أنا وكيفن وضوء القمر( السابعة والثلاثين)
في صباح اليوم التالي، ألفت مانويلا إحدى الراهبات تخرج
من غرفة عائشة بالطعام الذي امتنعت عنه، فنادتها:
ـــــ أنجيلا، أراكِ عائدة بالطعام من غرفة عائشة .
أرفضت الطعام أيضاً هذه المرة ؟
ـــــ هي تحيا على الماء ولا تريد أن تأكل شيئا
ـــــ مممممم من فضلك أعطني هذا الطعام وسأدخل إليها
ـــــ هاها انتِ ! أتظنين أنها ستأكل عندما تدخلين إليها
أنتِ!! هاها أنتِ تعلمين كم تكرهك المسلمة
ـــــ أعطني الطعام أنجيلا
ـــــ هه ها هو
ـــــ أشكرك
حملت مانويلا الطعام واتجهت إلى غرفة عائشة..قبل أن تفتح
الأقفال، دقت الباب برفق، فردت عائشة:
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ أنا يا عائشة
عرفت من نبرة الصوت أنها مانويلا، فردت بنبرة غاضبة:
ـــــ غادري المكان ولا تفتحي غرفتي، فلا أريد أن أراكِ
ـــــ مممم ستضطريني أن أدخل عنوة، رغم أني لا أحب ذلك
فتحت الباب ودخلت متبسمة وحيت عائشة:
ـــــ صباح الخير يا عائشة
أشاحت عائشة بوجهها ولم ترد، فطفرت عبرات مانويلا، اتجهت
إلى الطاولة ووضعت الطعام، ثم اقتربت من عائشة وجلست إلى جوارها على الفراش، وقالت
بدموع ندم حارقة:
ـــــ أعلم أنك تجدين في نفسك مني، وأنتِ على حق ... سامحيني
يا عائشة وكفاني ما ألقاه من تمزيق قلبي كلما رأيتك مهانة هكذا بعدما كنتِ درة
بيتك وتاج رأس زوجك... سامحيني يا أختي. أستحلفك بربك أن تسامحيني، فأنا أعلم كم
تحبين ربك
ـــــ ماذا تريدين مني ؟
ـــــ هه أريدك أن تأكلي هذا الطعام
ـــــ لن آكل. إنصرفي عني
ـــــ لأجلي يا عائشة. ممممم أعلم أني لا أساوي عندك شيء
. تناولي الطعام شفقة بصغيرك يا حبيبتي
ردت عائشة باحتداد:
ـــــ صغيري ! صغيري الذي تنتظرون ميلاده لتنصروه ؟
ـــــ حبيبتي، لا أحد يعلم ما تخبئه الأقدار، فرفقاً بنفسك وارحمي صغيرك، فهو بحاجة
إلى الطعام... وأعدك أن لا أدخر جهداً في مساعدتك، وإن كانت رقبتي هي الثمن
ـــــ .................................................!!!!
ـــــ لا تنظرين إليّ في دهشة هكذا يا حبيبة . وحق الرب
الذي في السماء أنا أحبك يا عائشة. أعلم أنني آذيتك إيذاءاً لا طاقة لكِ به، ولكنك
مؤمنة صابرة، فاعتبريه بلاء وادعي الله في صلواتك المخلصة أن يرفعه.
نظرت عائشة إلى السماء ونادت بقلب منفطر:
ـــــ يارب، يارب، يارب
التقطت مانويلا صينية الطعام من على الطاولة، ووضعتها
على الفراش وقالت باسمة:
ـــــ ستتناولين الطعام ؟
ـــــ .............................................
ـــــ هاها ستضطريني أن أطعمك رغماً عنكِ، هأنذا سأفعل
حاولت زج لقمة من فم عائشة، فتبسمت عائشة، فانفرجت
أسارير مانويلا وقالت:
ـــــ أشكر الرب على بسمتك الجميلة هذه وسط من تلقيه من
عذاب وآلام. هيا حبيبتي اشربي هذا الكأس من اللبن
ـــــ هاتي يا زين........ أقصد مانويلا
ـــــ هاها كنتِ ستقولين زينب
ـــــ لم أعرفك إلا بزينب
طأطأت مانويلا رأسها خجلاً وقالت:
لا تلهبيني بسياط كلامك يا حبيبة.
رفعت رأسها وحاولت رسم البسمة على وجه عائشة وتذكرها
أنها من كانت توقظها لصلاة الفجر مدة مكوثها لديها:
ـــــ مممم قولي لي من يوقظك لصلاة الفجر الآن ؟ هاها
ـــــ أنا لا أنام من الأساس والحمدلله . ما تغفل عيني إلا قليلاً من فرط
قلقي وشدة عذابي مما أنا فيه
خفضت مانويلا بصرها خزياً، ثم ابتسمت وقالت:
ـــــ إشربي حبيبتي، أكملي الكأس
ـــــ لا أستطيع أكثر من ذلك
ـــــ لالالا ههه ستكمليه هيا، لا ترهقيني كالصغار يا
عائشة
ـــــ حسناً ، سأكمله ................ الحمدلله
ـــــ كلي هذا الخبز وهذا العسل يا أختي
ـــــ لا أريد
قربت الطعام من فمها وقالت بإلحاح:
ـــــ لالالا ستأكلين، هيا، هيا يا عائشة
ـــــ سأفعل لأتخلص من إلحاحك، وتخرجي وتتركيني
ـــــ ههه ألهذه الدرجة أنا مزعجة ؟
ـــــ هه سامحك الله وسامحني وسامح الجميع يا مانويلا
ـــــ ما رأيك يا عائشة أن تخرجي معي إلى حديقة الدير،
نستنشق بعض الهواء النقي، عندما تخرج الأم صوفيا ، فهي ستخرج بعد قليل من الدير
ولن تعود إلا بعد ساعات
ـــــ لا أريد
ـــــ هاها لا، بل ستخرجين معي إلى الحديقة. فأنا أريد
أن أتحدث إليك طويلاً، وأريد أيضاً لكِ أن تخرجي من هذه الغرفة الكئيبة
ـــــ حسناً. سأتوضأ وأصلي الضحى، ثم أخرج معك إلى حديقة
الدير، فقد مللت من حبستي
ـــــ هاها أشكرك. سأتركك الآن وأعود إليكِ بعد قليل
لأصطحبك بعد الفروغ من صلاتك
ـــــ إن شاء الله
**************************************************
أثناء خروجهما من الغرفة، ألفتهما مادلين تابعة صوفيا،
فسألت مانويلا بتجهم:
ـــــ إلى أين يا مانويلا أنتِ والمسلمة؟
ـــــ خارجين إلى حديقة الدير يا مادلين
ـــــ غير مسموح أن تغادر هذه المسلمة غرفتها إلا بإذن
الأم صوفيا
قالت عائشة:
ـــــ حسناً، سأعود إلى غرفتي
أمسكت مادلين بذراع عائشة وقالت:
ـــــ إنتظري يا عائشة، انتظري... دعينا يا مادلين فأنا أريد أن أخفف عنها عناء
محبسها
ـــــ هاها يا ذات القلب الحنون انتِ!! دعيها تعود إلى
غرفتها ولا تعرضي نفسك لعقاب الأم صوفيا
ـــــ علامَ تعاقبني! قلت سنخرج إلى الحديقة لبعض الوقت
فعلامَ العقاب!!
قالت عائشة لمانويلا:
ـــــ اتركيني، مانويلا أعود إلى غرفتي وتجنبِ العقاب. أستأذنك
تأففت مانويلا وقالت بحسم:
ـــــ انتظري يا عائشة... مادلين، أنا خارجة إلى الحديقة
وعائشة ستأتي معي، فهي ليست سجينة
ـــــ عنيدة أنتِ مانويلا، ويبدو أنك ستعاقبين من الأم
صوفيا
ـــــ مستعدة للعقاب. هيا يا عائشة
ـــــ هيا
**************************************************
حين خرجت
عائشة إلى نسيم الصباح والشمس المشرقة، انتشت روحها وقالت:
ـــــ يا الله !! منذ عدة أيام لم أر الضوء
اصطحبتها مانويلا إلى مقعد تظله شجرة كبيرة وقالت:
ـــــ إجلسي ها هنا يا عائشة على هذا المقعد، وسأجلس إلى
جوارك
ـــــ حسناً
ـــــ هاها ما رأيك في حديقة الدير ؟
ـــــ تقصدين حديقة السجن
ـــــ هه أتعلمين يا عائشة، ربما تكون السجون بأسوارها
العالية أرحم كثيراً من الحياة وسط العابثون واللاهون . جئت إلى الدير هاربة من
حياتي بأسرها، وتركت أهلي طواعية حتى لا تتحكم فيّ شهوات وغرائز الرجال
تبدى الاندهاش على ملامح عائشة وقالت:
ـــــ ماهذا! وما دخل أهلك بالشهوات والغرائز! أنتِ وسط أهلك
تكونين في أمان بعيداً عن عبث العابثين
ـــــ هاها هذا عندكم في الشرق يا عائشة، أما حياة الغرب
فتختلف كثيراً . أنا بنت وحيدة ولي أخوين أكبر مني . أبي تركنا صغاراً ولا نعلم
مكانه حتى الآن، وأمي ماتت وأنا في الثالثة عشر من عمري، كان اخواي بالجامعة... إعتدت أن أرى كل منهم
يصطحب صديقته إلى غرفته ويفعل بها ما يشاء . لم أكن أعلم ذلك . كنت أظن أنهم
يذاكرون دروسهم... وذات مرة احتجت أخي في أمر وحاولت أن أناديه فلم يسمعني، ففتحت
الباب فجأة، فرأيت منظر اقشعر له بدني، وانتفض هو ومن معه، فأغلقت الباب وأسرعت
إلى غرفتي أبكي من هول ما شاهدت.....ولكنني اعتدت أن أرى هذه الأشياء ولكن كرهتها جداً..
كنت أشعر أنها إهانة للمرأة وإنها أرقى من أن يفعل بها هذا من قبل رجل ليس بزوجٍ
لها. وانطويت على نفسي وانكببت على مذاكرتي ولم يكن لي أصدقاء من الرجال أو من
النساء أيضاً . وذات مرة اصطحب أحد اخوي صديق له إلى منزلنا، ودق جرس الباب فذهب
وفتحت، ورأني هذا الشاب ونظر إليّ نظرات حيوانية، فأسرعت إلى غرفتي وأغلقت الباب ..فإذ
به بعد قليل يفتح باب غرفتي ويدخل ويطريني بكلمات إعجاب ويطلب مني أن نكون أصدقاء،
وكتب في ورقة عنوان منزله وأعطاني إياها، فمزقتها وألقيت بها في وجهه وطردته من
غرفتي، فاتهمني بالجنون.
تبدت حمرة الغضب على وجه عائشة وقالت:
ـــــ ما هذا!! وأين أخاكِ؟ وكيف يسمح له بذلك ؟
ـــــ هاها بل أن أخي عنفني لأنني أهنت صديقه وطردته من
غرفتي
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . كيف يكون ذلك! أين النخوة!!
ـــــ هاها قلت لكِ لا تتعجبي فهذه هي حياة الغرب
تنهدت مانويلا بعمق واستطردت:
ـــــ شعرت وقتئذ أنني لا أرغب في الحياة مع الناس،
وأرغب في العزلة والحياة الهادئة، لذا فقررت دخول الدير إلى الأبد
سألت عائشة سؤال تعرف إجابته مسبقاً:
ـــــ مممم ولكن هل حقاً حياة الدير آمنة على أعراض
النساء ؟
ـــــ هاها أفهم ما تقصدين من تجاوزات بعض القساوسة
والرهبان وهتك أعراض الراهبات. بل أن الكثيرات من الراهبات أرسلن العديد والعديد
من الشكاوى إلى بابا الفاتيكان يستنجدون به من الممارسات الجنسية الفاضحة التي
يرتكبها بعض القساوسة مع الراهبات
ـــــ وماذا كان رد بابا الفاتيكان؟
ـــــ هاها قال إنها مجرد حالات شاذة ولا يجب تعميمها،
وتم التعتيم على الأمر وما زالت الانتهاكات مستمرة
ـــــ مممممم وهل ...... هل ...... أأأأأ
ـــــ هاها اعلم ما تريدين أن تقولي يا عائشة . الدير
هنا تديره الأم صوفيا بأيدي من حديد ولا تسمح بدخول الرهبان الرجال إليه. وهذه هي
ميزتها الوحيدة التي أتحملها من أجلها هاها كما أنها تعلم كم أكره هذه الأمور وقد
حدثتها بقصتي خارج الدير ولِمَ لجأت إليه . لن تجدي ديراً لا تنتهك فيه الحرمات
إلا هنا.... ذات مرة قبل وفاة أمي أغضبتها وأهنتها إهانات شديدة وشعرت أنني مجرمة
ومذنبة لذا فذهبت إلى أب الإعتراف لأعترف بخطيئتي ليطهرني بوصفه ممثلاً للرب
ويتوسط في الصفح عن البشر، وعندما دخلت إليه وأغلق الباب وجلست لأعترف لاحظت طوال
الوقت أنه ينظر إليّ نظرة رجل يشتهي امرأة وليس نظرة رجل دين أو أب اعتراف يتلقى اعترافات
المذنبين، تجاهلت الأمر وقلت في نفسي ربما أنا أبالغ في تفسير نظراته، حتى حاول
الإقتراب مني وعندما هم بأن يلمسني ضربت يده بعنف وجريت إلى الباب وخرجت مسرعة ، لا
أدري كيف وصلت إلى المنزل من شدة الذهول والجري وجسدي كان يرتعد
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا أعرف كيف يثق الناس
في آباء الاعتراف ويجلسون نسائهم وبناتهم معهم ليعترفن!!! كيف لا يفكرون أنه رجل
بشري من لحم ودم وله شهوة كسائر البشر!!!.. من عظمة الإسلام أنه يمنع انفراد الرجل
بالمرأة وإن كان عالماً من علماء الدين. كما أن الله في عليائه لم يجعل وسطاء بينه
وبين خلقه، فنحن يكفينا لنتطهر من الخطايا أن نطلب التوبة والصفح من الله مباشرة
دون وسيط نفتضح أمامه ونكشف سوءاتنا وسوء أعمالنا. الحمدلله أن جعلنا مسلمين
جال سؤال بخاطر مانويلا، فقالت:
ـــــ ممممم ولكن أريد أن أسألك سؤالاً يا عائشة
ـــــ تفضلي
ـــــ حقا لا يوجد ثالوث ؟ هل هو إله واحد كما تقولون يا
معاشر المسلمين ؟
ـــــ حقا لا إله إلا الله
ـــــ ما دليلك ؟ لِمَ لا يكون حقا هناك ثالوثا ؟
ـــــ سأجيبك من أناجيلكم
غضنت مانويلا حاجبيها في دهشة وقالت:
ـــــ ماذا!! هل في الأناجيل إثبات بوجود إله واحد ؟
ـــــ النصارى يستندون في إثبات فكرة الثالوث إلى هذه
الكلمات المنسوبة إلى المسيح من إنجيل متى
الإصحاح 28 العدد 19
(فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم بإسم الآب والإبن والروح
القدس )
ـــــ بالفعل يا عائشة فنحن تأكدنا من وجود الثالوث من
هذه الكلمات
ـــــ إذن فاستمعي أولا إلى رأي علماء الغرب وليس كلامنا
كمسلمين . يقول أدولف هرنك صيغة التثليث هذه التي تتكلم عن الآب والإبن والروح
القدس غريب ذكرها على لسان المسيح ولم تكن موجودة في عصر الرسل .....أريد أن اسألك
سؤالا يا مانويلا
ـــــ تفضلي
ـــــ هذه الكلمات إلى من وجهها المسيح
ـــــ إلى الحواريين بالطبع يا عائشة
ـــــ إذن فهو أمرهم أن ينتشروا في الأرض ويعمدوا الناس
بإسم الثالوث، أليس كذلك ؟
ـــــ بالطبع هو كذلك
ـــــ ما رأيك أن هناك شهادة تاريخية تعود إلى القرن
الثاني تنفي هذا النص المنسوب إلى المسيح
ـــــ كيف ذلك !! اسمعيني إياها
ـــــ يقول المؤرخ أبولونيوس أني تسلمت من الأقدمين أن
المسيح عليه السلام قبل صعوده إلى السماء قد أوصى الحواريين بألا يبتعدوا عن
أورشليم كثيرا لمدة اثنى عشر سنة . وبالطبع هذا الكلام ينافي ما ذُكر في انجيل متى
وأمر المسيح للحواريين بتعميد الناس بإسم الثالوث
لوت مانويلا شفتها وهزت كتفيها قائلة:
ـــــ ممم مجرد أراء. لا أقتنع إلا بدليل
ـــــ يا مانويلا ، إذا افترضنا أن الكلمات صحيحة وقد أمر
المسيح أتباعه بتعميد الناس بإسم الآب والإبن والروح القدس ,وأنتم تقولون أن
هم روح واحدة والأسماء فقط هي المتغيرة. تقولون أن الإبن والآب متصلان وهم
روح واحدة، أليس كذلك ؟
ـــــ أجل نقول ذلك
ـــــ ما رأيك أن واو العطف تفيد المغايرة. أي أن كل
منهم غير الآخر تماماً، ليس الآب هو الآبن ولا الروح القدس، المقصود بالآب هو الله
الواحد وتعالى الله عما يصفون، فليس له
إبن، سبحانه تنزه عن الولد..المقصود بالإبن هو المسيح عليه السلام وهو رسول من عند
الله وليس إبناً ... المقصود بالروح القدس هو جبريل عليه السلام وهو الوحي الذي
يرسله الله على الرسل ومن بينهم عيسى المسيح الذي تلقبونه بيسوع
لوت مانويلا شفتها وهزت كتفيها إيماءاً عن عدم الاقتناع،
فأردفت عائشة:
ـــــ سأثبت لكِ من الإنجيل كلمات جاءت على لسان المسيح
تثبت أنه ينفي عن نفسه صفة الربوبية ويفردها لله وحده
ـــــ كيف ؟؟
ـــــ اسمعي مانويلا..هذه كلمات المسيح من إنجيل يوحنا (
هذه الأعمال التي أنا أعملها بإسم أبي هي
تشهد لي )...إذن يا مانويلا لو تحققتِ من الكلمات ستجدي أن المسيح ينفي عن نفسه
صفة الربوبية والقدرة فهو يعملها بإسم الله وبإذنه . فقط هداكم الله يا نصارى احذفوا
كلمة أبي وضعوا بدلاً منها (الله ) فلتكن ( هذه الأعمال التي أنا أعملها بإسم الله هي تشهد لي )
بلغ بمانويلا الشغف ذروته فقالت:
ـــــ أكملي يا عائشة، أكملي
أسمعك هذه الكلمات من إنجيل يوحنا
( أنا قد أتيت بإسم أبي ولستم تقبلوا مني ، إن أتى آخر بإسم نفسه
فذلك تقبلونه ,كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجد بعضكم من بعض والمجد الذي من
الإله الواحد لستم تطلبونه)
وتفسيري المتواضع لهذه الكلمات يا مانويلا والذي استند
فيه لأراء العلماء..أن المسيح يقول لماذا لا تقبلون مني إذا قلت أني أعمل كل شيء بإسم الله الواحد ، أنتم
لا تقبلون مني إلا إذا نسبت الأعمال إلى نفسي أما أن أنسبها لله الواحد ممجداً
إياه فأنتم ترفضون ولا تقبلون ذلك ... وكأنه والله يلوم النصارى أنهم يمجدونه من
دون الله وهو مثلهم من البشر، وينسبون له المعجزات من دون الله . وأنهم يرفضون أن
يعبدوا الله وحده ويشركون به البشر، لا
إله إلا الله
نفذت الأدلة إلى عقل مانويلا واطمئن لها قلبها، فطفرت
عبراتها وقالت:
كلماتك مقنعة جداً يا عائشة. حقاً أنا كنت أشك في
الثالوث، ولكن للأسف لم أفكر لأنني كنت على يقين أني لن أجد الإجابة عند من حولي
وسيتهمونني بالكفر
ـــــ إشهدي أن لا إله إلا الله يا مانويلا . لن يغني
عنكِ الثالوث شيئا. إنما هو إله واحد لا شريك له
ـــــ سأعلنها في حينها يا عائشة ,هيا لنقوم قبل أن تأتي
الأم صوفيا هاها
ـــــ هيا يا مانويلا، فلا داعي للجلوس أكثر من ذلك
*************************************
عادت
صوفيا إلى الدير، فهرعت مادلين لتخبرها بما فعلت مانويلا:
ـــــ الأم صوفيا، مانويلا اصطحبت المسلمة في غيابك
وخرجت بها إلى حديقة الدير
استشاطت صوفيا غضباً وصاحت:
ـــــ كيف تفعل ذلك دون إذني!!
ـــــ تعلمين أنها عنيدة، ولم أستطع إرجاعها عما تريد،
وخرجت رغماً عني، غير عابئة بتهديدي لها بعقابك إياها
ازدادت صوفيا غضباً فتوعدت مانويلا:
ـــــ أهكذا!! تباً لها ما نويلا هذه. فقط أفرغ من قتل المسلمة وبعدها دورها قادم. إنصرفي
يا مادلين
ـــــ أمرك الأم صوفيا حبيبة القديسين
*******************************
مر شهرين منذ أعلن خبر مقتل عائشة، وما زالت والدتها على
حال اللوثة التي أصابت عقلها، تخال عائشة أمامها تحمل صغيرها فتقهقه كمن طاش عقلها
وتسرد على مسامع زوجها ما تراه، فيزداد شفقة عليها وتفيض عيناه بالعبرات...هذه
المرة ربت على كتفها وقال بلطف:
ـــــ مريم حبيبتي
ـــــ ما الأمر يا سالم ؟
ـــــ حبيبتي أنا أشعر بكِ وأعلم أنكِ تحاولين فصل نفسك
عن الحقيقة، وهذا ما يخيفني عليكِ
قهقهت بجنون وقالت:
ـــــ أي حقيقة ! أي حقيقة يا سالم هاها ابنتي على قيد
الحياة وستعود إلى أحضان أمها قريباً هاها إن شاء الله ستعود عائشة وتطرق الباب
وهي تحمل عمر وخلفها عبد الله وهو مبتسمين جميعاً هاها وكأني أراهم الآن هههه
ادخلي يا عائشة، تعالي يا حبيبتي هاها مرحباً بعمر حبيبي الصغير الجميل، كم اشتقت
اليك يا قطعة من كبدي أنت وأمك هاها
ارتجف جسده من هول ما يراه من حال زوجته، أخذ يهز رأسه
ناظراً إليها في أسى ويقول:
لا حول ولا قوة الا بالله . قومي حبيبتي وتوضأي واقرأي
بعض آيات القرآن عل الله يصرف ما بكِ
ـــــ سأقوم لأقرأ الورد اليومي وأدعو لعائشة بتيسير
ولادتها . اللهم يسر ولادة ابنتي عائشة يارب
ـــــ لا اله الا الله . ماذا أفعل يا ربي! زوجتي طاش
عقلها
دق جرس الباب، فاتجه ليفتح، فهرعت خلفه لتثنيه:
ـــــ انتظر يا سالم لا تفتح أنت. يبدو أنها أم عمر
انتفخت أوداجه غضباً وصاح بها:
ـــــ أم عمر !! مريم بالله يامريم أفيقي
ـــــ هاها أنا لا أقصد عائشة. أنا أقصد أم عمر زوجة
الشيخ عبد الهادي. أدخل أنت لأستقبلها
ـــــ لا إله إلا الله
*****************************
فتحت الباب فألفت زوجة الشيخ عبد الهادي تلقي السلام
بملامح حزنى:
ـــــ السلام عليكم يا حبيبة
ـــــ مرحباً أم عمر، وعليكم السلام يا أختي تفضلي هاها
لِمَ تعلو وجهك دائماً الكآبة كلما زرتيني! أنا بخير الحمدلله
ـــــ أتمنى من الله أن تكوني بخير دائماً يا أختي
ـــــ ههه إجلسي يا أم عمر مممممم عائشة إن شاء الله ستسمي
ولدها عمر أيضاً
ـــــ عائشة !!!!!! اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله
ـــــ هاها أنتِ أيضاً تتهميني بالجنون! ألا يكفيني
سالم!هاها أستأذنك في إحضار واجب الضيافة
ـــــ تفضلي يا أختي
أجهشت زوجة الشيخ عبد الهادي بالبكاء وغمغمت:
ـــــ مسكينة يا
مريم، مسكينة، مر شهرين على وفاة ابنتها ومازالت تعتقد في حياتها ورجوعها
**********************************************
كانت عائشة في محبسها تبكي حالها ومآلها وتشكو بثها
وحزنها إلى الله في صلاتها:
ـــــ مر أكثر من شهرين عليّ في هذا الدير. اقترب موعد
وضعي لولدي. يعلم الجميع أني بين الأموات، وسأقتل وينصر ولدي دون أن يغيثني أحد ..
يا الله.. يا الله، أغثني ياربي، أغثني
اقتحمت صوفيا الغرفة على حين غرة وخلفها مادلين، فسمعتها
تستغيث بالله باكية ناشجة وعبراتها تنهمر:
ـــــ يارب أغثني ياربي
ضحكت مادلين وقالت ساخرة لصوفيا:
ـــــ إنها تصلي
لربها وتبكي أملاً في إنقاذها، أيتها الأم صوفيا
قهقهت صوفيا ساخرة وقالت:
ـــــ هيهات هيهات لما تصبو إليه نفسها
اندفعت صوفيا صوب عائشة وصاحت بها:
ـــــ أنتِ
فرغت عائشة من صلاتها:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله ........ السلام عليكم
ورحمة الله
صاحت بها صوفيا:
ـــــ إنهضي
نهضت عائشة بتثاقل تتأوه:
ـــــ آآآه آآآه ماذا تريدون مني
قالت صوفيا بوجه متربد ونبرة حادة:
ـــــ اقترب أجلك أيتها اللعينة.. مازلتِ تصلي لربك!!!
ماذا فعل لكِ ربك ؟؟ هل أنقذك مما أنتِ فيه ؟
ردت ناشجة:
ـــــ سينقذني، سينقذني إن شاء الله، وحتى لو قتلتموني
فأنا حسنة الظن بربي وحسن لقائه
ـــــ كفِ عن هذا النحيب، اكره سماع صوتك. إياكِ أن تصلي
مرة أخرى.
استدارت صوفيا إلى مادلين وقالت بنبرة تنضح منها
الأحقاد:
ـــــ مادلين، إجلسي معها حتى الصباح، فإن همت بالصلاة
مرة أخري فانزعي عنها ملابسها، ولتريني كيف ستصلي عارية
ـــــ أمرك الأم
صوفيا
غادرت صوفيا وصفعت الباب خلفها، فصاحت عائشة باكية:
ـــــ حتى صلاتي لربي تمنعوني عنها ! ألا يكفيكم سجني
وغربتي وضياعي! ألا يكيفيكم إشاعة خبر موتي قبل قتلي! لا يمر يوماً إلا وأذقتموني
الذلة والمهانة وتعاملوني بطريقة غير أدمية، فماذا فعلت لكم! حسبي الله ونعم
الوكيل.
زفرت مادلين وقالت بنبرة تفيض كراهية:
ـــــ أنا أيضاً
اكره سماع صوتك. أوف! ألم تجد الأم صوفيا غيري كي تجلسه معكِ أيتها المسلمة اللعينة!!.
سأستدعي إحدى الراهبات غيري لتجلس معك وأتحجج بأني قد أصابني ألم مفاجيء في رأسي
حتى أرتاح من رؤية وجهك المقيت
هرعت مادلين إلى الباب وغادرت الغرفة، فتشبثت عائشة
بدعائها وهي تذرف العبرات:
ـــــ يا رب، يا رب، يا رب
**************************************************
نادت مادلين في الراهبات، فتجمعن حولها فقالت:
ـــــ أريد واحدة منكن أن تجلس مع المسلمة حتى الصباح،
حتى تمنعها عن الصلاة كما أمرت الأم صوفيا،
فقد أصابني ألم مفاجيء برأسي آآآه يا رأسي
تقدمت مانويلا وقالت:
ـــــ أنا سأجلس معها لأمنعها عن صلاتها يا مادلين
سددت مادلين إليها نظرة حادة وقالت:
ـــــ إياكِ أن تتركيها تصلي، مانويلا، ليكن ولائك لنا،
مانويلا. في يومٍ قريب ستُقتل المسلمة ولن تجدي غير الدير والراهبات، فلا تأخذك
بها شفقة ولا رحمة
ـــــ أعلم أنكِ
تتشككين في أمري، وأني أشفق على المسلمة ، ولكن هذا غير صحيح ، أنا أخذتها للحديقة
لأقنعها باعتناق ديننا ، ولكنها رفضت هذه اللعينة، تباً لها، إطمئني يا مادلين ، ولائي لكن وللصليب
ـــــ لن أطمئن إلا عندما أراكِ تجذبينها من شعرها بقوة
ـــــ أمرك، مادلين، هيا
اقتحمت مانويلا غرفة عائشة وخلفها مادلين تربع ذراعيها
وترقبهما، غمزت مانويلا لعائشة خلسة وانقضت عليها وهي تتوعدها::
ـــــ جاءتك مانويلا ايتها المسلمة اللعينة
صاحت عائشة في ارتباك:
ـــــ ماذا تريدان مني؟
صاحت مادلين في مانويلا باحتداد:
ـــــ مانويلا، إليكِ بها، مانويلا
جذبت مانويلا شعر عائشة وصاحت باحتداد:
ـــــ تعالي هنا، هاتي إليّ شعرك الطويل هذا
ـــــ آآآآه اتركي شعري
تبسمت مانويلا وقالت لمادلين:
ـــــ أهكذا يا مادلين ؟
ـــــ هاها هكذا مانويلا . لا تتركيها تصلي مانويلا
ـــــ اذهبِ أنتِ ونامي واطمئني، مادلين، فأنا سأعذبها
حتى الصباح
ـــــ باركك الرب مانويلا
غادرت مادلين وأغلقت الباب، فبكت عائشة، فاحتضنتها
مانويلا واعتذرت بلطف:
ـــــ آسفة حبيبتي عائشة ، وحق الرب ما جذبتك من شعرك
إلا لتنصرف عنكِ مادلين، وحتى أتمكن من حمايتك منهن وأتركك لصلاتك يا أختي
ردت ناشجة مرتعدة وعبراتها تنهمر:
ـــــ أشكرك مانويلا
ـــــ لِمَ البكاء إذن ؟
ـــــ وكيف لا أبكي وسوف تزهق روحي ظلماً وسينصّر ولدي،
وترك زوجي البلاد
أجهشت مانويلا بالبكاء وضمتها بكل ما أوتيت من حنان
وتعذرت:
ـــــ هوني على نفسك، وحق يسوع ليس بيدي أن أهربك من هذا
الدير. كما ترين كم هي الأسوار عالية وكم هي الحراسة مشددة، فسامحيني
ردت عائشة والبكاء يفطر قلبها:
ـــــ أعلم أنك لا تملكين من الأمر شيئا مانويلا، الأمر
بيد الله وحده، يا رب، يا رب، أمتك الضعيفة تستجير بك يارب
طرأت فكرة على ذهن مانويلا فقالت على الفور:
ـــــ عائشة، هل تتذكرين رقم هاتف حفصة ؟
ـــــ حفصة !! بالطبع اتذكره
تنفست مانويلا الصعداء وقالت:
ـــــ أشكر الرب
ـــــ فيمَ تفكرين يا مانويلا ؟
ـــــ مممممم فكرة ولا أعلم هل يمكنني تنفيذها أم لا
ولكنها محاولة
ـــــ أفصحي عن الأمر ارجوكِ، أرجوكِ
ـــــ ممممم سأنتظر يوم وضعك لولدك، وأحاول جاهدة الخروج
من الدير ومقابلة حفصة في أي شارع في برلين وأعطها الصغير حتى لا ينصروه، وسأعود
إليكِ لأطمئنك عنه
تلاشى الأمل الذي لاح في قلب عائشة، وقالت باكية بنبرة
يائسة:
ـــــ أعلم أن ذلك صعب، صعب، لن تستطيعي الخروج بالطفل
ـــــ ممممم دعيني افكر كيف أخبئه
كي لا يراه أحد وأخرج من الدير بحُجة مقنعة. إنها محاولة، فلِمَ لا نجرب يا
عائشة !! أنا أعلم أن حياة ولدك تهمك أكثر من حياتك
ردت وهي تعصر دموع عينيها ممزقة الفؤاد:
ـــــ حياة ولدي تهمني إن كان سيحيا على الإسلام، لا
أريد تنصير ولدي يا مانويلا ، والله حياتي لا تهمني، الأهم هو ولدي وحياته على
التوحيد والسجود لله وحده ولا يسجد لغيره
ـــــ إذن اعطني الرقم وسأهاتف حفصة لتحضر إلى برلين على الفور وتقيم فيها إلى يوم
ولادتك
ـــــ هاهو الرقم خذي يا مانويلا
*******************************
إلى هنا قد انتهت حلقتنا
شكراً على المتابعة
ألتقيكم يوم .... ممم لا أعرف , و لكنها ستكون الحلقة
الأخيرة من رواية أنا وكيفن وضوء القمر، إن شاء الله يكون الاثنين القادم
انتظروني مع الحلقة الأخيرة إن شاء الله
لا تنسوا ذكر الله والصلاة على الحبيب عليه الصلاة
والسلام فإنها ليلة الجمعة وغداً الجمعة إن شاء الله
لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد
لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين❤️اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد❤️أسعدك الله سعادة الدارين ❤️أم رفيف
ردحذفكاميليا محمد
ردحذفلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد
الحلقة رائعة جدا ومشوقة في انتظار الحلقة الاخيرة سلمت يداك ودمتي مبدعة 🌹❤️
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
ردحذفاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه💓
ردحذفطمرت فيكي العِشرة يا زينب.. قصدي يا مانويلا..
ليس لها من دون الله كاشفة.. أفلحت عائشة إذ لجأت وتضرعت إلى الله عز وجل وبالتأكيد سينجيها من كيدهم وبطشهم.. ويمكن تنجح خطة مانويلا وتهرب بإبن عائشة خارج الدير.. نأمل ذلك
سلمتِ وسلِمَت يداكِ يا غالية
🌷دُمتِ مُبدعة 🌷