سعادة المسؤول الجديد( قصة قصيرة)

 


التف السيد وعائلته حول الهاتف، ينتظرون الخبر الميمون. أجل، فقد نما إلى علمه أنه مرشح لمنصب إداري رفيع

 

الموقف جد عصيب

 

فسعادته يتصبب عرقاً، وزوجته تهز رجليها باضطراب شديد.. وولده الشاب اليافع وبنتاه الحسناوان تكاد تتصدع أجناب أفئدتهم من دوي دقات القلق

 

انتصب السيد واقفاً، وأخذ يذرع الردهة ذهاباً وإياباً، وقد عقد ذراعيه وراء ظهره

 

نظر الابن إلى تلك الساعة ذات العقارب المتباطئة على الحائط، زفر وقال: متى يدق جرس الهاتف اللعين!! قد أوشك الليل على الانتصاف

مالت إحدى الفتاتين على أختها وهمست في أذنها: هل تظنين أن في الأمر خُدعة! فلربما من أخبر أبي، لم يصدقه الخبر

 شهقت الأخرى وقد شخص بصرها وقالت في هلع مبين: أصمتِ ولا تعيدي على مسامعي تلك الحديث المقيت، فلو كانت خدعة، سأموت كمداً وتتجمد الدماء في الوريد

 

نمت الهسهسة إلى مسامع الأم، فزجرتهما بضيق شديد: اصمتا، فلا أستطيع تحمل أي صوت حولي إلا رنين الهاتف المنشود

 

 

مضى من الوقت الكثير على تلك الأنظار الملتصقة بالهاتف، وفجأة دق الهاتف، فانكب الجميع عليه، ورفع السيد السماعة مستبشراً وقال مرحباً، فرد عليه صوت نسائي رقيق يقول: هل يمكنني الحديث إلى كوكي؟

 

يا للحظ التعس! إنها صديقة زوجته، زفر من شدة ثورته، وألقى السماعة في حجر زوجته، التقطتها وقالت في حنق شديد: من المتحدث؟ ردت صديقتها بميوعة الألفة: ألا تعرفين صوتي! ردت ثائرة: لا أعرفه ولا رغبة لي في معرفته، وأغلقت السماعة بعنف.. واستمر الوضع المزري للعائلة.. قلق... توتر.. ترقب .. أعين معلقة بالهاتف في انتظار الخبر المنشود.. وفجأة دق الجرس، فانتفض الجميع عن المقاعد.. رفع السيد السماعة إلى فيه، كالعطِش في صحراء وقد وجد ماءا...اتسعت حدقتاه، وانفرجت أسايره حتى كاد قلبه أن يتوقف من فرط فرحته، حين سمع الطرف الآخر على الهاتف يقول بوقار كبير: تم تنصيبك في منصب إداري ثمين..في انتظارك غداً في تمام التاسعة صباحاً لحلف اليمين

 

أخذ يردد فرحاً كمن طاش عقله: شكراً سيدي، أشكرك، أشكرك، أشكرك.....

 

أغلق الهاتف وانتفش كالطاووس وزأر كالليث المهيب: لقد أصبحت مسؤلاً رفيعاً وذاك قرار اتخذوه رشيد

 

صاح الجميع فرحاً وأخذوا يتقافزون في الهواء، وأخذوا يهنئون أنفسهم على توليهم المنصب .. أجل، توليهم جميعاً.. فعندما يتولى المسؤول منصبه الإداري، فإن عائلته جميعاً يأخذون ذات الدرجة الرفيعة في المجتمع.. فهنيئاً للمجتمع بأسره، انضمام أسرة إدارية من مستوى رفيع

 

قالت زوجة سعادة المسؤول، بصوت يغلفه الحبور: أين هي هديتي! ألم تعدني إن توليت المنصب بسيارة فارهة، وعدة أطقم من الحلي، والانتقال إلى منزل فخم كبير في ضاحية أرقى، وأن تملأه بالخدم والعبيد، وأن تصمم أزيائي أرقى بيوتات باريس، ويصفف شعري مهرة مصففي العالم. فعليك أن تلبي حاجاتي

 

قهقه وقال: أمرك مطاع يا مولاتي

 

شحذ الولد شفار أمانيه وقال لأبيه: أين السيارة التي وعدتني يا أبي؟ وهل ستزيد مصروفي إلى عشرين ضعف كما قلت من قبل؟ وهل ستجعلني أسافر إلى أسبانيا هذا العام لأشاهد مصارعة الثيران؟

فرد الوالد الذي امتلك مصباح الأماني المجابة:

شوبيك لوبيك يا ولدي، وكل هذا قليل عليك يا فلذة كبدي، فكل ما تاقت إليه نفسك سيكون ملك يمينك

 

قفزت الابنة الأولى في الهواء وطبعت قبلة حارة على وجنة أبيها وأخذت تسرد الأمنيات الغاليات بين يديه، فقالت:

 

أريد يا أبي أن أرتدي ثياباً يصممها أشهر مصممي العالم لي وحدي وفقط، وليأخذوا ما شاؤوا من مال، وأحذية من جلود القاطور والثعبان، إلى جانب السيارة الفارهة والمفروغ من أمرها بالطبع

 

قهقه الوالد وقال: هذا أقل ما يليق بغادتي الهيفاء

 

دفعت الابنة الصغرى شقيقتها وأعلنت: قد حان دوري.. يا أبي يا أثمن الآباء، أنا لا أكترث كثيراً بالأزياء، فستأتني بأجملها وأقيمها لا شك، ولكن ما يشغلني هو الحراسة.. يجب أن يلتف حولي الحرس بالعدة والعتاد، يجب أن أظهر دائماً في موكب مهيب، يشار إليه بالبنان ويقال هذه ابنة السيد فلان، فأزهو على من حولي. فمن لها مثل أبي تيهاً وجاها!!

زادت قهقهة الأب وقال: لكِ ذلك يا ابنتي المهابة

 

فصاح الجميع: كلنا نريد الحراسة، فهي من مظاهر السلطة والرياسة

 

****************

عند الظهيرة، اجتمع العجائز على المقهى لمناقشة الخبر السعيد، فقال عم سعيد ذا العمر المديد.. لقد عُين مسؤول جديد، وقلبي يملأه أمل بعيد، إن هذا المسؤول سيكون أفضل من سابقه وسابقه وسابقه حتى عهد الخديوي سعيد

 

سعل عم جاد سعلة شديدة، ووضع يده على قلبه المتعب وهو ينهج من عناء المرض وقال: أشعر أن عصر الشفاء قد بدأ، وسيوفر حضرة المسؤول الجديد، فراشاً في المشفى لجسدي الذي أنهكه المرض، ولن يكون كأسلافه الأنطاع

 

لبس عم نوح نظارته، وفرد الجريدة، وأخذ يطالع كلام المسؤول الجديد، فانفرجت أساريره وقال كمن عثر على كنز مفقود: لقد قال المسؤول الجديد، أنه سوف يوفر فرص عمل للشباب.. ما أسعدك يا ولدي مهاب، أخيراً ستكون من أصحاب الوظائف بعد خمسة عشر عاماً من تخرجك من جامعة البؤساء

 

ظلوا ينثرون الأمنيات في الهواء، فتتناثر فقاقيع جوفاء فوق رؤوسهم الشيباء، وهم يرتشفون الشاي والقهوة في نشوى، منتظرين وابل الخيرات الذي وعد به سعادة المسؤول الجديد!!!!

 

هيهيات هيهات يا عم سعيد،  إنه لرجع بعيد يا أيها الرجل الرشيد 

 

تمت

سعادة المسؤول الجديد

بقلم. هبة نور

 

 

تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ما شاء الله
    الحكاية القديمة الجديدة
    الجميع يصع آماله على المسؤل الجديد وهو في وادي تاني خالص.. وفـ الآخر يذلع زي اللي قبله واللي قبله واللي قبله
    حلوة طريقة الكتابة الجديدة..
    ده زجل ولا نثر ولا إيه الحاجات الجديدة دي
    ما شاء الله يا حبيبتي موهوبة وما تكتبيش الا الجمال كله
    أعتقد حضرتك وقفتي لغاية هنا علشان القراء يكملوا هم القصة لأنهم عارفينها😂
    وتوتة توتة توتة ولا تخلص الحدوتة
    💕دُمتِ مُبدعة 💕

    ردحذف
    الردود
    1. هههههه عليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا دكتورة. سعيدة إن طريقة الكتابة عجبتك، اهي شعر بقافية على استعارة على تشبيه على كناية على اسلوب حدوتة، وعلى رأيك توتة توتة ولا تخلص الحدوتة، دي شهرزاد طفشت من عمايل المسؤولين هههه أسعد الله مساءك حبيبتي

      حذف
  2. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه
    تسلم ايدك يا حبيبتي ربنا يحسن مابين اديكى يااااارب

    ردحذف
  3. جميلة جدا
    لي عودة باذن الله للرد

    ردحذف
  4. ماشاء الله سلمت يداك
    اسلوبك دائما جميل مهما اختلفت طريقة الكتابة ودايما مبدعة
    فعلا حكاية كل يوم وحكاية كل مسؤول واسرته والناس اللي بتبني آمال على كل مسؤول جديد فعلاً مثل فقاقيع الهواء

    ردحذف
  5. جميلة جداااااااااااااا حبيبتي، سلمت يداك ❤️

    ردحذف
  6. سبحان الله و بحمده اللهم صلي على محمد ❤❤❤

    ردحذف
  7. سلمت يداك يا حبيبتي
    جميلة جدا ومعبرة اوي وحزينه اوي اوي
    فوااأسفاه على قوم خدعوا بالمظاهر والمناصب والشهرة والأموال ونسوا الله مالك الملك مدبر الكون وبيده خزائن الأرض والسماوات
    نسوا أو تناسوا أن من رزقهم هو الله وهو وحده قادر أن يمنعهم ويذلهم كما يذلون الغلابة
    نسوا أنها مسئولية سيسئلون عليها ويحاسبون وليست فضيلة وتفتخر
    نسوا أن هناك حساب وثواب وعقاب
    نسوا أن الله ليس بظلام للعبيد
    نسيوا حاجات كتير كتير كتير اوي
    فلا تعقيب على أفعالهم فموعدنا إن شاء الله في يوم سيقال فيه
    لا ظلم اليوم

    ردحذف
  8. للاسف واقع مرير قصه جميله تسلم ايدك حبيبتي wafaa ali

    ردحذف

إرسال تعليق