مذكرات سيدة أربعينية( الوقحة والصفعة)

 


إتق شر من أحسنت إليه

 

حكمة قديمة رأيتها تتمثل أمام عيني...فقد كان ذاك المعلم الحليم ، مثالاً في الهدوء الانفعالي ودماثة الخلق...لا أتذكر يوماً أنه عنف إحدانا لأي سبب من الأسباب، حتى ولو كان الإهمال أو الإخفاق

 

ولكن هذه الفتاة استطاعت بصلفها أن ترينا وجهه الآخر لأول مرة

 

كانت تجلس في الصفوف الخلفية، فلاحظ أثناء شرحه للدرس، أنها تتشدق بالعلكة، فطالبها بهدوء أن تلقي بها,, ولكنها لم تفعل كبراً وعنادا، بل وثبتت نظرة متحدية إليه وهي تمضغ العلكة بكل وقاحة.. طالبها مرة أخرى بهدأة نبرته الاعتيادية أن تلقي بالعلكة... لم تفعل، واستمرت في مضغ العلكة مع ذات النظرة الوقحة... فحاول للمرة الأخيرة، فطالبها فلم تستجب. فإذ بأوداجه تنتفخ ويندفع صوبها بنيران الغضب، ويصفعها صفعة مدوية وهو يبرق ويرعد (قلت لكِ مراراً أن تلقي بالعلكة أيتها الصفيقة، صرخت باكية بجنون وقد وضعت يدها موضع الصفعة.

 

فإذ بأهلها يتجهون في صبيحة اليوم التالي إلى مخفر الشرطة ويقدمون بلاغاً ضد المعلم العنيف المتوحش، الذي صفع فتاتهم المهذبة ربيبة الأخلاق الحميدة.. فتم استدعاء المعلم إلى المخفر لاستجوابه

 

عادت فتاة العلكة الوقحة إلى المدرسة منتصرة، ووقفت مكان المعلم لتقص على الطالبات ما حدث للمعلم في مخفر الشرطة، وقالت أن المعلم قدم لها الاعتذار وقال هي كابنتي ولم أقصد إهانتها... وقالت عبارة لا أنساها حتى الآن، فقد وصفت الضابط المحقق وهي تهز يديها في نشوى وتقول أمام المراهقات (الظابط كان أمور قوي ويجنن)

 

سددت لها نظرات احتقار، وشعرت بالأسى على المعلم الفاضل الذي قادته تلك الحشرة القذرة إلى مخفر الشرطة

 

شعرت أن من يستحق الصفع ألف مرة هم أهلها الذين نصروها وهي في غي الباطل..أجل يستحقون الصفع ألف مرة على هذا النموذج الشاذ الذي أخرجوه للمجتمع ليجرده من القيم وأعلاها قيمة الحياء

 

ما أتيقن منه أنهم أكثر منها قذارة، فلو كانوا يريدون بها خيراً، لجاءوا إلى المعلم ليسألوه عما اقترفت لتستحق عليه الصفعة..فإن كان مخطئاً، وأساء لها متعنتاً، فليقتادوه إلى قسم الشرطة لا ضير. وأما إن كانت هي المخطئة، فليعيدوا تربيتها شفقة بها قبل أن تهوى في بئر التسفل... لكنهم آثروا الثأر لها ولو كانت على باطل..وهكذا يفعل الكثير ممن لا يربون أبناءهم ويرفضون أن يتدخل المجتمع في إصلاح ما أفسدوه، بل ويعتقدون أن هذا سيجعل الأبناء أصحاب شخصية قوية لا يستهان بها.. وهم في الحقيقة يتحولون إلى أصلاف أجلاف بلا أدب ولا انضباط، ولو نطقت البهائم لكانت أكثر منهم تحضراً ورقيا

 

ترى ... هل فتاة العلكة الآن ممن بلين المجتمع بنتاج أرحامهن ممن تربوا على الوقاحة وعدم احترام مقام الكبير من الصفاق والمتبجحين الذين تعج بهم طرقات الحياة حولنا!!

 

الوقحة والصفعة

مذكرات سيدة أربعينية

هبة نور

 لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله 

تعليقات

  1. بارك الله فيكِ أستاذة هبة و نفع الله بكِ و بقلمكِ الرائع❤️أم رفيف

    ردحذف
    الردود
    1. وفيك بارك الله أم رفيف الجميلة..تحياتي الخالصة لكِ

      حذف
  2. للاسف المجتمع امتلئ بأمثالها منذ زمن

    شكرا استاذة هبه لطرحك هذه الظاهرة

    Walaa walaa

    ردحذف
    الردود
    1. مرحباً ولاء الغالية..شكراً جزيلاً لكِ

      حذف
  3. سبحان الله و بحمده
    اللهم صلي على محمد
    بارك الله في قلمك يا اغلى كاتبه عندي 💖💖💖

    ردحذف
  4. كاميليا محمد
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
    جزاك الله خيرا وبارك فيك🌹

    ردحذف
  5. للاسف مبقاش في توقير للكبير فضلا عن المعلم الامن رحم ربي
    التبجح بقى موضة تقريبا عافانا الله منها
    البنت مش مؤدبة خالص وهي اكيد عارفة ان اهلها مش اقل منها سوء عشان كدة متبجحة
    لكن تصرف المعلم كمان مش افضل حاجة من وجه نظري هو كان طردها من الفصل وجاب لها فصل من المدرسة مع استدعاء ولي الامر

    بحب مذكراتك فيها من العبر الكثير جزاك الله خيرا ❤️

    ردحذف

إرسال تعليق