرسه في خيلاء , هرع إليه العمدة يستقبله متبسماً وخلفه أكابر النجع وقد استغنى عن الحراسة فهو في حضرة بدران, قال بحفاوة بالغة

 

حمدالله بسلامتك عاد انت ورجالتك يا ريس بدران

 

الله يسلمك يا جناب العمدة

 

كل أهل النجع مستظرينك من شهور طوال عشان تحميهم

 

وآنا نزلت من الجبل عشانهم آنا ورجالتي, دول مهما كان أهلي وناسي, واللي يمسهم بسوء يبجى حكم على نفسه بالموت وجامت جيامته

 

الله يحفظك للنجع وناسه, اتفضل معاي انت ورجالتك على مندرتي, مسوي عزومة غدا كابيرة تليج بمجامك

 

وماله, عزومة الكابير ما تترد وكلمته أمر ع الرجاب

 

هاها سلم لسانك يا ريس بدران, يلا بينا

 

يلا يا رجالة

 

(قبل أن يستدير,شقت صفية الجموع وهي تجري وتنادي بأعلى صوتها فانتبه لها الجميع  )

 

خوي, خوي بدران, يا رافع راسي يا حامي النجع يا زين الرجال

 

هاها أختي صفية, تسلمي يا ام الرجال يا ست الستات

 

(تبسمت وربتت على كتفه بقوة وهي تقول بأعلى صوتها)

 

تعيش يا خوي, الله ما يحرمني ولا يحرم ناس النجع منيك.....يا عمدة, مبارك عليك خوي ورجالته, من الليلة مافي خوف وعم الأمان في النجع

 

خابر كديه زين يا ستنا واخت سيدنا.. لازمن تاجي معانا ديلواك العازومة وإلا باخيتة مرتي تزعل

 

لاه, معلش, الليلة ليلة بدران ورجالته وبس, وإن كان ع العازومة, كلها يامين بالتمام والنجع كلاته معزوم في عرسي على كامل بيه

 

مبارك يا ستنا, تستاهليه ويستاهلك

 

تعيش يا عمدة, ما عطلكوش عن حالكم

 

(استمالت أخيها وهمست في أذنه)

 

بدران, سوي معاهم كيف ما اتفجت معاك يا واد بوي

 

ما تحمليش هم, روحي انتِ على دارك ديلواك وآنا هاجيكِ في الليل بعد ما المصالح تنجضي

 

مستنظراك

 

(ولت مدبرة وذهب هو ورجاله في صحبة العمدة والأكابر إلى وليمة الغداء وخلفهم الشيخ سمحون وأتباعه )

 

********************************

(بعد فراغهم من الغداء وانصراف سمحون وأتباعه, طلب بدران من رجاله الانتظار خارج دار العمدة ليبدأ في فرض شروطه لحماية القرية ....قال للعمدة:

 

اسمع يا عمدة, الناس ما تهاب إلا صاحب المال والجاه, وآنا عشان احافظ على هيبتي يلزمني مال وجاه

 

واحنا مستعدين لكل طلباتك عاد

 

طيب, إذا كان كديه في الاول يلزمني سرايا اجعد فيها, عشان الكل يعلم إن دي سرايا حاميهم اللي هيحرم على نفسيه النوم لجل ما يناموا, اللي هيتعب لجل ما يرتاحوا

 

واحنا عنينا ليك, ايه يعني سرايا جنب حمايتك للنجع اللي تساوي كنوز الدنيا

 

تعيش يا عمدة

 

من بكرة نبنيلك سرايا أحسن واكبر من سراياتنا كلاتنا

 

وعلى ايه تبنوا السرايا والسرايا موجودة!

 

سرايا ايه ديّ عاد؟

 

سرايا صالح واد زيدان

 

يا بوووي, مابلاش منيها سرايا العفش ديه لياجي يولع في النجع

 

ما يجدرش يهوب منيه طول ما بدران موجود..جولت ايه يا عمدة, سرايته لزماني

 

(استدار العمدة إلى أكابر القرية يستشيرهم فعلت أصواتهم بالموافقة إجماعاً )

 

موافجين يا عمدة

 

على بركة الله عاد يا رجالة...مبارك عليك سرايا صالح, من الليلة هنشيعوا الخدم ينضفوها ومن بكرة تبات فيها

 

لاه, هبات فيها من الليلة, لو عايز تشيع اللي ينضفها شيع ديلواك على ما اروح اطمن على اختي وامي

 

ماشاء الله عليك, واد أصول ورباية مليحة, شايفين كيف يا رجالة بيبر امه المرة الطيبة واخته المليحة بت المليح! وصلهم سلامنا عاد يا ريس بدران

 

تسلم يا عمدة

 

(حيا أكابر القرية وغادر المجلس, وعندما خرج لرجاله أمرهم أن يسبقوه إلى قصر صالح وبشرهم أنه أصبح له إلى الأبد .بعدها اتجه إلى بيت أمه

*******************************************

 

وصل بدران إلى منزل والدته...طرق الباب فهمت الأم بالقيام من فراشها لتفتح, لولا حسن الذي ترك كتابه إلى جانبه وقال:

 

خليكِ انتِ يا جدتي, آنا اللي هفتح عاد

 

طيب يا ولدي, الله يرضى عنيك

 

هرع وفتح الباب, فألفى خاله بدران فامتعض وبدا الضيق على وجهه..وجم بدران وقال بغلظة:

 

إنت بتعمل ايه هنيه يا واد صفية؟

 

ما اسميش واد صفية, آنا حسن واد شاذلي

 

هاها راجل يا حسن ....مسا الخير يا امّا

 

مين! .. بدران!

 

ايوة, اتوحشتك يا امّا

 

.....تعيش

 

التقط حسن كتابه من فوق الأريكة وقال لجدته:

 

آنا خارج اذاكر ع المصطبة برا الدار لحد ما ضيفك يمشي يا جدتي

 

طيب يا ولدي

 

خرج الغلام غير آبهاً بخاله, فاشتد غيظه وحنقه وتعقبه بنظرات حادة حتى خرج من الباب وتوارى ..حاول استرداد ابتسامته وجلس إلى جوار أمه وقبل رأسها ويدها وقال:

 

اتوحشتك صُح يا ام بدران, كيفك يا امّا؟

 

نحمده ونشكر فضله

 

مالك يا امّا؟ ما رايداش تنضريني ليه!

 

وانت رايد امك تنضرك ليه! كفاك العمدة وأهل النجع كلاتهم ناضرينك وما عارفينش يراضوك كيف

 

هاها انتِ دريتِ!

 

هو في حاجة بتستخبى في نجع ابو المنصور يا حامي الديار!

 

.......آنا عايز اعرف ليه بتسوي معاي كديه يا امّا! مرة غيرك كانت تفرح بولدها وتملا الدنيا زغاريت ع الأملة اللي بجي فيها, بجينا سياد النجع يا امّا وحامينه

 

هاها حامينه! ومين يحمينا منيكو عاد! ياك فاكر امك مخبلة ومادرياش ان انت ورجالتك اللي مالين النجع خراب وحرج وجتل كل يوم والتاني!

 

يا امّا, مش احنا يا امّا, احلفلك على كتاب الله ان مش احنا!

 

اخرس,اياك تحلف على كتاب الله كذب ولا تمسه بيدك الغرجانة دم

 

يعني ما رايداش تصدجي يا امّا إن صالح ورجالته هما اللي بيعملوا كديه وان آنا ورجالتي نزلنا بالخصوص عشان نحمي أهل النجع!

 

وانت يهمك ايه اصدج ولا ما اصدجش! خليك في حالك وآنا في حالي, لا نتجابل في سكة ولا نتجمعوا في طريج, إذا كان انت ولا اختك جلبي وربي غضبانين عليكم ليوم...

 

(وضع يده على فم والدته وقال وقد دمعت عيناه)

 

لاه يا امّا,لاه, الله يرضى عنيكِ ما تحرمنيش من رضاكِ

 

.......جوم يا بدران, جوم شوف رايح وين وهملني لحالي

 

يا امّا آنا جيت أخدك معاي تعيشي في سرايتي

 

هاها سرايتك! ومن ميتى يا واد عبد ربه كلاف البهايم عنديك سرايا!

 

الدنيا دوارة يا امّا, لا تخلي الراكب راكب ولا الماشي ماشي

 

وانت الصادج, دنيا غرورة والمتغطي بيها عريان..اجتل واسرج وانهب وكل مال الناس بالباطل,اسكن السرايات كيف ما تريد,اتغطى بالحرير من ساسك لراسك, في يوم هتسيب ديه كلاته وتجابل ربك, شوف هتجوله ايه وجتها ...هملني يا بدران وخليك في سكتك, وما تجينيش هنيه تاني

 

لاه يا امّا, هاجي, ومسيرك توافجي وتاجي معاي سرايتي , عشان آنا جلبي ما مطاوعنيش اعيش في الخير والعز واسيبك هنيه في الطين والفقر

 

الفقر في الحلال عز, والغنى في الحرام مذلة..ملعون المال اللي يغضب ربنا,ملعون الدم الحرام,ملعون المال الحرام ,ملعون.....

(أخذت أمه تردد ذات عبارات اللعن حتى ولى هارباً وكأنها شبحاً يطارده ...ما أن رآه حسن حتى سره مغادرته للمكان, فتنفس الصعداء ودلف إلى الدار حاملاً كتابه, رمق جدته تبكي فأسرع إليها ليهدأ خاطرها..احتضنها وقبل رأسها و قال بقلب متلهف

 

مالك يا جدتي, بتبكي ليه؟

 

....لاه يا ولدي,ما ببكيش

 

أنا خابر إنك شايلة في جلبك من خالي بدران, وخابر انك ما رضياش عنيه ولا عن امي

 

............................. أجول ايه يا ولدي, جلبي ما راضيش عنيهم, لكن ما جادرش يكرههم ,جلب الأم حمال أسية ..التنين لا طاعوا ربهم ولا طاعوني

 

أنا هطيعك يا جدتي وما ههملكيش لحد ما اموت

 

بعد الشر عنيك يا ولدي, ليه تجول كديه! الله يعطيك طول العمر اللي تطيع فيه ربك وتاجيب حج المظلوم من الظالم مهما يكون

 

هو صُح يا جدتي خالي بدران نزل من الجبل برجالته عشان يحموا أهل النجع؟

 

وانت دريت من وين؟

 

من الشيخ سلطان في الجامع, بعد العصر اتجمع الناس اللي بيحبوه حواليه, وكانوا زمجانين ع الآخر, وجالوا انهم ما هيخرجوش مع باجي ناس النجع عشان يستنظروا خالي بدران ورجالته, وانهم هيعاودوا على بيوتهم, والشيخ سلطان جال,ازاي يستعينوا بالمفسدين في الأرض عشان يحموا الناس! وجال انه هيخرج ويزعج بأعلى صوته عشان يجول للناس لاه, اياكو تستعينوا برجالة الجبل

 

ومين سمعله عاد! اهم حكموا خالك على انفاسهم وجعدوه فوج روسهم

 

.....آنا حزين جوي يا جدتي إن خالي هيتحكم في النجع وناسه..لكن ما املكش حاجة

 

بكرة تملك شبابك وجوتك وكلمة الحج يا ولدي, وجتها إياك تخاف غير ربك

 

أنا من ديلواك ما بخافش غير ربي.....تعرفي يا جدتي, آنا لحد ديلواك ما جادرش اجول لحد ان امي هتتجوز, بجول يمكن...يمكن ترجع عن اللي في راسها

 

هأ

 

حتى الشيخ سلطان لما لاجاني مهموم سألني مالك يا حسن يا ولدي, ما جدرتش اجوله ان امي وافجت على عريس وهي لساها في عدة بوي...نسيته...جلعت توب الحزن ولبست توب الفرح وما همهاش اني ازعل واهمل الدار....لما جت وراي لحد هنيه, كنت مفكرها جاية تصالحني وتاخدني في حضنها وتجولي خلاص يا حسن, ما هتجوزش يا ولدي, وهعيش عشانك انت وخوك ...لكن ما حصُلش يا جدتي , وجت تهدد وتزعج وجرحت دراعي بضوافيرها اللي اتغرزوا جواه وما طلعوش إلا بالدم ...وجتها كنت حاسس اني عايز اترمي في صدر بوي وابكي

 

......الله يرحمه..معلش يا ولدي, اطلب الحنان من ربك , مافيش أحن منيه على عباده..اطلب منيه يعطيك حنان كيف اللي عطاه لسيدنا يحيي

 

ايوة,صُح يا جدتي, ربنا قال في كتابه العزيز

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ,بسم الله الرحمن الرحيم ( يا يحيي خذ الكتاب بقوة, وآتيناه الحكم صبيا, وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقيا)

 

سمعت يا ولدي ربك قال ايه؟ كل ما تكون التقوى في جلبك كل ما ياجيك الحنان من ربك

 

صُح يا جدتي, ربنا ما يحرمنيش منيك

 

ولا يحرمني منيك يا ولدي, انت الحنية اللي لجيتها في شيبتي

 

*************************************

 

(عمد بدران إلى قصر صالح الذي عقد العزم على الإقامة فيه لإكمال الوجاهة والتمتع برغد العيش...ما أن وصل إلى بوابة القصر حتى هرع الحراس لفتحها والترحيب به..مشى وسطهم مختالاً حتى صعد درج مبنى القصر..دخل فألفى الخدم كخلية النحل ينظفون ويصقلون الأثاث الفاخر,نظر إلى السقف فزغللت عينيه الأضواء المنبعثة من النجف الكريستالي الضخم المتدلي في عظمة كعظمة القصر الشامخ الذي حواه...كان مشدوهاً من الجمال الذي ضج به المكان حوله..لا يكاد يصدق أنه صاحب القصر...هرعت إليه إحدى الخادمات وكانت فتاة عشرينية جميلة, التقطت يده وقبلتها وهي تقول:

 

نورت سرايتك يا بدران بيه

 

هاها اسمك ايه يا بت؟

 

خدامتك وداد..اطلع يا بيه الدور الفوجاني من غير شر, خلصناه وبجي ناضيف ع الآخر,ما يصحش تجف هنيه وسط خدمك وهما بينضفوا

 

صُح, عندك حج يا بت يا ....نسيت اسمك يا بت

 

وداد يا بيه, وداد ..اطلع انت فوج وكلها هبابة ونخلص

 

لاه, سيبي اللي في يدك ديه وروحي سويلي لجمة اكلها عشان واجع من الجوع وطلعيلي الوكل فوج

 

على عيني يا بيه حاضر

 

(هرعت الخادمة لإعداد الطعام, بينما صعد هو الدرج وهو يتحسس الدرابزين الفاخر, وينظر إلى السجاد الأحمر الذي اكتست به السلالم....بلغ محدث النعمة الدور العلوي ..ووقف حيران بين الغرف أيها يختار, حتى اختار احداها ودلف,أخذ يبحث عن ذر النور حتى وجده وأضاء المكان فكشف عن غرفة نوم تحمل من الترف ما تحمل الأساطير ...اتجه مشدوهاً إلى الفراش الوثير واستلقى بظهره عليه واطلق ضحكات كمجنون سلب عقله ...اخذته غفوة..وبعد زهاء الساعة,ايقظه صوت الخادمة وداد وهي تنادي وتحمل صينية طعام كبيرة فوق رأسها  حوت أطايب الطعام من لحوم الطير والخبز والفواكه)

 

بدران بيه, الوكل يا سعادة البيه

 

ادخلي يا بت

 

دلفت ووضعت الصينية على الطاولة وقالت:

 

أي خدمة تانية يا جناب البيه؟

 

.....خليكِ معاي لحد ما اخلص وكل واجولك اذا كنت رايد خدمة تانية ولا لاه

 

أمرك يا بيه

 

جلست أمامه على الأرض, بينما قام هو متجهاً إلى الطاولة, جلس على مقعد وانقض على الطعام بأسنانه الحادة بينما عيناه تنظران إلى الفتاة كذئب جائع..لم تلحظ هي ذلك, فقد كانت عيناها ملتصقة بالأرض..لم تنظر إليه إلا عندما سألها:

 

بت مين في النجع يا بت؟

 

بت علي ابو عوض

 

ما سمعتش عنيه

 

هو الغلابة حد بيسمع عنيهم يا بيه! الله يرحمه كان أجري في أرض كامل بيه ابو الحجاج

 

ممم يعني بوكِ مات

 

طولة العمر ليك يا بدران بيه, مات من ياجي ست سنين, ما كنتش كملت اربعتاشر سنة, هو مات من هنيه وامي اتجوزت وهملت النجع هي وجوزها ومن يومها ما نضرتهاش بعيني

 

اومال عايشة مع مين ديلواك؟

 

مع جدتي أم بوي, مرة كابيرة لكن سجياني المر, بشتِغِل عشان اجيب جوتها وجوتي

 

انتِ مالكيش حد خالص يا بت يا واداد؟

 

لاه, لا خوات ولا اعمام ولا خيلان ولا اهل

 

ما تجوزتيش ليه؟..كيف عميوا الرجالة عن بت مليحة زييكِ!

 

تعيش يا بيه, هي البت الكحيانة اللي زيي حد بيفكر يتجوزها برديك!

 

يعني ماحدش دج بابك؟

 

اللي دجوه كاتير يا بيه, لكن ماحدش منيهم ملا عيني

 

انفجر بالضحك وقال:

 

واللي يملا عينك ديه جنسه ايه عاد؟

 

يكون راجل ويجدر يصرف عليّ ويحميني, لكن كل اللي جوني ماحيلتهومش اللضة, وباصين للجرش اللي بيطلعلي من الخدمة في السرايات, يعني بدال ما اشجى على روحي وبس هشجى على راجل واضيع عمري في الشجا...عشان كديه جولت اذا كان الشجا اتكتب عليّ يبجى اشجى على روحي وبس وبلاش منيه الجواز

 

.......ولو لجيتي اللي يديكِ المال ويستتك  من غير ما تشجي؟

 

يا بوووي, دانا كنت احب على يده واعيش خدامته من يوم ما يتجوزني لحد ما اموت

 

هاها.يتجوزك! كانك مخبلة يا بت انتِ...اسمعي يا وداد...جواز آنا ما بتجوزش, لكن آنا رايدك, وجصاد ديه هغرجك بالمال والحرير..جولتِ ايه؟

 

ايه!  لاه,لاه يا بيه, آنا ماليش في الحكاوي العفشة ديّ, لو رايدني صُح اتجوزني

 

حدجها بنظرة غضب حادة وانتفض عن مقعده وصاح فيها فارتعدت وهي تسمعه:

 

جنيتِ يا بت المحروج انتِ!  بدران بيه سيد نجع ابو المنصور يتجوز خدامة! السعد كان هيبجى خدامك بس كانك غشيمة وضيعتيه من يدك, كنت هاخد منيكِ اللي رايده جصاد المال, ديلواك هاخده بالأمر ومن غير ميلم احمر واياك اللي هيحصل بيناتنا تجوليه لمخلوج وإلا هجطع خبرك , همي تعالي هنيه

 

(اقتادها عنوة وفعل ماشاء ولم يرحم استغاثاتها وتذكيره بالله,ثم طردها من القصر لا تملك إلا عبراتها وحسرة قلبها على ما فقدت..نظرت إلى السماء تشكو لربها قسوة البشر, ولكن لسانها ألجمه الخوف, فإن باحت بهذا السر اللعين فقدت حياةها ..بقت صامتة وذهبت نفسها حسرات ...ذهبت بخطوات متثاقلة إلى بيتها الفقير كأنها تخوض في أوحال ..دفعت الباب ودلفت منكسة الرأس تغرقها عبراتها ..ما أن رأتها جدتها العجوز حتى صاحت

***********************************************

 

كنتِ وين يا بت لحد ديلواك ومهملاني من غير وكل

 

انفجرت وداد غضباَ وصرخت وهي تصك وجهها: همليني لحالي يا جدتي, همليني للمرار اللي شربته والذل اللي اتذليته

 

واه! مالك يا بت! البيه الجاديد ماداكيش اجرتك ولا ايه؟

ما تاجيبيش سيرته واد المحروج ديه, والله لو كنت اجدر كنت شجيت جلبه بسكين وسيحت دمه وانتجمت منيه آآآه يا مرك يا وداد يا مرك

 

بتبكي ليه يا بت! روحي اشكيه للعمدة وجولي انه ماداكيش اجرتك وهملنا جعانين

 

هأ..أشكيه للعمدة! من هنيه ورايح مافيش عمدة يا جدتي, البيه الجاديد هو الجاضي والجلاد وماحدش هياخد الحق منيه

 

يعني ايه يعني! روحي يا بت جوليله هات اجرتي عشان اجيب لجدتي لجمة تتجوت بيها عاد

 

اسكتي يا جدتي, اسكتي الله يرضى عنيكِ انتِ ما فهماش حاجة

 

ما عايزاش افهم, آنا عايزة الوكل عاد, جعانة يا بت ولدي, جعانة

 

يا بوووي, يعني اولع في روحي عشان ترتاحي! ما فيش وكل ولا سم هاري, همليني لحالي, آنا داخلة اتخمد وياريت ما يطلع عليا صبح عشان ترتاحي

 

اندفعت الفتاة إلى غرفتها باكية منتحبة, بينما الجدة أشاحت بيدها وعمدت إلى مشنة بها بعض كسرات من الخبز اليابس وأخذت تقرقشها بصعوبة وتدعو على وداد التي حرمتها من الخبز الطري والطعام الشهي, فهذا هو كل مبتغاها من الحياة

 

***********************************************

تم الجزء الأول بحمد لله

إلى اللقاء في الجزء الثاني إن شاء الله

تعليقات