حارة الموعودين( الحادية عشر)

 

كان عنتر الصعيدي، يتناول وجبة الإفطار البسيط على الأرض مع قريبه همام وزميل ثالث في الغرفة الضيقة المستأجرة ذات الأسرة الحديدية الصدئة والجدر المشققة المطلية بالأسمنت الكئيب.. قال له قريبه همام بضيق:

 

وبعدهالك يا عنتر! يعني هتفضل جاعد كديه في الأوضة الحزينة ديّ، وانا اشجى واصرف عليك!!

 

ابتئس عنتر وتوقف عن الطعام، فاستطرد قريبه ببعض اللطف:

 

ما تأخذنيش يا خوي. أنا متغرب عن أهلي وناسي عشان أجدر اكفي روحي واكفيهم. ما اجدرش اتحمل اكتر من كديه

رد بعنتر بحسم:

 

كل اللي صرفته سلف ودين في رجبتي، ولازمن اردهولك يا واد عمي. مش عنتر اللي يستغل حد ولا يعيش من كد غير كده

 

رد زميل الغرفة الثالث والذي أتى من إحدى قرى الوجه البحري:

 

مش انت يا عنتر اللي رفست النعمي برجيلك لما وجفت جصاد المعلم عدوي وجولت إلا الكرامي! اديك مش لاجي حق رغيف العيش. عملتلك ايه كرامتك بجي!! ههه

 

رد عنتر بحسم:

 

ايوة كرامتي ولو فيها موتي

 

ههه خلاص موت بجي، عالم غاوييي بهدليي

 

كان صديقه همام يفكر أثناء الحوار، ثم أتى بفكرة وقال يعرضها على عنتر:

 

طب ايه رأيك يا عنتر يا واد عمي لو تسرح بعربية فول؟ الناس ما عتبطلش وكل لا ليل ولا نهار، والخير هياجيك بالكوم

 

هز عنتر  رأسه إعجاباً بالفكرة وقال باستحسان:

 

عفارم عليك يا همام يا واد عمي

 

بدا الابتئاس على وجه عنتر فجأة، وسأل:

 

لكن هجيب الفلوس من وين؟

 

أنا هسلفك يا واد عمي، ولما ربنا ييسرلك الحال ردهم

 

تهلل وجه عنتر وشكره:

 

ربنا يكرمك ويوسع عليك يا همام يا خوي

 

ويوسع عليك يا خوي.. أنت يلزمك ديلواك عربية خشب مخصوصة للفول

 

وطب ودي اجيبها من وين؟

 

أنا هدلك على راجل نجار طيب، اسميه عم صادج، هو هيعملهالك على احسن ما يكون

دلني عليه يا خوي

 

***************************************

كان والد هشام منهمكاً في صنع أحد الأبواب، في ورشة النجارة صباحاً، حين أتاه الشاب الصعيدي عنتر وحياه:

 

السلام عليكم يا عم صادج

 

توقف عم صادق عن العمل ورد التحية بأحسن منها:

 

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابني.. انت تعرفني؟

 

ولاد الحلال دلوني عليك

 

يا مرحب. خير يا ابني؟

 

خير إن شاء الله. أنا كنت رايدك تعملي عربية فول عشان اسرح بيها.. الحال ضايج وما لاجي شغل، وصاحبي دلني على الشغلانة ديّ

 

وماله يا ابني، الشغل مش عيب مهما كان، طالما مصدره حلال

 

ربنا يغنينا بالحلال عن الحرام يا عم صادج

 

أمين يا ابني، اتفضل اقعد اشرب شاي

 

مالوش لزوم، أنا بس رايد اعرف استلمها ميتى وهتتكلف كام؟

 

إن شاء الله تعالالي بعد بكرة زي دلوقتي تلاقيها جاهزة

 

طيب والتكاليف عاد؟

 

لما تخلص يا ابني هبقى احاسبك إن شاء الله

 

تبسم عنتر في وجه الرجل الطيب السمت والسمات وقال:

 

كتر خيرك يا عم صادج.. وربنا أنا جلبي ارتاحلك من أول عيني ما نضرتك، وحسيت انك بوي

 

تعيش يا ابني

 

افوتك بعافية ديلواك، وهاجيك إن شاء الله بعد بكرة زي ديلواك

 

طريق السلامة يا ابني

 

***********************************

اجتمع باسم بوالده ووالدته بعد تناول الغداء وأخبرهما بالموعد المحدد مع والد العروس بعد منتصف الليلة المقبلة، فقال والده متعجباً:

 

يعني المعاد بكرة الساعة اتناشر بالليل! وهو في حد عاقل يحدد معاد لعريس بنته وأهله في وقت متأخر زي ده!!

 

فسر باسم السبب:

 

يا بابا ما انا قولتلك إنه رجل أعمال ووقته مش ملكه، الناس دي وقتها بملايين

 

قلب والده كفيه تعجباً وقال:

 

وابو ملايين ده هيناسب الكحيانين اللي زينا ليه!

 

طقطق باسم شفتيه ضيقاً وقال:

 

يا بابا الله يكرمك ما تقفلهاش في وشي، أنا أصلاً مرعوب من مقابلة أبوها، وعايزك تديني شوية ثقة بنفسي

 

يا ابني اديك ثقة في نفسك ازاي وانا أصلاً مش واثق من نفسي، وشكل الراجل ده هيطردنا من ع الباب، وما هينوبنا إلا البهدلة

 

أشفقت والدة باسم عليه حين رأته قد قطب جبينه ضيقاً من كلمات والده، فقالت لزوجها:

 

يا حمدي ما تكسرش مقاديف الواد، هو ابني عيبه ايه! بسم الله ما شاء الله، شاب متعلم زي القمر ويشرح القلب. طب دي البصة في وشه تطول العمر

 

قهقه الوالد وأخذ يضرب كفاً بكف، ثم قال:

 

يعني أخذه واروح للراجل ابو العروسة ، ولما يسألني ابنك عنده شقة ، اقوله لا، بس البصة في وشه تطول العمر!!

 

يوووه يا حمدي، اهو انت كدة دايما، ما اخدش منك غير تريقة. على العموم مقبولة منك. أهم حاجة نروح نتقدم للبنت اللي ابني اختارها، أنا مش عايزة ابني قلبه يتكسر

 

قلب ايه وبتنجان ايه يا نادية! ابنك عايز البت عشان فلوسها، يعني عشان مصلحته، مش عشان قلبه. ولا ايه يا سي كازانوفا؟؟

 

يا بابا أنا ما انكرش إني عايزها عشان فلوسها. وده مش عيب، فيها ايه يعني لما ابني مستقبلي عن طريق صفقة مربحة زي دي!!

 

طيب انت بتعتبر جوازك من بنته صفقة وهتاخد من وراها ملايين، هو بقى هياخد من وراك ايه عشان يسلمك بنته بملايينها!!

 

يا بابا أنا شاب في مقتبل حياتي، وعندي طاقة تهد جبال اشتغل بيها في مشاريعه، أنا ممكن في ظرف كام سنة أبقى دراعه اليمين

 

تنهد الأب وقال:

 

احلم يا ابني احلم.. على العموم أنا عارف إنه مشوار على فاشوش وانك مرفوض من قبل ما تتقدم.. بس هروح معاكو عشان اريحك انت وامك. خلينا نروح لابوها وناخد بالصُرَم القديمة وكرامتنا تتبعزق... بكرة هجهز التاكس عشان نروح بيه في المعاد

 

اتسعت حدقتا باسم وقال:

 

تاكس ايه يا بابا اللي هنروح بيه! احنا كدة قيمتنا هتقل في عين ابوها

 

ههه انت بتستعر مني يا باسم!

 

ابداً يا بابا، أبداً والله، بس أنا عايز أقدم حضرتك بصفتك الأصلية، موظف حكومي، حضرتك مفتش تموين محترم، مش سواق تاكس

 

وهو يا ابني سواق التاكس مش محترم!! سواق التاكس راجل محترم وشقيان على عياله وعايز يأكلهم بالحلال

 

يا بابا عارف والله، عارف، بس الناس دي مش بتقيس الأمور ولا بتوزنها بنفس ميزانا.. الناس دي عندها الناس يا إما تحت يا إما فوق.. وأكيد يعني هيشوفوا إن سواق التاكس ما يليقش بنسبهم

 

تنهد الوالد وقال:

 

خلاص يا سيدي، هأجرلك عربية مخصوص عشان نروح بيها.. وهبقى اخلي السواق يستنانا عشان أكيد هننطرد ونرجع معاه من حيث أتينا ويا دار ما دخلك شر.. أنا هقوم انزل عشان وردية التاكس، وبكرة ربنا يدبرها

 

قام الوالد وغادر الغرفة، فزفر باسم بضيق وقال لوالدته:

 

شايفة بابا وكلامه يا ماما! دا الواحد لو عنده خمسة في المية أمل، كلامه هيمحيهم. أنا جالي احباط والله

 

ولا يهمك يا باسم. أنا بقى مستبشرة خير، وحاسة كدة إن المشوار ده هنرجع منه منصوريين. أنا قلبي عمره ما كدب عليا

 

ههه يا حبيبتي يا ماما ياااه دايماً كلامك بيريحني في عز الأزمة

 

ربنا ما يجيب أزمة ... يوووه فكرتني بالجزمة. دي جزمتي شكلها لا يسر عدو ولا حبيب.. هضحي واشتري جزمة جديدة عشان اشرفك قدام نسايبك

 

ههه يا حبيبتي يا ماما. ويا ريت بلاش الطقمين بتوع الشغل اللي اتهلكو من كتر لبسك فيهم، ابقي عدي على عبير بنت خالتي لطيفة، هاتي منها طقم شيك كدة، انتو نفس المقاس تقريبا، وياسلام بقى لو سلفتك غويشتين دهب وسلسلة من بتوعها، ما هي جوزها تاجر عربيات وفلوسه كتير ومغرقها دهب

 

يا ابني ربنا يباركلها في جوزها ويعيش ويجيبلها. وربنا يوسع عليك انت كمان.. انا هروح استلف طقم من عبير، بس الدهب لا، انا بصراحة اتكسف، وهي تقول عليا ايه! خالتي باصة لدهبي!! .. ربنا يزيدك يا عبير يا بنت اختي ويخليلك جوزك

 

خلاص يا ماما براحتك، المهم هاتي منها طقم خروج وخلاص

 

طيب يا باسم.. وابوك هبقى اخليه يلبس البدلة اللي بيلبسها في المناسبات، هبعتها للمكوجي يظبطها وهتبقى عال العال.. لكن انت بقى هتلبس ايه؟  ممم اقولك، استلف من المهندس طارق ابن خالتك لطيفة، ولا الدكتور هشام ابن خالتك سميحة

 

لا

 

ليه بس يا حبيبي! دول ولاد خالاتك  وزي اخواتك الكبار

 

دمهم تقيل على قلبي، كل واحد فيهم واخد في نفسه قلم، ومتهيأله انه حاجة ما حصلتش وكل ما يشوفوني يدوني مواعظ ويتكلموا على تجاربهم الإتمة في الحياة ههه أعوذ بالله الاتنين دمهم اسقع من بعض

 

والله انت ظالمهم، دول أخر أدب وأخلاق ويتحطوا ع الجرح يطيب

 

أه ما انا عارف ههه على العموم أنا هستلف من واحد صاحبي ابوه عنده محل كباب وكفتة ومش عارف يودي الهدوم فين

 

ربنا يباركله يا ابني ويوسع على عبيده

 

يا امي انتِ طول عمرك بتدعي لعبيده، ادعيلنا احنا شوية

 

يوه! طب ما احنا كلنا عبيده يا ابني.. وسعها علينا يا كريم

 

******************************************

اجتمعت عبير وزوجها على مائدة العشاء بعد أن أجبر الوالد بنتيه على مشاركتهما العشاء الفاخر، ظلت الفتاتان تلتصقان بجواليهما على المائدة دونما اهتمام بالعشاء، وبعد أن قصت عبير على زوجها ما كان من أهل عروس أخيها المهندس طارق، فأجابها وهو يلتهم الطعام بشراهة:

 

بصراحة امك تستاهل الضرب يا عبير، قربيلي طبق السلطة ده، حدفاه بعيد ليه!

 

اتفضل اهو، بقى كدة برضو يا أشرف! بقى أنا ماما تستاهل الضرب! ليه إن شاء الله!!

 

عشان امك انزوحة ولسانها متبري منها، احدفيلي رغيف تاني

 

اتفضل، الف هنا. بقى كدة برضو يا أشرف! بقى ده رأيك في ماما!

 

مش رأيي أنا لوحدي، ده رأيي أنا وامي، كانت الله يرحمها تقول، عبير كويسة وبنت حلال، لكن عليها أم يتفاتلها بلاد مخضرة، ما فيش مكرونة بشاميل تاني في الصينية؟

 

 

لا في خرطتين أهم، خد واحدة وانا واحدة، اتفضل.. بس أنا زعلانة منك ومن مامتك، طب دي ماما بتحبك قوي يا أشرف ودايماً توصيني عليك

 

أمك ما ابتدش تعاملني حلو وتضحك في وشي، إلا بعد ما سيبت وظيفة الحكومة وفتحت اجانس العربيات المستعملة والقرش جري في ايدي وبقيت ادخل عليها باكياس الفاكهة والحلويات، قبل كدة كانت بتقابلني بتكشيرة وتقلب وشها وناقص تطردني، أمك بتوزن الناس بالفلوس، ناوليني ورك فرخة ابلع بيه اللقمة

 

اتفضل يا حبيبي، صحتين على قلبك، ما كنتش اعرف إن رأيك في ماما وحش كدة

 

عمايل البني أدم هي اللي بتكون رأي الناس فيه، وفي الآخر هو ما بيتلامش على عمايله، بس الناس بتتلام على رأيها

 

انتبهت عبير لوجود بنتيها، بعد أن أخذها الحديث مع زوجها حول والدتها، فشهقت وقالت:

 

يا نهار ابيض! دا الكلام خدنا ونسيت إن البنات قاعدين وسمعونا وإحنا بنتكلم على ماما، أخاف ينقلوا الكلام، مش فاكر زمان وهما صغيرين لما انت قلتلي امك يا عبير كل مادة بتتخن وقربت تنفجر في وشنا، ساعتها المقاريص دول راحوا قالولها وزعلت مننا وقعدت يجي شهر  مخاصمانا

 

ما تخافيش، بناتك قاعدين زي أصنام قريش حوالين الكعبة، لا بيشوفوا ولا بيتكلموا ولا سامعين حاجة، وحتى لو سمعوا ما اعتقدش هيقولوا، كبروا يا عبير وعرفوا الصح من الغلط.. بت انتِ وهي، سمعتوا حاجة عن جدتكو ولا ناويين تنقلوا كلام وتوقعوا الدنيا في بعضيها زي زمان

رفعت الصغرى عينها عن الهاتف وقالت مزدرية الأمر:

 

احنا مش فاضيين للتفاهات دي

 

ههه ماشاء الله عاقلين وطالعين لابوكو، شوية شوربة في الجون يا عبير، قربي طاجن اللحمة

 

رفعت الكبرى مرام، عينها عن الهاتف تخبر أباها عن خبر استرعى اهتمامها:

بابا، عارف، في كائنات فضائية ظهرت في السما في أمريكا، يعني في غزو فضائي على الأرض يا بابا

 

يا مرحب بيهم يا حبيبتي، الكوكب عمران وخير ربنا كتير، اديني صباعين محشي بتنجان احبس بيهم يا عبير

 

اتفضل يا حبيبي، وانتو بقى كل حاجة تقروها على المخروب ده تصدقوها! والله دانتو مخكو اتغسل، ال غزو فضائي أل، العيال دماغهم اتلحست يا أشرف

 

سوء تغدية يا عبير، لو بياكلوا أكل بيتي كان زمان دماغهم نضفت،   كله بسبب الجانك فود

 

ايه الجانك فود ده كمان يا أشرف!

 

يقصدوا بيها الوجبات السريعة، جانك يعني ايه يا عيال؟

 

يعني خردة  أو كراكيب يا بابا

 

بسم الله ماشاء الله، الفلوس اللي بدفعهالكو في المدارس الخاصة حلال،  وفود يعني ايه؟

 

ضحكت الصغرى وقالت:

 

هو في حد ما يعرفش فود يعني ايه! يعني طعام طبعا ممم بس ايه اللي جاب الخردة للطعام يا بابا!!

 

يقصدوا الوجبات السريعة اللي بتاكلوها، بيشبهوها بالخردة عشان يقولك انه اكل مالوش لزمة ويجيب العيا .. مش هتاكلوا  من أكل امكو الحلو ده بقى عشان تفرحوا بابا بدل ما انتو بقيتوا جلد على عضم كدة والناس فاكرينا مجوعينكو؟

 

طبعاً هناكل

 

ثم التفتت لأختها تقول:

 

ميار، خدي صدر الفرخة ده على المطبخ وقطعيه حتت صغنونة صغنونة وحطيه في طاسة مع بصل حلقات وفلفل الوان وصوص باربيكيود وحطي جبنة موزاريلا وطلعيلنا فينو من الفريزر وهاتيهم عشان نتعشى

 

اتسعت حدقتا الصغيرة وقالت:

 

ايه ده كل ده! انا ما اعرفش اعمل كل الحاجات دي لوحدي، تعالي معايا ساعديني

 

ماشي خلاص، تعالي

 

قامتا عن المائدة وأسرعتا إلى الطبخ بصدر الدجاجة ليعدوها على مزاجهم الخاص، وسط ذهول الأب والأم التي كانت تضرب كفاً بكف وتقول:

 

شفت الخيبة يا أشرف! حتى أكل البيت بيحولوه للأكل الغريب بتاعهم

 

ما انتِ اللي جايباهم الباربكيود والمايونيز والحاجات العجيبة اللي مالية التلاجة

 

هو انا اعرف اجيب الحاجات دي ولا انطق اسمها! هما اللي بيروحوا الهايبرات ويجيبوها زي القرود

 

خلاص سيبك منهم، اللي بياكل على ضرسه بينفع نفسه، حصليني بطبق البطاطس المحمرة وكوباية الشاي

 

حاضر يا حبيبي، بس ما قولتليش رأيك ايه في موضوع طارق، احنا بصراحة مش موافقين بعد اللي اتعمل في ماما، وعايزين نحط ايدينا في ايد بعض ونقف في وشه وقفة راجل واحد

 

هههه ايه يا عبير! هو احنا هنحارب! ما تدخليش في الموضوع ده وتعومي على عوم امك واخواتك البنات، اخوكِ طارق مش صغير، ده راجل مهندس ودماغه توزن بلد وعارف مصلحته، وزي ما الواحد بيحب ياكل لقمة بنفس، بيحب برضو جوازته تكون بنفس، دي خلاصة الكلام وما ترغيش تاني في الحكاية دي عشان ما بحبش الرغي... فين طبق البطاطس المحمرة والشاي يا عبير

 

حالاً يا حبيبي حالاً

 

**********************************

عند خروجها من العمل، سمعت السيدة نادية والدة باسم صوت صباح الشحاذة تستعطف المارة كعادتها كل يوم:

 

كريم يارب، كريم يارب.. حاجة لله يا هانم، لله يا بيه

 

ولكن هذه المرة وجدتها بذراع مكسور ومعلق بالأربطة في رقبتها، فشهقت السيدة نادية وقالت لها:

 

ايه ده يا صباح! مال دراعك؟

 

أخذت تبكي وتشكو حالها:

 

مقدر ومكتوب يا ست نادية. امبارح يختي نازلة من الاتوبيس، اتشنكلت ووقعت على دراعي، وولاد الحلال شالوني وودوني المستشفى ودفعولي فلوس الجبس اهئ اهئئئ آه يا دراعي يا امّا

 

لا حول ولا قوة إلا بالله! سلامتك يا صباح، مش تخلي بالك وانتِ نازلة من الاتوبيس!

 

ساعة القضا يعمى البصر يختي اهئ اهئئئ آآآه يا دراعي

 

 

طب وليه نزلتِ النهاردة بس! كنتِ ريحي في البيت

 

اريح ايه بس يا ست نادية! هي الدنيا فيها راحة! وعيالي ياكلوا منين! دانا لو قعدت يوم في البيت أنا ولا ابوهم، العيال تجوع، احنا رزقنا يوم بيوم

نظرت صباح بمسكنة إلى السيدة نادية وقالت تستعطفها:

 

مش هتجودي عليا بحاجة عشان مصاريف العلاج يا ست نادية؟

 

اه حاضر يا صباح.. اتفضلي خمسة جنيه اهيه

 

صاحت بها الشحاذة

 

خمسة جنيه ايه! يا ست نادية اتقي ربنا وخلي عندك احساس، اعمل بيها ايه الخمسة جنيه! شايفاني مكسرة ومدغدغة وعمالة احكيلك مأساة حياتي، وانتِ برضو ما بيهونش عليكِ اللي الخمسة جنيه العجفانة اللي بتديهالي كل ما تشوفي خلقتي!

 

ههه جرا ايه يا صباح! بتكلميني زي ما تكوني مديناني كدة ليه! على العموم جنيه زيادة اهو، وما تطمعيش في اكتر من كدة

 

هاتي يختي، بالسلامة.. اعوذ بالله ولية فقرية وايدها ناشفة... كريم ياااارب

 

****************************************

 

في منزل والد عروس باسم ربيبة الثراء، استيقظت العروس عند الظهيرة، وحين خرجت من غرفتها، شعرت بحركة في مرسم والدتها الرسامة الشهيرة، فاستأذنت في الدخول:

 

مامي

 

جاءها صوت والدتها والتي كانت تكمل إحدى اللوحات بريشتها:

 

اذخلي يا منة

 

دخلت وتبسمت حين رأت والدتها منهمكة في إبداعها لمنظر طبيعي للشروق، أثنت الفتاة على والدتها:

 

الله يا مامي، أخيراً فضيتِ للوحة وكملتيها!

 

هه فاضل اللمسات الأخيرة حبيبتي.. وهتبقى فرصة جميلة عشان أعلقها في الصالون بدل اللوحة القديمة عشان تكون في استقبال عريسك وأهله هه بس اتمنى يكونوا بيقدروا الفن ويتذوقوه

 

أكيد يا مامي، حتى لو مش مهتمين بالفن، قدام إبداعك لازم يهتموا

 

ههه يا بكاشة

 

لا يا مامي حقيقي، حضرتك فنانة حقيقية، وإلا ما كانتش لوحاتك تتعرض في معارض باريس وروما

 

التفتت إليها والدتها باسمة وقالت:

 

الحمدلله.. لكن ما قولتليش هتلبسي ايه الليلة دي؟

 

ممم مش عارفة، تختار سوا

 

اوكيه.. على العموم أنا قولت للشغالة ما تمشيش النهاردة وتبات معانا عشان العريس وأهله هيجوا في وقت متأخر

 

زفرت الفتاة وقالت:

 

ما هو بابي اللي حدد المعاد الغريب ده

 

معلش حبيبتي. انتِ عارفة إن بابي وقته مش ملكه. كل رجال الأعمال كدة

 

ايوة يا مامي بس أنا محتاجاله، شوفي حضرتك رغم انشغالك بلوحاتك ورسوماتك والمعارض والنقاد. لكن برضو بتفرغي نفسك ليا، ومقسمة وقتك بيني وبين شغلك. ودايما تقولي انتِ عندي أهم من الدنيا كلها يا منة

 

تبسمت الوالدة وداعبت خصيلات شعر ابنتها وقالت:

 

صدقيني يا منة، بابي كمان بيحبك وبيعتبرك أهم عنده من الدنيا كلها. بس  ظروفه أقوى منه.. وبعدين يا بنت هو مش أحيانا يوصلك بعربيته لحد الجامعة! هه

 

ايوة يا مامي بس ده مش كفاية.. أنا لما اتجوز باسم هخلي حياتنا مختلفة، سفر وفسح ورحلات، عايزة ألف العالم معاه، محتاجة اهتمامه قوي

 

ضحكت الوالدة وقالت تداعبها:

 

دانتِ عديتِ مرحلة الخطوبة واتجوزتوا وسافرتوا عشان تلفوا العالم بقى ههه مش لما بابي يوافق الأول يا بنت على خطوبتكو!!

 

مم هو ممكن ما يوافقش؟

 

أكيد ممكن.. لو ما اقتنعش بالعريس وأهله

عبست الفتاة وأطرقت رأسها، فأمسكت والدتها ذقنها ورفعت رأسها وقالت:

 

المثل الإنجليزي بيقول 

 

 

Don’t cross the bridge, until you come to it

 

يعني يا روح مامي، ما تسبقيش الأحداث

 

غضنت الوالدة حاجبيها وأردفت بسؤال لابنتها:

 

هو انتِ في بينك وبين باسم ده حاجة! بمعنى في مشاعر أو..

 

لالا يا مامي، الحكاية مش كدة خالص.. كل ما في الموضوع اني مش عايزة اتجوز رجل أعمال زي بابي، عايزة انسان يشاركني الحياة بكل بهجتها، مش عايزة واحد كل وقته لشغله ومشاريعه واشوفه يا دوب في المناسبات

 

هه على العموم اتمنى يكون انسان جدير بيكِ.. وما تنسيش، حكمي عقلك قبل عواطفك., الزوجين شركاء عمر طويل، مش رفقاء رحلة قصيرة جمعتهم الصدفة

 

داعبت وجنة ابنتها وقالت لتتمة كلامها:

 

اوكيه يا روحي؟

 

تبسمت الفتاة وردت:

 

اوكيه مامي

 

************************************

أعدت والدة نعمة دجاجة على الغداء، ووضعتها فرحة على المائدة إلى جوار صحون الخضار والأرز ونظرت إلى تلك الدجاجة العزيزة الزيارة إلى المائدة وقالت تتغزل  في محاسنها:

 

بسم الله ماشاء الله، منورة السفرة يا غالية والله، ربنا ما يقطع رجلك من عندنا انتِ وأهلك واصحابك.. ربنا يخليه البيه اللي ادى لنعمة الخمستلاف جنيه تمن الحصة ويزيده من فضله

 

نادت على أبنائها:

 

يا نعمة، اصحي يا حبيبتي الغدا جاهز، اصحي كل ده نوم!! يا عاطف، يلا تعالى كل كوكو يا حبيبي، يا ندى، تعالي اتقوتي بلقمة تقويكِ ع الثانوية العامة يا بنتي، يلا يا ولاد، لو ما جيتوش هسبقكو، أنا عيني هتطلع ع الفرخة

 

اتى عاطف يهرول وعيناه على الدجاجة، وجلس يمد يده إليها، فضربته والدته على يده برفق:

 

استنى لما اخواتك يجوا عشان يشوفوا الفرخة كاملة وشكلها حلو كدة قبل ما تبهدلها

 

ناداهما عاطف بصوت جهور

 

ما تيلا بقى يا أبلة نعمة عشان ناكل الفرخة، يلا يا ندى بقى

 

خرجت نعمة من غرفتها تتثاءب، فما أن لمحت الدجاجة حتى لفتت نظر والدتها بلطف:

 

تسلم ايدك يا ماما، انتِ عملتِ فراخ برضو يا حبيبتي! طب ليه كدة يا ماما! امبارح أكلنا لحمة وأول امبارح سمك. كدة الفلوس اللي معانا هتخلص، احنا سددنا منها شوية من الديون، ولسة مش عارفين راسنا من رجلينا ولا هيجيلنا فلوس تاني امتى

 

يا حبيبتي غصب عني، اخواتك نفسهم في الفراخ

 

أكد عاطف على كلام والدته:

 

ايوة يا أبلة نعمة، الفراخ كانت وحشاني قوي

 

ضحكت وربتت على كتف أخيها بحنان وقالت:

 

بالهنا والشفا يا حبيبي

 

جلست نعمة إلى المائدة ونادت أختها:

 

يلا يا ندى يا حبيبتي، تعالي شاركبنا فرحتنا بالفرخة الأمورة دي ههه

 

أتت ندى بشعر أشعث ووجه شاحب، وعينان يحيطهما السواد من كثرة السهر، جلست تقول:

 

ازيكو يا جماعة، واحشيني والله من امبارح

 

ردت والدتها:

 

والله يا حبيبتي انتِ اكتر، ربنا يجعل تعبك بفايدة وتجيبي مجموع كبير

 

اه يا ماما ادعيلي بمجموع يدخلني طب الله يخليكِ

قادر كريم يا بنتي

 

تعجلها عاطف:

 

يلا يا ماما وزعي الفراخ بقى

 

ههه حاضر يا مسروع. عايز صدر ولا ورك

 

الاتنين

 

ههه واحنا ناكل ايه! خد ورك اهو

 

استطردت الوالدة وهي تفسخ الدجاجة:

 

على فكرة يا نعمة، أنا مش عايزاكِ تشيلي هم، حتى لو البيه بتاع المدرسة ده ما جابلكيش شغل، فالاسطى حودة موجود

 

يييي يا ماما!! الاسطى حودة تاني!! مش فضينا الكلام في الموضوع ده!

 

يا بنتي الراجل مش قاطع العشم. وبعدين اذا كان على مراته، فراحت عند أهلها من ساعة ما عرفت انه عايز يتجوزك، وشكلها كدة مش راجعة

 

بدا الحزن على وجه نعمة وقالت:

 

معقولة من ساعتها وهي سايبة البيت! دي حكاية فات عليها مدة طويلة. لا حول ولا قوة إلا بالله.. يعني سابت بيتها بسببي

 

يا حبيبتي لا بسببك ولا حاجة. دي قلة عقل حريم بعيد عنك. فيها ايه يعني لو كانت وافقت على جوازك من جوزها وعيشنا كلنا في تبات ونبات.. سيبك منها, الاسطى حودة باقي عليكِ ومش قاطع العشم زي ما قولتلك.. كل ما يشوفني راجعة من السوق، يجري عليا وياخد مني شنطة السوق ويديها للصبي بتاعه يطلعهالي لحد باب الشقة ويسألني عليكِ وعلى أحوالك، ويقولي يمكن النصيب يغلب وننول المراد يا خالتي ام نعمة

 

زفرت نعمة وقالت:

 

يا ماما ده راجل عديم الوفاء. الراجل اللي يفرط في مراته بعد عشرة سنين غالية، عشان واحدة تانية يبقى مالوش أمان

 

يووو يا نعمة! ما هي اللي سابت البيت يا بنتي، هو كان الراجل طردها!

 

ايوة يا ماما طردها من عشرته وذكريات سنين عمره، طردها لما ما حسسهاش بالأمان في أيامهم اللي جاية.. الجواز التاني يا ماما مش عيب ولا حرام، لكن الحرام بقى هو الغدر ونكران العشرة.. الراجل ده لو فيه خير كان جري ورا مراته وما سابهاش تخرج من البيت، وقالها حتى لو اتجوزت ألف واحدة مش هلاقي زيك يا عشرة عمري.. لكن للأسف، راميها في بيت أهلها وبيدور ع الجوازة التانية.. من فضلك يا ماما، ما تجبليش سيرة الراجل بياع العشرة ده تاني

 

طب وبعدين يا نعمة! هنعيش ازاي يا بنتي! انتِ واثقة إن الراجل بتاع المدرسة ده، هيصدق معاكِ ويجيبلك شغل؟

 

والله يا ماما هو وعدني. وقالي اكلمه في المعاد اللي حدده

 

أطرقت نعمة رأسها وشردت في عمر وقالت في نفسها:

 

الله أعلم فاكرني ولا نسيني ونسي وعده ليا

 

*********************************

كان عمر في ذات اللحظة، يتناول الغداء رفقة صديق في أحد المطاعم الفاخرة... انتهى من الطعام وصديقه، وطلب محاسبة النادل، فأعطاه الفاتورة

اتفضل يا عمر بيه

 

 فنظر في الفاتورة، فوجد المبلغ المطلوب خمسة آلاف جنيه، فتبسم وتذكر نعمة.. أخرج المبلغ وأعطاه  للنادل وزيادة، وقال بلطف:

 

اتفضل، والباقي علشانك.. بس يا ريت تلفلي باقي الأكل عشان هاخده معايا

 

تحت أمرك يا عمر بيه

 

قهقه صديقه من طلبه للنادل وقال:

 

ايه يا عمر الفضايح دي! أكل ايه اللي يلفهولك عشان تاخده معاك! انت افتقرت ولا ايه!!

 

ههه لا افتكرت

 

أسدل صديقه حاجبيه وقال مندهشاً:

 

افتكرت ايه؟

 

نعمة

 

ربنا يديمها عليك يا سيدي

 

هي ايه؟

 

النعمة

 

يارب يديمها.. بس أنا أقصد نعمة تانية.. بني أدمة زينا

 

ههههه هو في بني أدمة يبقى اسمها نعمة!

 

ايوة في

 

دي فين دي؟

 

في حارة الموعودين

 

في حارة الموعودين! يا نهارك أبيض! انت روحت حارة الموعودين قبل كدة؟

 

لا.. نعمة هي اللي جت من حارة الموعودين، و اقتحمت العالم بتاعنا

 

أنا مش فاهم حاجة

 

بعدين افهمك يا وليد.. المهم اني اكتشفت إن المبلغ البسيط اللي دفعته تمن غدوة السمك والجمبري ده، ممكن يسعد أسرة بحالها ويكفي طلباتهم لأيام طويلة

 

تعجب صديقه:

 

يا نهار ابيض! دول عايشين ازاي دول!!

 

عايشين.. عايشين بس حياة مختلفة عن حياتنا.. احنا مش حاسين بيهم.. لكن لازم نحس بيهم ونمدلهم ايدينا

 

جاء النادل بالغداء ملفوفاً بأناقة وقدمه لعمر:

 

اتفضل يا عمر بيه

 

شكراً

 

انصرف النادل، فسأله صديقه:

 

وايه علاقة الغدا اللي طلبت تاخد بقيته، بالكلام اللي انت قولته؟

 

باقي الغدا اللي كل مرة بنسيبه، عمال المطعم بيرموه في الزبالة أكيد.. أنا بقى فكرت إني أخده وهو ملفوف بشياكة كدة واديه لإنسان فقير

 

ههه وهنلاقي فين الإنسان الفقير ده بقى!!

 

في عمال شغالين في الفيلا اللي جنبينا، هعدي اديهولهم

 

نظر صديقه إليه بعمق وقال:

 

واضح ان نعمة دي غيرتك خالص

 

تبسم وتذكر نعمة وقال بإكبار:

 

فعلاً.. خلتني أنظر للحياة بمنظور مختلف.. تخيل إنسانة على فقرها وحاجتها، لكن عندها التفاني والعطاء عالي جدا.. بتشتغل عشان تصرف على والدتها واخواتها اليتامى.. واحدة غيرها كانت دورت على سعادتها وتنكرت لأهلها وقالت وأنا مالي.. لكن لا.. عطاءها فاض على كل اللي حواليها.... على العموم أنا وعدتها بوعد ولازم أوفي بيه إن شاء الله.. بس الموضوع متوقف على موافقة عمتي سهاد، هفاتحها لما اروحلها بعد بكرة زي كل اسبوع إن شاء الله

 

يا ابني انت كلامك كله غموض ليه النهاردة! وايه دخل عمتك سهاد!

 

قهقه وعمر وقام عن الطاولة استعداداً للمغادرة وقال:

 

وانت مالك انت!

 

*************************************

 

أثناء تناول العشاء، قالت أم هشام لزوجها:

 

أنا رايحة بكرة الصبح إن شاء الله عند اختي لطيفة يا صادق، هقضي معاها اليوم ويمكن ابات عندها

 

ومن امتى يا سميحة بتباتي عند واحدة من اخواتك!

 

الأمر حكم يا ابوهشام. مضطرة، والمضطر يركب الصعب

 

مضطرة يعني ايه يا سميحة؟

 

أصل انت مش فاهم الحكاية، الولية ام محمود وش السعد، فاتت عليا العصرية وشربت معايا الشاي، وكلمة تجر كلمة، عرفت انهم بكرة متفقين مع كودية زار، وهيعملوا زار لهناء، والدنيا هتتملي عفاريت بسم الله الرحمن الرحيم. وأنا يا اخويا بخاف، وهروح استخبى عند اختي. وربنا يخلصنا من جيران الهم دول، وقادر كريم ارجع الاقي العفاريت خفيتهم تحت الأرض عشان نرتاح منهم

 

ايه الكلام الفاضي ده! زار ايه وبتاع ايه!!  دي حتى الست ام هناء عاقلة ورزينة

 

أهي اتجننت بعيد عنك. متيهألها إن الزار هيجيب العدل للمنحوسة بنتها.. طب دي لو عملت خمسة وخمسين زار، النحس ما هيتفك ولا البت وش النحس هناء هتشوف الجواز بعينها.

 

يا ولية اتكلمي عن الناس كويس وبلاش تعيبي فيهم

 

هو انا عيبت في حد دلوقتي يا اخواتي! انت بتفتري عليا ليه يا صادق! يا راجل اتقي ربنا، حسبي الله ونعم الوكيل. هو انا لما اقول ع النحس نحس ابقى بغلط فيه!!

 

اتمني للناس الخير يا سميحة

 

أنا البت دي لا بتمنالها خير ولا شر.أنا كل اللي بتمناه انها تغور من الحارة هي وامها

 

 

انتِ كتر الكلام معاكْ خسارة.. انا هاخد طبق الفاكهة ورايح اقعد في البلكونة

 

ابقى سلملي على ام عوض

 

 

***********************************

في الموعد المحدد في الثانية عشر بعد منتصف الليل، وصل باسم ووالداه إلى منزل العروس ومعهم علبة من الحلوى، فتحت لهم الخادمة، فحياها باسم:

 

مساء الخير

 

مساء النور يا فندم

 

يا ترى أحمد بيه الزنداوي موجود؟

 

ايوة يا فندم، اتفضلوا، هبلغ البيه بوصولكم

دلف باسم ووالداه، وقد اتسعت أعينهم من فخامة المنزل والأثاث الأنيق، أخذت والداته تتلفت حولها تنظر إلى التحف والأنتيكات، وتنظر إلى الجدران المزخرفة تعلوها اللوحات الفنية، وتنظر عالياً إلى الثريات الضخمة ذات الأضواء المبهجة، وإلى الطنافس الوثيرة أسفل قدميها، ثم قالت بحسم لولدها:

 

يلا نمشي بكرامتنا يا باسم، قبل ما يطردونا

 

يطردونا ايه بس يا أمي! فاكراهم ناس همج زي اللي في الحارة!

 

مالهم بس يا ابني ناس الحارة! على الأقل مننا وعلينا، انما الناس دي بصراحة لا هما منا ولا احنا منهم

 

هه ما احنا جايين نناسبهم عشان نبقى منهم، اقعدي يا ماما الله يهديكِ، اتفضل اقعد يا بابا

 

تنهد والده وجلس قائلاً:

 

اديني قعدت يا سيدي, بس يكون في علمك  لو الراجل ابو العروسة هزئنا وقل قيمتنا، لاكون طردك انت وامك من الشقة واشردكو شهر في الشوارع

 

ضحك باسم وقالت والدته لوالده:

 

طب وانا مالي يا حمدي!

 

وانت مالك ازاي! مش انتِ اللي عايمة على عومه وجايبنا لناس أكابر عشان نتجرأ ونطلب بنتهم لابنك الكحيان اللي جايلهم بهدوم سلف!! يا ولية دانتِ شاحتة الطقم اللي لابساه من بنت اختك.. وجايين بكل بجاحة تناسبوا عيلة زي دي!!

 

لمح باسم والد العروس قادماً في مظهر أنيق، ويدخن الغوليون بتعاظم، فهمس لوالده:

 

بس يا بابا، أبو العروسة جاي اهو

 

انتفض باسم ووالده عن مقعديهما، واستبقا ليصافحا والد العروس، حياهما الرجل:

 

مساء الخير

 

صافحه والد باسم بانحناء:

 

أهلاً وسهلاً يا احمد بيه، حصلنا عظيم الشرف يا فندم. أنا حمدي عبد المولى، مفتش تموين

 

رد بتعال وابتسامة مقتضبة:

 

أهلا وسهلاً يا حمدي بيه، اتفضل اقعد

 

ههه الله يحفظ سعادتك

 

نظر والد العروس إلى باسم، ونفث أوار الغوليون في وجهه وقال:

 

انت بقى باسم!

 

صافحه باسم وهو يقول:

 

ايوة يا احمد بيه، اتشرفت بحضرتك

 

أشار له بالجلوس، ثم حيا والدة باسم بلطف:

 

شرفتينا يا هانم

 

انتشت المرأة من لقب التعظيم، فشمخت بأنفها وردت بالفرنسية:

 

ميرسي يا فندم

 

جلس والد العروس، فدخلت الخادمة ووضعت كؤوس العصير، فقال لها والد العروس:

 

بلغي منة والهانم مامتها إن الضيوف وصلوا

 

أمرك يا احمد بيه

 

بدأ والد العروس الثري، الحديث مع أسرة العريس الفقير:

 

 

في الحقيقية أنا متأسف على المعاد المتأخر ده، لكن أنا مضطر بحكم ظروف شغلي

 

رد الوالد باسماً:

 

مافيش داعي للأسف يا احمد بيه، احنا مقدرين مشاغلك يا فندم، ومتشكرين انك اتحتلنا الفرصة للقاء سعادتك

 

هه متشكر يا حمدي بيه .. قولتلي انك مفتش تموين؟

 

ايوة يا فندم

 

بس ليه اخترت التقيد بالوظيفة يا حمدي بيه؟، رغم ان مجال العمل الحر متسع

 

ايوة يا احمد بيه متسع، لكن لأصحاب المال، أي شغل حر محتاج راس مال

 

كان ممكن تبدأ بأي مشروع صغير وبعدين تطوره مع الوقت

 

هه اللي حصل بقى، اتقيدنا بالوظيفة وبالولاد وانهكتنا متطلبات الحياة

 

انت عندك أولاد غير باسم؟

 

ايوة، باسم الكبير، وعندي تلاتة غيره، بنتين وولد

 

أنا ما عنديش غير منة، وكل ثروتي هتكون لها وحدها

 

انتشى باسم وقال:

 

ربنا يخليهالك يا أحمد بيه، الحقيقة الأنسة منة جوهرة غالية ومحتاجة اللي يقدرها

 

قهقه والد العروس وقال ساخرا:

 

وانت بقى اللي هتقدرها!

 

ارتبك باسم وهم بالرد، فدخلت العروس وحيتهم برقة:

 

مساء الخير

 

وقف باسم ووالده، وحياها باسم بابتسامة عريضة:

 

مساء النور يا منة.. اقدملك بابا

 

أهلاً يا عمو

 

اهلاً بيكِ يا بنتي

 

ودي ماما يا منة

 

صافحت والدته التي تطلع إلى هيئتها وتتفرس في وجهها جميل القسمات باستحسان:

 

ازيك يا طنط

 

قامت والدته وقبلتها وقالت:

 

يا أهلاً يا حبيبتي. بسم الله ماشاء الله، قمر يا منة

 

هه ميرسي

 

لفتت منة الانتباه إلى لوحة والدتها البديعة على الجدار وقالت:

 

اللوحة دي أخر ابداعات مامي

 

التفت الجميع إلى اللوحة، فقالت والدة باسم:

 

ماشاء الله، لوحة جميلة يا منة.. هي ماما رسامة؟

 

هه ايوة يا طنط، مامي خريجة فنون جميلة، ولها لوحات كتيرة قوي وبتتعرض في معارض روما وباريس

 

روما وباريس!! الحق يا باسم، حماتك يا حبيبي رسامة عالمية

 

قال باسم لعروسه:

 

شيء مشرف يا منة، حقيقي أنا فخور بيكِ وبمامتك

 

ميرسي يا باسم

 

دخلت والدة العروس بثياب أنيقة وحجاب رقيق وحيتهم:

 

مساء الخير يا جماعة

 

وقف الجميع للتحية، بينما شهقت والدة باسم واتسعت حدقتاه وصاحت بوالدة العروس:

 

مين! صباح الشحاتة!!

 

اتضح أن والدة العروس الرسامة العالمية، هي صباح الشحاذة التي تجلس إلى جوار مقر عمل السيدة نادية والدة العريس، وتعطف عليها بحفنة جنيهات.. صاحت صباح الشحاذة  وسط ذهول الجميع

 

انا شحاتة يا موظفة يا جعانة يللي بتكملي عشاكِ نوم، سيبوني عليهاااا

 

سقط الجمع في بئر الذهول

 

 

**********************************

انتهت الحلقة

 

نلتقي يوم الخميس القادم إن شاء الله

 

لا تنسوا ذكر الله والصلاة على الحبيب عليه الصلاة والسلام

 

لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد