أنا وكيفن وضوء القمر( الرابعة والثلاثين)

 


ظل عبد الله ومحمد جالسان على قارعة الطريق، كان عبدالله ذاهلاً، تسيل عبراته في صمت، فأسدى إليه محمد نظرة شفيقة وقال:

ـــــ عبد الله . هل سنظل جالسين في الطرقات هكذا يا أخي ؟ هيا لنذهب إلى المنزل لننال قسطا من الراحة

ـــــ راحة !!!!!!! عن أي راحة تتحدث يا محمد !!!!!! ضاعت زوجتي يا محمد ضاعت . عائشة ضاعت

ـــــ يا أخي لا تيأس من رحمة الله . إن بعد العسر يسر إن شاء الله

صاح عبدالله حانقاً:

ـــــ هذا إذا كنا في ضيق يا محمد، هذا إذا كنا في ضيق، ولكن عندما تزهق أرواح الأبرياء بلا شفقة فعن أي يسرٍ تتحدث!

ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . أنا مقدر انك في حالة غير طبيبعية يا عبد الله . يا أخي ربما يفرج الله الكرب ولا تقتل زوجتك وتعد إليك هي وولدك

ـــــ ولدي !!!!!! آآآآه . قتلوا  فرحتي وفرحة أمه، وأصدروا الأحكام الظالمة بتفريقنا. يا الله!  آآآآه، عائشة، آآآه

ـــــ يا أخي كفاك بكاءاً، فعيناك لم تجف دموعها منذ اختفت زوجتك . سل الله تفريج الكرب فهو وحده القادر

ـــــ يا رب، يا رب، يا رب

 

ـــــ هيا يا أخي، هيا فأنت مجهد ولم تتناول إفطارك حتى الآن، والساعة قاربت على الواحدة بعد منتصف الليل

ـــــ لا حاجة لي لطعام أو شراب ، الحمدلله الحمدلله الحمدلله

وقف محمد ومد يده له لينهضه وقال بلطف:

ـــــ هيا يا عبد الله لنذهب إلى المنزل، هيا يا اخي

قال عبدالله بحسم:

ـــــ سأذهب إلى أبي

ـــــ أبوك !! ولكن ......... ولكن أبوك  لا يعلم أنك على قيد الحياة

ـــــ أحتاج إلى أبي يا محمد . أنا الآن في قمة ضعفي. أحتاج إلى أبي

ـــــ وماذا ستقول له ؟

ـــــ لا اعرف، لا أعرف. كل ما أعرفه أنني أحتاج إليه

ـــــ إفعل ما شئت يا أخي . هيا لأصطحبك إلى منزل والدك ثم أعود إلى منزلي

حاول عبدالله النهوض ففشل:

ـــــ هيا يا محمد آآآه آآآه

ـــــ ما بك يا عبد الله ؟؟ أراك تقوم بتثاقل

ـــــ أشعر ان قدماي لا يحملاني آآآه

ـــــ هات يدك يا أخي، قم، قم يا عبد الله

أنهضه محمد بقوة:

ـــــ آآآه، آآآه أشكرك يا أخي  الحمدلله على كل حال

*****************************************

عندما اقتربت سيارة محمد من منزل والد عبدالله، أشار عبدالله إلى المنزل وقال:

قف هنا يا محمد، فهذا منزل أبي

ـــــ حسناً يا أخي. إلامَ تنظر على الجانب الآخر يا عبد الله ؟

رد عبدالله وهو ينظر بأسى إلى منزل عائشة وصفحات الذكريات تتقلب أمام عينيه:

ـــــ هناك يا محمد، هناك في المنزل المقابل، كانت تسكن عائشة حبيبتي وأسرتها، هناك.. أنظر يا محمد، أنظر . أين ذهبت عائشة يا محمد أين ذهبت ؟؟؟؟؟ ..... هاها كنت أنتظرها ليلاً في نافذة غرفتي حتى تضاء أضواء غرفتها قبل الفجر لتصلي القيام ههه تراها ستقوم الليلة يا محمد ؟ سأنظر الى نافذة غرفتها بعد ساعة من الآن حتى تضاء مصابيحها وتصلي ويطمئن قلبي ههه

سالت عبراته وهو يكمل حديث ذكرياته الممتزج بهذيانه:

ـــــ  عائشة، عائشة تسكن هنا يا محمد وستقوم الليلة لتصلي يا محمد، أليس كذلك ؟ هههه قل هو كذلك ، قل هو كذلك ، سأنزل إليها وأطرق الباب فجراً وتصفعني على وجهي ههه نعم سأفعل حتى تصفعني على وجهي، ههه أذهب إليها مخموراً وتفيقني بصفعتها على وجهي ههه .سأجدها، سأجدها، ستقوم لتصلي القيام وتضاء حجرتها بأضواء أقوى من ضوء القمر. أليس كذلك يا محمد ؟؟؟

ـــــ انفطر قلب محمد وطفرت عبراته... وقال:

لا حول ولا قوة الا بالله . يا أخي استعذ بالله من الشيطان الرجيم . لا حول ولا قوة الا بالله . أنت في حالة غير طبيعية يا عبد الله . من الأفضل ألا تصعد إلى منزل والدك

ـــــ ههه أنا لم اُجن يا محمد، لا تخف . فقط آمال نفسي تحدثني وليس أكثر . أستودعك الله يا أخي

ـــــ أنا لن أسافر إلى دوسلدورف وأتركك هكذا يا عبد الله

ـــــ وماذا سيفعل بقاؤك معي يا محمد ! عد الى زوجتك وأهلك وعملك. أما أنا... فاسأل الله أن يخرجني مما أنا فيه

ـــــ بل سأذهب لأحضر زوجتي، وأقيم في منزلي في ميونخ حتى أكن معك ولا أتركك يا أخي . نفسي لا تطاوعني على تركك يا عبد الله . الآن سأتجه إلى دوسلدورف لإحضار زوجتي وسأترك عملي في يد أخي حتى أعود

ـــــ جزاك الله عني خيراً يا محمد . سأنزل أنا عن السيارة وأصعد لمنزل أبي . السلام عليكم

ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أخي .... اللهم لا حول ولا قوة الا بالله . إبتلاء رهيب، والله وحده هو القادر على رفعه، يارب أعد له زوجته، يارب سلمها من كل سوء

**********************************************

استيقظ والد عبدالله على صوت دقات أجراس الباب، فقال فزعاً في فراشه:

ـــــ ها! من يطرق عليّ الباب في هذا الوقت الغريب!. لن أفتح فربما كان لصاً

سمع دقات الجرس مرة أخرى، فنهض عن فراشه، واتجه بخطوات وئيدة صوب الباب، وسأل مذعوراً:

ـــــ من بالباب ؟

ـــــ أنا يا أبي

قال بارتياع:

ـــــ أبي!!... من أنت ؟

ـــــ إفتح يا أبي، أنا كيفن

ارتعد العجوز وقال:

ـــــ كيفن! !! يا إلهي!!. إذهب أيها المخادع، ولدي كيفن مات، مات.

ـــــ يا أبي أنا لم أمت. فقط أنا هربت منكم ومن دانيال. إفتح يا أبي فما حملني على اختلاق قصة موتي إلا دانيال.

غمغم العجوز بارتعاد:

ـــــ ما هذا الذي أسمعه! . لالالا، سأعد إلى فراشي، فربما هي أحلام اليقظة، وحبي لولدي جعلني أتخيل أنه عاد الى الحياة ويكلمني

هم بالعودة إلى غرفته، فصاح عبدالله:

ـــــ أبي، إفتح يا أبي. أنا ولدك كيفن ماكس توماس. أنا الذي تخفيت في زي الراهب وارتميت في أحضانك  شوقاً عندما كانت أمي في المستشفى. إفتح يا أبي، فكفانا فراقا

فتح الوالد الباب بقلب أذابه الحنين، وشرع ذراعيه باكياً حين رأى ولده الذي ظنه في عداد الموتى يقف أمامه:

ـــــ ولدي، كيفن ولدي، يا حبة قلبي يا ولدي

ارتمى عبدالله في أحضان والده بكل أوجاعه:

ـــــ أبي، آآآه، أبي، أبي، ما أحوجني حقاً إلى هذا الحضن الدافئ الذي يتحملني بأوجاعي وآلامي آآآه

ـــــ ولدي، كم اشتقت اليك يا كيفن، أدخل يا ولدي، أدخل يا حبيبي، أدخل وأعد الحياة إلى المنزل الذي فقد الروح والحياة منذ فارقتني، وبعدها فارقتني الحبيبة نيكولا، فأصبحت وحيداً بين جدراني الصامتة، ودقات الساعات التي تنبئني باقتراب الأجل

شقت العبارة صدر عبدالله، فصاح ألماً:

ـــــ لا،لا يا أبي لا تقل ذلك، فأنا لا أحتمل فراقا. يعلم الله وحده ما أنا فيه من آلام الفراق. يا الله، يا الله، يا الله

أخذت والدته الدهشة حين سمعه يردد لفظ الجلال وقال:

ـــــ الله !!... أنت أسلمت يا كيفن ؟

ـــــ وهل حملني على فراقكم غير إسلامي يا أبي!  فارقتكم وفررت من بطش دانيال . فررت بزوجتي

ـــــ زوجتك ! هل تزوجت يا ولدي ؟

ـــــ سأقص عليك كل شيء يا أبي 

جلس إلى أبيه يسرد على مسامعه كل ما مر به من آلام، فربت والده على ظهره بشفقة وقال:

ـــــ يا حبيبي يا ولدي! يا حبيبي يا كيفن! . أكل هذا حدث لك ولزوجتك! والآن فقدت زوجتك وما تحمله في احشائها ولا تعلم عنها شيئا ! لِمَ ؟ لِمَ كل ذلك! لِمَ !!! لِمَ يفعل دانيال وصوفيا  ذلك؟؟

ـــــ فعلوا ذلك من فرط كراهيتهم للإسلام.  يجن جنونهم حين يجدون الناس يدخلون في دين الله أفواجا. يجن جنونهم لأن الإسلام ينتشر في أوروبا ويدخله الناس راغبين بكامل حريتهم، بعد تيقنهم أنه الدين الحق . أعلمت يا أبي لِمَ يفعلون بنا ذلك ؟

ـــــ هل علمت أن أمك ماتت على الإسلام يا كيفن ؟

ـــــ أسلمت على يدي يا أبي

تربد وجه والده وقال غاضباً:

ـــــ أسلمت على يدك!! أكانت أمك تعلم أنك على قيد الحياة ؟ ولِمَ لم تخبرني نيكولا ؟ لِمَ يا نيكولا! لِمَ حرمتيني من ولدي يا نيكولا!!

ـــــ يا أبي لا تظلم أمي رحمها الله. أنا ظهرت في حياتها متظاهراً أني صديق كيفن المسلم،  وليس كيفن،  وأقنعتها بالإسلام وأراد الله هدايتها ولم تعرفني إلا قبيل موتها بأيام، ولم تشأ أن تخبرك حتى لا تحمل همي

ربت والده على ساقه باسماً وقال:

ـــــ أشكر الرب على عودتك لأبيك يا كيفن، وإنها لبشرى بعودة ولدك إلى أحضانك

ـــــ يا أبي أنا يهمني زوجتي أكثر، فإن عاد ولدي دون أمه فلا حاجة لي به

ـــــ يا ولدي لا تقل ذلك  الإبن الصالح عون لأبيه على الحياة ، لا تقل لا أريد ولدي دون أمه

تنهد عبد الله بعمق وقال:

ـــــ يا أبي أنت لا تعرف زوجتي. آآآآهٍ يا عائشة . هذه ليست امرأة عادية في حياتي حتى يكون الأمر هينا عليّ..

لا يا أبي، عائشة كالمصباح الذي أضاء ليلي الدامس، وأول من أخذت بيدي لطريق الحق، وأول من أجابتني بإجابات شافية أخرجتني من حيرتي. هي حياتي وعيناي اللتان أرى بهما، فإن فقدتها فقدت كل شيء يا أبي، كل شيء

 

ـــــ يا ولدي أعلم أنك تحب زوجتك، وأنت محق في ذلك، ولكن أرجوك أن تضع كل الاحتمالات حتى لا تُصدم صدمة لا دواء لها . وطالما أنت اخترت الدين الحق فليكن ولائك للدين الذي اخترت، ولتعلم أنها مجرد سبب وُضع في طريقك . ولا يضيع الطريق بضياع الرفيق

ـــــ يا أبي، يا أبي أعلم أن كل شيء قدر من الله، ولكن لا يعلم قدر هذه المرأة عندي إلا الله . أنا على إسلامي مهما ضاقت عليّ الدنيا، فهذا هو الدين الذي اقنع عقلي ورق له قلبي ولن ينتزعه أحد من صدري، ولكن أنا أتحدث بلسان الزوج المحب الذي فقد زوجته الحبيبة الصالحة رفيقة أجمل درب . آآآآهٍ عائشة، أين أنتِ يا حبيبتي!

ـــــ صل لربك يا كيفن واطلب منه أن يرد اليك زوجتك يا ولدي . سأقوم لأعد لك عشاءاً فأنت تبدو شاحب الوجه وفي حاجة إلى الطعام

ـــــ لا يا أبي، لا أريد شيئا

ـــــ ستأكل, أتسمع ؟ هذا أمر من أبيك، أم أنك ستخالفني وتكن ولداً عاقاً ؟ هاها

ـــــ هه سآكل يا أبي

***********************************************

أجهشت حفصة بالبكاء حين أخبرها محمد بما وقع لعائشة وقالت وهي تصطلي غليلاً

ـــــ زينب! أرأيت يا محمد ؟؟ كنتم لا تصدقوني، كنت أقول لك هذه المرأة وظهورها المفاجئ يقلقني، وهناك خطر على عائشة وزوجها، وأنت تقول أنها غيرة النساء. حسبي الله ونعم الوكيل في زينب هذه. لو أراها أمامي لمزقتها بأسناني هذه اللعينة. .. ياتُرى ماذا فعلوا بكِ يا حبيبتي عائشة هل ..... هل حقاً لن أراها مرة أخرى يا محمد ؟؟ قُتلت أم سيقتلوها ؟ حسبي الله ونعم الوكيل

ضاق زوجها بنحيبها، فصاح بها غاضباً:

ـــــ كفاكِ، كفاكِ يا حفصة، كفاكِ فأنا لا أحتمل، لا أحتمل

تذكرت حفصة مهاتفة مانويلا حين سألتها عن رقم هاتف أحمد، فصاحت وهي تكيل السباب لأخيه:

ـــــ أحمد، أخوك أحمد، أخوك الخبيث المتآمر، سل أخاك، سله لِمَ طلبت زينب رقم هاتفه قبل اختطاف عائشة، سله، سله ففي جعبته كل الأسرار

ـــــ أحمد!!  ومال أحمد وما حدث من زينب يا حفصة ؟

صاحت بنشيج:

ـــــ أنا متأكدة أنه على علم بمخطط زينب، والدليل أنها طلبت رقم هاتفه، وهاتفته وبعدها قال أنه لن يتزوجها ولم يفصح عن الأمر. بالطبع أخبرته أنها راهبة وستعود للدير، فلِمَ لم يخبرنا؟؟

 

رد بنبرة وعيد لأخيه:

ـــــ أحمد !!.... أعدي الحقائب للسفر، وأنا ذاهب إلى أحمد ليبرر لي ما حدث، وإلا فوالله  لو علمت أن له علاقة بما أصاب زوجة عبد الله لأقاطعنه طيلة حياتي

**************************************

سمعت والدة محمد دقات متواترة على جرس الباب، فأسرعت تفتح، فألفت محمد أمامها:

 

ـــــ مرحباً يا ولدي، تفضل . طمئني على عبد الله وزوجته المسكينة

صاح مغاضباً وعيناه تدور في البيت:

ـــــ أين أحمد؟ . أحمد، يا أحمد

ردت والدته وقد انتابها الفزع:

ـــــ ما بك يا ولدي يتطاير الشر من عينيك هكذا ! ماذا فعل أخوك كي تناديه بهذه الحدة ؟

نادى بحدة أكبر:

ـــــ أحمد

جاءه مهرولاً:

ـــــ مرحباً، مرحباً يا محمد . كيف حالك يا أخي، وكيف هو عبد الله وزوجته. هل وجدها ؟

حدجه بنظرة غاضبة وقال باحتداد:

ـــــ سل زينب

ـــــ زينب!!... ذهبت زينب بكل ما سببته من آلام

أخذ بمجامع أخيه وصاح به:

ـــــ لا تمكر، لا تمكر، أنت تعلم أن زينب هي وراء ما حدث لعبد الله وزجته

هاله ماسمع، فاتسعت حدقاته وقال مشدوهاً:

ـــــ زينب !!... لا أصدق

ـــــ أمعتوه أنت!! . زوجتي حدثتني أنها أخذت رقم هاتفك، وبعدها نزلت أنت مسرعاً، ثم عدت بغير الوجه الذي ذهبت به وأعلنت أنك لن تتزوجها. ماذا حدث في هذا اللقاء ؟

ـــــ أخي أنت تتهمني والله يعلم أني بريء مما ترمني به من تهمٍ باطلة. سأقص عليك ما حدث لتعلم أنك ظلمتني

أطلقه أخوه بضيق، فبدأ يقص ماحدث:

ـــــ زينب في صباح يوم عرسنا هاتفتني وكانت مضطربة، وقالت أنها أسفل المنزل فهرعت إليها لأتبين ما الأمر، وعندما نزلت أصابتني صعقة الدهشة حين وجدتها أمامي في زي الراهبة بعينين دامعتين، فوقف الكلام على أطراف شفتيّ ولم أنطق.. وبعدها طلبت تفسيراً لما أراه، فقالت أنا راهبة مسيحية ولم أسلم يوماً في حياتي، واسمي مانويلا وجئت من برلين... لم أفكر في أي شيء غير في صدمتي فيها وكأن كل أفكاري تجمدت في رأسي ولم يبق إلا التفكير في خداعها إياي، وطلبت منها أن تنصرف من أمامي لأنني كنت ثائراً جداً.. وظللت حبيس غرفتي لا أكلم أحداً . والله، والله لو كنت أعلم أنها من دبرت لما حدث لما تركتها إلا بعد تمزيقها حية . لأننا جميعاً لم نسيء إليها، بل على العكس، لم تجد منا إلا الخير.. وللأسف طعنتنا جميعاً بخناجر الخديعة.

أسدت والدتهما نظرة شفقة إلى أحمد، ثم استدارت ترقق قلب أخيه تجاهه:

ـــــ يا ولدي، أخوك لا ذنب له. لا تنس كم كان فرحاً يوم عرسه، ويهاتف أصدقائه ويؤكد عليهم ألا يتأخرون حتى يحضروا العقد، وفجأة تهاتفه العروس وتقول أنا راهبة مسيحية وأأسف لن اتزوجك . ضع نفسك مكانه يا ولدي فقد كانت الصدمة شديدة عليه واعجزته عن التفكير في الأسباب التي دفعتها للتنكر والإندساس بيننا

رد محمد مهتاجاً:

ـــــ لِمَ لم يخبرني يا أمي! لِمَ؟؟  كلمة واحدة كانت كفيلة بإنقاذ زوجة صديقي من القتل. لو قال يا أخي احذروا، إنها راهبة مسيحية، لفهمنا جميعاً المخطط وحمينا  زوجة صديقي التي ستقتل بسبب صدمة أخي العاطفية فيمن لا تستحق.

نكس أحمد رأسه خزياً، ثم حاول الدفاع عن نفسه:

ـــــ حقك يا أخي أن تغضب، ولكن والله لم أكن اعلم بمخططها، فأرجوك لا تظلمني و تسيء  الظن بي وتتهمني أنني على علم بهذا المخطط القذر.

تذكر وجه زينب أمامه، فانتفخت أوداجه وقال بغيظ شديد:

ـــــ آآآآهٍ لو أراها أمامي هذه الشيطانة! حسبنا الله ونعم الوكيل

بكت والدتهما وقالت وقلبها يتمزق:

ـــــ والله أنا لا يهمني الآن غير المسكينة عائشة، أين أخفوها؟ هل قتلوها ؟ هل يعذبوها ؟  ألا ترق قلوبهم للمسكينة والصغير الذي في احشائها! أشعر وكأنه يتعذب ويتألم لألام أمه.

تنهد محمد وقال بأسى:

ـــــ الكلام لن يفيد، والندم لن يفيد. سأصطحب زوجتي إلى ميونخ، لأكون  إلى جوار عبد الله . أستودعكم الله . بلغوا سلامي لأبي . السلام عليكم

ـــــ وعليكم السلام يا محمد يا أخي

تذكرت والدة محمد، والدة عائشة، فذرفت العبرات رحمة وقالت:

ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله . يا تُرى هل علمت أمها ؟ أهٍ من لهفة قلب الأم على فلذة كبدها. كان الله في عونها.

كانت الكلمات كالخناجر ترشق في قلب أحمد، فلم يحتمل، زفر لهيب أعماقه وقال وهو يهرع إلى الباب:

ـــــ أنا سأخرج يا أمي

ـــــ إلى أين يا أحمد؟

ـــــ لا أعلم. أريد أن امشي في الطرقات، ولا أعلم لِمَ ولا إلى أين . السلام عليكم

ردت الوالدة السلام منتحبة وعبراتها تسيل:

ـــــ وعليكم السلام يا ولدي .. اللهم كدر صفو من كدر صفونا، ولا تغمض له عين كما حرمنا من هدأة البال والنوم قريري الأعين حزناً على من غابت ولا نعلم لها طريقا، حسبنا الله ونعم الوكيل

********************************************

أسدت الراهبة صوفيا نظرة ازدراء إلى عائشة، وأمرت الراهبات حولها بتجهم:

ـــــ خذوها الآن إلى غرفتها، وعندما أريدها آتوني بها

ـــــ سمعاً وطاعة، الأم صوفيا

هرعن إلى عائشة يجذبونها، فنهرتهن وحاولت دفعهن:

ـــــ ابتعدي عني، ابتعدي، أنا لست سجينة كي تجذبيني من يدي هكذا، ابتعدي

ردت مادلين تابعة صوفيا المخلصة بتعال:

ـــــ أنتِ امرأة عنيدة، وتستحقين عقاب الأم صوفيا بالفعل

ـــــ ويلكم جميعاً من عقاب الله

ـــــ هاها لن نعاقب، فنحن المخلصون المتفانون في خدمة الرب

ـــــ خدمة الرب!! والله إنكم تكذبون

ـــــ لم نطلب منكِ رأياً في حياتنا وفيما نفعل، فالتزمي الصمت يا هذه

ـــــ وأي كلام سيفيد مع عقولٍ مثل عقولكم ؟  ابتعدي، ابتعدي عني ودعيني أدخل إلى المقبرة التي تودعوني فيها وتسمونها غرفة

قهقهت مادلين وقالت بنبرة استفزاز:

ـــــ لا تتعجلي، فقبرك يحفر من الآن

ـــــ لقاء ربي أحب عندي من الحياة وسط أصحاب العقائد الفاسدة. حسبي الله ونعم الوكيل

حدجتها مادلين بنظرة كراهية، وزجت بها إلى الغرفة وأغلقت الباب بالقفل ومضت بمفتاحه، فأجهشت عائشة بالبكاء وقد تذكرت زوجها:

ـــــ يا هل تُرى ما حالك يا عبد الله يا حبيبي بعد أن فرقوا أجسادنا؟ والله حتى لو افترقنا بأجسادنا للأبد فستظل أرواحنا متعانقة إلى أن نلقى الله.. ويا تُرى هل علم أبي وأمي باختطافي ؟

عصرت دموع عينيها وأستطردت ناشجة:

ـــــ  لهفي عليهما.. لن يتحملا قسوة الخبر, حسبي الله ونعم الوكيل.... أذهب لأتوضأ وأصلي  ... يارب، يارب يا مفرج الكروب يا الله

**********************************

بعد محاولات اتصال مضنية، زفرت والدة عائشة وألقت الهاتف على الفراش، فسألها زوجها بنبرة يائسة:

ـــــ أما زال هاتف عائشة مغلق يا مريم ؟

انفجرت في البكاء وقالت:

ـــــ إبنتي ليست بخير يا سالم، عائشة يا سالم

ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . معك كل الحق في قلقك يا مريم، فأنا أيضاً كلما هاتفت عبد الله لا يجيبني.. وكأنه يتهرب من الرد

شعرت الأم بأنفاسها تتلاشى، وضعت يدها على صدرها، وقالت وهي تجاهد في التقاط أنفاسها:

ـــــ إبنتي، إبنتي، أشعر أني أختنق يا سالم،  آآآه،  آآآآه

سقطت مغشياً عليها، فهرع إليها زوجها متلهفاً:

ـــــ مريم، مريم، أفيقي، أفيقي يا حبيبتي، أفيقي. لا حول ولا قوة الا بالله . ليتني ما قلت لها ذلك، ليتني أعطيتها أي بصيصٍ من أمل . مريم، مريم، حبيبتي أفيقي، أفيقي، عائشة بخير إن شاء الله، أفيقي

********************************************

عندما اجتمع الدكتور سالم، بالدكتور محمدي(لوكاس)  في طريقهما إلى الفندق، قص عليه من أمر توجساته، فهاله ما سمع:

ـــــ مالذي تقوله هذا يا سالم يا أخي ! ربما سافرت هي وزوجها أو أي شيء غير ماذهب إليه تفكيركما

 

ـــــ يا دكتور محمدي، حتى لو سافرت كانت ستخبرنا . عائشة كانت معتادة على مهاتفتنا كل يوم،  والآن أكثر من ثلاثة أيام ولا نعرف عنها شيء، وزوجها يغلق هاتفه كلما دققت عليه

زفر الدكتور محمدي وقال وهو يهز رأسه:

ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله.... بقى لنا ثلاثة أيام ونعود إلى ألمانيا، وهناك سنطمئن إن شاء الله وستسير الأمور إلى خير

ـــــ أمها لا تحتمل والله يا دكتور محمدي . فقدت الوعي، واستردته بصعوبة بعد محاولات متعددة مني لإفاقتها، وكأنها ترفض العودة إلى الوعي حتى لا تُصدم بالواقع

ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله... صبراً، صبراً يا أخي، صبراً..... الله المستعان

ـــــ ونعم بالله ... سأذهب إلى الفندق لإحضار مريم للصلاة في الحرم لتنسيها بعض ما تجده . رغم أني أعلم أن مابها صعب أن تتناساه . ولكن الله أكبر من كل هم. الحمدلله.

************************************

في صبيحة اليوم التالي، أتت الراهبات بعائشة وأجلسنها عنوة في حضرة صوفيا... كانت صوفيا تجلس في مقعدها الخاص، حين أخذت عيناها تدور في وجوه الراهبات بحثاً عن مانويلا، فلم تجدها، فسألت مادلين بملامح جامدة:

ـــــ أين مانويلا ؟ لا أراها بينكم يا مادلين

ـــــ  تقول أنها متعبة، وذهبت لتنام

أسدت صوفيا نظرة ازدراء إلى عائشة التي جلست شاردة، وقالت:

ـــــ أم أنها تشفق على المسلمة، وتشعر بوخز الضمير كلما رأتها!....أيتها الراهبات، أحضرن الطعام إلى هذه المرأة،  فهي تحمل في مسيحي صالح ويجب أن يولد قوياً

صاحت بها عائشة باهتياج:

ـــــ عمن تتحدثين! هل تعتقدي أني تاركة لكِ ولدي لتنصريه! لا  وربي هذا لن يكون، وسأمتنع عن الطعام والشراب حتى أموت ويموت ولدي داخلي، ولا أن يولد على غير دين الله الذي ارتضاه في أرضه، ولن يسجد لغير الله أبدا

اتجهت مادلين صوب عائشة بغليلها، ووقفت أمام مقعدها وقالت مزدرية إياها:

ـــــ على من تقسمين أيتها المرأة ! تقسمين على الأم صوفيا!! خسئتِ . ليس لكِ من الأمر شيء. أيامك في الحياة معدودة، وستنتهي حياتك يوم أن يولد ولدك وترين تعميده كما يعمد الأطفال في شريعتنا النصرانية. سنعمده كما عمد يوحنا المعمدان يسوع المسيح

بادلتها عائشة نظرات الإذدراء والكراهية، فاستدارت مادلين إلى صوفيا، وقالت إمعاناً في استفزاز عائشة:

ـــــ الأم صوفيا هاها كم نحب حكاياتك، فأمتعينا يا حبيبة القديسين . سأنادي الراهبات يلتففن حولك وأمتعينا بحكايا القديسين

أسدت صوفيا نظرة ماكرة إلى عائشة وقالت:

ـــــ حسناً، ولتستمع هذه المرأة إلى الحكايا، علها تنتبه أنها على دين خاطيء

صاحت بهن عائشة:

ـــــ ويحكن، لا أريد أن أستمع إلى حكاياتكم. أريد ان ابقى وحدي

قامت إليها صوفيا، ووقفت قبالتها وقالت بخبث:

ـــــ لا تتعجلي، فغداً تموتين وتقبرين وحدك، عندما يولد المسيحي الصالح هذا

أطاحت عائشة بيدها وصاحت بها:

ـــــ ابعدي يدك، لا تلمسي جسدي، لن أمكنكم من ولدي، الموت عندي أهون من تنصير ولدي

أجهشت عائشة بالبكاء، فقالت صوفيا بعينين تتقدان وعيداً:

ـــــ دعوها تبكي كما شاءت، فلن يقدم بكاؤها شيئاً ولن يؤخر.

استدارت إلى مادلين ونادت بصوت جهور:

ـــــ  مادلين

ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا  

ـــــ إجمعي الراهبات، وليلتففن حول هذه المرأة ويفكرن في إسم للمسيحي الصالح الذي في بطنها، وأجمل إسم، ستقدم لصاحبته مني مكافآة

تعالى نشيج عائشة واستغاثاتها برب السماء

*****************************************

إلى هنا انتهت حلقتنا

 

التقيكم يوم الاثنين القادم بمشيئة الله

شكراً للمتابعة

لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد

 

 

تعليقات

  1. لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين❤️اللهم صل وسلم على نبينا محمد❤️بارك الله فيك استاذة هبة❤️أم رفيف

    ردحذف
  2. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه💕
    إحساس الضعف والعجز يقهر قلب المسلم
    ربنا ينجي عائشة وولدها
    سعيدة إن ماكس عرف بإن إبنه عايش وإن شاء الله يدخل الإسلام هو كمان عما قريب
    💗دُمتِ مُبدعة💗

    ردحذف

إرسال تعليق