أنا وكيفن وضوء القمر( السادسة والثلاثين)

 



بعد قليل عادت مادلين تحمل إناء من ماء مغلي يفور، وبخاره قد أخفى وجهها عن صوفيا، وقالت:

ـــــ ها هو إناء الماء المغلي، الأم صوفيا. أوه! الأبخرة المتصاعدة شديدة السخونة، لا اتحمل الأبخرة

أمرتها صوفيا باحتداد:

ـــــ إتبعيني

ـــــ أمرك، الأم صوفيا

دخلت صوفيا إلى غرفة عائشة وخلفها تابعتها تحمل إناء الماء المغلي، فاتقدت عيناها غليلاً حين رأت عائشة تصلي، قالت  وهي تزمجر كالنيران

ـــــ تصلي! سأجعلك تخرجين من صلاتك عندما ترين إناء الماء المغلي الذي سيشوه وجهك

استدارت بغليلها إلى مادلين وقالت:

ـــــ اعطني إناء الماء المغلي

أخذت الإناء واتجهت إلى عائشة وهي تقول بلهيب غيظها:

ـــــ سأضعه أمامها كي تخاف وتخرج عن صلاتها حين ترى الابخرة الشديدة السخونة المتصاعدة

وضعت الإناء المتصاعد منه الأبخرة الساخنة، فلم تأبه به عائشة واستمرت في صلاتها:

ـــــ الله أكبر

اتسعت حدقتا مادلين ذهولاً وقالت لصوفيا:

ـــــ إنها لا تخف أيها القديسة صوفيا. ولا تلقي بالاً بالإناء المنبعث منه الأبخرة الشديدة السخونة

ـــــ اسكبي الماء على موضع سجودها، وقتها لن تسجد

سكبت مادلين الماء الساخن على موضع سجود عائشة، وعادت تقف إلى جوار صوفيا ترقب ما يحدث:

سجدت عائشة ولم تبال، فأخذتهما الدهشة، فقالت مادلين:

ـــــ ماهذا! إنها تسجد!! تسجد والارض تحت جبهتها يتصاعد منها الأبخرة  الساخنة

ـــــ ربما برد الماء على الأرض، أو أنها لا تشعر كما نشعر، اغرقي الارض حولها بالمياه كي لا تصلي، هيا

أسرعت مادلين لتنفذ ما أمرت به صوفيا، وعادت بإناء كبير وصل الماء إلى حافته، فأراقته في موضع سجود عائشة وقالت لصوفيا وهي ترقب عائشة المستغرقة في صلاتها:

 

ـــــ ها هي الأرض تحولت إلى مكان أشبه بالبحيرة، ومازالت تصلي غير عابئة بملابسها التي بللتها المياه

أصرت صوفيا على أسنانها وقالت بغليل:

ـــــ آآآهٍ أيتها العنيدة!!.....مادلين، إجمعي كل القمامة وألقيها في موضع سجودها كي تستقذر المكان وتكف عن الصلاة

فرغت عائشة من صلاتها:

ـــــ السلام عليكم رحمة الله ......... السلام عليكم ورحمة الله

قالت مادلين بغيظ شديد:

ـــــ ها هي فرغت من صلاتها، قبل وضع القمامة أيتها الأم صوفيا

سبت صوفيا عائشة وحذرتها:

ـــــ أيتها اللعينة. هذه أخر مرة اراكِ تصلين في هذا الدير

وقفت عائشة وقالت بشموخ:

ـــــ آخر مرة سأصلي فيها بالتأكيد سيكون آخر يوم في حياتي،  ولكن طالما ما زلت في عداد الاحياء فلن أكف عن الصلاة لربي مهما فعلتوا

اتقدت عينا صوفيا غليلاً وأمسكت بناصية عائشة وأمالت رأسها للخلف وقالت بلهيب أنفاسها المتصاعد على وجه عائشة كالجحيم:

ـــــ تعلمين أني أريد أن أطعنك بألف ألف خنجر أيتها المسلمة ؟

ـــــ أمامك أنا، فافعلي ما شئتِ

ـــــ أريد أن ألهب جسدك بالسياط، ولا يمنعني غير ما في بطنك. ولكن صبراً، صبراً، صبراً أيتها  المسلمة

دفعت برأس عائشة وقالت لمادلين وهي تتجه إلى الباب مغادرة:

ـــــ  هيا يا مادلين

خرجتا، فسمعت عائشة صوت الأقفال والمتاريس، فأجهشت بالبكاء ودعت رب السماء:

ـــــ يا رب نجني يارب

********************************************

ما أن عادت صوفيا إلى مخدعها حتى تلقت اتصالاً من دانيال:

ــــ طاب مساؤك يا آبانا

ـــــ مرحبا صوفيا، طاب مساؤك. ماذا عن الحية الرقطاء ؟

ـــــ كما هي حبيسة إلى أن تلد ثم تقتل يا آبانا

قال بلسان أحقاده:

ــــ أسيئي معاملتها، ولا تحسني إليها يا صوفيا

ـــــ هذا مايحدث بالفعل يا آبانا . دع هذه الأمور للنساء هاها.. أريد أن أسألك عن كيفن، أين هو ؟

ـــــ ذهب لأبيه ليقيم معه

انفجرت صوفيا بالضحك وقالت بنبرة واثقة:

ـــــ ألم أقل لك يا آبانا، عندما تبتعد عنه هذه الحية سيعود لأحضاننا!! مرحا يا كيفن مرحا هاها

ـــــ لا تفرحي لهذا الحد، فولد أختك ماكر

ـــــ كان ماكر عندما وجدت هذه المرأة في حياته، أما الآن فقد انكسر واستسلم، وسيستسلم أكثر عندما نرسل اليه ملابسها المغرقة بدماء الشاة

ـــــ أرسليها على منزل والده بأقصى سرعة يا صوفيا 

ـــــ سمعاً وطاعة الآب دانيال

**************************************

قرعت أجراس منزل والد عبدالله ليلاً، فنادى ولده ليفتح:

ـــــ افتح يا كيفن

كان عبدالله يتهيأ للخروج من المنزل، فقال وهو يخرج مسرعاً من غرفته باتجاه الباب:

ـــــ سأفعل يا أبي  قبل أن أخرج للبحث عن وسيلة لإنقاذ زوجتي،آملاً  في أن  أجدها

فتح الباب فلم يجد أحداً أمامه، وأبصر حقيبة صغيرة موضوعة إلى جوار الباب، فغضن حاجبيه دهشة وقال:

ـــــ ماهذا!! حقيبة صغيرة موضوعة أمام الباب  ! لمن هذه ؟ما هذا!  ملصق بها  ورقة مكتوب عليها خاص للسيد كيفن   لي انا ! مابها هذه الحقيبة!!

وإذ هو يتفحص الحقيبة، آتاه صوت والده:

ـــــ من يا كيفن ؟

عاد وهو يحمل الحقيبة وقال:

ـــــ لا أدري يا أبي . وجدت حقيبة مكتوبٌ عليها خاص للسيد كيفن

ـــــ إفتحها يا ولدي وانظر ما بها

ـــــ حسناً يا أبي 

فتح الحقيبة فإذ بملابس زوجته مغرقة بالدماء فتحجرت عيناه ذهولاً، فهال والده ما رأى، فهرع إليه:

ـــــ كيفن، ما بك يا ولدي تمسك بهذه الملابس في ذهول. ملابس من هذه يا كيفن ؟

ذهل عبد الله عن العالم حوله فلم يسمع صوت والده، اقترب الوالد يتفحص الملابس التي يحدق بها ولده ذاهلاً:

ـــــ ماهذا! إنها ملابس عليها آثار دماء جافة!! ملابس من هذه يا كيفن ؟

ـــــ ...........................................................

ـــــ يا ولدي مالك تنظر إلى الملابس في دهشة وذهول بعينين متحجرتين ولا تجيبني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ما بك يا كيفن. اجبني يا ولدي فقد دب الخوف في قلبي.

سقط عبدالله على ركبتيه وهو يتشبث بملابس عائشة وقال وهو يحدق فيها ذاهلاً:

ـــــ ملابس صاحبة الضوء. ملابس صاحبة الضوء . قتلوها يا أبي، قتلوها، قتلوا صاحبة الضوء، قتلوها ليحيلوا حياتي إلى ظلامٍ وجحيم، لااااااااا

قال الوالد وهو يهز رأسه ذاهلاً:

ـــــــــ كيفن، كيفن، هل قتلوا زوجتك ؟؟ أي قلوب  قاسية يملكون هرلاء!!  كيف يقتلون إمرأة ضعيفة وقعت في أيديهم غدرا !! أنا لا أعلم ماذا أقول أو.. أو.. أو ......... أنا لا أدري، فقد توقف عقلي عن التفكير فيما أقول

أخذ يربت على كتف عبد الله الجاثي على ركبتيه محدقاً في ملابس زوجته ذاهلاً:

ـــــ  قم يا كيفن، قم يا ولدي، قم توضأ وصلي لربك واطلب منه أن يسكن زوجتك الجنة

نهض عبد الله صارخاً ودموعه تنهمر، وأخذ يهذي كمن أصابت عقله لوثة:

ـــــ لا،لا يا أبي، لاااا ......... عائشة!! ...قُتلت !! هههه لالالا، تعال يا أبي، تعال، تعال معي إلى غرفتي لننتظرها في النافذة حتى تستيقظ وتقوم لصلاة الليل، تعال، تعال يا أبي لأريك أن في الدنيا قلوب مضيئة بأضواء أقوى من ضوء الشمس، تعال، تعال

سقط عبد الله على الأرض بعد أن خارت قواه، ففزع إليه والده يستنهضه ويشد من أزره:

ـــــ ولدي، ولدي . إهدأ يا كيفن، إهدأ. إن  زوجتك قتلت غدراً، وقتل ولدك بداخلها غدراً، فلا تضعف، كن قوياً، كن شجاعاً، إنهض يا كيفن، إنهض يا ولدي، لا أحب أن أراك بهذا الضعف يا كيفن، ضوء القمر لن يختفي، والشمس ستسطع غداً، فاستقبلها رافعاً هامتك ولا تنكس رأسك استسلاماً لليأس وانكسار الهزيمة، انهض،  قم علمني صلاتك لأصلي معك، فأنا على دينك، انهض

قال بصوت حفه الأنين:

ـــــ آآآهٍ يا أبي، آآآآه، أشعر أنني عاجز عن أي شيء... أشعر أني فقدت كل شيء

ـــــ أفقدت إيمانك بالله الواحد ؟

ــــ لا، بل هو ربي ورب كل شيء

ـــــ إذن فأنت لم تفقد شيء . كفكف دموعك وانهض، إنهض، ها هي يدي ممدودة فقم يا ولدي وعلمني كيف أسير على دربك

ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله. اللهم انت حسبي ونعم الوكيل، اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل..... لن أمكث في ألمانيا يا أبي، لن أعيش في بلدٍ قتلت فيه زوجتي الحبيبة، لن أعيش هنا

ـــــ اختر ما شئت من بقاع الأرض، وأنا معك يا ولدي. كل أموالي هي ملكك، ولنرحل عن هذه البلاد

نهض عن الأرض وقال بحسم:

ـــــ سأفعل يا أبي، سأفعل

نظر إلى أبيه واستطرد معتذراً:

ـــــ  رغم أني كنت منتظراً للحظة التي تعلن فيها إسلامك لتنعم بتوحيد الله وأهنئك.. ولكن حدث ذلك وأنا قلبي محزون لقتل زوجتي المسكينة، فسامحني يا أبي 

نكس الوالد رأسه حزيناً، ثم قال:

ـــــ بل سامحني أنت يا ولدي، فأنا طالما حاولت تضليلك وحجب النور عنك عن طريق قساوسة الكنيسة وعلى رأسهم دانيال

استشاط عبد الله غضباً وصاح بكل ما يحمل من كراهية لذاك القس:

ـــــ دانيال!! اللعنة. لم اكره بشراً على وجه الأرض مثلما كرهت دانيال، السفاح الذي يدعي سماحة المسيح كذباً، المسيح بريء من أمثال هؤلاء . اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل

*******************************************

أبلغ محمد زوجته حفصة بخبر مقتل عائشة، فانفجر صراخها ونحيبها:

ـــــ لا أصدق يا محمد، يا رب، يارب أيكون ما سمعته عن موت عائشة حلماً مزعجاً وأستيقظ منه لأجدها أمامي!  آهٍ يا صديقتي الطيبة، ماذا فعلت لتلقى هذا المصير القاسي على أيدي الطغاة!!

ـــــ حفصة حبيبتي فلنحتسبها عند الله شهيدة . فقد قتلت ظلما وكل جريرتها أنها تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله

ـــــ وهل سيضيع حقها هكذا يا محمد ؟؟ هل هي ليست إنسانة ولها حقوق تؤخذ وقصاص من قاتليها!!

ـــــ ممن سنأخذ الحق يا حفصة؟  ممن؟؟ المسلمون دمائهم رخيصة، أما أحدهم لو أصابته شوكة فتقوم الدنيا ولا تقعد طلبا لرقبة من أصابه  بهذه الشوكة،  وحسبنا الله ونعم الوكيل

قالت ودموع أحزانها تنهمر:

ـــــ حسبنا الله ونعم الوكيل.. سأعلن الحداد عليها ثلاثة أيام

ـــــ حقك يا حبيبتي، أنا أعلم كم كنتِ تحبينها

ـــــ بل لن أعوض بمثلها  في حياتي، ولن أجد قلباً كقلبها الطيب يوماً... رحمك الله يا أختي الحبيبة عائشة، اللهم انتقم ممن ظلمك وقتلك بدمٍ بادر، اللهم عليك بكل ظالم اللهم آمين

********************************************

دقت أجراس منزل والد عبدالله، ففتح ليجد محمد أمامه:

ـــــ مرحباً يا ولدي

ـــــ السلام عليكم يا عمي

ـــــ وعليكم السلام يا ولدي، تفضل

ـــــ أهنئك على الدخول في الإسلام

ـــــ الحمدلله يا ولدي. أراد الله أن يرحمني وينجيني من عذاب الآخرة. الحمدلله

ـــــ كيف حال عبد الله اليوم ؟

ـــــ نذهب للمسجد للصلاة ثم يعود لقراءة القرآن أو الإستماع إليه ولا يتكلم

ـــــ ممممم هل هو مصر على مغادرة ألمانيا ؟

ـــــ بالطبع . ونتخذ الإجراءات لذلك

ـــــ ممم أيمكنني مقابلته ؟

ـــــ ادخل يا ولدي إلى غرفته، فأنت لست غريباً كي تنتظر بالخارج. أدخل

ـــــ أشكرك يا عمي

****************************************************

دق محمد باب غرفة عبدالله، فـأذن له:

ـــــ ادخل يا محمد

ـــــ هاها السلام عليكم يا عبد الله، كيف عرفت أني محمد!

ـــــ وعليكم السلام يا أخي . سمعت صوتك بالخارج تتحدث إلى أبي

 

ـــــ متى ستسافر ؟

ـــــ بعد غدٍ إن شاء الله يا أخي

إلى أين يا أخي ؟

تنهد عبد الله وقال:

ـــــ لا أعرف أين سأستقر حتى الآن . سأسافر أنا وأبي إلى إيطاليا لبعض الوقت، ولم نحدد أين سيستقر بنا المقام

أسدى محمد إليه نظرة شفيقة وقال:

ـــــ أخي.. أعلم أنك تريد الهروب إلى أي مكان لمجرد الابتعاد عن هنا

ـــــ لا أستطيع الحياة في ألمانيا وأنا عاجز عن الآخذ بثأر زوجتي المسكينة التي دفعت دمها ثمناً لدينها

ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . سأفتقدك يا أخي عبد الله.

ـــــ وأنا والله يا أخي . لم أكن أتوقع أن نفترق يا محمد. كنت أظن أننا لن نفترق إلا بالموت. ولكن هكذا هي الحياة تفرض علينا أحياناً الإفتراق  عمن أحببنا ونتشتت عمن جمعتنا بهم المحبة والأخوة في الله يوماً.

ـــــ سنظل إخوان في الله إلى أن نلقى الله يا أخي . عندما يستقر بك المقام في أي مكان بلغني به على الفور وأنا سأسافر إليك، لأنني حقاً أحبك في الله ولا أحب فراقك يا أخي عبد الله

ـــــ بارك الله فيك يا أخي. أنت نعم الأخ والصديق يا محمد

ـــــ جزاك الله خيراً يا أخي

دق جرس هاتف عبد الله، فنظر به، فبدى الابتئاس على وجهه، فأغلقه ووضعه جانباً، فسأله محمد مندهشاً:

ـــــ ماهذا! لِمَ أغلقت الهاتف؟؟

ـــــ إنه والد عائشة

ـــــ يا أخي ولِمَ لم تجبه ؟

صاح عبد الله غاضباً:

ـــــ ماذا أقول له! ماذا أقول! أقول ضيعت ابنتك. أقول زوجتي خطفت وقتلت ووقفت عاجزاً عن الدفاع عنها!! ماذا أقول يا أخي!!

تنهد محمد وقال وهو يهز رأسه بأسى:

ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . موقف عصيب جداً .... ومتى سيأتيان من العمرة ؟

ـــــ غداً إن شاء الله

ـــــ وستقابلهم ؟

ـــــ .... أشعر بالضعف والخزي ولا أستطيع . أنا أضعف من مواجهتهم، أنا ضعيف، ضعيف

ـــــ يا أخي أنت لا ذنب لك، فلا تحمل نفسك ما لا تطيق

ـــــ وهي ........ وهي ما ذنبها يا محمد !!!

ـــــ هي ذهبت إلى عالم أفضل من عالمنا، ونسأل الله أن يدخلها فسيح جناته ويعوضك عنها خيرا . قل اللهم أأجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها

 

ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله . كن عوني يا ربي فأنا ضعيف  وليس لي حول ولا قوة إلا بك

***************************************************

أصاب والدة عائشة نوبة من الجنون والهذيان حين عادت إلى أمانيا ونما إليهما الخبر:

ـــــ لا تقل ذلك، لا تقل ذلك يا سالم، لا،لا، ابنتي على قيد الحياة،  عائشة ستطرق الباب متبسمة، حاملة رضيعها، وقتها سأضمها إلى صدري بكل لهفتي وشوقي وأقول اشتقت إليك يا أم عمر، لا تقل ابنتي قتلت يا سالم، كف عن هذا الحديث المقيت. قلب الأم لا يكذب يا سالم، ابنتي على قيد الحياة، أجيبي أباكِ يا عائشة، أبوكِ يبكيكِ بحرقة ولا يصدق قلب أمك، أجيبي أباكِ يا عائشة

قال وعبرات حرقته على ابنته تسيل:

ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله . هوني على نفسك يا مريم . لله ما أعطى ولله ما أخذ فلنصبر ولنحتسب. أنتِ مؤمنة يا حبيبتي وهذا قدر الله . أما أنا فلن أترك حق ابنتي، وسأصعد الموضوع لأعلى المستويات، أنا أستاذ للقانون الدولي وابنتي قتلت غدراً في بلاد غير بلادها وسأقاضيهم دولياً

ـــــ ههه تقاضيهم دوليا!! أتصدق بحماية المسلمين يا زوجي الحبيب!!. لا حقوق لنا لديهم، فهم يتشدقون بحماية حقوق الإنسان ولكنهم لا يحمون إلا غير المسلمين، أما المسلمين فلا يعتبروهم بشر ولهم حقوق . كم من الدماء تسفك في بلاد المسلمين وكم من الاعراض والحرمات تنتهك ولا تهتز قلوب هؤلاء. تراهم فقط ينتفضون عندما يمس أحد رعاياهم من غير المسلمين . دعك من هذا فابنتي بفضل الله على قد الحياة فابتسم هاها وكأني أراها يا سالم تحمل عمر وتداعبه هاها كم هو جميل، جميل هاها حمداً لله على سلامتك يا أم عمر هاها حمداً لله على سلامتك يا قرة عيني يا حبيبة أمها هاها

نظر إليه بشفقة وقال وهو يضرب كفاً بكف حزناً على عقلها الذي أذهبه الحزن:

ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله. مريم، قومي حبيبتي لتستريحي

ـــــ هاها استريح ! لالالالالا سأنتظر عائشة وعمر وعبد الله أيضاً هاها سيأتون جميعاً يا سالم فانتظر

ـــــ يا إلهي!! . لا أدري ماذا افعل لمريم التي طاش عقلها ولا تصدق بموت ابنتها وولدها . يجب ان اعرضها على طبيب نفسي . لن اتركها هكذا . اللهم لا حول ولا قوة الا بك . آآآهٍ يا عائشة يا ابنتي، يامن كنتِ فرحة حياتي وحياة أمك . اللهم ارحم ابنتي وتقبلها في الشهداء واسكنها فسيح جناتك.... سأهاتف الشيخ عبد الهادي ليرسل زوجته لتجلس إلى مريم، ربما خففت من معاناتها ومرارة فقدانها لابنتها. لا إله إلا الله

سمع الدكتور سالم دقات جرس الباب، ذهب ليفتح، فوجد عبد الله أمامه:

ـــــ مرحباً يا ولدي، تفضل

ـــــ السلام عليكم

ـــــ وعليكم السلام، تفضل بالجلوس هنا

جلس عبد الله منكساً رأسه، وخيم الصمت على المكان هنيهة، ثم قال عبدالله:

ـــــ والله لا ادري ماذا أقول ... أشعر وكأنني من ضيعت عائشة بزواجي منها . ليتني ما تزوجتها حتى لا تلقى هذا المصير القاسي

 

ـــــ لا يا ولدي . لكل منا أجل، ونحن مؤمنون بأن كل شيء بقدر الله . الحمدلله على كل حال . قلبي محزون على فراق ابنتي الوحيدة ولكن لا أقول غير إنا لله وإنا إليه راجعون

هز عبدالله رأسه صامتاً، ثم سأل:

ـــــ أين أمي مريم ؟

دخلت عليه ضاحكة:

ـــــ هأنذا قد أتيت يا عبد الله هاها مرحباً يا أبا عمر

وقف ينظر إليها باندهاش وقال:

ـــــ أبا عمر!!

تنهد الدكتور سالم وأجلسه وقال بنبرة حزنى:

ـــــ إنها يا ولدي لا تصدق بموت عائشة، لذا فهي تحيا على وهم كبير يجعلها تتخيل أن ابنتها ستأتي إليها حاملة ولدها

قهقهت كمن فقدت عقلها وقالت لعبدالله:

ـــــ قل له يا عبد الله أنني لست مجنونة.

هرعت إلى عبد الله تجذبه من ذراعه وتأمره باحتداد:

ـــــ  زوجتك على قيد الحياة يا عبد الله، فانهض وأتي بزوجتك، قم ولا تجلس جلسة من لا حيلة له وأتي بزوجتك، قم ولا تعد إلى هنا إلا ومعك عمر وعائشة

ضاق صدره بما سمع، فصاح معذباً:

ـــــ لا تعذبيني، كلماتك كالسهام. أنا لا أحتمل. أنا منصرف عن المكان

انتفض عن مقعده وانطلق صوب الباب، فأسرع خلفه الدكتور سالم يناديه:

ـــــ انتظر يا عبد الله، انتظر فهي مريضة فتحملها، لا حول ولا قوة الا بالله

************************************

أتى يوم الرحيل عن ألمانيا، فذهب عبدالله إلى صديقه محمد ليودعه:

ـــــ استودعك الله يا محمد

ـــــ نويت على الرحيل يا أخي ؟

ـــــ وجئت لأودعك يا أخي

عانقه محمد وقال وهو يحبس عبراته:

ـــــ في رعاية الله يا عبد الله

ـــــ السلام عليكم

ـــــ وعليكم السلام يا أخي، ولا تنس مهاتفتي كي أطمئن عليك حين تصل إلى إيطاليا

ـــــ إن شاء الله يا أخي

*****************************************

علمت صوفيا بسفر عبد الله بعد تيقنه من موت زوجته، فانفجرت ضاحكة ونادت مادلين:

 

مادلين، أحضري  المسلمة الخبيثة هذه من محبسها

ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا

دخلت مادلين على حين غرة، فوجدت عائشة جالسة في موضع صلاتها تسبح، فنادتها باحتداد:

ـــــ أنتِ، بماذا تتمتمين بعدما فرغتِ من صلاتك!!

ـــــ ماهذا!! . لِمَ لا تحترمون خصوصيتي وتطرقون الباب قبل فتحه ؟

ـــــ هيا، الأم صوفيا  في انتظارك

ـــــ دعوني وشأني. أنا مجهدة ومتعبة ولا طاقة لي بالحديث مع أحد

ـــــ هذا لأنك لا تأكلين ولا تشربين إلا شربة ماء، معتقدة بذلك أننا سنعفوا عنكِ ونطلق سراحك يا مسكينة هاها،

أنهضتها مادلين بقسوة وقالت باحتداد:

ـــــ  هيا، أطيعي الأمر، فالأم صوفيا عندما تأمر فعلى الجميع السمع والطاعة

طفرت عبرات عائشة وقالت:

ـــــ كنت معززة مكرمة بين أهلي فأهنتموني

ـــــ مثلك لا تعامل إلا بهذه الطريقة، هيا

**************************************************

أوقفتها في حضرة صوفيا وقالت:

ـــــ الأم صوفيا. ها هي المسلمة

أومأت لها صوفيا بالانصراف، وقالت لعائشة:

ـــــ اجلسي، فلي معك حديث

لم تمتثل عائشة لأمرها وظلت واقفة وقالت بحنق:

ـــــ ماذا تريدين مني ؟

ـــــ هاها أبلغنا زوجك وأهلك بقتلك.. وأنت الآن  وما تحملينه في أحشائك في عداد الأموات

أجهشت عائشة بالبكاء وسألتها:

ـــــ وماذا فعلت أمي؟ ماذا فعل أبي؟ وعبدالله كيف استقبل الخبر

انتفخت أوداج صوفيا غضباً وانتفضت عن مقعدها تبرق وترعد:

ـــــ اسمعي يا هذه، إياكِ أن تسمي كيفن ابن أختي الراحلة نيكولا المسيحية الصالحة بعبد الله مرة أخرى. إبن أختي مسيحي، وسيظل مسيحي، هو كيفن ماكس توماس. أما عبد الله الذي تتحدثين عنه فلا وجود له إلا في عقلك المريض

تعالى نشيج عائشة وسألتها وقد اتسعت حدقاتها:

ـــــ هل ارتد عبد الله ؟؟

ـــــ بل عاد إلى الدين الحق، دين يسوع

ـــــ بل إن الحق هو الإسلام الذي يوحد الله

اندفعت صوفيا صوبها بغليلها وأخذت تهز كتفيها بقسوة وتقول بإصرار:

 

ـــــ إنهم ثلاثة، وليس إلها واحداً، إنتهي عما تقولين

أطاحت عائشة بيديها وصاحت بيقين:

ـــــ بل انتهوا أنتم، بأمر الله انتهوا أنتم، يقول لكم الله في عليائه انتهوا،  اسمعي قول الله وأفيقي أنتِ

بسم الله الرحمن الرحيم

(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد، وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب إليم)

قهقهت صوفيا وقالت:

ـــــ  مهماً قلتِ وافتريتِ فهم ثلاثة.

طفقت صوفيا تدور حولها بخطوات متأنية عاقدة ذراعيها خلف ظهرها تتفكر في أمر ما، ثم وقفت قبالتها تقول وعيناها تلمعان بالمكر:

ـــــ  دعيني أعقد معك صفقة رابحة يا هذه

ـــــ لا حاجة لك بصفقاتكم،  دعيني أرجع إلى غرفتي

ـــــ انتظري

ـــــ ماذا تريدين مني ؟

ـــــ ممممم قلت لكِ أريد أن أعقد معك صفقة رابحة

ـــــ وأنا قلت لا حاجة لي بصفقاتكم

همت عائشة بالمغادرة، فنادتها صوفيا باحتداد:

ـــــ إسمعي، إسمعي أيتها المسلمة الناكرة للثالوث

زفرت عائشة وقالت:

ـــــ هاتي ما عندك

ـــــ عندي  استعداد أن  أعف  عنكِ وأن أردك إلى أحضان زوجك، وتلدين ولدك بين أهلك، وتعودين إلى السعادة التي انتزعناكِ منها 

ـــــ والمقابل؟؟

ـــــ ان تسجدي ليسوع، أن تعترفي بالثالوث

ثهقهت عائشة ساخرة، فاستشاطت الراهبة غضباً:

ـــــ أتضحكين ساخرة أيتها الكافرة

ـــــ أستأذنك في الإنصراف

ـــــ إنتظري

ـــــ ما الأمر ؟

ـــــ قلت لكِ سأعيدك إلى أحضان زوجك معززة مكرمة، وتعود إليكِ السعادة. إعقلي الأمر. ألم تشتاقي إلى أحضان زوجك ؟؟ ألم تتوقي لضمة صدر أمك؟ ألا تحبين أن تلدي ولدك بعيداً عن الدير وتنقذي نفسك من القتل؟

ـــــ ومن قال لكِ أن أحضان زوجي أغلى من ديني؟ من قال لكِ أن أهلي أعز من إسلامي؟ من قال لكِ أن حياتي تساوي شيئاً بغير توحيدي؟... سأبذل روحي فداءاً للا إله إلا الله محمدا رسول الله، فوالله لأن اُقتل على لا إله إلا الله خيرٌ عندي من الحياة مع زوجي وولدي على عقيدة فاسدة تغضب الله، أعلنها لكِ  أيتها الراهبة ملء الأسماع،  أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله

حدجتها صوفيا بنظرة حقد ملتهبة وأشاحت عنها بوجهها تنادي تابعتها:

ـــــ مادلين

ـــــ سمعاً وطاعة، الأم صوفيا

أسدت صوفيا نظرة احتقار إلى عائشة وقالت لمادلين:

ـــــ خذي هذه الحشرة من أمامي

ـــــ تعالي، تعالي فقد كدرتِ صفو الأم صوفيا، أيتها الخبيثة، تعالي

*********************************************

في صباح اليوم التالي، ألفت مانويلا إحدى الراهبات تخرج من غرفة عائشة بالطعام الذي امتنعت عنه، فنادتها:

ـــــ أنجيلا، أراكِ عائدة بالطعام من غرفة عائشة . أرفضت الطعام أيضاً هذه المرة ؟

ـــــ هي تحيا على الماء ولا تريد أن تأكل شيئا

ـــــ مممممم من فضلك أعطني هذا الطعام وسأدخل إليها

ـــــ هاها انتِ ! أتظنين أنها ستأكل عندما تدخلين إليها أنتِ!! هاها أنتِ تعلمين كم تكرهك المسلمة

ـــــ أعطني الطعام أنجيلا

ـــــ هه ها هو

ـــــ أشكرك

حملت مانويلا الطعام واتجهت إلى غرفة عائشة:

 

*****************************

إلى هنا انتهت حلقتنا لهذا اليوم

شكراً للمتابعة

لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد

 

 

 

تعليقات

  1. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه 💗

    عودٌ أحمد يا حبيبة ❤️
    وحشتينا كتير يا أستاذة هوبا

    حلقة رائعة ولكنها مليئة بالمعاناة والحقد
    الحمدلله أسلم توماس
    كان نفسي عائشة تقول لصوفيا إن أختها نيكولا المسيحية الصالحة ماتت مسلمة على التوحيد.. كان نفسي اشوف رد فعلها.. وهل ستزداد حقداً وغضباً على الإسلام أم تتفكر وتعقل الأمر؟؟
    في انتظار ما في جعبتك أيتها الكاتبة الرقيقة

    💓دُمتِ مُبدعة 💓

    ردحذف
  2. سبحان الله و الحمد الله و الله اكبر❤️اللهم صل و سلم و بارك على نبينا محمد❤️منورة المدونة استاذة هبة❤️ام رفيف

    ردحذف
  3. لا إله إلا الله وحده لا شريك له

    ردحذف
  4. بإذن الله مانويلا هى اللى هتساعدها وهتبلغ احمد أو حفصة أنها عايشة سلمت يداكى أستاذة هبة
    رباب محمد

    ردحذف

إرسال تعليق