رواية( أنا وكيفن وضوء القمر) كاملة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه المرة سنتوجه جميعاً إلى مجتمع غير المجتمع
إلى أُناس
لم يعهدهم كثيرٌ منا من قبل
ستذهب بطلة روايتنا الجديدة وعائلتها إلى ميونخ
بألمانيا
هل ستتأثر بالمجتمع الألماني ؟
أم ستؤثر فيه هي بدينها الإسلامي وعفافها وحسن خلقها ؟
وأنا أقول على لسانكم لبطلة روايتي ,كوني سفيرة لدينك في بلاد الغرب
ولا تتشبهي بالغربيات
أقدم لكم روايتي أنا وكيفن وضوء القمر راجية من
الله أن يتقبلها دفاعا عن دينه
أرجو أن تنال الرواية استحسانكم إن شاء الله
ملحوظة
عزيزي القارىء
رواية
أنا وكيفن وضوء القمر
تاريخ
النشر الأول .ديسمبر 2013
*****************************************************
فتح الصغير كيفن نافذة غرفته في صباح تشريني بارد، نظر
بعمق إلى السماء التي تحجبها الغيوم كما
تحجب الأباطيل الحقائق. أمسك بالنافذة وأخذ يزيل بأصبعه الأبخرة الكثيفة التي علت
الزجاج، خفض بصره هنيهة، ثم انطلق بأفكاره الضبابية باحثاً عن إجابة جلية لدى أمه
التي ألفاها على مقعدها في البهو ترتشف فنجان من القهوة، فباغتها منادياً وهو يهرول
إليها:
ــــ
أمي
ــــ
ما خطبك يا كيفن ؟
ــــ
لماذا نحن نعبد ثلاثة آلهة ؟ ما معني الثالوث؟
أريد أن أفهم
اتسعت حدقتا الأم دهشة، ووضعت فنجان القهوة بعنف على
الطاولة، وانتفضت عن مقعدها وقبضت على كتفه تسأله بحدة:
ــــ
من أين أتيت بهذا السؤل؟ إنطق
أجاب الطفل بلسان فطرته وجلاً وقلبه يخفق خوفاً:
ــــ
أمي أنا دائم التفكير في إلهي الذي أعبد. أليس
من رفع السماء بلا عمد وأرسى الجبال وجعلها وتد إله واحدٌ أحد ؟
جاهدت الأم كي تكظم غيظها، وترسم بعض الهدأة على ملامحها،
ربتت على كتفه وقالت:
ــــ
ولدي، ولدي نحن نعبد الرب يسوع فهو ابن الله
فرك رأسه وسألها؟
ــــ
ولِمَ أماته وأقبره !! أهناك إله يموت!
اشتعلت حمرة الغضب في وجه والدته وأزاحته عن طريقها بعنف
وهي تتمتم:
ــــ أوف! أنت ولد متعب حقاً
وطفقت
تنادي على زوجها بتوتر
ــــ
ماكس، ماكس
جاءها
من غرفته مسرعاً يسألها:
ــــ
مابكِ زوجتي نيكولا الحبيبة ؟
ــــ
تعال لتعاقب هذا الولد الأحمق
ــــ
ماذا فعلت يا كيفن كي تغضب أمك لهذه
الدرجة يا ولدي ؟
أجهش
كيفن بالبكاء ورد ناشجاً:
ــــ
لم أفعل شيئا يا أبي. فقط كنت أسأل عن إلهي الذي أعبد ؟
ــــ
إلهك ! ولدي. إنهم ثلاثة، ثلاثة وليس واحد
ــــ
اقنعني يا أبي
صاحت الأم وقلبها يتأجج غضباً:
ــــ
أتسمع هذا الهراء يا ماكس؟ هذا الولد يجب أن يعاقب
همس الوالد في أذنها برفق:
ــــ
إهدأي نيكولا، فحدتك هذه ستخسرنا ولدنا للأبد . الأمر يحتاج إلى حكمة زوجتي
الحبيبة . سأصطحب كيفن إلى الكنيسة ونقابل الآب دانيال وأعرض عليه الأمر وسيقنع كيفن. فلا تقلقي
ــــ
أوف، خذه من أمامي وإلا سفكت دمه ومزقته بأسناني
تنهد الوالد وهز رأسه امتعاضاً من صنيع زوجته، واتجه
باسماً إلى ولده، وأمسك بيده وقال بلين:
ــــ
تعال يا كيفن، تعال يا ولدي الحبيب . لِمَ
هكذا تغضب أمك ! إذهب وارتدي ملابسك وسنذهب إلى الكنيسة لنأخذ البركات من الآب دانيال
ــــ
حسنا يا أبي، سأفعل بعد أن أنتهي من واجباتي المدرسية . أمهلني ساعة
ــــ
تفضل يا ولدي.
انطلق كيفن إلى غرفته بينما استدار ماكس إلى زوجته
نيكولا يعاتبها بأمر ولدهما
ــــ
نيكولا,ليس هكذا تتعاملين مع كيفن .ولدنا
ما زال طفلاً صغيراً وعلينا أن نجعله يحب دينه ولا ينفر منه
زفرت بضيق وقالت:
ــــ
أفقدني عقلي يا ماكس. من منا سأل هذه
الأسئلة الكفرية في صغره! اخبرني وحق يسوع
ــــ
حبيبتي! لكل منا عقله، وعقل ولدك شديد الذكاء ولا يتقبل أي أمر إلا بإقناع
ــــ
أي إقناع! الواجب عليه أن يؤمن بدينه ودين آبائه دون تفكير، هكذا تعلمنا من آبائنا
ــــ
حسناً، سنذهب إلى الكنيسة ونرى ماذا سيفعل معه الآب دانيال
************************************************************
دلف ماكس وولده كيفن إلى رواق الكنيسة، فاستأذن من ولده
لينفرد بالأب دانيال:
ــــ
إنتظرني هنا يا كيفن يا ولدي كي أدخل لمقابلة الآب دانيال
ــــ
وماذا أفعل حتى تأتيني يا أبي ؟
ــــ
رنم يا ولدي وتأمل تماثيل وصور آلهتك
المقدسة
ــــ
لا أجيد الترنيم. وطالما تحدثت إلى هذه
التماثيل ولم أسمع ردا . سأنتظرك هنا يا أبي
*******************************
وفي حضرة الأب دانيال الذي يختال على مقعد الباباوية
الفخم، انحنى ماكس وقبل يده يحييه:
ــــ
آبانا دانيال طاب مساؤك ,يدك أقبلها كي
تنالني البركة
ــــ
مرحبا ماكس كيف حالك وحال زوجتك وولدك كيفن ؟
ــــ
آآه كيفن ,ما جئت الآن إلا من أجله
رد الآب دانيال باهتمام بالغ:
ــــ
ما الأمر ؟
ــــ
هذا الولد يسأل كثيراً أسئلة لا إجابة لها عن الثالوث وعن ديننا
انتفض الآب دانيال عن مقعد الباباوية، والشرر يتطاير من
عينيه وقال محتداً:
ــــ
ماذا !! ومن أين يأتي بالأسئلة !. إحذر المسلمين
إحذرهم ، إنهم يتلاعبون برؤوس صغارنا
كي يصدوهم عن دين آبائهم
ــــ
لالالا ، كيفن لا يعرف مسلمين على الإطلاق . مدرسته مدرسة مسيحية وكل الطلبة
والطالبات من المسيحيين
ــــ
ها !! إذن من أين يأتي بهذه الأسئلة !! إحضره لي فلي معه شأن
ــــ
سمعا وطاعة يا آبانا
********************************
دلف كيفن إلى رواق الآب دانيال خلف والده وقد تسمر قرب
الباب
الخشبي الضخم، وألصق بصره بالأرض، ووقف الوالد إلى جوار
الأب دانيال، فتبسم الآب وقال لكيفن:
ــــ لماذا تقف بعيدا ! اقترب يا كيفن كي تقبل يدي لتحل
عليك البركة يا ولدي
لم يبرح كيفن موضعه، فقال له والده برفق:
ــــ اقترب يا كيفن اقترب قبل يد الآب دانيال
هز كيفن رأسه امتثالاً لأمر والده، واتجه إلى القس، وطبع
قبلة فاترة على يده، فضحك القس وقال:
ــــ هاها لم أشعر بقبلتك، فقد لامست أطراف شفتيك يدي دونما
اهتمام. أعدها مرة أخرى كي تحل عليك البركة وتتخلص من الشيطان الذي سكن رأسك
شيطان سكن رأسي !!
أمسك كيفن بيد القس وطبع قبلة ببعض الاهتمام، وقال؟
أهكذا ؟
هاها هكذا ... كيفن،
أنت ولد ذكي وجميل والآلهة تحبك
تحبني ! ومن أين عرفت أنها تحبني ؟
لإنها خلقتك
مسيحي مؤمن ولم تخلقك على أي دين آخر
ها!!!! أفهم من
ذلك أن الآلهة تكره المسلمين واليهود ؟
أجل أجل يا ولدي تكرههم فهم يكفرون بها
ولِمَ لا يكونون هم على صواب ونحن على خطأ . ؟
لا يوجد على الأرض من هم على صواب غير المسيحيين، أما
غيرهم فكفار من أهل الجحيم . أتريد أن تكون من أهل الجحيم أم تريد أن تكون في
الملكوت مع القديسين ؟
أحب أن أكون مع
الصالحين
إذن فكن معنا يا ولدي فنحن الصالحون
تمتم كيفن:
ممم أشك
ها! ماذا تقول ؟
قال كيفن والحيرة تطل من عينيه:
اقول أني لا أفهم
شيئا . أفهمني ما معنى الثالوث
يا ولدي، يا ولدي الثالوث يصعب على العقل البشري أن
يدركه . أنا شخصيا لا أدرك معنى الثالوث .
إنه فوق قدرة العقل البشري ولن نفهمه أبدا
وكيف أؤمن بدين
لا أفهمه !! أليس من حق كل منا أن يفهم
دينه فهما صحيحا ؟
تبدت علامات الغضب على وجه القس، وبدأ بنبرة الزجر
والوعيد:
يا كيفن لا تعرض نفسك لغضب الآلهة . إن نطقت بكلمات
الكفر هذه مرة أخرى فستخرسك الآلهة للأبد
ارتعدت فرائص الصغير وأمسك بحنجرته قائلاً بارتعاب:
ها ! تخرسني
الآلهة ! ولا أستطيع أن أتكلم للأبد ؟
أجل أجل يا ولدي أصمت ، أصمت يا كيفن أصمت وكف عن هذه الأسئلة الكفرية...
والآن اسجد لتمثال الرب يسوع أسجد
آآآ أشعر أنني أرتعد ولا أستطيع ، لا أستطيع
أسجد، أسجد وإلا أصابتك اللعنات والخرس والصمم ستعيش أخرس وأبكم حتى الموت، أسجد
خر الصغير ساجداً,باكياً وجسده النحيل يرتعد، فضحك القس
وقال:
هاها إرفع رأسك وأشر إلى رأسك وصدرك بعلامة الثالوث
رفع كيفن رأسه عن السجود، وأشار إلى صدره بعلامة الثالوث
ودموعه تغرق وجنتيه، فربت الآب دانيال على كتفه وقال برضا:
هكذا يكون المرء الصالح يا كيفن . قم واتركني مع والدك
قليلا
نهض كيفن وفر مسرعاً من الرواق، فضحك والده وقال:
هاها الولد جرى وكأنه أفلت من السجن يا آبانا
قال القس بحزم للوالد:
هذا الولد لا يترك وحده . لا تتركه يبتعد عن عينيك وعيني
أمه المسيحية الصالحة نيكولا، فهي شديدة الولاء للكنيسة كآبائها وليست كسائر
الألمان ، وأنت ايضا مسيحي مؤمن يا ماكس
اشكرك يا آبانا، فأنت قدوتنا
عاد القس يتحدث عن الغلام وقد تفتق ذهنه عن السبل المثلى
لصده عن التفكر:
هذا الولد كيفن
شديد الذكاء وكثير التأمل، لذا فعلاجه الوحيد ان تغمساه دائما في العمل .
عمل، عمل، عمل حتى يثقل كاهله ولا يستطيع
التفكير إلا في عمله وإنجازاته ونجاحاته . يجب أن تخيفاه من الإسلام والمسلمين وأن تصوراهما في ذهنه
وكأنهم ذئاب سفاكي دماء حتى لا يأتي يومٌ
ويقول لقد أسلمت
رد الوالد هلعاً:
نستعيذ من ذلك بالرب يسوع، لا، ولدي لن يكفر بدين آبائه أبداً،
سأذهب الى مدرسته وأجعل معلمته تعطيه واجبات كثيرة ، أكثر من أقرانه، حتى ينشغل ذهنه ، وفي عطلاته سأصطحبه الى العمل
وعندما يكبر سأجعله يدير مكتبا من مكاتبي بالكامل وسنخيفه من الإسلام والمسلمين كي لا يفكر في الإسلام أبدا بل وينهمك في
التفكير في عمله ولا يقوى على التفكير في شيءٍ آخر
هاها أنت الآن
فهمتني وأدركت كيف تسيطر على ولدك كي لا يفلت منا
**********************************************************
عاد ماكس إلى المنزل وبيده ولده كيفن، والذي أمره أن
يدخل إلى غرفته، ثم ذهب إلى زوجته والتي كانت تنتظر عودته في غرفتهما الخاصة وقد
جافاها الصبر، فهرعت إليه تسأل متلهفة:
ماذا فعلت مع كيفن
في الكنيسة ؟
هاها إطمئني واهدأي زوجتي الحبيبة
ردت بتضجر:أخبرني يا ماكس ماذا فعلت
هناك خطة وضعها الآب دانيال لنصرف كيفن عن التفكير في أي شيء من هذه
الخزعبلات التي دارت برأسه
خطة !!!!!! اعطني إياها لأنفذها بدقة
اولاً يجب أن نخيفه من
الإسلام والمسلمين ودائما نتحدث عنهم
بالسوء كي ينفر منهم ومن طباعهم
هاها الأمر سهل جداً، وماذا عن باقي الخطة ؟
أن نغمسه في العمل ونرهقه كي لا يستطيع أن يفكر في شيء
آخر غير عمله
وهذا أيسر . والآن دعني ادخل لولدي وأحكي له حكاية قبل
النوم هاها
تفضلي ، ولن أوصيكِ بتنفيذ الخطة من الليلة
سمعاً وطاعة زوجي الحبيب ماكس
**********************************************************
فتحت نيكولا باب غرفة ولدها كيفن برفق، فألفته مستلقياً
على فراشه وعيناه ملتصقتان بالسقف، دلفت باسمة ونادته بلطف:
كيفن ! أمازلت مستيقظا يا ولدي ؟
انتبه الصغير لدخول أمه ورد بفتور:
أجل يا أمي
أقتربت وجلست قبالته على الفراش وربتت على يده بحنو
وقالت:
أطع الآب دانيال يا ولدي
رد كيفن ناشجاً، وقد أرسلت روحه الدموع من أعماقه:
سأطعه، فأنا لا أريد أن يصيبني الخرس والصمم
داعبت وجنته بلطف وقالت:
أبعد الله عنك الشرور وأهل الشرور من المسلمين حبيبي
مسح عن عينيه بعض الدمع بيده وسأل بانتباه:
المسلمون أهل شرور ؟
أجل يا ولدي فهم أناس متوحشون، همجيون، لا يعيشون إلا
وسط برك دماء الأبرياء التي يسفكونها .
همج ,همج يتسمون بسمات بربرية متوحشة
ياه! ألهذه الدرجة هم مخيفون !!
وأكثر يا ولدي وأكثر ، ألم أقص عليك قصة ابن صديقتي ؟
ابن صديقتك ! من صديقتك وما قصة ولدها ؟؟
بدأت الأم تنسج بإحكام خيوط قصة تفتق عنها خيالها للتو:
أأأأأأأأأ أه إنها صديقتي واسمها ,واسمها آه اسمها ماري
وولدها اسمه كيفن أيضاً مثل اسمك
ماري ! ولكن ليس من صديقاتك من اسمها ماري يا أمي
زفرت الأم وردت بتأفف:
ولدي. ألا تسمتع وأنت صامت ؟؟؟؟؟ صديقة لي لا تعرفها أنت
,وولدها إسمه كيفن، كيفن
حسنا حسنا يا أمي، إهدأي واحكي لي ما قصة صديقتك وولدها
كانت تسكن في البناية
المقابلة لبنايتهم إمرأة مسلمة متوحشة، وكانت كلما رأت كيفن جرت إليه لتأكله بأسنانها
ارتعد كيفن واتسعت حدقتاه رعباً وأمسك بيد أمه، وقال
والهلع يطل من عينيه:
ها! المسلمون يأكلون الأطفال يا أمي ! آنا خائف منهم، آنا
خائف
وحق لك أن تخاف
اكملي يا أمي ماذا حدث لكيفن أكملي اهئ اهئ هل أكلته
المسلمة المتوحشة ؟
نظرت أمه إليه بمكر وأكملت:
ممممم كانت أمه
تحميه يا ولدي من هذه المرأة، وكلما جرت المسلمة المتوحشة لتأكل كيفن أسرعت أمه
وضربتها وأخذت كيفن بين أحضانها وجرت بعيدا وأدخلته لغرفته لينام بين ذراعيها على أنغام أجراس الكنيسة الجميلة
أغمضت أمه عينيها باسمة وقالت بنبرة حالمة:
آآآه يا كيفن كم
هي جميلة اجراس الكنيسة
رد كيفن بتأفف ونشيج:
يا أمي، يا أمي دعك من أجراس الكنيسة وأكملي حكاية كيفن
مع المرأة المسلمة المتوحشة، هل تمكنت من كيفن ؟
تنهدت أمه ناظرة إليه نظرة تبكيت، مسقطة طباع الطفل
الآخر عليه لينتبه لمساوئه:
كيفن كان ولدا عنيدا ولا يستمع إلى كلام أمه التي تحبه
وتخاف عليه، وكان لا يصدق أن هذه المرأة المسلمة المتوحشة تريد أن تأكله على العشاء،
وكان يظن أنها تجري إليه لتضمه ضمة حنان، لذا فكان لا يصدق أمه...ممم وذات
ليلة بعد أن نامت أمه رفع ذراعيها عن جسده و تسلل من تحت الغطاء، وخرج من الغرفة
وفتح النافذة فأشارت له المرأة المسلمة
متبسمة أن أنزل يا كيفن
اتسعت حدقتا كيفن وقال هلعاً:
ها! وهل نزل كيفن يا أمي ؟
تصنعت أمه البكاء، وقالت بنشيج كاذب:
نزل يا ولدي وأكلته المرأة المسلمة المتوحشة اهئ اهئ اهئ
فزع كيفن وارتمى في أحضان أمه، وقال بنبرة مرتعدة:
أكلته !!.. احتضنيني يا أمي احتضنيني أنا خائف ، أخاف أن
تأكلني المرأة المسلمة
ضمته أمه وحانت فرصتها أن تملي شروطها إن طمع في النجاة
من المرأة المسلمة:
هاها لا تخف يا ولدي طالما أنت بين ذراعي أمك وعلى دين
آبائك، وتستمع إلى وعظ البابا في الكنيسة، طالما أنت مسيحي مؤمن لن تنالك الهلكة تحت
أسنان المرأة المسلمة هاها، والآن تصبح على خير حبيبي، خذ هذه القبلة على وجنتك
ولكن كيفن المسكين قد تملكه الخوف، فتشبث بأمه وقال
ودموعه تنهمر:
لا، أمي، إبقي معي يا أمي، إبقي معي أنا خائف لا تطفئي الأنوار.
أشعر أن المسلمة المتوحشة ستنقض عليّ في
الظلام
هاها لا تخش يا ولدي أنا بجانبك، ابتعدي أيتها المرأة
المسلمة المتوحشة عن ولدي كيفن هاها
********************************************************************
وها قد مر عشرون عاماً، أصبح كيفن شاباً يافعاً، وها هو
على موعد مع أقداره..الليلة هي خطبته على حبيبته أنجيليكا، وجميع المدعوين يستعدون
للحفل البهيج
******************************************************
خرج كيفن من غرفته متأنقاً ببذلة العرس السوداء، وأريجه
قد عم الأرجاء.. فهرعت أمه إليه بفستانها الأنيق تهنئه، متسلقة بعينيها قامته
الطويلة، مداعبة وجنته:
كيفن ولدي الحبيب، كم مرت السنوات في سرعة البرق وها هو
يوم خطبتك هاها كم أنت جميل في هذا اليوم
رد ممازحاً أمه:
هاها في هذا اليوم فقط يا أمي !!
هاها أنت تشبهني
كثيرا حبيبي ، فقط ينقصك إيماناً مثل إيماني
أمي ، أنا مسيحي مؤمن جداً
تنهدت الأم وقالت بامتعاض:
مؤمن جداً !!.. أخبرني متى كانت أخر مرة زرت فيها
الكنيسة واستمعت إلى الوعظ ؟
هاها أمي ، اليوم يوم خطبتي على أنجيليكا وليس قداسا لأستمع
لوعظك. سأسبقك لأحضر أنجيليكا واصطحبها لقاعة الحفل. الى اللقاء يا أمي
أسرع كيفن بالخروج من المنزل وأغلق الباب خلفه، فأخذت
أمه تحدث نفسها بضجر:
مممممم إذهب إلى من هي اسوأ منك خلقا.. . لا أدري ما الذي حدث لشباب الألمان! أصبحوا يجيدون العشق والهوى ولا يفقهون شيئا في كتابهم
المقدس
خرج زوجها من غرفته بكامل هيئته استعداداً لحفل العُرس، فألفاها
على حالها، فناداها متعجباً:
نيكولا حبيبتي ، أتتحدثين إلى نفسك ! هاها أصابك الجنون!
لوت شفتها متبرمة لتخبره عن السبب:
ولدك، ولدك يا ماكس هو من سيقودني إلى الجنون
لم يشأ الوالد أن يسمع ما يكدر صفوه في مثل تلك الليلة، فتعجلها:
هاها اذن هيا يا حبيبتي لأصطحبك إلى هناك
هناك ! إلى أين يا ماكس ؟
هاها إلى قاعة الحفل لنحتفل بخطبة ولدنا كيفن على أنجيليكا
أيتها الماكرة
زفرت الأم من أعماقها وقالت بنفور:
أوف أنجيليكا,لا احبها، لا احبها
إبتسم الوالد وقال:
ولدك يحبها زوجتي الحبيبة. هيا يا نيكولا، هيا. فليس من المعقول أن نصل متأخرين إلى الحفل
حسنا، حسنا يا ماكس اسبقني إلى السيارة
**************************************************************
كانت العروس الجميلة أنجيليكا، في حديقة منزلها تنتظر
خاطبها كيفن بثوبها الأنيق وإلى جوارها أختها الصغرى فرانزيسكا، التي لمحت سيارة
كيفن، فقفزت متهللة:
أنجيليكا قد وصلت سيارة كيفن .
ردت أنجيليكا والغرور يتملكها:
لم يتأخر، أتى قبل موعده.. هو لا يقدر على فراقي أختي الحبيبة فرانزيسكا
هاها هو محق اختي الحبيبة أنجيليكا، فمن أين يأتي بامرأة في جمالك الآخاذ!
أشكرك فرانزيسكا
اندفع كيفن صوبها مفتوناً يحمل باقة زهر بديع الألوان، قدمها
إليها وانحنى يقبل يدها، عازفاً لحن غزل شجي:
حبيبتي أنجيليكا! ما كل هذا السحر والجمال أنجيليكا
وأنت أيضا أنيق وجميل
كيفن حبيبي.. . لا أصدق أن اليوم خطبتنا
صدقي حبيبتي . ها هي سيارتي وقد زينتها بالزهور لتحمل أجمل عروس لقاعة الحفل، هيا حبيبتي
ضحكت أختها فرانزيسكا ومازحت كيفن الذي لم يعرها
اهتماماً:
كيفن!! أنا هنا ايضاً
هاها عذرا فرانزيسكا.. فعيناي لا ترمقا إلا محبوبتي . طاب مساؤك فرانزييسكا
ومساؤك أيضا كيفن. أهنئك على خطبتك على أختي الجميلة أنجيليكا
اشكرك فرانزيسكا
تركتهما فرانزيسكا متجهة إلى سيارتها قائلة:
. سألحق بكما بسيارتي الخاصة
ـــــ حسنا .. هيا يا أنجيليكا
ــــــ هيا كيفن حبيبي هاها كم أنا سعيدة ,سعيدة
ــــ بل أنا من هو أسعد منكِ حبيبتي أنجيليكا هاها. لحظة أفتح لكِ باب السيارة
اشكرك كيفن حبيبي، كم أنت رقيق
*******************************************
في السيارة ألحت عليه عروسه أنجيلكا بأمر قد أهمها:
ارني خاتم الخطبة يا كيفن
هاها لا، إنه مفاجأة ، لن ترينه إلا أمام
المدعوين
لأجلي أنا يا
كيفن. أرني الخاتم
هاها قلت لكِ لن ترينه إلا في قاعة الحفل
كم انت يابس الرأس ولا تفعل الا ما يحلو لك هاها
هاها وهل في الدنيا ما هو أجمل من أن أفعل ما يحلو لي !!!. أحبك أنجيليكا
أحبك كيفن، أحبك
*******************************
توقف كيفن بسيارته أمام قاعة الحفل، وقال لعروسه باسماً:
ها قد وصلنا لقاعة الحفل. هيا انزلي حبيبتي
قل لي ما رأيك . أنا جميلة جداً، أليس كذلك حبيبي ؟
هاها حبيبتي قلتها لكِ طوال الطريق انتِ جميلة، جميلة أنجيليكا
سأنال إعجاب المدعوين. أليس كذلك ؟
ستبهرين كل الرجال حبيبتي فاطمأني
هاها أنت عندي
كل الرجال حبيبي كيفن
*******************************
دلف العروسان إلى قاعة الحفل، على أنغام الموسيقى
الحالمة,وقد ضجت بتصفيق الحضور.. وقالت والدة العروس لوالدها متهللة:
هاها إبنتي الحبيبة وصلت وعريسها الى القاعة . جميلة يا ديفيد
جميلة ابنتنا . تشبهني كثيراً
هاها بل أنتِ الأجمل إيفيلين الحبيبة
عزفت الفرقة الموسيقية لحناً خاصاً للعروسين، فأخذ كيفن
يدها وقال بهيام:
هاتي يدك حبيبتي واغمضي عينيكِ وارقصي كما ترقص الفراشة
في خفة بين الأزهار
ها هي يدي حبيبي وها هما عيناي قد اغمضتهما لأهيم معك في
عالم خيالي وكأننا فوق السحاب
استبد الغيظ بإحدى النساء فقالت لزوجها:
انظر روبيرت الى كيفن وأنجيليكا . يرقصان وكأنهما في عالم آخر، ممم ما اسعدهما من عروسين
هاها أراهما فيولا ... كم هي جميلة انجيليكا
وقالت امرأة أخرى بعد أن لحظت نظرات الإعجاب المنطلقة
كالسهام من عيني زوجها إلى العروس أنجيليكا:
اندريز، اندريز
اراكِ تنظر الى أنجيليكا في هيام
هاها جميلة جدا أنجيليكا . كم هو محظوظ كيفن
بل المحظوظة هي أنجيليكا . كيفن وسيم وأنيق جداً . أما أنجيليكا فكنت أجمل منها يوم خطبتنا، أليس كذلك أندريز ؟
كذلك، كذلك جدا هاها هيا لنحيي العروسين ودعكِ من غيرة
النساء حبيبتي بيرجيت
هيا يا أندريز ، أنا لا أدري
عن أي غيرة تتحدث . فالجميع يحسدونك أنك زوج
الفاتنة بيرجيت
أدار الزوج وجهه متمتماً:
ليتهم يأخذونك للأبد
ويريحوني ويريحون انفسهم من الحسد
تلقى كيفن وعروسه التهاني والتبريكات، وقاما بتقطيع كعكة
الخطبة وسط ابتهاج الحضور، وتقاسما الطعام والخمر.. كان كل شيء على ما يرام حتى
دلفت إلى قاعة الحفل الحسناء كريستينا، السكرتيرة الخاصة بالسيد كيفن، والتي زفرت
عروسه أنجليكا بضجر حين رأتها، فلحظت كريستينا ,فبدت ابتسامة ماكرة على محياهاا، وعزمت
على تكدير صفوها وإثارة غيظها..فهرعت صوب كيفن لتهنئه وتقبله نكاية في عروسه:
هاها مبارك سيد كيفن
كاتمت أنجيليكا الغيظ، بينما رحب كيفن بسكرتيرته باهتمام
بالغ:
ـكريستينا هاها، لِمَ تأخرتي على الحفل هكذا ؟
هاها وقفت ساعات أمام المرآة ... ما رأيك ؟؟
هاها رائعة كعادتك كريستينا
وأنت رقيق المشاعر كعادتك كيفن..ممم دعني اهنئ عروسك
الجميل.. ممم تهنئتي القلبية عزيزتي أنجيليكا
أوف، أشكرك كريستينا
أستأذن أنا وأدعكما لفرحة خطبتكما هاها... هل ستأتي غدا الى مكتبك
سيد كيفن ؟
ممم لا أعرف كريستينا . ربما لا . أشعر أنني سأستيقظ في قمة
الإرهاق ولن أتمكن من المجيء . إن كان هناك أمر هام فهاتفيني
حسنا سيد كيفن
طبعت كريستينا قبلة أخرى على وجنته وهي تنظر إلى
أنجيليكا بمكر، وانصرفت عنهما، فانفجرت أنجيليكا غيظاً: أوف، ما الذي أتى
بسكرتيرتك الخاصة الى حفل خطبتنا يا كيفن؟
هاها حبيبتي إهدأي . يبدو عليكِ الغضب والإنزعاج . لا أعرف
لماذا تكرهين كريستينا لهذا الحد !!
لأنها تحبك كيفن، تحبك
أنتِ مخطئة حبيبتي . كريستينا ليست أكثر من سكرتيرتي الخاصة وصديقة شخصية
بالنسبة لك . أما أنا فعلى يقين أنها تحبك ولذا فهي تكرهني جدا
ومن أين عرفتِ أنها تكرهك انجيليكا!!
ردت أنجيليكا بانفعال:
من نظراتها المتقدة بالنار كلما رأتني معك . اشعر أن
لهيب عينيها يكاد يحرقني
هاها بل هو لهيب الغيرة في قلبك حبيبتي
قالت بتجهم:
اطردها من مكتبك. اطردها يا كيفن
تنهد وأطرق رأسه قليلاً، ثم قال بهدوء:
حبيبتي انجيليكا.. يجب أن تعرفي أن كريستينا هي ذراعي الأيمن
ولا أستطيع الإستغناء عنها أبداً، فهي تعرف أدق تفاصيل عملي، وتحل محلي حين غيابي،
وتدير العمل بمهارة فائقة. فكيف لي أن أستغني
عنها ! أرجوكِ لا تتحدثي عن هذا الأمر مرة اخرى ودعينا لفرحة خطبتنا.. . ابتسمي، ابتسمي
فقد علا الغضب ملامحك وأدرك الجميع أن هناك امراً يزعجك
أوف متبسمة أنا ,ألا ترى! أوف
هاها أحبك في جميع حالاتك انجيليكا
أتاهما منظم الحفل باسماً، وقال لكيفن:
هيا أيها العريس لتلبس عروسك الجميل خاتم الخطبة وسط جموع
المدعوين فقد التفوا حولكما لحضور هذه اللحظة الجميلة المفعمة بالفرحة
أخرج كيفن خاتم الخطبة من جيبه والتفت لعروسه قائلاً
بلطف:
حبيبتي، اغمضي عينيكِ الجميلتين
تبسمت وأغمضت عينيها، فقال:
ها هو الخاتم فافتحي عينيكِ وانظري اليه قبل ان ألبسك إياه
فتحت عينيها فأذهلها بريق الخاتم الماسي، فشهقت ذهولاً
يمازجه السعادة:
أوه! جميل، جميل جداً يا كيفن، أذهلني، حقاً أذهلني
شقت كريستين سكرتيرة كيفن الجموع، واتجهت إلى العروس
أنجيليكا، وسألتها بمكر؟
هاها اعجبك الخاتم
عزيزتي انجيليكا؟
أوف بالطبع أعجبني كريستينا، أعجبني جداً، فهو هدية خاطبي
الحبيب كيفن
ضحكت ساخرة وقالت: حقاً!!..ثم أسدت نظرة ماكرة إلى كيفن
وقالت بميوعة:
هاها سيد كيفن !
ابتلع ريقه بتوتر وشعر أن كريستينا تدبر أمراً، فرد
بحدة:
ما خطبك كريستينا ؟
عادت تنظر إلى أنجيليكا بمكر ووجهت حديثها إلى كيفن:
هل أخبرت عروسك الجميل أنني من اخترت لها خاتم الخطبة
على ذوقي الخاص حينما كنت مشغولا باجتماع وأرسلتني في شرائه؟؟ ههههه
اتسعت حدقتا كيفن ونضح العرق من جبهته وتمتم:
ها!! سامحك الرب يا كريستينا
وقفت أنجيليكا وعلا صوته كهزيم الرعد:
ما الذي قالته هذه الكريستينا يا كيفن! اهي حقا من
اختارت هذا الخاتم!
مسح كيفن وجهه بضيق، وحدج كريستينا بنظرة وعيد ملتهبة، ثم
رد وهو يفك رابطة العنق عن رقبته لشعوره باختناق:
مممم أجل هي من اختارته حبيبتي ههه اشعر برباط العنق يخنقني
استشاطت أنجيليكا غضباً: أهكذا! كريستينا من اختارت
الخاتم !
ألقت العروس خاتم الخطبة على الأرض، وغادرت القاعة مسرعة،
فالتقطه كيفن وركض خلفها يناديها، بينما نادته كريستينا بصوت يمازجه الضحك:
ما الذي اغضب العروس سيد كيفن!!
كان المدعويين يتابعون ما يحدث، وقد غشاهم الضحك، وكأنهم
يشاهدون مسرحية هزلية
لحق كيفن بأنجيليكا فأمسك بذراعها، وهتف برجاء
العاشق: أنجيليكا
ابتعد عني كيفن
حاول كيفن أن يبرر لها الأمر:حبيبتي اهدأي، فالأمر أيسر
مما تظنين . كان عندي أعمالاً كثيرة جدا لا أستطيع تأجيلها ولو انتظرت حتى أنتهي
من أعمالي وأذهب لأشتري الخاتم لوجدت كل محال المجوهرات مغلقة.. فلم أجد غير كريستينا حتى تنقذ الأمر فاعذريني
قالت أنجيليكا والغيظ يفري كبدها:
انها تغيظني. تغيظني لانها من اختارت خاتم خطبتي ولست أنا
اهدأي.. تباً لهذا الخاتم اللعين، سأبيعه واصطحبك بنفسي
لتشتري غيره . فقط دعينا نرجع الى قاعة الحفل ويكفي ما حدث من فضائح
شرطاً.. لن ألبس الخاتم
لا تلبسيه حبيبتي فقط دعينا ننقذ الموقف . فقد أصبحت في
موقف صعب جداً أمام أهلي وأصدقائي . أيرضيكِ أن تضعي حبيبك في هذا المأزق!!
هاها لا يرضيني لأنني
أحبك ايضا يا كيفن . هيا نعود الى القاعة
تنفس كيفن الصعداء وما أن هم أن يصطحبها إلى القاعة حتى
أبعدت ذراعها وقالت:
مممم فقط لدي
شرطاً آخر
رد كيفن بتأفف:
ممم اشترطي أنجيليكا فأنت في موقف القوة الآن وتستغليه أسوأ
استغلال
شرطي الآخر أن تطرد هذه الكريستينا من القاعة
ماذا !! اتعتقدين اني بهذه الفجاجة وقلة الذوق مع النساء!!
اترك الأمر لي . فأنا من سأطردها
حاول كيفن أن يثنيها عن الأمر تلطفا:
أنجيليكا.. وان قلت لكِ أن هذا الأمر لا يرضيني ؟
تخاف على مشاعرها ؟
انها لم تسئ اليكِ كي تفعلي بها هذا الأمر وتهينيها أمام
الناس جميعاً
إرفع عن نفسك الحرج، فأنا من سأفعل لأنها لا تستحق غير
ذلك . هيا إلى القاعة
زفر كيفن وغمغم: يبدو أنني سأتزوج من مجنونة
أتقول شيئا حبيبي كيفن؟
رد وقد طفح كيله: أقول انك مجنونة انجيليكا مجنونة
ضحكت وقالت ساخرة: حسنا، فدع المجنونة تريك ألوان الجنون
*******************************
وصل العروسان الى القاعة مرة أخرى..ولكن هذه المرة
العروس متبسمة والعريس متجهماً ويبدو عليه الغضب..وقفت أنجيليكا وسط القاعة ونادت
في جموع الحاضرين:
قبل أن أجلس على مقعدي بجانب خاطبي الجميل كيفن، يجب أن
اقول شيئا
انتبه الجميع للعروس، فأردفت وهي تسدي نظرة ملتهبة إلى
كريستينا:
هنا توجد إمرأة يضايقني وجودها كثيراً، وهي تعرف نفسها
جيداً، وعليها مغادرة القاعة فوراً
ضجت القاعة بشهيق الحضور وهمساتهم، وانتبه الجميع في
انتظار من ستخرج من القاعة.. علت حمرة الغضب وجه كريستينا، وقالت في سريرتها:
بالتأكيد تقصدني
أنا . سأخرج بهدوء قبل ان تنالني هذه الصفيقة بكلمات جارحة . ولي تصرف آخر مع
السيد كيفن
تهامست النساء فيما بينهن:
إنها كريستينا سكرتيرة كيفن الخاصة تخرج من بين الجموع
مسرعة غاضبة !
كريستينا !! ولماذا وجودها يغضب العروس ؟
عادت أنجيليكا إلى مقعدها إلى جوار كيفن، وعلى وجهها
نشوة الانتصار..فأشاح بوجهه عنها عابساً، فسألته بمكر: كيفن لماذا أنت صامت!
رد باحتداد:
انجيليكا نفذتي كل ما تريدين فاصمتي من فضلك حتى تنتهي
مراسم الحفل السخيف
تباكت أنجيليكا وقالت بنبرة مائعة:
أتقول على حفل خطبتنا سخيفا يا كيفن!
*********************************************************
عادت كريستينا إلى بيتها، غاضبة، باكية، فهال أمها ما
رأت:
كريستينا حبيبتي ! مابك يا ابنتي ؟ لماذا تبكين؟
أسعد الله مساؤك يا أمي
وكيف يسعد مسائي وأنا أرى ابنتي الحبيبة باكية ؟ أهناك
شيئا أزعجك بحفل خطبة السيد كيفن ؟
نشجت ودمدمت سباباً: نعم . العروس، العروس القبيحة
العروس !! ما الذي حدث؟
طردتني يا أمي أمام الناس وأحرجتني.غادرت القاعة مسرعة أمام نظرات الدهشة من الجميع
استشاطت الأم غضباً:
طردتك !! وماذا عن موقف السيد كيفن ؟
لم يفعل شيئا . رغم أنه كان غاضبا جداً من تصرفها وظهر
ذلك بوضوح على ملامحه
ردت الأم بانفعال:
اهكذا !! حسناً . لا تذهبي إلى العمل كردة فعل للإهانة
التي لحقت بكِ على يد عروسه الصفيقة
ردت بنشيج:
وهذا ما أنويه بالفعل يا أمي
ربتت أمها على يدها وقالت:
إهدأي يا بنيتي إهدأي . سأحضر لكِ العشاء وبعدها نامي لتنالي قسطا من
الراحة
قالت كريستينا وهي تصر على أسنانها غيظاً:
مغتاظة يا أمي مغتاظة، مغتاظة بشدة . وددت لو خنقتها
بيدي هذه الأنجيليكا
لا عليكِ حبيبتي . إن لم يسترضك السيد كيفن ويجعلها
تعتذر لكِ فلا تذهبي إلى العمل مرة أخرى . فأنا أعلم تماما كم هو في حاجة إليكِ
ولا يستطيع الإستغناء عنكِ
حقا يا أمي . مكتب السيد كيفن لا يدار إلا بوجودي.أنا
مضربة عن العمل حتى تعتذر هذه اللعينة أنجيليكا
هاها إضربي عن العمل ولا تضربي عن الطعام.. سأحضر لكِ
عشاءاً خفيفاً
*****************************************************************
في أحد منازل العاصمة المصرية القاهرة، كان الدكتور سالم
أحمد، أستاذ القانون الدولي، قد حزم الأمتعة استعداداً للسفر إلى ميونخ بألمانيا، بصحبة
زوجته السيدة مريم وابنته الطبيبة الشابة عائشة، والتي اجتمعت في غرفتها بصديقة
عمرها فاطمة التي جاءت تودعها بدموعها الحارة:
لا أصدق يا عائشة يا صديقتي الحبيبة أنكِ ستتركين مصر وتسافرين إلى ألمانيا أنت وعائلتك وتتركيني
طفرت عبرات عائشة، وقد تبدت على وجهها بسمة في كمائنها
الحزن، مسحت بعض العبرات عن عينيها بيدها وقالت بصوت متهدج:
حبيبتي فاطمة، ما هي إلا سنوات معدودة وأعود إلى مصر
إن شاء الله، فاهدئي صديقتي الحبيبة
أجهشت فاطمة بالبكاء وقالت باندهاش:
سنوات! تتحدثين وكأنهم ساعات يا عائشة
حبيبتي نحن مضطرين للسفر مع والدي للعمل والأمر ليس بيدي
فاهدأي. وسنتواصل بالطبع عن طريق النت والهاتف أيضاً إن شاء الله
جاهدت فاطمة في إسكان روحها الجريحة، وسألت بابتسامة
مهيضة:
وماذا عن عملك كطبيبة حبيبتي ؟
سأعمل بمستشفى هناك ان شاء الله
في أي مدن المانيا ستستقرون ؟
في ميونخ إن شاء الله
عادت فاطمة للنشيج وهي تكلل الوداع بالدعوات الطيبة:
وفقكم الله يا حبيبتي وصحبتكم السلامة أينما حللتم. وصبرني
الله على فراقك هذه السنوات التي ستمر عليّ كالجبال يا صديقة عمري
لم تتمالك عائشة نفسها وانفجرت في البكاء وهي تبث أحزانها
لصديقتها:
والله أنا أهوّن
الأمر على نفسي وعليكِ. ولكن والله أنا حزينة جدا لفراقك فاطمة حبيبتي
قطع نشيج الصديقتين دقات على باب الغرفة وصوت والدة
عائشة تستأذن في الدخول
عائشة
تفضلي يا أمي
دخلت فلحظت الوجوم وسمعت أنات الفراق، فأرادت أن تخفف
وطأة ما بهما، فضحكت ومازحتهما:
الصديقتان المتحابتان في الله منذ نعومة أظفارهما
غارقتان في البكاء ، وهذا ما توقعته قبل دخولي الغرفة
ردت فاطمة بنشيج:
أتضحكين يا خالتي مريم ! هذه هي المرة الأولى في حياتي
التي أفارق فيها عائشة
ابتسمت والدة عائشة وضمت فاطمة إلى صدرها وقالت بحنو:
ولن يطول الفراق يا بنيتي إن شاء الله . جمعكما الله على
الخير والطاعة اللهم آمين
تشبثت الفتاة بأحضان والدة صديقتها ونشجت:
سأفتقدك جداً يا خالتي مريم
وأنا أيضاً يا ابنتي سأفتقدك .
**********************************************************
عاد كيفن إلى المنزل متجهماً، بعد انتهاء حفل خطبته، فإذ
بوالدته تجلس إلى جوار والده على الأريكة، وبدأت في سيل من التهكم والضحك:
كيفن ولدي الحبيب! كم كان حفل خطبة أشبه بمدينة الملاهي هاها.
أشعر أنني كنت في حضانة أطفال أو في السيرك هاها.. العروس تجري والعريس يجري خلفها ثم تعود
العروس المدللة وتطرد سكرتيرتك الخاصة أمام ذهول المدعوين هاها حقا سعدت جداً وكأنني كنت أشهد
مسرحية كوميدية ساخرة
نظر إليها كيفن بامتعاض..ثم قال بضيق:
تصبحين على خير يا أمي
وأنت من أهل الخير يا ولدي هاها
هز الوالد رأسه باستياء وعاتبها:
نيكولا! ألم
يكفكِ ما حدث لولدك من احتراق أعصاب ! لا داعي أن تثيري غضبه أنتِ أيضا نيكولا
انفجرت في الضحك وقالت:
حبيبي ماكس! ولدك من اختار انجيليكا. ومن أول يوم للخطبة
ضاق بها ذرعا. فكيف إذن سيتزوجها !هاها سأذهب لأدعو الرب ليصرفها عنه
******************************************************************
جلس كيفن على أحد المقاعد في غرفته، وهو يتحدث إلى نفسه
في حيرة:
ماذا أصنع الآن !! سامحك الرب أنجيليكا فقد وضعتيني في
مأزق مع كريستينا أأأأه من النساء وغيرتهن
العمياء التي تكبدنا الكثير من الخسائر . سأتصل بكريستينا
دق جرس الهاتف، فرأت كريستينا اسم السيد كيفن، فابتسمت
ووضعت الهاتف جانباً، فجاءت والدتها إليها تنبهها:
جرس هاتفك يدق كريستينا
هاها أعلم يا أمي
لِمَ لا تردين ؟
انه السيد كيفن
ضحكت أمها وقالت بمكر:
حسنا دعيه يتصل حتى الصباح ولا تردي عليه هاها. فابنتي
لا يتم مصالحتها هاتفيا . دعي هاتفك صامتا حتى لا تزعجنا اجراسه
حسنا يا أمي
أدرك كيفن الأمر، فزفر وقال:
كريستينا لا ترد. ممم غاضبة بالطبع ولن ترد . سأذهب
إليها في الصباح إن لم تأتي للعمل
*********************************
في الصباح قرعت أجراس منزل كريستينا، فأسرعت والدتها
بفتح الباب، لتلفى السيد كيفن أمامها
السيد كيفن !. مرحبا
صباح الخير سيدتي
صباح الخير سيد كيفن ، تفضل بالدخول
أيمكنني مقابلة كريستينا ؟
نائمة
من فضلك أيقظيها
مممممممم سأحاول. رغم أنها طوال الليل ساهرة تبكي كرامتها
المهانة على يد مخطوبتك
ما جئت الا لذلك . جئت أسترضيها
مممممم تسترضيها بينك وبينها وقد تمت إهانتها أمام الجميع
!!!
سيدتي من فضلك أيقظي
كريستينا
سأفعل، وأحضر لك قهوتك
اشكرك سيدتي
جلس كيفن في غرفة الجلوس، وأتته كريستينا على الفور بوجه
عابس:
صباح الخير سيد كيفن
وقف وحياها:
صباح الخير كريستينا
مممممم حقا لا أدري كيف أعتذر عما بدر من انجيليكا
جلست في المقعد المقابل وقالت بضيق:
قلتها أنت
بلسانك.. ما بدر من أنجيليكا.. إذن فأنجيليكا هي المخطئة وعليها الاعتذار أمام
الجميع
قهقه كيفن وقال ساخراً:
هذا الكلام سمعته من والدتك ويبدو أنها سهرت طوال الليل تلقنك اياه
مممممممم ليس
لمديرة اعمال السيد كيفن أن تتلقى أوامر إلا من رأسها . لا أسمتع لكلام أحدٍ أنا
قال ببسمة يستعطفها:
ألا يكفيكِ مجيئي إلى بيتك ؟
ممم أنت عندي غالٍ جداً سيد كيفن، ولكنها كرامتي
أطرق كيفن رأسه يفكر في أمر يسترضيها به، ثم قال:
أعتقد أن حفل عيد ميلادك يوافق ليلة الكريسماس، أليس
كذلك ؟
أجل
اتسعت ابتسامته وقدم عرضه السخي:
سأدعوكِ بعد احتفالات الكريسماس في الكنيسة والاعتذار
لكِ أمام الجميع الى سهرة خاصة لأحتفل معك
وحدنا بليلة ميلادك مع هدية قيمة اثمن من
خاتم الخطبة الذي كنت سأعطيه لمخطوبتي، أهذا
يكفيكِ ؟
شهقت فرحاً وقالت:
سنرقص سويا حتى الصباح ؟
قهقه وأمطرها مديحاً:
بالطبع كريستينا فكم أهوى الرقص معك وخاصة على أنغام الماريمبا هاها كم أنتِ شقية
هاها اشكرك . وبعدها تأتي الى بيتي لنكمل السهرة سوياً
حبيبي كيفن
أمي وأبي مسافران ليلة الكريسماس، فمن الأفضل أن تأتي الى بيتي أنا،
ونحتفل حتى الصباح أنا وأنتِ وفقط
تهللت وقالت:موافقة
حسناً.. اذهبي وارتدي ملابسك لاصحبك الى المكتب كريستينا
قفزت عن مقعدها وقالت: حالاً سيد كيفن
*************************************************************
كان كيفن منهمكا في مكتبه منهمكاً في أعماله، حين سمع
جرس هاتفه..امتعض حين رأى إسم المتصل، إنها مخطوبته أنجيليكا، رد بفتور: مرحبا
حبيبتي انجيليكا
مرحبا كيفن حبيبي..هاتفتك لأسئلك أين سنحتفل ليلة
الكريسماس ؟
تلعثم كيفن:
أأأأأأأ عذرا أنجيليكا. فأنا لن أستطيع السهر معك ليلة
الكريسماس
ها!! ماذا تقول !. لماذا ؟
رد ساخراً وهو يكاتم الضحك :
عندي الكثير من الأعمال المرهقة جداً
اعمال مرهقة !! عمل ليلة الكريسماس !
قهقه وقال متهكماً: أنتِ تعلمين أني رجل أعمال ناجح جداً
لذا فسأعمل ليلة الكريسماس وأتفانى في عملي حتى انجزه على أكمل وجه
ردت بتأفف: واضح انك تهتم بعملك أكثر من اهتمامك بحبيبتك
عذرا حبيبتي . دعينا نخرجا الليلة التالية للكريسماس
مممممم ربما شغلك عمل آخر
لا لا ليست لهذه الدرجة هاها أودعك الآن على أن أراكِ
الليلة التالية للكريسماس
ممممممم حسنا ، إلى اللقاء كيفن حبيبي
***************************************************
وصل الدكتور سالم بصحبة زوجته وابنته إلى ميونخ، فقال
لهما بابتسامة رقيقة:
حمدا لله على سلامتكما ، إبنتي وزوجتي الحبيبة ، وصلنا
ميونخ
ردت الدكتورة عائشة بفرحة غامرة:
سلمك الله يا أبي
سلمك الله يا زوجي الحبيب سالم . تبدو مدينة رائعة حقا
ويبدو أننا سنقيم إقامة سعيدة بها . هل سنجد مساجد هنا ؟
سنتعرف على كل شيئ زوجتي الحبيبة مريم ، فقط دعينا نذهب
الى المنزل الذي سنقيم فيه
شعرت عائشة ببرودة شديدة، فانكمشت وهي تدلك يديها:
ياه! الجو بارد جداً يا أبي، أشعر أني أرتعد من شدة البرد
حقا الجو بارد يا بنيتي . دقائق ونصل الى المنزل
لتستريحي من عناء السفر ومن البرد القارس أيضا
هيا يا أبي ,هيا يا أمي . أريد أن أتوضأ وأصلي، ومنذ
البارحة لم أقرأ شيئا في مصحفي
حسنا يا بنيتي هيا
*******************************
وصلت السيارة إلى الحي الذي سيقطنون فيه، فلحظت عائشة أن
الشوارع مزدانة بأشجار الكريسماس ليلاً:
أبي ، أرى الشوارع مضيئة وكل مكان مزدان بأشجار عيد
الميلاد
حبيبتي أكثر الألمان من المسيحيين وهذه أعيادهم
اهاااااا ولكن ألا يوجد مسلمون في هذه الضاحية ؟
قهقه وقال: أنتِ وأمك يا بنيتي ! أمك تسأل عن المساجد وأنتِ تسألين عن المسلمين!! وكأنني بصحبة داعيتين جاءتا
لدعوة النصارى لدين الله
ردت عائشة والحماس يبرق في عينيها:
ولم لا يا أبي ! فكل منا داع الى دين الله. إن لم يكن بشكل
مباشر فلنكن بحسن خلقنا كمسلمين
تهلل الأب وقال:
لا فض فوكِ يا بنيتي . لا حرمني الله صحبتك وصحبة أمك أيها
الداعيتان المفوهتان
ضحكت أمها وقالت لها: والدك يسخر منا يا عائشة
حقا يا أبي ؟
زادت قهقهة الوالد وقال:
لالا..أقسم لكما لا أقصد سخرية بل أنا فخور جداً بتدين
زوجتي وابنتي وحفاظهما على الزي الإسلامي في بلاد الكفار
***********************************************************
فتح الوالد باب المنزل الجديد وهو يسمي الله
بسم الله الرحمن الرحيم.. ادخلا يا حبيبتاي
دلفت الأم وعينها تدور في أرجاء المنزل تتفحصه..بينما
أبدت عائشة استحسانها:
بسم الله . يا الله !!!!!!! منزل جميل حقا يا أبي
هز الوالد رأسه باسماً، واستدار لزوجته يسألها عن
انطباعها:
وأنتِ ما رأيك زوجتي الحبيبة مريم ؟
سأذهب لأعاين كل
شبر بنفسي
اذهبي يا خبيرة المعاينة هاها.. سأذهب لأتوضأ وأصلي
تفضل زوجي الحبيب سالم
*************************************************************
عاد والد كيفن إلى المنزل يهرول قلقاً، هتف بزوجته
وأنفاسه تتلاحق:
أسمعتِ بهذا الخبر نيكولا ؟
ما الخبر يا ماكس ؟
هناك أسرة مسلمة سكنت في البناية المقابلة لبنايتنا
اتسعت حدقتاها هلعاً ونطقت ذاهلة: ماذا!!...ومن أين أتوا
هؤلاء؟
هم عرب على ما وصل لي من معلومات
أصرت على أسنانها غلاً: مسلمون عرب!!.....هل لهم أبناء ؟
لديهم بنتاً واحدة
... ولكن لماذا أنتِ منزعجة هكذا ! نحن لن نحتك بهم أو نخالطهم أبدا . فلا داعي
لانزعاجك نيكولا
ردت ثائرة: كيف لا أنزعج!!
نادت كيفن بأعلى صوتها: كيفن
آتاها من فوره:
هأنذا يا أمي . ما الخطب ؟
قالت بنبرة ترهيب حادة:
أتتذكر أحاديثي معك عن المرأة المسلمة المتوحشة منذ صغرك
؟
قهقه كيفن وقال متهكماً:
أجل يا أمي أتذكرها وأحفظها جميعها . هل ظهرت مجدداً
لتأكلنا جميعاً هذه المرة هاها؟
عصف الغضب بلامحها ووكزته في صدره غيظاً:
لماذا تضحك أيها الأحمق! هناك حقا امرأة مسلمة ظهرت في البناية
المقابلة، لذا فأحذرك، إياك، إياك أن تفتح نافذتك وإلا سيكون هلاكك على يديها
كاتم كيفن الضحك وهو يقول ساخراً:
لا تخافي يا أمي، أنا كبرت الآن، وإن حاولت أن تأكلني، أكلتها
أنا أولاً. فلا تشغلي بالك هاها
اشتد غضبها وقالت باحتداد:
دعك من هذا المزاح السخيف . ارتدي ملابسك، فسنذهب جميعا
إلى الكنيسة الآن
وما الداعِ يا أمي ؟
أنسيت أن اليوم هو الأحد !
يا أمي نحن نذهب ولا نجد غيرنا هناك. لم يعد المسيحيون يهتمون
بحضور القداس كما نفعل. فأنا أذهب ولا أجد غير العجائز، أما الشباب أمثالي فلا
يحضرون أبداًا
كن أنت قدوتهم. أيقظ أصدقاءك فإنهم في سبات عميق
قلب كيفن يديها عجباً وقال باسماً:
والله يا أمي لا أعلم لماذا تفعلين كل هذا ؟
لأنني مخلصة لديني وللصليب ويسوع. أما أنتم يا معشر الشباب فتستحقون الذبح على
أعتاب الكنائس
أوه!! أنا لا
أعرف حقا كيف ستكون نهايتي . أستكون بأكلي
بأسنان المسلمة المتوحشة أم ستكون ذبحا على أعتاب الكنيسة ؟ هاها أجمل شيء أن أشرب
الخمر لأغفل عن حقيقة العالم
هم بالاتجاه إلى طاولة الخمور فزجرته والدته:
إبتعد عن الخمر الآن. لا أحب أن تدخل الكنيسة ثملاً من
خمر وتترنح كالمجنون. إذهب وارتدي ملابسك
حسنا يا أمي سأفعل واهدأي . لا أحب أن أراكِ متكدرة
الصفو هكذا . إبتسمي فبعد عشرة أيام أعياد الكريسماس ، سآتي لكِ بشجرة عيد الميلاد مزدانة بأجراس الكنيسة فاهدأي
اقترب من والدته وقبل وجنتها فدفعته بعيداً:
ابتعد عني. إذهب هيا، فأنت تحتاج إلى وعظ مكثف على يد الآب
دانيال
استدار كيفن لوالده وقال بملامح صارمة ولسان هزلي:
إذهب وارتدي ملابسك يا أبي أنت الآخر وإلا أكلتك المرأة
المسلمة المتوحشة
هز والده رأسه استياءاً وقال:
كف يا ولدي عن المزاح فوالدتك في قمة ثورتها الآن .
سأذهب وارتدي ملابسي
*********************************************************************
في الكنيسة، كان كيفن يجلس مربعاً ذراعيه إلى جوار
والدته التي أطربتها الترانيم، فقالت باسمة:
كم هي جميلة الترانيم هاها. أليس كذلك يا كيفن ؟
أجابها بفتور، غير ناظراً إليها: بلى يا أمي
دخل القس دانيال، فانتفضت الأم عن مقعدها إجلالاً، وهزت
كتف كيفن بقوة وهي تردد باهتمام:
الآب دانيال، الآب دانيال. أسجد يا كيفن
رد مسفهاً للأمر:
اسجد لمن!!
أسجد للأب دانيال يا ولدي . أسجد كما يفعل هؤلاء الصالحون.
هيا نسجد جميعاً
قال الوالد متلطفاً:
اسجد يا ولدي كما أمرتك أمك
هاج هائج كيفن وقال مستنكراً:
ـــ يا أبي، يا أبي كيف تسجدون لمن يدخل المرحاض!
انعقد لسان الوالد عن الجواب..ثم همس لزوجته:
ـــــ ردي انتِ على ولدك يا نيكولا
ردت الأم مفعمة بالثقة:
يا ولدي! الأب دانيال لا يدخل المرحاض كسائرنا، أسجد
انفجر كيفن بالضحك وقال:
لا يدخل المرحاض!!! حقاً ؟؟ هاها
أجل، أجل، أسجد
نهض كيفن عن مقعده وقال لها:
سأفعل، بعدما أخرج في شراء شيئا وآتي بسرعة
تخرج!!..إلى أين؟؟
إتجه إلى الباب وهو يقول:
سأعود مسرعا يا أمي فلا تشغلي بالك
تأففت الأم ودمدمت سباباً:
تبا لهذا المجنون...
أسجد يا ماكس . أسجد فأنت مسيحي صالح
سأفعل ايتها المسيحية الصالحة
***************
عاد كيفن ببغيته، فنظر إلى الساجدين للقس، فقهقه وقال:
أمازالوا ساجدين هاها
أشار إلى أحد العاملين منادياً إياه: يا هذا، يا هذا
ماذا تريد سيدي؟
من فضلك قدم هذا العصير للأب دانيال . مصنوع من فاكهة
مقدسة هاها
حسنا، سأفعل.
أخذ العامل العلبة التي حوت العصير لتقديمها إلى الآب
دانيال، فكاتم كيفن نفسه حديثاً:
أريد أن أتأكد هل يدخل المرحاض أم لا . إن لم يدخل سيكون حقا ليس كسائرنا وسأسجد له وإن دخل فلن أسجد لبشر مثلي
حول مقعد الآب دانيال تدافع العجائز ليقبلون يده لنيل
البركات، بينما ضاق بهم ذرعاً وقال متأففاً:
ــــ واحداً واحداً أيها العجائز، أهلكتم يدي تقبيلاً
عاد كيفن إلى مقعده إلى جوار والداته ليرقب ما يحدث، تهللت
والدته لعودته مسرعاً:
اهلاً ولدي الحبيب، لم تطل غيبتك
قبل وجنتها وقال ممازحاً:
هاها افتقدتك يا أمي في هذه الدقائق المعدودة
لا تقبلني أنا، ولكن اذهب فقبل يد الأب دانيال واسجد تحت
قدميه
سأفعل، ولكن انتظري بعض الوقت حتى يشرب العصير الذي آتاه
به هذا الرجل
***************
قدم الرجل العصير إلى القس منحنياً:
تفضل يا آبانا ، هذا العصير أحضره لك شخصٌ محب
هاها هدية مقبولة ، إليّ به
شرب العصير على دفعة واحدة، فسأله الناس أن يباركهم:
هيا يا آبانا قم لتنشر عبق البخور فوق رؤوس الجميع
هم بالقيام، وهو يقول:
حسنا سأ أأأأ فع ع آآآآه. آآآآه تباً لهذا الآلم المفاجئ الذي يعبث بأمعائي
تسائل الناس بلهفة:
ماذا حدث يا آبانا ؟
ذهب يركض ركضاً إلى المرحاض وهو يقول:
عذرا، سأذهب إلى المرحاض وأعود آآآآه
انفجر كيفن ضحكاً وقال لوالدته:
أمي ، آبانا دانيال يجري ليدخل المرحاض
تلعثمت الأم وحاولت أن تأتي بالحجج، ولكن أحرف المنطق
هربت ولم تستطع بها لحاقا:
آآآآ إنه، إنه، إنه...ممم
رد كيفن متهكماً:
أمي، أمي كفاكِ دفاعا فأنا أعلم أنك ستقولين إنه لن يفعل
مثلما نفعل وسيفعل شيئا آخر هاها
استشاطت الأم غيظاً ولهزته في صدره ودمدمت سباباً: تباً
لك يا كيفن. أنت لا تعقل ولا تفهم شيئاً، وقد رأيت في منامي أن يسوع غاضباً عليك
يسوع غاضبا عليّ !!!!!!!! هل أتاكِ في المنام حقا ؟
ركزت الأم دعائم الكذب بالاحتداد: أجل أتاني، وقال اجعلي
ولدك كيفن يكف عن أسئلته الحمقاء وإلا صببت الغضب عليه صبًا
هاها، لالا. سأكف يا أمي. مع أني أعلم أن يسوع لم يأتكِ
في المنام ولكن سأريحك من أسئلتي التي تغضبك
رمقت القس دانيال عائداً إلى مقعده، فأمرت ولدها بتجهم:
الآب دانيال عاد
، اذهب واسجد تحت قدميه
انتفض كيفن عن مقعده ثائراً: لن أفعل. لن أسجد لبشر مثلي
، سأسبقكما إلى السيارة
خرج مندفعاً، فزفرت والدته وقد ضاق صدرها، فقامت مسرعة
لتلحق به إلى السيارة، وعجلت زوجها:
أوف! هيا يا ماكس لنلحق بهذا المجنون
هيا يا نيكولا
*************************************
عاد الدكتور سالم والد عائشة إلى المنزل جذلاً ليزف
إليها بشرى، ناداها بنبرة متهللة:
عائشة. أين أنتِ يا ابنتي ؟
هرعت إليه، وقبلت يده وهي تحمد الله على سلامته:
أنا هنا يا أبي. حمداًلله على سلامتك
بارك الله فيكِ يا بنيتي . غدا إن شاء الله ستذهبين لاستلام
عملك في المستشفى
أشرق وجهها فرحاً:
حقا ؟ كم أنا فرِحة بهذا الخبر
أسدى الوالد إليها نصائحه بعطف:
اعملي بجد واجتهاد يا حبيبتي، واثبتي للجميع أنك طبيبة
مسلمة ماهرة
إن شاء الله يا أبي ... وهل هي بعيدة المستشفى ؟
ممم بعيدة فعلاً.. ولذا فخذي هذا المفتاح
أي مفتاح هذا ؟
تبسم الوالد وقال مداعباً:
تعالي وانظري إلى أسفل البناية، وقولي لي ماذا رأيتِ ؟
ارتدت خمارها وهرعت إلى النافذة، فأذهلها ما رأت، وصاحت
فرحاً: إنها سيارة
هرولت إلى والدها تشكره والسعادة تكلل هامتها:
بارك الله فيك يا أبي. أحبك كثيراً.. سيارة جميلة حقاً
احضرتها لكِ حتى تيسر لك الذهاب والمجيء من وإلى
المستشفى هههه فقد علمتك القيادة لذلك وها قد أصبحتِ سائقة ماهرة على يد ابيكِ
السائق الماهر هاها
احتضنت والدها وقبلت وجنته امتنانا:
لا حرمني الله منك يا أبي ومعلمي
ولا منك ولا من أمك يا حبيبتي .. أين هي أمك؟ . بالتأكيد
هي في المطبخ كعادتها هاها أمك هي أمك سواءاً في مصر أو ألمانيا هاها
هاها أنت تعلم حب أمي للمطبخ، كما إنها طباخة ماهرة
وتعلمت منها الكثير أيضا
بارك الله فيكِ وفيها يا بنيتي. سأذهب إليها قبل أن أبدل
ملابسي
******************************************************
بعدما انتصف الليل، كان
كيفن في غرفته، متكئاً على وسادته، وقد هم أن يجري مكالمة بجواله، ففتحت والدته
الباب على حين غرة تناديه:
كيفن
أهناك شيء يا أمي ؟
ماذا تفعل ؟
سأهاتف أحد أصدقائي
ما اسمه ؟
اسمه ليون
أسدلت الأم حاجبيها وقالت بدهشة:
ليون !
تنهد كيفن ورد ببسمة فاترة:
صديق جديد يا أمي تعرفت إليه في مكتبي
مممممم وماذا يعمل ؟
صاحب محل لبيع الخمور
عظيم جداً.. وأين يسكن ؟
قهقه كيفن وقال متهكماً من كثرة الأسئلة:
أمي، سأوفيكِ بمعلومات كاملة عن عنوانه وطوله ووزنه ولون
بشرته عندما أنتهي من المكالمة
ربعت ذراعيها وسألته والدهاء يطل من عينيها:
تتهمني أني كثيرة الأسئلة. أليس كذلك ؟
مممممم عفوا يا
أمي. لم أقل ذلك
سئمت من أسئلتي العادية ,فما بالك لو كنت أسأل أسئلة
كفرية كأسئلتك !
أدرك أن أمه تدير دفة الحديث إلى ذات الوجهة التي سئمها،
فحسم أمره ضاحكاً:
أمي من فضلك غادري الغرفة فأريد أن اتحدث مع صديقي بحرية
تتحدث بحرية ! أرجل هو أم امرأة حتى تتحدث معه بحرية دون
أن يستمع أحد لحديثكما الشيق ! حسناً. سأغادر الغرفة... وأنت بعد المحادثة ماذا ستفعل
؟
رد واليأس يخنق صوته:
سأتناول كأسين من الخمر أو عشرين كأساً لكي أنام وأتجنب عناء التفكير الذي يقتلني
قهقهت وقد استحسنت ما انتواه:
حسناً، فالخمر لأمثال من يحملون عقلا كعقلك أفضل ...
أجمل ما في الخمر أنها تذهب العقل
خرجت وقبل أن تغلق الباب قالت بقسوة مجدولة من الحنان:
أغلق النوافذ جيداً. فالليلة شديدة الرياح
سأفعل
دق جرس هاتف ليون، فرد بترحيب:
الو. مرحباً يا
كيفن، كيف حالك؟
مرحبا ليون ,أنا بخير ، كيف حالك أنت ؟
بخير.نسيت أن أشكرك على شحنة النبيذ الفرنسي الفاخر التي
استوردها مكتبك لمحلي
هاها لا تشكرني فهذا عملي . وأنا في خدمتك وخدمة كل
عملاء مكتبي . دعك من أحاديث العمل ولنتكلم عن الحياة . قلت لي إنك غير متزوج يا
ليون
رد ممازحاً: هاها لديك عروس لأجلي ؟
تزوج كريستينا سكرتيرتي الخاصة، فربما لو تزوجت لهدأت مخطوبتي
انجيليكا، فهي شديدة الغيرة منها هاها
هاها ربما تحبك كريستينا هي الأخرى، لذا فتغار مخطوبتك
مممممممم لا أعرف . ولكن أعتقد أنها فقط تحب استفزاز أنجيليكا
لأنها شديدة الغيرة . دعك من النساء ايضا فالأحاديث عنهن تكدر الصفو كالأحاديث عن
العمل هاها
هاها أنت محق يا كيفن . كيف كان يومك ؟
ذهبنا إلى الكنيسة اليوم أنا وأبي وأمي وحضرنا القداس
رد ليون باندهاش:
الكنيسة!! لقد
انتهت علاقتي بها للأبد هاها
تملك كيفن الذهول وقال: ماذا تقول !! لا أفهم!! . أتركت
الدين المسيحي؟
لالا. بالطبع أنا مسيحي كما أنا ولكن حذفت الديانة
المسيحية من بطاقتي الشخصية وأصبحت بلا
دين
زاذ ذهول كيفن إثر حديث صديقه الجديد، وسأله بتلهف:
لماذا يا ليون؟
رد متعجباً من السؤال:
غريب أمرك يا كيفن ! ألا تعرف أن الكنيسة تأخذ منا خمسة
عشرة بالمائة من دخلنا السنوي دعما لها ؟
أجاب كيفن مازحاً:
أعلم جيدا وأدفع المبلغ المستحق سنويا وأبي يدفع أيضا .
فهذا بأمر أمي وإلا طردتنا وشردتنا في العراء هاها
برر ليون مذهبه:
كثيراً، كثيراً جداً هذا المبلغ سنويا يا كيفن. أنا جلست
إلى نفسي وحدثتها وقلت لِمَ أدفع خمسة عشرة بالمائة من دخلي سنويا لدعم الكنيسة
وأنا من الأساس لا أحضر قداسا ولا أدخل الكنيسة ولا أستفيد بالوعظ!! وكثيرا من
المسيحين فعل هذا الأمر وحذف الديانة المسيحية من البطاقة ولذا فأنا أتعجب لِمَ
لمْ تفعل مثلما فعلنا بدلاً من اقتطاع كل
هذا المبلغ من دخلك سنويا!!
قهقه كيفن وأبدى قلة حيلته: هاها قلت لك سابقا أن أمي مسيحية متشددة، كما أن لي خالة
راهبة في إحدى كنائس العاصمة بيرلين. فعلاقة أمي وأهلها بالكنيسة وطيدة جدا وتربوا
على محبة يسوع وخدمة الصليب
هاها أشعر أنك تتكلم دون أن تجمع نفسك ضمن زمرة خدام
الصليب
وكأن عبارة صديقه نكئت الجرح الغائر في أعماقه، هتنهد
وقال: الكلام لن يفيد . فأنا على استعداد أن أخدمه بروحي إن إقتنعت أنني على الدين
الحق
أأنت غير مقتنع يا كيفن أنك على الدين الحق ! هذا كلام
خطير جداً.. كيف لا تكون مقتنعا أن دين يسوع هو خير أديان الأرض!
أدرك أن صديقه ينهل من ذات نهر والدته، فلم يشأ إلا أن
ينهي المحادثة بلطف:
تصبح على خير يا ليون
هل ستنام ؟
رد بضجر من العالم حوله:
سأشرب بعض كؤوس الخمر لتذهب عقلي وأنام
هاها ولماذ تتحدث بهذا الغيظ !! اذهب واشرب واثمل ونم يا
عزيزي كيفن
*******************************************************
فتحت السيدة مريم، والدة عائشة باب غرفة ابنتها قبيل
الفجر ودلفت تناديها:
عائشة
نعم يا أمي
هاها جئت لإيقاظك لقيام الليل فوجدت مصباح غرفتك منيرا
استيقظت منذ نصف ساعة تقريبا يا أمي الحبيبة . هل استيقظ
أبي ؟
أجل يا عائشة . بل هو من ايقظني كعادته هاها
جمعكما الله على الطاعة دائما يا أمي
ورزقك بالزوج الصالح يا حبيبتي لتقيما الليل سويا
بدت بسمة خجلى على محياها وقالت:
لا أتعجل أمر
الزواج الآن يا أمي
هاها ولكنني أنا أتعجل زواجك بمن هو أهل لكِ يا حبيبتي .
سأتركك الآن لصلاتك وأراكِ صباحا على الإفطار إن شاء الله
إن شاء الله يا أمي
إتجهت الأم إلى النافذة وهي تقول:
الليلة شديدة الرياح . سأتأكد أن نافذة غرفتك مغلقة
تماماً حتى لا يتسلل الهواء البارد إليكِ بنيتي
قبلت عائشة والدتها وهي تدعو لها بمحبة جارفة:
أدام الله لي قلبك الحاني يا أمي الحبيبة
أسعد الله قلبك يا ابنتي الحبيبة
*******************************
كان كيفن في غرفته، يحتسي كؤوس الخمر، ويحيطه ضوء خافت، ويتسلل
إلى أسماعه صفير الرياح خارجاً.. أمسك بزجاجة الخمر التي ذهب معظمها وقال:
ـــــ لقد أوشكت زجاجة الخمر على النفاد ومازلت يقظ
الفكر هه يبدو أن هذا النوع مغشوشاً هاها .. أوه ,أشعر برياح شديدة تكاد أن تعصف
بالبيت بأكمله .......الرياح فتحت النافذة ، أوه، برد ,برد رهيب......ما هذا !
الرياح الشديدة تفتح النوافذ في البناية المقابلة أيضاً . يا إلهي ! من هذه الفتاة!
...إنها ساجدة . عجبا لأمرها! لماذا لم يجعلها فتح النافذة تقوم عن سجودها لتسرع
وتغلقها وتحتمي من شدة البرد! ... مازالت
ساجدة . أوه ,البرد شديد والفضول يقتلني ألا أغلق النافذة لأرى ماذا تفعل هذه
ظل كيفن ملتصقاً بالنافذة يرقبها بشغف كبير، والبرد
القارس يعصف به
ـــــ انها قامت عن سجودها ووقفت تكمل صلاتها! هذه هي
المسلمة المتوحشة كما قالت أمي . أعلم صلاة المسلمين، فقد رأيت طقوسهم في التلفاز
مراراً ولا أفهم عن دينهم وصلاتهم شيئا . أهٍ من البرد ....هاهي فرغت من طقوسها، أراها
تجري مسرعة لتغلق النافذة . يا إلهي !!!!! وجهها مضيء، مضيء جداً، لا أتبين ملامحها من شدة النور المنبعث من وجهها.
أغلقت النافذة في سرعة ولم تلحظ وجودي
أغلق كيفن نافذته وهو يتأفف من البرد، وعاد يحدث نفسه
ذاهلاً من أمر الفتاة:
ـــــ أمرها غريب. تستيقظ والناس نيام لتقيم طقوسها
وصلاتها . فهلا انتظرت للصباح بدلا عن القيام ليلاً في هذا البرد القارس!... حذرتني أمي من المسلمين فهل أسمع لكلامها ؟ هل
أسأل هذه الفتاة عن دينها ؟
بدأ يصارع أسئلة حائرة:
ماذا أفعل، ماذا أفعل!... سأنزل، سأنزل، يجب أن أعرف
حقيقة هؤلاء المسلمين
هم كيفن بالنزول من المنزل، وهو يتأجج حماساً، ولكنه
توقف فجأة حائراً..فهذى إلى نفسه بعد أن طاش بعض عقله:
ــــ ولكن..ولكن ربما أكلتني مثلما قالت لي أمي ! لالالا..فالأخرى
هي من سعت لكيفن وأكلته، أما أنا فلن أؤكل أبداً وسآخذ معي سلاحي كي أحتمي به، وإن
اقتربت مني غادرة سأمزقها ..... سأحتسي كأساً آخر من الخمر وأنزل
احتسى كأساً من الخمر وخرج من غرفته على عجل، واستل سكيناً
كائن على المنضدة بردهة المنزل، وانطلق إلى منزل عائشة:
***********************************
قرع جرس الباب ووقف ينتظر وقد أخفى السكين في طيات
ملابسه...ظنت والدة عائشة أن زوجها أتى من صلاة الفجر، فنادت عائشة:
ــــ إفتحي الباب يا عائشة. فقد جاء والدك من صلاة الفجر
أتت عائشة تهرول وكانت ما تزال متسترة بحجاب
الصلاة..قالت متعجبة:
ماذا ! يا أمي أبي معه مفتاح
ربما نسى المفتاح يا ابنتي . فمن سيطرق الباب في هذا
الوقت غير والدك !!!
حسنا يا أمي ذاهبة لأفتح الباب
فتحت الباب فارتاعت لرؤية رجل غريب:
ها ! من أنت ؟
بل من أنتِ ؟ من أنتم جميعاً ؟؟؟؟
لحظت عائشة عدم اتزانه، فصاحت به:
أنت ,أنت مخمور ,أليس كذلك ؟ أمي أمي ,إنه ليس أبي ,إنه رجل غريب
فزعت الأم وهرعت إلى ابنتها وهي تصيح:
ـــــ رجل غريب! يا إلهي! من هذا؟ اغلقي الباب، اغلقي الباب يا عائشة، يبدو رجل
بغير وعي يا ابنتي ,اغلقي الباب
ــــ سأغلقه يا أمي
همت بغلق الباب فصده بكلتا يديه، فصرخت به:
ـــــ ما هذا! ابعد يدك، دعني أغلق الباب
رد بصلافة:
لن تغلقيه، وكلما حاولتي صددته بكلتا يدي. انطقي من أنتِ؟
من أنتِ؟
نهرته عائشة وعينها تتقد غضباً:
ــــ أيها المخمور العربيد، آمن المعقول أن تطرق أبواب
الناس في هذا الوقت لتسألهم من يكونون ! أبعد يدك عن الباب دعني أغلقه، إبتعد
صاح محتداً:
لن أبتعد. وكلما حاولتي غلق الباب منعتك. من أنتم؟ من أنتم
؟من إلهكم ؟
تدخلت السيدة مريم وقد تملكها الخوف:
ـــــ ارحمنا يا الله. يا ولدي! ياولدي اذهب واتركنا نغلق الباب
لن تغلقاه
استشاطت عائشة غضباً:
والله إنك لا تستحق غير الصفع على وجهك هكذا
صفعته على وجهه فصرخ وتطاير الشرر من عينيه:
آآآآآآآه أيتها
البربرية الهمجية
ابنتي ابتعدي فهو ينظر اليك بغيظ شديد . يا الله ! إنه
يخرج سكينا من ملابسه ابتعدي يا عائشة ، ابتعدي
يا ابنتي
تصفعينني أنا على وجهي أيتها العربية الهمجية ؟
ويحك ، تتهجم علينا في هذا الوقت وتهددنا بسكينك أيها المخمور
!والله لأخذ منك السكين عنوة
آآآه ذراعي ذراعي أيتها المسلمة المتوحشة
عائشة، اتركيه، اتركيه سيصيبك بسكينه ، نعوذ بالله منك ,نعوذ
بالله منك !
لا تخافي يا أمي فقد ملكت زمام هذا الأحمق هات هذا
السكين أيها السكير
آآآآآه تلوين ذراعي أيتها الأفعى !هاتي السكين
صاحت به وهي تشهر السكين في وجهه:
إن لم تمش الآن طعنتك في صدرك، هيا، هيا اذهب
نطقت عينيه انبهاراً، فسألها:
وحق يسوع من أنتِ !! إمرأة أنتِ أم محارب شجاع !
زفرت ونهرته:
أوف، اذهب أيها المخمور ولا تكثر الكلام
قالت السيدة مريم بصوت مرتعد:
إذهب يا ولدي، إذهب وكفانا ما لقيناه على يديك من فزع
صاح في ذهول من عبارتها:
فزع ! من أفزع من ! ابنتك صفعتني على وجهي ولوت ذراعي
واخذت سكيني وهددتني به وتقولين أنني من افزعتكما!
هم بالانصرف عنهما، فاستدار إلى عائشة وقال:
ــــ قبل أن أمشي أريد أن أسالك أيتها المرأة المتوحشة ,هل
تأكلن الصغار حقا كما تقول أمي يا معاشر نساء المسلمين ؟
ردت باحتداد على سؤاله الطفولي:
أجل، نأكل الصغار، ونأكل الكبار أيضاً، فاذهب واحتمي
بظهر أمك
فزع كيفن وفر من أمامها وهو يستغيث بأمه:
أمي !! أمي
انفجرت عائشة بالضحك وهي تغلق الباب قائلة:
هاها تباً للخمر يذهب عقول الرجال هاها لقد هرع مسرعا
كالأطفال يا أمي
تنفست السيدة مريم الصعداء وهبطت في مقعدها واضعة يدها
على صدرها المرتجف وقالت بصوت متهدج:
أوه، حمداًلله، أشعر أن الدماء تجمدت في عروقي . آآآآه
دقات قلبي متسارعة جداً
اهدأي يا أمي وأرفعي يدك عن صدرك فقذ ذهب بلا عودة إن
شاء الله . سأذهب وأحضر لكِ كوبا من الماء
أأأه يا الله !!!!!! كانت دقائق عصيبة جداً يا عائشة
بدأت السيدة مريم تتفكر في أمر الشاب بعدما هدأت شيئاً
ما:
ـــــ غريب أمر هذا الرجل!.. لاحظت في وسط هذيانه سؤالاً
عن إلهنا الذي نعبد . لا إله إلا الله لا معبود بحق سواه
عادت عائشة بالماء لأمها:
تفضلي يا أمي
أشكرك يا بنيتي . بسم الله الرحمن الرحيم
أسمع صوت مفتاح أبي يدور في الباب يا أمي
دلف الوالد إلى المنزل وألقى السلام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، تأخرت كثيرًا جداً
يا أبي
عذرا يا بنيتي فالمسجد ليس بقريب... . مابك يا أم عائشة ؟
أرى وجهك ممتقع اللون وأشعر أن شيئا ما قد حدث
تأوهت وقالت لابنتها:
آآآه! أروي لأبيكِ ما حدث يا عائشة، فلا أقوى على سرد أي
شيء الآن
حاولت عائشة تهوين الأمر:
لا شيء يا أبي، فقط
دق جرس الباب وظنناك أنت، فأسرعت بفتح الباب فإذ بشاب غريب مخمور يسألنا من
أنتما وعندما زجرته وحاولت غلق الباب منعني فصفعته على وجهه، فأخرج سكينا ليهددني
به، فلويت ذراعه وأخذت السكين وطردته وفقط
هاج هائج الوالد:
يا إلهي!! أهذا قد حدث بالفعل!! وكيف تفتحين الباب دون
التأكد ممن يطرقه!!!
يا أبي ظنناك أنت
اشتد غضب والدها وصاح بها معنفاً:
أنتِ تعلمين جيداً أن معي مفتاحاً للباب. أليس كذلك ؟
إهدأ يا أبي . أعتقدت أنا وأمي أنك قد نسيت مفتاحك
تنهد الوالد ومسح على وجهه وسكن بعض ما به من غضب وحوقل:
لا حول ولا قوة إلا بالله . فكيف كان سيكون الوضع إن
تمكن من إيذائكما هذا الرجل !!
يا أبي حمداً لله لم يصيبنا مكروه
رد متعجباً من أمر ابنته وهدوؤها المثير للأعصاب إثر هذا
الموقف العصيب:
ألم تخشيه يا بنيتي !! عجبا لأمرك! تتصدين لرجلٍ يحمل سكين
!!
ضحكت عائشة وقالت:
يا أبي والله قد خشيته جداً، ولكن استعذت بالله منه وقلت أعوذ بالله من غضبه وعقابه وشر عباده فوجدتني
أنا الأقوى وهو الضعيف الذي لا يملك من أمره شيئا بفضل الله
تنهد الوالد وحمدلله
الحمدلله الحمدلله ... هذه المرة الآخيرة التي تفتحين
فيها الباب بغير تأكد ممن يطرقه
سمعا وطاعة يا أبي . سامحني
تساءل الوالد عجباً:
أنا أتعجب من هذا الشاب!، ومن أين أتى! وكيف يطرق أبواب
من لا يعرفهم عند الفجر ويباغتهم!.. من يكون! من يكون!!
**************************************************
عاد كيفن إلى المنزل وهو يحادث نفسه غيظا في الردهةً:
آآآه أنا كيفن تصفعني امرأة !! ألهذه الدرجة أنا رجل
مصنوع من ورق !!
فجأة تذكر شيئاً فارتبك: أوه!! السكين الذي استولت عليه
هذه المسلمة المتوحشة تحبه أمي لأنها اشترته عندما أعجبها شكله من متجر بعيد ولا
تقطع الفاكهة إلا به وبالطبع ستسأل عنه... . لم أره.. أنا لم أر السكين ولم أذهب
للمرأة المتوحشة ولم تصفعني
وضع يده موضع الصفعة متألماً: آآآه! كم هي ثقيلة يدها .
مازال طنين الصفعة في أذني
خرجت والدته من غرفتها وهي تسأله:
كيفن! أين كنت ؟؟
سمعت صوت الباب يفتح ويغلق . ماذا كنت تفعل خارج المنزل؟
اقتربت منه والدته فلمحت أثر الصفعة على وجهه الذي اشتد
احمراره، فشهقت وقالت: ما هذا!! أرى آثار
أصابع بشرية على وجهك مما جعله شديد الاحمرار!! ماذا حدث يا ولدي وحق يسوع؟
تفاجأ بسؤالها فتلعثم وهو يتحسس أثر الصفعة:
أأأأأأأأ أمي .كنت أنا، أنا كنت أأأأأأ أأه أنا شعرت
بحركة غريبة يا أمي أسفل المنزل فنظرت من النافذة فوجدت ثلاثة رجال أشداء أقوياء
يطوفون حول المنزل، فشككت في أمرهم وأخذت سكينا ونزلت لأهددهم به,فالتفوا حولي
جميعا وقيدني أثنين منهم وصفعني الثالث على وجهي وأخذ مني السكين . هذا ماحدث يا
أمي
ردت أمه في دهشة: ثلاثة رجال أشداء أقوياء! شلت أياديهم جميعاً.. كيف يضربون ولدي! لا تغضب يا ولدي فهذا
حدث لك لأنك دائما تغضب أمك هاها كن مطيعا
حتى لا يتمكنوا منك مرة أخرى ، فقد رأيت في منامي هؤلاء الرجال الثلاث وأخبروني
أنهم سوف يضربونك في هذه الليلة وقد حدث
انفجر كيفن بالضحك من فرط كذب والدته وقال:
دائما احلامك واقعية يا أمي وخاصة الثلاث رجال هؤلاء ...
استأذن منك الآن فأريد أن أنام بضع ساعات فعندي الكثير من الأعمال في المكتب
االيوم
إذهب يا ولدي
استدار عامداً غرفته، ولحظت أمه عدم وجود السكين فنادته:
ولدي كيفن! أين
هو السكين الخاص بي ؟ تركته هنا على المنضدة قبل نومي
قهقه وقال ساخراً:
ألم يخبرك الثلاث رجال في المنام أنهم سوف يأخذونه عنوة
بعد ليّ ذراعي ؟
استبد الغيظ بوالدته لسخريته منها فقالت محتدة: كم أنا
سعيدة بهذه الصفعة، وأتمنى لك المزيد أيها العنيد
*************************************
في الظهيرة ذهب كيفن إلى عمله بعينين منتفختين إثر النوم
القليل..قبل أن يدخل إلى غرفة مكتبه، حيا سكرتيرته كريستينا المنهمكة في العمل خلف
مكتبها الخشبي:
ــــ طاب صباحك كريستينا
طاب صباحك سيد كيفن، كيف حالك؟... . ما بال وجهك شديد
الإحمرار هكذا!!
زفر كيفن متجاهلاً الرد، وسألها:
ـــــ هل سأل عني أحد ؟
ـــــ أجل يا سيد كيفن، سأل عنك السيد ليون لأنه وجد
هاتفك مغلقا، وسألت عنك السيدة ساندرا، فهي تسأل عن شحنة النبيذ، فقد تأخرت كثيراً
عليها
ــــــ مممم ذكريني أن أتصل بالمسؤول عن الشحن
سأفعل
*******************************
أغلق كيفن باب غرفته وهو يفكر في الصفعة التي تلقاها على
يد امرأة ، ورجولته توخزه وخزاً شديداً، فأخذ يذرع غرفة مكتبه ذهاباً وإياباً وهو
يصيح:
يا إلهي لا أصدق ! صفعتني امرأة، صفعتني امرأة، صفعتني امرأة
اقتحمت كريستينا مكتبه على حين غرة لتسأله عما صدم
مسامعها:
ــــ ماهذا! سيد
كيفن، سيد كيفن
انتبه لوجودها فرد بحدة:
ــــ ما ورائك كريستينا، ما ورائك ؟
ـــــ سمعتك تقول أكثر من مرة صفعتني امرأة، صفعتني امرأة.
من هذه المرأة التي صفعتك سيدي وأنا ألقنها درسا لن تنساه؟
شعر كيفن بالخزي لأن كريستينا سمعت ما قال، فكابر زاجراً
إياها:
ــــ ماذا تقولين!! أنا لم تصفعني امرأة قط في حياتي
ـــــ أنت الذي تقول صفعتني إمرأة
تلعثم باحثاً عن رد مقنع، ثم أجاب:
ـــــ أأأأأأأ آآه
صفعتني امرأة هذه إسم رواية من روايات شيكسبير
ـــــ هاها لقد قرأت كل روايات شيكسبير ولم يكن من بينها
رواية اسمها صفعتني امرأة
صرخ في وجهها كبراً وعناداً:
ـــــ أتكذبينني! أتكذبينني وتصدقين شيكسبير؟ من يعطيكِ راتبك!
أنا أم شيكسبير ؟
وضعت يدها على فمها تكاتم الضحك من حديثه الهزلي:
ـــــ أنت يا سيدي... عذراً، ربما كتبها بعد موته .
سأعود لأكمل عملي. بإذنك
همت بالانصراف فناداها وقد أخرج سكيناً من أحد الأدراج:
ـــــ إنتظري
ــــ في خدمتك سيد كيفن
ـــــ أنظري إلى هذا السكين
ـــــ ما به ! سكين كأي سكين
إقتربي وحاولي أن تنتزعيه من يدي، اقتربي
غمغمت في دهشة:
ماهذا ! ماذا أصاب هذا الرجل؟
اقتربت وحاولت نزع السكين دون جدوى، فقالت:
ـــــ ممم لا أستطيع
ـــــ حاولي مرة أخرى
حاولت بقوة أكبر أن تنتزع السكين من يده، فلم تستطع، فقالت
باستسلام:
ــــ لالا، لا أستطيع
ـــــ حاولي لي ذراعي
فغرت فاها مندهشة، فقال:
ــــ أفعلي مثل ما قلت
لوت شفتها عجباً، وحاولت أن تلوي ذراعه، فأضناها الأمر، فزفرت
وقالت:
ـــــ لا أستطيع، فأنت قوي جداً
تسمحي لي كريستينا أن أصفعك على وجهك ؟
اتسعت حدقتا كريستينا وهمت بالفرار من أمامه كالفأر
المذعور، وهي تقول:
ــــ استأذنك في الانصراف
لحقها، فجذبها إلى الخلف عنوة وهو يقول بجنون:
تعالي هنا.. اسمحي لي وإلا فعتها دون إذنك. وهأنذا أفعل
صفعها على وجهها فصرخت باكية وهي تضع يدها موضع الصفعة وتنظر
إليه كمن طاش عقله، فلوى ذراعها وأخذ يضربها على ظهرها بقبضة يده في انتشاء وهي
تصرخ وتستغيث، وهو يقول ضاحكاً: عذراً تحمليني
ـــــ آآآآه لالالالا. ذراعي، ذراعي، ظهري، جن الرجل
فرغ وهو يقهقه، فقال:
ـــــ عذرا كريستينا . الآن تفضلي بالإنصراف إلى مكتبك
صرخت في وجهه باكية:
ـــــ لا، بل سأنصرف من المكتب نهائياً أيها المتوحش
ــــ هاها لم أفعل لكِ شيئا كريستينا كي تتركي العمل
بالمكتب.
ــــ تضربني كل هذا الضرب المبرح ثم تقول لم تفعل لي شيئاً!!
ــــ لم أقصد إيذئِك.. فقط كنت أريد أن أرى بأسي على
النساء هاها
ردت بصراخ يمازجه النشيج:
ولم تجد غيري حتى تثبت لنفسك ذلك معها!
رد ضاحكاً وهو يخرج بعض الأوراق المالية من محفظته:
ـــــ هاها ومن يتحملني غير سكرتيرتي المخلصة كريستينا!..
تفضلي هذا المبلغ عوضاً لك عما أصابك من آلام بسببي
زفرت واختطفت الأوراق المالية من يده قائلة بضيق:
ـــــ بإذنك سيد كيفن، فلدي الكثير من الأعمال
لا تغضبي كريستينا. فسأصالحك يوم الكريسماس هاها لا تنسي
موعدنا أيتها الجميلة
قبل أن تخرج من الغرفة وتغلق الباب قالت بحدة:
ـــــ قبل الكريسماس اذهب إلى طبيب نفسي، فأنت لم تعد
طبيعياً سيد كيفن. بإذنك
أغلقت الباب بعنف فقال لنفسه ضاحكاً:
ـــــ أهم شيء أنني أثبت أن لي قدرة فائقة على ضرب
النساء. فقط أحتاج إلى مزيد من التدريب
لكي آخذ ثأري من المرأة العربية المتوحشة. . يوما ما ستسقط في يدي شاءت أم أبت
ووقتها سأنتقم شر انتقام . ممم أحتاج أن أهاتف ليون
جلس إلى مكتبه، وأمسك بجواله ليهاتف صديقه ليون...سمع
الرنين وبقى في انتظار رده
ـــــ الو! مرحبا كيفن. كيف حالك ؟
ــــ لا أعرف
ــــ هاها لا أفهم
تنهد كيفن وبدأ يعبر عما يجول في صدره:
ــــ حدث شيئا ما كدر صفوي جداً وأشعر من داخلي أنني أنا
المخطئ
ـــــ ماذا حدث يا كيفن ؟
ـــــ انت تعرف أن أمر الإله الذي نعبد يشغلني ودائما
أبحث عن دين الحق
ــــ أعلم ذلك. ولكن ماذا حدث
ـــــ سكنت في البناية المقابلة، أسرة عربية مسلمة، أم
وأب وإبنة، ويبدو عليهم الإلتزام بتعاليم كتابهم في المظهر والأفعال أيضا
ــــ عن أي مظهر تقصد؟
ــــــ النساء يرتدين حجاباً وملابس طويلة فضفاضة
قهقه ليون وقال بنبرة واثقة:
ـــــ هؤلاء متشددون يا كيفن
ـــــ وكيف عرفت ؟
كشف عن بعض بلايا المسلمين المتجسدة في بعض نساءهم المتخذات
أخدان، الساقطات من أعلى تلال الفضيلة إلى قيعان الرذائل:
ــــ لي صديقات من العرب المسلمين ولا يرتدين الحجاب، بل
ويضعن صورهم على صفحاتهن الخاصة بملابس عارية كبنات بلادنا الغربيات.. وعندما سألت
واحدة منهن أنني أعلم أن الحجاب يرتديه نساء المسلمين ولِمَ لا ترتدنيه، ضحكت
وقالت يرتديه نساء المسلمين المتشددات، أما نحن فلا
ولأن كيفن يسبر أغوار الحقائق ولا يقبل بكل ما يلقى على
مسامعه، فقد سأل ليون بتدبر:
ــــــ ولِمَ لا تقول يا ليون انهن لا يطبقن ما جاء
بكتابهم ولا يفعلن ما يأمرن ؟
أنهى ليون الحديث عما لا يعنيه ضاحكاً:
ــــ لا دخل لي بهذا أو ذاك . مالي انا يرتدين الحجاب أم
لا يرتدينه!!
رد كيفن بضحكة فاترة ساخرة:
ــــ أنت محق يا ليون
عاد ليون يسأل:
ــــ ولكن اكمل لي ماذا حدث مع الأسرة المسلمة
ـــــ عندما وجدت ابنتهم تصلي قبل طلوع الشمس، حينما فتحت
الرياح النافذة، جذبني جداً مظهرها وأبهرني، ونزلت كي أسألها عن دينهم، وكنت غير
متزن بحق، فخشيت مني، وظنت أني أردت بها سوءاً وطردتني
انفجر ليون بالضحك، وقال متعجباً من فعلته:
ـــــ ماهذا يا كيفن!! تذهب عند الناس وهم لا يعرفونك في
هذا الوقت لتسألهم عن دينهم! هاها حمداً لله أنها لم تصفعك على وجهك هاها
ازدرد كيفن ريقه باضطراب، وهو يتحسس موضع الصفعة وقال نافياً
ما ألم به:
حقاً، حقاً..
حمداًلله . وحتى لو أرادت لما استطاعت لقوتي الهائلة بالطبع . أنا لا تصفعني امرأة
يا ليون، لا تصفعني امرأة
هاها أعلم بالطبع يا كيفن . فقط أردت مداعبتك ... كيف
ستقضي الكريسماس ؟
*******************************
قبل الفجر، فتح كيفن نافذته، ووقف يرقب نافذة عائشة وهو
يجلد بسياط البرد القارس...همس لنفسه:
أرى الضوء ينبعث من غرفة المرأة المسلمة ... يبدو أنها
استيقظت لتقيم صلواتها ككل ليلة... ولكن للأسف لا يوجد رياح تفتح النافذة ولن
أتمكن من رؤيتها
اقتحمت أمه الغرفة فجأة ونادته:
كيفن! ماذا تفعل عند النافذة في هذا الجو البارد يا ولدي!
ــــ لا أشعر بالبرد يا أمي . أذهبي ونامي
ــــ أغلق النافذة يا ولدي، إغلق النافذة فأخشى عليك برد
الشتاء القارس
ــــ لا تخشي شيئا يا أمي.. سأنتظر بعض الوقت وأغلق
النافذة
فركت أمه ذقنها وهي تنظر في عينيه بخبث، وقد أدركت مأربه،
فقالت:
ـــــ هذه عادة جديدة لك يا كيفن . إياك والمرأة المسلمة
المتوحشة يا ولدي
بدت بسمة متهكمة على محياه وقال:
ـــــ كفاكِ يا أمي تحذيراً، فهي لم تشر إلىّ يوما أن
أنزل يا كيفن
أطرق رأسه مغمغماً بما يتمنى:
(وليتها تقول )
رفع رأسه وقد تنهد بعمق وطمئن والدته: اطمئني يا أمي
أطالت نظرة تبث شكوك نفسها تجاهه..فهي متيقنة في سريرتها
أن هناك أمر يشغل لبه..هربت عيناه من عينيها، فبدت بسمة ساخرة على محياها، وقالت:
ـــــ مممممم تصبح على خير يا ولدي
ــــ وأنتِ من أهل الخير يا أمي
*******************************
عند الظهيرة، كان كيفن جالساً في مكتبه، يعبث بأحد
الأقلام شارداً، فدق جرس هاتفه..إنها مخطوبته أنجيليكا التي امتعض لرؤية اسمها، زفر،
ثم تهيأ للرد بلطف:
ـــــ الو انجيليكا! كيف حالك حبيبتي افتقدتك جداً
ردت بضيق يمازجه التهكم:
ــــ حقا!!
ـــــ مابكِ أنجيليكا ؟
ردت بنبرة غاضبة:
ــــ ألا تعرف حقا ما بي يا كيفن ؟
ــــ لا أعرف حبيبتي
زفرت وأفصحت غاضبة:
ـــ كنت كل يوم في الصباح تهاتفني وقبل النوم تهاتفني
والآن صار لك أكثر من ثلاثة أيام لا تسأل عني. من شغلتك عني يا كيفن؟
ارتشف من أقداح الكذب، ففاضت شفتاه:
ــــــ حبيبتي اهدئي.. فلا توجد على الأرض من تشغلني
عنكِ . أنتِ بقلبي أنجيليكا
صرخت به باكية:
ــــ أنت كاذب، كاذب. وحتى خاتم الخطبة الذي وعدتني أن
تأخذني إلى محل المجوهرات لشراء غيره لم تفعل ايضا
قهقه وقال مداعباً:
ـــــ قولي أن هذا ما يؤرقك حبيبتي، ولا تقولي أنه الشوق
والحب
ردت بنشيج دلال:
ـــــ كيفن انت تعلم كم احبك، ولكن أشكو اهتمامك الذي قل
للغاية
ــــ عذرا حبيبتي فكانت عندي الكثير من أعباء العمل .
وقد وعدتك أننا سنخرج للسهر في اليوم التالي للكريسماس
وهئنذا منتظرة تنفيذ وعدك مممم ما رأيك أن تأتي إلينا
اليوم وتتناول الغداء معنا ؟
ـــــ عذراً حبيبتي لا أستطيع . أجلي كل شيء لليوم
التالي للكريسماس
زفرت بضيق وقالت قبل أن تغلق الهاتف: أوف! تحت أمرك خاطبي
العزيز كيفن
***************************************************
ها هي أتت ليلة الكريسماس، وانتظر كيفن بسيارته أسفل
منزل كريستينا، التي نزلت إليه متأنقة في ثوب سهرة لامع، وزادتها تصفيفة شعرها
الأشقر سحراً، تسبح في عطور أخذت بمجامع رجولته، فقهقه انتشاءاً من داخل سيارته، وفتح
لها باب المقعد المجاور، وقهقه مادحاً لها:
ــــ كريستينا.. ما أجملك الليلة . حظك سعيداً جداً، تحتفلين
بالكريسماس وعيد ميلادك أيضاً هاها من أسعد منك حظاً كريستينا!!
قهقهت بميوعة وهي تدلف إلى السيارة وقالت بعد أن استوت
على مقعدها:
ـــــ لا توجد من هي أسعد مني حظاً ممم هل سنتوجه إلى بيتك الآن ؟
قال ضاحكاً وهو يدير محرك السيارة:
ــــ هاها بالطبع . أحضرت لكِ نبيذاً فرنسياً رائعاً
للإحتفال بيوم ميلادك أيتها الجميلة
هاها أشكرك.... وأين هديتي ؟
ــــ غداً سأذهب أنا وأنتِ لاختيار ماتريدين من محل
المجوهرات
سألت بمكر:
ــــــ ممم هل اخذت أنجيليكا خاتم الخطبة ؟
ـــــ بالطبع لا هاها.. سأبيعه وأشتري غيره
قالت وبريق الخبث في عينيها:
ــــ لالا، أنا أريده
أجاب كيفن قلقاً:
ــــ ممم أخاف أن تراه أنجيليكا في إصبعك فيحدث ما لا
يحمد عقباه
ــــ هاها لن أريها إياه فاطمئن سيد كيفن
ـــــ اتفقنا . الخاتم أحتفظ به في غرفتي وسأعطيكِ إياه
قهقهت وكأنها انتصرت في معركة:
ــــــ أشكرك سيد كيفن، أشكرك هاها
*******************************
قضى كيفن الليلة في أحضان الخمر والهوى حتى ثمل وغاب عن
وعيه، استعدت كريستينا لمغادرة المنزل، وحاولت إيقاظه من سكرته، فأخذت تهزه
وتناديه:
ــــــ سيد كيفن، سيد كيفن ممم لقد شرب كثيراً.. سيد كيفن
أجاب متثائباً، وما زال مطبق الأهداب:
ــــ هاااااااا ما الأمر كريستينا ؟
ــــ أريد أن أذهب إلى بيتي سيد كيفن، ويبدو أنك لن
تستطيع القيادة
قهقه بغير اتزان وقال مكابراً:
ـــــ من قال ذلك! . اسبقيني إلى السيارة فأنا قادم
*******************************
على الطريق، في السيارة تقاسما الضحكات، حين أبدى كيفن
سعادته:
ــــ كم كانت ليلة رائعة يا كريستينا
هاها حقاً؟...لكي تتيقن أن لديك سكرتيرة ماهرة
انفجر كيفن في الضحك كالملتاث وهو يمدح أنوثتها: هاها حقا
ماهرة، ماهرة في كل شيء انتِ، هاها ما أمهرك كريستينا هاها
لاحظت ازدياد سرعة السيارة فارتاعت:
ــــــ سيد كيفن! لا تسرع هكذا..لا لا لا. أنت تقود
السيارة بسرعة جنونية
ضحك السيد المخمور وهو يطير بسيارته على الطريق بسرعة
البرق:
اهدئي بالاً هاها القيادة السريعة ممتعة حقاً
اختلت عجلة القيادة في يده فترنحت السيارة فصرخت
كريستينا:
لا لا لا انتبه يا سيد كيفن، السيارة ستنقلب:
انقلبت السيارة فعلا صراخهما
*******************************
في منزل الدكتورة عائشة، كانت والدتها تبحث عن شيء ما، فسألها
زوجها:
ــــ عمَ تبحثين يا مريم ؟
ــــ ابحث عن هاتفي. لا أعلم أين وضعته. أريد أن أهاتف
عائشة لأطمئن عليها يا سالم، منذ الأمس وهي بالمستشفى والآن أوشكت الشمس على الطلوع
ولم تأت
ــــ هاها حبيبتي ابنتك طبيبة وتعمل بمستشفى، وليست طفلة
صغيرة لتلاحقيها بالإتصال بين الفينة والفينة
ردت باضطراب وهي ما زالت تبحث:
ــــ أعلم يا سالم. ولكن شعوري بأننا غرباء هنا يزيد من
قلقي الدائم على ابنتي. ها هو هاتفي قد وجدته
*************************************
كانت الدكتورة عائشة تلملم أغراضها استعداداً لمغادرة
المستشفى، حين دق جرس هاتفها، فتبسمت حين رأت اسم والدتها، فردت من فورها:
ــــ السلام عليكم يا أمي
ــــ وعليكم السلام يا حبيبتي . لِم تأخرتِ يا عائشة ؟
ــــ هئنذا مغادرة مكتبي يا أمي. قد أنهيت عملي تماما
بفضل الله
فجأة رأت اضطراباً في حركة الممرضات والعاملين حولها، فأدركت
أن هناك أمراً ما، فقالت لأمها بنبرة قلقة:
ـــــ عذراً يا أمي، أشعر بحركة غريبة من الممرضات
بالمستشفى
أسرعت عائشة الخطى للتبين الأمر، فرمقت عن بعد رجل
وامرأة منسدحين على عربتين من عربات المشفى، يهرول بهما الممرضات، فانزعجت وقالت
لوالدتها المنتظرة على الهاتف:
ــــ يا إلهي !! لا حول ولا قوة إلا بالله، يبدو أنه حادث
شهقت والدتها فزعاً:
ـــــ حادث!! لا حول ولا قوة إلا بالله. هل الحالات خطرة
؟
ــــ لا أعلم يا أمي . أعتذر عن المجيء الآن.. يبدو أن
الأمر خطير، أرى رجلاً وامرأة ، ولكن من الواضح أن الرجل حالته خطيرة فهو مضرج بدمائه . أتركك الآن يا أمي
ــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . في رعاية الله يا
بنيتي
هرول الدكتور سالم إلى زوجته يسألها عما يزعجها:
ــــــ ماذا حدث يا مريم ؟ أهناك أمر مزعج ؟
ـــــ كانت عائشة على وشك مغادرة المستشفى، ولكن جاء رجل
وامرأة في حادث وستضطر للبقاء للمشاركة في إنقاذ الجرحى
ــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . أعانها الله وجعلها
سببا في شفاء الجرحى
*******************************
أسرعت الدكتورة عائشة إلى غرفة العناية، فألفت كلوديا
الممرضة تخرج، فسألتها:
ــــ كلوديا. ما الأمر ؟
ــــ حادث سيارة دكتورة عائشة. الرجل بحاجة لنقل دم سريع،
وعظامه مهشمة تماماً، أما المرأة التي كانت في صحبته أصابها فقط خدش في جبهتها هاها
ولكنها مغشى عليها من هول الحادث، ودكتور ميشيل معهما الآن
ـــــ سبحان الله ! سأدخل لأرى الحالة بنفسي إن شاء الله
*******************************
دلفت إلى الغرفة وتوجهت إلى دكتور ميشيل، وحيته:
ــــ صباح الخير دكتور ميشيل
رد التحية بلطف:
ــــ صباح الخير دكتورة عائشة .حادث نتيجة للسرعة
الجنونية، وقد كان مخمورا أيضاً، أنقلبت السيارة على الطريق عدة مرات
مخمور !! اللهم ارفع غضبك ومقتك عنا ... وما تشخيصك
للحالة دكتور ميشيل؟
ــــ الرجل يحتاج إلى نقل دم سريع جداً، فقد نزف كثيراً،
أما المرأة فحالتها مطمئنة مبدئياً، وسنجري فحوصات ربما يكون قد حدث لها نزيف
داخلي . وقد أرسلت بعينة دم كل منهما للمعمل
ــــ كتب الله لهما السلامة إن شاء الله . دعني أرى
الحالة عن قرب
تفضلي
ما أن اقتربت عائشة من الشاب المضرج بدمائه، حتى اتسعت
حدقتاها، وأخذت تتمتم:
ــــ يا إلهي !! إنه هو، هو. أتذكره جيداً.. يا الهي! لا
حول ولا قوة إلا بالله! حالته تبدو خطيرة جداً . الله المستعان
استدارت إلى الدكتور ميشيل تسأله:
ــــ دكتور ميشيل، هل اتصلتم بأحد من أهله ؟
ـــ لا يمكننا. فقد تحطمت الهواتف المحمولة معهما ولا
أعرف عنه غير معلومات بطاقته الشخصية التي كانت في محفظته، كما أننا نحتاج لدفع
تكاليف الجراحة
ـــ التكاليف سأدفعها أنا إن شاء الله
أتت إحدى الممرضات تهرول باتجاه دكتور ميشيل:
ـــــ دكتور ميشيل، أتيت بنتيجة عينة الدم
ــــ ماهي ؟
ــــ فصيلة دمه B
ردت دكتورة عائشة بحماس:
ــــ هذه هي فصيلة دمي أنا أيضا دكتور ميشيل . دعني
اتبرع له بدمائي
ــــ دكتورة عائشة يمكننا الإستعانة ببنك الدم فلا تشغلي
بالك
ــــ لا. أنا مصرة أن أتبرع له بدمي
هز كتفيه وقال لها:
ـــــ هذا شأنك. ولكن هل تعرفينه ؟
ــــ حتى ولو لم
أكن أعرفه، فلابد أن نرتقي بمشاعرنا
الإنسانية فوق المعاملات المادية . يجب أن
نرحم الناس لكي يرحمنا الله.. هكذا تعلمت
من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــــ العمل يفرض علينا أن نكون أكثر عملية وأن ننحي
مشاعرنا جانبا.. . ومع ذلك شعورٌ نبيل مشكورة عليه
ــــ أرني بطاقته الشخصية من فضلك
تفضلي
أمسكت بالبطاقة وتنحت جانباً، وطفقت تقرأ بياناته بهمس:
كيفن ماكس توماس
28 عام
صاحب مكتب للإستيراد
والتصدير
العنوان ..............
ــــ هااااا !!!!!!! إنه جار لنا في نفس الشارع . سأهاتف
أبي ليذهب لأسرته
*******************************
هاتفت أبيها على الفور لتبلغه، رد الوالد على اتصالها:
ــــ السلام عليكم ورحمة الله
ـــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أبي . كيف حالك
ــــ كيف حالك أنتِ يا بنيتي وكيف حال الجرحى؟
ـــ اتصل بك لهذا الأمر. الرجل المصاب جار لنا في نفس
الشارع ولم نتمكن من الإتصال بأحد من أهله، فبالله عليك يا ابي سأعطيك العنوان
لتبلغ أهله
رد الوالد مندهشاً:
ــــ جار لنا!
ــــ هو الرجل الذي باغتنا من فترة فجرا وكان مخموراً
ــــ أهو ذلك الرجل ؟
ــــ أجل يا أبي هو . من فضلك تعجل بالأمر وأخبر أسرته
ـــ اعطني العنوان يا بنيتي
*******************************
وضعت السيدة نيكولا هاتفها بضيق على المنضدة بعد محاولات
فاشلة للاتصال بولدها كيفن، زفرت بشدة ونادت زوجها:
ـــ ماكس
ـــ ما خطبك نيكولا ؟
ـــ كيفن هاتفه مغلق منذ الأمس. ولم يهاتفني ليهنئني بالكريسماس.
أنا شديدة القلق على ولدي يا ماكس
ربت على يدها باسماً مهوناً الأمر:
ـــ حبيبتي، ربما انشغل بالإحتفلات ولم يتمكن من مهاتفتك
وتهنئتك
هزت رأسها بغير اقتناع لما ذهب إليه وقالت:
ــــ لا,لا أنا أشعر أن شيئا ما قد حدث ولذا فهاتفه مغلق
تنهد وقال بامتعاض:
ــــ نيكولا. لا تنشغلي بالأمر أكثر من اللازم . ربما
يتصل خلال لحظات ونطمئن عليه. هيا لنخرج لنتنزه، فما جئنا هنا إلا للترويح عن
أنفسنا
هزت رأسها امتثالاً لرأيه..بينما شُرّعت نوافذ القلق في
قلبها، فطل من عينيها، وغمغمت بسؤالٍ حائر:
ــــ ترى ما سبب غلق هاتفك يا كيفن يا ولدي
*******************************
وصل الدكتور سالم والد عائشة إلى المستشفى، إستوقف إحدى
الممرضات يسألها:
ــــ أيمكنني مقابلة الدكتورة عائشة من فضلك ؟
ــــ من السيد ؟
ــــ والدها
ــــ هي تتفقد المرضى الآن . يمكنك انتظارها بمكتبها
الخاص في آخر هذا الممر، وسأخبرها بوجودك سيدي
ــــ اشكرك
**************************************************
هرعت الدكتورة عائشة إلى مكتبها لترحب بوالدها:
أبي ! ما هذه
المفاجأة السارة !
ــــ أعزك الله يا بنيتي . ذهبت الى منزل الرجل فلم أجد
أحداً وعلمت أنهم مسافرين
ابتئست عائشة لأجل الشاب:
ــــ يا الله !! كم أشفق عليه يا أبي. يحدث له مثل هذا
الحادث البشع ولا يجد أحداً من أهله بجانبه . يا للأسف
ــــ وأين هو الآن يا بنيتي ؟
ــــ في غرفة العناية المركزة
ـــ هل أفاق ؟
ــــ لا يا أبي، لم يفق بعد
ــــ حسنا . سأنتظر بجانبه حتى يفيق
اندهشت عائشة من فيض حنان والدها:
ــــ ياه ! ولكنك لا تعرفه يا أبي
ــــ يا بنيتي يكفي أنه مريض ولا يوجد أحد بجانبه، ولا
تنسي شيئا هاماً ، فهو جارنا والجار له حق على جاره
سددت إلى والدها نظرة فخار وقالت:
ـــ كم أتعلم منك أخلاقا عظيما يا أبي
ـــــ بل هي أخلاق سيد الخلق محمدا عليه الصلاة والسلام،
معلمنا وأسوتنا
ـــــ عليه أفضل الصلاة والسلام
ــــ ــــاسمحي لي بالدخول إلى غرفته
ــــ تفضل يا أبي وسأدخل معك أيضا
**************************************************
دلفت الدكتورة عائشة ووالدها، نظر إلى كيفن نظرة شفيقة
وقال:
ــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . شفاه الله وعافاه .
سأجلس على هذا الكرسي وأقرأ في مصحفي حتى يفيق
ــــ وسأستمع
إلى تلاوتك يا أبي . فكم هو جميلٌ صوتك
ــــ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن
له كفواً أحد
بسم الله الرحمن الرحيم
ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون
بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل
من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون
بسم الله الرحمن الرحيم
ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، وأمه
صديقة كانا يأكلان الطعام، انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون
***********
ظل الدكتور سالم يقرأ القرآن بصوت عذب إلى جوار كيفن
الفاقد للوعي، فحدث ما أذهل عائشة، وتهلل له وجهها..فالعبرات بدأت تطفر من عيني
كيفن، فلفتت نظر أبيها جذلة:
أبي، أبي، أنظر إليه، إن دموعه تسيل من عينيه..إنه يفتح
عينيه يا أبي
تهلل وجه الدكتور سالم، وقال له:
ـــــ حمدالله على سلامتك يا ولدي
ـــــ أغمض عينيه مرة أخرى يا أبي .
ــــــ إن شاء الله سيفيق يا بنيتي
عبرت عما أدهشها:
ـــــ سبحان الله!
كيف اهتز لكلمات القرآن وهو أعجمي لا يفهمها !!
ــــــ يا بنيتي إنه كلام الحق وتخشع له الجبال فمابالك
بالبشر
ــــ ولكنه ليس على ديننا يا أبي، إنه مسيحي
ــــــ يا بنيتي الإسلام دين الفطرة
أطال الدكتور سالم نظرة إلى كيفن وقال:
ـــــ اشعر أن هذا الشاب داخله خير كثير
امتعضت عائشة ولم يرقها رأي أبيها:
ـــــ داخله خير! كيف يا أبي وهو شارب للخمر غير عابئ
بالحياة ولِم خلق!
ــــ يا بنيتي، الله أعلم منا بخلقه. لا تحكمي على أحد .
فالله وحده هو من يهدي عباده إليه ومن يضل الله فلن تجدِ له هاديا... أرجو من الله
أن يهدي هذا الشاب إلى دينه الحق
ـــــ آمين يا أبي آمين
نظر الدكتور سالم في ساعة يده، وعلم أنه قد حان موعد
الصلاة، فقال:
ـــ سأذهب إلى الصلاة في المسجد وأعود يا بنيتي
ـــــ تفضل يا أبي
بقت الدكتورة عائشة في غرفة العناية إلى جوار كيفن، الذي
طفق يتأوه و يهذي تحت تأثير المخدر:
آآآه..آآآه، أمي..آآآه..أمي..آآآه..المرأة المسلمة
المتوحشة، صفعتني على وجهي آآآه يا همجية..أين أنتِ؟ أين أنتِ لآخذ بثأري آآآه
حاولت عائشة مكاتمة الضحك وفشلت، حيث همست لنفسها:
ــــ يبدو أنه يتحدث عني هاها ألا توجعه كل هذه الإصابات
بالشكل الكافي الذي يصرفه عن ألم صفعتي له ؟ هاها . بدأ يفتح عينيه مرة أخرى
فتح كيفن عينيه، مغبش الرؤية غير مدرك ما ألم به، أو أين
هو، فطفق يتسائل وينادي كريستينا:
ــــ آآآه أين أنا!! آآآه! أين أنتِ يا كريستينا؟ آآآه أما زلنا في المنزل أم نحن في السيارة الآن
بدأت الرؤية تتضح شيئاً فشيئاً، فظهرت عائشة أمامه، فهلع
وصاح:
آآه ماذا ! أنتِ؟؟ . ما الذي أتى بكِ إلى منزلي أيتها المتوحشة
. جئتِ خلفي لتصفعيني مرة أخرى؟ آآآه
أطرقت رأسها باسمة هنيهة، ثم قالت:
ــــ أولاً، حمدالله على سلامتك يا سيد كيفن، ثانيا، أنت
في المستشفى وليس في منزلك
فزع كيفن وهو ينظر إلى جسده المنسدح على الفراش، وأطرافه
المعلقة، فصاح:
ـــــ مستشفى! آآآه ماهذا!! ما كل هذه الأربطة! آآآه قيدتيني، قيدتيني هذه المرة لتأكليني!! أمي..
تعالي وابعدي عني هذه المفترسة آآآه
ــــ هاها يا سيد كيفن.. قد حدث لك حادث سيارة وأنقذك الله سبحانه
وتعالى
ــــ الله !!.....
كيف أنقذني ؟
ــــ بعنياته الإلهية لجميع خلقه
شغله الألم عما سمع، فتأوه:
ــــ آآآآه! أين كريستينا؟
ـــــ انصرفت إلى بيتها وقالت أنها ستأتي إليك باكراً
نظر إلى عائشة وسألها بهجاء:
ــــ ممم ماذا تفعلين في هذه المستشفى أيتها المرأة الهمجية ؟
تنهدت عائشة في استياء، وأجابته:
ـــ انا طبيبة بالمستشفى، والمتعهدة بالإشراف على حالتك
سيد كيفن. وكف عن وصفي بالهمجية من فضلك.
فأنا لا أعرف من هو الهمجي منا! . يبدو أنك قد نسيت أنك طرقت
بابنا في وقت غير مناسب وكنت مخموراً ولست
في وعيك وتهجمت علينا.. وبعد ذلك تتهمني بالهمجية لأني دافعت عن نفسي وعن حرمة
دارنا التي تعديت عليها
ـــــ مممم تتهمينني بأنني أنا الهمجي ؟
ــــ لم أعتد على إهانة أحد . اسمح لي بالإنصراف الآن
ــــ إنتظري
ــــ في خدمتك
ــــ من أنتِ ؟
ــــ أمة من إماء الله . أستأذنك
غادرت الدكتورة عائشة الغرفة، ودخلت كلوديا الممرضة في
الحال، فحيته:
ــــ مساء الخير سيد كيفن.نشكر الرب على سلامتك. انا
كلوديا الممرضة
ـــ مرحبا كلوديا . من تكون هذه الطبيبة العربية التي
تشرف على حالتي ؟
تبسمت وقالت:
ــــ انها الدكتورة عائشة، مصرية الجنسية . طيبة القلب جداً.
فقد تبرعت لك بدمها وأصرت على دفع تكاليف المستشفى من مالها الخاص
تصارع الاندهاش والخزي للوثوب على ملامح كيفن الصلف، فتمازجا،
مكاتماً نفسه حديثاً، بعدما أكبرها في دواخله:
ــــ فعلت كل ذلك !! ومع ذلك لم تخبرني وتحملت إهاناتي
دون أن تشعرني أنها صاحبة جميل!
**************************************************
كانت عائشة في ذات الممر الكائن به غرفة كيفن، تعطي
أوامرها لإحدى الممرضات، عندما عاد والدها من أداء الصلاة، فصرفت الممرضة واتجهت
إليه، فسألها:
ــــ أخبريني يا عائشة يا ابنتي، هل أفاق الشاب ؟
ـــــ أجل يا أبي
ــــــ حمداًلله. إسمحي لي بالدخول لأهنئه على سلامته ثم
ننصرف. هل أنهيتي عملك؟
ـــــ حمداًلله يا أبي. وسآتي في الصباح الباكر لأتابع
حالته إن شاء الله
ــــ إن شاء الله يا بنيتي
**************************************************
دلف الدكتور سالم إلى غرفة كيفن وحياه بابتسامة هادئة:
ــــــ مساء الخير يا سيد كيفن
ـــــ مساء الخير
ــــــ حمدالله على سلامتك
تفرس كيفن في ملامحه العربية للحظات، ثم سأله؟
ــــــ أنت مسلم أيضا ؟
رد وهدأة النفس تسري على محياه:
الحمدلله على نعمة الإسلام
رد متعجباً:
نعمة الإسلام !..... أتعرفني أنت كي تزورني ؟
ـــــ يا ولدي أنا والد الطبيبة المشرفة على حالتك، كما
أننا جيران، وديننا الإسلامي علمنا أن نهتم بشؤون جيراننا في السراء والضراء
اندهش كيفن من صنيعه:
ـــــ ياه!!... فقط لأننا جيران تقتطع من وقتك جزءاً
لزيارتي بالمستشفى والإطمئنان عليّ؟
هز رأسه باسماً وأجاب بنبرة هادئة هي ديدنه:
ـــــ أجل يا ولدي، فقط لهذا الأمر
ـــــ أشكرك جدا سيدي آآآه ما زلت أتألم بشدة
ــــ أرجو من الله أن يشفيك شفاءاً لا يغادر سقماً آمين
. إسمح لي بالإنصراف الآن
ــــ هل ستأتي لزيارتي مرة أخرى؟
ـــــ إن شاء الله، أعدك بزيارة أخرى يا ولدي
***********************************
في الصباح الباكر، دلفت الدكتورة عائشة إلى غرفة كيفن، وحيته:
ــــ صباح الخير سيد كيفن
ــــ صباح الخير سيدتي الطبيبة.... أصبحت مديناً لكِ
بالمال والدم، بينما أنتِ مدينة لي بشيء واحد
ـــــ أما عن دين المال والدم فأنا متنازلة عن حقي. ولكن
مابال الدين الذي تزعم أني مدينة لك به ؟
ــــ ...... الصفعة
ردت متهكمة:
ــــ اتظن أنك ستردها لي يوماً ما ؟
وارى بسمة كادت ترتسم على شفتيه وقال بتجهم مصطنع:
ــــ ولِمَ لا ؟
لم أعتد أن أترك حقي سيدتي الطبيبة
ردت ببسمة ساخرة:
إن تمكنت فافعل.... والآن دعني أفحص هذه الكسور والكدمات
ما أن شرعت في فحصه، حتى دخلت كريستينا على حين غرة
ووجهها الذي تعلوه الخدشة المضمدة متهلل، حيتهم بمرح:
ـــــــ صباح الخير سيد كيفن هاها صباح الخير أيتها
الطبيبة
ردت عائشة وهي تنظر إلى جبهتها وتكاتم الضحك:
ــــــ صباح الخير، تفضلي. مابال الخدشة التي أصابت
جبهتك؟
ــــ ــهاها بخير
نظر إليها كيفن وقال متعجباً بعدما رآها تقف على قدميها
بكامل حيويتها:
من ؟؟ كريستينا!!
ــــ انا هي يا سيد كيفن، كيف حالك؟
قال وعقله يكاد أن يطيش:
ـــــ أريد أن أسألك سؤالاً
ـــــ سل
ــــ ألم تكوني معي في هذا الحادث ؟
ــــ بلى، كنت معك هاها
قال مستشيطاً غيظاً:
ــــــ إذن فكيف يتدمر جسدي تماماً وألتف بأربطة وضمادات
وأنتِ فقط لا تصيبك سوى خدشة في جبهتك!
قهقهت كريستينا:
ـــــ هذا لاني طيبة القلب ولا أؤذي أحداً أبداً هاها
ـــــ ماذا!! تتهميني إذن إني شخص مؤذي. أليس كذلك؟
ـــــ هاها عفوا سيدي لم اقصد . شفاك الرب
قال متأففاً:
ـــــ اجلسي كريستينا
ـــــ شكراً
اتجهت الدكتورة عائشة صوبه وقالت:
ـــــ دعني أبدل لك هذه الضمادات سيد كيفن
ـــــ تفضلي
فجأة اقتحمت مخطوبته أنجيليكا الغرفة حاملة بين يديها
علبة حلوى كبيرة، وهرعت إليه بصراخ ونحيب
ــــ كيفن! خاطبي الحبيب، ما الذي حدث لك!!
ـــــ مرحبا انجيليكا. كيف عرفتِ ؟
ردت بنشيج:
ـــــ قرأت عن الحادث في الجريدة
لمحت أنجيليكا سكرتيرته الحسناء كريستينا تجلس في زاوية،
فزفرت وصاحت بها متضجرة:
ــــ أأنتِ هنا ايتها الحرباء؟
ردت تكايدها ضاحكة:
ـــــ هنا، ولم أفارقه سيدتي انجيليكا هاها
كانت عائشة ترقب ما يحدث وتكظم الضحك، قائلة في سريرتها:
ـــــ هاها جميل جدا ما أرقبه عن بُعد . مخطوبته
وسكرتيرته... يبدو أنها الحرب
فجأة تندفع السيدة نيكولا إلى داخل الغرفة، تهتف باسم
كيفن متلهفة:
ـــــ ولدي كيفن. كيفن!
انتبهت السيدة نيكولا إلى وجود الدكتورة عائشة بملامحها
العربية، متوشحة بحجابها، فأيقنت أنها إزاء امرأة مسلمة، فنشب حريق في دواخلها
أذهلها عن ولدها المنسدح على فراشه، فثارت في وجهها:
ـــ ـمن أنتِ ايتها المحجبة؟ وماذا تفعلين في غرفة ولدي ؟
ردت على ثورتها بهدوء:
ـــــ أنا الطبيبة سيدتي
حدجتها بنظرة كراهية، واستدارت لولدها تبكيه:
ــــ ولدي كيفن...ما الذي أصابك؟
رد ساخراً:
ـــــ أنا بخير يا أمي كما ترين هاها
ردت بنشيج:
ـــــ أشكر الرب أنك ما زلت بخير يا ولدي
أقتربت منه أنجيليكا، لتسأله عن سؤال يشغلها، وما تأخرت
في الإفصاح عنه إلا لدخول والدته:
ــــــ قرأت في الجريدة أنه كانت هناك سيدة معك في
السيارة. من هي يا كيفن؟
ارتبك كيفن وتلعثم:
ــــــ أأأأأأأ لالالالالالا خبر كاذب، لم يكن معي أحد
انتفضت كريستينا عن مقعدها وهرعت إليه وهي تسدد نظرة
ماكرة إلى مخطوبته أنجيليكا:
ـــــ ولماذا تكذب عليها سيد كيفن!!
استدارت إلى أنجيليكا وقالت بميوعة قاتلة:
ـــــ أنا من كنت معه سيدتي أنجيليكا هاها، فقد قضينا
معا ليلة الكريسماس وكانت رائعة بحق هاها، ورقصنا على أنغام الريجي الالمانية هاها
كانت تنقصك هذه السهرة هاها
غمغم كيفن:
ـــــ تبا لكِ يا كريستينا
هاج هائج أنجيليكا:
ــــــ أهكذا يا كيفن! أهكذا!! تدعي أنك مشغول بالعمل
ولا وقت عندك للإحتفال معي بليلة الكريسماس وأنت في الحقيقة كنت تنوي قضاؤها مع
هذه الحرباء!! وأنا المسكينة الطيبة القلب أذهب واشتري لك خصيصا كعك البليتشن
والليب كوخن لأنك يا مسكين منعك العمل عن الإحتفال!!
حاول كيفن أن يخمد ثورتها:
ــــ حبيبتي قد فهمتي الأمر خطأ، دعيني أشرح لكِ وأوضح
الحقيقة
زادت ثورتها اشتعالاً فدمدمت سباباً:
ـــــ الحقيقة أنك رجل خائن، الحقيقة أنك زير نساء، الحقيقة
أنني سوف أكسر لك الذراع السليم المتبقي لاجعلك عبرة لأمثالك
انقضت عليه بغليلها تحاول كسر ذراعه، فصرخ واستغاث بأمه:
ــــــ لا لا، لاااا. أمي أبعديها عني
دفعتها السيدة نيكولا بعيداً ونهرتها:
ــــــ ابتعدي عن ولدي، كفاه ما أحل به أيتها الحمقاء
ضربت أنجيليكا الأرض بقدمها غلاً وألقت علبة الكعك على
الأرض، وغادرت الغرفة مسرعة، فقهقهت كريستينا وقالت لكيفن بنبرة مستفزة:
ـــــــ لماذا غضبت مخطوبتك سيد كيفن ؟ أتغار عليك مني!
أصر كيفن على أسنانه وقال بانفعال:
ــــــ كريستينا! غادري المستشفى، فلا أحب أن أراكِ
زادت قهقهتها كالمختلة وقالت:
ــــــ أمرك سيد كيفن، سأذهب الى المكتب وأديره وكأنك موجود
تماماً
ما أن غادرت كريستينا الغرفة، حتى دلفت راهبة خمسينية، عليها
سمت الوقار. فتسائلت عائشة في سريرتها، من تكون هذه الراهبة!!
ألقت الراهبة التحية على الجميع بملامح متجهمة:
ـــــ طاب مساؤكم جميعاً
ردوا التحية، وقال كيفن متهللاً لرؤيتها:
خالتي! أجئتي من برلين لأجلي ؟
حدجته بنظرة غاضبة وصاحت به:
ـــــ جئت لأجل أن أسمعك ما تستحقه من إهانات أيها السكير.
خمر ونساء يا فاجر! هذه الحادثة تستحقها وليتك مت أيضاً
فغر كيفن فاه دهشة مما لم يتوقع سماعه، فكظمت عائشة
الضحك وغادرت الغرفة، فردت والدته على أختها غاضبة:
ـــــ ابعد الرب عنه الشرور يا صوفيا. أتتمنين الموت
لولدي الحبيب!!
ردت ثائرة:
ـــــ موته أفضل من سكره وعربدته. طالما قلت لكِ دعيه لي
ينشأ في الدير ويتربى وسط حكايا القديسين، ولكنكِ أبيتِ وقلتِ لا أستطيع الإستغناء
عن ولدي يا نيكولا
ردت بنبرة هادئة لتسكن ثورة أختها:
ــــــ وحتى الآن لا أستطيع الإستغناء عن ولدي يا صوفيا.
إجلسي واهدئي
ردت بنبرة تشتعل غضباً:
ـــــــ وكيف تهدأ الراهبة التي تحرم على نفسها متع
الحياة وتعيش لخدمة الرب، ولها ابن أخت كهذا الماجن!!
طأطأ كيفن رأسه خجلاً، ثم قال باستعطاف:
ـــــ عذرا خالتي صوفيا، سامحيني
ردت معنفة إياه:
ــــــ بل اطلب الصفح من الرب. صلي للرب واطلب الصفح يا
صاحب الخطية
زفر ورد متأففاً:
ـــــ أنا أطلب النوم الآن . احضروا لي طبيبتي المعالجة.
أريد طبيبتي، وأريد أن أبقى وحدي
ـــــ يطردنا ولدك نيكولا. جئت من برلين لأطرد على يد
هذا السكير
ــــــ هاها عذراً صوفيا أختي الحبيبة
*************************************
عادت عائشة إلى المنزل بعد يومها الحافل بالأحداث، ألقت
السلام على والدتها
ــــــ السلام عليكم يا أمي
ــــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حبيبتي. مرحباً
عائشة...كيف كان يومك ؟
قهقهت عائشة وقالت:
ـــــ غريب جداً هاها ضحكت كثيراً على مواقف رأيتها تحدث
للسيد كيفن
ـــــ هاها ماذا حدث ؟
ــــــ وكأن اليوم يا أمي كان يوم انتقام النساء منه هاها
مخطوبته أتت وتشاجرت معه وكادت تكسر ذراعه السليم لأنها علمت أن سكرتيرته هي من
كانت بصحبته ليلة عيدهم هاها وبعد انصرافها أتت خالته الراهبة وهي متجهمة الوجه وأوسعته
سباباً بسبب احتساءه الخمر وانغماسه في عالم النساء. وهو المسكين لم ينطق بكلمة
وقد علت حمرة الخجل وجنتيه ينظر أرضا كالأطفال هاها
قهقهت والدة عائشة وقالت:
ـــــ يستحق هذا وأكثر هاها... حياته غريبة حقاً. أتمنى أن
يفيقه هذا الحادث
*******************************
في مساء اليوم التالي، أتت كلوديا الممرضة إلى غرفة
الدكتورة عائشة، وأبلغتها أن السيد كيفن يطلب زيارتها لغرفته، فذهبت إليه، وألقت
التحية:
ــــــ طاب مساؤك يا سيد كيفن
ــــــ طاب مساؤك سيدتي الطبيبة
أطرقت عائشة هنيهة، ثم قالت تستفيقه من غفلته:
ـــــ خمر.. وزنا.. وحياة مجون!.... أي من الموبقات تركت
يا سيد كيفن!!
نفذ السؤال إلى أغواره الحائرة، فعاد بلا جواب، فاندفعت نظرات
الحيرة صوبها، فسألته:
ـــــ هل تشعر بالسعادة عندما تفعل هذه الأشياء ؟
هز رأسه بانكسار، وأجابت روحه المنهزمة:
ـــــــ لا، بالطبع لا ... بل أشعر باكتئاب وحزن يكاد يشق جدران قلبي، أنا غير
راضٍ على الإطلاق عن أفعالي ... أشعر أنني أحيا حياة غير حياتي....لا أجد نفسي....
أشعر بالغربة وسط أهلي....بل أشعر بالغربة عن نفسي.... . لا أعرف من ربي
صرخ من أعماقه:
ـــــ من هو ربي كي أحيا لأجله؟
ـــــ ربي وربك الله
أطرق هنيهة، ثم سألها مسدلاً حاجبيه:
ــــــ ولِمَ لا يكون المسيح ربي ؟
ردت وآيات الإيمان تنبع من أنهار روحها المتدفقة وتتجلى
على وجهها:
ــــــ سيد كيفن! المسيح ما هو إلا عبد من عباد الله
ـــــ يقولون أنه هو الرب
ـــــ ومن أمه ؟
ــــــ العذراء مريم
ــــــ سيد كيفن! وكيف لامرأة من البشر أن يحوي رحمها إله البشر!!
تملكه الجواب، فلمعت عيناه، فأشحذ شفار أسماعه، وقال
بنهم للمعرفة:
ـــــــ زيديني
ــــــ سيد كيفن! أنظرت يوماً ما إلى الصور المزعومة
للسيد المسيح صغيراً ؟
ــــــ أجل، أجل نظرت كثيراً جداً
ــــــ ومن كان يحمله ؟
ــــــ تحمله أمه العذراء مريم
ـــــــ ومن يطعمه ؟
ــــــ تطعمه أمه العذراء مريم
ــــــ ومن ينظفه كأي طفل؟
ــــــ أمه العذراء مريم
تنهدت عائشة وهي تهز رأسها استنكاراً، ثم قالت:
ــــــ سيد كيفن!، وكيف للإله المهيمن المسيطر على
الكون أن يحمل في احشاء امراة ويولد
ويحتاج للخدمة والرعاية ثم تقولون أنه رب البشر !!!!! المسيح ما هو إلا نبي من
أنبياء الله ولم يقل اتخذوني إله
بدأت تستشهد بآي الذكر الحكيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني
وأمي إلهين من دون الله، قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت
قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك، إنك أنت علام الغيوب، ما
قلت لهم إلا ما أمرتني به، أن اعبدوا الله ربي وربكم، وكنت عليهم شهيداً ما دمت
فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد، إن تعذبهم فإنهم
عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)
رد والقشعريرة تسري في دواخله:
ياه! هذه الكلمات ترعد جسدي
دعني أشرحها لك لتنفذ إلى روحك
بعدما شرحت له ما قرأت على أسماعه، سألها بتلهف:
ـــــ ولكن ما هو الثالوث؟ هذا الثالوث يحيرني منذ صغري
ولا أجد إجابة. دائما يقولون أن فهم الثالوث يفوق قدرة العقل البشري
ـــــ سيد كيفن! هذه عبارة يقولونها لأن الأمر لا يوجد
له إجابة عندهم. لذا فوجدوا حجة قصر العقل البشري عن فهم الثالوث....ربي وربك الله
لا إله إلا هو . رب واحد لا وجود للثالوث واسمع الى هذه الآية وأعرني قلبك
بسم الله الرحمن الرحيم
(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد، وإن لم
ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب إليم، أفلا يتوبون إلى الله
ويستغفرونه، والله غفور رحيم )
بعدما أنهت قراءتها وفسرت له ما لامس شغاف قلبه، عبرت
بسمة ارتياح على نهر ثغره وقال وبريق الحماس يشع من ناظريه:
ـــ ياااااه!!.... أين كنتِ أيتها الطبيبة. لِمَ
لَم تظهري في حياتي قبل الآن؟؟ أريد
المزيد كي أطمئن. ما زالت هناك أسئلة كثيرة تدور برأسي وللمرة الأولى في حياتي أجد
من يجيبني
ـــــ عفواً سأضطر للإنصراف الآن. وسآتيك باكراً إن شاء الله
ـــــ
سأنتظرك. وحق يسوع لا تتأخري
ـــــ
قل بالله لا تتأخري
ـــــ
بالله لا تتأخري
***********************************
في الصباح دلفت والدة كيفن إلى غرفته بالمستشفى، وألقت
التحية باسمة وهي تجلس في مقعد مجاور:
ـــــ صباح الخير يا كيفن يا ولدي، كيف حالك اليوم؟
رد وكأنه طير يخفق بجناحيه في مروج السعادة:
ـــــ بخير يا أمي، بخير.. سعيد جداً
ـــــ هاها سعيد وأنت مازلت بالمستشفى!!
ـــــ ليتني اظل هنا طوال الوقت
عبست أمه لمقولته وتعوذت:
ـــــ أبعد الرب عنك الشرور يا ولدي
أفصح عن أسباب سعادته في انتشاء:
ــــــ أمي إلهنا واحد يا أمي. لا يوجد ثلاثة آلهة. لا
يوجد
اتسعت حدقتا الأم، وانتفضت عن مقعدها تبرق وترعد:
ـــ أتعود لتهذي بهذه الكلمات مرة أخرى!! أعلم من وراء ذلك،
بالطبع تلك الطبيبة
شرع بمحاولة بائسة يهدئها:
ــــ يا أمي، إنها طيبة القلب جداً. أتعرفين أنها من
دفعت تكاليف المستشفى؟ وتبرعت لي بدمها. عندما أعود للبيت سأذهب إلى والدها وأرد
المبلغ، وأعتذر لهم عن سوء تصرفي معهم يوماً ما
زادت نارها تأججاً:
ــــــ ماذا تقول! تباً لها ولأبيها وتباً لك. أنا ذاهبة
إليها
انطلقت من الغرفة كالرياح العاتية والشرر يتطاير من
عينيها، تتبعها توسلات كيفن أن تعود...ألفت ممرضة في طريقها، فسألتها بغلظة:
انتِ أيتها الممرضة، أين هي الطبيبة المسلمة التي تتابع
ولدي كيفن؟
ــــ ها هي غرفتها، فاهدئي سيدتي
اقتحمت غرفة عائشة، ونادتها بازدراء:
أنت!!
قامت عائشة عن مكتبها، ورحبت باحترام متجاهلة تلك
الازدراء في عينيها:
ــــ مرحبا سيدتي، تفضلي
قالت بنظرات وعيد متقدة:
ـــــ إسمعي ايتها العربية المسلمة، إبتعدي عن ولدي كيفن.
كفاكِ مكراً وخديعة وتشكيكاً في ديننا. ولدي لن يترك دينه
ابتلعت عائشة غصة الإهانة، وردت ببسمة هادئة:
ــــــ إهدئي سيدتي
ــــــ لن أهدأ إلا عندما ترحلين عن بلادنا للأبد. أنا
سأنقل ولدي لمستشفى آخر بعيداً عن خططك الدنيئة أيتها المسلمة الماكرة
توسلت عائشة إليها بدورها كطبيبة معالجة:
ــــــ سيدتي بالله لا تفعلي، فحالة السيد كيفن مازالت
حرجة وخروجه الآن من المستشفى سيعرضه للخطر
أطرقت السيدة نيكولا هنيهة، ثم قالت بصلافة:
ــــ إذن حرصاً على سلامة ولدي سأكتفي الآن بأمرك ألا
تدخلي غرفته مرة أخرى، أسمعتِ؟
ـــــأمرك سيدتي. أعدك ألا أدخل غرفته مرة أخرى
فتحت السيدة نيكولا حقيبة يدها وأخرجت رزمة من الأوراق
المالية، ألقت بها على مكتب عائشة بازدراء وقالت:
ــــ وها هي نقودك التي دفعتيها للمستشفى لأجل ولدي حتى
لا يفتح بينكما باب آخر لأي حوار. إياك، إياك أن تدخلي إلى غرفته مرة أخرى وإلا
وحق يسوع لو وصل الأمر لقتلك لقتلتك بيدي، وهذا آخر إنذار
رفعت عائشة رأسها وقالت بإباء وشمم:
ــــــ أنا لا أخش إلا الله. عدم دخولي لغرفة ولدك هو تنفيذاً لوعدي وليس خوفا من
بطشك .. اسعدتني زيارتك لمكتبي
جلست عائشة إلى مكتبها، وانشغلت ببعض الأوراق في تجاهل
للسيدة نيكولا
زفرت السيدة نيكولا، مسددة إليها نظرة كراهية، ورمتها
بعبارة عنصرية مقيتة:
أوف! أنا لا أعرف لِمَ تأتون لبلادنا!!
غادرت الغرفة عازمة على مقابلة مدير المستشفى، استعلمت
عن مكتبه، وتوجهت إليه
*******************************
دلفت السيدة نيكولا غرفة مدير المستشفى مقطبة الجبين، حيته
متضجرة:
ـــــ طاب صباحك سيدي
ـــــ طاب صباحك سيدتي، تفضلي
ـــــ من فضلك أنا والدة كيفن ماكس، غرفته في الدور الثاني
غرفة رقم 20
ــــ تحت أمرك سيدتي
ردت باحتداد:
ــــــ تتابعه طبيبة عربية مسلمة، لا أريدها. لا اريد
مسلمة تتابع حالة ولدي
رد باندهاش:
ــــــ دكتورة عائشة!... ولكنها طبيبة ماهرة حقا سيدتي
ـــــــ لا تهمني مهارتها. ما يهمني الآن هو أن تبتعد عن
ولدي من فضلك. عين له طبيباً آخر لمتابعته
لوى شفته لغموض الأمر، وأجاب مطلبها:
ـــــ أمرك سيدتي، سأكلف أحد الأطباء بمتابعة الحالة
بدلاً عن الدكتورة عائشة . أهناك أمر آخر؟
ـــــ لا . اشكرك سيدي . استأذنك في الإنصراف
ــــــ تفضلي سيدتي
************************************
عادت عائشة إلى المنزل مبتئسة، ألفت والدها ووالدتها
يتسامران، فألقت عليهما السلام، بنبرة فاترة:
ــــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردا السلام وقد قرءا على صفحة ملامحها ما طوته سطور
دواخلها، فحوتها أمها في أحضان نظرة شفيقة، و سألها والدها باهتمام وقد قام إليها:
ـــــــ مابكِ حبيبتي؟ يبدو من ملامحك أن هناك أمراً
يضايقك
تنهدت بأسى وقالت:
ــــــ والله يا أبي أمر غريب جداً
ـــــ ما الأمر ؟
انتظرت والدتها سماع ماحدث وقلبها يخفق بشدة، فقالت
عائشة:
ـــــــ والدة جارنا المصاب بالمستشفى أتت غرفتي لتهددني
للإبتعاد عن متابعة حالة إبنها بوجه يحمل الكراهية لي
ولا أدري ما السبب يا أبي
ــــ هاها السبب انك مسلمة ، .. ابتعدي عن حالة ابنها
فما جئنا متحدين أحد . إن أراد ابنها الإسلام فسيسعى إليه، بل سيعدو اليه عدوا. لا
تكدري صفوك
هزت رأسها في امتثال لأمر والدها، وقالت مطأطئة رأسها
حزنا:
ــــــ حسناً يا أبي . سأذهب لاستبدال ملابسي وأعود
إليكما
رفع والدها رأسها وقال مداعباً:
ـــــ عودي بوجه غير هذا الوجه الكئيب
تبدت بسمة هادئة على محياها وأومأت برأسها، واتجهت إلى
حجرتها
************************************
إنتاب كيفن القلق لتأخر الدكتورة عائشة، وما أن دلفت
كلوديا، حتى سألها متلهفاً:
ـــــ كلوديا! لِمَ لم تأت الدكتورة عائشة لمتابعتي هذا
الصباح ؟
ــــــ سيمر عليك الدكتور ميشيل أو الدكتورة جوليا بعد
قليل
رد متأففاً:
ـــــ أسألك عن الدكتورة عائشة
ـــــ لا أعرف يا سيدي، ولكن سمعت أن الدكتور ميشيل أو
الدكتورة جوليا هم من سيتابعان حالتك
زفر بضيق وقال:
ـــــ من فضلك بلغي الدكتورة عائشة اني أريد رؤيتها
ــــــ سأبلغها سيد كيفن
*******************************
ذهبت من فورها إلى الدكتورة عائشة:
ــــــ دكتورة عائشة
ــــــ ما الخطب كلوديا ؟
ــــــ السيد كيفن يريد رؤيتك
أطرقت هنيهة، ثم سألتها:
ــــــ ألم تخبريه أنني لم أعد مسؤولة عن متابعته ؟
ــــــ أخبرته ولكنه أصر أن يراكِ الآن
آسفة جداً، إعتذري له . فأنا مشغولة بمرضى آخرين
ــــــ سأفعل
*******************************
عادت إليه تبلغه:
ــــــ الدكتورة عائشة تعتذر سيد كيفن
ابتئس كيفن وأطرق رأسه يسائل نفسه مغمغماً:
( تعتذر !!!!!!! هل بدر شيئاً مني اغضبها!... ربما غضبت لأنني
قلت لها يوماً ما سأرد الصفعة!... ولكن ما
كنت إلا مازحا) .
أسدلت كلوديا حاجبيها وسألته:
ـــــ تقول شيئاً، سيد كيفن؟
ـــــ من فضلك كلوديا، شددي عليها في الحضور لأمر هام .
قولي لها أني أرجوها أن تحضر
ــــــ سأفعل لأجلك
*******************************
وللمرة الثانية أتتها كلوديا محملة بذات الرسالة، ولكن
بلهجة أشد إلحاحاً ورجاء أكبر:
ــــ دكتورة عائشة. السيد كيفن يرجوك لتذهبي لغرفته
هزت رأسها بأسى وقالت:
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . لم أعتد أن أعد وأخلف
وعدي . من فضلك كلوديا انتظري، سأكتب لكِ ورقة فسلميه إياها
أمسكت بالقلم وكتبت بعض عبارات موجزة، ثم أعطت الورقة
لكلوديا قائلة:
ـــــ أعطه هذه الورقة، كلوديا
ــــ تحت امرك، دكتورة عائشة
*******************************
عادت إليه كلوديا بالرسالة، ونادته:
ــــ سيد كيفن
رد متلهفاً:
ـــــ ها! هل ستأتي الدكتورة عائشة يا كلوديا ؟
ــــ انها أرسلت إليك هذه الورقة. استأذنك في الانصراف
أمسك الورقة بيده المعافاة متلهفاً لما حوته، فوقعت عينه
على ما صدمه..فقد كتبت له:
ـــ(سيد كيفن.. أعتذر بشدة عن عدم متابعتي لحالتك
وذلك بناء على رغبة والدتك . أتمنى لك من الله الشفاء
العاجل )
تأجج الغضب في أعماقه من صنيع أمه, ونظر إلى جسده المكبل
بأغلال الفراش وزأر كليث غاضب:
ــــ ـآآآآه, لماذا؟، لماذا يا أمي!!
*******************************
بعد مرور يومان, أتت والدة كيفن كعادتها في الصباح
لزيارته التي لا يرحب بها..فهو دائماً كان يشيح بوجهه عنها ولا يرد على الأحاديث
التي تسردها على مسامعه...قاطعها كما قاطع الطعام..مرت والدته بالطبيب المعالج
أولاً لتطمئن على حالته:
ــــــ صباح الخير دكتور ميشيل
ـــــ صباح الخير سيدتي
ــــــ اريد الإطمئنان على حالة ولدي كيفن. أما زال يرفض
الطعام ؟
هز الطبيب رأسه في استياء وأجابها:
ــــــ أجل يرفضه وبشدة, وهذا الأمر سيؤدي إلى تدهور
حالته
اشتعل وجهها بحمرة الغضب وأخذت ترغي وتزبد:
ـــــ كل هذا يحدث بسبب تلك العربية المسلمة! أنا لا
أعرف لِم تسمحون للمسلمين بالعمل في هذه المستشفى!! لِم تسمحون لهم بدخول أوروبا والعبث بعقول أبنائنا!!
ـــــ إهدئي سيدتي. الدكتورة عائشة محبوبة جداً من
مرضاها وكل طاقم العمل. فهي لم تسىء لأحدٍ يوماً ما . فرغم أنها تعمل لدينا منذ
فترة قصيرة, ولكنها سرعان ما حظيت باحترام الجميع بسبب حسن خلقها
أشارت له بيدها أن يكف عن المديح, وانتفضت عن مقعدها, وقالت
بحدة:
ـــــ لن يفيد الكلام. أهم شيء عندي الآن هو ولدي..
سأدخل إليه الآن ربما أقنعته بتناول
الطعام
*******************************
دلفت إلى غرفة كيفن واقتربت من فراشه باسمة تحييه:
ـــــ صباح الخير يا كيفن
............................
ــــــ أهكذا يا ولدي تدير وجهك ولا ترد عليّ تحيتي!....
كيفن حبيبي. حبيبي تناول طعامك لأجلي، لأجل أمك التي تحبك أكثر من نفسها
صاح مغاضباً:
ـــــ أنتِ لا تحبيني يا أمي, لا تحبيني. أشعر أنكِ أكثر
من كرهني على وجه هذه الأرض
أحزنتها كلماته فبكت ولامته بانكسار:
ــــ أهكذا! أهكذا يا كيفن! سامحك الرب يا ولدي....ألهذه
الدرجة وقعت تحت تأثير سم تلك الأفعى
المسلمة وجعلتك تنفر من أمك بل وتتهمها أنها أكثر من كرهك على وجه الأرض!
تنهد بعمق وقال متجهماً:
ـــــ أمي. من فضلك دعيني وحدي. لا أستطيع أن أتحدث
إليكِ أو إلى غيرك
ردت بنشيج راجية:
ـــــ سأتركك في حالة واحدة, وهي أن تأكل طعامك يا ولدي.
أريدك أن تشفى سريعاً ولا تتدهور حالتك
رد بنبرة يائسة ووجه عازف عن الحياة:
ـــــ لا أشعر بالرغبة في تناول الطعام. بل لا أشعر
بالرغبة في الحياة بأسرها, فاتركيني الآن
علا نشيجها وتشبثت بذراعه وأعلنت ما انتوته بإصرار:
ـــــ لن أتركك لهذه الأفعى مرة أخرى. ولابد أن أحضر لك
كبار علماء ديننا ليردوا لك عقلك الذي سلبته هذه المرأة الخبيثة
*******************************
في طريقها لمغادرة المستشفى, وفي أحد الممرات, ألفت
الدكتورة عائشة الممرضة كلوديا, فسألتها باهتمام:
ـــــ كلوديا!.هل ما زال السيد كيفن رافضا للطعام ؟
ــــ أجل, ما زال رافضا وبشدة. وكلما دخلت غرفته وجدته
شارداً ولا يشعر بدخولي من الأساس
تبدى الأسى على وجهها وقالت:
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله... في هذه الحالة سيتم
اللجوء للمحاليل ليستعيض بها عن الطعام. للأسف لا يمكنني متابعته وإقناعه بتناول
الطعام.... ممم أنا سأغادر المستشفى الآن كلوديا . التقيكِ غدا
إن شاء الله
ــــــ الى اللقاء غداً دكتورة عائشة. صحبتك السلامة
**********************
جلست والدة كيفن إلى والده تسكب الدمع, راثية
حاله:
ـــــ تبدل حال ولدي ولم يعد كيفن المرح الذي عهدناه. دائماً
مهموماً وشارد الذهن وكأن شيطانا تملك من رأسه وسمم أفكاره عن دينه يا ماكس
نظر إليه بشفقة وربت على يدها برفق وقال:
ـــــ كفي عن البكاء نيكولا الحبيبة. لم يعد أمامنا غير الآب
دانييال ليذهب إليه في المستشفى ويقنعه ألا يتأثر بكلام المسلمين وتشكيكهم في
ديننا
ــــــ وهذا ما انتويته بالفعل.... ليتني تركته في الدير
صغيراً لترعاه خالته صوفيا الراهبة الصالحة.... سيضيع ولدي, سيضيع
هبت واقفة وقالت تتعجله بنبرة متهدجة:
ـــــ هيا يا ماكس نسرع إلى لقاء الأب دانيال.هيا لنجد
حلاً سريعا لهذه الكارثة
ــــ هيا نيكولا, هيا. فالحل عند الأب دانيال
***************************************************
هرعا إلى القس دانيال, وقصا عليه من أمر كيفن, فهاج
هائجه:
ـــــ ماذا تقولون! هل تسللت ألاعيب المسلمين إلى أبناء الصليب!!
أيريدون أن يصدوا أبنائنا عن ديننا بالتشكيك والأباطيل. وحق يسوع لن يكون, لن
تكتمل المؤامرة... ما اسم هذه الطبيبة
المسلمة؟ أريد معلومات كاملة عنها, ولي معها شأن آخر
تهلل وجه السيدة نيكولا وسألته عما سيشفي غليلها:
ــــ ستنتقم منها أيها الآب الصالح ؟
رد بنبرة وعيد وعيناه تتقد
ـــــ دورها قادم, قادم... فقط الأن دعونا ننقذ كيفن من مخططها ونرده الينا
ردت السيدة نيكولا متهللة:
ــــ مطمئنة جداً يا آبانا دانيال أنك أنت من ستتولى
الأمر بنفسك . شكراً للرب شكراً للرب
*******************************
في الصباح اقتحم الآب دانيال غرفة كيفن على حين غرة:
ـــــ طاب صباحك يا كيفن
اكفهر وجه كيفن لمرآه, وقال باستياء!
من! الآب دانيال!
تبسم بمكر وقال:
ــــ أجل. جئتك بنفسي للأطمئنان عليك ولأحيطك بالبركات وأؤدي
معك الصلاة المقدسة كي يحفظك الرب ويشفيك
ممم جئت في وقتك. فلدي الكثير والكثير من الأسئلة وعليك
الإجابة
رد بامتعاض:
ــــــ لا تكثر الأسئلة. فكثرة السؤال تؤدي إلى الكفر يا
كيفن
ـــــ الكفر بمن ؟
ـــــ الكفر بيسوع الإله
وهل يسوع حقا إله ؟
زفر ثم كظم غيظه وأجاب بهدوء مصطنع:
ـــــ أجل, إلهنا وإله كل شيئ
ــــ وأين هو يسوع الآن؟
ـــــ في قبره
بدت بسمة ساخرة على شفتي كيفن وقال:
ـــــ أإله يموت ويقبر! ...فكيف لم يدفع عن نفسه الموت ؟
تنهد بضيق, ثم قال بلين كذب:
ـــــ يا ولدي من قتل هو المسيح الإنسان. أما المسيح
الإله فهو حي لا يموت
أخذ كيفن يفرك ذقنه وهو يقول وقد ضيق عينيه:
ـــــ افهم من ذلك أن يسوع هو إنسان وإله في نفس الوقت ؟
ــــ أجل يا ولدي. إنسان يولد ويموت, وإله حي لا يموت وله
المجد في الأعالي
ـــــ ممم إذن فكل صفات الخالق من خلق البشر والكون بأكمله
والقدرة الأزلية المطلقة هي صفات المسيح لأنه إله ؟
بدت بسمة ارتياح على وجه القس وقال:
ـــــ أجل يا ولدي, قد بدأ عقلك في الرجوع لرأسك
اشرأب كيفن بعنقه وقال:
ـــــ الأب دانيال! أريد أن أسألك سؤال
ـــــ تفضل يا ولدي
ـــــ أولد المسيح أولاً أم أدم ونوح وإبراهيم ؟
ـــــ أدم ونوح وإبراهيم
ــــــ عجبا لخلق يوجدون على الأرض قبل أن يولد إلههم!!.
هذا كلام لا يعقل....كيف لإله ذو قدرة مطلقة أن يولد ويوجد على الأرض بعد خلقه!!....
أريد أن أسألك سؤالاً آخر فتحملني
قال الآب دانيال وقد ضاق به ذرعاً:
ـــــــ سل أيها العنيد
ــــ إذا تعرضت أنا أو أنت لأي مضرة على يد البشر, من
يدفعها عنا ؟
ـــــ يدفعها يسوع الإله بالطبع
ـــــ وسأفترض معك أن يسوع هو إنسان عادي وفي نفس الوقت
له نسخة أخرى كإله قوي يحمينا ويدفع عنا الضر
بقدرته وقوته. فكيف لم يحم يسوع الإله يسوع الإنسان من بطش الذين قتلوه وصلبوه ؟
اين ذهبت قدرة الإله هنا الذي يحمي الخلق ؟
بهت الآب دانيال وتلعثم, ثم ثارت ثائرته:
آآآآآ أنت, أنت عنيد. أنت لا فائدة فيك أبداً.. المؤمن
الصالح يؤمن بيسوع كإله دون أن تدور برأسه هذه الأسئلة الكفرية . عد الى رشدك
وصوابك يا كيفن
تبسم كيفن ببرود زاد من اشتعال القس وقال:
اهدأ أيها الأب دانيال. هذا حوار العقل وما كان يجب أن
تتوتر بهذا الشكل.. . سأصمت كالعادة فإجاباتك لا يقبلها عقلي
أخذ القس يبرق ويرعد ويتوعد:
تبا لك, تباً لك. سأنصرف عنك الآن وموعدي معك في الكنيسة
بعد تمام شفاء جسدك وشفاء عقلك من الخرافات. والرب يسوع إن لم تعد لصوابك فلا
تلومن إلا نفسك
انطلق القس من الغرفة كالسهم المارق, وقلبه يصطلي بنيران
الغضب والحقد على عائشة, والتي عقد العزم على رؤيتها. استوقف إحدى الممرضات يسألها
بوجه مكفهر:
ـــــ أيتها الممرضة أين حجرة الطبيبة التي تدعى عائشة ؟
ــــ مرحبا يا آبانا دعني اقبل يدك أولاً لأنال البركة
قبلت يده وأشارت إلى غرفة الدكتورة عائشة:
ـــــ ها هي غرفة الدكتورة عائشة
وعند باب غرفتها وقف صامتاً مسدداً صوبها نظرة ثابتة
متقدة بوعيد مشتعل... لم تلحظه, فقد كانت الدكتورة عائشة تجلس إلى مكتبها منهمكة
في مطالعة بعض الأوراق, فانصرف بصرها إلى الباب فارتاعت:
ـــــ يا الهي! من هذا القس؟.... لماذ ينظر إليّ هكذا؟
قامت عن مكتبها, محاولة دفع الهدأة إلى ملامحها المتوترة
وقالت:
ــــــ مرحباً، أهناك شيء؟
.................................................
غريباً جداً هذا الأمر. ظل محدقاً بصره في وجهي ولم ينطق
بكلمة ثم انصرف !.. لا أفهم شيئاً!
****************************************
عادت عائشة إلى المنزل محملة بالقلق والظنون, تهللت
والدتها لرؤيتها تدخل من الباب:
ـــــ عائشة حبيبتي حمدالله على سلامتك يا بنيتي
ردت بصوت منهك:
ـــــ سلمك الله يا أمي... أين أبي؟... أما زال بالجامعة
؟
ـــــ أجل يا حبيبتي, لم يعد بعد
ـــــ حسنا. سأذهب لأستبدل ملابسي وأنام حتى يأتي أبي
منذ الوهلة الأولى لحظت أمها أن بها ما يكدرها, فقبل أن
تستدير عامدة غرفتها, سألتها والقلق يتقاذف من عينيها:
ـــــ ما بكِ يا حبيبتي ؟
أطرقت هنيهة تفكر, هل تخبر أمها, أم تطوي ظنونها
داخلها..وبالأخير حسمت أمرها باللجوء إلى ذاك المرفأ الآمن:
ـــــ .......حدث شيء وترني جدا يا أمي
ــــــ ما الذي حدث يا بنيتي. أقلقتني
ــــــ كنت بغرفتي جالسة على مكتبي بالمستشفى فإذ بأحد
القساوسة يقف عند الباب ينظر إليّ نظرات مخيفة جداً دون أن يتفوه بكلمة... وعندما
سألته ما الأمر لم يرد وانصرف
دب الفزع بقلب أمها, وقالت تتخطفها المخاوف والظنون:
ـــــ ماهذا ّ! أمر غريب حقاً..... ولكن ألا يتعلق الأمر
بكيفن؟
ـــــ كيفن!..... لا أعرف يا أمي
نظرت أمها إليها والخوف يفترس قلبها وقالت بنبرة مرتعشة:
ـــــ أنا قلقة جداً حبيبتي عليكِ منذ أن هددتكِ أمه
ــــــ كلامها كان منصبا على محاولتي هداية كيفن للإسلام
. ولكن الآن لم يعد هناك أي علاقة بيني وبينه منذ تركت متابعته.... أنا لا أخشاها
يا أمي, ولكن ابتعدت لأرى كيف سيفعل كيفن, وما هي ردة فعله عندما يشفى ويخرج إلى
عالمه مرة أخرى
ضمتها أمها إلى صدرها المرتعد وهي تدعو لها:
ـــــ كفاك الله شر كل ذي شر يا حبيبتي ..... ابنتي لا
تحاولي مع كيفن مرة أخرى بالله عليكِ
ضحكت لتهون الأمر على أمها وقالت:
ـــــ ألهذه الدرجة دب الخوف في قلبك يا أمي ؟
ــــــــ حبيبتي أنتِ ابنتي الوحيدة, ووجودنا هنا لا
أريد أن تلاحقنا فيه المشاكل والتهديدات.. دعينا ننعم بحياة هادئة كما كنا ولنبتعد
عن المنغصات. حفظك الله يا بنيتي وحفظ أباكِ فأنتما قرتا عيني يا حبيبتي. تعالي لأضمك
بين ذراعي يا عائشة
ـــــــ ما أجملها من ضمة يا أمي . بالله يا أمي لا تخشي
شيئا . بسم الله الرحمن الرحيم
(فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين)
وإذ هما على حالهما, دخل الوالد يحمل علبة حلوى وألقى
السلام باسماً
ــــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هرعت إليه عائشة متهللة وقد بددت مرآه ما بها من هواجس:
ـــــ مرحبا يا أبي وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
هاها أراك تحمل علبة من الحلوى
قال لعائشة وهو ينظر إلى أمها ليثير غيرتها مداعباً
ــــ هاها أحضرتها لأجلك يا حبيبتي
ـــــ أشكرك يا أبي . حفظك الله لي
ـــــ مممم أتيت بالحلوى لأجل عائشة.. أما أم عائشة المسكينة فلا تحتل جزءاً من
تفكيرك
قهقه وقال:
ـــــ بل أنت تحتلين عقلي كله وليس جزءا من تفكيري يا
مريم ... أتغارين من ابنتك ؟ هاها
ـــــ أتريد أن توقع بيني وبين ابنتي يارجل !! فقط كنت
أداعبك زوجي الحبيب هاها فأنت عندما تحضر شيئا لابنتي الحبيبة اشكر الله أن رزقني
بزوج حاني القلب محباً لي ولابنته . حفظك الله حبيبي وأسعد قلبك كما تسعدنا دائما
ــــــ هاها وأسعد قلبك أنتِ أيضا يا زوجتي الحبيبة
نظرت إليهما عائشة والسعادة ترتسم على وجهها وقالت:
مممم هاها أذهب أنا لأبدل ملابسي واترككما تتبادلان حلو
الحديث يا والداي الحبيبان
رد والدها بحبور:
ــــــ تفضلي يا حبيبتي.. وأنا الآخر سأذهب وأبدل ملابسي ونتناول طعام
الغداء .
ما أن دلفت عائشة إلى حجرتها وأغلقت الباب, حتى تنهدت
الأم وقالت:
ـــــ والله يا سالم حضورك الآن وابتسامتك جعلتني انسى القلق
الذي ألمّ بي
وثب الانزعاج على ملامحه وقال:
ـــــ قلق!! ماذا حدث يا مريم؟
ـــــ حكت لي عائشة عن موقف أزعجها بالمستشفى وسأقصه
عليك لنرى ماذا سنفعل
*******************************
بعد تناول الغداء, اجتمعوا يحتسون الشاي ويتسامرون, فسأل
الدكتور سالم ابنته:
ــــــ ما أخبار كيفن يا عائشة, وما أخبار حالته الآن ؟
ـــــ والله يا أبي لم أره منذ أيام كما وعدت والدته,
ولكن يتحسن ببطء كما سمعت من الطبيب المعالج له, فهو يرفض الطعام بشدة وفي حالة
اكتئاب دائم
ارتشف رشفة من فنجانه وقال:
ــــــ سأزوره
غدا إن شاء الله . فقد وعدته بزيارة
وضعت عائشة فنجانها على المائدة وقالت بنبرة قلقة:
ــــ هل حكت لك أمي عن الموقف الذي مر بي اليوم؟
قهقه الوالد وقال:
ــــــ أتخافين يا عائشة ؟
ـــــ لا والله يا أبي. أنا فقط تعجبت من الأمر. أمي هي
من خافت هاها
حدجتها أمها بنظرة تبكيت وقالت:
ـــــ أتضحكين !! بالطبع خفت عليكِ حبيبتي. ما يدرينا ما
وراء ذاك القس وماذا ينوي!
رد الدكتور سالم مستخفاً بالأمر:
ـــــ مريم, لا تعطي الموضوع أكبر من حجمه...سأشتري نسخة
من القرآن مترجمة بالألمانية وأعطها لكيفن...أما عن رفضه الطعام فأعدي له يا مريم
طعاماً خاصاً, وسأخذه معي لأطعمه منه. وإن شاء الله سيستجيب لطلبي في تناول الطعام
قهقهت والدة عائشة وقالت:
ــــــ أسنطعمه ايضا؟
ـــــ ما الذي حدث لكِ يا مريم ؟ كنتِ من أكرم الناس في
مصر
ــــــ بل وما زلت يا سالم . سأعد الطعام والعصير أيضا
الليلة
ــــــ أشكرك حبيبتي
********************************
في صبيحة اليوم التالي, اتجه الدكتور سالم إلى المستشفى,
ودلف إلى غرفة كيفن وحياه باسماً
ــــــ صباح الخير يا ولدي
تهلل وجه كيفن, فقد كانت مفاجأة قفز لها قلبه فرحاً, رد
التحية جذلاً:
ـــــ مرحباً, مرحباً تفضل, تفضل, كم أنت وفي بوعودك
سيدي!
ـــــ هاها كيف حالك يا ولدي؟
ـــــ تحسنت كثيرا عندما رأيتك سيدي. تفضل بالجلوس. أريد
أن أشكو لك ابنتك
قهقه الدكتور سالم, وجلس على المقعد المجاور وهو يقول:
ـــــ ماذا فعلت كي أؤدبها ؟
رد مبتئساً:
ــــ تخلت عني. تخلت عني وتركتني في حيرتي بعدما بدأت
أجد إجابات شافية عندها, وبدأ قلبي يستريح, تخلت عني
ــــ هاها يا ولدي، والدتك هي من طلبت، وما كان على
ابنتي إلا الإستجابة لرغبة والدتك حتى لا تتسبب في مشاكل بينكما
ــــ ....أخشيت والدتي ؟
ــــــ إبنتي لا تخش إلا الله . ولكنها معتادة على
احترام رغبات الآخرين
زفر كيفن وقال وروحه تضيق حزنا:
ــــــ والدتي تكبلني بسلاسل من حديد منذ صغري... حتى
عملي لا أملك فيه شيئا . مكتبي مسجل باسمها, وكل أموالي التي اكسبها تحت سيطرتها
حتى تضمن ألا أتفلت من تحت يديها
ـــــ هدى الله
الجميع يا ولدي.... أنا أحضرت لك غذاءاً للروح وغذاء للجسد, فبأيهما تريد البدء ؟
ضحك كيفن وقال:
ـــــــ غذاء الروح بالطبع, أما عن غذاء الجسد فلا حاجة
لي به .... لكن ما غذاء الروح الذي تتحدث عنه ؟
ـــــ أتيت لك بنسخة من القرآن مترجمة للألمانية حتى
يتيسر عليك فهمها
اتسعت حدقتاه فرحاً وقال بشغف:
حقا ؟؟ إليّ بها,
إليّ بها فربما أخرجتني من حيرتي
تبسم الدكتور سالم واشترط:
ـــــ سأعطيها لك ولكن بعد أن تتناول الطعام الذي صنعته
زوجتي من أجلك
ــــــ......من أجلي أنا ؟
ـــــ بالطبع . قد علمنا من عائشة أنك لا تأكل وترفض
الطعام فأعدت لك زوجتي هذا الطعام على أن تقول قبل أن تأكل بسم الله الرحمن الرحيم
ــــــ يااااه! . أعد على مسامعي هذه الكلمات مرة أخرى
يا سيدي
ــــــ بسم الله الرحمن الرحيم
تهلل وقال:
ـــــ إليّ بالطعام
ــــــ تفضل يا ولدي
ردد كيفن البسملة وهو مغمض العينين باسماً وكأنها تغسل
روحه
ـــــ بسم الله الرحمن الرحيم . كم هي مريحة للنفس هذه الكلمات
يااااه!!
ـــــ تفضل يا ولدي تفضل
أقبل كيفن على الطعام بنهم وهو يثني عليه:
ــــــ مممم لذيذ جداً ممم حقا لذيذ جداً أشهى كثيراً من
طعام أمي هاها
ــــــ هاها انه طعام معد على الطريقة المصرية
قال كيفن وقد استرجع ذكرياته القديمة:
ــــ انا قد زرت مصر في صغري بصحبة والدي ووالدتي ..كانت
أمي تشغلني عن التفكير بشتى الوسائل ومنها السفر والأنتقال بين البلدان المختلفة
ــــــ هل اعجبتك مصر ؟
ـــــ اعجبتني كثيراً, وطلبت من أمي السفر مرة اخرى لمصر
ووعدتني ولم تفِ
أردف كيفن مازحاً:
ــــــ ما أخبار أبا الهول ؟ أما زال صامتا ؟ هاها
ــــــ هاها وكيف للأحجار أن تتحدث يا ولدي!
ــــــ حقا الاحجار لا تتحدث ولا تضر ولا تنفع . ليت
أهلي يعقلون
ـــــ النافع والضار هو الله وحده سبحانه وتعالى .اكمل
طعامك يا ولدي
ـــــ أكلت كثيرا جدا . طعام شهي حقا يا سيدي . أشكر لي
زوجتك كثيراً . والله لا أعرف كيف سأرد المعروف الذي طوقتم به رقبتي! أشكرك جدا وأشكر
زوجتك, ولكني ما زلت غاضبا من ابنتك التي تخلت عني
قهقه الدكتور سالم وقال:
ـــــ سامحها لأجلي . اتركك أنا الآن . وهذا رقم هاتفي,
وإن أردت أي شيء لا تتردد في مهاتفتي . إسمي سالم أحمد أعمل أستاذاً للقانون الدولي في جامعة
لودفيج ماكسيميليان
ــــــ تشرفت جداً بالتعرف عليك سيد سالم . هل ستأتي
لزيارتي مرة أخرى ؟
تبسم الدكتور سالم وقال قبل أن يغادر الغرفة
ـــــ بل أنت من ستأتي يا ........ يا ......... يا عبد الله
غادر الغرفة فتمتم كيفن مندهشاً:
ــــــ عبد الله !!
************************************************
ذات مساء, كان والد كيفن منزوياً في مقعد كائن في ركن
هادئ في ردهة المنزل يقرأ كتاباً, لمح زوجته السيدة نيكولا وهي متهيئة للخروج من
المنزل, فسألها مضيقاً عينيه:
ــــــ إلى أين يا نيكولا ؟
ـــــ إلى أنجيليكا مخطوبة كيفن. ذاهبة إليها لإقناعها
أن تصفح عن كيفن، وسأحمل إليها هدية قيمة وباقة من الزهر وسأقول إنه هو من أرسلهما
إليها
ضحك وقال ساخراً:
ـــــــ ومنذ متى كل هذا الود بينك وبين أنجيليكا !
ـــــــ ممممم أراكِ ساخراً ولا تدرك قصدي من راء صلحهما
بغض النظر عن مشاعري ضد انجيليكا
ــــــ وما الغرض اذن ؟
أفصحت عما انتوت بتعجل وحماس:
ـــــــ أريد أن يتم زواجهما بأسرع وقت في الكنيسة. أريد
أن يشغل كيفن بزوجته وحياته الجديدة, وأن تلد له انجيليكا طفلاً يشغله عن العالم
بأسره
ـــــ أتظنين أنه بزواجه من انجيليكا بأسرع وقت سيرجع
عما برأسه؟
تبسمت وردت بنبرة واثقة:
ــــ ليس ظنا. ولكني متأكدة من ذلك. فأنا واثقة من حب كيفن
لأنجيليكا
قهقه والد كيفن وقال متهكماً:
ــــــ فلِم خانها إذن مع سكرتيرته الخاصة طالما يحبها
كل هذا الحب !!!!
زفرت وردت بغيظ:
ـــــ شاب طائش ككثير من الشباب يا ماكس. مممم أنتم يا
معاشر الرجال لا تكتفون بامرأة واحدة
قال ضاحكاً يداعبها:
ـــــــ ولمَ اكتفيت بك إذن نيكولا عن سائر النساء ؟
ضحكت وقالت شامخة بأنفها:
ـــــ ليست نيكولا من تسمح لزوجها بتقبيل إمرأة أخرى .
أتركك الآن يا ماكس
************************************
قرعت السيدة نيكولا جرس باب منزل أنجيليكا, فنادت
والدتها العائدة من عملها للتو على ابنتها الصغرى فرانزيسكا, المستلقية على إحدى
الأرائك تستمع باسمة إلى مقطوعة موسيقية وتداعب خصلات شعرها في هيام:
ـــــ فرانزيسكا، افتحي الباب
زفرت وردت متأففة: لا أستطيع يا أمي، فأنا أستمع إلى
أنغام موسيقى حالمة, وقد اخرجني نداؤك عما كنت فيه من حلم جميل
ـــــ وأين هي أنجيليكا ؟
ـــــ نائمة, فقد سهرت على النت حتى الصباح . افتحي أنتِ
يا أمي
زفرت الأم واتجهت إلى الباب وهي تتمتم غيظاً, فتحت فألفت
أمامها والدة كيفن, فاتسعت حدقتاها دهشة وعلت البسمة محياها :
ــــــ من! مرحبا السيدة نيكولا. تفضلي
دلفت إلى المنزل تحمل باقة الزهر, وردت على الترحيب:
مرحبا بكِ السيدة إيفلين. كيف حالك ؟
ــــــ بخير. كيف حال كيفن ؟
ــــــ كيفن مازال بالمستشفى, وسيخرج بعد أسبوع .. باقة
الزهر هذه لأنجييكا وسأعطها إياها، أين هي ؟
ـــــ يالها من باقة زهرة رقيقة، تفضلي بالجلوس, وسأبلغها
بوجودك السيدة نيكولا. ماذا تحبين أن تشربي سيدتي؟
ــــــ فنجان من
القهوة
*******************************
أسرعت السيدة إيفيلين توقظ ابنتها انجيليكا متهللة:
ـــــــ أنجيليكا, إستيقظي, إستيقظي أنجيليكا. هاها هناك
ضيفة بانتظارك
ــــــ ممم أمي اتركيني, أريد أن أنام ممم
أخذت تهزها وتنادي بإلحاح:
ـــــ ابنتي استيقظي, إستيقظي. أقول لك أن هناك ضيفة
ترغب بمقابلتك حبيبتي
زفرت مغمضة عينيها وكأنها تخشى أن يتسلل النوم خارجاً,
وصاحت بضيق:
ـــــ أي ضيفة هذه التي أتت لتزعجنا في الصباح!! أوف!
ردت والدتها متهكمة من حالها:
ـــــ انجيليكا, لقد ذهبت الى عملي وعدت, و الشمس أوشكت
على الغروب وأنتِ ما زلتِ نائمة حبيبتي
ـــــ يا أمي مالي وللشروق وللغروب؟. أنا أريد أن أنام
ـــــ إن عرفتِ من هي فستقفزين فرحاً هاها
فتحت أنجيليكا عينيها ولوت شفتها تبرماً ونهضت جالسة,
وقالت بضجر:
ــــــ أنا أعلم أنك لن تتركيني أنعم بالنوم. من هي القديسة
التي أتت لتزعجنا يا أمي؟
ــــــ هاها السيدة نيكولا والدة كيفن
كادت لا تصدق ما سمعت, فشدهت فرحاً وصاحت:
ها!! معقول!!. ما الذي أتى بها!! أشعر دائما أنها تكرهني
ولا تحب مقابلتي، فإذ بها تأتي إلى بيتي !!.... ألم تخبرك عما تريد يا أمي ؟
ـــــ لا. فقط طلبت مقابلتك حبيبتي. هيا انهضي من فراشك
واذهبي إليها
ـــــ حسنا يا أمي، سأنهض وأغسل وجهي وأمشط شعري وارتدي
ثيابا أخرى وأتبعك
ــــــ لا تتأخري انجيليكا ولا تطيلي النظر في المرأة .
فأنت جميلة وإن لم تمشطي شعرك هاها
ــــــ هاها أعلم يا أمي. سأتبعك بعد قليل
ما أن خرجت أمها من الغرفة, حتى دخلت أختها, فألفتها
تتأنق أمام المرآة, فقالت بمرح:
ــــــ أنجيليكا أختي الجميلة, أتت والدة كيفن تحمل
زهوراً. وأعتقد أنها ما جاءت إلا لتعتذر إليكِ عما بدر من ولدها
هزت أنجيليكا رأسها وقالت والحيرة تعتركها:
ـــــ لا أظنها بهذه الرقة فرانزيسكا... ولكن الفضول
يقتلني لأعرف ما الذى أتى بها . سأكمل
ارتداء ملابسي وأخرج إليها
ـــــ وأنا سأذهب للترحيب بها حتى تأتي، أختي الحبيبة أنجيليكا
*******************************
اتجهت فرانزيسكا إلى السيدة نيكولا مرحبة:
ــــ مرحبا السيدة نيكولا
ـــــ مرحبا فرانزيسكا.
كيف حالك ؟
ردت والسعادة تتراقص في عينيها:
ــــــ اشتريت شقة جديدة، وسأنتقل إليها قريبا جداً
ــــــ وحدك ؟
ـــــ نعم وحدي. فقد سئمت من الحياة مع أمي وأبي هاها
لذا قررت أن أحصل على حريتي ككثير من الأوربيات،
وسأعمل في إحدى الشركات كسكرتيرة خاصة لمدير الشركة
ردت السيدة نيكولا وابتسامة ساخرة تحتل شفتيها:
ـــــ تحرري من القيود كما شئتِ . كلا يفعل ما يحلو له ....
أين أنجيليكا؟ قد تأخرت
ـــــ ستأتي حالاً . هاهي أمي قد أحضرت القهوة . أتركك
أنا الآن ، فأنا على موعد مع صديق
ـــــ تفضلي
وضعت والدة أنجيليكا القهوة على المنضدة, وقالت متبسمة:
ـــــ تفضلي قهوتك السيدة نيكولا
ـــــ
أشكرك السيدة ايفيلين
عفواً سيدتي
انصرف
نظر الأم إلى الباب, فألفت ابنتها الصغرى فرانزيسكا تفتحه للخروج, فنادتها:
ـــ,فرانزيسكا
زفرت
فرانزيسكا وردت متأففة:
ـــــ
ما الخطب يا أمي! . أنا متعجلة جداً
ـــــ
هل ستعودين الليلة أم ستبيتين عند صديقك بيتر ؟
ـــــ
ممم لا أعلم. ربما أبيت. أتركك الآن يا أمي
حفظك
الرب حبيبتي فرانزيسكا، ها هي أنجيليكا قد أتت
حيت
أنجيليكا والدة كيفن بلهجة فاترة ووجه خال من الابتسام:
ــــــ طاب مساؤك السيدة نيكولا
ـــــ طاب مساؤك أنجيليكا
نهضت الأم عن مقعدها وقالت بلهجة
مهذبة:
ـــــ أترككما أنا الآن
ـــــ تفضلي يا أمي. مرحبا
ـــــــ مرحبا بك أنجيليكا . غاضبة منك كثيراً
ــــــ مني أنا !!..... وهل أغضبتك في شيء ؟
ــــــ أجل . تخليتِ عن كيفن في محنته
تربد وجه أنجيليكا وردت بانفعال:
ـــــ محنته !!!!!!! تقصدين خيانته. يخونني ونحن ما زلنا
في فترة الخطبة فهلا انتظر إلى ما بعد الزواج والملل مني!
قهقهت السيدة نيكولا وقالت:
ـــــــ لم أكن أعرف أنك صاحبة روحاً فكاهية انجيليكا
عادت السيدة نيكولا إلى وقارها واستطردت:
ــــــ أنجيليكا... كيفن يحبك واختارك من بين كل صديقاته
لتكوني زوجة له. ولأي رجل زلاته. وليس
معنى زلته أن تتركيه وتبتعدي عنه ... اصفحي عنه
سألتها أنجيليكا والشغف يغمر ملامحها:
ــــــ هو الذي أرسلك ؟
تبسمت السيدة نيكولا وهزت رأسها وقالت:
ــــــ بالطبع هو
تصنعت السيدة نيكولا التأثر مع نبرة بكاء كاذبة, ومنديل
قماشي إستلزمته حبكة مسح دموع الوهم عن عينيها وانطلق لسانها بقصص مختلقة:
ـــــ فقد بكى بدموع عينيه على إغضابك, ثم إنه رفض
الطعام عقاباً لنفسه اهئ اهئ لو رأيته
لأشفقتي عليه اهئ اهئ لا ينام ولا يأكل،
فقط يقول ليلاً و نهاراً أنجيليكا، أنجيليكا، أين أنتِ أنجيليكا اهئ اهئئئئئئئ
رق قلب أنجيليكا وبدا التأثر على ملامحها وسألت لتتيقن:
ـــــ حقا ؟ أهو نادم على إغضابي لهذه الدرجة ؟
تبسمت السيدة نيكولا بمكر, وقالت وهي تفتح حقيبة يدها:
ــــــ ومُصِر أن يراكِ ليعتذر لكِ بنفسه. وأرسل إليكِ
بهذه الهدية . تفضلي وافتحي العلبة
أخذت أنجيليكا علبة مخملية فاخرة من يد السيدة نيكولا
وفتحتها, فإذ بها تذهل مما رأت, فصحكت وجهها فرحاً وقالت:
ــــــ عقدٌ من
الماس!! ما أجمله من عقد!
اتسعت ابتسامة السيدة نيكولا وقالت بلطف:
ــــــ أخترته لكِ على ذوقي الخاص... فقد قال لي كيفن إشتري
لأنجيليكا أغلى عقد من الماس وبشريها باقتراب زواجنا فور خروجي من المستشفى
قفزت أنجيليكا من مقعدها فرحأ وقالت وكأنها لا تصدق ما
سمعت:
ــــــ حقا؟
ـــــ هاها...حقاً أنجيليكا . يجب أن تتزوجا سريعا
وتنجبا سريعا فقد اشتقت لأضم حفيدي
تنهدت أنجيليكا بهيام وقالت:
ـــــ وأنا اشتقت لكيفن جداً... حبيبي كيفن، حبيبي.
سأرتدي ملابسي وأنطلق الى المستشفى لأكون بجانبه، وسأزوره كل يوم حتى يخرج من
المستشفى ونتزوج
ردت السيدة نيكولا وهي تكاتم الضحك:
ـــــ هاها هيا اسرعي، فقد كاد يفقد بصره بكاءاً على
فراقك
*******************************
في غرفة كيفن في المستشفى, كانت ترافقه كلوديا الممرضة,
والتي هنأته قائلة:
ــــــ السيد كيفن، قد تحسنت كثيراً . شكرا للرب . سيأتي
إليك الدكتور ميشيل حالاً
ــــــ أشكرك كلوديا . أأأأأ كلوديا انتظري
ـــــ تحت أمرك، سيد كيفن
ـــــ هل الدكتورة عائشة موجودة ؟
ــــ أجل موجودة الآن ولن تغادر المستشفى الليلة، عملها
حتى الساعات الأولى من صباح الغد
أشرق وجه كيفن وهو يمني نفسه بلقائها:
ــــــ ممم حسناً، حسناً جداً
دلف الدكتور ميشيل وحيا كيفن بلطف:
ـــــــ طاب مساؤك سيد كيفن
ــــــ مرحبا . طاب مساؤك
ــــــ أراك تحسنت كثيرا . دعني افحص قدميك
ـــــ تفضل
تفحصه الدكتور ميشيل وقال مبدياً استحسانه لحالته:
ــــــ حسنا جداً، قد أوشكت على الشفاء تماما ومغادرة المستشفى .
أمامك بالكثير جداً أسبوعا واحداً هنا
سرى الارتياح في نفس كيفن..أطرق هنيهة ثم أبدى رغبته
متلعثماً:
ـــــ آآآآ لقد سئمت من الفراش. فهل يمكنني الخروج من
الغرفة لبعض الوقت ؟
هز دكتور ميشيل رأسه بالموافقة وقال باسماً:
ـــــ يمكنك بالطبع . سأحضر لك كرسي متحرك ليمكنك من ذلك
تهلل كيفن وطربت نفسه لما سمع وأسدى الشكر للطبيب:
ـــــــ أشكرك, أشكرك جداً
****************************************
عادت إليه كلوديا بكرسي متحرك وقالت بلطف:
ــــــ هأنذا جئت لمساعدتك على الجلوس على الكرسي المتحرك سيد
كيفن
ـــــ أشكرك كلوديا، أشكرك كثيراً ... أنتِ حقاً ممرضة
متقنة لعملك.أشكرك على الاهتمام
ـــــ هذا عملي سيد كيفن، لا تشكرني
شرعت في محاولة لمساعدته:
ـــــــ هاااااا حاول، حااااااااول هيا أنا معك هاااااا
ـــــ آآآه آآآآه آآآآه اشعر بالألم إلى حدٍ ما
ردت تستنهض فيه روح العزيمة:
ـــــ حاول، حاول يا سيد كيفن، فأنا أراك مصر على القيام
وترغب في ذلك بشدة
استجمع كل قواه ورغبته في مفارقة الفراش ونجح في مأربه:
ـــــ آآآآه آآآآآه ها أنا ذا أجلس آآآآه
ــــــ الآن يمكنني اصطحابك إلى خارج الغرفة
ــــــ شكرا كلوديا شكراً
خرجت به من الغرفة، تدفع المقعد من الخلف..فأدار رأسه
إليها وقال برغبة عارمة:
ـــــ كلوديا! أريد أن أذهب إلى غرفة الدكتورة عائشة
لأمر هام
اندهشت من الطلب وصمتت هنيهة ثم قالت:
ــــــ....... تحت أمرك سيد كيفن . انتظر هنا سأدخل
لأبلغها أولاً، فربما تكون مشغولة
ـــــ أشكرك
أوقفت مقعد كيفن بمقربة من باب مكتب الدكتورة عائشة, ثم
دخلت تستأذنها وبقى هو تحت سفح أماله يتأهب للقاء:
ــــــ طاب مساؤك دكتورة عائشة
ـــــ طاب مساؤك كلوديا . ما الأمر
ــــــ السيد كيفن خرج من غرفته لأول مرة على كرسي متحرك
وطلب أن يدخل لمقابلتك
ـــــ مقابلتي! اعتذري له بشدة فأنا مشغولة جدا الآن
اندفع كيفن بمقعده داخل الغرفة وقال باسماً:
ـــــ لِمَ تتهربين من مقابلتي دكتورة عائشة ؟
أطرقت خجلاً, ثم قالت:
ــــــ.....سيد كيفن! حمداً لله على سلامتك. تفضل
قالت كلوديا وهي تتجه إلى الباب:
ـــــ استأذنك في الانصراف دكتورة عائشة
ـــــ تفضلي كلوديا..... مرحبا سيد كيفن
ـــــ أسألك لِمَ تتهربين من مقابلتي ؟
ـــــ أنا لا أتهرب مطلقاً. وسبق أن أخبرتك برغبة والدتك
في عدم متابعتي لحالتك. وأنا قد وعدتها ألا أدخل إلى غرفتك مرة أخرى
اتسعت ابتسامته وقال:
ـــــ ـأجل وعدتها ألا تدخلي لغرفتي, ولكن لم تعديها أن
تمنعيني أن أدخل إلى غرفتك
أطرقت متبسمة, ثم قالت:
ـــــ مرحبا سيد كيفن.... أما زلت تشعر بآلام في الحركة ؟
ــــــ ما جئتك من أجل آلام الحركة، وإنما جئتك لتجيبيني على أسئلتي التي ما
زالت تحيرني
تنهدت بعمق وقالت بحسم:
ـــــ سيد كيفن! هناك الكثير والكثير غيري يمكنهم
مساعدتك
رد والإصرار يتوهج في عينيه:
ـــــ ولكنني لا أريد غيرك
قالت باندهاش:
ـــــ ماذا!!
رد وبسمة على ثغره وأفصح عما طوته كهوف سريرته:
ــــــ لِمَ
تتعجبين ! أنتِ مرتبطة دائماً في ذهني بضوء القمر الذي يبدد الظلام... مرتبطة في
ذهني بكل شيء جميل . أشعر براحة غير عادية عندما أتحدث إليك
تربد وجهها وقالت باحتداد:
ـــــ سيد كيفن! من فضلك لا أحب الكلام بهذه الطريقة
ـــــ هل تجاوزت حدودي ! أنا فقط أتكلم عن الشعور الذي
يتملكني كلما رأيتك
ردت بمزيد حدة، والصرامة تستبد بملامحها:
ــــــ لا أحب إطراء الرجال، ولا يطرب مسامعي
قهقه كيفن وفاضت ثناياه بالغزل:
ــــــ أنا لم أتغزل في عينيكِ السوداوين الساحرتين، ولا
جمالك الشرقي الآخاذ... وإن كانت هذه
الحقيقة
ضاقت به ذرعاً, وردت متضجرة لتنهي المقابلة:
ــــــــ سيد كيفن من فضلك. عندي الكثير من الأعمال ولا
وقت عندي. تشرفت بزيارتك
ـــــ دكتورة عائشة
زفرت بضيق وردت وقد أشاحت بوجهها:
ــــــ أمرك سيد كيفن
عاد إلى حديثه الجاد ليسأل عما يؤرقه:
ـــــ كنت أود أن أسأل سؤالاً
ـــــ تفضل بالطبع
ـــــ ما قولكم في مريم العذراء ؟
ــــــ السيدة العذراء مريم هي العابدة التقية المطهرة
المصطفاة من الله تعالى، لتحمل كلمة منه
اسمه المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ... أدعو دائماً أن يرزقني الله وبنات
المسلمين طهارة مريم وعفافها اللهم آمين ... نحن المسلمون نحبها كثيرا, كثيراً، بل
وكثير من المسلمين يسمون بناتهم بمريم حباً لها وإجلالاً وتقديرا . فهي تحظى
بمكانة عالية في قلوبنا ... أمي أيضاً اسمها مريم هاها
تعجب كيفن من عظم قدر العذراء مريم في قلوب المسلمين:
ــــــ ألهذه الدرجة تحبونها ؟.. أتعجب جداً... فهي ليست
على دينكم
ــــــ ومن قال ذلك!!
كل الرسالات السماوية صدرت من مشكاة واحدة وكلها تدعوا إلى الإسلام.
والدليل على ذلك أن السيد المسيح عليه السلام قد بشر في
الإنجيل بنبي الله محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
شده كيفن:
ــــــ ها!!...ماذا تقولين!!....المسيح بشر بنبيكم في إنجيلينا
؟
ـــــ الإنجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام من السماء وليس إنجيلكم، سيد كيفن
هز رأسه متحيراً:
ـــــ لا أفهم شيئاً..... أيوجد أنجيل نزل من السماء غير
إنجيلنا؟
ــــــ أجل يوجد. ولكن الذي بين أيديكم كتابا محرفاً، به
الصحيح وبه الكثير من المغالطات أيضا.. .هل قرأت من قبل إنجيل لوقا ؟
أسدل حاجبيه واستوضحها:
ـــــ ماذا وجدتي به دكتورة عائشة ؟
ــــــ فيه هذه العبارة . المجد لله في الأعالي وعلى
الأرض السلام وبالناس المسرة
ـــــ وما الغريب فيها ؟
ـــــ الغريب أنها محرفة بالطبع, حقيقتها كالأتي .(
الحمدلله في الأعالي وعلى الأرض الإسلام وللناس أحمد )
ـــــــ ولِم لا تكون الأولى هي الصحيحة ؟
ــــــ لأننا لو
سلمنا بها يا سيد كيفن فلن يقبلها العقل .
ـــــ ولِم لا يقبلها ؟
ــــــ هل هناك على الأرض سلام يا سيد كيفن ؟ ألا ترى
سفك الدماء والحروب الطاحنة هنا وهناك ؟
ـــــــ مممم أنتِ محقة.. وبالطبع أيضا لا توجد بالناس
المسرة هاها.. فالناس في هذه الدنيا لا يشعرون بالراحة
ــــــ ابحث بنفسك يا سيد كيفن عن الكلمات التي تم
تحريفها، وتحريف كلمة مكة والتي ذكرها القرآن بلفظة بكة وتم تحريفها إلى واد
البكاء حتى لا تدل على مكة مطلقا
شعر كيفن أن الحقيقة ضائعة في غيابة جب, ولا يكفيه إلقاء
دلواً واحداً ليستخرجها من أعماقه حية تنبض باليقين:
ـــــــ.........احتاج حقاً كثيرا من البحث والتعمق حتى
أصل إلى الحقيقة سيدتي الطبيبة . يجب أن أتيقن تماماً من كل شيء قبل أن أتخذ قراري
أطرق هنيهة باسماً, وعاد بسؤالٍ يختلج في نفسه وقد آن
وقته:
ــــــ كان عندي سؤال لا يحتمل التأجيل
ـــــــ تفضل
ــــــ هل يجوز لمسيحي أن يتزوج بمسلمة ؟
هزت رأسها نافية وقد اتسعت حدقتاها:
ـــــ لا،لا يجوز،لا يجوز أبداً
قطب حاجبيه ورد بامتعاض:
ـــــ ولِمَ لا ؟ ما المانع ؟ قرأت أن المسلم يمكنه أن
يتزوج بغير المسلمة. فلِم لا تتزوج المسلمة بغير المسلم ؟
ــــــ يا سيد كيفن، المسلم عندما يتزوج بكتابية فهو
يتزوجها وهو مؤمن بنبيها وبكل الأنبياء، ولكن المسيحي إذا تزوج مسلمة فهو لا يؤمن
بنبيها ولا بأي نبي غير نبيه، وهنا سيكمن الصراع في تربية الأبناء. كما أن الأبناء
يتبعون دين أبيهم ونحن حريصون على نشر
الإسلام . فكيف لمسلمة مؤمنة موحدة بالله أن تحمل في رحمها أبناء لن ينتسبوا
للإسلام بل سينتسبوا لأبيهم غير المسلم
كان هناك سؤال يحلق كطائر أبيض في فضاء عقله الرحب, ولا
تستطيع الشفتان به لحاقاً لتلقي به على شطآن عينيها, فتبعثرت الأحرف, فنطق
تلعثماً:
ـــــــ وإن .... إن
...... إن أأأأأ إن
ــــــ وإن ماذا يا سيد كيفن ؟
ـــــ إن أحبها
أدركت مأربه, فهربت عينيها وأجابت بما تدين لله به:
ــــــ سيد كيفن! الأحكام الشرعية لا تتغير تبعاً
للمشاعر. لا يجوز زواج المسيحي من مسلمة تحت أي ظرف
ــــــ ولكن هل للحب دين ؟
ــــــ سيد كيفن! هذه كلمات من لا يدين لله ولا يقبل
الحكم بشريعته. الدين هو قائدنا وليست أهوائنا
ــــــ ممم سؤال آخر
ـــــ تفضل
هم أن ينطق, فدقت كلوديا الباب استئذاناً ودلفت:
ــــــ دكتورة عائشة
ــــ تفضلي كلوديا
ـــــ مخطوبة السيد كيفن في انتظاره بغرفته
وكأن صاعقة نزلت على رأس كيفن, فضرب رأسه بيده وصاح بضيق
أضحك الدكتورة عائشة وكلوديا:
ــــــ ما الذي أتى بها الآن. ألم تذهب غاضبة وقالت لن
تسامحني حتى آتيها حبواً ؟
ردت الدكتورة عائشة وهي تكظم الضحك:
ـــــ سعدت بلقائك يا سيد كيفن . تفضل لتذهب إلى مخطوبتك
ولأقم أنا بتفقد المرضى قبل مغادرتي
المستشفى
زفر من أعماقه:
أوف!! . تبأ لكِ انجيليكا . من أي جحيم أتيتِ الآن . هأنذا
ذاهب إليها
*******************************
دخل كيفن إلى الغرفة على مقعده المتحرك, مكفهر الوجه,
فهرعت إليه أنجيليكا متهللة:
ـــــ كيفن هاها أراك تحسنت كثيرا جداً
رد ببرود:
ــــــ كيف حالك انجيليكا ؟
عبست ملامحها وأعادت سؤاله البارد بضجر:
ــــ كيف حالك انجيليكا !! أهذه مقابلة يا كيفن ؟
ـــــ عذراً، فما زلت مريضا ولا أقوى على القيام لأرحب
بك الترحيب اللائق
ـــــ لا عليك حبيبي . أشكرك جداً على الهدية الرقيقة
التي أرسلتها
بدا الاندهاش على وجهه:
ـــــ هدية! عن أي هدية تتحدثين ؟
ـــــ العقد الماسي
الذي أرسلته مع أمك كي أقبل اعتذارك
وأصفح عنك هاها
زفر غلاً وغمغم وهو يغطي وجهه بكفه:
ـــــ أهٍ يا أمي...تقربين مني من وددتِ وتبعدين عني من شئتِ!
رفع كفه عن وجهه وقال بنبرة غليظة:
ــــــ مرحبا أنجيليكا
ــــــ افتقدك كثيراً يا كيفن
لصق ابتسامة كئيبة على وجهه ورد:
ــــــ مرحبا انجيليكا
امتعضت أنجيليكا وصاحت به:
ــــــ أكلما تفوهت بكلمة لا ترد إلا بمرحباً أنجيليكا،
مرحبا أنجيليكا!!
تربد وجهه ونهرها:
ــــــ وماذا تريدين أن أفعل!!. أنا مريض، مريض
هدأت قليلاًـ وألانت له القول:
ـــــ وهل يعجزك المرض عن قول افتقدتك، أنجيليكا حبيبتي
؟
أعاد العبارة كالببغاء بلا روح:
ـــــ افتقدتك أنجيليكا حبيبتي
ــــــ ممممم لا أشعر بها. أنت لا تنطقها من أعماق قلبك
فقد صوابه وثار كالبركان في وجهها:
ـــــ أنجيليكا! أرجو مراعاة حالتي النفسية . ألم
تهاديكِ أمي بدلاً عني وقامت بصلحك بدلاً عني؟
ـــــ أجل، فعلت أمك
ــــ اذن فاجعليها تقول لكِ افتقدتك أنجيليكا من أعماق قلبها
بدلاً عني
ضحكت وكأنها سمعت مُلحة وقالت:
ــــــ كم أنت خفيف الظل. قم يا كيفن قم, لقد اقترب موعد
زفافنا حبيبي هاها
اتسعت حدقتا كيفن وصاح مذعوراً كالهارب من الجحيم:
لااااا! أنا ما زلت أحتاج الكثير والكثير من الوقت لأسترد
عافيتي
ــــــ ستستردها قريباً حبيبي.... أتركك الآن وأذهب
لشراء بعض الأغراض التي تحتاجها العروس
ــــــ أي عروس ؟
ـــــ انا حبيبي
ـــــ اذهبِ أنجيليكا..... أريد أن أنام، فأنا أشعر بالتعب كثيراً جداً
*******************************
عادت عائشة إلى المنزل فألفت أمها تقرأ في مصحفها, فألقت
السلام:
ـــــ السلام عليكم يا أمي الحبيبة
ــــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حبيبتي
ـــــ أراكِ كنتِ تقرأين في المصحف الشريف
ـــــ كنت أقرأ وردي اليومي يا حبيبتي. أنهيته بفضل الله
. كيف كان يومك؟
وضعت عائشة أصبعها في فهمها كالأطفال عندما يخشون العقاب
وقالت بلهجة طفولية وابتسامة ماكرة:
ـــــ ممممم أود أن أخبرك بأمر وأخاف أن تغضبي
حدجتها أمها بنظرة كالنمر المتربص بفريسته وقالت:
ـــــ مممم ما ورائك ؟
ـــــ هاها أخاف من هذه النظرات الموجهة يا أمي هههه
سأختبئ خلف هذا الكرسي وأخبرك حتى لا تستطيعي قذفي بأي شيء هاها
ـــــ يبدو أنك فعلتي كارثة. انهضي من خلف الكرسي فلو
أردت عقابك ما منعني
ـــــ هاها تضربين طبيبة!!
ــــــ الطبيبة هذه مهما عظم شأنها وعلا بين الناس فهي ابنتي التي أراها صغيرة تحتاج حمايتي.
انهضي وتعالي هنا أمامي وقصي عليّ ما حدث
ـــــــ مممم هأنذا أجلس.. فقط أريدك ألا تغضبي .....
السيد كيفن
ـــــــ ييييييييييييي . هل هددتكِ أمه مرة أخرى
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ــــــ يا أمي قد فاجأني بدخول مكتبي مصرا على سؤالي عن
بعض الأمور في الدين
صاحت الأم بغضب:
ـــــ عائشة! قلت لكِ سابقاً ابتعدي عنه . أنا لا أتحمل
أن يؤذيكِ أحدا بسببه. ابتعدي
ـــــ يا أمي أنا لم أسع إليه . اقول لكِ هو من أتاني
بمحض إرادته
ــــــ فليستعن بغيرك. أنتِ وحيدتي. فليبتعد وليكف عنا
أذى أهله وشرورهم . هذه هي المرة الأخيرة التي أحذرك فيها
تبدى الحزن على وجه عائشة وقالت بأدب ممتثلة لأمر
والدتها:
ــــ أمرك يا أمي . ذاهبة لاستبدال ملابسي .
*******************************
ذات مساء كانت عائشة تجري محادثة مرئية مع صديقتها
فاطمة, فنادت أمها لتشاركهما:
ــــــ أمي! تعالي يا أمي أنا أكلم فاطمة صديقتي على
النت وتريد أن تراكِ
هرعت الأم متهللة وهي تقول:
ــــــ فاطمة! كم افتقدتها هذه الحبيبة
جلست إلى جوار عائشة وبدأت تحادثها:
ــــــ السلام عليكم حبيبتي فاطمة
ــــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته خالتي مريم.
افتقدتك بشدة
ـــــــ بارك الله فيكِ يا بنيتي. كيف هي أمك وكيف هم أخواتك؟
ــــ بخير, بخير, كلهم بخير ويبلغونكم سلامهم
ــــــ بلغي أمك تحياتي حبيبتي . سأتركك وصديقتك. فلابد
ولديكما الكثير والكثير من الأحاديث لتتبادلانها.,أترككما وأذهب لمطبخي الحبيب ههه
ـــــ تفضلي خالتي مريم ممممم كم اشتقت لطعامك اللذيذ ههه
ــــــ ههه ليتني أستطيع إرسال بعض ما أعددت عبر شبكة
النت لتشاركينا الغداء يا حبيبة...السلام عليكم حبيتي
ــــــ وعليكم السلام يا خالتي مريم. ها يا عائشة, أكملي
لي حديثك عن حياتك في الغرب. أسعيدة أنتِ حبيبتي ؟
أطرقت عائشة وتنهدت بأسى, ثم قالت:
ــــــ والله يا فاطمة أشعر بغربة وحنين إلى مصر. ولكن
ماذا عساي أن أفعل!
ــــــ ألم تتعرفوا على أسر عربية ؟
ــــــ الأعمال تشغلنا كثيراً . وأنتِ تعلمين أن أمي
ليست من هواة التعارف ههه حياتها مقتصرة عليّ وعلى ابى ومطبخها وفقط ههه
ــــــ وكيف حال عملك؟ كيف يعاملك زملائك ؟
تبسمت بعدما أدركت مقصدها وقالت:
ــــــ تقصدين من ناحية اختلاف الديانة بالطبع ههه صديقة
طفولتي وأعلم نواياكِ وإن لم تظهريها.... والله يا فاطمة ليس جميعهم يعاملوني
معاملة طيبة. من زملائي من يتجنب التعامل معي، ومنهم من يرشقني بنظرات تحقير لأني
مسلمة محجبة، ولكن لا أبالي . فأنا أقوم بعملي وأنصرف عنهم
تبدى الحزن على وجه فاطمة وقالت:
لا حول ولا قوة إلا بالله ... حزنت جداً لكلماتك هذه
زادتها عائشة من شعر الآلام أبيات:
ـــــــ الأمر ليس مقتصراً على زملائي حبيبتي.... الأمر
وصل إلى المارة في الطرقات... . ذات مرة توقفت بسيارتي لشراء بعض الأغراض وما أن
فتحت باب السيارة وأنزلت قدماً خارجها
ومازلت الأخرى داخل السيارة ، حتى وجدت شابا متعصباً يسبني ويقول عني إرهابية, ويصرخ في
وجهي قائلاً ارحلوا عن بلادنا، لا نريدكم هنا وأخذ يركل سيارتي بقدمه
جحظت عينا فاطمة بالفزع وقالت:
ـــــ يا الله !! وماذا فعلتِ؟
ضحكت عائشة وقالت:
ـــــــ فزعت فزعاً شديداً، وأدخلت قدمي التي أخرجتها
مسرعة، وأغلقت باب السيارة ووليت هاربة كي لا ألقى حتفي على يديه
ــــــ يا إلهي!! ألهذه الدرجة يكرهون المسلمين ؟
ــــــ وأكثر من ذلك يا فاطمة
أردفت عائشة بفؤاد كسير:
ــــــ... والله تحدث الكثير من المواقف. ولا أريد إخبار
أمي كي لا أثير فزعها
ــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . والله لا أعلم لِمَ
يضطهد المسلمين في بلادهم وخارج بلادهم ؟
ـــــــ المضطهد هو الإسلام يا حبيبتي متمثلاً فينا
خيمت على قلب فاطمة أشباح الخوف على صديقتها، فردت بنبرة
مرتعدة:
ــــــ حبيبتي أصابني الفزع بشأنك . محادثتي لكِ أشعرتني
بالخوف عليكِ يا عائشة
قالت عائشة متوكلة على الله بنبرة يقين:
ـــــــ حسبنا الله ونعم الوكيل . فوضت الله في جميع
أمري . دعواتك حبيبتي
ـــــ سأدعو الله دائما لكِ بالحفظ يا عائشة. ردك الله
إلى مصر سالمة أنت وأسرتك
ــــــــ اللهم آمين حبيبتي . أتركك الآن، على أن نتقابل
قريباً على النت إن شاء الله . السلام عليكم
ــــــ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته حبيبتي
*******************************
عاد الدكتور سالم إلى المنزل, وقلبه يحمل من الهموم
والأنكاد ما صفد ملامحه, استقبلته زوجته وسألته عما به فلم يشأ أن يخبرها, فسكتت
حتى لا يؤرقه إلحاحها، ومضت إلى مطبخها يتخطفها القلق والظنون..خرجت عائشة من
غرفتها وقد لحظت وجومه:
ـــــ حمدا لله على سلامتك أبي الحبيب... . لماذا تبدو
متجهماً هكذا يا أبي؟
أجاب بنبرة حزنى، يتفادى النظر في عينيها المتلهفتين:
ـــــ سلمك الله يا بنيتي ..... لا شيء، لا شيء... فقط
بعض الإجهاد. اذهبي وساعدي أمك في إعداد المائدة
قالت والقلق يفترس قلبها:
ــــــ سأفعل يا أبي . ولكني مازلت متيقنة أن هناك أمراً
قد أزعجك
ـــــ....... اذهبي يا بنيتي.. وأنا سأدخل لاستبدال
ملابسي
ـــــ تفضل يا أبي
هرعت إلى أمها لتسألها:
ـــــ ـأمي، أمي
ــــــ ما خطبك يا عائشة
ــــــ ما به أبي ؟
ـــــ والله يا بنيتي لم يخبرني.. ولكن أشعر أن هناك أمراً
قد حدث.... عندما يهدأ سأسأله
ـــــ ممم خيراً إن شاء الله .... لا أحب أن أرى أبي
متجهما أبداً . أتألم جداً حين أراه حزيناً
ردت الأم تواري ما بها بمرحها المعهود:
ــــــ إن شاء الله يزول عنه ما ألم به سريعاً . خذي عني
هذه الأطباق أيتها الطبيبة الحسناء
ــــــ ههه حسناء ! لا أحد يراني حسناء غيرك يا أمي
قهقهت الأم وقالت:
ـــــــ وما أجمل أن تسمعيها من زوجك حبيبتي
خجلت عائشة وأطرقت قائلة:
ـــــ زوجي!
ــــــ رزقك الله بالزوج الصالح آمين, آمين . اذهبي
بالأطباق وعودي لتأخذي غيرها... هيا, هيا أسرعي
******************************
بعد تناول الطعام, جلست السيدة مريم إلى زوجها الدكتور
سالم، تسأله متبسمة علها تذهب ببعض وجومه:
ـــــ ما رأيك فيما أعددت يا زوجي الحبيب
رد بابتسامة باهتة:
ـــــ بارك الله فيكِ يا مريم . سلمت يداكِ
ــــــ ممممم وسلم لي قلبك من الحزن يا أبا عائشة .
ــــــ أين عائشة ؟
ذهبت في إحضار الشاي.... . ها هي آتية تحمل صينية الشاي ههه
ماهرة كأمها تماماً
أخرجته عبارتها الفكاهية من ظلمة همومه فأضاء وجهه
مقهقهاً
ــــــ هههه وهل فعلت شيئاً يدل على المهارة حتى
تمتدحيها يا مريم! أيحتاج حمل صينية الشاي إلى مهارة ؟ ههه
ــــــ هههه أجل. فابنتي تحمل صينية الشاي ليس كأي فتاة أخرى
ــــــ هههه وفيما تختلف عن الفتيات الأخريات؟
ــــــ هههه تختلف لانها ابنة مريم
ـــــ هههه في ذلك فأنتِ محقة زوجتي الحبيبة مريم
ــــــ هكذا استطعت ان أنزع منك الضحكات هاها... وحان
الوقت لأعرف ما سبب ضيقك. اخبرني ما الأمر يا زوجي الحبيب
وضعت عائشة صينية الشاي وقالت ببسمة هادئة:
ـــــ تفضلا ها هو الشاي . تفضل يا أبي تفضلي يا أمي
شكرها والدها متبسماً:
ـــــــ جزاكِ الله خيراً حبيبتي. إجلسي يا عائشة
ـــــ ها أنا ذا قد جلست. ما بك يا أبي؟
تنهد وهو يهز رأسه باسماً وقال:
ــــــ ممم أعلم أنك وأمك لن تتركاني حتى تعلما بالأمر.
حسنا سأريحكما... . اليوم تعرضت لموقف كدر صفوي كثيراً وهو أنني حينما وصلت إلى مكتبي بالجامعة، وجدت صوراً
مسيئة للإسلام، وكلمات بذيئة معلقة على
الباب .
قالت السيدة مريم بنبرة حزينة:
ــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . ومن فعل ذلك؟
ــــــ فعل ذلك مجموعة من الطلبة الألمان المتعصبون والكارهون
للإسلام . فعلوا ذلك من أجل استفزازي. وحينما ذهبت لأشكوهم، كان الرد أنها حرية
شخصية وما كان لأحد أن يمنعهم عن التعبير
استشاطت عائشة غضباً وقالت:
ـــــ حرية شخصية !! كيف يا أبي يرون أن سب عقائد
الآخرين حرية شخصية ؟ هل يرضون هذا لدينهم ؟
ـــــ يا ابنتي نحن في بلادهم، وهم المتحكمون في الأمر.
ونحن ليس لنا حق أن نشكو إلا إلى الله . فلن ينصفنا غيره . أما هم فيعتبروننا إرهابيون
جئنا لنفسد عليهم بلادهم
ردت عائشة وحمرة الغضب تخضب وجهها:
ــــــ نحن إرهابيون ! ماذا رأوا منا كي يتهمونا بهذه الاتهامات
يا أبي ؟
ــــــ لم يروا شيئاً يا بنيتي، ولكنها خطط تدبر وتحاك
للإسلام حتى يظل الإسلام في نظر الجميع
دين الإرهاب وينفرون الناس منه. هي حملات للصد عن دين الله الذي ارتضاه في أرضه
شرعت عائشة في الإفصاح عن أمر:
ــــــ سبحان الله كنت أتحدث اليوم إلى فاطمة وأخبرتها
ب....
تراجعت عائشة عن الحديث متلعثمة:
ــــــ أاأأأأأأأأ لالالالا، لا شيء
اتسعت حدقتا والدتها فزعاً وقالت بنبرة مرتعشة:
ــــ عائشة!. أحدثت معكِ أشياء مثل ما حدثت مع أبيكِ يا
حبيبتي ؟
هزت رأسها وأنكرت:
ــــــ لا ،لا أأأأأ لا، لم يحدث شيء يا أمي . سأترككما
يا والداي الحبيبان وأذهب لأنام على أن استيقظ قبل الفجر إن شاء الله. تصحبا على
خير
قامت عنهما مسرعة وقد زوت وجهها عنهما حتى لا تخترق أمها
حصون عينيها, فتبوح بما لا تريد..ردت الأم وهي تتوجس قلقاً:
ــــــ وانتِ من أهل الخير يا حبيبتي... . سالم! أشعر أن
عائشة قد تعرضت لمضايقات أيضاً ولكنها لم تفصح عن الأمر
ـــــ وحتى لو حدث.. . ماذا عسانا أن نفعل يا مريم ؟
انتفضت عن مقعدها وقالت بحسم:
ـــــ نعد إلى بلادنا
ـــــ لا يجوز حتى ينتهي تعاقدي مع الجامعة
وضعت الأم يدها على صدرها وتأوهت:
آآآآه . بدأ الخوف
*******************************
بعد تمام شفاءه, عاد كيفن إلى المنزل مكفهر الوجه كمن
عاد إلى محبسه, فاستقبلته والدته بفرحة عارمة:
ــــــ كيفن! نشكر الرب على عودتك سالماً يا ولدي
ـــــ أشكرك يا أمي
جاء والده متهللاً:
ـــــ مرحبا يا كيفن يا ولدي
ـــــ مرحبا والدي . سأذهب لأنال قسطا من الراحة في
غرفتي
امتعضت والدته لبرود اللقاء وقالت:
ـــــ يا كيفن يا حبيبي. ألم تشتق إلي وإلى أبيك
رد بوجه خال من التعبير:
ــــــ اشتقت بالطبع. ولكن ما زلت مجهداً . استأذن في الانصراف
اتجه كيفن إلى غرفته تتبعه عينا والدته الغاضبة, فبدت
الدهشة على وجه والده وسألها:
ـــــ ما به ولدك يا نيكولا ؟
ردت والغيظ يفري كبدها:
ـــــ لا ادري يا ماكس.... قُلبت حياته رأساً على عقب
بعد حديثه مع المسلمة الهمجية
ـــــاشكري الرب، فقد ابتعد عن المستشفى ولن يراها ثانية
صاحت متضجرة:
ـــــ كيف لا يراها يا ماكس وهي تسكن في البناية
المقابلة ؟
هرع الوالد إلى نافذة الردهة, نظر خارجاً, ثم قال
يمازحها لتهدأ:
ــــــ لا أراها تقف بجوار النافذة
ردت بضيق شديد:
ــــــ ولدك هو من يقف في انتظار رؤياها
قال يهدئها باسماً:
ــــــ سيتزوج وينصرف عن التفكير فيها وفي دينها
ردت وقد حسمت أمرها:
ـــــ وهذا ما سأفعله الأسبوع القادم يا ماكس . زواج كيفن
وأنجيليكا في الكنيسة الأسبوع القادم
ـــــ هل أخبرتِ ولدك ؟
هزت كتفيها في عجب:
ــــ ولِمَ أخبره ؟
قهقه الوالد وقال:
ـــــ أليس هو من سيتزوج ؟
ـــــ سأخبره حالا
أسرعت إلى غرفة كيفن وهي تهتف فرحاً:
ــــــ كيفن! انتظر يا ولدي. قادمة إليك بالبشرى ههه
سمع صوتها فهرع إلى الفراش وهو يقول:
ــــــ أمي قادمة, أمي قادمة. سأتصنع النوم وأغطي وجهي
حتى تنصرف عني
اقتحمت الغرفة وهرعت إلى فراشه تنادي:
كيفن
تصنع الغطيط حتى تظن نومه:
ــــــ أخخخخخخخخخخخخ أخخخخخخخ
قهقهت والدته:
ــــــ ههه تتظاهر بالنوم أيها اللئيم هههه أنت لا تغط أثناء نومك. قم يا كيفن، قم يا ولدي. سأرفع
الغطاء عن وجهك عنوة ههه
رفعت الغطاء عن وجهه, فزفر غيظاً وانتفض جالساً وثار في
وجهها:
ــــــ ما الأمر يا أمي، ما الأمر!
ــــــ هههه مبارك زواجك من أنجيليكا في الكنيسة الأسبوع
القادم
صعق كيفن:
ــــ ها!! ....آآآآه ظهري، ظهري يؤلمني يا أمي. لا أريد الزواج آآآآه تصبحين على خير
استلقى على الفراش وغطى وجهه, فضحكت والدته وسألته
بتعجب:
ـــــ أليست هذه حبيبتك التي اختارها قلبك !!
كشف الغطاء عن وجهه وأجابها:
ـــــ كان قلبي غافلاً فاستيقظ
أدركت مقصده, فتربد وجهها وصاحت به:
ومن أيقظه يا كيفن ؟
قال بنبرة هادئة لينهي الحديث:
ـــــ أمي! فلنؤجل الحديث عن هذه الأمور الآن. ليس من
المعقول أن أخرج من المستشفى اليوم ثم أتزوج الأسبوع القادم
نظرت إليه بمكر وقالت:
ـــــ كيفن! ستتزوج من أنجيليكا، ودع عنك التفكير في أي امرأة
أخرى، وخاصة المسلمة العربية
أدرك أن أمه قد سبرت أغواره واطلعت على ما طوته دواخله,
فاتسعت حدقتاه قائلاً:
ــــــ المسلمة العربية!!
ـــــ أجل يا كيفن...أنت ولدي وأعلم كيف تفكر، ومن صرف
قلبك عن محبوبتك.... إن لم تظهر هذه الأفعى في حياتك ما تجرأت على مخالفة أوامر أمك
... . واسمع مني هذه الكلمات واعقلها.. إن لم تتزوج من أنجيليكا قريبا ستكون أنت
السبب وراء قتل هذه العربية المسلمة . أسمعت ؟
انتفض عن الفراش كالمصعوق، وقال وهو يحدق في وجه أمه:
ــــــ قتلها!!.... تقتلينها يا أمي؟
قهقهت وقالت وبعينيها خبث دفين:
ــــــ لست أنا من تقوى على قتل النساء... ولكن عندي من
يقوى، فلا تعبأ بالأمر
ازدرد كيفن ريقه ارتياعاً وقال بعينين شاخصتين:
ـــــ أمي! أنا لا أفكر فيها من الأساس. فلا تؤذيها
قهقهت وربتت على ذراعه وقالت بنبرة ماكرة:
ـــــ هكذا يا ولدي.... عد إلى رشدك وصوابك وحياتك
الجميلة كمسيحي مؤمن حتى يحيطك الرب بالبركات . زواجك من أنجيليكا الشهر القادم،
حتى تكون على أتم استعداد للزواج يا كيفن ... تصبح على خير ولدي الحبيب، وهذه
قبلة حانية مني
أخفضت رأسه وطبعت قبلة على وجنته وغادرت الغرفة, فتمتم:
ــــــ حانية! حانية أم جانية ؟... تفكر في قتل المسكينة
وتدعي الحنو والرحمة.... لم أكن أعلم أن أمي بهذه القسوة التي تجعلها تستبيح دماء
الأبرياء
*******************************
قبل الفجر دلفت والدة عائشة إلى غرفتها لتوقظها لقيام
الليل:
ـــــ عائشة! استيقظي يا حبيبتي، استيقظي لصلاة القيام
ــــــ مممممم استيقظت يا أمي
ــــــ منذ صغرك وأنتِ لا ترهقيني في إيقاظك
ــــــ الحمدلله يا أمي . سأقوم لأتوضأ
*******************************
توضأت عائشة وعادت لتشعل مصباح غرفتها..كان كيفن ملتصقاً
بنافذته يترقب انبعاث الضوء من غرفتها, فتهلل قائلاً:
ـــــــ مصباح
غرفتها أضاء...استيقظت سيدتي
الطبيبة للصلاة... . ليت الرياح تأتي لتفتح هذا الشباك لأراها تصلي ممممم الجو بارد حقاً
دخلت والدته على حين غرة, فتنهدت وضيقت عينيها حين رأته
ملتصقاً بنافذته ذاهلاً عن العالم حوله. نادته لينتبه:
ــــــ كيفن
ــــــ امي!
ــــــ أما زلت مستيقظاً حتى هذه الساعة ؟
ــــ لا... فقد نمت كثيراً واستيقظت قبل قليل
ربعت ذراعيها وأطالت نظرة صامتة إليه وسألته بمكر:
ـــــ مممممم ألا تشعر بالبرد يا عاشق ال ..... البرد
تبسم وقال بنبرة هادئة:
ـــــــ أحب أن أرى ضوء القمر
ــــــ قمر!!.....سنذهب غداً إلى الكنيسة . استأذن من
القمر وأغلق النافذة
ــــــ كنيسة !! لماذا يا أمي ؟
ـــــــ ههههه ألم تشتق إلى الآب دانيال؟
هز رأسه بامتعاض وقال:
ــــــ الآب دانيال مممممم
ــــــ ههه وتماثيل يسوع وإيقاد الشمع للعذراء
تنهد وقال:
ـــــ شموع ! ايييه
أيتها الشموع ههه سأفعل يا أمي
ـــــــ ههه هكذا يفعل الولد الصالح يا كيفن
ــــــ اتركيني الآن يا أمي
همت بالخروج فوقعت عينها على نسخة القرآن المترجمة التي
أعطاها له والد عائشة, لم تلمح الأحرف المكتوبة فسألته:
ـــــ كيفن! ما هذا الكتاب؟
ارتاع كيفن, وقال:
أأأأأأأأ أي كتاب!!!
غمغم كيفن:
( ويحي!! كيف لم أخفه عن الأنظار)
عاد إلى الحديث متلعثماً:
ـــــ أأأأأ هذا أأأأأأأ هذا .... إنه كتاب يتحدث عن
الصدق
ـــــ الصدق ! حسناً... انتهي من قراءته وأعطني إياه
ــــــ ههه أنتِ لن تفهميه يا أمي، فكلماته صعبة الوصول
لقلبك
ـــــ هذا أفضل . أنا لا أحب أن أجهد عينيّ في القراءة .
سأتركك الآن وفي الصباح نذهب إلى الكنيسة
زفر وقال بضيق:
ـــــ يا أمي! يا أمي! يجب أن أذهب إلى عملي غداً وعندما
أعود سنذهب إلى كنيستكم
ردت بغضب:
ـــــ كنيستنا!! كنيستك أنت أيضا وستظل يا كيفن . إذهب
لعملك كيفما شئت وعندما تعود سنذهب إلى الكنيسة ليزيد إيمانك الذى قرب على التفلت
من قلبك بفعل الشياطين
ــــــ ههه حسنا يا أمي .
*******************************
في الصباح استعدت والدة عائشة للخروج, فحييت عائشة التي
خرجت من غرفتها للتو:
ــــــ صباح الخير يا حبيبتي
ـــــ صباح الخير يا أمي . ما هذا! إلى أين أنت ذاهبة في
هذا الصباح الباكر ؟
ــــــ سأذهب لأشتري بعض الأشياء التي قد نسيت أن أخبر
أباكِ بها واحتاجها جدا الآن
ـــــ لا يا أمي سأذهب أنا بدلا منك
ـــــ لا يا حبيبتي . سأذهب إلى محل قريب للتسوق
ــــــ حسنا يا أمي . سأنتظرك ولن أذهب إلى المستشفى قبل
عودتك
ـــــ إن شاء الله حبيبتي
*******************************
استعد كيفن للخروج إلى العمل, فألفته والدته وقالت
متبسمة:
ــــ كيفن!! ما هذا النشاط يا ولدي ... هل ستذهب إلى عملك الآن ؟
ـــــ طاب صباحك يا أمي . أجل سأذهب الآن
ــــــ حفظك الرب يا ولدي الحبيب وأبعد عنك الأشرار
ــــــ ههههه أشعر أن أمي تدعو على نفسها
*******************************
نزل إلى الشارع فألفى سيارة عائشة مغطاة بالجليد. فهمس
إلى نفسه:
ـــــ ياه!! . سيارة الدكتورة عائشة قد كساها الجليد .
سأزيل عنها الجليد حتى لا يرهقها الأمر....مممممم أشعر برغبة في لقائها الآن . ممممم
أذهب ؟ لالالالالا أذهب أم انطلق بسيارتي إلى عملي ؟؟؟؟؟ لا سأذهب فقط لأقول لها
طاب صباحك وبعدها انطلق إلى عملي
*******************************
ذهب ودق جرس الباب, فسألت من خلفه:
ــــــ من بالباب ؟؟
ـــــ أنا
أعادت السؤال بتأفف:
ــــــ اقول من بالباب ؟؟؟؟؟
ــــــ قلت أنا ,أنا،
أنا كيفن
ردت باندهاش!
كيفن!
ــــــ افتحي
ـــــ لا استطيع . أنا وحدي بالمنزل . ارجع من فضلك
رد باندهاش:
ــــــ ماذا !! كيف يأتي لزيارتك أحد وتطرديه سيدتي
الطبيبة !!
ــــــ سيد كيفن نساء المسلمين لا يستقبلن رجال غرباء.
اذهب سيد كيفن
ــــــ غرباء! ولكنك تعرفينني جيداً . كيف أكون غريب!!!
ـــــ يوووووووه أشعر إنني أعطي محاضرة من خلف الباب...
. يا سيد كيفن نحن لنا عادات غير عاداتكم. علاقة المرأة بالرجال منعدمة إلا في أضيق
الحدود. وذلك أسلم للقلب
ــــــ ممممممم أتخشينني؟... أقسم لن أتعرض لكِ بسوء . فقط افتحي وأدخليني وان تجاوزت
حدودي فاطرديني
ــــــ لا حول ولا قوة إلا بالله. يا سيد كيفن انطلق إلى
مكان آخر فمكانك ليس هنا
ــــــ لن امشي قبل أن أفهم لِمَ لا تفتحي ؟ لِمَ لا
نكون أصدقاء ؟
صعقت عائشة:
أصدقاء!! أنا لا أتخذ أخدان سيدي . نهى الإسلام المرأة
أن تتخذ أخدان. بل وأمرها ألا تصافح الرجال أيضاً
رد متعجباً:
ــــ وأي دين
هذا الذي يأمر بالقطيعة بين الرجال والنساء !!
ــــــ لم يأمر بالقطيعة. الإسلام يصون المرأة ويحفظ
كرامتها ويحفظ بدنها من المساس.. . كنت عندي بالمستشفى فعاملتك كمريض، وعندما سألت
أسئلة عن الإسلام أجبتك بقدر علمي. ولكن أن نتمازح ونتزاور ونركب السيارة سوياً ونطلق الضحكات، فهذا انحلال خلقي يقود إلى معاصي. ولست أنا من
تفعل ذلك
أكبرها كيفن في نفسه وقال متيماً بها:
ــــــ ممممم ههه أحبك
هال عائشة ما سمعت, فقالت فزعة:
ــــــ ها!! انطلق ،انطلق
ـــــ ههه سأنطلق الآن على أمل أن أراكِ
*******************************
دخل كيفن إلى مقر عمله شارداً, فاستفاق على صوت سكرتيرته
كريستينا ترحب به بعد أن انتفضت عن مقعدها جذلة وهرعت إليه:
ــــــ سيد كيفن! كم اشتقت إلى وجودك بالمكتب
تأفف لرؤيتها ورد بامتعاض:
ـــــــ أما زلتِ على قيد الحياة كريستينا؟.... طاب
صباحك
ــــــ وصباحك أيضاً ... هل اشتريت سيارة جديدة بدلاً عن
التي تهشمت ؟
أطال إليها نظرة ازدراء إذ تراءت أمام عينيه تفاصيل
الليلة التي قضياها سوياً قبل الحادث..شعر بغثيان من رؤيتها, فأشاح بوجهه لبرهة ثم
سدد إليها نظرة استقذار وأطلق فوهة لسانه بأسئلة نارية أتت من لهيب أعماقه:
ـــــــ لِم وافقتِ أن تركبي معي السيارة ؟ لِم وافقتِ
على الذهاب معي إلى منزلي ؟ لماذا أنتِ مباحة لأي أحد هكذا كريستينا ؟
استهجنت ما سمعت وظلت عيناها تدور في ملامحه
اندهاشاً..بدت بسمة ساخرة على محياها وقالت:
ـــــــ أبعد أن قضيت معي وقتا سعيداً تأتي لمعاتبتي ؟ ...
أمرك غريب جداً... .ولكن لا بأس..سأخبرك... أنا أحب أن افعل ما يحلو لي
سألها سؤال لغرض أضمره:
ـــــ هل لكِ أصدقاء رجال ؟
قهقهت وقالت باعتزاز:
ــــــ تقريباً كل أصدقائي من الرجال
ـــــــ مممممم وبالطبع تسمحين لهم أن يفعلوا بكِ أي شيء
ــــــ هاها وما الغريب في ذلك ؟.... إنها الحرية يا سيد
كيفن
رد ونظراته تصب عليها اللعنات:
ــــــ تقصدين أنها عبودية الجسد . عبودية الشهوات
والنزوات..... أشعر أنك تغرقين في بحيرة من الأوحال
اقتربت وقالت بنبرة العهر:
ــــــ حسناً! أعطني يدك لنغرق سوياً
دفعها بعيداً وثار في وجهها:
ــــــ ابتعدي عني ..... شتان بينك وبين عائشة الطاهرة
النقية، شتان
أخذت تتطلع في وجهه بذهول وقالت:
ــــــ أنت غريب جداً اليوم يا سيد كيفن ..... أشعر أنك إنسان
آخر
شعر كأن أنفاسه تتلاشى, فوضع يده على صدره وحاول جذب
الهواء إلى داخله وهو يقول بصوت متهدج:
ــــ اشعر بالاختناق في هذا المكان .... أنا سأغادر
المكتب الآن
قبل أن يغادر، كان عليه فعل ما تلح به نفسه, استدار إلى
كريستينا وناداها:
ـــــ كريستينا
ــــــ ما خطبك سيد كيفن
ــــــ سأعطي لكِ راتبك ومكافأة عليه أيضاً.. وأشكرك على
هذه السنوات التي قضيتيها في العمل
هالها ما سمعت فصرخت باكية:
لِمَ يا سيد كيفن!! هل بدر مني ما أغضبك ؟
رد بوجه خال من التعبير:
ــــــ لا . ولكنني سأضطر لغلق المكتب بعض الوقت.. وربما
تركت البلاد أيضاً
علا نشيجها وأفصحت عما تبادر إلى ذهنها من ظنون:
تترك البلاد !! لا... قل أن مخطوبتك أنجيليكا هي من
أمرتك بطردي من العمل، أليس كذلك؟
ـــــ لا. أنجيليكا لا تعرف أي شيء. وما كان لامرأة أن تتحكم في مصيري أياً كانت ...
هذه رغبتي أنا
عمد إلى مكتبه, فتح الخزانة وأخرج منها ما ابتغى وعاد
إليها وقال بوجه متربد:
ــــــ وهذا راتبك، وهذه مكافأة. أعطني مفاتيح المكتب
اختلط نشيجها بصراخها وهي تردد ذاهلة:
لا اصدق ما اسمع! لا أصدق.. . كنت أحسبك لن تستغني عني أبداً
*******************************
كانت عائشة تقود سيارتها عائدة إلى المنزل في هذه
الظهيرة، تحت وطأة البرد وهطول المطر الذي تتجمد قطراته، فاكتست الطرق بالجليد..دق
هاتفها, أمسكت بالهاتف, فإذ بها والدتها:
ـــــ السلام عليكم يا أمي
ـــــ وعليكم السلام يا عائشة. لِم تأخرتِ يا حبيبتي ؟ أما زلتِ بالمستشفى ؟
ــــــ أنا في السيارة يا أمي في طريقي للمنزل
ــــــ صحبتك السلامة حبيبتي . هيا أسرعي فالجو بارد جداً
والأمطار شديدة
ـــــ هاها أنا بالسيارة بعيداً عن الأمطار. فلا تشغلي
بالك يا أمي
ــــــ حفظك الله يا حبيبتي . السلام عليكم
ــــــ وعليكم السلام يا أمي
فجأة حدث ما كدر صفو عائشة:
ــــــ يا الله!! تعطلت السيارة . ماذا سأفعل الآن يا
الهي .... لا يوجد حل غير السير على الأقدام، وحمداً الله المنزل على مقربة ثلاثمائة
متر من هنا
ترجلت عن سيارتها فنشب البرد أظافره في جسدها كالوحش
الضاري, شقت طريقها تحت ندفات الثلج المتساقطة و فوق الجليد الذي تكدس على وجه
الأرض بجسد منكمش وأسنان تصطك وعبارات تتمتم بها بارتعاد:
ـــــ آآآآه الجو بارد والأمطار شديدة. لو كان أبي في
المنزل لأخبرته ليأتي بسيارته وينقذني آآآه برد، برد جداً
كان كيفن في سيارته عندما رآها والسماء تندف بالثلوج فوق
رأسها, وخطواتها تتعثر بين تعاريج الجليد, فأوقف سيارتها على الفور وهرع إليها
منادياً:
ـــــ دكتورة عائشة:
التفتت إلى الصوت:
ـــــ من ؟ سيد كيفن ! أهناك شيء ؟
ــــــ أنا من جئت أسألك أهناك شيء ؟ لِمَ تركتي سيارتك
ونزلتِ للسير ؟
ـــــ تعطلت سيارتي
ــــــ حسنا هيا اركبي معي
ـــــ لا، انطلق أنت
مد شفته امتعاضاً وقال:
ـــــ هذا ظرف طارئ سيدتي ولم افتعله كي اصطحبك بسيارتي
. اسمحي لي أن أوصلك للمنزل
ــــــ لا . جزاك الله خيرا . سأسير على قدمي
قال متعجباً من أمرها:
ــــــ تمشين وسط الجليد في هذا البرد والمطر وترفضين
ركوب سيارتي ! أقسم لكِ أني لن أتكلم طوال الطريق . فقط لا استطيع أن أتركك تسيرين
على الجليد وأنا أركب سيارتي
ــــــ الأمر ليس بعسير. وحمداً لله المنزل ليس بعيداً
عن هنا
زفر أنفاسه في ضيق وقال:
ـــــ بل بعيد. بعيد جداً
هز رأسه وعرض عليها أمراً آخر:
ـــــ حسناً. خذي مفاتيح سيارتي وانطلقي بها، وأنا من
سأمشي بدلا منكِ
ـــــ لا. جزاك الله خيراً. انطلق واتركني وأشكرك على
شعورك
تبسم وقال متيقناً من أمرها:
ــــــ أعرف أنك لن تتنازلي عن رأيك . لذا فسأترك سيارتي
أنا أيضاً وأمشي على الجليد تحت الأمطار . فلا أحتمل أن أراكِ تسيرين على قدميكِ
في هذا البرد الشديد وأنعم أنا بدفء سيارتي...وحتى لا تظني بي سوءاً أو أني أتخذ
ذلك ذريعة للحديث معك أثناء السير فأنا
سأسبقك بخطواتي. أستأذنك في الانصراف
ــــــ ممم تفضل . تغير كثيراً هذا الرجل . أصبح بأخلاق
غير الأخلاق... يا الله! يا له من جو شديد البرودة
*******************************
عادت عائشة إلى المنزل بملابس مبتلة وجسد مرتعش, فهال
والدتها ما رأت:
ــــــ عائشة حبيبتي . ما هذا! ملابسك كلها مبللة وجسدك
يرتعد
ـــــ آآآه يا امي. تعطلت سيارتي بالطريق واضطررت للمشي على قدمي. اشعر
بالبرد بشدة آآآه. اشعر أن أصابعي تجمدت من شدة البرودة آآآه
تعجلتها الأم متلهفة:
ـــــ اذهبي بسرعة استبدلي ملابسك. اذهبي ستصابين بنزلة برد
عمدت إلى غرفتها مسرعة ووالدتها خلفها تسألها:
ـــــ ألم يكن هناك أي سيارة للأجرة ؟
كاتمت الضحك وصارحت والدتها:
ـــــــ الشارع
خال تماماً من المارة، ولم تتوقف غير سيارة واحدة لمساعدتي
ـــــ سيارة ! سيارة خاصة ؟
ـــــ أجل
ــــــ حمداً لله أنك سرتِ على قدميكِ
انفجرت عائشة بالضحك الذي كانت تكظمه وقالت:
ــــــ كانت سيارة كيفن
ـــــــ يييييييييي أشعر أن ألمانيا لا يوجد بها غير كيفن
ـــــــ هههه لا يا أمي، بها الكثير والكثير. فقط أنتِ
لا تخرجين كثيراً ..... ليت كل من أقابلهم في الطرقات مثل كيفن
تربد وجه الأم وحدجتها بنظرة ريبة وسألت باحتداد:
ماذا تقصدين ؟
ـــــ أمي والله لا أقصد شيئاً.... لِمَ تنظرين إليّ هكذا ! أنا فقط أأأأ قصدت أن ليس كل
من نقابلهم في الطرقات يحبون المسلمين
ربعت الأم ذراعيها وسألت وهي تخترق حصون عينيها:
وكيفن يحب المسلمين ؟
ـــــ اعتقد انه لا يكرهنا . على العكس فهو يريد أن يفهم
ديننا
ـــــ هداه الله إلى الإسلام آمين..... إن حاول الحديث
معكِ مرة أخرى فامنعيه
ــــــ لا تخافي يا أمي
أخذت عائشة نوبة من العطاس
ـــــ هاتشيييييييييييييييييي هاتشييييييييييييييييييي ها ها هاااااااااااتشييييييييييييي
ـــــ ههههه يرحمكم الله
ــــــ ها هاهاااااتشش هااااااتشييييي يهديكم ويصلح
بالكم يا امي هااااهااااااااااتشييي
*******************************
دلف كيفن إلى المنزل وثيابه مبللة, فاستقبلته والدته:
ـــــ كيفن! أين كنت؟ وما بال ثيابك مبللة هكذا!
ـــــ كنت بالعمل. ونزلت من السيارة ومشيت على الطريق تحت المطر، وبعدها ذهبت مرة أخرى وأحضرت سيارتي
ــــــ مممممم ولِمَ هذا العذاب يا ولدي ! أما زلت صغيرا لهذا العبث
!!!
قهقه كيفن, فسألته:
ــــــ لماذا طردت كريستينا من العمل ؟
ــــــ من اخبرك ؟
ـــــ اتت إليّ تشكي فعلتك
ـــــ لا احتاجها
ردت والدته باندهاش:
ـــــ أنت لا تحتاج كريستينا ؟ أما كنت تقول دوما كريستينا
هي ذراعي الأيمن؟
ـــــ وقد كسر ذراعي الأيمن يوماً يا أمي فما توقفت عن
الحياة ... سأستبدلها برجل
قهقهت والدته وقالت باستنكار:
ــــــ ومنذ متى يصلح الرجال لوظيفة سكرتيرة!
ـــــ يصلحون يا أمي . فقط نحن من نبحث عن الجميلات معتقدين
أنهن وقود العمل ولا يسير بغير دلالهن
غزى شعور غريب قلب والدته فقالت وهي تنظر في عينيه:
ــــــ ممممم لا ارتاح لكلامك
بدت بسمة ساخرة على شفته وقال:
ـــــ ومنذ متى يا أمي وأنت ترتاحين لكلامي !
اجتاحت الصرامة وجهها وأمرته:
ــــــ اذهب وارتدي ملابس غير تلك المبللة لنذهب إلى
الكنيسة
ـــــ حسنا يا أمي.. سأفعل لأجلك
ـــــ بل قل لأجل الرب
زفر مـتأففاً، وقال عامداً غرفته:
ـــــ بعد إذنك
*******************************
في الكنيسة, جاء الآب دانيال يحمل البخور لينشر عبقه فوق
رؤوس الجميع, فهرع إليه الحضور يقبلون يده, وهو يقول مختالاً:
ـــــ مرحبا بالجميع. هاهي يداي فهلموا لنيل البركات
تسابق والد كيفن ووالدته لتقبيل يد القس:
ـــــ دعني اقبل يده أولاً يا ماكس
أزاحها زوجها وهو يقول:
ـــــ لالالا ابتعدي، بل أنا من سأقبل يده أولاً يا
نيكولا
قبل والد كيفن يد القس وقال:
ـــــ صل من أجلنا أيها الآب دانيال
دفعته زوجته وقالت:
ـــــ ابتعد يا ماكس دعني اقبل يده... نعم صل من أجلنا
يا آبانا دانيال .
صرف القس نظره إلى كيفن الذي تنحى بعيداً غير مكترث بما
يفعلون, استبد الغيظ بالقس وسأل بعينين متقدتين:
لماذا يقف ولدكم بعيداً ولم ينكب على يدي مقبلا ؟
نادته والدته بحدة:
ـــــ اقبل يا كيفن. هيا يا ولدي اقبل وقبل يد آبانا
دانيال
ـــــ ممم أعتذر وبشدة. فأنا مصاب بنزلة برد وأخاف أن أعديه
رشقته والدته
بنظرة غيظ، واستدارت إلى القس باسمة تقول لتمتص غضبه:
ـــــ أرأيت كم يحبك كيفن يا آبانا!. يخاف عليك من
العدوى
حدجه القس بنظرة ماكرة وقال:
ـــــ تعال يا ولدي اقترب لسماع الوعظ
غمغم كيفن
(لا أدري من منا يحتاج إلى الوعظ أيها القس)
سأله القس بخبث:
ماذا تقول يا كيفن ؟؟؟
ــــــ اقول أذني تؤلمني ولا استطيع السماع
أمره القس بوعيد:
ـــــ هيا يا ولد. هيا اقترب واسمع الوعظ وإلا غضب عليك
الرب
هاج هائج كيفن واشتد احمرار وجهه غضباً:
ـــــ أي رب ! أي رب تقصدون!
صاح القس والشرر يتطاير من عينيه:
ـــــ يسوع
صاح كيفن غاضباً:
ــــ أين هو أيها الآب ؟
فاق صياح القس صياحه:
ـــــ لا يظهر لصاحب الخطايا . يظهر للقديسين فهم يرونه
ببصيرتهم الروحية
مسح كيفن وجهه ليذهب الهدوء ببعض غضبه, أطرق قليلاً ثم عاد يسأل بلسان المنطق:
ــــ أيظهر لهم لحماً ودم ؟
أجاب القس وحمرة الغضب تكسو وجهه:
ـــــ لا أيها الأحمق . يظهر بجسده النوراني الممجد
ـــــ وأين ذهب جسده المادي ؟
ـــــ تحول الى جسد نوراني
ـــــ ومن الذي حوله من المادي الى النوراني ؟
ـــــ هو من حول نفسه
رد كيفن وعقله يعتلي صهوة المنطق:
ـــــ إذن فخارق
القوة هو. استطاع أن يحول نفسه من جسد مادي إلى جسد نوراني ولم يستطع أن يدفع عن
نفسه من قاموا بقتله وصلبوه ؟؟..... لِمَ
استسلم لهم صاحب القوة الخارقة؟
ازدادت نيران القس دانيال اشتعالاً وأخذ في الوعيد:
ــــــ تباً لك أيها الأحمق، يتزايد عنادك ورفضك لدينك
يوما بعد يوم، وسينفد صبري
قهقه كيفن وقال متهكماً:
ــــــ ماذا ستفعل بي ؟ أرجوك لا تقتلني. فأنا لا أستطيع
أن أقوم بجسد نوراني كي أثأر منك
تلظى القس غليلاً وصرخ به وهو يصر على أسنانه:
ـــــ ويحك! أتسخر منا أيها الكافر؟
صرخت والدة كيفن تتوسل إلى القس وقد انهمرت دموعها:
ـــــــ لا, لا, أبانا لا تكفر ولدي. إنه مازال صغيراً
التفتت إلى كيفن ترجوه متشبثة بذراعه وعبراتها تغرق
وجنتيها:
ـــــ اعتذر يا كيفن. اعتذر وإلا ستلاحقك اللعنات
سكن القس قليلاً وناداه بتعال:
ــــ اقترب أيها الشاب. اقترب
اقترب كيفن وهو ينظر في عين القس بثبات, فأمره القس
باحتداد:
ـــــ أشر إلى رأسك وصدرك بعلامة الثالوث, فافعل
قال كيفن بتحد وعيناه ثابتتان في عيني القس:
ـــــ لن افعل. اقتلوني إن شئتم
هم القس باتخاذ قرار أليم بشأنه لولا أن قالت والدته
بهدوء:
ـــــ اترك لي ولدي أيها الآب، فلي معه حديث
ــــــ تفضلِي أيتها المسيحية الصالحة
نشبت والدته أظافرها في ذراعه، ودفعته بعيداً بكل ما
أوتيت من غيظ، وتبعته وانتحت به جانباً وصبت عليه جمار وعيدها:
ــــ كيفن! كيفن إن لم تفعل وحق يسوع لأمزق هذه المسلمة أمام
عينيك. فقد امتلأ قلبي غلاً ناحيتها. أشر بعلامة الثالوث
افترس الخوف قلبه على عائشة وأخذ يتوسل إلى أمه:
ـــــ لالا، لا يا أمي هي لا ذنب لها، لا ذنب لها وأنتِ
تعلمين ذلك جيداً
زأر كيفن كالملتاث:
ـــــ مريهم
بقتلي أنا واستريحي يا أمي للأبد، مريهم بقتلي واستريحي. لا رغبة لي في الحياة فقد
سئمت، سئمت
انهمرت دموع الرحمة من عيني والدته وتشبثت به وبثت إليه
حنانها الجارف في كلمات سرت إلى شغاف قلبه:
ـــــ أفتديك بروحي يا ولدي، أفتديك بروحي ..كيف تقول
ذلك يا كيفن. أنا آمر بقتلك أنت يا ولدي الحبيب ! وهل تظن أنني سأحيا بعدك يا كيفن!
نظر إليها وتجمدت الأحرف على شفتيه للحظات, ثم أشاح
بوجهه وزفر أنفاسه وقال ضائقاً:
ــــ انا متعب، متعب. أشعر بإجهاد فظيع. أريد أن أغادر
هذا المكان حالاً .أختنق. أختنق
قالت بنبرة رجاء وعينان تذرفان:
ــــــ سنغادر الكنيسة المباركة يا ولدي. فقط عليك
الاعتذار عما بدر منك للآب دانيال
رد بتحد:
ــــــ لن اعتذر لأحد. أنا لم أخطئ في حقه... لماذا دائماً لا تقبلون حوار العقل
ولا تملكون غير السب واللعنات لمن يعارضكم أو يكشف عواركم. لماذا؟ . ربما لو وجدت
عندكم إجابات تقنعني لعدلت عن كل أفكاري. ولكن للأسف لم اقتنع
أشاحت بيدها وعادت لزجره وهي تنشج:
ــــ كف، كف ، كف عن هذه الأحاديث المقيتة التي أرهقتك وأرهقتنا
معك.. لا أعرف لماذا حظي هكذا معك يا ولدي . أنا ما قصرت في تنشئتك على حب الصليب
وحب يسوع وأم النور والكنيسة. لِم ترفضنا؟
لِمَ ؟ وكأن كل خطايا البشر تحملت أنا وزرها بإنجابي ولداً مثلك . اسبقني وسآتي خلفك
قال كيفن محذراً إياها باحتداد:
ـــــ أمي إن فكرتم في إيذائها أو طالتها يد الشر منكم،
فلن تجديني بينكم وانسيني للأبد
سألته والغيظ يفري كبدها:
ـــــ ألهذه الدرجة تحبها ؟
ـــــ أجل يا أمي أحبها
ـــــ وحبك لها زادني لها كرهاً... ولكن لن أؤذيها طالما أنت بعيداً عنها.. . إن
حاولت تركنا لأجلها يا كيفن فسأقتلها وأشفي غليلي الذي ملأ قلبي ناحيتها... أسمعت
يا كيفن ؟
أطال نظرة صامتة إلى أمه, ثم قال:
ـــــ منتظرك في السيارة أنتِ وأبي بعد أن تنالا البركات
من أبيكم
اندفع عامداً الباب, فزفرت والدته بلهيب غليلها:
ـــــ تباً لك يا كيفن. تباً لك
******************************
عادت والدة كيفن إلى الآب دانيال مطأطئة الرأس خجلاً,
فأدرك ما بها وقال والوعيد يتقاذف من عينيه:
ــــ ألم يعد ولدك إلى صوابه أيتها المسيحية الصالحة
نيكولا ؟
بكت بين يديه راجية:
ـــــ لا تغضب عليه يا آبانا. مازال صغيراً وهذه اللعينة قد أفسدت عقله. مر
بقتلها يا آبانا وأرحنا منها للأبد حتى يعود كيفن إلى أحضاننا مرة أخرى
رد والدهاء يلمع في عينيه:
ـــــ أتظنين أنه بقتلها سيعود ولدك ! لا . بل سيعاند ويكابر أكثر
ــــ وما الحل إذن يا آبانا . نحتاج لحكمتك في معالجة
هذا الأمر
ـــــ هذه الفتاة منذ رأيتها بالمستشفى وأنا أعد لها
المكائد كي أؤدبها. لا تظنين إني نسيت الأمر نيكولا
تهلل وجه السيدة نيكولا وسألت والفضول يتملكها:
ـــــ ماذا
ستفعل يا آبانا ؟
ـــــ ستعرفين كل شيء في حينه نيكولا. انصرفي الآن
انحنت قائلة في إجلال للقس:
ـــــ ليس قبل تقبيل يدك آبانا لتحل البركات وتنصرف
اللعنات .. أين ذهب ماكس ؟
ـــــ زوجك نائم على الكرسي. بدلاً عن سماع الترانيم
ينام هذا الغافل
ـــــ سامحه يا آبانا هو أيضاً . سأوقظه ليقبل يدك قبل
أن ننصرف
هرعت إلى زوجها تهزه لتوقظه:
ـــــ ماكس, ماكس
فتح عينيه ذاهلاً يسألها:
ـــــ ها! أين أنا؟. من أنتِ؟.. من هؤلاء؟
صاحت به:
ـــــ مابك يا ماكس؟. أفقدت الذاكرة أم انتقلت إليك
العدوى من ولدك. قم. قم أنت في الكنيسة.اذهب وقبل يد آبانا
نظر والد كيفن حوله وهو يسأل في فزع:
ـــــ أين كيفن؟ أين ولدي. قتلتموه؟
ــــ أقتل ولدي أيها المختل! سبقنا إلى السيارة
قال وهو بالكاد يفتح عينيه:
ــــ شكرا للرب . آآآه . هات يدك يا أبانا كي اقبلها.
لماذا أصبحت يديك متحجرتين هكذا!
زفرت زوجته وأخذت تهزه قائلة:
ـــــ يا ماكس. ماكس! أنت أمام تمثال العذراء. أبانا هناك
يجلس على الكرسي الباباوي بحلته الحمراء المزركشة... افتح عينك لترى طريقك بين المارة. ييييييييي
ذهب ليقبل يد التمثال الآخر
*******************************
في السيارة, أخرج كيفن هاتفه ليجري مكالمة مع صديقه
ليون, دق جرس الهاتف فرد ليون:
ــــ الو. مرحبا كيفن. هاها سبقتني في الاتصال
ــــ كيف حالك ليون
ـــــ بخير. أين أنت؟ أشعر أن هناك أصوات حولك
ــــ أنا في السيارة أمام الكنيسة منتظراً أبي وأمي
ـــــ منذ الكريسماس ولم اذهب للكنيسة ولا أي من أسرتي .... متى ستتزوج يا كيفن؟
ضاق كيفن ذرعاً بالسؤال, فأجاب محتداً
ــــ أوف! لا تذكرني بهذا الأمر مرة أخرى من فضلك
ــــ ههههه أنت وشأنك . يبدو أن الخلافات دبت بينك وبين مخطوبتك
من قبل أن تتزوجا ههه أشكر الرب أنني مازلت بعقلي ولم أفكر في الزواج ههه.
استطرد ليون:
ــــــ كنت سأتصل بك لتستورد لي شحنة نبيذ فرنسي أخرى
رد كيفن بحسم:
ــــ لا، لا. آسف جداً. لن أستورد الخمور مرة أخرى
أخذت الدهشة ليون:
ـــــ ماذا!!.... هل وجدت مني ما يضايقك يا كيفن حتى
ترفض التعامل معي في العمل ؟
ــــ لا يا ليون. الأمر ليس كذلك. فقط بدأت أشك أن عملي
في استيراد الخمر محرم
أطلق ليون ضحكة عالية وسأله:
ـــــ أعلم من ذلك أنك لن تشرب الخمر مرة أخرى ؟
ـــــ بالفعل لن أشربه مرة أخرى ..... دعني أحدثك في
الشأن الذي اتصلت بك من أجله وأرجو أن تساعدني
ـــــ تفضل يا كيفن
ـــــ أريد قطعة
من السلاح
قهقه ليون وقال ساخراً:
ــــــ ستترك العمل بالخمر وتعمل مع عصابات المافيا إذن
ههه
زفر كيفن وقال باحتداد:
ـــــ أنا لا أمزح يا ليون
ـــــ مابك يا كيفن ؟ صوتك لا يعجبني . أشعر أن هناك أمر
أهمك
ـــــ لن يفهمني أحد . هل ستساعدني ؟
ـــــ بالطبع سأساعدك. عندي صديق يتاجر في السلاح. سأذهب
وأحضر لك سلاحاً من عنده
ـــــ وأنا تحت أمرك في أي مبلغ لشراء هذا السلاح
ـــــ.....ألا تخبرني في أي شيء تريده ؟
ـــــ لا تفهمني خطأ . فقد أردته للدفاع وليس لمهاجمة
أحد
ـــــ وهل يطاردك أحد ؟
ـــــ أشعر بالخوف على إنسان أحبه لذا يجب أن أحميه
سأل ليون بريبة:
ــــ ممممم وماذا فعل هذا الشخص ليتعرض للملاحقة والرغبة
في التخلص منه ؟
ـــــ لم يفعل شيئا غير إظهار الحقائق
ــــ مازلت لا أفهم شيئاً
ــــ لا داع لفهمك. فقط سأنتظرك اليوم ومعك السلاح في
مكتبي
ـــــ اليوم لا.. أنا مشغول جدا يا كيفن
زفر كيفن وقال بضيق:
ـــــ حسناً. سأنتظرك غداً على الأكثر. الأمر لا يحتمل
التأجيل من فضلك يا ليون
ـــــ تحت أمرك يا كيفن . انتظرني في تمام السادسة مساءاً
*******************************
عاد والد عائشة من الخارج, فسأل عنها والدتها:
ــــ أين هي عائشة يا مريم ؟
أتته عائشة تهرول:
ــــ ها أنا ذا يا أبي. هل ذهبت لإحضار سيارتي من المكان
الذي تعطلت به لنصلحها ؟
قهقه والدها وقال:
ـــــ سيارتك أسفل البناية، وقد تم تصليح ما بها من عطل
أخذتها الدهشة:
ـــــ ماذا!!..... ومن قام بالأمر ؟
ـــــ لا أعرف يا بنيتي . وجدت السيارة وحاولت تجربتها
فوجدتها سليمة تماماً وتم إصلاح ما بها من عطل
قالت ذاهلة:
ــــ غريب أمر هذه السيارة... كنت كل يوم أنزل وأزيل عنها
الجليد. فأصبحت الآن أنزل ولا أجد عليها قطعة واحدة من جليد هه سيارة غريبة
قال والدها ضاحكاً:
ـــــ ههههه أمر غريب حقاً ... أليس كذلك يا مريم ؟
أطالت الأم نظرة صامتة إلى عائشة أربكتها, ثم قالت
لزوجها:
ـــــ ممممممم
ليس غريباً يا سالم ... . ولكن الغريب القصد من وراء هذه الأفعال . مممممم سيارتك
في انتظارك أيتها الطبيبة فانطلقي إلى عملك
اندفعت إلى الباب بخطوات مرتبكة, وألقت السلام بصوت
مضطرب قبل أن تخرج
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد والدها السلام وقد أيقن أن هناك أمر قد خفي عنه:
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... مريم! يبدو
أن هناك أمر لا أعلمه
هربت عيناها من عينيه وقالت:
ــــ لا شيء يا سالم .لا شيء
حاصرت عيناه عينيها وقال:
ـــــ طريقة كلامك مع ابنتك تقول أن هناك شيء
تنهدت بعمق ثم قالت:
ـــــ ابنتي لا ذنب لها في أي شيء. فقط أنا أخاف عليها وأخاف
أن تمس بسوء
تبسمت وربتت على صدره وقالت:
ــــ لا عليك حبيبي. فقط هواجس الأمهات أمثالي والخوف
الزائد . كفانا الله السوء اللهم آمين
أوصد أمامها سبل الهروب لتبوح بما طوت عليه دواخلها:
ـــــ ما دخل سيارة تم تصليحها بخوفك الزائد ... أنا لا
أفهم شيء
علمت أن لا مناص من البوح فاستسلمت:
ــــ أعتقد أن كيفن هو وراء تصليح السيارة وهو من يزيل
الجليد عنها
ـــــ وحتى لو كان الأمر كذلك. هو يفعل ذلك لشعوره أنها
صاحبة فضل عليه كطبيبة وليس أكثر... . أم
أنك ترمين إلى شيء أبعد يا مريم؟
ـــــ سالم أنت تعرف أن ابنتنا متدينة جداً ولا غبار على
أخلاقها والحمد لله
ــــ أعرف ابنتي وأخلاقها تماما يا مريم . حفظها الله من
كل سوء ... لكن أعتقد أنك تقصدين أن شعور كيفن بها شعوراً عاطفيا
فزعت الأم ووضعت يدها على فمه وقالت بارتجاف:
ــــ بالله كف عن هذا الحديث . فهو على غير ديننا يا
سالم . وليتك تنصحه بألا يفكر في ابنتنا
ـــــ لم يأتني يا مريم قائلاً أنا أفكر في ابنتك كي أنصحه
بعدم التفكير .. يبدو فعلاً أن هواجسك سيطرت على تفكيرك
ربت على كتفها برفق وقال يبث الطمأنينة في نفسها:
ــــ إهدئي يا
مريم وثقي أن عائشة لن تخطئ
ـــــ انا أثق في ذلك يا سالم .... هيا حبيبي لتتناول إفطارك
قبل أن تذهب إلى عملك
ـــــ هههه ليس قبل أن
ترحل عن وجهك هذه الكآبة وأرى بسمة ثغرك
تبسمت قائلة بود:
ـــــ هيا يا حبيبي
*******************************
كان الوقت قبيل الفجر، عندما داهم كيفن جاثوماً مخيفاً,
فأخذ يصرخ في نومه باسم عائشة ويتململ في فراشه:
ـــ عائشة، لا، لا، اتركوها، اتركوها، اقتلوني بدلاً
منها لاااا
جاءت والدته تهرول على صوت صراخه, وطفقت توقظه:
ـــــ كيفن! ما هذا يا ولدي! استيقظ، استيقظ يبدو انك
تحلم حلما مزعجاً، قم
انتفض جالساً والارتعاب يخيم على ملامحه, وسأل والدته
كالملتاث وكأن ما رآه في منامه حقاً:
ـــــ ماذا فعلتم بها؟ ماذا فعلتم بها يا أمي؟
غضنت والدته حاجبها اندهاشاً وسألته:
ــــ عمن تتحدث يا كيفن؟ مابك يا ولدي؟
قفز من فراشه وهرع إلى النافذة يفتحها, فثارت والدته:
ـــــ لماذا تجري إلى النافذة وتفتحها ؟ أصابك الجنون
بسبب هذه المرأة وضاع عقلك يا كيفن!!
ألفى مصباح غرفتها مضاءً, فتنفس الصعداء بعد أن سرى
الارتياح في أعماقه وغمغم بما في نفسه:
ــــــ يااااه!! أشكرك يا إلهي. مصباح الغرفة مضاء...
كلما نمت أراهم يقتلونها وأصحو فزعا وأهرع إلى النافذة لأتيقن من كونها على قيد
الحياة .
صاحت به والدته
ـــــ بماذا تتمتم عند النافذة أيها المجنون؟
ـــــ اذهبي ونامي يا أمي... انا خارج لأحضر كوباً من
الماء
نظرت إلى دورق الماء والكأس على الطاولة المجاورة
لفراشه، ولوت شفتها امتعاضاً وقالت وهي تتجه لتصب له الماء:
ـــــ الماء إلى جانبك.. أم فقدت البصر! . خذ ملأت لك الكوب
ــــ أشكرك
رفع الكأس إلى فيه, فسألته:
ـــــ بِمن كنت تحلم هذا الحلم المزعج ؟
ـــــ كنت احلم بكِ يا أمي
سبته والدته:
ـــــ خسئت أيها الأحمق. أعندما تراني في حلمك يكن حلما مزعجاً!!
ــــــ حقا يا أمي رأيتك ورأيت الآب دانيال ورأيتكم تطاردون.. آآآآ لا، لا شيء
قالت والدته بامتعاض:
ــــ نم، نم أيها المزعج. جئت على صراخك من غرفتي
زفر بعمق وقال وقلبه يترجرج داخله:
ـــــ وكيف أنام !!!. كلما نمت رأيتكم تقتلون، وأرى
الدماء حولي تقطر من أيديكم، وعندما أستيقظ أجدكم تهددون وتتوعدون. قد سئمت من
النوم ومن اليقظة ومن الحياة بأسرها
ابتسمت والدته بخبث بعد أن أدركت مراميه وقالت:
ــــ أنت من تفعل في نفسك ذلك ... عد إلى صوابك ولا
تتسبب في قتل الآخرين
هبط في مقعد وقد وضع يده على وجهه يبث إلى نفسه آهاته وعلاته:
ــــ آآآه.. وكأن الأرواح عندهم لا وزن لها... عائشة.. عائشة... كم أصبح الخوف يقتلني
لأجلك ... لن أنام.. سأنتظرها حتى تنزل وتركب سيارتها وانطلق خلفها حتى أصد عنها
أي شر دون أن تشعر
*******************************
تركت الدكتورة عائشة مكتبها, عامدة الخروج من المستشفى
لبعض الوقت, فنادت كلوديا الممرضة التي تألفها:
ـــــ كلوديا
ــــ تحت أمرك دكتورة عائشة
ـــــ أنا سأنزل الآن لتناول وجبة سريعة في المطعم
المجاور للمستشفى وسأعود مرة أخرى إن شاء الله
ردت بمرح:
ـــــ خذيني معك ههه
ـــــ ههه هل أنهيتِ العمل الذي كلفتك به وأعطيتي المرضى
جرعات الدواء ؟
ـــــ أجل دكتورة عائشة
ـــــ حسنا. تعالي معي وشاركيني الغداء
ـــــ هيا دكتورة عائشة. فقط انتظريني أوصي زميلتي إريني
أن تلاحظ المريض الذي بالعناية المركزة
ــــ تفضلي وانا في انتظارك
أسرعت كلوديا إلى زميلتها تناديها:
******************************
ــــ اريني
ــــ ما ورائك كلوديا ؟
ـــــ سأنزل مع دكتورة عائشة لتناول الغداء بالمطعم
تأففت كلوديا وردت بازدراء:
ـــــ أنا لا أعرف ما سر حبك لهذه المرأة المسلمة المحجبة!!...
كلما رأيتها أشعر أني أريد أن أبصق في وجهها
اجتاحت حمرة الغضب وجه كلوديا وعنفتها:
ـــــ لا تتحدثي عنها بهذه الطريقة وإلا سأقاطعك للأبد
ـــــ ألهذه الدرجة تحبينها وتخافين على شعورها!!
ــــ أجل أحبها جداً. هي طيبة القلب وحلوة الحديث ولم تتعال
علينا يوماً كونها طبيبة ونحن ممرضات
ردت باحتقار ووجه ينضح كراهية:
ــــ تتعال علينا!! ومن هذه حتى تتعال!!... العرب هؤلاء لا وزن لهم
عندنا وخاصة المسلمين منهم. أكرههم جداً . رباني أبواي على كرههما ودائما يصفونهم بأنهم
إرهابيون وهمج
استبد الغيظ بكلوديا، فدمدمت سباباً:
ـــــ لا يوجد على الأرض إرهابيون وهمج غيرك وغير أمثالك
إيريني. وكفي عن هذا الحديث السخيف... تابعي المريض في العناية المركزة
*******************************
دلفت الدكتورة عائشة إلى المطعم بصحبة كلوديا..أشارت
الدكتورة عائشة إلى ركن بعيد وقالت:
ــــ تفضلي كلوديا. سنجلس في هذا الركن البعيد حتى نشعر
بالخصوصية
أحسنتِ الاختيار دكتورة عائشة
جلستا إلى الطاولة وأتاهما النادل, واختارتا الطعام الذي
أصرت الدكتورة عائشة أنها من ستدفع ثمنه, قالت الدكتورة عائشة بابتسامة لطيفة:
ــــ سيأتي الطعام فورا
ــــ أنا محرجة جداً أنك لم تجعليني أدفع شيئا من ثمن
الطعام
ردت الدكتورة عائشة وقد اتسعت ابتسامتها:
ــــ وأنا سعيدة بقبولك دعوتي المتواضعة
تجسدت المحبة بلمعة براقة على ملامح كلوديا وقالت:
ــــ أحبك كثيرا دكتورة عائشة حقاً،,و أشعر بالسعادة
كلما رأيتك
ــــ أشكرك جداً كلوديا
جاء النادل بالطعام وبدأ يصفه على الطاولة فشكرته عائشة:
ــــ أشكرك جدا
بدئتا في تناول الطعام, وفجأة وقعت عين كلوديا على ما
أدهشها, فتبسمت ولفتت انتباه الدكتورة عائشة وهي تشير بأصبعها إلى وجهة ما وتقول:
ــــ دكتورة عائشة, أنظري إلى هناك
التفتت عائشة إلى ما أشارت إليه كلوديا, فأبصرت كيفن
يجلس إلى طاولة بعيدة ويقرأ جريدة, فغمغمت بدهشة:
ـــــ كيفن!!
ضحكت كلوديا وقالت وعيناها تلمعان:
ــــــ كان ينظر إليكِ، فعندما أشرت إليه تظاهر أنه يقرأ
الجريدة ولا يرانا ههه
ـــــ وما الغريب في ذلك! أتى لتناول الطعام مثلما أتينا
ردت كلوديا بابتسامة ماكرة تفصح عما أضمرته:
ــــ مممممم ألا يوجد مطعم آخر غير الموجود بجوار
المستشفى!!!
ـــــ ممممم ماذا تقصدين كلوديا؟
ـــــ لا اقصد شيئاً ههه أقصد أنني جائعة جداً، والطعام
شكله شهي ورائحته زكية
ــــ ههه أتمنى لكِ طعاماً شهياً كلوديا الحبيبة
ـــــ أشكرك دكتورة عائشة الطيبة
استطردت كلوديا:
ـــــ أتعرفين!
سمعت أن هناك مديراً جديداً سيعين في مستشفانا
بدا الابتئاس على ملامح عائشة وقالت بنبرة حزنى:
ــــ مديراً جديداً!.. لأول مرة أسمع بالخبر... حقا مدير
المستشفى على خلق ورقي وسنفتقده جميعاً
ـــــ حقاً دكتورة عائشة. فهو طيب القلب.. ولكن من سيأتي
سمعت عنه أنه بشع جداً. سيئ الطباع بشكل رهيب وآسف أن أقول أنه يكره المسلمين جداً
بدا الامتعاض على وجه عائشة وسألتها:
ـــــ ممممم ومن أخبرك؟
ـــــ لي صديقة في مستشفى آخر هي من قالت ذلك
تنهدت الدكتورة عائشة وقالت بحسم:
ـــــ الفيصل بيننا حسن العمل وإتقانه.. . أعتقد أن
الأديان وكرهها ليس محله مستشفى لعلاج المرضى
استطردت الدكتورة عائشة وقد بدت بسمة على محياها:
ـــــ ما رأيك في جمع بعض المال من كل العاملين
بالمستشفى وإحضار هدية تذكارية لدكتور باتريك تقديراً لحسن إدارته للعمل في فترة إدارته
؟
ـــــ فكرة رائعة. سأتعهد أنا بجمع المال وشراء الهدية
ـــــ هههه إن شاء الله
صرفت كلوديا بصرفها إلى كيفن ترقبه، وقالت بذات البسمة
الماكرة:
ــــ السيد كيفن يحتسي فنجاناً من القهوة وينظر إليكِ ههه
حاولت عائشة تسفيه الأمر:
ـــــ مممم ولماذا أنتِ تشغلين نفسك به هكذا كلوديا !!!
لا تلقي بالاً وانتهي من طعامك لنعود للعمل
*******************************
فرغتا من تناول الطعام, فقامت الدكتورة عائشة عن الطاولة
وقالت لكلوديا:
ــــ هيا كلوديا لنعود للعمل
قامت كلوديا عن الطاولة وهي تقول:
هيا دكتورة عائشة
تفاجئت كلوديا بكيفن يلوح لها, فأدركت أنه يريدها على
انفراد, فأومأت له برأسها خلسة, وقالت للدكتورة عائشة:
ـــــ اذهبي أنتِ دكتورة عائشة وسأتبعك بعد قليل
ــــ أهناك شيء كلوديا ؟
ــــ لا شيء. فقط رأيت قريبة لي، سأذهب لتحيتها
ـــــ حسنا. لا تتأخري
*******************************
غادرت الدكتورة عائشة المطعم, فاتجهت كلوديا إلى كيفن
الذي وقف احتراماً لها وحيته:
ـــــ طاب مساؤك سيد كيفن
ـــــ طاب مساؤك كلوديا. تفضلي بالجلوس
ـــــ ممم يبدو أن هناك أمر هام
ـــــ كلوديا! من فضلك سأعطيكِ رقم هاتفي، وإن حدث أي
أمر مزعج للدكتورة عائشة اتصلي بي على الفور من فضلك وسآتي مسرعا
ردت والدهشة تعلو ملامحها:
ـــــ لا أفهم شيئاً سيدي. وما الذي يمكن أن يحدث من أمور
مزعجة تستدعي تدخلك سيد كيفن!
ـــــ كلوديا من فضلك. أنتِ تعلمين أن المسلمين في
بلادنا مضطهدون... أليس كذلك ؟
ـــــ أجل مضطهدون سيد كيفن
ـــــ لذا فيجب أن نحميها
ابتسمت كلوديا وغمزت بعينها وقالت:
ـــــ ألهذا الأمر أنت هنا ؟
قال وهو يخرج بعض الأوراق المالية من حافظة نقوده:
ـــــ لا داعي للحديث كثيراً .. خذي هذا المبلغ لأجلك
ــــ لا داعي سيد كيفن. فأنا أحب الدكتورة عائشة جداً وسأكون سعيدة بدفع أي ضرر
عنها
رد بابتسامة هادئة:
ــــ أشكرك. ولكن خذي المبلغ لأجلي أنا
أخذت النقود وشكرته:
ــــ مممم أشكرك سيد كيفن
*******************************
كانت أنجيليكا مخطوبة كيفن تبحث في كل مكان عن جوالها
فلا تجده, نادت أختها فرانزيسكا وسألتها بانزعاج:
ــــ فرانزيسكا, أين هو هاتفي؟
ـــــ ممم لا أعرف. أجريت منه مكالمة منذ قليل ولا اعرف أين وضعته
ثارت أنجيليكا في وجهها:
ــــ وكيف تجرين مكالمة من هاتفي دون استئذان!! اذهبي
وابحثي عن هاتفي. أريد أن أهاتف كيفن
قالت بنبرة استفزاز:
ــــــ أرى أنك دائمة البحث عنه، بينما هو مشغول، مشغول ههه
استبد الغيظ بأنجيليكا وصاحت بها:
ــــ انتِ تثيرين استفزازي. أليس كذلك؟ ليكن في علمك كيفن يحبني جداً، جداً. فقط
هو مشغول بعمله كثيراً هذه الأيام
ضحكت فرانزيسكا وردت بعبارة أكثر استفزازاً:
ــــــ سأبحث عن هاتفك لتتطفلين عليه كالعادة ههه
أخذت تبحث عن الهاتف في كل مكان وتردد:
ــــــ أين انت يا هاتف انجيليكا؟ أين أنت يا هاتفها؟ أين
ذهبت أيها الهاتف؟ أها! ها هو وجدته. كان تحت المنضدة ههه ألقى بنفسه من فوق الأريكة
لينتحر ويتخلص من ملكيتك للأبد ههه
نتشت أنجيليكا الهاتف من يدها:
هاتي يا ثقيلة الظل، هاتي
ذهبت بالهاتف إلى فراشها وجلست, فالتصقت أختها بها وهي
تضحك وتقول متهكمة:
ـــــــ دعيني أجلس لاستمع إلى الكلمات الرومانسية بينك
وبين كيفن
سددت أنجيليكا إليها نظرة تحد وقالت:
ــــــ ستستمعين لكي تتأكدي كم يحبني كيفن
ـــــ هأنذا منتظرة ههه
دق جرس هاتف كيفن, فتأفف لرؤية اسمها وقال بضجر:
ـــــ أوف! إنها أنجيليكا. سألغي المحادثة
ألغى الاتصال, فهاج هائج أنجيليكا:
أهكذا!! ويحك يا كيفن، ويحك
سألتها فرانزيسكا بفضول بالغ:
ــــ ماذا حدث؟
بكت أنجيليكا بغيظ وقالت:
ـــــ الغى المكالمة ولم يكتمل الجرس
قهقهت فرانزيسكا وقالت ساخرة:
ـــــ يبدو أنه مشتاق جداً لسماع صوتك. هههه حاولي مرة أخرى
سأحاول
أعادت الكرة فإذ به يرد كالوحش الكاسر:
ـــــ الووو! ما
ورائك أنجيليكا!!
لامته بنشيج:
ـــــ لماذا تنهرني هكذا يا كيفن!! أهذا جزائي أني أريد الاطمئنان
عليك!!
صب عليها جام غضبه:
ــــ اتصلتِ قبل ذلك وألغيت المكالمة. فكان عليكِ أن
تتحلي ببعض الذوق ولا تحاولي الاتصال مرة أخرى
علا نشيجها وقالت:
ـــــ أهكذا يا كيفن
؟ سأشكوك لوالدتك
زفر وأغلق الهاتف دونها وقال لنفسه:
ـــــ سأغلق الهاتف تماماً كي ترحلوا عني جميعاً
علا نشيج أنجيليكا وألقت الهاتف بعيداً, فانفجرت
فرانزيسكا بالضحك وقالت ساخرة:
ــــــ يبدو من بكائك أنه أسمعك كلاما عذباً مما يلامس
المشاعر ويبكي المحبيبن هاها
هاج هائج أنجيليكا وأخذت تسدد لها الضربات واللكمات
وتدفعها من فوق الفراش:
ـــــ انهضي، انهضي من فوق فراشي واخرجي من غرفتي أيتها المستفزة
نهضت وهي لا تتمالك نفسها من الضحك:
ــــــ هههه حسناً، حسناً سأخرج . لا تدفعينني هكذا
غادرت فرانزيسكا الغرفة, فأمسكت أنجيليكا الهاتف بغرض
الحديث إلى والدة كيفن وهي تغمغم ناشجة:
ـــــ سأتصل بأمه كي تأدبه وتجعله يعتذر لي
ردت السيدة نيكولا على الاتصال بود بالغ:
ــــ الو. طاب صباحك أنجيليكا
ردت بنشيج:
ــــ طاب صباحك، السيدة نيكولا. أرأيتِ ما فعله ولدك!
ــــ ماذا فعل أنجيليكا ؟
ــــ يتهرب مني. أصبح لا يطيق سماع صوتي
تنهدت السيدة نيكولا بعمق وقالت بلين:
ــــ أنجيليكا! لا تبالي بأفعال كيفن. جهزي فستان عرسك
وجهزي كل شيء. زواجكما لن يتأجل وسيتم في الكنيسة في غضون شهر
قالت بصوت متهدج وهي تمسح عبراتها:
ـــــ ومعاملة كيفن الجافة؟
ـــــ أعدك أنه سيتغير ويعود كما كان معك من قبل.. . إهدئي
بالا أنجيليكا.
استطردت السيدة نيكولا بسؤال يغمس العروس في عالمها
السعيد:
ــــ أخبريني.. هل بدأتِ في اختيار فستان العرس أم ليس
بعد ؟
توقف النشيج بعد أن أخذ السؤال بمجامع تفكيرها, وأجابت
متحيرة:
ــــ ممم محتارة. محتارة جداً.. هناك فساتين عرس من أجمل
ما يكون, ولكني محتارة بينها
ــــ هاها! أي فستان منها سيفي بالغرض. أهم شيء أن يتم زواجكما في
حينه.... أتركك الآن أنجيليكا وأعدك أن يتغير كيفن
ردت والسعادة تغمرها:
ـــــ أثق في وعودك السيدة نيكولا
أنهت السيدة نيكولا المكالمة, وقد تملكها غضب عارم على
كيفن, زفرت بضيق ووضعت الهاتف جانباً, فسألها زوجها:
ــــ ما الأمر نيكولا؟ ... لماذا تشتكي أنجيليكا من كيفن؟
ـــــ تغير كثيراً في معاملتها، وأصبح لا يطيق لها كلمة.
وكأنه يريد بتصرفاته هذه أن يجعلها هي من ترفض الزواج منه... ولكن لن أعطيه الفرصة،
وسيتزوجها رغم انفه ... سأتصل الآن لأعلم أين هو
********************************
أثر كيفن أن يخلو إلى نفسه أمام نهر إيزار، بعيداً عن
ضجيج العالم حوله..آملاً أن تهدأ روحه الثائرة..أن تسكن أنات ذاك الخافق الحائر
بين أضلعه...جلس يتأمل ترقرق مياه النهر الأزرق البديع المرأى في انسيابية دون
عارض يردعه..بدت بسمة شجن على محياه..وكأنه تمنى أن يحصل على ذات الحرية ..ولكن
هيهات..فكم من صخور عاتية حوله ترتطم بها ماء روحه العذبة، فتنكسر أمام طغيانها
...تنهد بأسى والتفت ينظر في ساعة يده وكأنه يعلن الرجوع إلى عالمه الذي يحيطه
كإحاطة الساعة بمعصمه...فتح هاتفه وهمس إلى نفسه:
ــــ سأفتح هاتفي ربما استقبل اتصالا هاماً
فتح الهاتف وعاد يتأمل في روعة النهر مادحاً ذاك الجمال:
ـــــ ما أجملك يا نهر إيزار.. وكأنك سلام يجري ليخمد
حروب العالم
دق جرس هاتفه, إنها والدته, أجابها على الفور:
ـــــــ ألو
ـــــ أين أنت يا كيفن ؟
ــــــ جالس إلى جوار النهر
قالت والدته ضاحكة:
ــــــ فهلا اصطحبت أنجيليكا معك لتتمتع بجمال النهر
مثلك ؟
انتفخت أوداج كيفن غضباً ورد ثائراً:
ـــــ يا أمي الرحمة، الرحمة. أحتى جلوسي إلى جوار النهر
تخططيه لي كيف يكون ! أريد أن أجلس وحيداً، وحيداً. أنا والنهر وفقط
ردت بامتعاض:
ــــــ ومتى ستعود يا كيفن؟ أم انك ستبيت إلى جوار النهر
ــــــ ليتني أبيت في قاع النهر كي تستريحي يا أمي
شهقت والدته فزعاً وتعوذت:
ـــــ ابعد الرب عند الشرور يا ولدي. لا يا كيفن. إياك
أن تتهور بفعل شيء يفقدني إياك
ضحك ساخراً وقال:
ـــــ تخافين أن ألقي بنفسي في النهر يا أمي ؟
ـــــ اجل، خائفة
تأوه كيفن من جروح روحه النافذة:
ـــــ آآآه!!... تخافين عليّ أن ألقي بنفسي في النهر،
بينما تريدين أنتِ أن تلقيني بيديكِ في النار عند القيامة هاها شيء ساخر جداً ههه
اضطرمت النيران داخلها وقالت:
ـــــ ممممم أقنعتك المسلمة أن الذي لا يتبع دينها سيلقى
في النار. أليس كذلك يا كيفن ؟
ثار كيفن غاضباً:
ـــــ أمي، أمي أتوسل إليك اتركيني أنعم بالهدوء والسلام
النفسي إلى جوار النهر
ردت بصرامة:
ـــــ لا تتأخر. سأنتظرك على العشاء
ـــــ تحت أمرك يا أمي . أهناك أي أمر آخر؟
ــــ أوه!! أنْسيتني أنت ونهرك ونارك.... اتصل بزوجتك أنجيليكا واعتذر لها عن سوء أدبك معها .
ـــــ زوجتي ؟.. أزوجتيني إياها دون أن أدري ؟
ــــ باعتبار ما سيكون من زواجكما وارتباطكما الأبدي
المقدس في الكنيسة في غضون شهر
أطلق كيفن زفرة كادت تشق صدره
ـــــ أوووووووووف
سبته والدته غاضبة:
ـــــ أهكذا أيها الأحمق!... تقول لأمك أوف ؟ سل المسلمة
ما عقاب من يقول لأمه أوووووووف
انفجر كيفن بالضحك وقال:
أثرتِ ضحكي يا أمي
أنهى المكالمة واستلقى على النجيل الأخضر، ناظراً إلى
السماء يتأملها:
ــــ ما أروع هذه الطبيعة, ما أجملها من ألوان متناسقة تسحر الأعين وتخلب الألباب...دارت عينه
في الفضاء الفسيح وجهر بصوت يرعد الأسماع :
ـــــ يا أيها الإله الذي رفع هذه السماوات
ـــــ يا أيها الإله الذي أجرى هذا النهر
ــــ يا أيها الإله ذو القدرة والهيمنة والسيطرة على هذا
الكون منذ الأزل
ــــ يا أيها الإله الذي خلق كل شيء وبيده كل شيء
ــــ يا أيها الإله الذي خلقني، خذ بيدي إليك . دلني عليك
. دع قلبي يتيقن من أنك أنت إلهي. أتيقن أنك
حقا الإله الواحد الأحد الذي قرأت
عنه في القرآن. دلني, دلني.خذ بيدي لا تتركني. لا تتركني يا إلهي. يا إلهي لا
تتركني
استفاق على صوت رخيم يلقي عليه تحية الإسلام:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التفت فإذ بشاب ألماني في مثل عمره, وابتسامة هادئة على
محياه, له لحية كثة زادته بهاءً, انتفض جالساً وسأله باندهاش:
ــــــ من أنت؟
جلس إليه وقال بلين وما زالت تلك البسمة العذبة على
ثغره:
ـــــ أسمي محمد
ــــ محمد !! اسمك هو نفس
اسم نبي الإسلام العربي . ولكنك تبدو
ألماني. أليس كذلك ؟
ــــ أجل أنا ألماني، وكان اسمي جورج وكنت مسيحيا..
والحمد لله قد هداني الله إلى الإسلام
رد كيفن باندهاش:
ــــ ماذا!! أنت مسلم الآن؟
أغمض عينيه وقال والسلام يفيض من روحه
ــــ الحمد لله. الحمد لله. الحمد لله
سأله كيفن بتلهف:
ــــ ولكن كيف تيقنت أنه دين الحق يا محمد ؟
ــــ تساءلت مثلك كما كنت تتساءل منذ قليل .. رأيتك
مستلقياً على ظهرك ناظراً إلى السماء وسمعت صوتك تسأل عن حقيقة خالق الكون. هو
الله، الله ،الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً
أحد
نطق كيفن لفظ الجلالة وجسده يرتعد:
ـــــ الله . ياااه.. كم لهذا اللفظ جلالاً ترتعد له
الأبدان.الله
عاد يسأل بشغف:
ـــــ ولكن من دلك عليه. اجب عن أسئلتي أتوسل إليك
انتصب محمد واقفاً ومد يده إلى كيفن وقال باسماً:
ــــــ انهض وتعال معي
ـــــ إلى أين ؟
ــــــ إلى المركز الإسلامي بميونخ
ــــــ المركز الإسلامي بميونخ !
ــــــ أنا متأكد انك لن تبرحه إلا وأنت قد أشهرت إسلامك
أصطحبه محمد إلى المركز الإسلامي بميونخ, فاستقبلهما شيخ
هادئ الملامح ذو وقار، ألقى عليه محمد السلام:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد الشيخ ببسمة هادئة على محياه:
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مرحبا محمد.
كيف حالك
ـــــ بخير حال الحمد لله يا شيخ عبد الهادي... معي أخ ألماني
مسيحي حائر يبحث عن دين الحق .. قابلته بقدر الله عند نهر إيزار فدعوته إلى المجيء
إلى المركز هنا كي يطرح أسئلته ... اسمه كيفن
ــــــ خيرا فعلت يا محمد . لعلنا نكون سبباً في هدايته
إلى دين الله.
وجه حديثه إلى كيفن, فقال بلين:
ـــــ مرحبا أخ كيفن. سعيد بلقائك
ـــــ مرحبا سيدي . أنا الأسعد بهذا اللقاء
ـــــ تفضل معي أخ كيفن، فلي معك حديث
ــــ أشكرك للاهتمام بأمري
اصطحب الشيخ عبد الهادي، كيفن إلى حجرة هادئة
وبدأ حديث ودود معه:
ـــــ لم تخبرني يا كيفن، كم عمرك؟
ـــــ عمري ثمانية وعشرون عاما
ــــ عظيم ... وما هو مؤهلك العلمي؟
ــــ درست إدارة الأعمال في جامعة لودفيج وتخرجت بتقدير امتياز
ــــ رائع حقا . وماذا تعمل يا كيفن ؟
ـــــ عندي مكتب للاستيراد والتصدير
ــــ وما أخبار عملك ؟
صمت كيفن هنيهة، ثم قال بروح فاترة:
ــــ..... منذ فترة وأنا متوقف عن العمل بالمكتب
ــــ وما السبب يا ترى ؟
ـــــ وقع لي حادث سيارة ودخلت على إثره للمستشفى
استطرد كيفن وقد كللت وجهه ابتسامة صافية:
.... وهناك قابلت جارة لي تعمل طبيبة بالمستشفى، وهي
عربية مسلمة جاءت من مصر هي وأسرتها.... هذه الجارة هي أول من أوقدت لي شمعة في طريقي المظلم ... أول من أجابت على
بعض أسئلتي حتى منعتها والدتي من متابعة حالتي أو الحديث إليّ حتى أظل على جهلي
أدرك الشيخ عبد الهادي مأساة كيفن، فأطرق قليلاً يهز
رأسه في أسى، ثم عادت الابتسامة إلى ملامحه وقال:
ـــــ حمداً لله على سلامتك يا كيفن... . يبدو أن والدتك
لا ترغب في اعتناق الإسلام، ولا ترغب في
اعتناقك إياه
اكفهر وجه كيفن وبدأ يسرد مأساته:
ـــــ والدتي مسيحية متعصبة جداً . وأنا منذ صغري تدور
ببالي أسئلة في ظني أنها منطقية.. ولكن
عندما كنت أسأل أمي كانت تنهرني وتخيفني من الإسلام والمسلمين بوصفهم إرهابيين
دمويين ويجب علينا الابتعاد عنهم....وظل مترسخاً في ذهني هذا المعتقد حتى قابلت
جارتي وأهلها ووجدتهم على أحسن ما يكون من دماثة الخلق والرقي.. . لذا فترسخ
بداخلي اعتقاد قوي أن أمي كانت تضللني بأكاذيب حتى تصدني عن الإسلام...فبدلاً من
مقابلة الحجة بالحجة أمي وأمثالها يقابلون الحجة بالهجوم والتشنيع ومحاولة تشويه
الإسلام
ـــــ ولكن ما الذي وجدته في دينك دعاك إلى الشك في صحته
يا كيفن؟
تقطب جبين كيفن وانطلق لسانه بما يختلج في نفسه:
الثالوث و ألوهية المسيح ... كيف يكون لنا إله من لحمٍ
ودم.. كيف!! . عندما أنظر إلى السماوات...
أنظر إلى البحار المخيفة هذه أرتعد واشعر أن
خالقها ذو قوة غير عادية تنتفي مع قدرة البشر المحدودة ... أمر الكون وملكه أعظم
من قدرات البشر ولو يجتمعون... كيف يكون خالق هذا الكون المهيب بشر!!!...لا...لا..
عقلي لا يقبل هذا الهراء أبداً ، أبداً .... ولو كان الكون لأكثر من إله لما انتظم
على هذه الشاكلة.. فسيكون لكل إله طريقته في إدارة الكون وربما أشرق الشمس هذا من
مشرقها، فأشرقها الآخر من المغرب.. ربما
يعطي هذا ويمنع هذا ...لذا فلن يقبل عقلي غير إله واحد مالك لكل هذا الكون . إنه
واحد.. واحد... أليس كذلك؟
أومأ الشيخ برأسه وقد أشرق وجهه بابتسامة واسعة وقال:
ــــ أجل يا ولدي إنه اله واحد. إنه الله ربي وربك ورب
كل شيء. إنه رب محمد ورب موسى وعيسى ورب إبراهيم ورب آدم ورب كل الأنبياء. سبحانه
واحد لا شريك له في ملكه، واحد، لا إله إلا هو . ولينتهي الذين يقولون إنه ثالث
ثلاثة . لا إله إلا الله ..... هل تحب الإسلام يا كيفن ؟
رد كيفن باعتزاز:
ــــ أحبه جداً... أحبه لأنه يقوم على توحيد الإله والاعتراف
له بالقوة والقدرة العظيمة والبطش الشديد.... حقاً أحبه ولكن... ينقصني الإجابة
على بعض الأسئلة حتى أتيقن من أمري واعتنقه وأنا واثق تمام الثقة
ـــــ عظيم جدا يا كيفن ... أنا أحب الإنسان الذي يفكر
ولا يسلم بأي شيء دون تيقن.. . اطرح أسئلتك يا كيفن وأنا سأستعين بالله وأجيبك يا
ولدي
تهلل وجه كيفن وانطلق لسانه:
ــــ أشكرك جداً ...ما الدليل الذي يمكننا الاحتجاج به
أن المسيح ليس إله؟
سأرد عليك بما جاء في إنجيل لوقا أولاً ..حيث جاء في
الإصحاح 19:24 ( يسوع الناصري الذي كان
إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول)...... إذن فلوقا يصف المسيح بأنه
إنسان.... وأزيدك من قيعان البحر لؤلؤة يا كيفن ..حيث جاء في إنجيل مرقس الإصحاح
29:12 من أقوال المسيح عليه السلام( إن أول كل الوصايا..الرب إلهنا واحد) ...إذن
فإن المسيح يشهد لله بالوحدانية يا كيفن ويوصي أتباعه بالتوحيد...كما أن هذا القول
هو دلالة على أنه بشر ويدعو إلى توحيد رب البشر...وهناك دلالة أخرى على بشرية
المسيح، إذ ذكر الإنجيل أن عيسى عليه السلام كان يتوجع قائلاً( للطيور أوكار،
وللثعالب أوكار، وليس لابن الإنسان مكاناً يضع فيه رأسه)
ألا ترى يا كيفن أنها مقولة دحضت عدة معتقدات فاسدة!! إن
المسيح يتوجع ..إذن فهو بشر, فليس لخالق الأكوان أن يتوجع..والمسيح هنا يقر بلسانه
أنه إنسان ابن إنسان..فقد ولدته السيدة مريم وهي من بني البشر...كمان أنه اعترف
بالوهن والضعف والمرض حتى وكأن الأرض ضاقت عليه بما رحبت, وأنه ليس له وكر كما
للطيور والثعالب ليضع رأسه...ألا يدل ذلك بما لا يدع موضعاً للشك, أنه إنسان
يعتريه ما يعتري البشر وينفي صفة الربوبية عنه؟
هز كيفن رأسه صامتاً في تدبر لما سمع
أردف الشيخ بتلاوة بعض آيات من القرآن تتسق مع ما جاء
بالإنجيل
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له
كن فيكون، الحق من ربك فلا تكونن من الممترين)
صمت كيفن متدبراً لما وعته أسماعه...ثم أتى بسؤال آخر
يحيك في صدره:
ـــــ هل حقا المسيح لم يصلب ورفعه الإله إليه في السماء
؟
ــــ أجل يا ولدي . المسيح عليه السلام لم يصلب بل رفعه
الله إليه وحماه من كيد اليهود ..وسأجيبك بما جاء في الإنجيل أولاً....فقد قال
يوحنا 59:8
(فرفعوا حجارة ليرجموه. أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل
مجتازاً في وسطهم ومضى هكذا)
وجاء أيضاً في إنجيل يوحنا 36:19 ( فطلبوا أيضاً أن
يمسكوه فخرج من أيديهم)
أما عن رفعه إلى السماء فقد جاء ذلك في الإنجيل ..ففي
سفر أعمال الرسل 11:1 ( إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء) كما جاء في إنجيل
متّى 6:4 ولوقا: ( مكتوب أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك)
سأل كيفن والحيرة تطل من عينيه:
ــــ ومن الذي صُلبَ
إذن؟
ــــ هناك أقوال متعددة لم تحسم بهذا الشأن، ومنها القول
بأن الذي صُلِبَ هو يهوذا الإسخريوطي
غضن كيفن حاجبيه دهشة وقال:
يهوذا الإسخريوطي ! ولِم يصلب بدلا عن المسيح ؟ اليس في ذلك ظلم له؟
ــــ يا ولدي يقال أن يهوذا هذا كان خائن للمسيح عليه السلام وهو من دل اليهود
على مكانه ليقتلوه... فهو خان وغدر وأراد الشر بالمسيح عليه السلام فلجزاء مكره قد
مكر به الله تعالى ورفع المسيح إليه وألقى بملامح المسيح على وجهه فأخذوه هو ليصلبوه ويقتلوه وهو يصيح أنا
لست المسيح، أنا يهوذا
استطرد الشيخ:
ــــ وهناك رأي آخر يقول أن عيسى عليه السلام كان جالساً
مع الحواريين، وعندما علم أن اليهود يرغبوا في قتله، سألهم من منهم يوافق على أن
يكون شبيهاً له ويقتل بدلاً منه وله الجنة، فوافق أحدهم وصلب بدلاً عن سيدنا عيسى
عليه السلام...وأصبح الناس في عجب لأنهم يرونه وجهه وجه المسيح ولكن جسده ليس جسد
المسيح لذا فصلبوه وهم غير متيقنين مثلما ستسمع في هذه الآية الكريمة
بسم الله الرحمن الرحيم
(وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم وما قتلوه وما
صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع
الظن وما قتلوه يقينا، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيما)
هز كيفن رأسه إيماءً عن اقتناعه, ثم عبر خاطره ما ود أن
يفصح عنه:
ـــــ ممم قرأت أيضاً في الإنجيل أنه بعد صلب يسوع وقتله
ودفنه تفاجأ به الناس يدخل عليهم وقال سلام عليكم، ففزعوا مما رأوا وظنوا أنه روح
المسيح. فقال لهم أنا المسيح وليس روحاً وأنا لحم ودم وجسوني..وطلب منهم العشاء
فقدموا له السمك المشوي وبعض العسل
بدت بسمة على محيا الشيخ عبد الهادي وقال:
ـــــ أليست هذه الراوية في إنجيليكم تنفي رواية صلب
المسيح وقتله من أساسها؟
ــــ حقا. إنها تتناقض مع قصة صلب المسيح وقتله ودفنه...
فكيف يقولون أنه قتل ودفن والنص يقول أن
المسيح قال (أنا لست روحاً، بل أنا لحم ودم وجسوني).... أرادهم أن يتأكدوا إنه ما
زال حيا
زاد الشيخ مقالاً من عذب نهره:
ـــــ الأمر الأهم هنا يا ولدي أن تتيقن أن المسيح عليه
السلام لم يصلب ولم يقتل وإنما شبيه له.. أياً كان هذا الشبيه....عيسى عليه السلام
رفعه الله إليه
نظرة عميقة سددها كيفن إلى الشيخ صامتاً..ثم أتى بسؤاله
الأخير:
ــــــ لكن السؤال الذي بعده سأعلن قراري الأخير هو ..هل
بشر المسيح بمحمد حقاً؟ القرآن يقول ذلك ..ولكن أنا لم أجد ذلك في الإنجيل... فكيف
لي أن أتيقن؟ ...إن كان المسيح بشر بمحمد حقا ووجدت الدليل لأسلمت في الحال لأن
كلامي بعد التيقن من بشرى المسيح سيكون جدلاً عقيماً لا طائل من ورائه . وأنا أريد
أن أصل إلى بر العقيدة السليمة أريد أن
أعود لإلهي الذي خلقني
اتسعت ابتسامة الشيخ وقال بملامحه الهادئة:
ــــ سؤالاً طيباً جداً يا ولدي.. وحقاً عند التأكد من
بشارة عيسى عليه السلام بمحمد عليه الصلاة والسلام يكون التكذيب برسالة الإسلام لا
محل له عند كل ذي لب ... أجل يا ولدي بشر المسيح عليه السلام بمحمد عليه الصلاة
والسلام . سأجيبك أولا من القرآن ثم أجيبك من الإنجيل
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
( وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله
إليكم مصدقاً لما بين يديّ من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فلما
جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين)
بسم الله الرحمن الرحيم
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ
وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ
أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون
سرت القشعريرة في جسد كيفن وقال بنبرة مرتعدة:
ــــ يا إلهي!! هذه الكلمات لا يمكن أن تكون كلمات البشر...
يرتعد جسدي كلما سمعت كلمات القرآن
ــــ انها كلمات رب البشر يا ولدي.... . نعود لحديثنا عن
ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في الإنجيل والتوراة أيضاً.....الاختلاف بيننا وبين
النصارى هو في لفظة البارقليط أو الفارقليط
والتي يفسرها النصارى بالمعزي، بينما نفسرها نحن بكثير الحمد وهو أحمد عليه
السلام....وتعال نفترض جدلاً أنه كما يدعي النصارى أن معنى البارقليط أو الفارقليط هو المعزي وليس كثير الحمد.. واستمع
إلى هذه الكلمات من إنجيل يوحنا ولنفسرها سوياً لنصل إلى حقيقة الأمر
(إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب
فيعطيكم معزياً(فارقليطا) آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع
العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم وفيكم)
يوحنا 17-15:14
استطرد الشيخ:
ـــــ تأمل يا ولدي في كلمة فارقليطا آخر ..... أريد
أن أسألك كم عدد الروح القدس ؟
ـــــ ههه لا يوجد غير واحد فقط
ـــــ إذن فكيف يقول عيسى فارقليطاً آخر على روح
القدس!!... إنما المقصود هو نبي آخر مثل عيسى تماماً من جنس البشر ولذا قال
فارقليطا آخر... . فكلمة آخر هنا هي حجتنا في هذه العبارة . فلا يوجد أكثر من روح
قدس واحد
قال كيفن والشغف يطل من عينيه:
ــــــ أكمل من فضلك
ـــــ وفي إنجيل متى أتت
هذه العبارة على لسان يوحنا المعمداني وهو يقول:( توبوا لأنه قد اقترب ملكوت
السماوات)
وهذه العبارة يفسرها
النصارى بأن المقصود بملكوت السماوات هو عيسى عليه السلام وليس محمد عليه الصلاة
والسلام
سأل كيفن مضيقاً عينيه:
ــــــ ولِمَ لا يكون
فعلا المقصود هو عيسى عليه السلام؟
ــــ هاها لأن هذه العبارة أتت في إنجيل متى مرة أخرى
على لسان عيسى عليه السلام وهو يقول( توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات)...فلذلك
لا يمكن أن يكون المقصود هو عيسى عليه السلام. فكيف يبشر بنفسه وهو موجود أصلاً
بينهم!!....البشرى أو التحذير لا تكون إلا بأمور لم تحدث بعد . أليس كذلك ؟ هل
يمكنك أن تقول على نفسك أبشركم بكيفن مثلا ؟
ـــــ بالطبع لا .
البشرى لا تكون إلا بقادم
أردف كيفن وعيناه تتوهجان
شغفاً:
ــــــ أكمل سيدي،
فحوارك مقنع جداً، وأريد المزيد من الإيضاح حتى تسقط كل الحجج الواهية بنفي بشارة
عيسى بنبي الإسلام
ـــــ عليه الصلاة
والسلام .... يا ولدي هم حاولوا جاهدين أن يخفوا البشارة وأن يبعدوها كل البعد عن
محمد عليه الصلاة والسلام. ولكن الله حفظ هذه البشارة وإن كذبوها هم بما استطاعوا
من قوة ....وقد تم العثور مؤخراً على إنجيل برنابا وهو احد حواري عيسى عليه السلام وهو مخطوط قديم
جداً وذكر به صراحة التبشير بمحمد عليه الصلاة والسلام
اتسعت حدقتا كيفن
اندهاشاً وقال:
ـــــ حقا ؟.. وماذا كان
رد النصارى؟
ــــ التكذيب بالطبع
هههه.. يكذبون إنجيل برنابا وهو أحد تلاميذ عيسى عليه السلام وحواري من الإثنى عشر...ويأخذون
بإنجيل لوقا الذي لم ير المسيح في حياته . فهم يأخذون ما يحبون ويرفضون ما لا يتفق
وأهوائهم للأسف ......والآن أريد أن أستمع إلى قرارك الأخير يا كيفن بعد تحدثنا في الأمور التي
تشغلك وأجبت عما كان يحيرك ....هل ستشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟؟
*******************************
اندفع كيفن إلى داخل منزله متهللاً وقد حسم أمره, يرتدي
سلسلة حول عنقه يتدلى منها صليب كبير من الذهب على صدره, نادى أمه ضاحكاً مستبشرا:
ــــ أمي هاها أمي.. يا أم كيفن
أتت تهرول وقد أطربها صوته المبتهج:
ــــ كيفن هاها مرحباً يا ولدي. مالي أراكَ متهللا وفرحاً
على غير عادتك
أبصرت الصليب المتلألئ على صدره، فشهقت فرحاً وتراقص
قلبها، وقالت بنبرة عصفور مغرد:
ــــ ما هذا ؟؟؟؟ هاها أراك تعلق صليباً من الذهب في
رقبتك حبيبي هاها يبدو انك عدت لإيمانك
رد جذلاً بروح خفيفة كروح طائر تحرر من قفص حديدي:
ـــــ تيقنت يا أمي، تيقنت.. تيقن قلبي من الدين الحق
هاها أخيراً يا أمي
ساورتها الشكوك فقالت بعينين مرتابتين:
ـــــ ماذا !!.. أفصح عما تقصد
احتضنها وراح يدور بها في الردهة وكأنه يراقصها ويصدح:
ــــ نحن على الحق يا أمي، نحن على الحق هاها.. كنت أعتقد
أن المسلمين على الحق، ولكن تأكدت أننا نحن الذين على الحق هاها
قهقهت فرحاً وقالت وهي تقبض على يديه وتنظر في عينيه:
ــــــ حقا يا ولدي عدت إلى صوابك؟
ــــ حقاً، حقاً يا أمي عدت إلى صوابي
شرعت ذراعيها وقالت وفي صدرها عُرس مقام:
ـــــ تعال إلى صدر أمك كي تضمك يا كيفن هاها ولدي، ولدي
أشكر الرب على عودتك لأحضان أمك
ــــ مممم كنت أحتاج الى حضنك يا أمي ... هاها مسرورة
أنتِ الآن ؟؟
ـــــ وليس على الأرض من هي أسعد مني..... ولكن كيف
تأكدت يا ولدي؟
ـــــ سألت كثيراً يا أمي حتى تيقنت من أمري
حدجته بنظرة ماكرة وقالت:
سألت المسلمة ؟
امتعض كيفن وقال بنفور:
ـــــ أرجوكِ يا أمي لا تذكريني بها. أكرهها، أكرهها.. .
لم أنس يا أمي حكاياتك عن المرأة المسلمة
المتوحشة التي أكلت كيفن المسكين الصغير
أفرجت عن بسمة باهتة وبعض الشك ينتابها:
ــــ هاها حتى تعلم أن امك تريد لك الخير يا حبيبي
فركت ذقنها وسألته بخبث وقد ضيقت عينيها:
ـــــ ممممم ولكن لماذا كنت تقول أنك تحب المسلمة؟
قهقه كيفن وقال:
ـــــ كنت أسخر يا أمي..انا يا أمي أحب مسلمة !!.. والغريب
أنك صدقتي أنني أترك أنجيليكا حبيبتي لأجل هذه المسلمة المتوحشة. أشكر الرب أنني
لم أعد أراها هاها
اطمئن قلب أمه فأشارت بعلامة الثالوث إلى صدرها وقالت
بامتنان:
ــــ أشكر الرب، اشكر الرب
شرعت ذراعيها مرة أخرى وقالت والحنان يتدفق من عينيها:
ــــ تعال في حض
أمك مرة أخرى
ارتمى كطفل صغير بين أحضانها فانهالت عليه تقبيلا وكأنها
عاد من غياب طويل
ــــ ولدي، ولدي ...أنا مسرورة هاها. سأوقظ أباك ليفرح
بالخبر
طفقت تنادي زوجها بأعلى صوتها:
ــــ ماكس، يا ماكس. عاد كيفن لأحضاننا
قهقه كيفن وقال وهو يتجه إلى غرفته:
ــــ أتركك يا أمي تفرحين أبي، وأنا سأهاتف أنجيليكا
حبيبتي لنتشاور في بعض الأشياء بشأن زواجنا في الكنيسة. كم اشتقت إليها
ــــ هاها ستفرح انجيليكا ستفرح جداً يا كيفن
*******************************
دلف إلى غرفته وأغلق الباب ودق على هاتف أنجيليكا التي
تصدق عينيها حين رأت اسمه على الهاتف وردت بشوق جارف::
ـــــ كيفن! هاها اشتقت إليك حبيبي والى ظهور اسمك على
شاشة هاتفي
رد بهيام:
ــــ حبيبتي انجيليكا، بل أنا من هو أشد منكِ شوقا
حبيبتي. كيف حالك حبيبتي أنجيليكا ؟
ــــ بخير، بخير هاها كيف لا أكون بخير وقد عاد لي حبيبي
ــــ ههه لا فراق بعد الآن. هو الرباط الأبدي المقدس أنجيليكا....
ها أخبريني هل اشتريتِ فستان الزفاف
ــــ ممممممم ليس بعد حبيبي
رد كيفن متأففاً:
ــــ لِمَ! لمَ يا انجيليكا!! أحتى الآن لم تشترِ فستان الزفاف؟
اقترب زواجنا يا حبيبتي هاها... لا ترهقي نفسك . أنا سأشتريه لكِ على ذوقي الخاص،
وغداً سيكون عندك
تهللت أنجيليكا:
ــــ سلم لي ذوقك الخاص يا حبيبي. مسرورة، مسرورة جداً
ــــ ههه أنا أكثر... أتركك الآن.. . استعدي يا حبيبتي
ليوم زواجنا البهيج، وأنا سأستعد أيضا واشترى بذلة الزواج ..لا اصدق ان زواجنا قد
اقترب يا حبيبتي. ياااه!! سيكون أسعد يوماً في حياتي
ــــ ههه باركك الرب حبيبي كيفن
*******************************************
بعد أداءه لصلاة الفجر، عاد الدكتور سالم إلى المنزل
متهللاً, ألقى السلام على زوجته وابنته عائشة:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته زوجي الحبيب
هرعت إليه عائشة باسمة وقد أدركت ما به من سعادة:
ــــ مرحباً أبي. يبدو وجهك متهللا جداً ما شاء الله لا
قوة إلا بالله
ــــ حقا أنا مسرور جداً الحمد لله. فقد حدث أمر أسعدني كثيرا
قامت إليه زوجته
وقالت مستبشرة:
ــــــ شاركنا معك زوجي الحبيب
وفاض فضول عائشة عن الوفاض فألحت بالسؤال:
ــــ ما الأمر الذي سرك هكذا يا أبي؟
جلس الدكتور سالم على الأريكة وبدأ يفصح عن سبب سعادته:
ــــ كنت أصلي الفجر وعندما انتهيت وكنت في طريقي للخروج
من المسجد، فإذ بشاب ألماني ساجداً يناجي الله ويجهش بالبكاء.... . ظل يبكي، ويبكي،
ويبكي حتى أشفقت عليه . فجلست إلى جواره حتى ينتهي من صلاته...فعندما رفع وجهه، فغرت فاهي من الفرحة والدهشة في آن واحد . ذلك
الشاب كان كيفن
سرت القشعريرة في جسد عائشة، وقالت ترتعد من فرط
السعادة:
ــــ كيفن !!!!!... حقاً يا أبي ؟... أسلم كيفن؟
ــــ أجل يا عائشة، أسلم كيفن الحمد لله. لم يعد كيفن،
فقد أصبح اسمه عبد الله
ردت متهللة:
ـــ عبد الله ؟ ههه ما أجمله من اسم يا أبي
قال والدها باسماً:
ــــ أنا الذي اخترته له عندما كنت أزوره في المستشفى
غضنت زوجته السيدة مريم حاجبيها وقالت مندهشة:
ــــ غريب جداً يا سالم. لم تخبرني بذلك الأمر من قبل..
. هل هو أسلم منذ كان في المستشفى ؟
ــــ لا لم يكن قد أسلم بعد. ولكن شعرت برغبته في ذلك.
وكان عندي شبه يقين في إقباله على الإسلام
ردت السيدة مريم بارتياح:
ــــ الحمد لله أن هداه الله. وأنا أيضاً سعيدة بإسلام
ذلك الشاب
ضحكت عائشة فرحاً وقالت بروح تلامس السحاب:
ــــ كم أسعدني هذا الخبر جداً. أفرح كثيرا يا أبي عندما
يهتدي الناس لدين الحق ويعلموا أن الله واحد أحد وليس له شريك... الحمد لله على نعمة
الإسلام
أجاب الأب بحبور:
ــــ الحمد لله يا بنيتي .
*******************
في المستشفى, أسرعت كلوديا إلى دكتورة عائشة لتخبرها
بأمر هام:
ــــ دكتورة عائشة
ــــ ما الأمر كلوديا ؟
ــــ دكتور لوكاس مدير المستشفى ثائراً جداً، ويريدك على
الفور في غرفة العناية المركزة
تعجبت الدكتورة عائشة:
ــــ ثائرا جداً!... ولِم الثورة ؟... حسناً، سأتبعك
كلوديا
********************
دلفت دكتورة عائشة لتلقى هذا الكيان المتجهم حاد
النظرات، إنه دكتور لوكاس مدير المستشفى الجديد, ألقت التحية باحترام:
ـــــ طاب صباحك دكتور لوكاس
انفجر في وجهها ذاك الغطريس الصلف:
ـــــ من قال لكِ أنك طبيبة يا هذه!!
اكفهر وجه عائشة ونطقت امتعاضاً:
ـــــ ماذا!!.... عذرا لا أفهم شيئاً.. ولو أن العبارة
مهينة. أفصح عن قصدك دكتور لوكاس
أجاب باحتداد:
ـــــ جئت إلى غرفة المريض، فوجدت المحاليل المعلقة نفدت
ولم يتم تعليق غيرها
تنهدت بضيق وقالت:
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله ... هذه مسؤولية طاقم
التمريض، دكتور لوكاس... ومع ذلك أنا أعطيت أوامري لإريني أن تهتم بالمحاليل
المعلقة وتغيرها قبل نفادها ... ولا أدري لِم لم تستجب لأوامري!!... سأستدعيها
حالا
استدارت الدكتورة عائشة إلى كلوديا وقالت:
ــــ كلوديا من فضلك،
أرسلي في طلب إريني
ـــ تحت أمرك دكتورة عائشة
********************
دلفت إيريني إلى الغرفة, نظرت إلى دكتورة عائشة بازدراء،
ثم ألقت التحية على دكتور لوكاس متجاهلة إياها:
ـــــ طاب صباحك دكتور لوكاس ... تحت أمرك
كظمت دكتورة عائشة غيظها وقالت:
ــــ أنا من أرسلت في طلبك، إريني
زفرت وردت بتعجرف:
ـــــ أوف! ... مممم لِمَ؟
ردت الدكتورة عائشة وقد ضاقت بها ذرعاً:
ـــــ لماذا لم تهتمي بأوامري ؟ بل إنك دائماً تتعمدين عدم إطاعة أوامري في
العمل
ـــــ لا آخذ أوامر منكِ... . تكلم أنت، دكتور لوكاس
وجه خطابه إلى عائشة بغلظة:
ـــــ اريني ليست مسؤولة . أنتِ الطبيبة المتابعة
للحالة. أخبريني ما فائدتك هنا!!
انفجرت إيريني بالضحك, وهمست لنفسها شامتة:
ـــــــ كم استمتع حين أرى إهانة هذه الطبيبة على يد دكتور لوكاس ههه
انتفخت أوداج الدكتورة عائشة غضباً وقالت:
ــــ دكتور لوكاس، من فضلك تكلم بنبرة اهدأ من تلك
الحادة التي تتكلم بها . لم أقصر يوما في عملي حتى تهينني بهذه الطريقة
زاد في احتداده ودمدم سباباً:
ــــ أنتم يا معاشر العرب لا تصلحون إلا لحياة البادية
وركوب الحمير، أما الرقي والتقدم والثقافة فأنتم أبعد ما تكونون عنها. مجرد همج
وفقط
قهقهت إيريني في محاولة لاستفزاز دكتورة عائشة، التي
احتدت على دكتور لوكاس:
ــــــ دكتور لوكاس أهنتني جداً، ولا يليق بطبيب في مثل
مكانتك أن تكون له هذه الأخلاق
هاج هائج دكتور لوكاس:
ـــــ ماذا!!..أنتِ تتهمينني بسوء الخلق أيتها الجاهلة!!.
لم يبق غير المسلمين ليعدلوا على أخلاقنا !!!
زفرت بضيق ومسحت وجهها وحوقلت علها تهدأ، وهمت بمغادرة
الغرفة:
ــــ اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله. بعد إذنك سأعود
لعملي
صاح بها غاضباً:
ــــ انتظري.
ــــ تحت أمرك دكتور لوكاس
قال باحتداد:
ــــ هل أعطيتك أمراً بالانصراف!!
ردت متضجرة:
ــــ دكتور لوكاس، هذه ليست طريقة للتعامل أبداً
ــــ حسناً، سأعاملك بالطريقة اللائقة بأمثالك . سأوقفك
عن العمل مدة ثلاثة أيام
ردت بثبات:
ــــ أمرك. سأغادر المستشفى الآن.
غادرت الغرفة مسرعة، فرشقها بعبارة بذيئة:
ليتكِ لا تعودي أيتها البربرية
انفجرت إيريني بالضحك وقالت له:
ــــ خيراً فعلت دكتور لوكاس. ليتك أقلتها من العمل وأرحتنا
من رؤية وجهها المقيت
*******************************
عادت الدكتورة عائشة إلى المنزل باكية، ذابلة الملامح،
ألقت السلام على أمها بنشيج
ـــــ السلام عليكم يا أمي
هال الأم ما رأت:
ــــ ما هذا ؟؟ ما بكِ حبيبتي؟ وعليكم السلام أولاً. ما بكِ
عائشة؟ ما الذي يبكيكِ تعالي حبيبتي إلى جواري واهدئي. اجلسي ها هنا
أجلستها أمها وهي تربت على ظهرها بملامح مبتئسة, فقالت
عائشة بنشيج:
ــــ يا أمي أتعرض يوميا للإهانة على يد دكتور لوكاس
مدير المستشفى،أهانني أمام المريض في العناية المركزة وأمام طاقم التمريض. شعرت
بالخجل أمامهم يا أمي
زفرت الأم أنفاسها بضيق وحوقلت وهي تهز رأسها:
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله. ولِمَ يفعل ذلك ؟ هل قصرتِ في شيء يا حبيبتي ؟
قالت بنشيج والحزن يشق قلبها:
ــــ والله يا أمي كل وقتي للمرضى ولا اقصر في شيء.
ولكنه يتعمد أن يلقي باللوم عليّ ويحملني أخطاء الآخرين. حتى أخطاء طاقم التمريض
يحملني إياها..كل هذا لأنه يكره المسلمين...لا أعرف ماذا فعلنا لهم ليكرهونا ويهينونا
بهذا الشكل!!
ضمتها أمها بحنو وقالت:
ــــ إهدئي حبيبتي... ماذا عسانا أن نفعل لمثل هؤلاء!...
منذ جاء إليكم هذا المدير وأنتِ تأتين كل يوم مكدرة الصفو ولكن لأول مرة أراكِ تبكين
من جراء أفعاله
علا نشيج عائشة وقالت بنفاد صبر:
ـــ لأنني قد سئمت حقاً من طريقته في معاملتي
ــــ حبيبتي إن أردتِ تقديم استقالتك فافعلي
قالت بنبرة متهدجة وأنفاسها تتلاحق:
ــــ يا أمي وما ذنب المرضى!! أنا أشعر أنني أؤدي رسالة
سامية وأنا بينهم .... فقط أريد منكِ الدعاء أن يكف أذى هذا الرجل عني
ــــ سأدعو لكِ بأن يكف أذاه وأذى غيره اللهم آمين...
اذهبي حبيبتي وبدلي ملابسك حتى أحضر لكِ الطعام
ــــ لا يا أمي. لا أشعر بحاجة إلى الطعام
حاولت الأم ممازحتها لتخفف بعض ما بها:
ــــ لا، ستتناولين طعامك وتمسحي عن عينيكِ تلك الدموع
وإلا سأغضب منك. أتريدينني أن أغضب؟ ههه
وقالت وهي تمسح الدموع عن عينيها:
ــــ لا يا أمي. سأذهب لاستبدال ملابسي
فجأة دق جرس هاتف عائشة, إنها فاطمة صديقتها، تهاتفها في
موعد غير معتاد مما أثار قلق عائشة فقالت قبل أن ترد:
ــــ إنها فاطمة!! خيراً إن شاء الله. السلام عليكم يا
فاطمة
ردت فاطمة متلهفة ببكاء ونشيج:
ـــــ حبيبتي عائشة، وعليكم السلام، هل أنتِ بخير؟
ــــ الحمد لله يا فاطمة. لِمَ البكاء يا حبيبة ؟
ردت بنبرة مرتعدة يمازجها النشيج:
ــــ قد رأيت
حلما أفزعني عليكِ فاتصلت بكِ فور استيقاظي لأطمئن.أنتِ بخير حقا ؟
ضحكت عائشة وقالت بمحبة جارفة:
ــــ ههههه سلمتِ لي يا حبيبتي. كيف لا أكون بخير ولي
صديقة حنونة مثلك.أنا بخير, اطمئني
قالت فاطمة وما زالت تأخذها الرجفة والنشيج:
ــــ بالله يا عائشة احذري ولا تعطي الأمان لأحد بسهولة...حفظك
الله يا حبيبتي وأعادك سالمة
ضحكت عائشة لتبث الطمأنينة في نفس صديقتها وقالت:
ـــــ حبيبتي أنتِ تبالغين. هذا فقط لأنك تحبيني حباً
عظيماً فأنت دائمة القلق بشأني .... أحيانا أشعر أنك تخافين عليّ أكثر من أمي هههه
سأخفض صوتي كي لا تسمعني وتضربني ههه
بدد مزاح عائشة بعض من الخوف الذي تملكها, فأفرجت عن
ضحكة مكللة بالأسى، وسألتها وكأن الاطمئنان قد ضل الطريق إليها
ــــ هه هل أنتم بخير جميعا حبيبتي عائشة ؟
ــــ الحمدلله يا فاطمة. جزاكِ الله خيراً صديقتي
الحبيبة. سأقابلك قريباً على النت كما اتفقنا. عندما تصلك دقة من هاتفي فاعلمي أنني بانتظارك
ــــ ان شاء الله يا عائشة. في حفظ الله ورعايته يا
حبيبة. السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
*******************************
في الكنيسة كان القس دانيال قد أرسل في طلب أحد أتباعه
المخلصين..إنه ماريو ذو البنية القوية والملامح الغليظة..دلف ماريو وألقى التحية
على القس وقد انحنى ليقبل يده:
ــــ طاب صباحك الآب دانيال . جئتك فور علمي بأنك أرسلت
في طلبي
ــــ طاب صباحك ماريو . كيف حالك ؟
ـــــ على ما يرام يا آبانا. تحت أمرك في أي طلب
ـــــ ممممممم تعلم أن المسلمين تغلغلوا في أوروبا ويحاولوا جاهدين نشر
إسلامهم، وللأسف يستجيب كثير من شبابنا ضعيفي الإيمان بالمسيحية
أصر ماريو على أسنانه ورد مهتاجاً:
ــــ للأسف أعلم ذلك أأأأخ!! كم اكره هؤلاء المسلمين، كم
أود لو فتكت بهم جميعاً
قهقه القس دانيال وقام إليه..وضع يده على كتفه يهزه
ويقول:
ــــــ وها قد جاءت الفرصة
رد والرغبة العارمة في الانتقام تقتله:
ــــ اخبرني كيف؟ كيف وأنا لن أتوانى عن التنفيذ
قال القس وعيناه تتقدان غليلا:
ـــــ هناك طبيبة مسلمة، تعمل في مستشفى ليست ببعيدة عن
هنا وقد أفسدت علينا شابا من أسرة متدينة جداً، وسممت أفكاره بكلامها عن إسلامهم
وكتابهم، مما جعله على وشك الكفران بنا
رد ماريو كالجحيم يتوعدها:
ـــــ من هي ؟ أخبرني أين أجدها؟ سيكون آخر يوما في عمرها اليوم
أشاح القس بيده قائلاً:
ــــ لا، قتل لا. أو ليس الآن. أود تأديبها فقط حتى لا
تعيد الكرة مع غيره
ــــ وكيف أؤدبها ؟؟؟
أخذ القس يتجول في الرواق, عاقداً ذراعيه خلف ظهره,
تتبعه نظرات ماريو..توقف القس وأفصح عما دبره لعائشة:
ــــــ أكثر ما يكسر شوكة هذه المسلمة هو المساس بعرضها....
فهم دائماً يتغنون بالعفاف والحياء
ـــــ وما المطلوب إذن يا أبانا ؟
قهقه القس وقال:
ــــ خلصها من هذا العفاف ربما تنكسر شوكتها ولا تتكلم
عنه مرة اخرى ههه
استطاب ماريو الأمر, فقهقه وقال:
ـــــ سهل جداً. سأختطفها ومجموعة من أصدقائي لنخلصها من
هذا العفاف للأبد حتى تكون عبرة لأمثالها
أومأ القس برأسه باسماً بمكر وقال:
ــــ سأعطيك عنوان المستشفى واذهب وسل عنها وارقبها من بعيد حتى لا تخطئها،
وانتظرها خارجاً أنت وأصدقاؤك واختطفوها وافعلوا ما شئتم. فقد زاد حنقي وغضبي على
هذه اللعينة
ــــ لا تبتئس يا آبانا، فنحن جنودك المخلصون ونكفيك شر أعدائك
صاح القس غاضباً وهو يشير إلى الصليب المعلق على الجدار:
ــــ بل هم أعداء الصليب، أعداء المسيحية الذين يجب أن
يبادوا
هدأ القس قليلاً, وفزع إلى ورقة وقلم, دون بها ما ابتغى,
أعطاها إلى ماريو وقال بتجهم:
ــــ انصرف الآن، وسأنتظرك غدا توافيني بالأخبار.ها هو
عنوان المستشفى، والطبيبة اسمها عائشة
ـــــ هات يا آبانا . سآتيك بالبشرى غدا
********************
في صبيحة اليوم التالي, توجه ماريو إلى المستشفى التي
تعمل بها الدكتورة عائشة..استوقف إحدى الممرضات يسألها عنها..إنها كلوديا التي
أوصاها كيفن بأمر الدكتورة عائشة:
ــــ من فضلك. أين هي الدكتورة عائشة ؟
انقبض قلب كلوديا لرؤية تلك الملامح القاسية وهذا
البنيان العملاق, ردت بعينين شاخصتين:
ــــ الدكتورة عائشة!!!.... أتريدها في أمر هام ؟
رد بتجهم:
ــــ لا.. فقط أريد أن تدليني عليها
ردت بارتياب:
ــــ لا أفهم
أخذت عيناه تدور في المكان, فإذ به يرى طبيبة ترتدي
الحجاب, فقال لكلوديا:
ــــ أعتقد أن هذه المحجبة القادمة من بعيد هي الدكتورة
عائشة
ـــــ ممممم هي. فاذهب واطلب منها ما شئت
رد متعجلاً وهو يغادر المستشفى:
ــــ ليس الآن، ليس الآن استأذنك في الانصراف
غمغمت كلوديا في دهشة:
ــــ ما هذا الرجل الغريب!!
تفكرت في الأمر وهمست لنفسها:
ــــ أعتقد أن هناك أمر غير عادي في قدومه ورغبته في
رؤية الدكتورة عائشة ... سأتصل بالسيد كيفن لأعرض عليه الأمر
هاتفت كيفن على الفور، فرد على هاتفه:
ــــ الو
ــــ طاب مساؤك سيد كيفن
ـــ مَن؟
ــــ انا كلوديا، سيد كيفن
ـــــ كلوديا! ما الأمر كلوديا؟
ــــ جاء رجل غريب
إلى المستشفى وسأل عن الدكتورة عائشة،
وعندما رآها وعلم أنها هي التي يقصدها أسرع في مغادرة المستشفى دون أن تراه
رد كيفن بغير اكتراث:
ــــ وما شأني أنا بما تقولين!!!
غمرت الدهشة كلوديا وقالت:
ـــ ماذا!!...ألم تقل لي إن وجدت أي شيء مريب يحدث بخصوص
الدكتورة عائشة أهاتفك على الفور؟
تأفف كيفن ونهرها باحتداد:
ــــ أوف! أتهاتفيني
وأنا في سيارتي ذاهباً لإحضار ثوب العرس لعروسي الجميلة لتخبريني بتوافه الأمور يا
هذه!!. لا تزعجيني بأخبار تلك المرأة مرة أخرى. سأنهي المكالمة معذرة
أغلق الهاتف، فكاد عقل كلوديا أن يطيش:
ــــ ماهذا الرجل المجنون !! ألم يعطني المال من أجل
مراقبة أي شيء يمس الدكتورة عائشة!.. فإذ به الآن يتهمني أنني أزعجه بأخبارها!!
*******************
كان ماريو في سيارة خاصة مع أصدقائه, يرقب المستشفى من
بعيد في انتظار خروج الدكتورة عائشة...خرجت عائشة، فانفرجت أسارير ماريو، وقال
لأصدقائه:
ــــ إريك، الكزندر، ها هي الطبيبة المقصودة.. ننتظر حتى
تركب سيارتها ونتبعها
قال إيريك ضاحكاً:
ــــ أتت لمصيرها المحتوم يا ماريو ههه
وقال الكزندر متفرساً في ملامحها:
ــــ جميلة ههه أحب الجمال الشرقي. سئمنا من الشقراوات
أدار ماريو محرك السيارة وقال في تأهب:
ــــ هيا هاهي انطلقت بسيارتها، هيا
أسرعوا بسيارتهم خلف سيارة الدكتورة عائشة, والتي بمرور
بعض الوقت على الطريق, انتبهت لهؤلاء الأشقياء الثلاثة, فارتاعت وتسارعت نبضاتها,
وقالت بصوت مرتعش:
ــــ يا الهي!! ما هذه السيارة التي تتبعني. يا الهي!! بها
مجموعة من الشباب ويبدو أنهم من الأشقياء. يا الله. إنهم اقتربوا جداً. بدأ الخوف
يتسلل إلى قلبي
اقتربوا بسيارتهم من سيارتها وصاحوا بها:
ــــ أنتِ! قفي، قفي بسيارتك
صاحت بهم فزعة وقد زادت في سرعة سيارتها:
ــــ لن أقف. ابتعد، ابتعد
صاح إيريك في ماريو:
اسبقها بسيارتك وقف أمامها معترضاً طريق سيارتها
اعترضوا طريق سيارتها, فأوقفوها عنوة وترجلوا عن سيارتهم
مسرعين نحوها, فقالت بنبرة مرتعدة والارتعاب في عينيها:
ــــ يا الهي!ماذا تريدون؟
فتحوا باب سيارتها وجذبوها إلى الخارج بعنف وهي تصرخ
فزعة:
ــــ لاااا!! اتركوني، اتركوني، من أنتم؟ ماذا تريدون.
يا إلهي!!
زجوا بها في سيارتهم وأغلقوا الأبواب مسرعين وانطلقوا
بها, ظلوا ينعطفون من شارع إلى شارع إلى أن نفذوا إلى طريق مهجور يخلو من المارة،
فإذ بسيارة وكأن الطريق انشق عنها فجأة تعترض طريقهم في سرعة, يقودها شاب ملثم,
فأوقفهم وترجل عن سيارته، شاهراً سلاحه في وجوههم, فتساءلوا وقد شخصت أبصارهم:
ــــ من هذا الملثم الذي اعترض طريقنا بسيارته شاهراً
سلاحه في وجوهنا؟؟ فسأله ماريو بعينين زائغتين:
من أنت؟
أستغاثت عائشة به باكية:
ــــ اغثني يا هذا،أ غثني
صاح بهم الملثم بصوت كالرعد:
ــــ اطلق سراح السيدة وإلا سأفرغ الرصاص في قلبك وقلب
من معك
سأله ماريو مرة أخرى وهو ينظر إلى فوهة المسدس المصوبة
إلى صدره هلعاً:
ــــ من أنت؟
ــــ لا تزد كلمة واحدة وافعل مثل ما أمرتك وإلا ستسيل دماءك ودماء من معك. أطلق سراحها
ازدرد ماريو
ريقه، وقال لرفاقه منصاعاً لأمر الملثم:
ــــ اتركوها تنزل عن السيارة يا إيريك أنت والكزندر
سأله إيريك وعيناه تتقد غلاً:
ـــــ من هذا الرجل الذي انشقت عنه الأرض فجأة وظهر أمامنا
لينقذها يا ماريو؟
انفجر ماريو غضباً:
ـــــ لا داعي للأسئلة أيها الغبي. ألا ترى سلاحه المصوب
لصدري!
خفت صوت ماريو يهمس إلى إيريك:
ــــــ اجعلها تنزل الآن، وسنتبعه ولن نتركه. سأمزقه بسكيني
هذا جزاءاً لفعلته
أومأ إيريك برأسه, وأشاح بيده لألكزندر الذي يحول بين
عائشة وبين باب السيارة، لينزل عنها...فتح الكزندر الباب وترجل عن السيارة, فقال
إيريك وهو يكاتم الغيظ:
ـــــ انزلي عن السيارة أيتها السيدة
قفزت عائشة خارج السيارة وهي تلهج حمداً لله باكية:
ــــ يا الله! أخيراً! الحمد لله، الحمد لله
وقفت جانباً ترقب ما يحدث مرتعدة:
سأل ماريو، الملثم:
ـــــ أيمكننا الانصراف الآن أيها الملثم ؟
أمره الملثم باحتداد:
ــــ انتظر...لا تتحرك إلا عندما آمرك
أشار الملثم لعائشة قائلاً:
ـــــ اقتربي أيتها السيدة. لا تخشي شيئا واهدئي تماماً
اقتربت على قدمين مرتعدتين, وأسدت له الشكر وعيناها
تذرفان العبرات:
ــــ أشكرك سيدي، أشكرك جداً. أنقذتني من هلاك محقق
رد بدماثة واللثام يحجب بسمة:
ـــــ لا تشكريني سيدتي.أنا لم أفعل شيئا
تحين ماريو فرصة انشغال الملثم, فأسرع إليه يشهر سكيناً
عامداً طعنه في ظهره. أبصرته عائشة فصرخت لتنبه الملثم:
ـــــ احترس!! أحدهم يمسك سكيناً ويأتي من خلفك مسرعاً,
احترس
التفت الملثم في محاولة لصد الاعتداء, فنفذ السكين إلى
يده وسقط سلاحه, فتأوه من شدة الألم وتلوى
ــــ آآآآه! يدي!!
صرخت عائشة رعباً:
ـــــ يا الهي!! جرحت يدك
ضحك الأشقياء الثلاثة, وقال ماريو:
ـــــــ سقط السلاح من يده.. الآن أصبح في قبضتنا هو وهي
ههه
اتجه ماريو ليأخذ السلاح عن الأرض, فقال الملثم بعجلة
لعائشة:
ــــالتقطي السلاح بسرعة، وأعطني إياه سيدتي, أسرعي
التقطته في خفة وأعطته إياه:
ــــ ها هو، ها هو
صوب سلاحه إلى ساق ماريو وزأر فيهم:
ـــــ كنت أتحاشى أن أطلق ولو رصاصة واحدة من سلاحي،
ولكنكم من دفعتموني لذلك
أطلق رصاصة على ساق ماريو, الذي سقط صارخاً يتململ
ــــ آآآآه ساقي! أصبت ساقي أيها اللعين آآآه
أسرع إليه رفيقاه وهما يصطليان غليلاً ليرفعاه عن الأرض:
ويحك! تباً لك أيها الملثم
تعجل الملثم عائشة وهو يسرع إلى سيارته:
ـــــ اركبي السيارة سيدتي. اجلسي في المقعد الخلفي, أسرعي،
أسرعي كي ننطلق
سددت نظرة رحمة إلى المصاب وقالت باكية:
ـــــ أنترك هذا المصاب في ساقه؟
تضجر الملثم وصاح بها:
ــــ قلت لكِ أسرعي
كان الكزندر يرقب عائشة والملثم يفزعان إلى السيارة،
والغضب ينفخ أوداجه، ورفيقه الملقى يتألم كالقيد في عنقه لا يستطيع حل وثاقه
ـــــ آآآه ساقي آآآه
ركل ألكزندر الأرض غيظاً, وصاح يتوعد الملثم بصوت كهزيم
الرعد يدوي في هذا المكان القافر:
ـــــ ويحك!! سنلحق بك ولن نتركك... احمل معي ماريو يا
إريك كي نلحق بهذا الأحمق. الويل لك
صوب الملثم فوهة سلاحه إلى إطار سيارتهم صائحاً:
ــــ وهذه طلقة أخرى في إطار سيارتكم. إلحقوا بي إن
استطعتم
نظر إلى عائشة في مرآة السيارة فإذ بها تنشج مرتعدة,
فقال يطمئنها:
ـــــ إهدئي سيدتي.. فسننطلق الآن... .بسم الله الرحمن
الرحيم
انطلق بالسيارة مسرعاً, فندفت كالسماء بندف الشكر برعشة
النشيج:
ـــــ أشكرك سيدي للمرة الثانية. أشكرك
ضحك وقال:
ــــ قلت لكِ لم
أفعل شيئا يستحق شكرك سيدتي الطبيبة
شدهت للحظة ثم قالت:
ــــ ها!!..أنت تعرفني؟
ضحك ولم يجب. فقالت:
ـــــ ارفع عن وجهك هذا اللثام.. فأعتقد أني سمعت هذا
الصوت من قبل
رفع اللثام واستدار قائلاً:
ــــ بل ورأيتِ هذا الوجه من قبل ههه
قالت مشدوهة:
ــــ كيفن!!....أنا لا أصدق!!...من أخبرك أن هناك من
اختطفني؟.... ومن أين ظهرت وووووووو!! . كيفن ألم تسلم ؟؟ ما هذا الصليب المعلق
برقبتك ؟ أنا لا أفهم شيئا
أجهشت بالبكاء من هول ما يحدث حولها، وعدم قدرة عقلها
على فهم أي شيء, فأجابها:
ـــ الحمد لله أسلمت حقا .... الحمد لله على نعمة
الإسلام
لم تقتنع بجوابه والصليب ملتصقاً بصدره, فسألت وغموضه
يقتلها:
ـــ ولكن ما هذا الصليب ؟؟
ــــ لا تشغلي نفسك بأمور ستبدو في حينها.... حمداً لله
على سلامتك دكتورة عائشة
تأوه من جرحه النازف في يده:
آآآآه
رقت عائشة لحاله وعبراتها تغرقها:
ــــ الجرح في يدك ينزف
استدار قائلاً وعلى ملامحه بسمة ألم:
ــــ جرح بسيط.. الحمد لله آآآآه . فقط اهدئي بالله ...
فمازالت علامات الفزع تبدو على وجهك
فتحت حقيبة يدها وأخرجت ضمادة وقالت بحسم:
ـــــ توقف وأعطني
يدك، سيد كيفن كي أطهر الجرح وأربطه بهذه الضمادة
ــــ لا، لا. الأمر بسيط
صاحت به ناشجة:
ــــ توقف وأعطني يدك من فضلك. فيكفي أنني أنا السبب في
هذا الجرح
تنهد بأسى وقال:
ــــ بل أنا السبب فيما كان سيحدث، لولا حفظ الله لكِ
ــــ قلت توقف وأعطني يدك من فضلك
توقف بالسيارة على جانب الطريق, ومد يده النازفة إليها متألماً
وقال:
ــــ هأنذا توقفت سيدتي. وهاهي يدي آآآه آآآآه
********************
طهرت له الجرح وضمدته. فنظر باسماً إلى أدوات التطهير
والقطن والضمادات التي قد أخرجتها من حقيبتها وقال ضاحكاً:
ــــ هههه أشكرك.. تحملين سيارة إسعاف في حقيبة يدك !!!!
هاها.... أعلم أن النساء يحملن أدوات الزينة والمرايا في حقائبهن. ولم أر يوماً امرأة تحمل مطهر جروح
وضمادات ههههه.. ربما لأنك طبيبة.. . أشكرك على تضميد الجرح
تذكرت عائشة ما كان سيحل بها لولا أن أرسله الله لها
فبكت قائلة:
ــــ بل أنا التي أشكرك على إنقاذي من الأوغاد
تبسم وقال بامتنان وهو يدير محرك السيارة:
ـــ أنتِ التي تستحقين الشكر العميق على إنقاذي من الظلام يا صاحبة
الضوء
بدت الدهشة على وجهها وقالت:
ــــ صاحبة الضوء!!!... ماذا تقصد بصاحبة الضوء؟
ــــ سأعلمك كل شيء في حينه. لا تتعجلي الأمور سيدتي.
بالله اهدئي. يؤلمني جداً أن أراكِ حزينة هكذا
أخرجت الهاتف من حقيبتها وقالت وعبراتها لا تكف:
ـــ سأهاتف أبي
لأخبره عما حدث
هز كيفن رأسه وقال يمنعها:
ــــ لا, لا, بالله لا تفزعيه. الحمد لله لم يحدث شيء
بفضل الله
سرت قشعريرة في جسدها وهي تقول بنبرة متهدجة:
ــــ أشعر بارتعاد جسدي كلما تذكرت هؤلاء الجبناء. الحمد
لله أن أنقذني على يديك من بين أيديهم
هز رأسه باسماً وقال:
ــــ سنذهب إلى إحدى الكافيتريات لأحضر لكِ أي شيء
تشربينه، ولتهدئي قليلاً قبل ذهابك للمنزل
هالها ما سمعت وقالت تهز رأسها رفضاً:
ــــ لا, لا. من فضلك أريد أن أذهب إلى المنزل بأقصى
سرعة. هاتفي غير مشحون وربما هاتفتني أمي وقلقت جداً لتأخري بهذا الشكل
أدرك ما يجول بخاطرها فقال:
ــــ إذا كنت تخشين أن أجلس معكِ على نفس الطاولة فلن
يحدث. أنا سأجلس على طاولة أخرى وستجلسين بمفردك
سرى الارتياح في دواخلها واستحسنت الأمر:
حسناً. ولكن من فضلك سأهاتف أبي ولن أخبره عما حدث. فقط
سأطلب منه أن يأتي الى الكافيتريا التي سندخلها كي يصطحبني إلى المنزل.. سأقول له
أن سيارتي توقفت في الطريق
رد وهو ينعطف إلى إحدى الشوارع الشهيرة:
ــــ لكِ ذلك سيدتي . سأتوقف هنا في شارع كوفينيه ستراش
لندخل إحدى الكافيتريات
*******************************
دفع باب الكافيتيريا وتنحى جانباً لتدخل قائلاً بأدب جم:
ــــ تفضلي بالدخول دكتورة عائشة
قالت وعيناها تدور في الأرجاء باحثة عن مكان مناسب لها:
ــــ أشكرك جداً. سأجلس هناك.. وأنت من فضلك اجلس هنا
مكانك
ـــ هههه هكذا أصبحنا بعيدين جداً.. ولكن لا بأس... فالقرب
منك ليس بالأمر اليسير ويجب أن أبذل قصارى جهدي كي لا نفترق يوما
ردت باندهاش:
ــــ ماذا!!
ـــ لا عليكِ... تفضلي بالجلوس إلى الطاولة التي اخترتِ
هناك ..ولكن اسمحي لي أن أطلب لكِ شيئاً يهدئ أعصابك . سأطلبه لكِ وأنتظر في مقعدي
حتى يأتي والدك ليصطحبك إلى المنزل واطمأن عليكِ .... ولكن من فضلك أريد أن اطلب
طلباً أو يمكنك أن تعتبرينه رجاء
ــــ تفضل
ــــبالله لا تخرجي من المنزل وحيدة في هذه الفترة. آآآ أخشى أن يحدث لكِ أي ضرر... أرجوكِ
لا داعي للذهاب للعمل هذه الفترة. وأتمنى لو أخذتِ أجازة حتى تهدأ أعصابك... أو..أو.. آآآآ
ــــ أتريد أن تقول شيء آخر ؟
أحجم عن الكلام للحظة, ثم قال:
ــــ لا. فقط لا أريد أن يصيبك أي أذى... سأنصرف عنكِ الآن . السلام
عليكم ورحمة الله
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا عبد الله
ذهبت وجلست إلى الطاولة, وأخرجت هاتفها على الفور وهاتفت
والدها، الذي أجاب من فوره:
ـــــ السلام عليكم يا عائشة
تماسكت وقالت برباطة جأش:
ــــ وعليكم السلام يا أبي. من فضلك يا أبي توقفت سيارتي.
وأنا الآن في كافتيريا في شارع كوفينيه ستراش. تعال يا أبي كي تصطحبني للمنزل من فضلك
اندهش الوالد:
ـــ سيارتك توقفت!!...أنا لا ادري ما الذي يحدث لسيارتك
ههههه سآخذ منك اسم الكافتيريا وآتيكِ فورا... ولكن أشعر بنبرة لا ارتاح إليها في صوتك
ــــ لا شيء يا أبي. لكن توقف السيارة أزعجني. من فضلك أسرع.
فأنا متعبة جداً
ــــ سآتيكِ على
الفور إن شاء الله. أعطني اسم الكافتيريا
********************
أعطت والدها اسم الكافيتريا وانهت المكالمة..جذبت أنفاس
الأريحية إلى دواخلها بعمق وقالت:
ــــ يا الله!! كم كانت تجربة قاسية جداً ... الحمد لله
الذي نجاني
أتاها النادل، ووضع أمامها كأساً من اللبن وقال:
ــــ تفضلي سيدتي. هاهو كأس اللبن الذي طلبه لكِ السيد
اندهشت لما طلبه كيفن:
ــــ كأس من اللبن!!...أشكرك
انصرف النادل بعدما شكرته بلطف، فأسرت إلى نفسها حديثاً
بشأن كيفن:
ــــ لم أتوقع أن يطلب لي كأسا من لبن.... هل يعني اللبن
عنده شيئا معيناً ؟.. أم أنها محض صدفة؟
********************
كان كيفن جاساً إلى طاولته يرقب الشارع من خلال النوافذ الزجاجية
للكافيتريا, حتى رمق سيارة والدها تتوقف على جانب الطريق, فهمس لنفسه وهو يزوي
وجهه عنه:
ــــ ها هو والدها قد وصل الحمد لله . سأتوارى كي لا
يراني. وعندما يدخل أخرج أنا في صمت
دخل والدها يبحث عنها في أنحاء المكان حتى أبصرها, فتوجه
إليها:
ــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عائشة ابنتي
الحبيبة
ما أن رأت أباها حتى هبت واقفة وارتمت في أحضانه وأجهشت
بالبكاء وجسدها يرتعد, ففزع والدها, وسألها باضطراب:
ــــ ابنتي، ما بك؟ِ . هل أنتِ بخير؟
مسحت الدموع عن عينها وقالت وهي تلملم شتات نفسها:
ــــ بخير الحمد لله, لا شيء يستحق القلق يا أبي..... فقط أشعر أني أحتاج إلى
الراحة
أطال نظرة إليها وقلبه يختلج..جاهد في رسم ابتسامة على
محياه, وقال بنبرة هادئة:
ـــــ هيا كي نذهب إلى المنزل حبيبتي. أمك قلقة جداً
بشأنك
ــــ هيا يا أبي
********************
عاد الدكتور سالم وعائشة إلى البيت, نادى زوجته ببعض
المرح كي يخفي عنها اختلاج نفسه:
ــــ مريم. هأنذا جئت ومعي زهرة حياتنا ههه
ابتسمت عائشة وحذت حذو أبيها في تصنع السعادة حتى لا
تفزع أمها، وقالت:
ــــ جزاك الله خيراً يا أبي. لا حرمني الله منك أنت
وأمي آمين هه
جاءت أمها تهرول ضاحكة وقالت:
ــــ عائشة! سأعاقب هذه البنت يا سالم هههه أصبحت لا
تعبأ بقلق أمها وتتأخر كيفما شاءت
خضبت عائشة ضحكة بلون السعادة المصطنع وقالت:
ــــ لا تغضبي يا أمي. التأخير دائماً خارجاً عن إرادتي.....
سأريحك وأجلس في المنزل حتى أستريح
لم يخطأ قلب الأم تلك الأنات المذابة في ضحكاتها الباكية,
أمسكت بيدها وسألتها متلهفة:
ــــ ما بكِ يا عائشة ؟
تدخل الأب ليكفي عائشة عناء البوح بما آثرت طويه داخلها,
ونادى في زوجته:
ــــ مريم! عائشة متعبة. لا ترهقيها بأسئلتك. دعيها تدخل
غرفتها لتستريح
ردت الأم متأففة:
ـــ أريد الاطمئنان عليها يا سالم. ليس عندي أغلى من
ابنتي كي اقلق عليه
حاول الأب تلطيف تلك الكآبة, فقال:
ـــ ها!! تقصدين أن عائشة أغلى على قلبك مني؟ مممم لم
يعد لي بقلبك مكان يا أم عائشة
ــــ هههه لا، لا حبيبي لم أقصد.
وضعت يديها على جانبيها وقالت لعائشة ضاحكة:
ــــ أيعجبك هذا يا عائشة ؟ أخبريني كيف أرضي أبيكِ الآن
ههه
ـــــ هههه اضحك الله سنك يا أمي. أترككما تتصافيان، وأذهب
لغرفتي
أسرعت عائشة إلى غرفتها, فحاولت أمها مداعبة والدها الذي
تصنع الغضب وأشاح بوجهه عنها كطفل صغير:
ــــ سالم ممممممم حبيبي ههه
ـــــ مممم
ــــ ههه إن كانت عائشة جزءاً من قلبي، فأنت كل قلبي يا
قلبي ههه أتغار من ابنتك يا رجل؟ هههه
ــــ أغار، أجل أغار يا مريم. أحب أن أكون أنا الأول
دائماً في قلبك
داعبت وجنته حباً وقالت بحنو:
ـــ وأنت هكذا بالفعل حبيبي
استطردت الأم بسؤالها الذي يلح في أعماقها:
ــــ ما بها
عائشة يا سالم؟ يبدو عليها الحزن.
تنهد الدكتور سالم بعمق وقال:
ــــ ربما حدث شيء أغضبها بالمستشفى
تذكرت الأم الدكتور لوكاس الذي يظهر العداء لابنتها
بفجاجة, ابتأست وقالت:
ــــ مممم هناك فعلاً من يسمعها ما تكره من ألفاظ فظة..
وحمداً لله أنها ستستريح في المنزل الفترة القادمة
هز الوالد رأسه استحساناً لكلام الأم, وقال:
ــــ نتركها تهدأ قليلا ثم ندعوها لتشاركنا طعام العشاء
ــــ إن شاء الله حبيبي
*******************
أسرع إيريك إلى القس دانيال ليخبره بما حدث:
ــــ آبانا دانيال
اندهش القس لرؤيته:
ــــ اريك!...أين ماريو؟
ــــ ماريو بالمستشفى. فقد أصيب بطلقة رصاص في ساقه
انتفض القس عن مقعده وصاح غاضباً:
ــــ ماذا!! ومن أصابه في ساقه؟
ــــ عندما ذهبنا لنختطف الطبيبة، وبالفعل اختطفناها، وزججنا
بها في السيارة. فإذ بشخصٍ ملثم يعترض طريقنا شاهراً سلاحه وهددنا بالقتل إن لم
نطلق سراحها. وبالفعل أنزلناها عن السيارة. وذهبت إليه. وبينما هما مشغولان
بالحديث حاول ماريو مباغتته بطعنة سكين من الخلف فانتبهت السيدة وصرخت وعندما
التفت ليصد الطعنة جرحت يده وسقط السلاح فهبت السيدة لالتقاطه على الفور وإعطائه إياه فأطلق رصاصة على ساق
ماريو، ثم أطلق رصاصة على إطار السيارة ولم نستطع اللحاق به. وطلبنا الإسعاف
لماريو
ذهبت كل أظانين القس إلى كيفن, ضيق عينيه وقال:
ــــ رجل ملثم! ممممممم، صفه لي
رد إيريك بامتعاض:
ــــ يا آبانا اقل لك ملثم. كيف أصفه!!
نهره القس غاضباً:
ــــ تبّا لك أيها الأحمق! حدثني عن طول قامته. عن حجمه.
عن أي شيء يدلني عليه. أريد أن أتيقن هل هو من في خاطري أم لا
هز إيريك رأسه امتثالاً لأمر القس وقال:
ــــ طويل القامة، ومفتول العضلات. رجل قوي حقاً
أخذ القس يفرك ذقنه وهو يخال كيفن أمامه, ثم قال:
ــــ ممممممم صف لي سيارته
أجاب إيريك على وجل خوفاً من ثورة القس:
ــــ لم أستطع التركيز. فقد كان الجو معتم يا آبانا
بدت بسمة ساخرة على وجه القس, وأخذ يتجول في الرواق
عاقداً ذراعيه خلف ظهره وهو يهمس لنفسه:
ــــ ممممم أعتقد أنه هو هاها... يصد عنها الهجمات
كحارسٍ خاص هاها لا بأس يا كيفن.. أقصد يا عبد الله ههه هكذا يكون المحب. يفتدي من
يحب بروحه ودمائه .... تعجبني اللعبة، وسأنتظر ماذا سيفعل ذلك العنيد
استدار القس دانيال إلى إيريك وأشاح بيده قائلاً
. انصرف أنت يا إريك الآن
لم يكن أمر إسلام كيفن بعيداً عن أعين القس التي تقتفي
بعض آثاره.. ولكنه صمت ليكيد له المكائد في الخفاء..فهل تراك يا عبد الله ناجياً
من قبضة القس المحكمة!!
********************
عاد كيفن إلى المنزل منهكاً, فهرعت إليه أمه:
ــــ كيفن حبيبي! لِمَ تأخرت؟
وقعت عينها على يده المضمدة، فقالت فزعة:
ــــ ما هذا!! أجُرحت يدك يا حبيبي!
ــــ لا شيء يا أمي. جُرح بسيط... وعذرا على التأخير، شغلتني
بعض الأمور ولم أنتبه للوقت.. كيف حالك ؟
ردت بسعادة:
ــــ بخير ههه أقترب موعد زواجك يا كيفن. أعجبني كثيراً الفستان
الذي اشتريته لعروسك. متى ستعطيها إياه حبيبي ؟
رد بغير اكتراث:
ــــ غداً يا أمي... أين أبي؟
ــــ خرج منذ قليل في زيارة لأحد أصدقائه ... استبدل
ملابسك وسأعد لك الطعام .
ــــ لا داعي يا أمي
ـــ ههه لا داعي! كيف وقد صنعت لك لحم الخنزير الشهي
وسقيته ببعض الخمر كي يصبح ألذ!!
اتسعت حدقتا كيفن وأمسك بطنه وقال بتقزز:
ــــ لا, لا, أشعر باضطرابٍ في معدتي ولن أستطيع أن آكل
شيئا
ألحت عليه ضاحكة:
ــــ ههه لا، لا سأفتح شهيتك وأطعمك بيدي
رد متضجراً:
ــــ من فضلك يا أمي اتركيني و حريتي. لا أريد الطعام
تربد وجهها وقالت:
ــــ إن لم تأكل سأغضب... أم تراك متأثراً بالمسلمين
الذين يحرمون لحم الخنزير الشهي !!!
زفر كيفن أنفاسه غاضباً وقال:
ـــ يا أمي، يا أمي!!. ألم ننته من تلك الأحاديث التي لا
تفيد ؟ لا تتكلمي عن المسلمين مرة أخرى، فيزعجني جداً الحديث عنهم
انشرح صدر أمه لكلماته وقالت بحبور:
ـــ تُفرح قلبي
بهذه الكلمات حبيبي ههه اذهب واستبدل ملابسك. ونرى ستأكل أم لا عندما أضع الطعام
الشهي على المائدة وتشم رائحته الزكية بأنفك ههه لن تقاوم
استدارت أمه عامدة مطبخها، فتمتم متأففاً:
ــــ أوه!! ماذا سأفعل الآن
دقت أجراس المنزل, خرجت أمه من المطبخ التي دخلته للتو,
واتجهت لتفتح الباب, فتحت فألفت أمامها القس دانيال, فتهلل وجهها مرحبة به:
ــــ مرحبا، مرحباً يا آبانا دانيال، ما هذه المفاجأة السارة,
دعني اقبل يدك. تفضل، تفضل
قال وقد دلف إلى المنزل, تدور عينه في أنحاءه:
ــــ ههه أشكرك السيدة نيكولا. جئت مهنئاً بعودة كيفن
لأحضاننا ورجوعه لصوابه
ـــــ هههه نشكر الرب يا آبانا. هذا بفضل صلواتك لأجله
قهقه القس قائلاً بمكر:
أين هو البطل ؟ هههه
ـــــ جاء لتوه من الخارج وذهب ليستبدل ملابسه. سأخبره
بوجودك حالاً. وسأذهب لأعد المائدة، وستتناول عشاءك معنا
ـــــ هاها ماذا عندكم من طعام السيدة نيكولا ؟
قالت وهي تهز رأسها في نشوة:
ـــــ لحم خنزير شهي، إلى جانب بعض الشطائر
انفجر القس ضاحكاً وهو يتذكر إسلام كيفن وتحريم الخنزير
في الدين الذي اعتنق، وقال بخبث:
ــــ حسناً، حسناً .. سآكل لأشارك كيفن لحم الخنزير الشهي هههه
ـــــ لحظات ويأتي كيفن ليقبل يديك يا آبانا دانيال
هز رأسه واتجه إلى أحد المقاعد وجلس في انتظار كيفن
أسرعت السيدة نيكولا إلى غرفة كيفن لتخبره بوجود القس
دانيال, وجدته مستلقياً على فراشه:
ــــ كيفن! كيفن
ـــــ ما الأمر يا أمي ؟
قالت بأسارير منفرجة:
ــــ جاء ضيف هام جداً، وغالٍ على قلوبنا جميعا لزيارتنا
وتهنئتك برجوعك إلى الصواب
ــــ ماذا!...مَن يا أمي ؟
قالت وهي تكاد أن تقفز كالأطفال:
ــــ الآب دانيال ههه
انتفض كيفن جالساً, وهو يقول بامتعاض:
ــــ مَن!! ..ما الذي أتى به ؟ آآآ أقصد مرحباً به. جاء في موعده
ــــ هاها اذهب إليه يا ولدي مُرحبا به حتى أعد الطعام
********************
خرج كيفن إلى القس وقد الصق ابتسامة على وجهه, وقال
بفتور:
ـــــ مرحبا آبانا دانيال. سُررت جداً لمجيئك
ـــــ هاها... حقا؟.... وأنا سررت بعودتك إلى أحضاننا يا
كيفن.
مد القس يده إلى كيفن وقال بمكر:
ــــ ألا تقبل
يدي ؟
كاتم كيفن الغيظ وقال بابتسامة باهتة ونبرة مختنقة:
ــــ أقبلها بالطبع فأنت آبانا الذي نحب ونُجل ههه
طبع قبلة باردة على يد القس, فقال الأخير والمكر يطل من
عينيه:
ــــ أشكرك أيها المسيحي الصالح كيفن .... ولكن ما هذه
الضمادة ؟ أجرحت يدك يا بطل ؟ هاها
ــــ جُرح بسيط. أشكرك للاهتمام
قال وهو يرقب ردة فعله في محاولة لسبر أغواره:
ـــــ وبالطبع زواجك اقترب من أنجيليكا.... أليس كذلك ؟
رد كيفن بملامح ثابتة:
ــــ أجل.... سنتزوج في الكنيسة بعد أسبوعين من الآن
ــــ هاها عظيم، عظيم جداً... أسعدتني هذه الأخبار
دارت عينا القس في أنحاء المنزل, وسأل ببعض الفضول:
ــــ أين أبوك يا كيفن ؟
ــــ خرج في زيارة صديق..... مرحبا الآب دانيال
جاءت أمه تحمل الطعام لتصفه على المائدة وقالت تتغزل
فيما أعدت:
ـــــ الطعام ههه الطعام الشهي قد جاء. هيا يا آبانا.
هيا يا كيفن
قال كيفن باضطراب:
ـــــ لا، لا، لن استطيع
انفجر القس ضاحكاً، وسأله وهو ينظر في عينيه بخبث:
ــــ لِم يا كيفن؟ ..ألا تحب أن تشاركني طعام الخنزير الذي أعدته والدتك
؟
ــــ عذراً.. فأشعر ببعض الاضطرابات في معدتي
ـــــ هاها شفاك الرب يا كيفن... لكن القليل من لحم
الخنزير لن يزيد معدتك اضطرابا يا رجل..هيا، هيا..هيا يا كيفن
اشتعلت دواخل كيفن غيظاً, وعلم أن لا مناص من إلحاح
القس، أضمر حديثاً في أعماقه:
ــــ اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله. ما الذي أتى بهذا
الرجل في هذه الساعة! أوف! لن أستطيع الفرار
قام كيفن عن مقعده, وقال منصاعاً للأمر:
ــــ هيا يا آبانا
جلس القس إلى المائدة، بينما ظل كيفن واقفاً، فأشار له
بالجلوس قائلاً:
ــــ اجلس يا كيفن.أشعر أنك ضيف يجلس على استحياء ههه كل
يا رجل، كل هاها إنه طعام شهي
التقط القس قطعة من لحم الخنزير وقربها إلى فم كيفن وقال
وهو ينظر في عينيه:
. خذ هذه القطعة من لحم الخنزير من يدي
مد كيفن يده بتثاقل، أخذ قطعة اللحم المحرم وقال بفتور:
ــــ أشكرك.
كاتم نفسه حديثاً وهو ينظر إلى قطعة اللحم المحرم:
ـــــ لا حول
ولا قوة الا بالله . حتى لا أستطيع التسمية . فكيف أسمي الله وأنا سآكل ما حرم
الله. اللهم عفوك
اغفر لي يا ربي، فأنا لا أريد أن يفتضح أمري. لا حول ولا
قوة إلا بالله
قضم كيفن قطعة من اللحم وهو يتقزز..كان القس يرقبه في
صمت، ثم قال مضيقاً عينيه:
ــــ بِم كنت تُتمتم يا كيفن ؟ اللحم شهي جداً. ما رأيك ؟
ـــــ مممم شهي
ردت السيدة نيكولا جذلة:
ــــ أشكرك آبانا على مدحك طعامي هاها.. لم اسمع كلمة من
ولدي يزكي فيها طعام أمه الذي تعبت في إعداده
ـــــ أشكرك يا أمي على إعداد الطعام
قالت بامتعاض وهي تراه يأكل زاهداً فيما صنعت:
ــــ مالك لا تأكل بشهية يا كيفن يا ولدي ؟
استشاط كيفن غضباً:
ــــ يا أمي! يا أمي أخبرتك أني متوعك. لا استطيع تناول
الطعام. ولن أكل أكثر من القطعة التي أكلتها. كفى، كفى . استأذن
انتفض عن مقعده وذهب يجلس بعيداً عن الطاولة، والقس
يرقبه في صمت..وجه حديثه إلى السيدة نيكولا ضاحكاً وهو ينظر إلى كيفن وقال بخبث
دفين:
ــــ اتركيه نيكولا ..فهو مأمور ألا يأكل لحم الخنزير.
أليس كذلك يا كيفن ؟
اتسعت حدقتا كيفن وارتعدت فرائصه, وتمتم وجلاً:
ــــ ها!! أَعلِمَ هذا الرجل شيء من أمري ؟
غضنت السيدة نيكولا حاجبيها وسألت القس:
ــــ مأمور؟ مأمور مِن مَن يا آبانا ؟
ضحك القس وقال ساخراً وهو ما زال ينظر إلى كيفن:
مأمور من معدته المضطربة بالطبع،ا لسيدة نيكولا ههه
تنفس كيفن الصعداء وحمد الله في سريرته:
ــــــ حمد لله ... ظننت أن أمري قد افتضح ..الحمد لله
تنحنح القس وقام عن مقعده متجهاً إلى الباب:
ــــ سأغادر أنا الآن، السيدة نيكولا ... وألتقيكم جميعاً
في الكنيسة يوم الأحد
قامت السيدة نيكولا خلفه وقالت:
ـــ لِمَ أنت في عجلة يا آبانا ؟
ــــ عندي الكثير من الأمور تشغلني، السيدة نيكولا
ــــ يحفظك الرب يا آبانا
انصرف القس دانيال فزفر كيفن:
ـــ أوف!! حمداً لله إنه انصرف آآآه أشعر حقاً بغثيان
منذ أكلت قطعة اللحم المحرمة
نادى أمه بتواتر:
ــــ أمي! أمي
ــــ ما بك يا كيفن ؟
ــــ سأنزل لأزور صديق لي مريض
ضحكت ساخرة وقالت:
ــــ أنت مريض وتود
أن تزور مريضاً!... كما تحب يا ولدي
*******************************
جلس كيفن في سيارته, يضع يده على فمه متقززاً, وهمس إلى
نفسه:
ــــ آآآه أشعر بغثيان.. أشعر بشيء مقزز نفذ الى احشائي.
سأهاتف محمد لأعرف هل هو مستعد لاستقبالي بمنزله أم لا
دق على هاتف صديقه محمد، فرد مبتهجاً:
ــــ السلام عليكم يا عبد الله
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. كيف حالك يا
محمد؟
ــــ بخير حال الحمد لله. ماذا عنك؟
ــــ أرغب في لقائك الآن. هي يمكنني زيارتك ؟
ــــ بالطبع . تفضل سأنتظرك
ــــ قادم بعد قليل إن شاء الله
*******************************
في منزله، استقبله محمد بترحاب كبير، القى كيفن السلام
ــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا محمد
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . مرحبا عبد الله
..تفضل يا أخي
وضع كيفن يده على فمه وقال:
ــــ آآآه معذرة! أشعر بغثيان منذ اكلت قطعة من لحم
الخنزير وأريد أن أتقيأ
ــــ لحم خنزير! العياذ بالله . تفضل يا أخي . الحمام في
آخر هذا الممر
ــــ أشكرك يا محمد آآآه
*****************************
عاد عبد الله بعد أن تقيأ لحم الخنزير المحرم, فسأله
محمد:
ـــ ها يا عبد الله. كيف تشعر الآن ؟
ــــ أفضل.. الحمد لله
سأله محمد باهتمام:
ــــ وما الذي اضطرك لأكل لحم الخنزير
ــــ أكلته حتى لا يفتضح أمري. فإن افتضح أمري حاصرتني
المشاكل وحاصرت غيري ممن لا ذنب لهم
احتار محمد بما يرد لحداثة عهده بالإسلام وقال:
ــــ مممم والله لا استطيع أن أفيدك هل هذا أمر اضطراري
أم لا ... ولكن حمداً لله أنك تقيأت ما أكلت
ـــــ الحمد لله يا أخي. الحمد لله
قام محمد عن مقعده وقال باسماً:
ــــ ما رأيك أن تشاركني طعاماً طيباً الآن؟
ـــ أتمنى ذلك. أنا جائع جداً.. حاصرتني أمي والقس بلحم الخنزير هداهما الله ... ما عندك من
طعام يا محمد ؟
ضحك محمد وقال:
ــــ عندي دجاجة سنقتسمها سوياً
سأله عبد الله تحرياً للحل والحرمة:
ــــ مذبوحة على الشريعة الإسلامية ؟
قهقه محمد وقال:
ـــــ كم أنا سعيد بالتزامك بشرع الله يا عبد الله. بالطبع
مذبوحة على الشريعة الإسلامية. أعندك شك ؟
ــــ ههه لا بالطبع لا يوجد أدنى شك . فقط سألتك ليطمئن
قلبي يا رجل هههه. هل ستأكل معي ؟
ــــ هههه هل تريد أن تأكل الدجاجة وحدك يا عبد الله!
ــــ ألست ضيفك والواجب عليك إكرامي! . إذن فاترك
الدجاجة لأجلي ههه
ــــ لا، لا. أنت ضيف متعب حقاً ههه حسناً. أعطني ربعها
وخذ الباقي
ــــ حسنا يا محمد ولو أن الربع كثير ههه.. أمزح معك
.سنقتسمها بالمناصفة
ـــــ ههه تتصرف وكأنك من دفع ثمنها يا عبد الله
ــــ وما الفرق بيني وبينك فنحن اخوة ههه
ــــ والله انا سعيد جداً بهذه الزيارة يا أخي.. تفضل.
سمي الله وتناول الطعام
ــــ بسم الله الرحمن الرحيم
ــــ ممممممم لذيذة جداً
عادا إلى جادة الحديث بعد المزاح..سأل عبد الله صديقه
محمد:
ــــ قل لي متى ستتزوج يا محمد؟
ــــ قريباً جداً إن شاء الله ..ولكن لن أعيش في ميونخ
سأله عبد الله باهتمام:
ــــ وأين ستعيش
إذن ؟
ــــ سأنتقل إلى مدينة دوسلدورف إن شاء الله
ــــ ولِمَ دوسلدورف
على وجه الخصوص ؟
ــــ دوسلدورف هي مسقط رأسي، وكل أهلي يعيشون بها. وما
انتقلت لميونخ إلا للعمل مع أحد أصدقائي.. ولكن الآن سأعود إلى مدينتي وأعمل بها
سأله كيفن وقد أخذته الخشية عليه:
ــــ هل يعلم أهلك بإسلامك ؟
ــــ أجل يعلمون
سأله عبد الله متعجباً:
ــــ ولم تجد مضايقات ؟
ـــ لا، لا. إطلاقاً
استطرد محمد:
ــــ أنت تعلم أن أغلب الناس في المجتمعات الأوروبية لم
يعد يشغلهم أمر الدين... فكل يعتنق ما شاء من ديانات
ابتئس كيفن وهو يتذكر أهله وعدائهم للإسلام وقال بشجن:
ـــــ أنا على
العكس كما أخبرتك.. . حظي أنني من أسرة مسيحية متشددة، وخالتي راهبة
بدا القلق في عيني محمد وأوصى عبد الله وهو يشد على
يديه:
ـــ كن حذراً، ولا تطلع أحداً على أمرك
أجاب عبد الله واثقاً:
ــــ أنا في قمة الحذر الحمد لله
******************************
دق جرس هاتف أنجيليكا، فأسرعت به إليها شقيقتها
فرانزيسكا:
ـــــ انجيليكا. كيفن يتصل.
تهللت أنجيليكا:
ـــــ كيفن! أعطني الهاتف فرانزيسكا.
ردت بهيام:
ـــــ مرحبا حبيبي.
ــــ كيف حالك أنجيليكا... أحضرت لكِ فستان الزفاف.
يمكنك الذهاب إلى أمي كي تأخذيه.
علت الكآبة وجه أنجيليكا وقالت:
ـــ ماذا!!..ما هذا يا كيفن!! كنت أتوقع أن تأتني بالفستان، وتعطني إياه بنفسك.
تعلل بحجة واهية:
ـــــ ههه لا أريد أن أراكِ حتى يوم الزواج
غضنت حاجبيها وردت بدهشة:
ـــــ ولِمَ؟
ـــــ كي اشتاق إليكِ أكثر أنجيليكا
استحسنت الفكرة فضحكت:
ـــــ ههه ألهذا السبب؟ حسنا. أعجبتني جداً الفكرة. لا
نرى بعضنا البعض حتى يوم الزواج لنكون في شدة الشوق
ـــــ هاها حسناً يا حبيبتي. أنا في مكتبي الآن. اذهبِ
وخذي الفستان.. وأراكِ الأحد القادم في يوم زواجنا السعيد
ردت والفرحة تجتاحها:
ـــــ سيكون سعيداً جداً. كم أنا فرحة حبيبي
ـــــ مهندس الديكور فرغ من ديكورات المنزل، وأصبح جاهزاً
لاستقبالك
ـــــ ههه سيكون أجمل منزل لأنه سيجمعنا سوياً، حبيبي كيفن
ــــ إلى اللقاء يوم زواجنا، أنجيليكا
ــــ الي اللقاء حبيبي
*******************************
عاد الدكتور سالم إلى المنزل وعلى وجهه غمامة من الحزن،
يحمل بطاقة ملونة بين يديه، ألقى السلام على زوجته:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله
ردت وقد رابها ما رأت:
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته زوجي الغالي...
كيف حالك؟
ــــ بخير حال الحمد لله. أين عائشة؟
جاءت من حجرتها تهرول باسمة:
ــــ هأنذا يا أبي. كنت اقرأ الورد اليومي من القرآن
ــــ أثابك الله يا بنيتي
جلس الدكتور سالم، أخذ يهز رأسه في أسى...تنهد وقال:
ــــ حدث شيء غريب
جداً
جلست زوجته إلى جواره ووضعت يدها على كتفه قائلة بلهفة:
ــــ ماذا حدث يا سالم؟.... . وما هذه البطاقة التي بين
يديك؟
ــــ إنها دعوة زواج
تهللت زوجته وقالت:
ــــ بشرى جميلة. العقبى لعائشة.. ولكن من سيتزوج وأرسل
إليك بطاقة؟
زفر الدكتور سالم وقال متضجراً:
ــــ إنه كيفن. سيتزوج في الكنيسة من مخطوبته أنجييكا
فغرت زوجته فاها دهشة، وصعقت الدهشة عقل عائشة، فعقدت
لسانها للحظات..ثم قالت والحيرة تفتك بها:
ــــ ماذا تقول يا أبي!!!....ألم يسلم ذلك الرجل؟
قلبت والدتها كفيها تعجباً وقالت:
ــــ أنا أتعجب أيضاً يا سالم مثل عائشة.... ولكن ربما لأن المسلم يمكنه
الزواج بمسيحية
ردت عائشة متضجرة:
ــــ يا أمي ماذا تقولين!! حقا المسلم يمكنه الزواج
بمسيحية، ولكن هذا سيتزوج زواجا كنسياً. معنى ذلك أنه ما زال على دينه
أردفت عائشة وعقلها يكاد أن يطيش:
ــــ أنا أتعجب
من أمر ذلك الرجل. لا أفهمه. إنه يتلاعب بالأديان.
قال والدها بنبرة حزنى:
ــــ وأنا أيضاً في غاية الدهشة والتعجب من أمره.
قالت السيدة مريم لتحسم الجدل:
ــــ ربما ارتد إلى ديانته المسيحية مرة أخرى ؟
نهض الدكتور سالم عن مقعده، وقال وخيبة الأمل قد اجتاحت
ملامحه:
ــــ لا شأن لنا به. يفعل ما يشاء. دعونا نتحدث في أمر
أكثر أهمية... ذاهب لاستبدال ملابسي
اتجه إلى غرفته بخطوات مسرعة، فأشفقت عليه زوجته وقالت
لابنتها:
ــــ والدك يبدو عليه الغضب والإحباط أيضاً مما فعل عبد
الله
انفجرت عائشة في البكاء وقالت بنشيج:
ــــ بل قولي كيفن يا أمي. لم يعد اسمه عبد الله
ربتت أمها على ظهرها وقالت بحنو:
ــــ ولِمَ تبكين أنتِ يا عائشة!... هو وشأنه يا بنيتي.
من أراد الإسلام فليسلم، ومن لم يرد فنحن لا نكره أحداً على اعتناقه
قامت الأم عن المقعد وقالت لتعيد حياتهم إلى مجراها
ترفعاً:
ــــ هيا، هيا يا حبيبتي لتساعديني في إعداد المائدة
أطرقت عائشة قليلاً، ثم نهضت وقالت بحسم:
ـــــ أمي! غداً إن شاء الله سأعود لعملي .. ولكن سأطلب
من أبي أن يأتي ليقلني إلى البيت، كي لا أعود ليلاً بمفردي
ـــــ ولن يمانع أبوكِ يا حبيبتي. هيا لنذهب إلى المطبخ
*******************************
اليوم هو حفل زفاف كيفن على أنجيليكا. ..قارب الوقت على الظهيرة
..كانت أمه تتحرك بخفة في المنزل كالفراشة، بعد أن أتمت زينتها التي تتناسب وثوبها
الأنيق، وقفت في ردهة المنزل ونادت زوجها بنبرات السعادة:
ــــ ماكس، يا ماكس! هل انتهيت من ارتداء ملابسك ؟ هاها
هيا يا أبا العريس
خرج متأنقاً من حجرته، وقال جذلاً:
ـــ هأنذا يا نيكولا مممممم كم هو جميل ثوبك! ههه وكم
أنتِ جميلة اليوم! . ستكونين أجمل من العروس ههه
أطلقت ضحكة وقالت متهللة:
ــــ جميلة لأني سعيدة. لا اصدق أن اليوم زواج كيفن
وأنجيليكا. سيكون حفل جميل جداً
*******************************
استعدت عائشة إلى الذهاب إلى المستشفى, فألفت والدتها
تلتصق بنافذة الردهة وتطالع الشارع باهتمام، نادتها:
ــــ أمي! أنا ذاهبة إلى المستشفى
لم تسمعها الأم لانشغالها بمطالعة أمر ما في الشارع،
فضحكت عائشة وقالت بصوت عال:
ــــ أمي! ههه ماذا
تفعلين عند النافذة؟
استدارت الأم واتجهت إليها وقالت ضاحكة:
ــــ اتعجب يا بنيتي ههه. كنت أقف بالمصادفة عند النافذة،
فرأيت عائلة كيفن يرتدون ملابس للسهرة
وذاهبون إلى حفل زواج ولدهم ومازلنا صباحا
لاح الحزن على ملامح عائشة وقالت بفتور:
ــــ عاداتهم تختلف عن عاداتنا. فهم يحتفلون بالزواج
صباحاً.. . ذاهبة إلى المستشفى . أترغبين في أي شيء قبل أن أغادر المنزل يا أمي ؟
ـــــ لا يا حبيبتي. صحبتك السلامة. لا تنسي أن تهاتفيني
بمجرد وصولك إلى المستشفى
ــــ بالطبع يا أمي سأفعل إن شاء الله
داعبت أمها وجنتها وقالت باسمة:
ــــ ممممم قبل أن تغادرين المنزل يا عائشة أود أن أرى
ابتسامة عريضة لأرى كم هي أسنانك ناصعة البياض ههه
ــــ هههه أضحك الله سنك يا أمي
ــــ ودامت لي بسمة ثغرك يا عمري ههه. دعي عنك الحزن
حبيبتي. أنا أعلم أنك حزينة لارتداد كيفن عن الإسلام . لا تحزني فالإسلام باقٍ إلى
قيام الساعة ولن يتأثر بارتداد أحد
تنهدت عائشة وقالت:
ــــ الحمد لله . قدر الله وما شاء فعل
ربتت الأم على ظهرها بحنان وقالت:
ــــ توكلي على الله حبيبتي. استودعك الله الذي لا تضيع
ودائعه
ــــ السلام عليكم ورحمة الله
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حبيبتي
*******************************
توافد المدعوون إلى باحة الكنيسة في انتظار العروسين،
وقضوا الوقت في السمر..فها هي إحدى المدعوات رمقت إحدى الصديقات تدخل إلى الباحة
بصحبة زوجها، فأشارت إليها متهللة:
ــــ ههه بيرجيت. أتت برجيت هي وأندريز يا روبيرت. سأذهب
لتحيتهما
ــــ اذهبي. وأنا سأظل هنا واقفا في الباحة كسائر
المنتظرين للعروسين
بدت أحاديث النساء عن الحفل وعن عادات الزواج:
ــــ بيرجيت ههه كم أنتِ أنيقة جداً اليوم
ـــــ ههه هذه عادتي دائما يا فيولا. وأنتِ أيضا يعجبني
العطر الذي أشمه منكِ
ـــــ ههه أحضرته لي أختي عندما كانت في فرنسا. تعلمين
أن فرنسا بها أرقى العطور على الإطلاق
ــــ ههه في المرة القادمة قولي لأختك تذكري صديقتي المسكينة
بيرجيت واحضري لها زجاجة عطر كهدية
ــــ ههه سأخبرها... . مممم تأخرت العروس وعائلتها،
وتأخر العريس أيضاً.... ألا تلحظين ذلك؟
ــــ نعم ألحظ. ولكن ربما لم تنته العروس من التزين ولذا تأخرت وعائلتها... سرعان
ما سيأتي الجميع يا فيولا ... الجموع كبيرة جداً اليوم. أرى الكثير من النساء
الأنيقات
ـــــ والرجال الأنيقين أيضاً يا برجيت ههه البذل
السوداء غزت الساحة ههه أشعر أن الرجال أكثر من النساء
ـــــ لالالالالالا أنظري حولك سترين أن النساء أكثر بكثير.
أعتقد أن هؤلاء الفتيات الواقفات في
الحديقة هن صديقات العروس يا فيولا
ــــ أتين جمعيهن لأمرين لا ثالث لهما يا برجيت ههه
ــــ وما هما الأمران ؟
ــــ الأمر الأول عندما تقف العروس معطية ظهرها للجميع
وتلقي بباقة الزهر، سيتسابقن لتفوز واحدة منهم بالباقة تفاؤلا بأن تكون هي العروس
القادمة ههه
ـــــ ههه والأمر الثاني؟
ـــــ ههه الأمر الثاني سيعصبن عيني العروس ويرقصن حولها
وتحاول العروس إمساك واحدة منهن . ومن ستمسكها العروس ايضا ستتفائل بأنها العروس
القادمة ههههههه
ــــــ ههه أحب هذا الجو من المرح في حفلات الزواج .مممم تأخر العروسان!!
*******************************
عند المستشفى توقفت عائشة بسيارتها، وقبل أن تترجل عن
السيارة دقت على هاتف أمها لتطمئنها. فردت أمها من فورها:
ــــ السلام عليكم ايتها الطبيبة الجميلة ههه
ـــــ ههه وعليكم السلام يا أم الطبيبة الحنون. هأنذا قد
وصلت بسيارتي إلى المستشفى يا أمي
ـــــ حمداً لله على سلامتك حبيبتي. لا تعودي قبل أن
يأتي أبيكِ ليصطحبك
ـــــ بالطبع إن شاء الله . لحظة يا أمي أفتح باب السيارة
ما أن ترجلت عن السيارة، حتى أبصرت ما اتسعت معه حدقاتها
و بعثر الأحرف على شفتيها
ــــــ لأأأأأأأأأأأ هااااااا كيييييفي هاااااا
أجل..إنه كيفن يقف بسيارته على الجانب الآخر، يتطلع
إليها باسماً...لاحظت أمها تلك الارتباك في أحرفها وكأنها طلاسم..سألتها متلهفة:
ــــ ما الذي حدث! . أهناك شيء يا عائشة؟
لم تشأ أن تزعج أمها بترهات:
ــــ لا شيء، لا شيء يا أمي. أتركك الآن. السلام عليكم
ردت الأم والارتياب يعبث بقلبها:
ـــــ وعليكم السلام حبيبتي
أغلقت الأم الهاتف وطفقت تحدث نفسها:
ــــ ما الذي
فاجأها فجمد الأحرف على شفتيها!!... اللهم أحفظ ابنتي من كل سوء يا أرحم الراحمين
آمين
لاحظت عائشة أنه ما زال يرقبها باسماً إلى جوار سيارته.
فهمست لنفسها وقلبه يتقد غليلاً تجاهه:
ـــــ والله إن اقترب لأصفعنه صفعة أخرى هذا الأحمق. أوف!.
الحمد لله ركب سيارته وسيقودها ويختفي. ليته يختفي للأبد ... أصبحت لا أحب أن أرى
وجهه ... ولكن !!.. ما الذي أتى به إلى هنا!! أليس اليوم هو يوم زواجه ! من
المفترض أن يكون في الكنيسة وليس هنا .... لا أفهم هذا
الرجل. حقا إنه لغز كبير.
انتبهت فإذ بها تقف أمام باب المستشفى تحادث نفسها، فهزت
رأسها وقالت:
ــــ ما هذا!!. ما الذي أوقفني كالبلهاء أتحدث إلى نفسي
عند باب المستشفى دون أن أدخل ! سأدخل وكفاني تفكيراً في أمور لا تستحق. بسم الله
*******************************
ما أن رأت الممرضة كلوديا، الدكتورة عائشة مقبلة بعد
غياب، حتى بش وجهها وهرعت إليها:
ــــ دكتورة عائشة! كم اشتقت إليكِ
ردت الدكتورة عائشة ببسمة امتنان:
ــــ مرحبا كلوديا. وأنا أيضا اشتقت إليكِ. كيف حالك؟
ــــ بخير. كيف حالك أنتِ دكتورة عائشة ؟ آآآ...
لحظت دكتورة عائشة أن هناك ما تريد كلوديا البوح به،
فمازحتها لتيسر الأمر عليها:
ــــ أرى كلمات تريد أن تخرج من فمك ولكنك تمنعينها
بجبروتك ههه
ـــــ ههه مممم حدث شي غريب حقاً... أتتذكرين عندما كنا
نتناول الغداء سوياً بالمطعم المجاور للمستشفى ورأينا السيد كيفن ؟
تأففت الدكتورة عائشة من مجرد ذكر كيفن:
ــــ أوه!! كيفن، كيفن، كيفن..أوف! ما الأمر يا كلوديا ؟
ــــ أشار إليّ من بعيد دون أن تلحظي. فعندما انصرفتِ
وذهبت أنا إليه قال لي إذا حدث أي شيء ملفت للنظر يمكنه أن يؤذي الدكتورة عائشة فأبلغيني على الفور. وترك لي رقم
هاتفه وبعض المال لأهتم بالأمر، وعندما سألته عن السبب، قال أريد حمايتها لأن
المسلمين مضطهدون. لذا عندما جاء رجل غريب سأل عنكِ، اتصلت به وأخبرته ولكنه لم
يلق اهتماما فتعجبت.
أسدلت الدكتورة عائشة حاجبيها دهشة وقالت:
ـــــ رجل غريب سأل عني أنا !!.... ولِم لَم تخبريني ؟
نظرت كلوديا إلى الأرض خزياً. ثم اعتذرت:
ــــ ممم فعلاً أنا مخطئة. وكان من المفروض أن أخبرك. ..ربما
ظننت أن الأمر عادي . فهو سأل عنك وعندما رأكِ من بعيد انصرف مسرعاً
سألتها الدكتورة عائشة باهتمام بالغ:
ـــ ما هي أوصافه ؟
كان ضخم البنيان، وملامحه ليست مريحة على الإطلاق.
أدركت الدكتورة عائشة أنه هو. فهزت رأسها وقالت:
ــــ ممممم أعتقد انه هو الذي اختطفني هو والأوغاد الذين
كانوا معه .
ردت كلوديا فزعة:
ــــ اختطفوكِ!!
ــــ الحمد لله أرسل الله من أنقذني
ـــ ومن هو؟
تبسمت الدكتورة عائشة وقالت:
ــــ كيفن
انفجرت كلوديا بالضحك وقالت:
ــــ عجيب أمر هذا الرجل. تظاهر أن الأمر لا يعنيه ثم أسرع
لإنقاذك ههه لا أفهم هذا الرجل دكتورة عائشة
تنهدت الدكتورة عائشة بعمق وقالت وهي تهز رأسها حيرى:
ــــ والله ولا أنا افهمه يا كلوديا .
ــــ ممممم ولكن ......... لا أعرف . أشعر أنه يحبك
دكتورة عائشة. يحبك بشدة
تربد وجه الدكتورة عائشة وقالت باحتداد:
ــــ كلوديا من فضلك، لا أحب الكلام عن الحب أو العواطف.
هذا الكلام لا يستهويني.
نظرت كلوديا في عينيها بمكر وقالت ضاحكة:
ــــــ ألا تملكين قلباً ينبض!
ــــ أجل.... أملك قلباً.... ولكن لن ينبض لرجل غير زوجي
إن رزقني الله زوجا
غضنت كلوديا حاجبيها وسألت:
ـــــ الحب حرام عند المسلمين ؟
ــــ كلوديا. الحب حرام إذا أدى إلى معصية الله. والحب
بين رجل وامرأة لا يجمعهما الزواج حتماً سيؤدي إلى فساد كبير . عافانا الله من ذلك
أطرقت كلوديا تفكر..ثم سألت عما جال بخاطرها:
ـــــ ممممم ولكن إن أحبت امرأة رجلاً، أو أحب رجل امرأة
دون أن يتبادلا الكلام عن المشاعر والعواطف... أو أقصد كان حباً صامتاً دون
الإفصاح عن المشاعر للطرف الآخر. فهل يجوز ؟
ابتسمت الدكتورة عائشة وقالت بنبرة هادئة:
ــــ كلوديا!. والله إن شغلنا أنفسنا بحب الله ما تعلق القلب بغير الله. ولكن أنا أرى
إن حدث ذلك للرجل فعليه أن يتقدم لخطبة المرأة، وان رفضت أو رفض أهلها فعليه البحث
عن غيرها، وربما يجد مع الأخرى ضالته المنشودة ... فكثيراً ما تضلل المشاعر
أصحابها، فيعتقدون أن فراق الحبيب هلاك ولكن ربما كان القرب منه هو الهلاك بعينه.
ـــــ مممممم ولكن إن أحبت المرأة رجلاً.. فهل يمكن أن تصارحه بحبها ؟ أو هل يمكن أن تطلب
منه الزواج؟
ضحكت الدكتورة عائشة وقالت:
ـــــ صعب جداً... أجمل ما في المرأة حياؤها يا كلوديا.
فكيف تقول لرجل غريب عنها أنها تحبه أو أنها ترغب في الزواج منه! مممممم أعتقد أن
تشغل نفسها بطاعة الله والتقرب إليه وأن تسأله أن يصرف عنها هذه المشاعر وأن يكتب
لها الخير مع الأصلح لدينها ودنياها والله على كل شيء قدير.
تبسمت كلوديا وقالت:
ـــــ ألا ترين أنكِ متشددة بعض الشيء؟
ــــ أنا!!.....على العكس تماماً. أنا فقط أحاول تطبيق
أوامر ربي في كل جانب من جوانب حياتي. فإذا قبضت روحي في أي وقت لا أقبض على معصية.
نسأل الله حسن الخواتيم اللهم آمين
قالت كلوديا بمكر مرح:
ـــــ ولكن عندما ستتزوجين يا دكتورة عائشة هل ستكونين
متحفظة هكذا ولا تظهري مشاعرك لزوجك ؟ههه
أطرقت الدكتورة عائشة رأسها ببسمة خجل، ثم قالت بحياء:
ــــــ أحرجتني بسؤالك كلوديا ممممم هه لا أعلم..أخجل من
هذه الأحاديث.
أوصدت الدكتورة عائشة باب أحاديث المشاعر الذي فتحته
كلوديا على مصراعيه، وقالت بحسم:
ـــــ كفي عن
الحديث كلوديا، فقد قتلنا الوقت بالأحاديث. سأذهب لأتفقد المرضى
ما أن همت بالذهاب، حتى قفزت أمامها كلوديا بأمر قد نست
ذكره عن الطبيب الذي كان يجشمها العذاب:
ــــ أوه!! نسيت أن أخبرك بأمر ستفرحين جداً عند سماعه
ــــ خيراً إن شاء الله؟
ضحكت كلوديا وقالت:
ـــــ الدكتور لوكاس
ــــ مابه ؟
ــــ وقع له حادث أصابه بشللٍ تام، وتركته زوجته وسافرت
إلى ولدها في كندا، وهو الآن يحيا بمفرده مع
الخادمة
بدا الابتئاس على وجه الدكتورة عائشة وتفوهت حزناً:
ـــــ يا الله !!.. لا حول ولا قوة إلا بالله. متى حدث
ذلك؟
ــــ منذ أسبوعين. تقريبا في اليوم التالي لأجازتك
ــــ لا حول ولا قوة إلا بالله ..... أتظنين أن هذا
يفرحني يا كلوديا!
ــــ كنت أظنك ستفرحين لأنه طالما أساء معاملتك وأهانك
أمام الجميع
ــــ لا يا كلوديا. نحن لا نشمت في مصائب الناس... عن
نفسي لا اكره الأشخاص، ولكن أكره الأفعال الصادرة عن الأشخاص. لذا فمصاب دكتور
لوكاس ألمني كثيراً. حقا حزينة لسماع هذا الخبر. أذهبتِ لزيارته كلوديا ؟
ضحكت كلوديا وأشارت إلى نفسها باستنكار وقالت:
ــــ أنا! ههه لا بالطبع. ولِم أزره !!! لم يعد رئيساً لي ولا حاجة لي بزيارته
عاتبتها الدكتورة عائشة:
ــــ أهكذا يا كلوديا ! كان من المفروض أن تذهبي وزوجك
لزيارته. ممممم انصرفي أنتِ الآن كلوديا
ــــ أمرك دكتورة عائشة
******************************
إلى باحة الكنيسة وصلت العروس في سيارة والدها، رفقة
والدتها وأمها..نزلت عن السيارة تحمل باقة زهر.تبعتها أختها تحمل علبة بها أوراق
الزهر لتنثره عليها وعلى عريسها الجميل....ولكن أين هو...هكذا تساءل
المدعوون....جرت الفتيات إلى العروس وأحطن بها يهنئنها ويتساءلن ذات السؤال الذي
ألح على الجميع...أين العريس..أين كيفن!!
وصلت سيارة السيد ماكس والد كيفن، رفقة زوجته السيدة
نيكولا، التي دارت عينها في جموع المدعوين الكبيرة باحثة عن كيفن من نافذة
السيارة..لم تجده..ليس بين الوجوه وجه كيفن..أبصرت العروس الجميلة بين صديقاتها،
فتبسمت وقالت لزوجها: العروس جميلة جداً...ولكن أين كيفن يا ماكس؟
قهقه وقال:
ـــــ سيأتي. أين سيذهب من أنجيليكا يا نيكولا ههه
ـــــ انزل يا ماكس حتى نحيي العروس وعائلتها ولكي نستقبل تهاني الجميع بزواج ولدنا ههه
نزلا فالتف حولهما المهنئون وتلقا التهاني
والتبريكات..ثم اتجهت السيدة نيكولا إلى العروس التي بدا عليها الابتئاس:
ـــــ انجيليكا! هه زوجة ولدي الحبيب تعالي كي أقبلك
ردت العروس بفتور بعد أن تلقت قبلة على وجنتها من السيدة
نيكولا:
ــــ أشكرك جداً
ــــ ها!!.... ما بكِ ؟
ردت العروس بضجر:
ــــ تأخر كيفن. تاخر جداً. أشعر بالحرج وسط أهلي وأصدقائي
ربتت على كتفها وقالت باسمة:
ــــ لا عليكِ. سأهاتفه فوراً لأعلم أين هو
ــــ لا تفعلي. هاتفته من قبل وهاتفه مغلق أوف
نظرت السيدة نيكولا حولها، فإذ بالجميع ينظرون إلى
العروس المتجهمة، فهمست للعروس:
ـــــ أنجيليكا ابتسمي. سيأتي حالاً
ـــــ كيف أبتسم وأنا في هذا الموقف!. كنت أعتقد أنني
عندما أنزل من سيارتي سأجد كيفن بانتظاري حاملاً زهرا ,كيف أصل ولا أجده ؟؟
ــــ هدئي من روعك فقد بدا الغضب على ملامحك وبدأ المدعون
يلحظون... ابتسمي وستجديه أمام عينيكِ...،دعيني احيي والديكِ
اقترب السيد ماكس من العروس وقال لزوجته:
ــــ دعيني أنا أيضاً أحيي زوجة ولدي يا نيكولا
ردت العروس بحنق شديد:
زوجة ولدك! لم يأت ولدك يا السيد ماكس كي يتزوجني أمام
الجميع كي تلقبني بزوجة ولدك
ابتسم وقال بثقة:
سيأتي، لا تخشي شيئاً.
اتجهت السيدة نيكولا لتهنئ والد العروس الذي عصف الضيق
بملامحه:
ــــ السيد ديفيد! أهنئك بزواج ولدي كيفن من ابنتك
انجيليكا
رد تأدباً كونه يحدث امرأة:
ــــ أشكرك سيدتي نيكولا
تقدم السيد ماكس لتهنئته:
ــــ أهنئك ديفيد على زواج كيفن ولدي من ابنتك الجميلة
رد بحنق:
ــــ أشكرك سيد ماكس. أين كيفن ؟
ــــ كيفن سيأتي
أطلق زفرة وسأل بامتعاض:
ــــ متى ؟ أعتقد أنه تأخر كثيراً وبدأت والدة العروس
تتضجر. أليس كذلك يا إيفيلين ؟
انفجرت والدة العروس كالبركان السائر:
ــــ أوف! دعني الآن فلا رغبة لي في الحديث
تبسم السيد ماكس والد كيفن إلى والدة العروس التي ترقب
المداخل وتفرك يديها بتوتر..قال بنبرة هادئة:
ــــ اهدئي سيدتي ايفيلين.... إجعليها تهدأ يا نيكولا ....
سيد ديفيد! من فضلك اصطحب العروس إلى داخل القاعة حتى يدخل الجميع
لوى والد العروس شفته وقال متضجراً:
ــــ أندخل إلى القاعة قبل أن يأتي العريس! لِمَ سندخل إذن ؟
رد السيد ماكس بذات البسمة الهادئة:
ــــ ندخل نستعد لمراسم الزواج.
ثم أشار إلى جموع المدعوين ونادى بصوت جهور:
ـــــ هيا، هيا..
فليدخل الجميع إلى القاعة وننتظر العريس بالداخل
*******************************
في داخل القاعة..جلس القس دانيال بابتسامته الماكرة
والتي تنبئ عما تيقنت منه دواخله ولم يفصح عنه..واستعدت الفرقة الموسيقية التي
ستعزف الترانيم إلى جانبهم الزهور والشموع...وقع نظر السيدة نيكولا على العروس
وعائلتها ووجوههم المتجهمة، فلوت شفتها وأشاحت بوجهها عنهم، وقالت لزوجها:
ـــــ تعال يا ماكس لنأخذ البركات من آبانا دانيال، ونبتعد عن العروس وأهلها المتضجرين
ـــــ تعالي يا نيكولا
سبقت السيدة نيكولا زوجها إلى الآب دانيال، حيته وانحنت
تقبل يده:
ــــ طاب مساؤك آبانا دانيال
ـــــ طاب مساؤك السيدة نيكولا هاها أهنئك بزواج كيفن
الذي سيباركه الرب
ــــ اشكرك آبانا .. تقدم يا ماكس لنيل البركة من آبانا
قبل والد كيفن يد القس وحياه:
ــــــ طاب مساؤك آبانا دانيال
ضحك وعيناه تلمعان بالخبث:
ـــــ مرحبا والد العريس ههه تأخر العريس كثيراً. أليس
كذلك ؟
هز الأب رأسه بأسى وقال:
ـــــ ممممم تأخر يا آبانا. رغم أنه نزل قبلنا من المنزل.
ولكنه قال لديه أمراً سينجزه ويأتي لإتمام إجراءات الزواج في الكنيسة
هز القس رأسه وقال بمكر:
ـــــ ننتظر
كاتم القس نفسه حديثاً وعلى وجهه ذات البسمة الماكرة:
( ممممم يعتقدون أن الزواج سيتم ههههه أعلم أن عبد الله
لن يتزوج من أنجيليكا ...ولكن كيف؟ لا أعلم. هاها... ننتظر ما في جعبة هذا الكافر
من حيل ليخدعنا بها )
بدأت صديقات العروس ينسجن أحاديثهن وهن يرمقنها
عن بعد بشفقة..فدار بين اثنين منهن هذا الحوار الغث:
ــــ عريس أنجيليكا تأخر كثيراً والضيق بدا على وجهها
المسكينة. مممم لا أتصور أن أوضع في مثل وضعها يوم زواجي لالالالالا الموت أهون
عندي من فرار العريس ههه
ـــــ ديانا!. أتعتقدين أنه لن يأتي حقا ؟؟
ـــ لا أعرف يا مارثا. موقف محرج جداً لأنجيليكا . هيا
نذهب إليها لنهدئها بعض الشيء
أسرعت إليها الصديقتان لإثارة استفزازها:
ــــ أنجيليكا. جئت أنا وديانا لنجلس إلى جانبك بدلاً عن
العريس ههه
ــــ ها !!
ــــ ما الذي تقولين يا مارثا! أتريدين أن تثيري غضبها
أكثر! . ممممم مارثا لا تقصد يا أنجيليكا . هي فقط تقصد أن فرار العريس ليس بيديكِ
ههه
انفجرت فيهما أنجيليكا:
ــــ حقاً أنتما الاثنين أسوأ صديقتين عرفتهما بحياتي. من فضلكما ابتعدا
عني الآن
ـــــ ههه نمازحك انجيليكا . لماذا لا تقبلين المزاح !!!
تدخلت فرانزيسكا، فدفعتهما بعنف:
ــــ أوف! ابتعدا عن أختي من فضلكما. فكفانا ما نحن فيه
أستدارت إلى أنجيليكا وقالت بلطف:
ــــــ هيا يا أنجيليكا نذهب ونجلس إلى جوار الآب دانيال
حتى يأتي كيفن
قالت العروس بنبرة كسيرة وهي تغالب البكاء:
كيفن ! وأين هو كيفن!!!
جاء صوت كيفن من بعيد مزلزلاً
ــــ هأنذا جئت إليكِ عروسي الجميلة هههه
صرخت أنجيليكا فرحاً وقفزت في الهواء:
ــــ كيفن هههه
اتجهت الأعين صوب الصوت، فرمقوا كيفن يدخل من الباب
مسرعاً تفيض ملامحه سعادة...قطع الرواق متجهاً إلى عروسه وسط همس الحضور، واستبشار
والدته التي رمقته على مسافة:
ـــــ ولدي كيفن! كيفن جاء يا ماكس ههه. الشكر للرب.
وصل إلى عروسه التي لامته برفق المحب:
ـــــ أهكذا يا كيفن!! ما الذي أخرك عني كل هذا الوقت؟
شعرت بالحرج أمام الجميع.
أجابها بابتسامة هادئة:
ــــــ عذراً أنجيليكا. ذهبت لأحضر لكِ خاتماً محفور
عليه اسمك. هذا كل ما أخرني.
ـــــ كنت أشعر بالغيظ الشديد. فعندما رأيتك كأن ثلجاً
وضع على ناري المتقدة بقلبي من جراء فعلتك وتأخيرك هه
اتسعت ابتسامته وقال وهو يتنحى عنها:
ـــــ تفضلي أمامي لنتمم إجراءات الزواج عند الآب دانيال
بدت الدهشة على وجهها وقالت:
ــــ ما هذا! ألن تمسك يدي يا كيفن ؟
ـــــ قلت لكِ أنجيليكا أريد أن أشتاق. لن ألمسك إلا بعد
إتمام إجراءات الزواج حتى يزيد شوقي هه
ابتسمت وأومأت برأسها، وتقدمت أمامه إلى القس دانيال:
وقف القس لاستقبال العروسين. ولكن عيناه ذواتا الدهاء
تلتصقان بكيفن. ألقى كيفن التحية على القس ببسمة توارى خلفها البغض:
ـــــ مرحبا الآب دانيال
بادله القس بسمة تحوي حقد دفين على ذاك الصابئ المخادع:
ـــــ مرحبا يا ....... كيفن هه لِمَ تأخرت ؟؟؟
أخرج كيفن من جيب سترته علبة مخملية صغيرة. فتحها وقال:
ـــــ لأحضر لأنجيليكا هذا الخاتم.... ما رأيك في تقليدٍ
جديد سيتبعه الأزواج من بعدنا يا آبانا ؟
كان القس يتأهب للحيلة التي يحيكها كيفن في الخفاء..
سأله والدهاء يلمع في عينيه:
ـــــ ما هو أيها المخترع ؟
ـــــ بدلاً من أن اُلبس أنا الخاتم لأنجيليكا، تمسكه أنت
بيدك المباركة وتلبسها إياه هه
قهقه القس وقال وهو يفرك ذقنه:
ـــــ ولِمَ لا تلبسها أنت إياه يا ...... كيفن ؟ههه
ـــــ أريد أن تحل بركات يديك على الخاتم ههه
ـــــ ههه حسناً .... هاتي أصبعك يا أنجيليكا كي تحل
البركة
ـــــ ها هو يا آبانا ههه
ألبسها القس الخاتم، ثم استدار لكيفن وقال ببسمة العداء:
ــــــ كيفن. طأطأ رأسك قليلاً لأمسح عليها بيدي أنت
وعروسك لأبارككما
ـــــ هههه لا بأس . هأنذا أخفضت رأسي قليلا
أمسك برقبة كيفن التي تدلت له، وقال ساخراً وهو ينظر في
عينيه بعمق:
ــــــ ماذا أفعل إذا كنت طويل القامة جداً يا كيفن !!!
ابتسم كيفن وقال وهو يحرك رقبته:
ـــــ أعطني البركات كي ارفع رأسي. فقد بدأت رقبتي
تؤلمني
ضغط القس بقبضته على جانب رقبته وقال وهو ما زال ينظر في
عينيه ببسمة العداء:
ـــــ هه رقبتك هذه تستحق ........
اتسعت ابتسامة كيفن وقال:
ــــ تستحق ماذا
يا آبانا ؟
ـــــ تستحق نيل البركات يا ...... كيفن هاها
ظلا يتبادلان نظرات كراهية صامتة وعلى وجههما سلام
الابتسام...استدار القس إلى أنجيليكا وقال مشيراً بعصا الصليب في يده:
ـــــ اقتربي أنجيليكا كي أمسح على رأسك وأباركك أنتِ
أيضاً
اقتربت العروس وطأطأت رأسها وطفق القس يباركها...ثم
استدار لكيفن وقال:
ـــــ هيا يا كيفن، أعطني بطاقتك الشخصية ..وأنتِ يا أنجيلكا
أعطني بطاقتك
وضعت شقيقتها البطاقة في يدها باسمة، فأعطتها أنجيليكا
للقس وعيناها تشع سعادة:
ـــــ هاهي بطاقتي يا آبانا..... أين بطاقتك يا كيفن ؟؟.....
ما هذا! لِمَ تبحث في جيوبك هكذا ؟؟؟
كان كيفن يفتش جيوب سترته باضطراب لحظه الجميع. أجابها
متأففاً:
ـــــ انتظري يا أنجيلكا.. أوه! أوف! أين ذهبت البطاقة!
طفرت دمعة من عيني أنجيليكا، وضربت الأرض بقدمها متحسرة:
ــــ يا للحظ السيئ! أين ذهبت بطاقتك يا كيفن!
أجابها كيفن بتوتر:
ــــ اهدئي أنجيليكا، اهدئي
هنا قهقه القس.. وكأن خيوط الحيلة الخفية بدأت تلوح أمام
عينيه...سأل بمكر وهو يتفرس في ملامح كيفن التي أجادت الخداع:
ـــــ أنسيت البطاقة يا ....... كيفن؟ ههه
ـــــ يبدو الأمر كذلك يا آبانا ، من شدة فرحتي نسيت
بطاقتي هه
ـــــ ههه إذن فأسرع إلى بيتك واحضرها يا ....... يا
شديد الفرحة
وقف كيفن في وسط القاعة وقدم اعتذار للجميع:
ـــــ عذراً للجميع. سأذهب مسرعاً لأحضر بطاقتي التي نسيتها
وآتي بقمة السرعة
انطلق كيفن من القاعة كالإعصار، فتربد وجه القس واستدار
إلى أحد أتباعه يسر له حديثاً:
جوزيف! اذهب وراء كيفن واتبعه أينما ذهب دون أن يشعر وتعال
بلغني بما حدث
ـــــ سمعا وطاعة يا آبانا
انطلق تابع القس خلف كيفن ليقتفي أثره..فكاتم القس نفسه
حديثاً وعيناه تضيق وتتسع مع أفكاره:
ـــــ يبدو أن هذا الماكر ينوي أمراً لا أعلمه... ولكن أين سيفر مني هاها...
الأمر الأكيد أنه لن يعود...ولكن أين سيذهب وماذا ينوي.... لا أعلم حتى الآن. ولكن وحق الرب لألقننه درسا
لن ينساه....هو الذي سيتسبب في قتل من هرب من أجلها...... يوما ما سأبكيك دماً يا
عبد الله
*******************************
توقف ليون صديق كيفن بسيارته أمام الكنيسة، فلمح كيفن
يغادرها مسرعاً، فاندهش وناداه بأعلى صوته:
ــــ ماهذا! ما هذا!!.. كيفن
تأفف كيفن وعاد لأجل ليون وهو يرسم ابتسامة:
ــــ ليون! كيف
حالك؟
ـــ ههه بخير. أأنهيت مراسم زواجك ؟
ـــــ لا، لا . نسيت البطاقة يا ليون. أدخل إلى قاعة
الكنيسة وانتظرني
أنطلق كيفن، بينما قال ليون وهو يتجه إلى باب الكنيسة:
ــــ حسناً ههه عريس ينسى بطاقته يوم عرسه!! يبدو أنه لا
يشتاق إلى عروسه. لا يعنيني الأمر. سأدخل وأنتظره
دخل السيد ليون فوقعت عيناه على العروس. فتبسم
اعجاباً وغمغم:
ـــــ العروس جميلة جداً. ذوقه راق السيد كيفن هاها
سأذهب لأحيها
اتجه إلى العروس. انحنى وأمسك بيدها وطبع عليها قبلة
وقال باسماً:
ـــــ طاب مساؤك أيتها العروس الجميلة
ـــــ من أنت ؟
نظر إليها والإعجاب يفيض من عينها ..عرفها بنفسه وأمطرها
غزلاً:
ــــ انا ليون صديق العريس. أهنئك بالحفل السعيد... وأهنئ
كيفن على ذوقه الراق واختياره لأجمل فتاة في ميونخ.. بل في ألمانيا بأسرها
انفرجت أسارير العروس وقالت:
ــــ اشكرك هه أنت لطيف جداً
ــــ وأنتِ جميلة جداً
ـــــ هه أشكرك مرة أخرى
مضى وقت طويل ولم يعد كيفن..بدأ المدعوون في التأفف
والانصراف تباعاً، وخلت القاعة إلا من القليل ومن بينهم والدة كيفن ووالده اللذان
أسندا رأسيهما إلى يديهما من فرط ملل الانتظار. فانخرطت العروس في بكاء مرير، وبثت
أحزانها إلى والدها:
ـــــ تأخر كيفن مرة أخرى يا أبي. وبدأ الناس في الانصراف
أجابها الأب وهو يتأجج غليلاً:
ــــ الأمر مهين جداً.. هيا يا ابنتي لن ننتظر أكثر من ذلك
استدار إلى زوجته وأمرها:
ـــــ هاتي أنجيليكا يا ايفيلين. سنغادر القاعة
حاولت الأم أن تتمهله بلوعة الرجاء:
ـــ انتظر يا ديفيد. ربما حدث شيء أخره. ننتظر
صاح مغاضباً:
ــــ لن ننتظر.
استدار لابنته وسألها وكأنه يستحضر جوابها:
ــــ أترغبين في
الانتظار أنجيليكا كي تهان كرامتك أكثر من ذلك!
ردت انجيليكا بنشيج ودموعها تنهمر:
ـــــ لا. لا يا أبي. قد ضقت بكيفن ذرعاً، هيا، هيا
اعترضها السيد ليون صديق كيفن، وسألها باهتمام:
ــــ إلى أين أيتها العروس الجميلة ؟؟؟
أجابت بنشيج:
ـــــ سأنصرف يا سيد ليون. صديقك هذا لا يصلح أن يكون
زوجاً أبداً
تبسم وقال:
ــــ هذا من حسن حظي
ــــ ماذا! أسعيد أنت بأن كيفن لم يحضر!
اتسعت ابتسامته وقال بعذوبة:
ــــ بالطبع ..لأنه لا يستحق هذا الجمال الفتان ...
الجمال لا يقدره غير رقيق المشاعر
ــــ لا افهم
ــــ ما رأيك تتزوجيني بدلاً عن كيفن ؟
اتسعت حدقتاها من فرط السعادة، ثم ضحكت وأعلنت عن قبول
العرض المدهش في وقتها الحالك.
ــــ موافقة.
نادت أباها الذي شارف على الخروج من الباب:
ـــــ أبي!
سأتزوج السيد ليون
عاد الأب يركض وهو يتساءل والسعادة تغمره:
ــــ حقا ؟ معك بطاقتك يا ولدي ؟
ــــ بالطبع ها هي.
قهقه الأب ونادى في الحضور:
ــــ إذن أيها الجمع! ستتزوج ابنتي انجيليكا من السيد
ليون بدلا عن المدعو كيفن. تصفيق
هاج هائج السيدة نيكولا:
ــــ ماهذا العبث! . ولدي كيفن قادم. اخبرهم يا ماكس.
أشاح والد أنجيليكا بيده قائلاً:
ــــ لا يخبرنا ولا نخبره. لا نريد زواج ابنتنا من ابنكم
المدلل الذي لا يقدر مسؤولية الزواج. وجدنا العريس المناسب
حدجته السيدة نيكولا بنظرة مشتعلة، ثم استدرت لزوجها
وصاحت:
ــــ هيا يا ماكس نترك لهم القاعة. تبا لكم جميعاً. وتبا
لكيفن هذا. وحق الرب لأعاقبه عقابا لا يتخيله. هيا يا ماكس
تبعها السيد ماكس وهو يدمدم سباباً لكيفن:
ــــ لا أعلم ما هذه التصرفات الغريبة لولدك! أسقط هيبتنا
أمام الجميع بفعلته
*******************************
من فوق تلك الرابية التي يتدفق أسفلها النهر، وقف كيفن
إلى جوار سيارته برفقة صديقه محمد..بدأ يتأهب للأمر الذي اتفقا على إتمامه.. قال
لصديقه وهو يشمر عن ساعديه:
ــــ هيا يا محمد لندفع سيارتي إلى النهر.
ــــ .....ألا يوجد حل آخر يا عبد الله ؟؟؟
ــــ لا يوجد أي حل آخر غير أنهم يتأكدون من موتي. وأتزوج
من عائشة ونحيا في أي مكان آخر في مأمن من الأخطار.... والله لا يهمني حياتي أنا.....
أنا أخشى عليها هي
أشفق محمد عليه من مغبة الأماني قائلاً:
ـــــ .... ولكن ربما رفضت الزواج منك يا عبد الله
هز كيفن رأسه وقال بيقين قد وقر في قلبه:
ـــــ لا أتوقع ذلك. أنا في شدة الحاجة إليها كزوجة
صالحة. وأنا حديث عهد بإسلام، ويجب أن تكون بجانبي.
تبسم كيفن ونظر إلى الأفق البعيد وهو يخال صورته أمامه،
وترجم أحاسيس قلبه:
ـــــ قلبي يحدثني أنها لن ترفض....
أخفق ناظريه وقد تسلل هاجس إلى نفسه، أطفأ وهج بسمته،
وقال:
ـــــ ولكن الذي يشغلني هو أنني لا أملك المال الكافي
لأوفر لها مسكناً مناسبا يليق بها، وليس عندي المال الكافي لأنفق عليها
دب الحماس في نفسه وأعلن:
ـــــ ولكن سأعمل ليلاً ونهاراً كي أجعلها تحيا معي حياة
كريمة، ولكن بعيداً عن ميونخ.
سأله محمد وقد أغضن حاجبيه:
ــــ وأين ستذهب إذن ؟
زفر كيفن أنفاسه ورفع ناظريه إلى السماء وقال بنبرة
حائرة:
ــــ لا أدري.
تبسم محمد ووضع يده على كتف عبد الله وقال:
ـــــ عبد الله.. أنا أحتاجك معي في مدينتي دوسلدورف.
سأفتح مكتباً للعقارات وستعمل معي إن شاء الله.
أشرق وجه عبد الله بابتسامة وقال ببعض التعال:
ـــــ موافق بالطبع.... رغم أني لم أعتد على العمل تحت
إمرة أحد.
قهقه محمد وقال:
ـــــ يا أخي اقول لك ستعمل معي وليس عندي ههه.... أقدر
الكبر الذي مازلت لم تتخلص منه.
ـــــ والله لا اقصد يا أخي... أنا مستعد أن أعمل أي عمل
حلال لأجمع المال الذي يمكنني من السفر خارج ألمانيا...
ولكن فقط أردت أن أوضح أنها المرة الأولى التي أعمل فيها
لدى أحد.
قال محمد ببسمة هادئة:
ــــ وأنا قلت لك ستشاركني. أنا بمالي وأنت بمجهودك في
الإدارة. لأنني لن أكون متواجد بالمكتب كثيراً، فلي أعمال أخرى أديرها. وستكون أنت
السيد المطاع في العمل.
اجتاحت السعادة روح كيفن لأنه سيظل سيداً كما اعتاد في
سابق حياته... وقال:
ــــ ستترك لي الإدارة بالكامل؟ ...حقا هذا كرم أخلاق
منك يا محمد.
أومأ محمد برأسه وقال ولا تزال بسمة الود على محياه:
ــــ تعلمت من قصص الرسول عليه الصلاة والسلام الإيثار،
وكيف أفضل أخي في الله على نفسي... . وعندما استشعرت أن في داخلك شيئاً ما يرفض
العمل تحت إمرة أحد، ولكنك مضطر للقبول، فرأيت أن الحل أن أترك لك الإدارة بالكامل...
واعتبرني ضيف ثقيل يحل بالمكتب في الأسبوع ولو مرة
ـــــ هههه يا أخي والله لا أعلم كيف أشكرك على كرم أخلاقك
ـــــ بل صلِ على من علمنا حسن الخلق وأعظم الفضائل .
عليه أفضل الصلاة والسلام
رد كيفن ونبضات قلبه تلهج مع لسانه:
ـــــ عليه أفضل الصلاة والسلام... ذ. مشتاق جدا لزيارته
يا محمد . آآآه! أمامي الكثير من المعوقات الآن تمنعني عن الزيارة. أريد أن أرتب
حياتي أولاً وبعدها إن شاء الله أتوجه لزيارة النبي الحبيب عليه الصلاة والسلام...
وأرجو من الله أن تكون معي زوجتي عائشة
ـــــ ههه سأدعو الله لكما أن تجتمعا كزوجين قريباً إن
شاء الله
رفع كيفن يديه إلى السماء وقال بقلب يتوسل إلى مولاه:
ـــــ يااااارب.
استدار إلى محمد وقال يتعجله:
ــــــ والآن ادفع معي السيارة إلى النهر
استجمعا قواهما ودفعا السيارة من أعلى الرابية، فسقطت في
النهر
أطلق عبد الله ضحكة ارتياح وقال لمحمد:
ــــ غرقت السيارة..... سأختفي أنا الآن وأبلغ أنت
الشرطة عن سقوط السيارة.
ربت محمد على كتفه وقال يطمئنه:
ــــ حسنا سأفعل.... لا تغلق هاتفك يا عبد الله حتى أستطيع
الاطمئنان عليك.
ــــ ههه تذكر أن تمحو الرقم القديم
ــــ ههه قد فعلت. سأهاتفك على الرقم الجديد إن شاء الله
يا عبد الله
*******************************
أسرع جوزيف الذي ترصد كيفن، إلى القس دانيال ليخبره بما
رمقته عيناه:
ــــ آبانا دانيال
قام إليه القس يسأله وعيناه تتقد:
ــــ ما الأمر يا جوزيف؟. أين ذهب هذا الأحمق؟
ــــ حدث شيء غريب جداً يا آبانا
زفر القس حانقاً ولكمه في صدره وصاح به يتعجله:
ــــ انطق
ــــ كان معه شاب آخر، وقاما بدفع سيارته إلى النهر وأغرقاها
انفجر القس بضحك اهتزت له أرجاء الرواق..ثم قال وهو يمشي
بخطوات رصينة متفكراً في الأمر:
ـــــ هكذا؟ ههه حسناً.... فإنه بهذا يريد أن يغرق كيفن
في أعماق النهر لكي يُولد عبد الله ويحيا في مأمن هههه كم يعجبني ذكائه. إيهٍ يا
عبد الله ههه أيها المغامر.
توقف القس ثم استدار لجوزيف يسأله وقد أسدل حاجبيه:
ـــــ وأين ذهب بعد ذلك يا جوزيف؟
أزدرد جوزيف ريقه وقال برهبة خوفاً من بطشه:
ــــ ...لا أعرف.
هز القس رأسه باسماً وقال بيقين:
ــــ ممم أنا أعرف.... لن يبعد عن محبوبته وسيعود حتما ليأخذها
ههه سأبعث من يراقبون المكان ليلاً و نهاراً
اكفهر وجه القس وأصر على أسنانه وأعلن عن وعيده:
ـــــ أصبح الانتقام منه شغلي الشاغل، ولابد أن يأتي
يوما لأشفي غليلي منه تبا له، تباً له
*******************************
كان والد عائشة ينتظرها بسيارته عند المشفى ليقلها إلى
المنزل بعد انتهاء عملها، وفي الطريق تجاذبا أطراف الحديث والذي بدأ بسؤال والدها
اللطيف:
ـــــ كيف كان يومك يا حبيبتي؟
ـــــ ممم الحمد لله. ولكن سمعت خبراً أحزنني جداً
ـــــ خيراً يا حبيبتي ؟
ـــــ الدكتور لوكاس مدير المستشفى، أصيب بالشلل إثر
حادث سيارة للأسف
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله
ــــ الأمر الذي يزيد الحزن أن زوجته تخلت عنه وسافرت إلى
كندا لتحيا مع ولدها، وتركته مع الخادمة
أشفق الدكتور سالم عليه:
ـــــ لا إله إلا الله. أمر محزن حقاً
قالت عائشة باستنكار:
ـــــ كيف يا أبي لهذه المرأة أن تترك زوجها المريض وتتخلى
عنه وهو في أمس الحاجة إليها!!!
ــــ الغرب أو كثير منهم لا تحكمهم العواطف كمجتمعاتنا
الشرقية يا بنيتي للأسف
أطرقت عائشة قليلاً ثم قالت:
ـــــ هل يمكننا زيارته يا أبي ؟
ـــــ لا مانع بالطبع يا بنيتي سأصطحبك غداً لنزوره سوياً إن شاء الله
استطرد الأب ناظراً إليها بفخار:
ـــــ كم أنتِ طيبة
القلب، ولا تحملين غلاً لأحد
تبسمت وقالت:
ــــ هكذا تعلمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ـــــ نعم المعلم عليه الصلاة والسلام
*******************************
نما خبر موت كيفن إلى عائلته، فشق الصراخ والنحيب قلب
والدته، إثر الفاجعة التي كادت تطيش عقلها، عضت شفتيها تحسراً وقالت ودموعها
تغرقها:
ـــ كيفن ولدي!!لا، لا، كيفن يا ماكس، مات ولدي يا ماكس،
مات ولدي آآآآه كيفن...كيف سقطت سيارته في النهر! كيف! كيف!! بسبب السرعة بالتأكيد بسبب السرعة آآآآه عندما ذهب لإحضار بطاقته
الشخصية أسرع بسيارته بدرجة جنونية وسقط في النهر. آآآه يا كيفن! كيف سأحيا من
بعده يا ماكس! ليتني أموت لأرتاح من عذابي.
كان والده منزوياً في مقعده ذاهلاً، ودموع قلبه الكليم
تنهمر
دق جرس الباب..فانتبه الوالد، وقام يتكئ على أحزانه
ويمشي بخطوات وئيدة صوب الباب وهو يقول لزوجته التي تتململ في مقعدها وتحدث نفسها
كالملتاثة:
ـــــ سأذهب لأرى من الطارق. ربما جاء أحدهم ليواسينا في
وفاة ولدنا الوحيد.
فتح الباب فألفى القس دانيال أمامه، فقال وعبراته تتدفق:
ـــــ آبانا دانيال!
دلف إلى المنزل وهو ينعي كيفن بصوت عال:
ـــــ جئت لمواساتكما في وفاة عريس السماء. مع يسوع و القديسين في الملكوت الأعلى يا كيفن. أين أمه المكلومة
ــــ تفضل يا آبانا. منهارة من البكاء
تأوه القس وبالغ في خداعهما:
ـــــ آآآآه مصاب أليم آلمنا جميعاً. السيدة نيكولا! كفِ عن البكاء، ففقيدك يسبح في الملكوت مع
القديسين
رجته السيدة نيكولا بنشيج:
ــــ صلِ لأجله، صلِ لأجل تقديس
روحه إلى الأبد في الأمجاد السماوية يا آبانا
ــــ سأفعل. وهل عندي أغلى من كيفن قدس الرب روحه حتى أصلِ
من اجله !!!. اهدئي، يكفيكِ فخراً أنه مات
على دين آبائه
عضت على شفتها لوعة وقالت تغرقها عبراتها:
ــــ وهذا هو عزائي الوحيد يا آبانا. قدس الرب روحك يا
ولدي... ننتظر ظهور جثته يا آبانا بفارغ الصبر حتى أقبله
وارى القس بسمة وقال بمكر:
ــــــ لن تظهر الجثة
ــــ ها! كيف يا آبانا ؟؟؟
قال وهو يتوعد وعيداً خفياً:
ــــ ربما جرفها النهر بعيداً، بعيداً.. حتى الآن لا
نعرف أين ستظهر جثته مممممم عيوني ترقب. لا تنتظري ظهور الجثة سيدة نيكولا . فربما
أيضاً أكله تمساح... ربما فتكت بلحمه سمكة قرش مفترسة. فلا تشغلي بالك بجثته
نشجت بالتياع وهي تعصر عينيها لتفرغ ما بها من دموع:
ـــــ آآآه ولدي..ولدي!!
دق جرس هاتف السيدة نيكولا، فحمله إليها زوجها الخائر
القوى:
ــــ أختك صوفيا على الهاتف.
ـــــ لابد أنها سمعت بالفاجعة واتصلت تواسيني.
ردت السيدة نيكولا بنشيج الثكلى:
ـــ ألو! صوفيا! كيفن مات يا صوفيا، ولدي الوحيد مات يا صوفيا
ردت خالته الراهبة صوفيا وبصوتها رعدة البكاء وقلبها
يقطر دماً:
ـــــ قرأت الخبر صباحاً في الجريدة، وليتني ما قرأت.. كيفن
ليس ولدك وحدك يا نيكولا. إنه ولدي الذي لم أنجبه ..كنت أعنفه حين أعنفه بقلب الأم
الذي تخاف على ولدها .. آآآآآه ذهب للأبد ..رحل عن خالته المحبة.... ولكن الأمر
الأهم عندي أنه مات مؤمناً ..مات محباً ليسوع والصليب آآآآآه يا كيفن...هذا عزائنا
في مصابنا. أشكر الرب أن مات ولد أختي مسيحيٌ صالح....... سآتيكِ غداً حبيبتي
لأواسيكِ وتواسيني في وفاة ولدنا كيفن.
انخرطت الخالة في بكاء مرير، وأجابت الأم بنشيج قد شق
صدرها:
سأنتظرك صوفيا...أودعك الآن
وضعت الأم الهاتف جانباً، فسألها القس مغضناً حاجبيه:
ــــ الراهبة الصالحة صوفيا هذه التي كانت تتحدث ؟
ـــــ أجل يا آبانا.. هي صوفيا
أطرق القس وأسر إلى نفسه حديثاً:
ـــــ (ممممم الوحيدة صوفيا من استطع أن أئتمنها على الخبر، كي استعين بدهائها في عقاب هذا الكافر...هي
متشددة ومتعصبة ليسوع جداً... ولو علمت بإسلامه لفتكت به ومزقته هو والطبيبة)
نهض القس عن مقعده وتأهب لمغادرة المنزل..قال قبل أن
يغادر:
ــــ استأذنكما بالإنصراف الآن. تجلدا.. . المصاب مصابنا
جميعاً . . عندما تأتي صوفيا أرسلاها إليّ لأواسيها بنفسي
*******************************
عاد الدكتور سالم بصحبة ابنته عائشة إلى المنزل.
استقبلتهما زوجته بترحاب كبير.
ـــــ ها هما حبيبيّ قد جاءا، سالم وعائشة. مرحباً ههه
ضحك زوجها وألقى السلام على زوجته ذات الوجه البشوش:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حبيبتي
ـــــ السلام عليكم يا أمي الحبيبة
ــــ وعليكما السلام يا قرتا العين ههه هل أحضرتما لي
شيئا طيبا؟
قهقه الدكتور سالم وأشار إلى عائشة قائلاً:
ــــ لم أجد أطيب من ابنتك كي احضرها لكِ ههه
ـــــ هههه أريد شيئا آكله، لا شيئاً أضمه بحنان هكذا ههه تعالي يا حبيبتي
ضمت عائشة وقبلتها، فتبسمت وقالت:
ـــــ اشكرك على القبلة الحانية يا أمي. بالطبع أبي أحضر
لكِ الشيكولاتة التي تحبينها
ــــ لِمَ اخبرتيها؟ أحب أن أرى أمك حين تفاجئ بقطعة
الشيكولاتة وتقفز كالأطفال هههه
ضحكت السيدة مريم وقالت بمرح:
ــــ أنا كالأطفال يا سالم!! ههه حسناً أعطني إياها
وسأقفز فرحاً. فقط عندما تذهب عائشة لاستبدال ملابسها حتى لا تقول جُنت أمي هههه
ــــ ههه افعلي ما شئتِ يا أمي، فأنا أحب مرحك. لا حرمنا
الله منك يا غالية ههه استأذنكما في الانصراف
اتجهت إلى غرفتها فقالت والدتها بلطف:
ــــ لا تتأخري حبيبتي، فسأعد المائدة
ــــ حسنا يا أمي
استدارت إلى زوجها وقالت كالأطفال:
ــــ اعطني قطعة الشيكولاتة يا سالم هههه
ــــ ههه كم ستدفعين ؟
ــــ ههه أدفع لك دعوات في كل وقت كي يحفظك الله لنا يا
زوجي الحبيب. أليس هذا يكفي ؟
ــــ ههههه يكفي جداً حبيبتي . تفضلي قطعة الشيكولاتة
*******************************
جلست عائشة ووالداها يتناولون العشاء..فسألتهما الوالدة
بمرح:
ـــــ ها! اخبروني ما رأيكم فيما أعددت؟
مدحت صنيعها عائشة:
ـــــ رائع جداً يا أمي. سلمت يداكِ يا حبيبة
تلذذ الدكتور سالم بالطعام وهو يهز رأسه انتشاءاً:
ــــ مممم لذيذ جداً يا مريم. طعامك دائما شهي . سلمتي
يا حبيبة
ــــ قربي لأبيكِ طبق الحساء يا عائشة
ــــ سأفعل يا أمي. هاهو يا أبي. تفضل
ــــ اشكرك يا بنيتي . ممممممممم الله !!!!!!! الحساء
طعمه طيب المذاق جداً
ــــ هههه بل أنت الطيب القول حبيبي. سلم لي لسانك يا سالم
قطع حديثهم دقات جرس الباب في تلك الساعة المتأخرة،
فارتابوا جميعاً، وتوقفوا عن الطعام..سألت عائشة بقلق:
ــــ ما هذا! من يدق علينا الجرس في هذا الوقت؟
قالت الأم والقلق يعصف بملامحها:
ــــ اذهب وسل من الطارق يا سالم
ــــ سأذهب لأرى
وقف الدكتور سالم خلف الباب يسأل عن الطارق:
ـــــ من بالباب؟
أجابه صوت لم يطرق مسامعه من قبل:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . ...... لحظة
من فضلك أيها الطارق.
هرع إلى زوجته:
ــــــ مريم! خذي عائشة وادخلا. يبدو أنه شخص غريب.
ـــــ حسنا. هيا يا عائشة لننصرف حتى يستقبل والدك ضيفه
ـــــ هيا يا أمي. ولكن من الضيف؟
ــــ ههه ألم تسمعي أباكِ يقول يبدو أنه شخص غريب!
ــــ ممممممم . خيرا إن شاء الله
عاد الدكتور سالم إلى الباب وأسرع بفتحه ليجد
أمامه شيخ ملتحي هادئ الملامح لا يعرفه:
ـــــ مرحبا. مَن؟
ــــ السلام عليكم يا أخي
ــــ وعليكم السلام
ـــــ أنا أسمي الشيخ عبد الهادي، إمام أحد المساجد في
ميونخ.
ـــــ مرحبا يا أخي تفضل، تفضل
ـــــ ههه معي ضيف آخر تعرفه جيداً.
ـــــ ضيف آخر أعرفه! من هو؟
ظهر كيفن الذي كان يتوارى عن ناظريه:
ــــ أنا يا سيد سالم
تربد وجه الدكتور سالم:
ـــــ كيفن!
رد الشيخ عبد الهادي باسماً:
ـــــ بل اسمه عبد الله يا أخ سالم. هل ستسمح لنا
بالدخول؟
ــــ بالطبع تفضلا.
تبعاه إلى الداخل، فبلغ منهما غرفة الأضياف:
ـــــ مرحبا بالأضياف. تفضلا ها هنا.
رد الشيخ عبد الهادي:
ــــ نشكرك يا أخ سالم. اجلس يا عبد الله
ـــــ استأذنكما للحظات حتى أحضر واجب الضيافة
ـــــ نشكرك يا أخي
همس الشيخ لكيفن عن انطباعه:
ــــــ ممممم رجل ذو سمت طيب.
ـــــ حقا هو رجل طيب جداً. أحبه بصدق. يتعامل دائماً بأخلاق
الإسلام السمحة
همس الشيخ ضاحكا:
ـــــ تمدحه آملاً أن يعطيك ابنته. أليس كذلك يا عبد
الله ؟ ههه
ــــ هذه هي أمنيتي التي أدعو الله دائماً أن يحققها
ربت الشيخ على كتفه ودعا له:
ـــــ كتب الله لك الخير يا عبد الله يا ولدي.
*******************************
لم يجد الدكتور سالم زوجته في غرفتهما، فناداها تحسساً:
ــــ مريم! أين ذهبتِ ؟
أتته نبرة خافتة:
ــــ في المطبخ يا سالم. أكمل عشائي الذي صرفنا عنه أضيافك.
دلف إلى المطبخ ضاحكاً.
ــــــ فهلا انتظرتِ حتى ينصرف الأضياف! ههههه
قالت وهي منهمكة في طعامها:
ـــــ انتظرت طويلاً حتى أتيت أنت وابنتك حتى نتناول
العشاء سوياً، وغير مستعدة أن أنتظر حتى ينصرف الأضياف أيضاً
ـــــ هههه وأين عائشة؟ ألم تكمل عشاءها هي الأخرى ؟
ـــــ لا، شبعت العصفورة هههه تعلم أنها لا تأكل كثيراً
ـــــ هههه كلي أنتِ حبيبتي بدلاً عن ابنتك... لكن الآن
من فضلك أعطني طبقاً من الفاكهة وبعض الحلوى للأضياف، وبعدها أعدي لهم أي شراب
عشبي ساخن
ــــ أمرك زوجي الحبيب. ولكن من هم الأضياف ؟؟
اتسعت ابتسامة دكتور سالم وقال:
ــــ لن تصدقي
ــــ من يا سالم ؟
ـــــ عبد الله، ومعه الشيخ عبد الهادي.
غضنت حاجبيها دهشة وسألته:
ــــ من عبد الله، ومن الشيخ عبد الهادي؟
ـــــ عبدالله هو كيفن سابقاً ههه والشيخ عبد الهادي لم أتعرف
إليه بعد. ولكنه إمام أحد مساجد ميونخ.
استشاطت السيدة مريم غضباً:
ــــ كيفن!! آآآخ . هذا الشاب ماكر جداً، لا أرتاح لأفعاله.
تارة كيفن، وتارة عبد الله. أخشى في آخر الأمر أن يعتنق الديانة اليهودية ويصبح حزقيال. تباً لهذا المتقلب.
اكتفى الدكتور سالم بالضحك، ولم يعلق على كلامها. بل
تعجل مطلبه:
ـــــ هههه أعطني طبق الحلوى، وطبق الفاكهة، وعندما
تنتهي من إعداد الشراب دقي على هاتفي حتى أجئ لآخذه منك
ــــ تفضل حبيبي هاهو طبق الفاكهة وهاهو طبق الحلوى . لا
تعطي كيفن منهما هههه أعطي الضيف الآخر فحسب
ــــ هههه كوني متسامحة كعادتك يا مريم.... على العموم
سنعرف كل شيء. أستأذنك سأذهب للضيفين فقد تأخرت عليهما كثيراً
تفضل يا سالم
*******************************
عاد الدكتور سالم إلى أضيافه، بينما هرعت السيدة مريم
إلى غرفة ابنتها لتخبرها عن الأضياف..دقت الباب استئذاناً:
ـــــ عائشة
ـــــ تفضلِي يا أمي
ألفتها تجلس إلى الحاسوب:
ــــ مممممم
ماذا تفعلين يا حبيبتي ؟
ــــ أتصفح بعض المواقع الإسلامية على النت. أبحث عن
تسجيلات صوتية لمحاضرات لأحد المشايخ الذين أجلهم. أهناك شيء يا أمي ؟
ــــ أتعرفين من جاء لزيارتنا ؟
ــــ من يا أمي ؟
ضحكت الأم وقالت:
ــــ عبد الله... أو كيفن ... أو أحدهما هههه ومعه إمام
مسجد.
زفرت عائشة وردت بحنق شديد:
ــــ كيفن!! وكيف لأبي أن يستقبل هذا الكاذب! لا أحب من
يتلاعب بالدين.
تنهدت الأم وقلبت كفيها حيرى وقالت:
ـــــ يا بنيتي يبدو أن الأمر ملتبس علينا جميعاً؟
ردت وقد عصف الغضب بملامحها:
ــــ أي أمر وأي التباس يا أمي! يوماً يراه أبي في
المسجد ساجداً ينشج بالبكاء، وبعدها أراه أنا معلقاً صليباً في رقبته، ويوماً
يتزوج في الكنيسة، ويوما يأتينا بصحبة أحد المشايخ. ما هذا!!! هذا عابث.
ربتت أمها على ظهرها وقالت ببسمة هادئة:
ــــ اهدئي، وستتضح
الأمور حبيبتي
أومأت برأسها بعدم الاكتراث وعادت إلى الحاسوب تقول:
ــــ لا شأن لي بأموره
اكتشفت وجود صديقتها فاطمة على النت فتهللت كطفلة في
مرح:
ـــــ هههه هييييييييه فاطمة على النت الآن، سأتحدث
إليها
ــــ أتركك مع صديقتك تتحدثان وأذهب أنا.
شهقت الأم فجأة لتذكرها أمر ما، فسألته عائشة:
ـــــ ما الأمر يا أمي ؟
ــــ نسيت أن أعد الشراب الساخن. سيغضب والدك. أتركك وأسرع
أنا قبل أن يسمعني كلمات يعنفني بها هههه
ــــ هههه أسرعي يا أمي. وعندما ينصرف الأضياف أخبريني
حتى أخرج لاحتساء الشاي معكما
*******************************
جالس الدكتور سالم أضيافه مرحباً:
ــــ حللتما أهلاً ونزلتما سهلاً أيها الضيفان .... لِمَ
لم تمتد أيديكما إلى الفاكهة والحلوى! تفضلا
شكره الشيخ على حفاوته:
ــــ نشكرك يا أخ سالم
أسدى له كيفن الشكر باسماً:
ــــ نشكرك سيد سالم على حسن الاستضافة
حدجه الدكتور سالم بنظرة عميقة وقال بنبرة ساخرة:
ـــــ مممم مرحباً يا عبد الله .... أم أنك كيفن ولم
تحسم أمرك بعد ؟
رد كيفن والصدق يلوح على محياه ويفيض من حواسه:
ــــ والله أنا أسلمت ولم أرتد أبداً... كيف أرتد عن
الإسلام بعد أن من الله عليّ به وهداني إلى الطريق المستقيم! والله لم أشعر براحة
في حياتي إلا بعد أن نطقت الشهادتين. وهأنذا سأنطقهما..أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله
تبسم الدكتور سالم وحمد الله:
ــــ الحمد لله يا ولدي. الحمد لله أن هداك الله
اكفهر وجه الدكتور سالم فجأة وسأله:
ـــــ ولكن ألم تتزوج في الكنيسة ؟
نظر عبد الله إلى الشيخ عبد الهادي فأومأ برأسه باسماً
وقال:
ــــ أخ سالم، سأشرح لك الأمر بدلاً عن عبد الله
ــــ تفضل يا شيخ عبد الهادي
ــــ عبد الله عندما أسلم لم يخبر أهله بإسلامه خوفا من
بطشهم به، وبكم أنتم أيضاً
غضن الدكتور سالم حاجبيه وعبر عن دهشته:
ـــ بطشهم عليه وعلينا أيضا!.. لا أفهم.
أسهب الشيخ:
ــــ أهل عبد الله مسيحيين متشددين مرتبطين ارتباطاً
وثيقا بالكنيسة، وعندهم الارتداد عن المسيحية لا يكن له جزاء إلا القتل. وبما أنهم معتقدون أن ابنتك هي من
حاولت إقناع ولدهم بالإسلام، فإن علموا بإسلامه فسيبطشون بها وبه أيضاً ... وقد
سبق أن هددت أمه ابنتك من قبل. اليس كذلك ؟
ـــــ بالفعل حدث ذلك.
استطرد الدكتور سالم وقد تربد وجهه واحتدت نبرته:
ــــ ولكن إلى هذا الحد يصل بهم التفكير؟ أيعتقدون أني
تاركهم يمسّون ولو شعرة واحدة من ابنتي الوحيدة؟
قال الشيخ عبد الهادي بنبرة هادئة:
ــــ يا سيد سالم! لهذا الأمر أخفى عبد الله إسلامه، أراد
بذلك أن يبعدهم عن ابنتك وتحيا آمنة.
هز الدكتور سالم رأسه متحيراً وسأله:
ـــــ وكيف تزوج في الكنيسة إذن؟
رد كيفن عن هذا السؤال بنفسه:
ــــ أنا لم أتزوج في الكنيسة يا سيد سالم. أنا اضطررت
إلى الذهاب والتصنع أني سأتمم مراسم الزواج، ولكن حاولت خداعهم وأسقطت سيارتي في
النهر حتى يظنون أني غرقت بسيارتي، وبهذا لن يبحثوا عني مرة أخرى، وأحيا حياة آمنة
بعيداً عن مؤامراتهم ورغبتهم في إيذائي أو إيذاء الدكتورة عائشة.
أومأ الدكتور سالم برأسه:
ــــ ممم فهمت الأمر واتضح أمامي. أنت الآن لم تعد كيفن
. كيفن غرق بكل مشاكله. أليس كذلك ؟
ــــ بالطبع. الحمد لله. تيقن الجميع من موتي وسأحيا
آمنا بعيدا عن الملاحقات والأخطار.
ــــ ولكن يا ولدي ألا تخش أن يراك أهلك ؟
أعلن كيفن عن ترتيبات مستقبله:
ــــ لن أعيش هنا. سأنتقل إلى الحياة في دوسلدورف. سأعمل
هناك مع أحد أصدقائي... والحمد لله وفر لي منزلاً لأعيش فيه أيضاً أنا وزوجتي إن
شاء الله
تبدى الاندهاش على ملامح دكتور سالم:
ــــ زوجتك!...أتزوجت أنت يا ولدي؟
رد الشيخ عبد الهادي:
ــــ دعني أنا أتكلم بصفتي وليّ لعبد الله يا أخ سالم.
جئنا الآن نطلب يد ابنتك الدكتورة عائشة للزواج من عبد الله المسلم الموحد بالله.
شده الدكتور سالم وبقى صامتاً للحظات، ثم نطق لسان
الحيرة:
ــــ يتزوج عائشة !!..... لكن ..........
سأله الشيخ عبد الهادي باهتمام بالغ:
ــــ أعندك اعتراض على عبد الله يا أخ سالم ؟
ــــ الأمر ليس كذلك ولكن ........ لكن. أصبحت اشعر
بالقلق على ابنتي.
أجاب الشيخ يطمئنه:
ــــالقلق زال وكل الأخطار زالت الحمد لله. فلِمَ التردد
في تزويج ابنتك لشاب مسلم صالح اختار الإسلام ديناً ومحمدا رسولاً ويحتاج إلى وجود
زوجة صالحة كابنتك المصونة لتقف إلى جواره وتشد من أزره ويحيا حياة كريمة!... إن
وافقتم سأعقد له عليها الآن بعد إحضار الشهود
تبسم الدكتور سالم وأسدى نظرة فخار إلى عبد الله وقال
باعتزاز:
ــــ والله أنا أشد فرحا من أي أحد بعبد الله وإسلامه .
وابنتي لن اعزها عليه ولكن الأمر أيضاً يحتاج مشورتها ومشورة والدتها . لست وحدي
صاحب القرار في هذا الأمر.
فجأة دقت السيدة مريم على هاتف زوجها كما اتفقا فقال:
ــــ استأذنكما قليلا . سأحضر لكما شرابا ساخناً
ـــــ تفضل يا أخ سالم
تعالت خفقات عبد الله داخله، وبدا كالغريق في البحر
الهادر يتعلق بأمل النجاة..عبر عما تختلج به نفسه:
ـــــ أشعر بالقلق يا شيخ عبد الهادي... أتعتقد ستوافق
العروس ؟
بدت بسمة على محيا الشيخ وقال وهو يربت على كتفه:
ــــــ لا تقلق يا عبد الله يا ولدي. إن شاء الله ستوافق...
أشعر بالتفاؤل منذ دخلت هذا المنزل الطيب.
ابتلع ريقه بتوتر وقال راجفاً:
ـــــ يارب... . سأصدم جداً إن لم توافق عائشة.
ـــــ الصبر يا ولدي، الصبر. كن واثقا بأنه لا شيء يحدث
في ملك الله إلا بأمر الله سبحانه وتعالى
ناجى الله بكل جوارحه:
ـــــ يارب... أنت تعلم كم أحتاج هذه المرأة الصالحة. يارب
لا تردني خائبا
*******************************
دلف الدكتور سالم إلى المطبخ، فألفى زوجته تحمل صينية
صفت عليها كؤوس الشراب، وتقول بنبرة مرحة:
ـــ ها هو الشراب الساخن يا سالم ههه
ـــــ هههه اشكرك يا روح سالم. ماذا أعددتِ يا مريم ؟
ــــ ينسووون هههه
ـــــ عظيم جدا يا مريووم ههه ممممم ......... أأأأ
لحظت أنه يريد أن يتفوه بأمر، لا يعلم من أين بادئته،
فقالت بخفة ظلها:
ــــ ماهذا حبيبي! أشعر أنك تتردد في إخباري بشيء ما. أفصح
ولا تخف. اعتبرني كأمك ههه قل ولن أعاقبك يا ولدي الصغير سالم، ماذا فعلت ههه
ـــــ هههه أمي! لا،لا، أخاف أن أقول يا أمي خشية عقابك ههه
ترك المزاح وعاد إلى وقاره:
ــــ انتظريني
حبيبتي. سأقدم الشراب للأضياف وأعود إليكِ في التو لنتحدث في أمرٍ هام لا أستطيع حسمه وحدي
اتجه إلى أضيافه، بينما عبث القلق بقلبها وقالت:
ـــــ مممم أقلقني وذهب . يا تُرى ما الأمر ؟
******************************
وضع الشراب أمام الأضياف وقال بوجه طلق:
ــــ تفضلا شراباً ساخنا
ـــــ جزاك الله خيرا يا أخ سالم.
سأله عبد الله متلهفاً وقلبه يترجرج داخله:
ــــ هل وافقت العروس يا سيد سالم؟
قهقه الدكتور سالم وقال:
ـــــ يا ولدي لم اخبرها بعد. استأذنكما في الذهاب
لمشاورتها وأمها.
قال عبد الله وهو يهز ساقيه باضطراب:
ـــــ تفضل
أطرق الشيخ رأسه باسماً من صنيعه هنيهة ثم قال:
ــــ يا عبد الله اهدأ يا عبد الله
ــــ لن أهدأ قبل أن يستريح قلبي بموافقتها
أخذ الشيخ أحد الكؤوس وقدمها له قائلاً:
ــــ اشرب الينسون ههه يسر الله لك أمرك يا ولدي
ــــاللهم آمين ... تأخر كثيراً في المشاورة.
ــــ هاها يا ولدي، الرجل خرج لتوه من هذه الغرفة وربما
لم يصل لغرفة ابنته بعد
عاد يدعو باضطراب:
ــــ يارب
*******************************
عاد الدكتور سالم إلى زوجته المتلهفة، فسألته والقلق
يعصف بها:
ـــــ ما الأمر يا سالم؟
ــــ عبد الله جاء ليخطب عائشة
اتسعت حدقتاها غضباً وأعلنت بغلظة:
ــــ لا، غير موافقة، اعتذر له من فضلك
تجاوز عن غضبها وسألها بابتسامة هادئة:
ــــــ ولِمَ لا توافقين يا أم عائشة ؟
ردت بحنق شديد:
ــــ لا ارتاح لتصرفاته. ابنتي ليست رخيصة لألقي بها
لرجل لا نعرف كيف يفكر ولا نعلم صدقه من كذبه
رد زوجها وقد اتسعت ابتسامته:
ــــ وهو لأجل ذلك أحضر معه الشيخ عبد الهادي، وهو رجل
دين يبدو عليه الوقار والهيبة. ولم يكن ليأتي مع عبد الله إلا لعلمه بصدقه. وان
كنتِ تقصدين ارتداده.. فهو لم يرتد. ولكن فقط تظاهر انه مازال على المسيحية حتى
يأمن بطش أهله
سرت نسمات الارتياح في روض قلبها وسألت بحبور:
ــــ حقا؟ ..أفهم من ذلك أنه أسلم ولم يرتد ؟
ــــ أبداً لم يرتد. بل أسلم وحسن إسلامه. فلا تخشِ شيئا
خطر هاجس بخلدها، فسألت بقلق:
ـــــ ولكن ماذا سيقول لأهله عندما يتزوج عائشة؟
ــــ لن يقول لهم شيئاً، لأنهم يعتقدون أنه مات غريقاً
في النهر. فقد أشاع بينهم ذلك واختفى ليحيا آمنا مع زوجته في مدينة دوسلدورف
ردت بعينين زائغتين، بنبرة أم قلقة..وكأن دواخلها ترفض
هذا المصير المعتم لوحيدتها:
ــــ زوجته! ومن ستكون ؟
ــــ هاها ستكون ابنتي عائشة إن شاء الله. بعد موافقتها
بالطبع. ولكن إن وافقت فسيتزوجها اليوم.
شدهت الأم:
ــــ اليوم!! كيف ذلك!! ألن يمهلني بعض الوقت لأهيئ له
عروسه؟
ــــ يا مريم! يجب أن تعلمي أن وجود عبد الله هنا سيشكل
خطراً على حياته، لذا فيجب عليه أن يبتعد بأسرع وقت.
تنهدت بعمق وقالت:
ـــــابنتك بغرفتها، فاذهب واخبرها بالأمر
ــــ أليس من الأفضل أن تتحدثي أنتِ معها ؟
أومأت برأسها:
ــــ حسناً، سأفعل
ـــ وأنا سأنتظرك هنا حتى تأتيني بردها. لن أستطيع
الخروج بغير ردٍ حاسم.
*******************************
كانت عائشة ما زالت تحادث فاطمة صديقتها عبر النت، هنئت
فاطمة بخبر خطبتها السعيد:
ـــــ والله أسعدتني يا فاطمة. مبارك الخطبة يا حبيبة.
ومتى سيتم زواجك ؟
ــــ الشهر القادم، عائشة حبيبتي إن شاء الله
بدا الذهول على ملامح عائشة وقالت:
ــــ ممممم أتخطبين بالأمس، وتتزوجين الشهر القادم يا فاطمة!!!!
أليس الأمر به سرعة كبيرة ؟ أعتقد أنه من الأفضل أن تطول فترة الخطبة ولو لثلاثة أشهر
حتى تستطيعين التعرف أكثر على طباع هذا الخاطب. إنه زواج، وستكونين في بيت رجل لم تعهديه ولم تعهدي طباعه من قبل.
ــــ ههه لا،لا، أبي يعرفه ويعرف أباه جيداً. فهو شاب
تقي من أسرة ملتزمة. لذا فأبي متحمس جداً لإتمام الزواج بأقصى سرعة
ــــ لوت عائشة شفتها إيماءً بعدم الاقتناع وقالت:
ــــ أنا عن نفسي يا فاطمة إن تقدم لي خاطب، سأشترط أن
تطول فترة الخطبة لستة أشهر على الأقل، حتى أتعرف إليه جيداً
ــــ هههه أنتِ وشأنك يا صديقتي الحبيبة. قدر الله لكِ
كل الخير
طرقت والدة عائشة الباب استئذاناً:
ـــــ عائشة
ــــ أمي تطرق الباب يا فاطمة. تفضلِي يا أمي الحبيبة
ــــ السلام عليكم حبيبتي ممممم أما زلتِ تتحدثين إلى
فاطمة عبر النت؟
ــــ أجل يا أمي . تعالي لتلقي عليها السلام . فقد
سألتني عنك
ـــــ هاها السلام عليكم يا فاطمة
ــــ وعليكم السلام خالتي مريم، اشتقت اليكِ
ــــ امي، هنئي فاطمة بخطبتها. خطبت وستتزوج بعد شهر
المسكينة ههه
ــــ ههه حقا ؟ مبارك، مبارك الخطبة يا فاطمة. فرحت جداً
لأجلك يا ابنتي
ــــ بارك الله فيكِ يا خالتي مريم. العقبى لعائشة إن
شاء الله
ذهبت السيدة مريم لركن بعيد من الغرفة وأشارت إلى عائشة
أن تأتيها، فستأذنت صديقتها:
ــــ أمي ذهبت لآخر الغرفة وتشر إليّ. سأتركك قليلاً وأعود
مرة أخرى. ابقِ ولا تغلقي المحادثة فمازلت أحتاج أن أتحدث
إليكِ يا فاطمة
ــــ حسناً، سأنتظرك حبيبتي
هرعت إلى أمها تسألها بنبرة قلقة:
ــــ خيراً يا أمي؟
ضحكت السيدة مريم وقالت وهي تضع يدها على فمها:
ـــــ ههه عبد الله جاء لخطبتك
فغرت عائشة فاها واتسعت حدقتاها..شعرت بدوار وكأن العالم
يميد بها...ردت ذاهلة:
...... مَن؟؟
ـــــ ههه مثلما سمعتِ. هو مسلم موحد مثلك.. وفعل كل ذلك
خوفاً من أهله. ولم يتزوج بالكنيسة، بل أشاع انه مات غرقا كي يفر منهم..... هل
أنتِ مستعدة للزواج منه ؟
تبسمت عائشة خجلاً وقالت:
ــــــ هه من تقصدين يا أمي؟
ــــ عبد الله كما سمعتِ هاها.. ولكن إن وافقتِ ستتزوجين
في دوسلدورف، وليس في ميونخ. وستتزوجين الليلة
تملك الذهول عائشة:
ـــ ماذا!!.....الليلة!!
تبسمت أمها وهمست في أذنها:
ــــ ما رأيك؟
أعلنتها بغير تردد:
ــــ موافقة يا أمي. لن أتخلى عن عبد الله. والله لأقف
بجانبه وأثبته. وإن شاء الله سنكوّن أسرة إسلامية تخشى الله في جميع أقوالها
وأفعالها... إن كان أحدا غير عبد الله وتقدم إلىّ فلم أكن لأوافق بهذه الطريقة
ـــــ هههه إذن فجوابك النهائي هو الموافقة أيتها العروس
الجميلة
ردت بنبرة تتأجج حماساً لهذه الرسالة:
ــــ بالطبع يا أمي. وذلك لأنني فخورة جداً بعبد الله
الذي فضل الفرار بإسلامه بعيداً عن أهله ووطنه، على أن يحيا بينهم على عقيدة فاسدة...
فرحتي بإسلامه ورغبتي في الوقوف إلى جواره
دفعتني للموافقة
أعادت الأم عليها موعد الزواج وهي تغمز باسمة!
ـــــ مممممم ستتزوجين الليلة
أطرقت عائشة طرفها خجلاً وقالت بنبرة خافتة:
ــــ أمي! بالله لا تخجليني
ـــــ ههههه
ارتسمت علامات الحياء على وجه العروس الجميل.سأخبر أباكِ
**************************
عادت السيدة مريم تحمل البشرى لزوجها:
ــــ سالم. وافقت عائشة
ابتهج الأب:
ــــ وافقت!! ههه حمدً لله. سيفرح عبد الله جداً عند
سماع هذا الخبر. فقط أريد أن اسمع منها شخصياً. استأذنك في دخول غرفتها
ـــــ ههه تفضل يا أبا العروس
دلف غرفة ابنتها بعد طرق الباب:
ـــــ عائشة
أجابت وعيناها قد خلدت إلى الأرض خجلا:
ــــ تفضل يا أبي
ــــالسلام عليكم حبيبتي
ــــ وعليكم السلام يا أبي
ــــ هههه أراكِ تنظرين إلى الأرض خجلا . معنى ذلك أنكِ
وافقتِ كما قالت أمك ؟
ــــ مممم الرأي ما تراه أنت يا أبي
ــــ هاها على بركة الله يا بنيتي. أتركك لأخبر عبد الله
بموافقتك
ـــــ تفضل يا أبي
خرج والدها فأسرعت إلى صديقتها لإكمال المحادثة:
ـــــ فاطمة. رجعت إليكِ. السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام. غبتِ كثيراً جداً. أين ذهبتِ؟
ــــ ههه جائني خاطب الآن
ـــ ههه حقا؟ ومن هو ؟
ــــ هو شاب ألماني كان على غير الإسلام. وقد هداه الله
والحمد لله وأسلم وتقدم لخطبتي الآن
تهللت فاطمة:
ــــ رائع ههه أنتِ محظوظة حبيبتي. لأن زوجك بالطبع
سيتعلم كثيراً عن الإسلام على يديكِ وسيثيبك الله. حقا أسعدني هذا الخبر السار.
ومتى ستتزوجين؟
بهتت عائشة وغمغمت:
ـــــ ممممممم ماذا سأقول لها بعد أن أعطيتها محاضرة في
طول فترة الخطبة.
بالأخير أعلنت بحسم:
ـــــ فاطمة. سأتزوج الليلة إن شاء الله
قهقهت فاطمة حتى دمعت عينيها، فسألتها عائشة وكأنها تجهل
السبب:
ــــ مممم ما الذي قلته أثار ضحكك يا فاطمة؟
ــــ هههههههه لا شيء حبيبتي، لا شيء. خطبتي منذ لحظات
وستتزوجين بعد سويعاتههه والله إني لفرحة جدا لأجلك حبيبتي . بارك الله لكِ في
زوجك وحياتك ورزقك الذرية الصالحة
ـــــ اللهم آمين، ولكِ بمثل حبيبتي فاطمة. أتركك الآن
لأنجز بعض الأمور
ـــــ ههه تفضلي يا أجمل عروس. سأهاتفك غدا لأطمئن عليكِ
حبيبتي
ــــ وأنا سأنتظر مهاتفتك فاطمة صديقتي وأختي الحبيبة.
السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حبيبتي عائشة
*******************************
كان عبد الله يرقب باب الغرفة بين الفينة والفينة
مترقباً دخول الدكتور سالم..رمقه قادماً، فقال للشيخ بتوتر:
ــــ ها هو قادم. لا أرى أي علامات تبشر على وجهه يا شيخ
عبد الهادي
ــــ يا عبد الله اصبر. يا ولدي اصبر
ألقى الدكتور سالم السلام على أضيافه متعمداً إخفاء أي
بشر على ملامحه متلاعباً بأعصاب كيفن دعابة له:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد الشيخ السلام:
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أخ سالم
انتصب عبد الله واقفاً، وقبض على يده راجياً:
ــــ بالله طمئن قلبي يا سيد سالم
غضن الدكتور سالم حاجبيه وسأل بمكر مرح:
ــــ اطمئن قلبك على ماذا يا ولدي؟
نفد صبر كيفن، فقال كالعطشان يتوسل إلى صاحب البئر:
ــــ يا سيد سالم. بالله لا تتلاعب بأعصابي. قل لي هل
وافقت العروس؟
بدا البشر على وجه الدكتور سالم وقال وهو يشد على يد عبد
الله:
ــــ أجل وافقت يا ولدي. مبارك إن شاء الله
وكأن طوق نجاة رمي إليه في خضم الأمواج المتلاطمة..سمع
العالم ينشد ترانيم السعادة..ها هي هدية رب السماء إليك فانعم يا من أضناك
الشقاء...قبض على ذراعي الدكتور سالم وسأله وكأنه لا يصدق أنها ستكون رفيقة دربه:
ــــ حقاً؟ حقا ما سمعت؟ وافقت الدكتورة عائشة؟
ـــــ أجل وافقت يا ولدي. اهدأ وإلا تراجعنا عن الموافقة
ههه
ـــــ لا، لا، سأهدأ. أنا هادئ جداً ههه هذا أجمل خبر
سمعته بحياتي. الحمد لله، الحمد لله... أين هي حتى نعقد العقد ونسافر؟
ـــــ ههه سأذهب لأخبرها أن ترتدي ملابس مناسبة استعداداً
لأن نذهب لإتمام عقد الزواج
تعجله كيفن بقلبه المتلهف:
ــــ هيا يا سيد سالم، هيا من فضلك.
قال الدكتور سالم بهدوء أثار غيظ كيفن:
ـــ أنت لم تشرب الينسون. أعتقد إنه برد جداً . سأخبر أم
عائشة أن تعد لك غيره
رد كيفن ودواخله تتأجج:
ـــ لا،لا، أنا لا أريد أي شيء غير إتمام العقد والاختفاء
عن ميونخ بأقصى سرعة. بالله هيا، هيا.
قهقه الدكتور سالم، وربت على كتفه:
ــــ ههه حسناً يا ولدي. سأذهب لإحضار العروس.
اتجه الدكتور سالم إلى غرفة ابنته، بينما ظل عبد الله
واقفاً يترقب باضطراب..فهنأه الشيخ ليذهب ببعض توتره:
ــــ ههه مبارك يا عبد الله يا ولدي. قلت لك أني شعرت
بالتفاؤل منذ دخلت هذا المنزل الطيب وجلسنا إلى صاحبه ذي السمت الطيب
أشرق وجه كيفن، ولهج لسانه حمداً لله:
ـــ الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله. لم يخيب الله
رجائي.. الحمد لله
*******************************
تم عقد النكاح، وسط فرحة الحضور..وأعلنها عاقد الأنكحة:
ـــــ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
اللهم آمين
احتضنت السيدة مريم ابنتها وقد طفرت عبرات السعادة:
ـــــ مبارك يا عائشة، مبارك يا حبيبة أمها ههه
ـــــ بارك الله فيكِ يا أمي الحبيبة
ضمها والدها وقبل رأسها، وقال بنبرة شجية:
ــــ مبارك يا عائشة يا ابنتي
ــــ بارك الله فيك يا ابي الحبيب
أسدى لها الوالد بنصائحه:
ــــ أصبح عبد الله زوجاً لكِ الآن. أطيعيه يا بنيتي،
وكوني له الزوجة الصالحة التي تعوضه عن أهله الذين ضحى بهم لأجل الفرار إلى الله
ــــ إن شاء الله يا أبي. فأنا ما قبلت الزواج منه إلا
لأجل ذلك. أعانني الله على أن أكون له زوجة مطيعة لينة، تعينه على طاعة الله اللهم
آمين
ــــ اللهم آمين يا ابنتي
اقترب الشيخ عبد الهادي من عبد الله، وقدم لها تهنئة
حارة:
ــــ مبارك يا عبد الله يا ولدي. جعل الله لك هذه المرأة
زوجة صالحة تعينك على التقرب إلى الله.
ـــــ بارك الله فيك يا شيخ عبد الهادي. أشكرك على وقوفك
إلى جواري حتى تمام الأمر
ـــــ أنت كأبن من أبنائي، وشرف لي أن أقف إلى جوارك.
هاهو محمد جاء ليهنئك ههه
عانقه محمد جذلاً وقدم تهنئته:
ـــــ مبارك، مبارك يا عبد الله. سعدت لأجلك كثيراً
والله
ـــــ بارك الله فيك يا محمد. والله لإنك نعم الأخ. لا
أعرف كيف أشكرك لجميل صنائعك معي.
ــــ لا تقل ذلك يا رجل. هيا لأصطحبك وعروسك إلى دوسلدورف
إن شاء الله
كان هناك شيء يدور في خلد الشيخ عبد الهادي..فاتجه إلى
الدكتور سالم ليفصح عنه..فبدأ بتقديم التهنئة:
ــــ يا أخ سالم. مبارك زواج ابنتك من ولدنا عبد الله.
جعلها الله زيجة مباركة إن شاء الله.
ـــــ بارك الله فيك يا شيخ عبد الهادي.
ـــــ عندي اقتراح، وأود لو قبلته
ــــ تفضل باقتراحك
ــــ اقترح أن تغير منزلك، وتسكن في حي آخر في ميونخ.
ـــــ مممم كنت أفكر في ذلك حتى نبعد عن أي مراقبة. فلا
نعلم إلى أين ستسير الأمور.
بشره الشيخ بخير المآل:
ــــ تسير إلى ما هو أفضل إن شاء الله، ولكن علينا الحذر.
ربما جاءت ابنتك تزورك وزوجها. فيجب أن يكونا آمنين إن شاء الله
أومأ الدكتور سالم برأسه قائلاً:
ــــ غداً إن شاء الله سأبحث عن سكن آخر
ــــ ولِمَ تبحث؟ هناك بالفعل سكن آخر في المنطقة التي أسكن
بها، وهناك والحمد لله عندنا مسلمين متحابين.. وحتى المسيحيون هناك لا يؤذون أحد.
ابتهج الدكتور سالم لهذا العرض:
ــــ حسناً جداً. سأبيع هذه الشقة في أسرع وقت وانتقل
وزوجتي إلى السكن الآخر الذي اخترت لنا يا شيخ عبد الهادي
لاطفه الشيخ ملاطفة الصديق:
ــــ وفرصة يا رجل تتعرف زوجتي بزوجتك . فبالتأكيد بعد
زواج ابنتكما ستحتاج زوجتك إلى من يؤنس وحشتها في غربتها.
ـــــ إن شاء الله. سيكون نعم الجوار يا شيخ عبد الهادي
*******************************
وفي الشارع الذي تحفه الأشجار، وقف عبد الله بعيداً إلى
جوار سيارة محمد، يرقب عروسه التي تعانق عيناها الأرض، ظلت ترقبهما السيدة مريم
وتكاتم الضحك..مالت إلى أذن ابنتها وهمست:
ـــــ عائشة ههه زوجك ينظر إليك. فهلا ذهبتي إليه؟
ــــ ها!! لا،لا، أشعر بالخجل يا أمي. ولِم لا يأتي هو!!!
ـــــ ههه يبدو أنه يشعر بالخجل أيضاً.
اتجهت السيدة مريم إلى زوجها وقالت وهي تكاتم الضحك:
ــــ سالم. العريس والعروس يشعران بالخجل، ويقف كل منهما
بعيداً وكأنه يخشى لو اقترب من الآخر أن تصعقه الكهرباء ههه
قهقه الدكتور سالم وهمس لها:
ــــ سأذهب إليه وأحضره كي يقترب ويأخذ عروسه
ذهب إليه الدكتور سالم:
ــــ يا عبد الله ههه
ــــ مرحبا السيد سالم
ــــ تعال وخذ زوجتك
ــــ هاا !!!!!!! مممممم سأفعل إن شاء الله.
ظل متسمراً بمكانه يرقبها عن بعد... وكأنه يهاب الاقتراب
من صاحبة الضوء...أعاد والدها الطلب ضاحكاً:
ـــــ تحرك تجاه عروسك وخذها يا عبد الله هههه تحرك يا
ولدي فمازلت بمكانك
اتجه عبد الله صوبها بخطوات أبطأتها الرهبة..فأسرع
الدكتور سالم يقول لزوجته:
ــــ مريم ابتعدي انتِ عنها، فربما يشعر بالخجل لوجودك
ــــ هههه سأبتعد بعد أن أهنأه
اتجهت السيدة مريم صوبه تهنئه:
ــــ مبارك يا
زوج ابنتي الحبيبة ههه وأنت أيضاً أصبحت ولدي الحبيب هههه
تبدت بسمة على محياه وقال:
ـــــ جزاكِ الله خيراً، وبارك الله فيكِ السيدة مريم
قالت بحنان غامر، ونظرة مفعمة بالأمومة:
ـــ قل أمي. فأنا أشعر إني أمك حقا يا ولدي
تذكر عبد الله أمه، فشرد حزيناً وهو يغمغم:
ــــ أمي!
أمسكت السيدة مريم بيده وسألته بحنو:
ــــ لِم شرد ذهنك يا ولدي ؟ يبدو أنك تذكرت أمك. أليس
كذلك ؟
ـــــ......أجل..... تذكرتها. كم أرجو من الله أن يهديها
للإسلام
ـــــ هداها الله يا ولدي آمين
أفرج عن ابتسامة حبسها الشرود وقال:
ـــــ أشكرك يا أمي مريم
ربتت على ذراعه وقالت وعيناها تلمعان سعادة:
ـــ أتركك مع زوجتك لتصطحبها إلى السيارة لتسافرا سوياً.
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير يا ولدي
اقترب من عروسه..تنحنح باسماً ليلفت انتباهها، وألقى
السلام على تلك التي حظيت الأرض بعناق عينيها:
ــــ احم احمممم السلام عليكم
ـــــ مممم وعليكم السلام
ــــ ههه لا أدري كيف أبدأ الحديث ولكن ...... أشكرك على
منحي شرف الزواج منك. وأرجو من الله أن أكون لكِ زوجاً صالحاً يكرمك ولا يهينك أبداً..
وسأبذل قصارى جهدي لإسعادك إن شاء الله.
ــــ ممم شكراً
قهقه عبد الله وقال ساخراً:
ـــــ أقول لكِ كل هذه الكلمات، وتردين بكلمة واحدة!!!
ــــ لا اجد ما أقول، عذراً
ـــــ ممممم حسناً... تفضلي لنركب سيارة محمد وننطلق إلى
دوسلدورف
ــــ تفضل. سأتبعك
ـــــ حسناً يا عائشة هههه
لأول مرة ينطق اسمها مجرداً..فقد اعتاد أن يقول سيدتي
الطبيبة..لذا ضحك..فأخيراً تحطمت صخرة الاغتراب...تذكرت عائشة شيئاً ما، فتوقفت
ونادته:
ــــ من فضلك يا عبد الله، عندي أمر هام يجب أن أفعله قبل مغادرة ميونخ
استدار وقد غضن حاجبيه:
ـــــ وماهو ؟
ــــ أريد عيادة مريض من فضلك.
رد وقد علت الدهشة ملامحه:
ـــــ مريض!
ــــ أجل. وسأخبر أبي كي يأتي معنا لزيارته من فضلك
سأل بفضول قاتل:
ــــ ومن هو هذا المريض ؟
ــــ إنه دكتور لوكاس مدير المستشفى السابق. أصيب بالشلل
للأسف على إثر حادث. وهذه فرصتي الأخيرة لزيارته. وأرغب في اصطحاب أبي معي حتى
يتعرف إليه، ويعينه بقدر المستطاع في مرضه ومحنته.
أرسلت عيناه نظرات الفخار وعبر عن احساسه بها:
ــــ كم أنتِ عظيمة! لم يشغلك أمر زواجك والسفر مع زوجك
عن أداء واجب إنساني كهذا.
ــــ هذا أمر عادي. لا تعطه أكبر من حجمه
ابتسم وقال وهو يتجه صوب والدها:
ــــ سأخبر السيد سالم كي يأتي معنا لزيارة دكتور لوكاس
قبل سفرنا.... وسانتظركما في السيارة حتى
تعودا.
*******************************
سمعت الخادمة في منزل دكتور لوكاس قرع الأجراس، فهرعت
تسأل:
من الطارق ؟
أجاب الدكتور سالم:
ــــ من فضلك نحن ضيفان جئنا لزيارة دكتور لوكاس
فتحت الباب، فألفت الدكتور سالم وإلى جواره عائشة:
ــــ مرحباً. تفضلا. من أنتما حتى أخبره ؟
أجاب الدكتور سالم:
ــــ قولي له الدكتورة عائشة ووالدها يرغبا بزيارتك
ــــ حسنا سأخبره. تفضلا هاهنا بالجلوس
ــــ شكراً
*******************************
دلفت الخادمة إلى غرفة الدكتور لوكاس، الذي يجلس على مقعد
متحرك وتعلو وجهه الكآبة:
ــــ دكتور لوكاس
رد بحدة:
ــــ ماذا تريدين؟
ــــ الدكتورة عائشة ووالدها جاءا لزيارتك
اتسعت حدقتاه ذهولاً، وانعقد لسانه هنيهة..ثم قال بدهشة:
ــــ الدكتورة عائشة..... أيعقل هذا!!.... . أدخليهما
ــــ أمرك.
عادت إلى الضيفين لتقودهما إلى الغرفة:
ـــــ تفضلا. دكتور لوكاس بانتظاركما
دلفت الدكتورة عائشة وخلفها والدها..حيت الدكتور لوكاس
بابتسامة:
ـــــ طاب مساؤك دكتور لوكاس. جئت لزيارتك أنا ووالدي
حياه الدكتور سالم ببسمة ودودة:
ـــــ مساء الخير دكتور لوكاس
رد بملامح متجهمة:
ـــــ مرحبا بكما. تفضلا بالجلوس
جلسا، فواسته عائشة:
ــــ حزنت جداً لأجلك دكتور لوكاس. وأعتذر عن التأخر في
زيارتك. والله لم أكن أعلم إلا بالأمس
ظل صامتاً يرقبهما بملامح خالية من أية تعبير
ـــــــ.................................................................
أطرقت عائشة قليلاً ثم قالت:
ــــ أشعر أنك غير راغب بوجودنا. أراك تنظر إلينا صامتا
في دهشة. هل نتركك الآن لتنال قسطا من الراحة ؟
ــــ لا،لا، على العكس تماماً.... أنا فقط آآآآ لم أتوقع
هذه الزيارة منكِ أنتِ على وجه الخصوص دكتورة عائشة ...
تفاجئت حقاً عندما أخبرتني الخادمة بوجودك ورغبتك ووالدك
في زيارتي
ــــ ههه ولِم أنا على وجه الخصوص من تتعجب لزيارتها ؟
أطرق رأسه خزياً، وقال والندم يعتركه:
ـــــ كنت دائما فظاً معك، واعتدت على نهرك أمام الجميع .....
كنت أظن أن مرضي سيشفي غليلك تجاهي. وأنه سيفرحك ....وطالما فكرت فيكِ وكنت أقول
لنفسي.. أكثر شخصية سترتاح من عدم وجودي وستفرح لمرضي هي الدكتورة عائشة.
بدا الابتئاس على وجه الدكتورة عائشة وقالت:
ــــ لا حول ولا قوة الا بالله. والله لقد أحزنني الخبر
جداً . من قال أنني أتشفى في مرض أستاذي الدكتور لوكاس!
بدد الابتسام تلك الكآبة على وجهه.. وراح يمدحها:
ــــ كم أنتِ إنسانة رائعة حقاً
عاد للتجهم مردفاً:
ـــــ تزوريني بعد أن تخلى الجميع عني... بما فيهم زوجتي
كاترين، التي أحسنت إليها طوال سنوات زواجنا... فكان جزائي أن تتخلى عني وتهاجر
إلى ولدنا في كندا، وتتركني والمرض والذكريات الأليمة والوحشة والعزلة عن العالم .
اصبحت غير راغباً في الحياة. ليتني امت وأسترح.
رد الدكتور سالم بلطف:
ـــــ دكتور لوكاس! لا تقل ذلك يا أخي. الحياة حقاً بها
الكثير من المتاعب ،ولكن لا تتمنى الموت.
ـــــ ولمن احيا يا .......... عذراً.. لم تخبرني باسمك
ـــــ أنا سالم أحمد والد الدكتورة عائشة، أعمل أستاذاً
للقانون الدولي في جامعة لودفيدج
ـــــ مرحبا السيد سالم. سعيد جدا لزيارتك. سررتما قلبي
حقا بهذه الزيارة . وسررت جدا لتسامح الدكتورة عائشة معي
ــــ ابنتي تعلمت ذلك من رسولنا الكريم عليه الصلاة
والسلام . تعلمت أن تتسامح ولا تضمر ضغينة لأحد
ــــــ ...... تعاليم دينكم جميلة جداً . إنها تعاليم
تسموا بالنفس فوق كل آفات البشر... حتى الآن متعجب من أمركما... ولكن سعيد جداً
بهذه الزيارة .... سأدق الجرس للخادمة حتى تأتيكما بواجب الضيافة.
شكره الدكتور سالم، وأفصح عن عجلته:
ـــــ لا، لا. شكراً. فنحن على عجل. زوج عائشة منتظرها
الآن وستسافر معه
ــــ حقا ؟ هههه أهنئك على زواجك دكتورة عائشة. ولكن
حزنت لأنك ستسافرين ولن تزوريني مرة أخرى
ــــ ههه اشكرك على التهنئة. إن شاء الله سأزورك عندما
أجيئ إلى ميونخ مرة أخرى
نهض الدكتور سالم عن مقعده استعداداً للمغادرة وقال بود:
ــــ أنا من سيزرك دوماً إن شاء الله دكتور لوكاس
تهلل الدكتور لوكاس:
ــــ حقا سيد سالم؟ إنك بذلك ستشعرني إنني مازلت حياً وهناك من يسأل
عني ويهتم بأمري.
أخرج الدكتور سالم قلم ومفكرة من سترته..كتب رقم هاتفه
على عجل..أعطى الورقة للدكتور لوكاس ووعده:
ــــ إن شاء الله سأزرك كثيراً . هذا رقم هاتفي إن احتجت أي أمر فلا
تتردد في مهاتفتي
أطرق الدكتور لوكاس قليلاً ثم قال بنبرة رجاء:
ــــ أيمكنني أن أطلب منك أمرا يا سيد سالم؟
ــــ تفضل دكتور لوكاس
طفرت دمعة من عين دكتور لوكاس، وقال:
ــــ اود ان أعانقك
ــــ ههه بل انا من أود ذلك وهأنذا أفعل دكتور لوكاس
مال إليه دكتور سالم وعانقه..تبسم الدكتور لوكاس وأسدى
إليه الشكر:
ــــ اشكرك جداً ... بارك الرب لك في ابنتك الطيبة .
سعيدٌ جداً أن نكن أصدقاء
ــــ سأكون أسعد . نستأذنك في الإنصراف . هيا يا عائشة
ــــ هيا يا أبي . استأذنك دكتور لوكاس
ودعها باسماً وقال بحنو:
ــــ تفضلي يا ابنتي . باركك الرب
ما أن غادرا الغرفة، حتى فاضت عيناه بالدموع...عادت إليه
الخادمة بعد أن ودعت الضيفين عند الباب..رمقت تلك الدموع ووجه الشارد، اتجهت من
المنضدة التي تجاوره، واستخرجت قرصاً من إحدى علب الأدوية، وصبت كأساً من الماء،
وقدمتهما إليه وسألته وقد رقت لحاله:
ــــــ دكتور لوكاس..... أراك تبكي منذ خرج أضيافك
ــــ أجريا الدموع بعيني بحسن صنيعهما.... من أي شيء صنعت قلوب هؤلاء!....
من أين لهم بكل هذه الرحمة في القلوب !!!
*******************************
عاد جوزيف بأنباء يترقبها الآب دانيال:
ـــــ آبانا دانيال....تزوج كيفن من الطبيبة وتوجها إلى دوسلدورف
الآن
جن جنون القس وانقض عليه آخذاً بمجامعه:
ـــــ ايها المجنون! وكيف تأتي وتتركهما دون أن تعرف أين
سيقيما في دوسلدورف!!
ـــــ لا تتعجل يا آبانا. فقد أرسلت أحدهم يراقبهم ويعرف
أين سيقيمون.
ــــــ أها!! ههه.. هكذا تكون اليقظة يا جوزيف. اذهب أنت
الآن
*******************************
وصلا إلى دوسلدورف في سيارة محمد، توقف بالسيارة عند
بوابة المنزل الذي أعده لهما:
ـــــ حمدالله على سلامتكما.
ـــــ سلمك الله يا محمد
ـــــ تفضل يا عبد الله.. هذا هو مفتاح المنزل.. سمي الله وافتح الباب وادخل أنت وعروسك. بارك
الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير اللهم آمين.
ـــــ آمين
ترجل عبد الله عن السيارة، وأسرع بفتح الباب لعائشة
باسماً وقال:
ــــ تفضلي بالنزول
نزلت عن السيارة وتنحت جانباً، فقال محمد:
ــــ استودعكما الله. إن احتجت أي أمر هاتفني يا عبد
الله. عندك الطعام معد على المائدة.
ــــ هاها أحتى الطعام لم تنس إعداده يا محمد! ولكن هل
تذكرت ما طلبته منك ؟
ــــ هذا أمرٌ يسير ههه نعم تذكرت. تفضل أنت وعروسك الآن.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أخي.
هما بالدخول، فتذكر عبد الله شيئاً فنادى محمد الذي هم
بالتحرك بسيارته:
ـــــ محمد! انتظر.
أين الحقائب يا رجل ههه أتعطنا الطعام وتطمع في الحقائب؟ ههه
ــــ أوه! والله قد نسيت. انتظر سأعطيك حقائبك يا عبد الله ..ها هي واحدة
آآآه ثقيلة جداً هه وهاهي الأخرى..أثقل من الأولى.
ـــــ أشكرك يا محمد. سأصعد بالأثنين. فأنا مسكين ومضطر ههه
ــــ وأنا سأنطلق حتى لا أحملهم مرة أخرى ههههه. السلام
عليكم
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا محمد
توجه عبد الله إلى باب المنزل يفتحه:
ـــــ بسم الله الرحمن الرحيم.... تفضلي يا زوجتي
الجميلة
ــــ بسم الله الرحمن الرحيم
دلفا إلى المنزل، فقال عبد الله ضاحكاً:
ــــ ـحقيقة أنا مثلك، هذه أول مرة أدخل إلى هذا المنزل
وسنتفقد معالمه سوياً...تعالي ننظر إلى أين يؤدي هذا الممر
ــــ ههه ضع عنك الحقيبتين، فهما ثقيلتين
ـــــ هههه أشفقتي عليّ من حملهما ؟
ــــ مممم أجل
ــــ ممم ههه أشفقتِ عليّ لأنك تحبيني، اليس كذلك ؟
ـــــ ... أين حجرتي لأستبدل ملابسي ؟
ـــــ حجرتك!...تقصدين حجرتنا
أطرقت برهة ثم قالت بتعجب:
ــــ حجرتنا!! مممم أأسف جداً.. فلم أعتد على أن يشاركني أحد حجرتي
قهقه عبد الله وقال:
ـــــ كان هذا في السابق زوجتي الحبيبة، أما الآن فلا ههه....
إن كنتِ تشعرين بالخجل فأنا أيضاً أشعر به أكثر منك
ضحكت وقالت:
ــــ ها!! ..أنت تخجل أنت هههه
ضحك عبد الله وقال:
ـــــ ولِم لا
!!! مممممم كم أنتِ ماكرة وقلبك أسود ههه....
إنسي كيفن وصنائع كيفن، فالذي يشعر بالخجل هو عبد الله المسكين الذي أمامك ههههه....
أليس الإسلام يجُب ما قبله؟
بدت بسمة على ثغرها وقالت:
ــــ غلبتني بحديثك. ممممم سأصدقك أنك تشعر بالخجل يا
عبد الله ههه.
ـــــ هههه هيا لنعرف اين هي حجرتنا زوجتي الحبيبة.
*******************************
عثر عبد الله على الغرفة، فنادى عائشة:
ـــــ تعالي يا عائشة ها هي الغرفة. بسم الله الرحمن
الرحيم. أين هو زر المصباح! .ها هو ههه أضاءت الغرفة يا صاحبة الضوء تفضلي
ردت باندهاش:
ــــ صاحبة الضوء!... هذه ليست المرة الأولى التي تسميني
فيها صاحبة الضوء... ما سر هذه التسمية يا عبد الله ؟
صب كأساً من اللبن ومده إليه باسماً:
ــــ اولاً خذي
من يدي كأس اللبن لنتقاسمه سوياً
ابتهجت عائشة وقالت:
ـــــ كأس لبن في ليلة العرس على السنة النبوية ... أسعدتني
جداً أنك بدأت الليلة بإعطائي كأساً من اللبن. سأشرب بعضه وأعطيك بعضه. بسم الله
الرحمن الرحيم
شربت نصف الكأس على عدة رشفات ومدته إليه فقال باسماً:
ــــ هنيئا مريئاً
ــــ جزاك الله خيراً . تفضل واشرب أنت
ــــ بسم الله الرحمن الرحيم
ضحكت فبدت للآلئ فمها البيضاء وقالت:
ـــــ هنيئا مريئاً يا عبد الله
أطال نظرة إلى ثغرها الباسم وقال جذلاً:
ــــــ هذه أول مرة أرى فيها بياض أسنانك هاها كنتِ
متحفظة عن الضحك والكلام معي دائماً
ـــــ أكنت تريدني أن أمازحك وأضحك أمامك وقد كنت غريباً
عني ؟
ــــ لا، على العكس.... كان تحفظك معي يزيدك علواً في
نظري، ويزيدني تشبثاً بكِ حبيبتي.
أطرق برهة ثم هتف باسمها:
ـــــ عائشة!
ــــ أمرك زوجي
قال متيماً:
ــــ احبك
تبسمت بخجل وأخفضت بصرها:
ــــ ألن تسمعيني إياها ؟
ـــــ أود أن أسمعك إياها ولكن ....... مازلت أشعر بالخجل
ـــــ حسنا. أغمضي عينيكِ وانطقيها.
ــــ هاها بل أدر ظهرك أنت وسأقولها.
ـــــ حسناً. سأدير ظهري حتى أسمع أجمل كلمة تقت إلى
سماعها من بين شفتيكِ حبيبتي.
ــــ أحبك
تقافز قلبه من فرط السعادة واستدار يمسك كفها ويقول:
ـــــ أنا أحبك أكثر... إنطقيها مرة أخرى.
ــــ هاها لا تكن طماع ... مرة واحدة تكفي.
ــــ لا، أنا طماع جداً.. بالله أسمعيني إياها مرة اخرى،
فكم تقت إليها حبيبتي.
ــــ أحبك
ـــــ يا إلهي!!. كأنني في عالم آخر حبيبتي... حقاً لا أصدق
أنكِ صرتِ زوجتي وقرة عيني.
أغمضت عينيها وقالت باسمة:
ــــ كلامك جميل، جميل... وأنا أيضاً سعيدة جداً أنك
أصبحت زوجي يا عبد الله.
ــــ حقا حبيبتي ؟ ... حقا سعيدة بزواجنا ؟
ــــ والله إني سعيدة جداً بزواجنا، وأسعد بإسلامك
وإيمانك الذي وقر في قلبك
ــــ الحمدلله على نعمة الإسلام..... أتعلمين ماذا أود
أن أفعل الآن ؟
ــــ ماذا تريد أن تفعل حبيبي ؟
أشرق وجهه لسماعها تلك الكلمة التي طالما تاق إليها،
فقال:
ـــــ حبيبتي أنتِ ... كم هي جميلة كلمة حبيبي من بين
شفتيكِ
ـــــ ممممم قل لي ماذا تريد أن تفعل ولا تغير الموضوع
ههه
ـــــ منذ رأيتك في غرفتك تصلين قبل الفجر، عندما فتحت
الرياح نافذتك، ورأيت وجهك المضيء كضوء القمر، تمنيت أن أصلي معك وأن أشاركك هذه
الروحانيات الجميلة بعيداً عن العالم وصراعاته. سلام نفسي وحياة قلب مع الله
ـــــ يا الله !! أرأيتني وأنا أصلي يا عبد الله في
اليوم الذي فتحت فيه النافذة بفعل الرياح ! ألهذا تلقبني بصاحبة الضوء ؟
هز رأسه باسماً وقال:
ـــــ أجل. لأنك حقا صاحبة الضوء... أنتِ من أضأتِ طريقي
حينما رأيت نور إيمانك في وجهك حبيبتي
ـــــ بارك الله فيك حبيبي.... هيا حبيبي لنتوضا ونصلي
سوياً كما كنت تتمنى. فلنبدأ حياتنا بالصلاة كي يباركها الله
ــــ هيا حبيبتي. سأسبقك وأتوضأ ههه والله لا اصدق نفسي
أن كل الأماني تحققت واصبحت حقيقة بين يدي....إسلامي واستقامة حياتي، ثم جمعي
بحبيبتي في بيت واحد كزوجة ... والله لا أدري كيف أشكر ربي
ـــــ أسجد شكراً له يا عبد الله. أسجد لله ولا تسجد
لغيره. الحمدلله.. رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولا، أسجد
لله حبيبي، أسجد شكراً
سجد عبد الله بقلب شاكر:
ـــــ الحمدلله ،اشكرك يا ربي، أشكرك.
ــــ ذاهب للوضوء حبيبتي.
ــــ تفضل حبيبي.
*******************************
دخل أحد حراس الكنيسة على الآب دانيال، ليخبره بقدوم
زائر يترقبه:
آبانا دانيال. الأم صوفيا جاءت وتطلب لقاءك.
انتفض عن مقعده وقد تهلل وجهه وقال وهو يتهيأ
لاستقبالها:
ـــــ صوفيا!...ادخلوها، ادخلوا صوفيا. جاءت في وقتها:
دلفت والكآبة تربض على ملامحها..أحنت رأسها وحيته:
ــــ طاب صباحك الآب دانيال
ـــــ مرحباً صوفيا...اقتربي وخذي البركات:
قبلت يده وأجهشت بالبكاء وقالت:
ــــ جئتك لتواسيني يا آبانا ..مات كيفن ولد أختي
انفجر القس ضاحكاً، فتملكها الذهول، وقالت:
ــــ ما هذا!!..أتضحك يا آبانا وقد صعدت روح ابن أختي كيفن
إلى الملكوت الاعلى مع القديسين وغاب للأبد ؟
انخرطت في البكاء فقال:
ــــ إهدئي يا صوفيا واجلسي ها هنا أمامي، فلي معك حديثٌ
طويل
جلست وقالت بنشيج:
ــــ تفضل يا آبانا دانيال
ـــــ كيفن لم يمت يا صوفيا
فغرت فاها مشدوهة للحظات ثم قالت:
ـــــ ماذا تقول يا آبانا!. كيفن مات غرقاً في النهر، وقد
وجدوا سيارته في النهر بالفعل. فكيف تقول أنه لم يمت!!
ضحك وقال ساخراً:
ــــــ إبن أختك الماكر، الذي يظن أنه أصبح في مأمن من
الأخطار، هو من ادعى ذلك
هز رأسها غير مستوعبة لما تسمع..ثم استوضحته:
ــــ ماذا!....لا افهم شيئا! ..أفصح عن الأمر أكثر.
تأججت دواخل القس وصاح بغليله:
ـــــ الكافر دخل الإسلام
وكأن صاعقة نزلت على رأس صوفيا أفقدتها صوابها، فانتفضت
عن مقعدها تصرخ وتتحرك بهياج كالرياح الهوجاء:
لا... لا تقل ذلك يا آبانا... لا، لا، ليته مات، ليته مات
..كارثة.. هذه كارثة...
عضت يديها غليلاً وسألت بصوت متحشرج وعيناها تتقد:
ـــــ آآآآخ! أين هو الفاجر؟ أين هو ليمزق إرباً. لن
أهدأ حتى أراه مضرجا في دمائه.
قهقه القس وربت على كتفها وأثنى عليها:
ــــــ كنت متأكد من ردة فعلك بالغضب والحنق من فعلته.
أعادت السؤال والشرر يتطاير من عينيها:
ــــ أخبرني أين هو؟ أين هو يا آبانا؟
رد بحكمة وهو يتجول في الرواق وعيناها تتبعه:
ـــــ اكظمي غيظك وكفاكِ عضاً على يديكِ.... الأمر لا
يؤخذ هكذا.. . فكما عاملنا بالدهاء فلن نرد إلا بالدهاء.
ردت كالنار المستعرة:
ــــ لا أحتمل. لا أحتمل. أخبرني بمكانه، وعندي من سيمزقونه.
ــــ إهدئي يا صوفيا. كل هذا سيحدث، فلا تقلقي. لن يقتل
وحده. بل سيقتل هو ومن دفعته للإسلام.
تذكر عائشة فتأجج قلبه غلاً وقال بوعيد:
ــــ الطبيبة ..آآآآخ الطبية.. . وحق الرب لن أتركها
بدت الدهشة على ملامحها وقالت:
ـــــ الطبيبة!!...عمن تتحدث يا آبانا ؟
ــــ طبيبة أفسدت عقله، وأوقعته في شباك حبها، فأطاعها وأسلم وترك دين آبائه
تأججت نيرانها ضد عائشة وتوعدتها:
ــــ آآآخ!.. . هذه الفاجرة. أين هي ألأخرى؟أخبرني. وحق
الرب لتذبح كالشاة أمام عينيه، وسألطخ وجهه بدمائها... وبعدها... يقتل هو الآخر.
ـــــ هاها سيحدث.. لا تقلقي. إنه يظن أننا كسائر الناس
اقتنعنا أنه مات غرقاً.. فذهب وتزوج بالأفعى، وسافرا إلى دوسلدورف ليحيا بعيدين عن
الأخطار هاها... مسكين.. لن يهنأ كثيراً.
عاد تعض على يديها غلاً وتقول بنفاد صبر:
ـــ يا آبانا! يا آبانا لِم نتركه!! بل نرسل من يقتله
ويقتلها الليلة.
قال القس وعيناه تتقد دهاءا:
ــــ كل شيء سيرتب... وهو من الأساس في نظر القانون قد
مات، ولا يوجد أي شخص بإسم كيفن هاها... فعندما يُقتل فلن يشعر به أحد. وهي ستمزق أشلاءها
وتلقى في النهر.. فقط الهدوء.. الهدوء يا صوفيا.. سننتقم شر انتقام فاهدئي
أصرت على أسنانها وقالت:
ــــ آآآخ. أهكذا يفعل بنا الفاجر!! اشتعلت نيران الغضب في قلبي. لا استطيع تحملها.لا
أستطيع.
ــــ دعي نيران الغضب المشتعلة في قلبك، ولنتكلم عن
الخطوة القادمة بعد أن عرفنا مكانه.....فقط عليكِ أن تحتفظي بهذا السر ولا تخبري
أحد.... أمه وأبوه يعلمون أنه مات والأمر
انتهى.... عودي إلى برلين ..ولكنني أريد إحدى الراهبات من تلميذاتك كي تعيننا. فاختاري أكثرهن
دهاء وارسليها بعد شهر من الآن
أومأت برأسها وقالت:
ــــ سأفعل... صلي من أجل أن تهدأ النار في صدري ضد هذا الكافر.
ـــ إهدئي يا صوفيا، إهدئي .... يمكنك الإنصراف إلى
برلين الآن.. وعندما أهاتفك عليكِ بالحضور مرة أخرى
أحنت رأسها انصياعاً للأمر..ثم عادت للوعيد بصوت من
جحيم:
ــــ أهم شيء عندي أن يقتلا أمام عيني. يذبحا ويمزقا.. فإسالة دم هذا الفاجر ومن تزوجها أقل اعتذار
ليسوع والصليب.. .
نظرت إلى الصلبان المعلقة على الجدران وذرفت العبرات
متحسرة وقالت بنشيج:
ــــ دعني أقبل صلبان الكنيسة صليباً صليباً كاعتذار مني..
وياليت يسوع يقبل ..يا ليت يسوع يقبل..
وقفت أمام لوحة يسوع تعصر عينيها دموعاً وتقول متحسرة:
اهٍ يا يسوع! تركنا الحياة ومتعها لأجلك يا يسوع، وهم يتركوك
لأجل متع الحياة يا يسوع ..عذرا أيها الصليب، عذراً أيها القديسون ..سننتقم للجميع
..دعني أقبل الصلبان. دعني يا آبانا..عل روحي ترتاح من العذاب.
ــــ اذهبي وقبلي الصلبان أيتها الراهبة الصالحة صوفيا
******************************************
بعد أداء الصلاة في غرفتهما، نظر عبد الله إلى وشاح
عائشة الأبيض الذي ما زال يحجب شعرها عن ناظريه..تبسم هاتفاً باسمها:
ـــــ عائشة حبيبتي.
ـــــ ممممم
ـــــ كنت أود أن أسألك سؤالاً من فضلك.
ــــ مممم تفضل
ـــــ يا تُرى ما لون شعرك؟؟؟ حتى الآن لم أره.
ــــ مممم ألم نكن نصلي سويا؟ المرأة لا تصلي كاشفة
شعرها.
ـــــ هاها! قد انتهينا بفضل الله من صلاتنا. مممم أعتقد
أن شعرك ملبداً كشعر الزنجيات. أليس كذلك ؟
اتسعت حدقتاها دهشة ولاذت بالصمت، فأردف ضاحكاً:
ـــــ وأعتقد أيضاً أنه من الصعب جداً تصفيفه. أليس كذلك؟
هاها.
زادت حدقاتها اتساعاً, فزاد في إثارة حفيظتها ضاحكاً:
ــــ حبيبتي أنا أعلم أن هذا هو السبب في حرصك ألا أرى شعرك حتى الآن ههه... عائشة حبيبتي.. أنا أحبك وسأظل أحبك، حتى لو كان شعرك مثلما
وصفت وأكثر .... لا داعي أن تريني إياه، فأنا لا أحب إحراجك ههه
ردت بغيظ شديد:
ـــ أنا! أنا شعري ملبد وصعب تصفيفه!!! أهكذا! أهكذا يا
عبد الله !!!. تفضل ها هو شعري
كشفت عن شعرها فإذ به ينهدر كأمواج بحر حريري أسود،
فأبهر ناظريه، ففاضت شفتاه غزلا:
ــــ يا إلهي! جميل. جميلٌ جداً. شعرك أسود وطويل جداً كشعر الهنديات، توقعت أنه
جميل ولكن ليس بهذه الصورة، ولم أكن أتوقع أنه طويلٌ هكذا
ــــ ههه ولِم لم تتوقعه بهذا الطول ؟
قهقه وقال:
ـــــ لأني أعلم أنك طبيبة، والطبيبة دائما مشغولة. فمن
أين لكِ بالوقت لتصفيف كل هذا الشعر!
ضحكت وأجابته:
ـــــ تصفيفه ليس صعباً، لأنه ناعم جداً كما ترى.
ظل يحدق في ملامحها إعجاباً، فسألته خجلى:
ـــــ لماذا تنظر إليّ هكذا!
ـــــ.....لأنني أراكِ بشكل مختلف لأول مرة .. شعرك أضفى
عليكِ جمالاً وغير ملامحك بشكل كامل...لم أكن اتوقعك بهذا الجمال!
تبسمت وقالت:
ـــــ قل ماشاء الله لا قوة الا بالله.
ــــ ههه تخافين أن تحسدك عيناي؟ فأنا أنظر إليكِ بعين
العاشق وليس بعين الحاسد
ـــــ مممم أخجلتني هاها.. ولكن ماشاء الله لا قوة إلا بالله تقال عندما ترى ما
تحب من نفسك وأهلك ومالك أيضاً حتى يحفظه الله لك.
ـــــ حقا؟.. حسناً، سأقولها حتى يحفظك الله لي حبيبتي يا منة
مَن بها عليّ ربي. ماشاء الله لا قوة إلا بالله.
أطرق قليلاً ثم قال وقد تبدت بسمة على محياه:
ــــــ حبيبتي هناك دعاء لا أحفظه جيداً، وأطلب منكِ أن تذكريني به حتى أقوله بالله
عليكِ.
ـــــ هاها تحت أمرك في أي دعاء تحب أن تتعلمه ... أي
دعاءٍ تقصد ؟
ــــ اقتربي هاهنا إلى جواري حتى أسمعه جيداً
ـــــ حسناً، هائنذا قد اقتربت.... ماهو الدعاء الذي
تريد تذكره ؟
ـــــ الدعاء الذي يقال قبل لقاء الود.
ارتجفت خجلاً، وقالت وقد ألصقت بصرها بالأرض حياءا:
ــــــ.....ألا يوجد دعاء آخر تريد أن تتذكره!!
ـــــ هاها.. بالطبع يوجد أدعية كثيرة، ولكن هذا الدعاء
هو ما أحتاجه في هذه الساعة .. أريد أن
أذكر الله في كل أقوالي وقبل كل أعمالي.. وقد سمعت أن قول هذا الدعاء عندما يقوله الزوجان
قبل اللقاء، وقدر بينهما الولد فإن الله يحفظه من الشيطان....... حبيبتي أقدر حمرة الخجل التي علت وجنتيكِ هاها ولكن لا مفر
من هذا الدعاء الآن . أم تريدنا أن نبدأ اللقاء بغيره ؟
ـــــ....لا.. أسمعه واحفظه .. سامحك الله يا عبد الله...
قتلتني خجلاً
ــــ ههههه سامحكِ الله حبيبتي ، قتلتِني عشقاً ... قولي
الدعاء حتى أحفظه وأقوله بعدك إن شاء الله
ـــــ اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا
ـــــ اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا
******************************************
عاد الدكتور سالم من صلاة الفجر، فنادى زوجته فلم تجب،
فظل يبحث عنها حتى وجدها تجلس في غرفة ابنتها يحيطها ظلام دامس، فتحدث إلى نفسه
متعجباً:
ـــــ ما هذا! مالها تجلس وحدها في الظلام! مريم!. أضغط
زر المصباح لأرها.
أشعل الضوء يناديها:
ــــ مريم
ردت بنشيج:
ـــــ يا سالم، اطفئ المصباح
ـــــ هاها ما هذا ! مالك تجلسين في الظلام وتبكين أيضاً؟
ردت وقد علا نشيجها:
ـــــ حتى لا تراني أبكي وتسألني ما الذي يبكيكِ يا مريم
ـــــ ههه حسناً، وقد وقع ما تجنبتي حدوثه وسأسلك.. ما
الذي يبكيكِ يا مريم؟
ـــــ اشتقت إلى ابنتي.اشتقت إلى عائشة
ــــــ ألهذا السبب تبكين يا حبيبتي ؟ ...اعتقد أن الذي
يبكيكِ شيء آخر
ـــــ وما هو؟
قهقه وقال
ــــــ أنك كبرتِ وتقدم بك السن وأوشكتِ أن تصبحين جدة ههه
التفتت إليه كالنمرة المفترسة وقالت:
ــــ عمن تتحدث! أنا! أنا يا سالم كبرت وتقدم بي العمر!.
أنا ما زلت شابة غضة صغيرة. أنت الذي تقدم بك العمر وحدك يا سالم
عادت للنشيج فضحك من قولها:
ـــــ أهكذا! ههه حسناً حبيبتي. أنا كبرت وتقدم بي العمر،
وتركك الزمن بجدائلك تلعبين في الطرقات ههه
ردت بنشيج، عامدة الأخذ بثأرها:
ــــــ أتسخر من حديثي يا سالم! ممممم تراك حبيبي قد
نسيت أنك أكبر مني بأثنى عشرة سنة
ـــــ مممم هههه تركت مريم البكاء على فراق ابنتها لتأخذ
بثأرها مني ههههه فالنساء لا يحتملن صدمات الحقيقة. لا بأس حبيبتي . حقاً أنتِ ما
زلتِ شابة جميلة وأنا أصبحت رجلا مسناً فتحمليني ههههه
ـــــ حبيبي لا تقل ذلك هاها أنت ما زلت صغيراً يا أبا
عائشة....حفظك الله لي حبيبي وبارك في عمرك
ـــــ وحفظك يا
أروع حبيبة ويا أعظم زوجة
ـــــ هاها تخجلني دائماً برقة كلماتك حبيبي. بل أنت
الأروع والأجمل والأعظم يا عشق سنيني
ـــــ بارك الله فيكِ حبيبتي. ها!. أعتقد أن البكاء على
فراق ابنتك لا محل له الآن بعد أن علت البسمة محياكِ.
ـــــ وكيف لا أتبسم وأنت بجانبي حبيبي. الحمدلله على
نعمة الزوج الصالح، الحمدلله
ـــــ الحمدلله على نعمة الزوجة الصالحة، الحمدلله
شرد في الماضي البعيد لبرهة باسماً، ثم قال:
ـــــ أتذكرين يا مريم يوم أن جئت لخطبتك؟
أشرقت روح الماضي في دواخلها فعلا الابتسام وجهها وقالت:
ـــــ وهل يُنسى هذا اليوم يا سالم! ههه قبلها بيوم جاءت
أمك لزيارتنا، ولم ألق بالاً لتلك الزيارة. فأمك صديقة لأمي واعتدت ان أراها عندنا
من آن لآخر.. . لكن هذه المرة كانت تعاملني بطريقة مختلفة ههه
ــــ كيف ؟.أخبريني هاها.
ــــ ما إن فتحت
لها الباب حتى ظلت تقبلني وتقول ماشاء الله كبرتِ يا مريم. ما أجملك من عروس ههه
وظلت تقبل وتقبل، فاندهشت وقلت في نفسي ما
بها خالتي دُرة تعاملني كأنها لأول مرة تراني!. ألم تلحظ أني كبرت إلا اليوم ؟
ضحك واستزادها:
ــــ وماذا حدث بعد ذلك ؟
ـــــ لا شيء.أدخلتها إلى غرفة الجلوس، ودخلت غرفتي فإذ بعدها
أمي تناديني وتقول تعالي اجلسي إلى خالتك دُرة فهي تريد أن تتحدث إليكِ. خرجت وجلست
إليها فهممت بالجلوس في كرسي بعيدا إلى حد
ما فجذبتني من ذراعي وضحكت وقالت اجلسي إلى جواري يا حبيبتي هاها. حقا ظللت احدث
نفسي واقول هناك أمرا يُدبر وأنا لا أعلمه ههه فبعدها قالت أمي جاءت خالتك دُرة لتخطبك لولدها سالم.فاتسعت
حدقة عيني من الدهشة وجريت إلى غرفتي فضحكتا من صنيعي هههه
ــــ هههه لم تحدثيني يوماً عن هذا الأمر. ها. أكملي يا مريوم.
ــــ مممممم بعدها دخلت أمي وقالت ما رأيك في ما سمعتي ؟ قلت لها لا أدري
هاها. قالت سالم معيد في كلية الحقوق ويكبرك بإثنى عشر عاما فشهقت وقلت إنه كبير جداً هههه
ـــــ ممممممم أهكذا قلتي لأمك؟
ــــ ههه لا تغضب حبيبي فهائنذا قد وافقت وتزوجتك... أمي قالت إنه شاب ملتزم وعلى خلق وأنا سعيدة أنه تقدم لكِ دون غيرك. فبكيت وقلت لا أريد الزواج . أريد أن أبق معك ومع أبي يا
أمي هاها
قهقه وقال:
ـــــ ومن اقنعك بالموافقة إذن ؟
ـــــ لا أحد هاها
ظللت في فراشي مستيقظة طوال الليل أفكر فيما استحيت أن أسأل عنه أمي وهو يا
ترى ما شكل سالم هذا...تخيلتك قصيراً وبديناً كأمك ههه
انفجر ضاحكاً، فاعتذرت:
ــــ آسفة جداً
حبيبي ههه. لم أقصد إهانة أمك رحمها الله
. فقد كنت أحبها كثيراً . ولكن ربما لأن أخي
عاصم كان ما زال صغيرا وهو يشبه أمي تماما
وكان نحيفا مثلها ولون عينه كلون عينيّ أمي فتخيلتك أنت أيضا تشبه أمك في كل شيء هههه
ـــــ هههه أضحكتني يا مريم أضحك الله سنك. ها! وبعدها حبيبتي ؟
ــــ بعدها نمت وحلمت بك عدة أحلام.. مرة أراك
أسود، ومرة أبيض، ومرة خمري البشرة، ومرة بدين، ومرة شعرك ناعم، ومرة مجعد،
حتى سئمت من الأحلام واستيقظت على صوت أمي تقول قومي يا مريم رتبي المنزل معي،
فسالم وأبوه سوف يأتيا لزيارتنا بعد صلاة
العشاء وعندنا الكثير من الأعمال..وأصرّت أمي أن أصنع لكم الحلوى بنفسي هاها
قهقه وقال:
ـــ وليتكِ ما فعلتِ. أتذكر الكعكة المحترقة هههه وأتذكر
البسبوسة التي كانت كقطع الأحجار ههه
ــــ مممم افصح أفصح عما كان في صدرك وكتمته عني طيلة
هذه السنوات التي قضيتها في مطبخي كي أرضيك
ـــــ هههه لا عليكِ حبيبتي. قدرت صغر سنك وقتها وأنك لم
تجيدي الطبخ وصنع الحلوى بالشكل الكافي هههه.. ها. نأتي ليوم الزيارة الجميلة هذه
والتي خطبت فيها حبيبة قلبي مريوم. أكملي يا مريوم
أسهبت في حديث الذكريات:
ــــ عندما وصلت أنت، كان كل ما يشغلني أن أراك كي
أعرف فقط ماهو شكلك ولا يهمني جميلٌ أم قبيح ، فقط أردت أن أعرف ما هو شكل الرجل
الذي سأتزوجه. وجاءت اللحظة الحاسمة هاها دخلت أمي وقالت تعالي يا مريم لتنظري إلى سالم وينظر إليكِ
ففوجئت بالعبارة وقلت هل سينظر إليّ يا
أمي؟ فضحكت أمي وقالت أجل يا حبيبتي، فهذه
هي الرؤية الشرعية، ويجب أن ينظر إليكِ وتنظري إليه... حينها شعرت بخجل شديد وقلت لها لا . أنا أستحي أن أنظر في وجه رجل هاها
فنهرتني واجتذبتني بشدة ودخلت للرؤية الشرعية
قهقه وقد تجلى الماضي نصب عينيه:
ــــ أتذكر.. رأيت قمراً يدخل إلى الغرفة قائلاً السلام
عليكم ههه وبعدها جلستِ ناظرة إلى الأرض لمدة دقيقتين أو ثلاث ثم انصرفتِ مسرعة من
الغرفة ولم تنظري إليّ هاها
ضحكت وقالت:
ـــــ خجلت جداً.. كنت أشعر أن جسدي يرتعد، وبدأ العرق يتصبب حتى كاد
يغرقني ههه فلذا فضلت الإسراع إلى غرفتي ..ولاحظت أمي ذلك فقالت ادخلي مرة أخرى
وانظري إليه فهذا حقك.قلت لها كيف ادخل مرة اخرى؟ قالت قدمي هذا الشراب واجلسي ههه
ــــ ههه رأيتك تدخلين وكاسات الشراب تتخبط في بعضها
بفعل يداكِ المرتعشة، فقمت وأخذت منكِ الصينية
لمعت عيناها وقد غابت في أروقة الماضي ووصفت تلك اللحظة
بابتسامة عريضة:
ـــــ وهنا رأيتك. يا الله !! لا أنس هذا المنظر.. شاب
طويل وأنيق، وملامحه تختلط فيها الوسامة بالرجولة بالوقار بابتسامة كلها حياء
ضحك وقال وهو يشير إلى نفسه:
ـــــ كل هذا أنا؟
ــــ بل وأكثر حبيبي.... شعرت بألفة غير عادية منذ
رأيتك. وذهبت الى غرفتي هذه المرة وأنا فرحة جداً.. وجلست على فراشي أنظر الى سقف
غرفتي وأداعب خصلات شعري متبسمة، واقول يا تُرى هل أعجبته وهل ستتم الخِطبة ؟
ــــ هاها اعجبتني حقاً حبيبتي، وأعجبني أكثر حياءك..
وها هي الخطبة تمت وتزوجنا وانجبنا عائشة وزوجناها الحمدلله
أطرقت باسمة وعادت تقول:
ـــــ أتعرف يا سالم!.. يقولون أن المرأة عندما تنجب
طفلاً يشبه زوجها يكن دلالة على حبها الشديد له
ــــــ أسمع هذه المقولة هاها
ــــ مممممم ألا تلاحظ أن عائشة تشبهك جداً؟ هاها فعلام يدل ذلك يا سالم ؟
قهقه وقال:
ـــــ وأنا احبك أكثر يا أم عائشة. حفظك الله لي حبيبتي
مريوم
عادت للنشيج مرة أخرى وأمسكت بمنديل ورقي تجفف دموعها،
فاستاء قائلاً:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله. ما الذي يبكيكِ مرة أخرى؟
ـــــ اشتقت لأبنتي يا سالم.أريد أن أرى عائشة. سأتصل
بها الآن.
همت بالقيام فصاح بها:
ــــ يا مريم! الساعة الآن تقريباً السادسة صباحاً
ــــ وما العجيب في ذلك ؟
ــــ العجيب أنك ستتصلين بابنتك صبيحة زواجها في هذا
الوقت العجيب.. . ماذا سيقول زوجها عنا؟
ردت بنشيج، تستعطفه بنظراتها:
ـــ سأتصل واقول لها صبيحة زواج مباركة واغلق على الفور
رد باحتداد:
ــــ مريم! قلت لكِ لا. هيا إن كنتي ترغبين في النوم بعض
الوقت، وإلا أفعلي شيئا مفيداً . حذاري أن تتصلي بعائشة الآن. أسمعتِ؟
ردت بنشيج ونظرات حانقة:
ــــــ أنت لا تشعر بقلب الأم يا سالم..هكذا الرجال
قلوبهم كالأحجار
قهقه وقال متعجباً:
ـــــ ألم أكن رقيقا منذ قليل!. آهٍ يا معاشر النساء.
تتقلب مشاعركن تجاه الرجل ألف مرة في يوم
واحد ههه
نفذ إلى أسماعهما صوت جرس هاتفها، فقال زوجها مندهشاً:
ــــ ماهذا! هاتفك يدق يا مريم. من المجنون الذي يتصل في
الصباح الباكر!
هرعت إلى الهاتف فإذ قلبها يقفز فرحاً وهي تقول:
ــــ عائشة ههه
أرأيت يا سالم ؟ أتصلت حبيبتي في السادسة صباحاً، فلم تطق بعداً عن أمها حبيبتها.
تركت زوجها لعيون أمها
ــــ ههه والله يبدو أن ابنتك ورثت عنك الجنون. اهنئي بها. كان الله في عون المسكين عبد الله
ردت على الهاتف بنبرة متهللة:
ــــ السلام عليكم ههه كيف حالك حبيبتي العروس الجميلة .
اشتقت اليكِ، اشتقت إليكِ.
ــــ ههه وعليكم السلام أمي الحبيبة. بل أنا من اشتقت
أكثر . كيف حالك يا أمي وكيف هو أبي ؟
نظرت إلى زوجها وقالت تداعبه:
ــــ أبوكِ هاهو بجانبي. جالس يبكي إلى جواري ويقول اشتقت لأبنتي ههه
رد الوالد ضاحكاً:
ــــ أنا!! ههه هاتي عائشة أسمع صوتها
خذي أباكِ يريد أن
يسمع صوتك، وبعدها سأخذ الهاتف وأذهب بعيداً كي أطمئن عليكِ أيتها
العروس ههه
غمعمت عائشة بعيداً عن الهاتف:
ـــــ ممممم ما الذي جعلتني اتصل !... أعطني أبي يا أمي
ــــ خذ يا سالم هاهي عائشة
ــــ السلام عليكم ورحمة الله ههه كيف حالك ابنتي
الحبيبة وكيف حال زوجك؟
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أنا بخير وعبد
الله بخير الحمدلله. صلى الفجر ونام، وأمسكت
أنا بهاتفي كي أطمئن عليك وعلى أمي .. كيف حالك يا أبي؟
ــــ بخير حال حبيبتي ... أتعرفين حقاً أن البيت ينقصه
شيء كبير جداً بغيابك يا ابنتي ؟ حقا هذه المرة الأولى التي أشعر فيها بهذا الإحساس القاسي
ـــــ دام لي عطفك يا أبي . فرحت جداً بهذه الكلمات
والله . كنت أعتقد أنكما استرحتما مني ههه
ـــــ كيف تقولين ذلك وقد كنتِ كالنسمة الرقيقة التي
داعبت أحاسيسنا ثم مضت بهدوء
ــــ ههه كلامك جميل يا أبي
حاولت أمها امتشاق الهاتف من يده وهي تقول بتلهف:
ــــ هات، هات يا سالم. تحدثت إليها طويلاً.
ضحك وهو يومئ لها أن تصبر، وقال منهياً حديثه لابنته:
ــــ جمل الله حياتك بطاعته يا ابنتي . بلغي سلامي لعبد
الله. خذي أمك المتلهفة عليكِ وتحاول امتشاق الهاتف من يدي بكل قوتها ههه
ــــ هههه هاتها يا أبي.
أعطى الهاتف لزوجته التي ضيقت عينيها وقالت بمكر:
ــــ ممممممم قلت لابنتك كلاما لم تسمعني مثله يوماً.
سأنتهي من المكالمة ثم أعود لأثأر منك ههه
ـــــ وانا سأذهب لأختبئ تحت الفراش خوفا منكِ ههه
ــــ سأنزل ورائك فلا مفر من ثأري هههه
ضحك وانصرف عنها، فعادت للحديث مع ابنتها..فأخذا في سرد
الأحاديث، حتى قالت عائشة:
ــــ أتركك الآن لأحضر طعام الإفطار لزوجي يا أمي أريده أن يستيقظ فيجد إفطاره معداً وجاهزاً إن
شاء الله
ــــ ههه تحاولين أن تقلدينِي لتصبحي زوجة رائعة مثلي
تماما. أليس كذلك ؟
ـــــ هههه مجرد محاولة يا أمي وليتني أستطيع
ـــــ تستطيعين حبيبتي عليكِ أن تعملي جاهدة على إسعاد زوجك. هو أهم
إنسان في حياتك يا ابنتي، احرصي على مشاعره وكسب قلبه بجميل أفعالك وتجنبي إغضابه،
وإن حدث وغضب فسارعي لإرضائه حبيبتي . صدقيني حينما يغضب الزوج تشعرين كأن العالم
ضاق بكِ ولن تجدي رغبة في فعل أي شيء ولا حتى مجرد الرغبة في الكلام مع ايٍ من
البشر حتى يرضى عنكِ.
ضحكت عائشة وقالت بمكر:
ــــ ممممم فهمت، فهمت.أها!!
ــــ ما الذي فهمتيه يا حصيفة عصرك ؟ههه
ــــ عندما كانت تحدث بينك وبين أبي أي مشاحنة أو مشاجرة
ويقاطعك كنتِ تقاطعي العالم معه، وكنتِ
تقاطعيني أنا ايضاً وتنهريني دونما ذنب ههه
وتقولي ابتعدي عني لا أريد أن أرى أحد .. وإن اتصلت بكِ أي صديقة أو قريبة كنتِ
ترفضي الرد عليها وكنت أرى الضيق على وجهك.
حتى يرضى عنكِ أبي وتعودين إلى مرحك وضحكك وتغرقيني بالقبلات ههه
ــــ ههه لهذا أريدك أن تضعي زوجك ورضاه عنكِ في المقام
الأول بعد رضى الله عنكِ حبيبتي
ــــ إن شاء الله يا أمي... لا تحرميني من دعواتك الطيبة
النابعة من قلبك لابنتك التي تحبك
ـــــ حبيبتي يا عائشة. أسعد الله أيامك مع زوجك ورزقكما
الذرية الصالحة وحفظكما من شر كل ذي شر اللهم آمين
ــــ آمين يا أمي آمين . استودعك الله . السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام يا حبيبتي
*************************************
غمغمت عائشة وهي تتجه إلى المطبخ:
ــــ ممممممم اذهب إلى المطبخ لأحضر طعام الإفطار وأوقظ
زوجي الحبيب عبد الله
دلفت إلى المطبخ فتفاجئت بعبد الله يعد طعام الإفطار. فقالت له باندهاش:
ــــ ها!! . عبد الله في المطبخ !!! ألم تنم حبيبي ؟
ــــ هاها صباح الخير حبيبتي. لا لم أنم، ولم أكن أنوي النوم من الأساس.
ـــ ممممم وماذا كنت تنوي إذن ؟
قال يلومها بلهجة المحب:
ــــ كنت أنوي أن نجلس سوياً نتكلم ونتسامر مع بعضنا
البعض، فكنت متشوقاً للحديث إليك... ولكنك منذ رأيتني مضطجعاً على الفراش وتدثّرت،
أطفئتِ المصباح وأسرعتِ إلى خارج الغرفة
تهاتفين أمك هههههه ما أخبارها يا ترى .
من الواضح إنك اشتقتِ إليها جداً
أطرقت رأسها خجلاً وغمغمت:
ــــ مممممممم مخالفة زوجية منذ أول صبيحة ممممممم كيف أعتذر.
ضحكت واعتذرت:
ــــ حبيبي! آسفة
جداً.. والله اعتقدت أنك مرهق من السفر
وترغب في النوم، فما أردت إزعاجك
ــــ ممممممم ههه حسناً حبيبتي. ولكن كان من الأفضل أن
تسأليني قبل خروجك من الغرفة أتريد شيئاً يا حبيبي ؟ ههههه أليس هكذا ؟
تصنعت البكاء تغنجاً وقالت:
ــــ ممممممم هكذا !اهئ اهئ واضح انك لم تقبل اعتذاري
ـــــ هاها ما
اجمل تصنع البكاء بالتغنج
ابتسمت وأطرقت رأسها، فقال:
ــــ سامحتك حبيبتي. لم يحدث شيء... كيف حال والدك
ووالدتك ؟
ــــ بخير الحمدلله. ولكن ماذا تفعل الآن ؟
ــــ أعد لكِ طعام الإفطار حبيبتي ههههههه فأنتِ لم تتناولي العشاء
ضحكت وقالت:
ـــــ تعجبت من الاصناف الموجودة على المائدة ههه لم أعهدها
في حياتي. هل كانت لذيذة ؟
ـــــ ههه أنا أيضاً رفضت أن آكل عندما رفضتِ أن تشاركيني، لذا ادخلت كل الطعام
إلى الثلاجة
ــــ مممممم لو كنت أعلم أنني سأتزوج بالأمس كنت أخبرت
أمي تعد لنا طعاماً أعرفه ههه ولكن هذه الاصناف فلا ههه
ـــــ ههه إنها أكلات تشتهر بها دوسلدورف حبيبتي. حقاً
شهية وإن ذقتيها ستعجبك كثيراً.. سنعيد تسخينها عند الغداء
ــــ سنعيد تسخينها وستأكلها وحدك. فأنت ألماني متحيزاً لأكلاتكم، ولكن أنا مصرية متحيزة لطعام أمي ههه
ــــــ ههه وأين هي أمك الآن! ليس أمامك غير الأطباق الألمانية، وعندما تشعرين
بالجوع ستأكلين منها....حبيبتي يجب أن تتعرفي على الشيء أولاً قبل أن ترفضيه هههه
ربما أعجبتك هذه الأطعمة أكثر من أكل أمك
ـــــ ههههه ربما حبيبي. أعطني هذه البيضات التي في يدك
حتى أحضر لك الإفطار.
ــــ لالالالالالا سأساعدك حبيبتي .. سأعد أنا البيض،
وقطعي أنتِ الجبن وضعيه في طبق
ـــــ حبيبي لا أريد أن أرهققك. بالله اذهب أنت وانتظرني
على المائدة. أريد راحتك
ــــ راحتي عندما اكون إلى جانب حبيبتي. أحبك، أحبك،
أحبك يا عائشة
ــــ أُحبُك، اُحبُك، أحبك يا حبيبي
أغمض عيناه وهام، فقالت متبسمة:
ـــــاغمضت عينيك وستنام واقفا حبيبي !
ــــ بل شردت مع أجمل الأحاسيس التي جمعت قلبينا، وهمت
بها في عالم آخر مممممم أنسيتني.. ماذا نحن
نعملا هنا يا حبيبتي ؟
ضحكت وقالت:
ــــ أعتقد كنا نعدا طعام الإفطار
قهقه وقال:
ـــــ هيا نكمل قبل أن نهيم مرة أخرى
ـــــ ههههه هيا حبيبي
***************************
على
مائدة الإفطار سألها متفكهاً:
ـــــ ما رأيك في البيض المسلوق حبيبتي؟هههه.
ـــــ هههه ألذ بيض مسلوق أكلته بحياتي حبيبي
ـــــ وهل يختلف
طعم البيض المسلوق يا ماكرة انتِ! ههه
ــــ هاها الاختلاف ليس في طعم البيض، ولكن الاختلاف في
أن حبيبي هو من أعده. فكيف لا يكن مختلفاً! فهو بمذاق الحب يا حبيبي.
تبدت بسمة على محياه وأطرى شدو شفتيها:
ـــ حبيبتي رومانسية وشاعرية، وتنطق بأعذب الكلمات
ــــ لأن حبيبي يسقني حباً، ويغمرني حباً، فكيف لا أفيض حبا! أحبك، أحبك يا حبيبي.
أمسك بكفها وقلبه يخالجه الخوف والرجاء:
ـــــ حبيبتي، أحبك، أحبك.... أخاف أن يكون ذلك حلماً. أخاف..
أخاف أن أستيقظ ولا أجدك.. أخاف.
قبضت بكفها الآخر على كفه وراحت تغرس نبتة اليقين في
قلبها وتسقه أملا:
ــــ لا حبيبي. بل هي الحقيقة فلا تخف. لا حرمني الله
منك يا عبد الله
ــــ لا حرمني الله منك حبيبتي عائشة
*****************************
هاتفه صديقه محمد، فرد
ـــــ السلام عليكم يا محمد
ــــــ وعليكم السلام ورحمة الله . كيف حالك عبد الله
ــــ الحمدلله بخير حال . كيف حالك أنت؟
ــــ انا بخير، ومخطوبتي
حفصة تريد أن تزور زوجتك لتهنئها
ــــ ههه لحظة أخبر زوجتي من فضلك.
ـــ تفضل بالطبع
نادى زوجته ليستأذنها:
ـــــ عائشة.. حفصة مخطوبة محمد تود أن تأتي لتهنئتك
ــــ مرحبا بها. متى ستأتي؟
ــــ لحظة حبيبتي ... محمد متى ستأتي مخطوبتك ؟
ــــ سأحضرها معي الآن، فأنا أيضاً سآتي لتهنئتك ههه
غضن عبد الله حاجبيه وسأله:
ــــ أعاقد عليها أنت حتى تصطحبها بسيارتك ؟
ـــــ ههه ماشاء الله ! ونعم الإلتزام يا عبد الله. لا تخش
شيئاً. أنا عاقد عليها بالفعل الحمدلله
ـــــ إذا كان الأمر كذلك فمرحباً بكما ههههه سأنتظرك إن
شاء الله
ـــــ إن شاء الله يا أخي. السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام
ما أن وضع الهاتف حتى قالت عائشة جذلة:
ـــــــ سمعت ما قلت لصديقك يا عبد الله. أنا جد مسرورة
أنك لا تتهاون في التزامك بتعاليم الإسلام
ـــــ حبيبتي أنا جلست طيلة سنوات عمري ابحث عن الدين
الحق فكيف لي عندما اجده أن أتهاون في تطبيق تعاليمه!
ـــــ الحمدلله حبيبي... أنا سعيدة جداً أنك زوجي يا عبد الله
تبسم وقال منتشياً:
ـــــ بل أنا الأسعد أنك زوجتي يا حبيبة القلب يا صاحبة
الضوء.
ـــــ ههه أحب هذا اللقب كثيراً عندما تنادني به.....
أتركك وأذهب لأعد واجب الضيافة حتى نكرم الاضياف
****************************************
سمعا دقات جرس الباب، فقالت عائشة:
ــــ افتح يا عبد الله،
يبدو أن الأضياف قد وصلوا
ــــ سأفتح يا حبيبتي. انتظري الضيفة في غرفتك، وانا
سأصطحب محمد إلى حجرة الجلوس
ــــ حسنا حبيبي
****************************
انتظرت عائشة الضيفة في غرفتها، فألفت أمامها شابة
ألمانية طويلة القامة، قد أضفى الحجاب الهدءة على ملامحها، تلقي عليها السلام بروح مرحة لتذيب جليد اللقاء
الأول:
ـــــ السلام عليكِ
بادلتها عائشة ذات الروح وذات الابتسام وردت التحية
بأفضل منها:
ـــــ وعليكِ السلام ورحمة الله، مرحبا حبيبتي، تفضلي
جلست وقالت:
ــــ اشكرك. أنا إسمي حفصة، وأنتِ عائشة، أليس كذلك؟
ــــ مرحبا حفصة. بلى، أنا عائشة مممم ولكن ملامحك
ألمانية يا حفصة ! هل حفصة اسمك فعلا ؟
ــــ هه أنا كنت مسيحية وكان اسمي مارجريت. حفصة هذا
إسمي الذي اختاره لي محمد بعد إسلامي
ـــــ مممم هل كنتِ تعرفين محمد من قبل إسلامك ؟
ـــــ أجل، فقد كان اسمه جورج وكان صديقي، وكنت أحبه جداً..
فعندما أسلم أصرّ على قطع علاقته بي
وحزنت لذلك كثيراً، وبكيت بشدة حتى لا يبتعد عني، ولكنه
قال لا يجوز له أن تكون له صديقة بعد إسلامه،
فقلت له إذن أنا أريد أن أسلم على أن تتزوجني. فوافق
بالطبع
بدا الابتئاس على ملامح عائشة وقالت:
ــــ ماذا!!... أعلم من ذلك أنكِ غير مقتنعة بالإسلام
ولكنك فقط أسلمتِ لأجل حبيبك ؟؟؟
تبسمت حفصة وقالت:
ــــــ لا تنزعجي هكذا يا عائشة...هذا بالفعل كان في أول
الأمر، لكن والله أنا الآن أشد حباً وحرصاً على الإسلام من كثير من المسلمين....
أحببت الحجاب، وأحببت العفاف، وأحببت القرآن، وعشقت الصلاة بين يدي الله ..فقد
تعلمت الكثير على يد داعيات فاضلات، وأصبح حب الله أكبر من حبي لذاتي. الحمدلله
ـــــ يا الله !!!!!!! ما أجمل كلامك يا حفصة. ليت
المسلمات المفرطات في حيائهن وعفافهن وحجابهن وحبهن لله ورسوله أن يسمعن كلماتك
النابعة من قلبك تلك يا حبيبة. كم علقتني كلماتك الجميلة بكِ وأحببتك يا حفصة
ــــ وأنا أيضا منذ دخلت غرفتك ورأيتك أحببتك يا عائشة .
أحبك في الله يا أختي
ـــــ أحبك الذي أحببتني فيه يا حفصة. مرحبا بكِ يا
اختي. لحظة احضر لكِ واجب الضيافة، حتى لا يشغلني حلو حديثك عن ضيافتك هههه
ـــــ ههه بارك الله فيكِ أختي عائشة
عادت
عائشة بصحيفة الفاكهة:
ــــ هأنذا قد أحضرت
لكِ بعض الفاكهة
ــــ شكراً، شكراً ههه جزاكِ الله خيراً . ممممم اخبريني
ما رأيك في طعام العشاء؟ فقد اعددته لكِ بيدي وأرسلته مع محمد
أطرقت باسمة هنيهة ثم قالت بخجل وهو تواري الضحك:
ــــ ممم والله لا أدري ما أقول لك يا حفصة هههه
ــــ مممممم أحزنتني كثيراً . هل هو سيء إلى هذه الدرجة
يا أختي؟
ــــ لا،لا والله لم أقصد . فقط يا حبيبة أنا لم أتعرف
على الأطباق، لذا فلم أقترب منها هههه
ـــــ ههه وأين ذهبت الاطباق الشهية حتى اعرفك عليها ؟
ـــــ ههه حفظتها بالثلاجة
ـــــ حسناً. أخرجيها من الثلاجة لأعرفك عليها في الحال
ههه
ــــ ههه تعالي يا حفصة
اصطحبتها إلى المطبخ وأخرجت الأطباق من الثلاجة وقالت
ضاحكة:
ــــ ها هي أكلاتكم التي لا أعرفها..أخبريني عن كل واحدة منها ما
اسمها ومن أي شيء صنعتيها حتى تشهيني ههه
ــــ ههههه هذا الطبق اسمه راينيشير زاوير براتن
انفجرت عائشة بالضحك وقالت:
ـــــ هذا إسم أكلة أم معركة حربية!!
ـــــ هههه معركة حربية. إنه شهي جداً
ــــ مما تصنعينه يا حفصة ؟
ــــ هو عبارة عن لحم بقر مشوي يتم نقعه في الخل
والتوابل لبضعة أيام... سمي الله وخذي هذه
القطعة مني
ــــ بسم الله الرحمن الرحيم ممم طعمها لذيذ حقاً . سلمت يداكِ يا حفصة...
وما اسم هذا الطبق الآخر ؟
ــــ هذا الطبق خاص فقط بأهل دوسلدورف يا عائشة، واسمه
دوسلدورفير زينفرو ستبراتن
ضحكت عائشة وقالت:
ــــ لا،لا،لا حقاً أسماء أكلاتكم طويلة ومعقدة. ومما
صنع هذا أيضاً
ـــــ إنه لحم بقر مشوي ولكن بصلصة الخردل. وهذا النوع
من الخردل لا يصنع إلا عندنا في دوسلدورف، وفي ديجون بفرنسا... تفضلي هذه القطعة. سمي
الله أولاً
ـــ هههه بسم الله الرحمن الرحيم ممممم وهذا شهي أيضاً.
سلمت يداكِ ... تعرفين.. أنا من ستعد لكِ طعام عرسك من المطبخ المصري ههه
ـــ حقا يا عائشة ؟ والله سأكون سعيدة بذلك جداً
أردفت حفصة بسؤال:
ـــــ ألم تخرجي
للتنزه في دوسلدورف ؟
ـــــ بالطبع إن شاء الله سأخرج أنا وعبد الله لنتجول في
أنحاء دوسلدورف ونتعرف على معالمها
ــــ اتمنى لكما قضاء وقتاً سعيداً، واتمنى لكما حياة
هانئة وهادئة وجميلة، وأن يرزقكما الله الذرية الصالحة آمين
ـــــ آمين إن شاء الله . ولكن لم تخبريني متى زواجك
ـــــ كان زواجي سيتم بعد أسبوع في هذا المنزل، ولكن
أجلنا الزواج لأجلكما وأنكما الأحق بهذا المنزل
تبدى الخجل على وجه عائشة وقالت على استحياء:
ــــ يا الله! سامحيني، فأنا السبب في تأخير زواجك يا
حفصة
ــــ حبيبتي لا عليكِ. نحن نجهز منزل آخر وسنتزوج بعد
شهر على الأكثر إن شاء الله
ــــ إن شاء الله يا حفصة . جمع الله بينك وبين زوجك على
خير اللهم آمين
ــــ آمين حبيبتي
****************************************************
نظر محمد في ساعة يده، فتفاجأ بمضي وقت طويل، فقال:
ــــ يا إلهي! تأخرنا كثيرا يا عبد الله عندكم. سأدق على هاتف
حفصة حتى ننصرف
رد عبد الله ممازحاً:
ــــ يا أخي اجلس، لِمَ العجلة! ههه
بادله محمد المزاح:
ــــ ههه حسناً، سأجلس
ـــــ لا،لا،لا، أعتقد أنك بالفعل تأخرت يا محمد ههه
ــــ حتى لا تفكر في مجاملتي مرة أخرى هاها سأدق على
هاتف حفصة
تذكر محمد شيئاً هاماً فقال:
ـــ أوه! نسيت...خذ مفتاح سيارتي حتى تصطحب زوجتك خارج
المنزل وتتنزها. دوسلدورف جميلة جداً، من أروع المدن الألمانية.
ــــ ههه تحدثني كأني غريباً عن ألمانيا. قد سبق لي
زيارة دوسلدورف أكثر من مرة ، وأعرف معالمها جيداً. ولكن سأصطحب زوجتي للترويح
عنها بزيارة معالم دوسلدورف الرائعة.
ـــــ أتمنى لكما وقتا طيباً.
ـــــ ولكن إن تركت سيارتك فكيف ستعود بمخطوبتك؟
ــــ سأستأجر سيارة. لا تلقِ بالاً
تبدى الاستياء على وجه عبد الله، وابدى اعتراضه:
ــــ لا،لا. لا داع لذلك, إنما أنا من سيستأجر سيارة.
ــــ لا والله. سأترك لك سيارتي ومن الاسبوع القادم حين
تنزل إلى العمل إن شاء الله ستأتي لمعرض السيارات عندي وتختار سيارة.
ـــــ يا أخي لا مال عندي لشراء سيارة.
ــــ يا عبد الله سأقسط لك ثمنها، وإن لم تستطع سداد
الاقساط فلن اطالبك وألح عليك هاها..
عندما تبدأ العمل ستتيسر كل الأمور فلا تقلق بإذن الله
أسدى عبد الله نظرة امتنان إلى صديقه محمد إزاء روح
الإيثار التي شعت من أعماقه:
ـــــ حقاً، لا أعرف كيف اشكرك.
نظر عبد الله في ساعة الحائط أمامه ليلفت نظر محمد
للمغادرة، وقال ممازحاً:
ـــــ ممم مرحبا بك يا محمد ،مرحباً
ـــ ههه سأدق على حفصة لا تقلق.
دق جرس هاتف حفصة، فقطع حديثها الودود مع عائشة، فنهضت
حفصة وودعتها:
ــــ إنه محمد . استودعك الله يا عائشة
ــــ هل ستأتي لزيارتي مرة اخرى؟
ــــ بالطبع. فقد صرنا اختين متحابتين في الله يا اختي.
السلام عليكم
تبادلتا القبلات الودودة، وردت عائشة السلام على من أحبت
ــــــ وعليكم السلام ورحمة الله يا حفصة
*********************************
دخل أحد أعين القس دانيال مسرعاً ليخبره بأمر ما:
ــــ آبانا دانيال! أسمعت أن هناك قطعة أرض ينتوي
المسلمون أن يبنوا عليها مسجدا؟
هاج هائج القس:
ــــ ماذا! أي مسجد يريدون بناءه!. ألا يكفيهم ما بنوا
من مساجد! أنهم يريدون أن يغزوا أوروبا بمساجدهم. لا، وحق الرب لن يكون.
ــــ ولكنهم أخذوا تصاريح للبناء يا آبانا، الحكومة
الألمانية موافقة على هذا الأمر.
أبرق القس وأرعد:
ــــ ولو أخذوا ألف ألف تصريح لن يتم بناء المسجد. ما هذا!!
أستتحول أوروبا إلى مسلمين ومساجد، وتهدم الكنائس على رؤوس مرتاديها!!!
رد التابع بأسى:
ــــ وأين هم مرتادوها يا آبانا!
لكمه القس في صدره بعنف وصاح به مهتاجاً:
ــــ خسئت. لا تنطق بمثل هذه الكلمات. أنا هنا لأحمي دين
يسوع. وإن أراد المسلمون بناء مسجد فسيهدم على رؤوسهم
تبدت ابتسامة ارتياح على وجه التابع حين تذكر وقوع أمر
مشابه وبدأ في سرده على مسامع القس:
ــــــ سمعت يا آبانا أنه كان هناك قطعة أرض ينوي المسلمون
في المانيا أن يبنوا عليها مسجد، فقام أهالي المنطقة وبعض القساوسة بذبح عددا كبيرا من
الخنازير على الارض التي سيتم عليها بناء المسجد وغرقوها بدماء الخنازير وعلقوا
رؤوس الخنازير فيها ههه
انفجر القس ضاحكاً وقال:
ــــــ هكذا يكون الدفاع عن أوروبا ضد غزو المسلمين هاها
أطرق القس مفكراً، ثم قال وهو يعبث بشعر لحيته:
ـــــ ولِم لا نفعل ذلك على هذه الأرض؟
ــــ يا آبانا هناك من القساوسة من يوافقون ويدافعون عن أحقية المسلمين في بناء المساجد ويقفون معهم
تربد وجه القس وقال:
ــــ ماذا!! تبا لهم.
زاده التابع اشتعالا حين قال بمكر:
ــــ ومن بينهم آبانا فيليب.
أصر القس على أسنانه وقال والغيظ يزمجر داخله:
ــــ فيليب!! آآآخ! سأذهب إلى فيليب هذا.. سأسمعنه ما
يكره. كيف يكون ممثلاً عن يسوع وهو يخونه. غداً سأذهب إلى هذا الفيليب.
ــــ أتأمرني بأي شيء يا آبانا.
ــــ انصرف أنت الآن يا ستيفين.
ما أن خرج التابع حتى دخل الحارس لينبئ القس بوصول من
يترقب:
ــــ الآب دانيال. هناك راهبة أتت من برلين تقول أن من أرسلتها
هي الأم صوفيا
تهلل وجه القس وقال على الفور:
مرحبا بها، أدخلها
عاد يجلس على كرسي البابوية الفخم بعنجهية وتعاظم،
وعيناه ترقبان الباب البعيد بثبات....دلفت راهبة عشرينية إلى الرواق تصاحبها قرعات
أجراس الكنيسة، تمشي بخطوات ملكية واثقة، وعينان حادتان، وملامح جامدة تجافي
الابتسام...نظرت عن يمينها فإذ بتمثال العذراء..انحنت أمام التمثال مغمضة العينين،
وأشارت إلى صدرها بعلامة الثالوث..ثم عادت تقطع الرواق إلى القس بذات الخطوات
الواثقة حتى بلغت الكرسي البابوي، فانحنت أمام القس وحيته بكبرياء:
ــــ طاب صباحك يا آبانا دانيال.
ــــ مرحبا. ما اسمك ؟
ـــــ مانويلا. أرسلتني الأم صوفيا، وقالت نفذي تعاليم
الآب دانيال، فإنه يريدك في مهمة عظيمة لخدمة يسوع.
ــــ حقاً. أريدك في مهمة عظيمة دفاعاً عن دين يسوع.
ـــــ وأنا في
خدمة يسوع ودين يسوع... ما الأمر يا آبانا؟ سمعا وطاعة قبل أن أعرف
ــــ باركك الرب يا مانويلا. هكذا تكون الراهبة الصالحة،
اجلسي
ــــ لا أستطيع أن أجلس امامك آبانا دانيال.
ــــ اجلسي فلي معك حديث طويل
ــــ سمعا وطاعة. ولكن سأسجد تحت قدميك أولاً يا آبانا.
ــــ باركك الرب. اسجدي
سجدت أمام الكرسي البابوي تعظيماً للقس..ثم قامت وهي
تشير إلى صدرها بعلامة الثالوث، وقالت بعد أن جلست على مقربة منه:
ــــ ما المطلوب مني يا آبانا دانيال؟
ــــ سأرسلك لمهمة لمراقبة أحد أعدائنا
غضنت حاجبيها وقالت باندهاش:
ــــ أراقب!!
ـــــ لي عيون تراقب من الخارج، ولكن أحتاج إلى عين
تراقب داخل المنزل.
ردت بذات الملامح الجامدة:
ــــ وكيف لمن سأراقبهم أن يثقوا بي ويدخلوني إلى منزلهم
؟
ــــ إذا التزمتِ أوامري سيدخلونك
*************************************************
هل هناك من هو أسعد قلباً من عبد الله الذي دعته زوجته
صاحبة الضوء لقيام الليل سوياً!، وهو
طالما كان يرقب ضوء حجرتها من نافذته عندما تقوم لصلاة الليل، كم أمضى تلك
الليالي متهجداً في صومعة أمنياته..وها هو يرى تلك الأمنيات حقيقة نصب عينيه حين
أتته زوجته متوضئة تقول:
ـــــ هيا يا عبد الله يا حبيبي. ها أنا ذا قد توضأت. قم
فتوضا لنقيم الليل سوياً
ـــــ سأسرع على الفور حبيبتي، سأسرع
توضأ وعاد مسرعاً، وقال متهلل الوجه:
ـــــ ها أنا ذا توضأت وقدمت إليكِ. ممم فقط سأرهقك
قليلاً. من فضلك أريد أن أحفظ بعض من قصار السور. فأنا لا أحفظ غير القليل منها.
فمن فضلك ساعديني
ــــ ههه على الرحب والسعة حبيبي. سأحفظك سورة الليلة،
وغداً سورة أخرى إن شاء الله، وهكذا. وكلما حفظت سورة تصلي بها. أتفقنا؟
ـــــ اتفقنا حبيبتي.... . يا الله !....يا له من ليل
رائع يقضى في طاعة الله بين سكون الليل وساعات السحر
ــــ أسال الله حبيبي أن يتقبل منا صالح أعمالنا.. هيا لنبدأ على بركة الله بحفظ السورة
ــــ هههه دمتِ لي معلمتي. إبدأي يا حبيبة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر.
ليلة القدر خير من ألف شهر. تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام
هي حتى مطلع الفجر
*****************************************
هاتفت الراهبة مانويلا، الأم صوفيا لتخبرها بما دار
بينها وبين القس دانيال:
ــــــ مرحبا مانويلا. أخبريني ماذا حدث بينك وبين الآب دانيال.
ــــ أفهمني المطلوب مني جيداً، وسأمكث هنا لديه في
الكنيسة مدة شهر تقريباً للتدريب
ـــــ عظيم جداً. نفذي كل ما يأمرك به الآب دانيال.
أسمعتي ؟
ــــ سمعاً وطاعة، الأم صوفيا
ــــــ باركك الرب مانويلا. لكِ مني مكافأة خاصة
ـــــ متى؟
أجابت صوفيا بنبرة مستعرة:
ـــــ حين إتمام مهمتك على أكمل وجه، وبعد أن تذبح
المسلمة كالشاة وألطّخ وجه كيفن بدمائها....
أتركك الآن. هاتفيني كلما جد جديد
ـــــ سمعا وطاعة
الأم صوفيا
********************************************
استعد عبد الله للتنزه مع زوجته منذ قرابة النصف ساعة،
فظل ينتظرها ويناديها بين الفينة والفينة:
ـــــ عائش! هيا حبيبتي. هل انتهيتِ من ارتداء ملابسك لنخرج
؟
ــــ قادمة حبيبي، قادمة
رد ممازحاً:
ـــــ مممم منذ نصف ساعة وأنتِ تقولين قادمة حبيبي, قادمة،
ولا أجدك برحتِ باب الغرفة ههه
خرجت ضاحكة:
ـــــــ هأنذا... تأخرت عليك حبيبي ؟
ـــــ ههه لا،لا..
وهل أستطيع أن أقول ذلك !! ما كل هذا الوقت الذي استغرقتيه حبيبتي لإرتداء
ملابسك !!!
ــــ آسفة جداً على التأخير حبيبي. ولكن هكذا هن النساء
يستغرقن اوقاتا طويلة قبل الخروج ههه
ـــــ ممممم كنت أعتقد أن المتبرجات فقط من يحتجن أوقاتا طويلة لإتمام التزين.
ـــــ حبيبي.. هن يحتجن أوقاتاً طويلة لإظهار مفاتنهن،
ونحن نحتاج أوقاتاً أطول لإخفاء مفاتننا عن أعين الغرباء.
ـــــ هاها ممممم رد مقنع حبيبتي. هيا نتوكل على الله
ونخرج
ـــــ حبيبي قل قبل الخروج من المنزل . بسم الله توكلت
على الله ،ولا حول ولا قوة إلا بالله.. فمن قالها يقال له هديت ووقيت وكفيت وتنحى عنه
الشيطان . هذا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــــ عليه أفضل الصلاة والسلام. بسم الله توكلت على الله
،ولا حول ولا قوة إلا بالله
***************************************
فتح لها باب السيارة احتراماً, فركبت باسمة, وبقت أذيال
ثوبها خارجاً، فقال ضاحكاً:
ـــــ أريد أن أغلق الباب
قالت بتعجب:
ـــــ اغلق الباب، حبيبي
ـــــ حبيبتي ارفعي طرف عبائتك وإلا سيغلق الباب عليها. أخاف
أن تتمزق وأضطر لشراء أخرى هههه
ـــــ هههه أهكذا ؟ حسناً. دعها تتمزق حتى تضطر لشراء أخرى.
ها.
هاها أنا تحت أمر حبيبتي . فقط ارفعي الطرف لأجلي
ــــ هاها.ها هو حبيبي، هيا أغلق الباب مطمئنا يا عبد
الله
ـــــــ هكذا أدخل السيارة مطمئناً ....السلام عليكم حبيبتي
ــــــ وعليكم السلام حبيبي . هيا توكل على الله كي
ننطلق
ــــــ بسم الله الرحمن الرحيم
ــــ قل يا حبيبي
عند ركوب السيارة، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا
لمنقلبون
ـــــ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا
إلى ربنا لمنقلبون
ضحكت بمرح كالأطفال وزوجها ينطلق بالسيارة، وقالت:
ـــــــ انا فرحة جداً.
ـــــ هاها هل أنتِ فرحة لأننا خرجنا للتنزه؟
ـــــ فرحة لأنني معك حبيبي. التنزه معك والجلوس إلى
جوارك في السيارة له طعم آخر. شعور مختلف عما كنت أشعره مع أسرتي.
ـــــ وأنا والله لأكثر منكِ فرحا حبيبتي لأنك معي وإلى
جواري.... أريد أن أسعدك. أريد أن أجعلك أسعد إمرأة في العالم
ـــــ أنا بالفعل أسعد إمرأة في العالم لأنك معي حبيبي
رد والهيام يتملك شغاف قلبه:
ـــــ أحبك عائشة. أحبك
ــــ حبيبي أحبك. أحبك. أحبك
رد ضاحكاً:
ــــ هيا نعود للمنزل فقد أشتقت إليكِ
ــــ ها! ..حبيبي أقتل الشوق لأجلي، فأنا أريد التنزه
والإستمتاع بالتنقل بين شوارع دوسلدورف هاها
ــــ هههه سمعا وطاعة أميرة قلبي
ـــــ أين سنذهب حبيبي؟
ـــــ وهل تعرفين أي شيء في دوسلدورف حتى اخبرك؟ هاها
سددت نظرة ماكرة إليه وقالت:
ــــــ أشم رائحة تعالي هاها.. تعيّرني بجهلي بمعالم ألمانيا أيها السيد الألماني الوقور،
أليس كذلك ؟
ـــــ هاها وأنا أشم رائحة سخرية بمقولة السيد الألماني
الوقور، أليس كذلك ؟
ــــ أنا! أنا أسخر من زوجي! لا والله حبيبي. ما قصدت
ذلك . فقط أنا كنت أسمع أن الألمان يعتقدون أنهم أسمى جنس بشري على الإطلاق. أليس
هذا صحيحا ؟
رد ضاحكاً:
ــــ دعك من هذه الخرافات. لا يوجد جنس ارقى من جنس آخر
. كلنا عبيد لله حبيبتي .
رفعت حاجباً وقالت:
ــــــ ماشاء الله. ما كل هذا التواضع يا سيدي! ههه..
ومن قال أننا نعتقد أنكم أرقى ؟
ـــــ هههه حبيبتي خرجنا لتتنزه وليس لمبارة لفظية
لإثبات من هو الجنس الأرقى...ولكن حقا لا تعرفين شيئاً عن مدن ألمانيا ؟ أعتقدت
أنك بحثتِ عن معلومات شاملة عن ألمانيا قبل أن تزوريها
ـــــ جمعت معلومات شاملة عن ميونخ وعن معالمها السياحية،
باعتباري كنت معتقدة أنني سأعيش فيها طيلة إقامتي بألمانيا، لم أكن أعلم أنني سأتزوج
وأنتقل وزوجي إلى دوسلدورف ههه
ــــ هههه
أخرجت عائشة قطعة شيكولاتة من حقيبة يدها وقالت بمرح:
ـــــ معي قطعة شيكولاتة صغيرة حبيبي. سنقتسمها سويا .
ـــــ ههه اشكرك حبيبتي
ـــــ ممممم أعلم أنك ممسك بعجلة القيادة ولا تستطيع أخذها.
سأضعها في فمك هاها افتح فمك حبيبي
ـــــ ههه أهااااااا ممممممم لذيذة
ـــــ هاها أعتذر كونها قطعة صغيرة
ـــــ حبيبتي! أجمل شيء أن نقتسم كل الاشياء سوياً مهما
كانت صغيرة .... هذا إحساس رائع بأننا كيان واحد لا يفترق
ــــــ أسأل الله ألا يفرقنا أبداً حبيبي اللهم آمين
ـــــ آمين آمين آمين
نظر من نافذته فأبصر منظراً بديعاً لبحيرة من البجع,
فأشار إليها قائلاً:
ـــــ انظري..انظري
أثرها المنظر البديع
ــــ يا إلهي! بحيرة جميلة بها بجع يسبح في منظر رائع، ما أجمله
أوقف السيارة إلى جوار البحيرة وقال مبتهجاً:
ــــ تعالي ننزل
عن السيارة ونشهد البجع وهو يسبح
حسناً حبيبي، هيا
وقفا يرمقان البجـع فإذ به يتجه صوبهما فاتحاً فمه، فضحك
عبد الله قائلاً:
ـــــ البجع مقبل علينا يريد الطعام يا عائشة
تذكرت شيئاً فعله قبل خروجهما من المنزل، فقالت باسمة
وهي تهز رأسها لإدراكها المغزى:
ــــ ممم فهمت
ــــ ماذا فهمتِ عائشة حبيبتي ؟
ــــ هاها عندما أصررت أن نأخذ معنا بعض فتات الطعام،
كنت قاصداً أن نطعم هذا البجع .أليس كذلك ؟
ــــ ههه بالطبع هو كذلك. فأنا من عشاق هذه البحيرة ...
أول مرة جئت إليها وشاهدت البجع مقبلاً لأجل الطعام ولم يكن معي طعام لأجله، حزنت
جداً وقررت أن احضر مرة أخرى ومعي طعاما
لأجله، وبالفعل فعلتها مرات
تبدى الإعجاب على وجهها وقالت:
ــــــ كم أنت حنون حبيبي
ـــــ ليس أكثر منكِ. اخرجي فتات الطعام لنطعم البجع
بدأت تنثر الفتات للبحع فرحة وهي تقول:
ــــــ البجع ينتظر إلقاء الطعام هاها خذوا، خذوا ههه
ـــــ المكان هنا رائع بالفعل
ـــــ ممممم رائع جداً، سبحان الله . هيا يا حبيبي نذكر
الله أينما حللنا حتى تشهد لنا هذه الأماكن إننا ذكرنا الله حين وطأناها
ـــــ سبحان الله . الحمدلله . لا إله إلا الله . الله
أكبر . لا حول ولا قوة إلا بالله
ـــــ هل أتيت إلى دوسلدورف من قبل حقا حبيبي عبد الله ؟
ـــــ أجل أتيت ثلاث أو أربع مرات .
سألت وهي تنظر في عينيه بمكر:
ولِمَ ؟... كانت لك حبيبة هنا ؟
انفجر ضاحكاً وقال:
ـــــ لا تظني بي سوءا حبيبتي .. أنا عبد الله ، وأنتِ
تتحدثين عن رجل كان يسمى كيفن
مازحته قائلة:
ـــــ مممممم ألا تعرف كيفن هذا يا عبد الله ههه؟
ــــ هاها لا أريد أن أتذكره. الحمدلله على نعمة الإسلام
أردف قائلاً:
ــــــ نأتي لأسباب زيارتي لدوسلدورف...... حينها كنت
بالجامعة، وكنت مشتركاً في فريق لكرة
القدم، وهنا في دوسلدورف كانت تقام مباريات فكنا نأتي للعب
ــــــ ممم ولِم تركت لعبة كرة القدم أيها اللاعب المحترف ؟ هاها
ـــــ سئمت هاها... لم أكن مقتنعاً بها من الأساس، ولكن
انضممت إلى هذا الفريق بناءاً على تشجيع أمي
ــــ ربما رأتك أمك ماهراً بهذه اللعبة
ــــ حقاً كنت ألعبها بمهارة، وكان المدرب يود أن يلحقني
بإحدى النوادي الكبرى، ولكن رفضت وانسحبت للأبد
ردت ضاحكة:
ــــــ خيراً فعلت. لم أكن أحب هذه اللعبة منذ صغري
ــــ هههه ألهذه الدرجة ؟
ــــ أجل. فهي مرتبطة معي بموقفين أزعجاني في طفولتي
ــــ وما هما
حبيبتي ؟
ــــ كان اولاد خالتي الصبية يلعبونها ذات مرة، ووقع أحدهم
على رأسه فشج، وسالت الدماء، فهالني ذلك المشهد.
ــــ تحدث إصابات كثيرة حقاً لمن يلعبها. وما الموقف
الآخر؟
ــــ كنت عائدة من مدرستي ذات مرة، وكان بعض الصبية
يلعبونها أمام بنايتنا، فركلها أحدهم بقوة
فاصطدمت برأسي وسقطت على الأرض من الألم والبكاء
استشاط عبد الله غضباً:
ــــ يا الله! تباً له هذا الصبي. أخبريني أين هو لأمزقه
بأسناني. كيف يفعل ذلك بحبيبتي!
أشرقت روحها فرحاً وقالت:
ــــــ لم يكن يعلم أنك ستكون زوجي أيها الرائع .. شاهدت
وجهك علاه الغضب بالفعل وكأنك استحضرت ما حدث لي أمام عينيك
رد مقطب الجبين:
ــــ بالفعل حدث ذلك.. وكأني أشاهدك وأشاهد ركلة الكرة
وارتطامها برأسك. مممم أبخيرٍ أنتِ الآن أم ما زلتِ تشعرين بالألم حبيبتي؟
ـــــ ههه اختفى الشعور بالألم، وبقى الشعور بحبك زوجي
الحبيب ذو القلب الحاني
ـــــ سلمتِ لي حبيبتي . ممممم هيا حبيبتي فقد وقفنا
كثيراً إلى جوار البحيرة
ــــ فقط اتركني اودع البجع
ــــ ولِم الوداع حبيبتي ؟ إن شاء الله سنأتي كثيراً
ـــــ إن شاء الله حبيبي. أستودعك الله أيها البجع الجميل
هاها
**********************************************
توقفا عند حديقة جميلة فقال لها:
ــــ هيا نستريح بعض الوقت في هذه الحديقة
ــــ هيا حبيبي
أشارت إلى ركن أسفل الخمائل وقالت:
ــــــ تعال
نجلس ها هنا حبيبي
ــــ اخترتي موقعاً جميلاً أسفل الخمائل
جلسا فشردت في غياهب الزمان..فظل يناديها:
اتعرفين يا عائشة ؟....عائشة.....عائش...ههه حبيبتي
انتبهت فجأة:
ــــ ها!! أتقول شيئا حبيبي ؟
ــــ هاها فيما شرد ذهنك بعيدا عن زوجك ؟
ــــ الجلوس في الحديقة ذكرني بحديقة جدتي عندما كنت
صغيرة
قال بشغف بالغ:
ــــــ حدثيني حبيبتي عن ذكريات طفولتك, فكم أحب أن
أسمعها .. هل كنتِ على نفس هذا القدر من الجمال الآخاذ ههه
ــــ بل كنت أجمل هههه.. سبحان الله.. وجه الأطفال يتسم
دائماً بالبراءة، وتجد في أعينهم لمعة لا تجدها في أعين الكبار
ـــــ ههه أطبيبة عيون أنتِ حبيبتي!!
ردت ضاحكة:
ــــ بل طبيبة قلوب يا حبيبي...أنت تعلم أني طبيبة جراحة
عامة يا عبد الله
ـــــ احببت مداعبتك حبيبتي . هاتي ذكريات طفولتك يا
طفلتي الجميلة
ــــ اعتدنا على زيارة جدتي لأمي في يوم الجمعة من كل
أسبوع، وهناك كان يجتمع أطفال العائلة بأكملها.
تأتي خالاتي
أيضا بأبنائهن وبناتهن... كانت جدتي عندها
بيت كبير، كبير، وله حديقة جميلة ومليئة بالأزهار المختلفة الألوان والأشجار العالية.. وكان أولاد خالاتي يلعبون في الحديقة ويختبئون
خلف الأشجار ويجرون ويمرحون.... و لكن كنت
لا أحب اللعب معهم
غضن حاجبيه وسألها:
ــــ ولِمَ حبيبتي
؟
ــــ كنت أتركهم يلعبون وأجلس على الأرجوحة
أتأرجح ههه.. ياإلهي!! الأرجوحة... . كنت أحبها، أحبها... أجلس عليها
وأتأرجح وأغمض عيني وأترك شعري للريح يداعبه...
يا إلهي!! كانت أيام جميلة
غابت على ضفاف ذكرياتها مرة أخرى، فأبحر إلى عيناها
يستزيدها حديثاً:
ـــــ أكملي
حبيبتي
ــــ كانت جدتي طيبة جداً، كانت تحبنا جميعاً. لم
أرها ولو مرة واحدة تنهرنا ولا تتضجر من أصواتنا
العالية وصخبنا الذي يصم الآذان هاها... وعندما كانت تنهرنا أمهاتنا
كانت تغضب بشدة وتقول دعوهم يلعبون فكم أحب لهوهم
تذكر عبد الله جدته الصارمة فضحك قائلاً:
ــــ كانت طيبة جدتك ممم ليس كل الجدات كجدتك . اكملي
حبيبتي
ــــ كانت جدتي تجلسني في حجرها وتمشط لي شعري وتصنع لي
جديلة على الجانب الايمن وتزينها بشرائط ملونة جميلة، وتغني لي بصوت خافت لا تسمعه
إلا أذناي هاها.. كانت تحبني جداً
ـــــ هههه كان اسمها عائشة ايضا ؟
ــــ هههه لا كان اسمها زينب رحمها الله . أبي من أسماني
عائشة مثل إسم أمنا السيدة عائشة رضي الله
عنها زوجة حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام
ــــ عليه الصلاة والسلام .... ولكن لماذا السيدة عائشة
رضي الله عنها من أسماكِ باسمها ؟
ـــــ كان يقول لي دائما أسميتك عائشة كي تتخذي السيدة
عائشة رضي الله عنها قدوة لكِ وتتحلي بحيائها وعفافها
ــــ الحمدلله حبيبتي. بالفعل قد أخذتيها قدوة وتحليتِ بأخلاقها
السامية
ــــ الحمدلله حبيبي. أمنا عائشة هي من علمتنا الحياء
والتعفف
جال بخاطره سؤال فقال:
ــــ كان عندي سؤال...فقط أرجو ألا يضحكك
ــــ ههه هأنذا ضحكت أولاً ...سل ما شئت حبيبي
ــــ كم عمر أمك؟
انفجرت ضاحكة وسألته:
ـــــ ولِمَ هذا
السؤال أولاً ؟
ــــ مممم اجيبيني أولا ثم أخبرك عن السبب
ــــ هههه أمي عمرها أثنين وأربعين عاماً، وهي أكبر مني بحوالي سبعة عشر عاما إلا قليلا ههه
ــــ هههه صغيرة جداً أمك
ــــ أخبرني ما سبب سؤالك حبيبي . يبدو أن الأمر ورائه سر
ــــ أتتذكرين عندما طرقت عليكما الباب فجراً ؟ ههه
ــــ مممممم ولِم تذكرني بذلك اليوم !! هاها. أجل أتذكره جيدا
حبيبي.
ــــ عندما رأيت أمك أعتقدت أنها أختك الكبيرة ههه ولكن
عندما قالت يا ولدي انصرف وكفانا ما وجدناه من فزع أدركت انها أمك ههه
ـــــ سأخبرها بهذا الأمر وستفرح كثيراً هههه ... أمي بالفعل
تزوجت في سن السادسة عشر وانجبتني قبل أن تكمل عامها السابع عشر. حقا أشعر أنها أختي
وليست أمي .. بينها وبين أبي إثنى عشر عاما
مازحها عبد الله قائلاً:
ــــ ولِم لم
تتزوجي في نفس عمر أمك ؟ . أم لم يطرق بابك أحد غيري؟
ردت بتعالي الأنثى:
ـــ أهكذا!!...لا يا سيدي, فقد تقدم لخطبتي الكثير والكثير
ـــــ حبيبتي أمزح معك وربي هههه. أعلم أن الكثير
والكثير غيري كانوا يتمنون الزواج منك، غير أن الله من عليّ أنا من بينهم وفزت بكِ
ـــــــ مممممم بدأت تدرك قيمة زوجتك ههه.. أشكرك حبيبي
. بالفعل كان هناك صراع بين أبي وأمي بشأني وشأن زواجي عندما كنت في مثل عمر أمي
ــــ كيف حبيبتي ؟
ــــ عندما حصلت على الثانوية العامة بمجموع كبير يؤهلني
لدخول كلية الطب، تقدم لي ابن خالتي الكبرى وكان يعمل مهندس، فرفضت وبشدة
ــــ ولِمَ رفضتِ حبيبتي ؟
ــــ لأنني كنت أريد إستكمال دراستي ودخول كلية الطب. فقد
كان حلمي أن أكون طبيبة، وأن يجعلني الله سبباً لشفاء المرضى
هز رأسه وقال:
ــــ ممم فهمت من أين أتى الصراع ههه بالتأكيد أن أحد
ابويكِ كان موافقا لرأيك والآخر يريد تزويجك. أليس كذلك ؟
ــــ بالفعل حبيبي . كانت أمي متحيزة لأبن اختها جداً، وأيضاً
تريدني أن أتزوج وتطمئن عليّ في بيت زوجي مثلما كانت تقول.. وكانت تقول زوجة صالحة
في بيتها وأم عظيمة خيرٌ من طبيبة فاشلة في إدارة بيتها ههه، وكان أبي يريدني أن
أكمل دراستي وبعدها أتزوج وكان يقول كونها
ستكون طبيبة لن يمثل عائقاً في إدارة بيتها عندما تتزوج كما، أننا نحتاج إلى
الطبيبة المسلمة الحاذقة
ضحك عبد الله قائلاً:
ــــ وحُسم الصراع لصالحك وصالح والدك
ــــ هاها كانت أمي تقول اقضي سنوات عمرك بين كتب الطب والجماجم والتشريح، وتتزوجين بعدما يشيب شعرك ههه
ـــــ هههه حمداً لله شعرك ما زال أسود
ــــ كانت تتحدث بعاطفة قلب الأم بالطبع . فهي ترى أن
الزواج المبكر أفضل من الزواج المتأخر
ــــ وأنتِ ما رأيك ؟
ــــ كل شيء بقدر الله . والزواج رزق يأتي حينما يشاء
الله
ــــ حمدالله أن الصراع لم يُحسم لصالح أمك وإلا كانت
زوجتك لأبن أختها وحرمتني منكِ يا أجمل زوجة ويا أرق حبيبة
ــــ ههه حفظك الله لي يا حبيبي . بالفعل سبحان الله .
مقدر لي من الأزل أن أسافر إلى ألمانيا وأعمل طبيبة وأتزوجك
ــــ الحمدلله حبيبتي الحمدلله حمداً كثيراً
نظر عبد الله في ساعة يده، فقال:
ـــــ يا إلهي! اقترب آذان العصر. أخذني حديث الذكريات الممتع معك
ــــ بل أنت
الأكثر إمتاعا حبيبي .
ــــ هيا حبيبتي لنذهب لأقرب مسجد وبعد الصلاة ننطلق
بالسيارة لأقرب مطعم لتناول الغداء إن شاء
الله
ــــ هيا حبيبي
**********************
كانا
يتنقلان بالسيارة بحثاً عن مطعم مناسب، فقالت عائشة:
ـــــحبيبي صار لنا اكثر من ساعة ندور بالسيارة في شوارع دوسلدورف لأجل أن نجد مطعم
يقدم أكلات حلال ههه
ـــــ ههههه ماذا نفعل إذا كانت كل المطاعم تقدم لحم
الخنزير والعياذ بالله
ــــ لذا عندما
كنت اضطر للأكل خارج المنزل كنت لا آكل غير الأسماك
وجده ضالته أخيراً فقال:
ــــ مممم ها هو.. هيا ننزل يا عائشة
وجدته مطعم يقدم الفلافل فهللت كالأطفال:
ـــــ هيه! لا أصدق ما أراه! فلافل.
أسدل حاجبيه يسألها:
ــــ فلافل! وما هي الفلافل هذه ؟
ــــ حبيبي هي اكلة شعبية مصرية نطلق عليها طعمية هاها
والبعض يسمونها فلافل
ــــ مممم من أي شيء صنعت هذه الهياكل ؟ هاها
ــــ مابك حبيبي وكأنك مصدوم هكذا ؟ اسمها فلافففففففل انها تصنع من الفول والبصل والشبت والمقدونس ههه
اتسعت حدقتاه وأشاح بيده:
ـــــــ لا أريدها . أشعر أن مكوناتها عجيبة وستؤلم
معدتي إن أكلتها
ــــ حبيبي أنا أشتهيها جداً, سآكل وتأكل معي ولا تخف على معدتك هاها
ـــــ حبيبتي بالله لا تغصبيني ههه
ـــــ طعمها شهي وسيعجبك . ممممم جرب قضمة واحدة وان لم
تعجبك فاتركها
لم يثق في اختيارها فقال:
ـــــ مممممم سأشتري أيضا شاورما. أتحبينها ؟
ــــ جداً. أحبها كثيراً حبيبي
ــــ هيا حبيبتي لنشترى ال ........ أسف نسيت أسمها
العجيب هاها
ــــ هههه فلافل
انفجر عبد الله ضاحكاً وقال:
ــــ أتمنى أن يقول البائع أنها للعرض فقط
ـــــ لا تأمل في ذلك فما وضعوها هنا إلا ليبيعوها ههه
ــــ ذكريني حبيبتي قبل أن نعود للمنزل أن نشتري دواءا
للمعدة هههه
ـــــ هههه سأفعل حبيبي . هيا, هيا فأنا جائعة جداً
*****************************************
أثناء تناول الطعام سألته:
ــــ ما رأيك حبيبي في الطعمية أو الفلافل ؟ طعها زكي
أليس كذلك ؟
ـــــ لذيذة جداً.. حقا لم أتوقعها هكذا
ــــ أرأيت ؟ حتى تسمع كلامي وأنت مغمض عينيك بعد ذلك
ــــ حبيبيتي أراكِ تأكلين كالوحوش الضارية لأول مرة هههه
ـــــ هههه جائعة حبيبي. كثرة الحديث وكثرة التجول
بالسيارة أشعرتني بالجوع جداً
ــــ حبيبتي هنيئا مريئا . أنا أمازحك أنا لم أرى أمرأة قط تأكل بهذه الرقة وكأنها
تعزف بأناملها فوق الصحون هههه
ضحكت من مزاحه وقالت:
يا رجل! ههه هأنذا قد فرغت من تناول الطعام. استرح هاها
ــــ حبيبتي بالله امازحك . أكملي طعامك
ــــ والله اشعر بالشِبَع الآن حبيبي
ــــ إذن تعالي لنشتري بعض العصائر ونصطحبها إلى السيارة
ونشربها في الطريق
ــــ هيا حبيبي
****************************************************
عند أحد شوارع دوسلدورف الشهيرة قال لها:
ــــ ما رأيك نوقف السيارة ونذهب للتجول في هذا الشارع ؟
ـــــ ما أسم هذا الشارع حبيبي ؟
ــــ اسمه شارع الملوك
ردت ضاحكة:
ــــــ إذن فممنوع علينا دخوله، فنحن لسنا ملوكاً حبيبي
رفع يده اعتراضاً وقال بحسم:
من فضلك!. أنا حقا صعلوك، ولكن معي ملكة جميلة. فكم احب صحبة الملوك ههه
ـــــ ههه بل أنت أميري يا حبيبي. لا تقل عن حبيبي صعلوك من فضلك
انحنى وافسح
الطريق لها قائلاً:
ـــــ تفضلي سيدتي الملكة بجولة في شارع الملوك
ـــــ ههه اشكرك حبيبي .
****************************************************
ظلا يتجولان في الشارع وذراعه يعانق ذراعها..أبدت عائشة
إعجابها بالشارع الشهير:
ـــــ ممممممم أرى محلات جميلة جدا يا عبد الله مممممم هذا محل للعطور
ــــ حقا أنا اخترت هذا الشارع لأشتري لكِ بعض العطور
ــــ حبيبي .لا..فقط دعنا نتجول دون شراء أي شيء . أنا
أعلم أن أحوالنا المادية لم تستقر بعد
ــــ ليست لهذه الدرجة فمعي حوالي ثلاثة الاف يورو وأحب أن افقدهم على يديكِ هههههه
ـــــ ههه لالالالا عندما تنزل إلى العمل وتستقر أحوالنا
سوف أصطحبك إلى هنا عنوة، واقول لك اشتري لي كل المعروضات في هذا الشارع هههه
ـــــ هههه إن شاء الله حبيبتي . مممم نعود للمنزل ؟
ـــــ يا ليت حبيبي . فقد تنزهنا كثيرا الحمدلله . فلنعد
لنستريح
ــــ إذن هيا حبيبتي نعد لسيارتنا وننطلق إلى المنزل إن
شاء الله
****************************************************
وصلا إلى المنزل بعد قضاء يوم طويل ممتع، فعبرت عائشة عن
سعادتها:
ــــ أخيراً وصلنا إلى المنزل يا عبد الله ..الحمدلله.
كان يوماً ممتعاً حقاً حبيبي
ــــ وهذا ما كنت أريد سماعه حبيبتي ههههه الحمدلله إن
اليوم راق لكِ
بدا الابتئاس على ملامحها وقالت:
ــــ مممممم أنا حزينة
ــــ لـِمَ حبيبتي؟ ما بكِ ؟
ــــ لأنك ستنزل إلى العمل من الغد
ــــ هههه ماذا أفعل حبيبتي . يجب أن أنزل للعمل. فقد
مضى الأسبوع سريعاً, سريعاً
ــــ حقا لم أشعر به حبيبي . كان أجمل أسبوع قضيته في
حياتي حتى الآن
ـــ ههه إن شاء الله أيامنا القادمة اجمل وأجمل حبيبتي
ـــــ إن شاء الله حبيبي . سأذهب لأستبدل ثيابي وبعدها
أعد طعام العشاء
ــــ هههههه حبيبتي لن استطيع أن أتناول عشائي . مازلت
اشعر بالشبع
ــــ وأنا ايضا والله . انا فقط أردت إعداده من اجلك
حبيبي
ــــ لا حبيبتي . نكتفي فقط ببعض الفاكهة
ــــ حسنا عبد الله حبيبي . أتركك الآن وسأعود إليك بعد قليل إن شاء الله
ــــ تفضلي حبيبتي
****************************************************
كان الدكتور سالم يستعد لمغادرة المنزل، حين وجد زوجته
تمسك بالهاتف:
ــــ ماذا تفعلين يا مريم يا حبيبتي ؟
ــــ سأهاتف عائشة لأخبرها إننا سنزورها غداً إن شاء الله .ستفرح كثيراً... وأنت إلى أين حبيبي ؟
ــــ سأذهب لدكتور لوكاس للأطمئنان عليه
ــــ خيراً ستفعل حبيبي . ألا تنتظر حتى تحدث عائشة ؟
ــــ لا . بلغيها سلامي وانظري إذا كانت تريد شيئاً
نأخذه إليها . فأنا متعجل الآن
ــــ لا تتأخر. لا أحب الجلوس وحدي
ـــــ هاها كلها أيام ونترك هذا المنزل ونعيش إلى جوار
الشيخ عبد الهادي واقضي اوقاتك مع زوجته
ـــــ ممممممم إذا كانت لطيفة مثلي هاها
هههه السلام عليكم حبيبتي
ــــ وعليكم السلام حبيبي
****************************************************
كان عبد الله يشاهد التلفاز عندما نادته عائشة:
ــــ عبد الله . أين أنت حبيبي؟
ــــ هنا حبيبتي أشاهد التلفاز
أتت تحمل صحيفة الفاكهة وتسأله بمكر:
ـــ ممممم ماذا تشاهد ؟
ــــ برنامج عن عالم الحيوانات فلا تقلقي ههه
ــــ هههه إذا كان الأمر كذلك فلا بأس . سأشاركك المشاهدة ونحن
نأكل الفاكهة
مازحها قائلاً:
ـــــ ممممم هل ستأكلين معي؟ ههه
بادلته المزاح:
ـــــ لا، سأنظر إليك ههه أحضرت معي سكيناً صغيرا لأقطع
الفاكهة
ــــ ممممم ذكرتيني . اين ذهب السكين الذي اخذته مني
عنوة ايتها المتوحشة ؟ ههه
ــــ هههههه أما زلت تذكره ؟
ــــ بالطبع اذكره ، فهو ملك امي
ـــــ على العموم انا محتفظة به في مطبخ امي . سأخبرها
لتحضره
تبدى الابتئاس على ملامحه وتنهد بأسى وقال:
ــــ ولمن ستحضره !. فهو ملك أمي
ألح عليها سؤال طالما كاتمته، ترددت في الافصاح
عنه..فتلعثمت:
ـــــ ممممممم أأأأأأأ عبد الله
ــــ ما الأمر حبيبتي . لماذا تعثرت الكلمات على شفتيكِ
؟
ــــ ممممم كنت أريد أن أسألك سؤلاً ولكن أخجل جداً
ــــ لا تخجلي حبيبتي . تفضلي هاتي سؤالك
ــــــ ..... هل أمك هي من أرسلت الرجال الذين كادوا
يختطفونني لولا حفظ الله ومنعك إياهم ؟
ـــــ مممم والله حبيبتي لا أعرف... ولكن لا أعتقد أن
أمي هي من فعلت
ـــــ من إذن؟
بدا الارتباك على ملامحه، وأثر إنهاء الحديث بهذا الشأن:
ــــــ لا داعي حبيبتي. الأمر انتهى والحمدلله. وأنتِ قد سلمك الله من السوء.
أصرت على إثارة ماء خفاياه الراكد في أغواره:
ــــ أشعر أنك تعرف من فعل ذلك ولا تريد الإفصاح عن اسمه
أطرق رأسه وتنهد بعمق، ثم رفع رأسه باسماً وقال بلطف:
ــــ حبيبتي... كفّي عن هذه الاحاديث بالله عليكِ . نحن
هربنا من الشر، فلا تجعليه يلاحقنا في احاديثنا.
بدا الخجل في عينيها، فتعذرت:
ــــ آسفة لإزعاجك حبيبي. آسفة جداً..... تفضل قطعت لك بعض
الفاكهة
ــــ اشكرك حبيبتي هاها... خذي مني هذه. افتحي فمك
وضع قطعة من الفاكهة في فمها وسألها مداعباً:
ـــــ.. ما رأيك في مذاقها ؟
ــــ روعة. مادامت من يداك فهي روعة
ــــ هاها أنتِ الأروع حبيبتي
قطع حديثهما الهادئ أجراس هاتفها، أسرعت فوجدتها أمها،
فردت جذلة:
السلام عليكم يا أمي الحبيبة
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله حبيبتي. أشتقت إليكِ
ــــ والله لأنا أشد منكِ شوقا يا أمي. كيف حالك وكيف هو
أبي ؟
ــــــ أنا بخير وأبوكِ بخير حبيبتي . ذهب منذ قليل إلى
دكتور لوكاس. حاولت الاتصال بكِ كثيراً، ولكن كان هناك عيوب في الاتصال
ــــ تحدث كثيراً يا أمي... طمأنيني عنك، ومتى ستزوراني؟
ــــ غداً ههه غداً إن شاء الله
تهللت عائشة كالأطفال:
ـــ هيييه ههه ستمكثا معي بضعة أيام
ــــ لا، لا. لن نبيت من الأساس. زيارة سريعة حبيبتي فقط
للإطمئنان عليكِ وزوجك. كيف حال عبد الله ؟
ــــ بخير يا أمي. هاهو يجلس إلى جواري يأكل فاكهة
ويشاهد التلفاز ههه
ــــ هنيئاً مريئاً هاها. نراكم غداً إن شاء الله . أبوكِ
يسألك إذا كنتِ تريدين شيئاً نحضره لكِ
ــــ لا يا أمي. الحمدلله لا أحتاج شيئا
ــــ حبيبتي لا تخجلي. قولي ماذا تريدين
ــــ والله يا أمي لا أريد أي شيء. الحمدلله، عبد الله
لا ينقصني شيئاً حتى أطلب منكم إحضاره
أنشرح صدر الأم وفاض الدعاء من ثغرها:
ــــ حفظه الله لكِ يا حبيبتي، وألف بين قلبيكما أكثر
وأكثر اللهم آمين
ــــ آمين يا أمي. سأنتظرك وأبي بشوق
ـــــ ههه زيدي من شوقك حتى ترينا غداً إن شاء الله.. نراكِ
على خير يا ابنتي. السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله يا أمي
وضعت الهاتف جانباً، فقال عبد الله باسماً:
ــــ ما الذي سمعت ؟ سيأتي أهلك لزيارتنا غداً؟
ــــ إن شاء الله حبيبي. عندما تعود من العمل ستجدهما إن
شاء الله
ـــــ إن شاء الله حبيبتي.... هل تريدي أي شيء احضره
الليلة لتعدي الطعام لهم ؟
ـــــ مممم كنت احتاج بعض اللحم وفقط
أومأ برأسه باسماً وقال:
ــــ سأتصل الآن بمحمد وأسأله من أين أحضر اللحم،
وسأحضره لكِ على الفور
ــــ أشكرك حبيبي
**********************************************
عاد السيد ماكس من الخارج، فنادى زوجته:
ـــــ نيكولا
آتاه صوتها المكبل بالأحزان من غرفة ولدها:
ــــ انا هنا يا ماكس
هرع إلى الغرفة فوجدها ما زالت تجلس على فراش ولدها،
مفترشة صوره وذكرياته وعيناها تذرفان العبرات، سدد إليها نظرة شفيقة وقال:
ــــــ حبيبتي!... ألن تبرحي غرفة كيفن ؟
ضمت صورة ولدها وانفجرت في البكاء، طفرت عبراته وضمها
لصدره وقال:
ـــــ حبيبتي كفاكِ حزناً . فماذا عسانا أن نفعل !!!
ردت ناشجة وقلبها يئن:
ـــــ لا أستطيع يا ماكس..إنه ولدي الوحيد..إنه كيفن يا
ماكس، كيفن
ربت على كتفها بحنو وقال:
ــــ إهدئي حبيبتي ... ألم يصلي الآب دانيال من أجله، وأخبرك
أنه مع القديسين في الملكوت؟
صرخت باكية:
ــــ أعلم ذلك، ولكن فراقه لا أطيقه، لا أطيقه.
ــــ إهدئي حبيبتي، وصلي من أجله ... . سأحضر لكِ ايقونة
العذراء لتضعيها أمامك وتصلي علك تهدئي
قامت عن الفراش وقالت بنبرة أرعدها النشيج:
ــــ لا أريد الصلاة الآن .. سأرتدي ثيابي وأخرج
سألها باندهاش:
ــــ إلى أين يا نيكولا ؟
ــــ.....إلى جارتنا المسلمة
رد منذهلاً:
ماذا!......لا
أفهم
لم تبد ما أخفاه قلبها وقالت وهي تغادر الغرفة متجهة إلى
غرفتها:
ـــــ سأذهب إليها الآن
****************************************************
قرعت السيدة نيكولا جرس الباب، فحدثت السيدة مريم نفسها
متحيرة:
ــــ يا الله ! يا تُرى من الطارق؟ مممممم لا يوجد أحد
معي، وأخشى أن أفتح. سأصمت ربما ينصرف من بالباب
قرعت السيدة نيكولا الجرس مرة أخرى، فقالت السيدة مريم
تحادث نفسها:
ـــــ من الواضح أن من بالباب لن ينصرف، ومصر على الدخول.
حسناً.. سأسأل من بالباب
اقتربت من الباب وسألت:
ــــ من بالباب
ــــ أنا نيكولا
لم يخطر ببالها أن الطارق هي والدة عبد الله، فردت
متعجبة:
ــــ نيكولا !!!!!!!!! من نيكولا ؟
ــــ جارتك في البناية المقابلة
اتسعت حدقتاها خوفاً وغمغمت:
ــــ يا الله!!...يبدو أنها والدة عبد الله.... بدأ
الخوف يدب في قلبي. ممممممم سأفتح
فتحت الباب وحاولت رسم ابتسامة على محياها، بيد أن
الارتباك بددها، ازدردت ريقها وقالت:
ـــــ مرحبا السيدة نيكولا
ـــــ طاب مساؤك سيدتي
ـــــ طاب مساؤك. تفضلي بالدخول
ــــ اشكرك
أصطحبتها إلى الداخل وأشارت إلى أحد المقاعد وقالت بلطف:
ـــــ تفضلي هنا بالجلوس السيدة نيكولا
قالت بنشيج وقد انهمرت عبراتها:
ــــ اشكرك.
أخذت والدة عائشة الشفقة وردت بأحرف متحيرة:
ـــــ مممممم اأأأأأأ ما بكِ السيدة نيكولا ؟
سألتها ناشجة:
ـــــ ألم تعلمي بموت ولدي الوحيد كيفن؟
أزدردت السيدة مريم ريقها، وردت متلعثمة والارتباك يعصف
بملامحها:
ـــــ أأأأأأأأأ ب ب أأأجل سمعت ممممم والله لا أدري ما أقول لكِ
جففت السيدة نيكولا بعض عبراتها بمنديل في يدها، وسألت
بتلهف:
ـــــ أين هي؟
تعالت خفقات قلب السيدة مريم.. صمتت هنيهة وقالت
وأوصالها ترتعد:
ـــــ هي!!...من تقصدين يا سيدتي ؟
ردت بنشيج وعبراتها تنهمر:
ـــــ أين ابنتك الطبيبة
ـــــ ها!! ووووو و..م..مم ماذا تريدين منها؟
عصرت عينيها دموعاً وقالت ملتاعة:
ـــــ كان ولدي يحبها...كان يحبها كيفن ...أعلم ذلك..
ولطالما منعته عنها حتى لا يسلم لأجلها ويترك دينه ..مات ولدي ولم احتضنه ... لذا
جئت إلى هنا لاضم ابنتك لصدري ..ربما خفف ذلك من لوعة قلبي على فراق ولدي
بكى قلب السيدة مريم شفقة وقامت إليها تربت على كتفها
وهي تحاول تهدئتها متلعثمة:
ـــــ أأأأأأأ بالله اهدئي
أطرقت السيدة مريم تفكر:
ـــــ يا الله!!....ماذا اقول؟؟؟
بالأخير حسمت أمرها وقالت بأحرف بعثرها الارتباك:
ـــــ ابنتي أأأأأ ابنتي تتتتت ابنتي تزوجت وسافرت مع
زوجها
ردت السيدة نيكولا باندهاش:
ـــــ تزوجت!...تزوجت مَن؟...ومتى تزوجت؟
ارتعدت السيدة مريم وأطرقت مغمغمة:
ــــ ها!! يا إلهي!!. ما هذا الموقف الذي لم يكن في حسباني!
. كيف أتصرف، وماذا أقول!
حاولت جمع شتات أحرفها وقالت:
ـــــ أأأأأأ إبنتي تزوجت شاب مسلم يتقي الله، وسافرت
معه إلى مكان عمله
بكت السيدة نيكولا متحسرة:
ــــ يا للحسرة!.. كنت أتمنى لو وجدتها حتى أطفئ نار
شوقي إلى ولدي بضمها إلى صدري ... كنت أود أن أشم فيها رائحة كيفن....لا حظ لي في
ضم ولدي ولا ضم من أحبها قلبه.
أجهشت السيدة مريم بالبكاء لقلة حيلتها تجاهها..فقلبها
قد طوي على سر فيه سعادة هذه الأم المكلومة ولا يمكنها البوح به حرصاً على سلامة
ابنتها..لا يسعها إلا أن تشاركها أحاسيسها المريرة:
ــــ بالله اهدئي . والله لا أدري ماذا اقول لكِ ...أنا
أم وأشعر بلهيب قلبك على فراق ولدك ... وللأسف لا أستطيع أن أفعل شيئا
ردت ببنرة متهدجة:
ـــــ باركك الرب...يكفي مشاعرك الرقيقة التي أظهرتيها
قامت السيدة نيكولا عن مقعدها وقالت:
ــــ استأذنك في الإنصراف
أمسكت السيدة مريم بذراعها وقالت بلطف:
ــــ بالله تمهلي. فلم تأخذي واجب الضيافة
ردت باكية منتحبة وقلبها يتمزق أنينا:
ـــــ عذراً، لن
أستطيع أن أمكث أكثر من ذلك ..كنت أعتقد أن ابنتك
هي من ستفتح الباب ...كنت سآخذها في أحضاني وأبكي... من فضلك أود أن أطلب طلباً..
أو رجاءا
ــــ تفضلي
ــــ عندما تأتي ابنتك لزيارتك أخبريني ..أود لو رأيتها.
حقا مشتاقة إلى رؤيتها
أطرقت السيدة مريم حزينة، ثم ألقت بعذرها:
والله للأسف، نحن سنترك هذا المنزل ونذهب إلى منزل آخر
كان الخبر بمثابة طعنة في صدر السيدة نيكولا، فزادها
ألماً، فصرخت باكية:
ـــــ ماذا!.. لِمَ؟ لِمَ ؟ أنا أستأنس بكم..أعلم أنه لا
علاقة تجمع بيننا ولكن وجودكم يطمئن قلبي. لا أعلم لِمَ أرتبط وجودكم برائحة كيفن
ولدي. أنا يومياً أقف لأنظر من نافذة غرفة كيفن إلى بيتكم ،وأقول كم وقف ولدي يرقب
صلاتكم في الظلام.
تسائلت السيدة مريم بلين؟
ــــ وهل كان يرانا ولدك ؟
ــــ يعرف قيامكم للصلاة من أضواء المصابيح قبيل الفجر...أقف
وأستشعر مشاعره وأقول في نفسي كم حرمتك يا كيفن من شيء صبت نفسك إليه يا ولدي.
ربتت السيدة مريم على ذراعها وقالت وهي تتجرع لوعة
الكتمان:
ـــــ حبيبتي هوني على نفسك. هكذا الحياة.. أقدار تحركنا
ولا نعرف أين الخير من الشر، غير أن الله يرحمنا ويدلنا
ردت باكية:
ــــ اشتقت الى ولدي، اشتقت اليه...كيفن... كيفن
انخرطت السيدة مريم في بكاء مرير وقالت ترجوها:
ــــ بالله لا تمزقِ قلبي اكثر من ذلك، فلم أعد أحتمل
كفكفت السيدة نيكولا عبراتها وقالت ببعض من هدأة:
ـــــ لم تخبريني باسمك سيدتي
ــــ اسمي مريم
ــــ مريم!..تتسمون باسم العذراء مريم!!....اتعجب لأمركم
أيها المسلمون!
ــــ لا مكان للعجب. فالسيدة مريم هي من أطهر نساء الأرض،
ولها مكانة عظيمة في نفوس المسلمين
ـــــ أشكرك على وقتك...استأذنك في الإنصراف.
اتجهت السيدة نيكولا إلى الباب، فإذ بها تلتفت مرة أخرى
وتقول للسيدة مريم:
ــــ لي رجاء آخر
ــــ تفضلي
تشبثت بيد السيدة مريم وتوسلت إليها بعبراتها:
ـــــ أرجوكِ أن تدعي ربك أن يرحم ولدي..قولي لربك إني
راضية عن ولدي حتى يرحمه
ــــ لا حول ولا قوة الا بالله. السيدة نيكولا. ربي هو
ربك وهو رب الأرض والسماء ورب كل شيء. رب واحد لا شريك له
قطعت حديثها قائلة ومازالت عبراتها تنهمر:
ـــــ أستأذنك بالانصراف، فأنا لا أحب أن أسمع ما يزحزح
إيماني بيسوع
غادرت المنزل وأغلقت الباب، فهزت السيدة مريم رأسها في
أسى وقالت:
ــــ لا حول ولا قوة الا بالله. يرون الحقيقة جلية أمام
أعينهم وينكرونها كبراً وعنادا.. . اللهم ثبت قلوبنا على دينك يا أرحم الراحمين آمين
****************************************************
دخل حارس إحدى الكنائس على القس ليخبره بقدوم زائر:
آبانا فيليب..الآب دانيال بالخارج يطلب مقابلتك
أسدل الآب فيليب حاجبيه دهشة وقال:
دانيال ! أدخله
دخل القس
دانيال متجهماً وحياه بغلظة:
ــــ طاب مساؤك يا
فيليب
ـــــ مرحبا دانيال طاب مساؤك . تفضل بالجلوس
ــــ باركك الرب...
جئتك بعد ما سمعت عن أمر ازعجني بخصوصك فيليب
ـــــ امر ازعجك بخصوصي!!..افصح عما تقصد يا دانيال
ــــ ما الذي سمعته بأمر مساعدتك لأعدائنا من المسلمين على بناء مسجد
ــــــ وما الغريب في ذلك!
هاج هائج القس دانيال:
ــــ بل الغريب أن تفعل ذلك. كيف! كيف يا فيليب! ليس
لهؤلاء أي حقٍ في بناء المساجد
تنهد القس فيليب وهو يهز رأسه في أسى، ثم رد برفق:
ــــ يا دانيال! ألم يكفيكم أنكم منعتم الآذان في
المساجد ؟ لا يوجد آذان غير الآذان الداخلي
ـــ أجل. أصوات آذان مساجدهم تزعجنا. وجودهم في حد ذاته يزعجنا
زفر الآب فيليب وقال محتداً:
ـــــ يا دانيال، يجب أن يكون هناك حرية لأصحاب الديانات
الآخرى لممارسة عقائدهم
رد دانيال ثائراً:
ــــ يمارسونها بعيداً عنا. فليرحلوا عن أوروبا. يرحلوا
عن العالم بأسره. المسلمون هؤلاء يجب أن يبادوا، يبادوا..وبدلاً من أن تنصر دين
يسوع أراك وأمثالك تقفون إلى جانب هؤلاء الرعاع.
ــــ أفرغت من حديثك يا دانيال ؟
رد دانيال بغلظة وعيناه تتقدان:
ما ذا تريد أن تقول؟
ــــ يا دانيال.. لِم
كل هذا العداء تجاه المسلمين! إنهم لم يؤذونا
صاح كهزيم الرعود:
ـــ لو تركناهم
لتحولوا إلى وحوش, وحوش وسيفتكون بنا جميعاً. ألم تسمع عن إرهابهم! كم قتلوا, وكم
حرقوا, وكم هدموا هؤلاء المسلمون ؟؟؟ إنهم إرهابيون ولو تركناهم لفتكوا بنا.
ــــ ههه أتكذبون الكذبة وتصدقونها يا دانيال! بل
المسلمين هم المضطهدون. هم الذين يقتّلوا ويحرقوا، كل يوم يقتل رجالهم، وتنتهك أعراض نسائهم، وتسفك دماء
صغارهم، ومن بقى على قيد الحياة تشردونه في العراء. كل العالم يشهد مجازر تحدث بحق
المسلمين في كل مكان. مضطهدون في بلادهم وخارج بلادهم. وفي آخر الأمر تصفونهم بأنهم إرهابيون . ما لكم كيف تحكمون!!! فكيف
يكون الذبيح هو الجاني، بينما من ذبحه يتصف بالبراءة ورقة الحملان !!! . أنتم المعتدون، أنتم الغاصبون لأراضيهم، أنتم
من تروعونهم في أوطانهم. وعندما يحاولون
التصدي لكم والدفاع عن أراضيهم ودمائهم
وأعراضهم تتهمونهم أنهم إرهابيون. عجبا لأمركم.
فإذا كانت هناك أسرة آمنة في دارها،
ثم هجم عليهم مسلحون ينون الفتك
بهم وإحراق دارهم وقتل صغارهم،
ثم قاوموا هؤلاء المسلحين بما
أوتوا من قوة أيكونوا هم الإرهابيون أم المعتدون ؟
ارفعوا ايديكم عن المسلمين يا دانيال.
أصر القس دانيال على أسنانه وصاح ونيران الجحيم تندفع من
عينيه:
ــــ فيليب. لا تنس أنهم لو تمكنوا كسابق عهدهم لأتوا
على الأخضر واليابس ولأبادونا وأركعونا تحت نعالهم.
رد الأب فيليب بحنق:
ـــ يا دانيال! يا دانيال. حكم المسلمون أيام مجدهم
وعزهم فلم يروعوا آمنا. لم يحرقوا شجرا. لم ينتهكوا عرضاً، بل لم يقتلوا مظلوما.
إنهم امتثلوا أوامر نبيهم فكانوا من أرقى فرسان الأرض تعاملاً مع خصومهم . وإن
نطقت جدران مساجد الأندلس التي حولتموها إلى كنائس لنطقت..المسلمون لم يمنعوكم
بناء الكنائس في الأندلس حين كانت لهم الغلبة
والقوة ..فحينما خارت قواهم حولتم أنتم مساجدهم إلى كنائس. تبا لكم
ولأفعالكم على مدار الزمان.
انفجرت براكين الغضب في دواخل القس دانيال، وأخذ بتلابيب
القس فيليب وصاح به:
ــــ ما هذا! كلامك يشككني في انتمائك ليسوع. ينقصك نطق
الشهادتين لتصير منهم. أم ........ أم إنك صرت منهم دون علمي يا فيليب.
أطاح الآب فيليب بذراعي دانيال وصاح به:
ــــ دانيال. لا اسمح لك أن تتهمني بالإنشقاق عنكم أو أنني
خائن ليسوع . كل ما في الأمر أني أدافع عن الحق حتى لو كان المظلوم على غير ديني.
دمدم القس دانيال سبابا:
ــــ ويسوع برئ منك ومن سفهك.. . ألم تسمع عن حملات وقف
أسلمة أوروبا؟
ـــ أجل. سمعت عنها في لندن
ــــ هناك من هم متيقظون لمؤامرات المسلمين.. وبدلاً من
أن تتيقظ أنت أيضاً، تساعدهم لتقوى شوكتهم
ـــ وحق الرب أنك تبالغ في عدائك. هم لم يفرضوا إسلامهم
على أحد. بل يذهب الناس إليهم طواعية، فما ذنبهم!..بالفعل أنا أُكذب عقيدة
المسلمين، ولكن لا أعاديهم وأؤمن بحريتهم في بناء مساجدهم
توعده القس دانيال غاضباً:
ــــ توقف يا فيليب. توقف عن هذه الأفعال المستفزة، وإلا
سيكون لي معك شأن آخر
ـــ إفعل ما شئت أن تفعل. فلست مخطئا. فليس معنى أني لا
اؤمن بعقيدة الآخر أن أمنعه من حريته في بناء دور عبادته وأمنعه من ممارسة شعائره
الدينية. وسأقف إلى جوارهم ما حييت.
أتقدت عينا دانيال غلاً:
ــــ أهكذا! أهكذا يا فيليب!!
ــــ أجل، هكذا يا دانيال
ــــ عليك لعنة الصليب،
تباً لك يا خائن يسوع
ــــ وحق الرب لا أعلم متى ستتخلصون من كراهيتكم وعدائكم
المفرط للمسلمين دون وجه حق! . إنما هو رعبكم من قوتهم إن اتحدوا لذا فأنتم تحكمون
سيطرتكم عليهم داخل بلادهم وخارجها حتى يبقون في قبضتكم ولا تقم لهم قائمة
************************************************
عبر الدكتور لوكاس عن سعادته الغامرة لزيارة دكتور سالم:
ـــــ كم أنا سعيد بهذه الزيارة اللطيفة دكتور سالم. لا
أحد يزورني غيرك
ـــــ أشكرك دكتور لوكاس. أخبرني كيف تقضي يومك
تنهد الدكتور لوكاس وقال بفتور:
ــــ اقضه في لا شيء
ـــ كيف؟
ــــ مللت من القراءة، ومللت من مشاهدة التلفاز، ومن
متابعة النت، ومللت من كل شيء.... كم تمر الثواني متثاقلة كثقل الجبال... . حياة
من الرتابة والملل يا أخ سالم
بدا الابتئاس على ملامح دكتور سالم وقال:
ــــ... الله المستعان
دقت الخادمة على الباب اسئذاناً في الدخول، فسمح لها
دكتور لوكاس:
ــــ تفضلي بالدخول أنجيل
ــــ اتيت لأعطيك الدواء، فقد حان موعده
ــــ أشكرك
أمسكت بعلبة الدواء فاكتشفت ما أزعجها:
ـــــ ويحي! قد نفدت الأقراص
سألها دكتور لوكاس:
ـــ ألا يوجد غيرها أنجيل ؟
ـــ لا للأسف. لا يوجد
ــــ سأتصل بالدكتور ميشيل ليرسله، فهذا الدواء غير متوفر. أعطني هاتفي
ــــ تفضل
حاول الاتصال، فصدم بما أثار حنقه، فوضع الهاتف جانباً
وزفر ضائقاً، فسأله دكتور سالم:
ــــ ما الأمر دكتور لوكاس؟
ــــ كما سمعت دكتور سالم. نفدت اقراص الدواء، وأحاول
الاتصال بدكتور ميشيل، ولكن هاتفه مغلق
قام الدكتور سالم عن مقعده وقال:
ــــ أعطني اسم الدواء من فضلك
ــــ لماذا ؟
ــــ سأذهب في طلبه، وإن شاء الله أجده الآن
ــــ ولكن أأأأأأ هكذا أنا أرهقك معي، وأحملك أموراً لا
شأن لك بها
ــــ كيف لا شأن لي بها! هذا حقك عليّ دكتور لوكاس
رد باندهاش:
ــــ أي حق!
رد دكتور سالم وابتسامة هادئة تعلو محياه:
ــــ حقك كصديق دكتور لوكاس. أعطني اسم الدواء من فضلك ...
لِم تنظر إليّ هكذا ؟
ـــ أتعجب.. حقا أتعجب.
ــــ اعطني اسم الدواء
ــــ سأكتبه لك في هذه الورقة
حسناً
ــــ ها هو اسم الدواء
ــــ أستأذنك. سأعود بعد قليل إن شاء الله
****************************************************
بدأ القلق يفترس قلب السيدة مريم إثر تأخر زوجها:
ــــ تأخر سالم، تأخر جداً.. سأهاتفه لأطمئن عليه
دق هاتف دكتور سالم وهو في الطريق يبحث عن دواء دكتور
لوكاس، رد بلطف:
ـــــ السلام عليكم مريوم.
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله حبيبي. مابالك تتأخر لهذا
الوقت ياسالم ؟
ـــــ عذراً حبيبتي. أمهليني بعض الوقت، فأنا ذاهب
لإحضار دواء لدكتور لوكاس، ولن أتمكن من المجيئ الآن
ــــ حسنا حبيبي . ولكن بالله أعطه الدواء، ولا تمكث
لدية لفترة أخرى حتى منتصف الليل ههه
ــــ هههه لا حبيبتي، إن شاء الله سأعطه الدواء وأجيئ
إليكِ على الفور
ــــ إن شاء الله حبيبي. السلام عليكم
ـــ وعليكم السلام مريوم
****************************************************
عاد بالدواء إلى دكتور لوكاس:
ــــ ها هو الدواء دكتور لوكاس، تفضل
ــــ لا أدري كيف أشكرك دكتور سالم
ــــ لا داع للشكر ..أين قارورة الماء ...
ها هي. وهاهو الكوب أيضاً . تفضل هذا القرص وقد صببت لك الماء في الكوب
ــــ ستعطني الدواء بنفسك ؟
ــــ تفضل. شفاك الله وعافاك
ــــ أشكرك. أشكرك جداً
ــــ هات الكوب. هات، سأضعه وأضع قارورة الماء إلى جانبك
لتشرب إن احتجت في أي وقت
ـــ أشكرك سيد سالم
ــــ أنا الآن مضطر للإنصراف. فهل تطلب أي خدمة أخرى قبل
أن أمشي ؟
ــــ أشكرك جداً، ولكن بقى أن تاخذ ثمن الدواء
ـــــ لا . لن أخذ ثمنه. أعفني. استأذنك في الإنصراف
هم بالمغادرة، فناداه دكتور لوكاس بإصرار:
ــــ انتظر، انتظر دكتور سالم. لا تنصرف قبل أن تأخذ ثمن
الدواء. هذا الدواء باهظ الثمن ولا يصح أن تتحمله عني . يكفي أنك اقتطعت جزءاً من
وقتك لزيارتي، ووقتا في إحضار الدواء، وهذا كرم أخلاق منك يا سيد سالم
رد بابتسامة واسعة:
ــــ دكتور لوكاس، أنا لم أفعل شيئاً يستحق الشكر. أرجوك
اقبل ثمن الدواء كهدية
أسدى إليه نظرة امتنان وقال:
ــــ لا أدري ماذا أقول لك. أخلاقك سمحة جداً . لم أعهد
هذه الصنائع طيلة حياتي . اعتدت أن أرى المادة هي التي تحكم وتتحكم في كل شيء.
ولأول مرة أرى رحمة القلوب وأنبل المشاعر تتجسد أمامي في إنسان نادر مثلك
ــــ هكذا تعلمنا من الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام
فاض قلب دكتور لوكاس حباً لنبي الإسلام وقال وبسمة على
محياه:
ـــــ جعلتني أحبه ... من فضلك حدثني عنه. أريد أن أسمع
وأعرف كل شيء عن نبيكم العربي ذو الأخلاق السمحة والقلب الرحيم الذي تعلمتم منه. أرجوك،
أرجوك حدثني عنه
ــــ عليه الصلاة والسلام . إنه أعظم إنسان وجد على هذه
الأرض. أتى بشريعة من أعظم الشرائع السماوية ليهذب أخلاق البشر ويتمم مكارم
الأخلاق . جاء لينشر الحق والعدل ويساوي بين الناس، فلا فضل لعربي على عجمي إلا
بالتقوى
ــــــ هذا الحديث شوقني أكثر لمعرفة المزيد عن حياته
ودعوته.
ــــ سآتيك بعد
عودتي من زيارة عائشة ابنتي بكتاب عن حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام
ــــ سأكون سعيد بذلك. أنا متشوق من الآن. بل
كأني تائه في صحراء مقفرة وأبحث عن
الماء لا أجده، ثم وجدتك تفجر تحت قدمي بحيرة ماء عذبة . سأنتظرك لتسقني منها ولا
تتركني لعطشي ووحشتي في الصحراء
ــــ ههه تعبيرات بليغة عن حالك حقاً. بالطبع سآتيك به.
وإن لم أكن مسافر لجئتك به غداً . لكن إن شاء الله انتظرني بعد يومين
ـــــ يومين فقط.. اتفقنا ؟
ــــ هاها اتفقنا دكتور لوكاس
ــــ بلغ سلامي لابنتك الطيبة القلب مثلك
ــــ أشكرك
سأبلغها. أستودعك الله
****************************************************
عاد الدكتور سالم إلى منزله، فإذ بزوجته غاضبة لا تلقي
له بالا، فألقى السلام ضاحكاً
ــــ مريوم..السلام عليكم
ردت بفتور ولم تبرح مقعدها:
ـــــ وعليكم السلام
ــــ غاضبة حبيبتي، غاضبة هههه ألهذه الدرجة تأخرت عليكِ
مريوم!
ــــ وأتعجب لِمَ لم تبت عند دكتور لوكاس وتأتي في الصباح!
انفجر ضاحكاً وقال يسترضيها:
ـــــ سامحيني بالله عليكِ . والله لو علمتِ لِمَ تأخرت
لما غضبتِ حبيبتي.
ـــــ ممم لِمَ يا أبا عائشة ؟؟؟
ـــــ ههه بل قولي
لِمَ يا حبيبي
ـــــ لا أستطيع إلا إذا اقتنعت بأسباب تأخيرك
قهقه وقال:
ـــــ كان
الرسول عليه الصلاة والسلام يقول للسيدة عائشة أنا أعرف متى تكونين راضية ومتى
تكونين عليّ غضبى . فقالت متى ، قال عندما
تكونين راضية تقولين لا ورب محمد وعندما تكونين غضبى تقولين لا ورب إبراهيم . وأنتِ
يا مريم فعلتي مثل أمنا عائشة ولم تقولي يا حبيبي وقلتي يا أبا عائشة لأنك غضبى ههه
ـــــ هههه أخرجتني عن غضبي يا سالم
ــــ هكذا تأكدت أنك صفحتي عني حبيبتي مريوم
ــــ قل لي لِمَ تأخرت حبيبي ؟؟؟
ــــ الدكتور لوكاس طلب مني أن أحدثه عن النبي عليه
الصلاة والسلام
ــــ حقا ؟.. يا ربي! لا أصدق
ـــــ صدقي يا حبيبتي. فكلما تمسكنا بأخلاق المصطفى
السمحة والزاكية كلما أقبل الخلق على معرفة الحق
ــــ صدقت يا سالم، صدقت... إذا كان تأخيرك لهذا السبب
فأنا لا استطيع إلا أن أقول وفقك الله لهداية الناس لدين الله الحق اللهم آمين
ــــ اللهم آمين حبيبتي
تذكرت ما حدث أثناء غيابه، فقالت باضطراب:
ـــ سالم. حدث
شيء لم أتوقعه أبداً
ــــ خيراً مريوم؟ أقلقتني. ماذا حدث؟
ــــ أتت والدة عبد الله إلينا اليوم
تملكه الذهول فقال:
ــــ ماذا!...لِمَ ؟ قصي عليّ ما حدث يا مريم
****************************************************
في صبيحة اليوم التالي كانت عائشة تعد الطعام لأجل
أبويها، حين سمعت جرس الهاتف، فتركت ما بيدها ونظرت في هاتفها فإذ بها حفصة مخطوبة
محمد، ردت عائشة متهللة:
ــــ السلام عليكم حبيبتي حفصة
ــــ وعليكم السلام حبيبتي عائشة كيف حالك ؟
ــــ أنا بخير، بخير الحمدلله. أعد الطعام لأن أبي وأمي
على وصول إن شاء الله
ــــ يأتيا سالمَين
إن شاء الله مممممم عذرا لم أكن أعلم إنك مشغولة أختي. انتهزت أول فرصة
لنزول زوجك إلى العمل حتى أهاتفك هاها..لا حظ لي اليوم، سأعاود الاتصال في وقت آخر
إن شاء الله
ــــ لا حبيبتي، تكلمي، فأنا على وشك الإنتهاء
ــــ لا،لا، اذهبي يا عائشة
واكملي إعداد الطعام فلا أحب أن أشغلك . وأنا إن شاء الله سأهاتفك غدا
خطر على بال عائشة أمراً قد نسته فقالت:
ــــ فقط انتظري اسألك سؤالا حيرني كثيراً ونسيت أن أسألك
ــــ خيراً ؟
ــــ عندما اتيت الى هنا أول يوم وجدت في خزانة ملابسي فستانا جميلا وأنيقاً ووجدت معه قنينة عطر . فهل هما ملكك ؟
ــــ هذه هديتي حبيبتي . مممم آسفة جدا أن تركتها في خزانة الملابس ولم أخبرك ولكن احببت أن تكون مفاجأة والله ، بالطبع
طريقة غير عادية هاها.. لا أعتقد أن أحدا يكون معه مفتاح خزانة ملابس العروس غير العروس هاها ولكن حظي أنا أن مفتاح خزانة
ملابسك كان معي .. ولكن تأخرتي كثيرا في
السؤال لدرجة أني اعتقدت أن الهدية لم تعجبك لذا فآثرت الصمت حتى لا أُحرج هاها
ــــ والله أعجبتني جدا جدا هديتك ولكن خشيت أن أستعملها
ثم يتضح أنكِ نسيتيها ثم تطلبي احضارها وهنا يكون الإحراج بالفعل هههه
ــــ لا حبيبتي هي لكِ. ولكن من فضلك انظري إذا كان
الفستان على نفس مقاسك أم لا حتى
أبدله لكِ
ــــ والله لا أدري فخشيت الإقتراب منه ههه ولكن الآن
طالما إطمأننت انه لي فسأذهب لأنظر هل
يناسبني أم لا
ــــ اعتقد انه سيناسبك فأنا تخيلتك ممشوقة القوام مثلي ههه
ــــ اشكرك حبيبتي حفصة . ممممممم سؤالٌ آخر أكثر إلحاحاً
مازحتها حفصة قائلة:
ــــــ يبدو أن أهلك سوف يصلون ولا يجدوا الطعام قد
اكتمل نضجه. هاتي سؤالك وأسرعي يا حبيبة كي تعودي لإنجاز مهامك
ــــ أنتِ قلتِ أنك أرسلتي الطعام مع محمد زوجك ولكن كيف وضعه
على المائدة وقد كان معنا في ميونخ !! وكيف علمتم من الاساس ان زواجنا سيتم ؟
ــــ هاها حبيبتي الأمر بسيط . نحن فقط وضعنا كل الاحتمالات . كان محمد
في دوسلدورف صباحا واخبرني برغبة زوجك في الزواج منك في نفس الليلة وطلب مني اعداد
الطعام ليأخذه ويضعه في منزلكما على المائدة فإن تمت الزيجة وأتيتِ ستجدي الطعام
وإن لم يحدث فسنأكله نحن هاها ولكن الحمدلله تزوجتما وأسعدتما قلوبنا جميعا
الحمدلله
ـــــــ بارك الله فيكِ يا حفصة . مممممم اريد مفتاح خزانة
ملابسك
ـــــ لِمَ ؟
ـــــ هاها لأرد لكِ الهدية والطعام
ــــــ حبيبتي بارك الله فيكِ . صداقتك هي هديتي يا
صديقتي
ــــــ جزاكِ الله خيراً حبيبتي حفصة. أستودعك الله الآن
. السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا عائشة
ما أن وضعت الهاتف، حتى علت أجراسه مرة أخرى، فقالت
متأففة:
ــــ يبدو أنني حقا لن أنجز شيئا.
نظرت في الهاتف فوجدته زوجها، فقفز قلبها فرحاً
ـــــ هيييه عبد
الله . السلام عليكم عبد الله حبيبي
ـــــ وعليكم
السلام ورحمة الله حبيبتي عائش . كيف حالك حبيبتي ؟
ــــ بخير حال حبيبي . أوشكت أن أفرغ من إعداد الطعام
ــــ أبوكِ وأمك لم يأتيا بعد ؟
ــــ ليس بعد حبيبي . أعتقد أنهما على وصول إن شاء الله
. حاولت الإتصال ولم استطع أن اصل إليهما ربما لم تصل الطائرة بعد
ــــ هههه لا تقلقي . سيأتيا سالمين إن شاء الله ..... عائشة
ــــ أمرك حبيبي
ـــ أحبك
ــــ ههه أُحبُك
ــــ ههه أتركك الآن حبيبتي، رغم أني سأشتاق إليكِ حتى
ألقاكِ بعد صلاة العصر
ـــــ وأنا سأشتاق أكثر حبيبي ههه حفظك الله لي يا عبد
الله
ــــ أستودعك الله حبيبتي . السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام حبيبي
****************************************************
وصل والد عائشة ووالدتها إلى المنزل الذي تقطنه، فقالت
والدتها لاهثة:
ــــــ يا إلهي! لا أحب السفر، ولا احب الخروج من المنزل
ههه ولكن كل شيء يهون لأجل عائشة
ـــــ هاها ها قد وصلنا إلى باب المنزل يا مريم
نظرت إلى الحديقة البديعة حول المنزل وقالت بإعجاب:
ـــــ يا الله ! حديقة المنزل جميلة، جميلة ماشاء الله
لا قوة إلا بالله . دق الجرس يا سالم
سمعت عائشة دقات الجرس فهرعت وقلبها يسبقها إلى الباب
شوقاً:
ــــ قادمة .. مممممم سأسأل من بالباب أولا . ربما
اعتقدت خطأ أنهم والديّ الحبيبين
ــــ من بالباب
ردت أمها ضاحكة:
ـــــ افتحي يا عائشة
فتحت بابتسامة مشرقة وعينان متلهفتان، فارتمت في أحضان
أبيها وأمطرته قبلات:
ــــــ مرحباً أبي، اشتقت إليك
رد ممازحاً:
ـــــ دعيني اقول السلام عليكم أولاً حبيبتي
ـــــ هاها وعليكم السلام ورحمة الله يا أبي. مرحباً.
مرحباً يا أمي
ــــ افسح الطريق يا سالم، أريد أن احتضن ابنتي هههه
ـــــ هههه ها هي ابنتك فاحتضنيها ..رويداً رويداً حتى
لا تهشمي عظامها بضمتك
ـــــ ابتعد يا رجل دعني وابنتي.
احتضنت ابنتها بشوق وقبلات وهي تقول:
ــــ حبيبتي.
كيف حالك يا صغيرتي؟
ــــــ بخير حال
يا أمي .أما زلت صغيرتك ؟ ههه
ـــــ بالطبع،
صغيرتي الجميلة حبيبة قلبي وقرة عيني
ــــ لا حرمني الله منكِ يا أمي.
قال لها والدها بروح فكاهته:
ــــ عائشة! هل ستتركينا واقفين أنا وأمك عند الباب يا ابنتي ؟
ــــ ههه عذراً يا أبي تفضلا، تفضلا
ــــ اشكرك يا بنيتي. كيف حالك وكيف حال عبد الله؟
أشارت إليهما بمكان مناسب للجلوس وقالت:
ــــ اجلسا ها هنا يا أبي. عبد الله بخير الحمدلله .
أوشك على الوصول من العمل
ــــ إن شاء الله يا بنيتي
سألت عائشة والدتها بشوق للحديث إليها:
ــــ كيف كانت رحلة الطائرة من ميونخ لدوسلدورف يا أمي
ـــــ مريحة جداً بالطبع . فبعدما ذكرتِ أن سفركما
بالسيارة استغرق قرابة السبع ساعات قلت لأبيكِ لا،لا، لن أسافر بالسيارة ههه لكن
الوقت بالطائرة حوالي ساعة واحدة فقط هاها
ــــ هاها حمداً لله على سلامتكما . ممممم سأحضر لكما
شراباً دافئاً وبعدها تذهبا لتنالا قسطا من الراحة حتى أفرغ من اعداد الطعام
قالت والدتها بحنو:
ـــــ يا حبيبتي، ما جئت وأبوكِ إلا لنجلس معك أطول وقت
ممكن، وما جئنا للنال قسطا من الراحة. أليس كذلك يا سالم ؟
رد والدها ضاحكاً:
ــــ لا ..أنا فعلا أحتاج شراباً دافئاً، وأذهب لأنال
قسطا من الراحة وأتركك وابنتك للثرثرة هههههه
ــــ ههه خيرا ستفعل . فأنا مشتاقة للحديث مع ابنتي
****************************************************
بعدما انصرف عنهما الوالد، سألتها أمها بتلهف:
ـــــ ها يا عائشة، أخبريني يا حبيبتي. هل أنتِ سعيدة مع
زوجك؟
ــــ الحمدلله يا أمي سعيدة جداً. وعبد الله حريص بشدة على
حفظ القرآن والتهجد في السحر. تخيلي يا أمي إنه هو الذي يوقظني للصلاة !
ــــ ماشاء الله. أنا سعيدة حقاً أن أسمع ذلك
تذكرت الأم زيارة والدة كيفن، فذهب عنها الابتسام وقالت:
ـــــ هناك أمر قد حدث بالأمس
تبدى القلق على وجه عائشة وسألت:
ــــ خيراً يا
أمي؟
ــــ والدة عبد الله أتت لزيارتنا، وكانت منهارة جداً
ــــ.....ماذا!!...لِمَ أتت لزيارتكم ؟ أقلقتني يا أمي.
ــــ لا تقلقي يا حبيبتي.. فهي فقط كانت تود أن تراكِ
لتستأنس بكِ
أطلت الحيرة من عينيها وقالت:
ــــ لا أفهم شيئا
مازحتها الأم لتذهب بالقلق الذي ألم بها:
ــــ ههه وأنا لن أتكلم مرتين . فعندما يأتي زوجك سأخبره
ـــــ ..... لا أعرف يا أمي هل نخبره أم لا
ــــ أنا أرى أن نخبره
أومأت عائشة برأسها والقلق يفترسها:
ـــــ إن شاء
الله
بلغ عبد الله باب المنزل ودق الجرس..امتزجت مشاعر الفرحة
بمشاعر القلق في قلب عائشة..فكم هو عبء ثقيل ألقت به والدتها على قلبها وتخاف أن
تبدي به لزوجها فتزيد من ثقل أعباءه..غلبتها مشاعر الفرحة بقدومه، فتبدى الإشراق
على وجهها وقالت وهي تهرع إلى الباب:
ـــــ هاهو قد أتى بحمد الله
ضحكت أمها وقالت:
ومالي أراكِ فرحة هكذا يا بنت مريم!!!
استدارت بابتسامة خجلى وقالت:
ـــــ يا أمي ألم تعتادي على ابداء فرحتك دائماً بقدوم أبي
؟
قهقهت الأم وقالت:
ــــ بالطبع.. زوجي حبيبي سالم...اذهبي وافتحي لزوجك واملأي
وجهك تبسماً وفرحاً بقدومه
فتحت الباب، ورحبت بزوجها والفرحة تقفز من عينيها:
ــــ مرحباً
ـــــــ السلام عليكم حبيبتي
ـــــ وعليكم السلام حبيبي. أمي بالداخل تنتظرك، وأبي نام
ــــ ههه دعيه يستريح . سأدخل لأرحب بأمك
ــــ تفضل حبيبي. وأنا سأوقظ ابي لنتناول الغداء سوياً
إن شاء الله
ــــ حسناً حبيبتي
دخل على
والدة زوجته يحيها بوجه طلق يمازحها:
ــــ السلام عليكم. كيف حالك يا أمي الصغيرة
مريم
ضحكت وقالت:
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله. بخير يا ولدي الكبير عبد
الله
ــــ هههه حمداً الله
ـــــ ولكن ما سر ندائك لي بأمي الصغيرة ؟
ــــ ههه تخبرك بذلك عائشة يا أمي الصغيرة
ــــ تعالي يا عائشة واخبريني بأمر زوجك. لما يناديني بأمي
الصغيرة؟
أتت من المطبخ ضاحكة تقول:
ــــــ هأنذا قادمة لأخبرك يا أمي، وسأعود للمطبخ لإحضار
الأطباق...عبد الله حين رآكِ لأول مرة ظن أنك أختي الكبيرة ولم يحسب أبداً أنكِ
أمي
ـــــ ههه حقا يا عبد الله ؟
ـــــ بالفعل هذا ما اعتقدته . تبدين صغيرة جداً حقاً
ضحكت الأم وقالت بمرح:
ـــــ أيقظي أباكِ ليسمع
خرج الدكتور سالم من الحجرة باتجاههم وقال ضاحكاً:
ـــــ هأنذا قادم، وسمعت خرافات زوج ابنتك
قام إليه عبد الله مرحباً:
ــــ مرحباً عمي سالم. أهكذا تغضب أمي مريم ؟
ردت السيدة مريم تمازحه:
ـــــ خرافات!. أهكذا يا سالم! . حسناً، قل ما شئت، فأنا
صغيرة وأحترم الكبار
ـــــ لا تتركين ثأرك أبداً زوجتي الحبيبة هاها. حفظك
الله يا مريم وبارك في عمرك
ـــــ وحفظك الله لي يا زوجي الغالي، يا أبا عائشة
أعجب عبد الله بحديثهما الودود وقال مبتهجاً:
ـــــ أسعد الله قلبيكما. دعواتكما لي ولعائشة بالسعادة أيضاً
دعت الوالدة:
ـــــ اسعدكما الله يا ولدي آمين
أتاه نداء عائشة من المطبخ:
ـــــ عبد الله
ــــ قادم يا عائشة.. . أستأذنكما
ـــــ تفضل يا ولدي
دلف إلى
المطبخ يسألها عن بغيتها:
ـــــ السلام عليكم حبيبتي، ما الأمر ؟
ترددت في إخباره بأمر والدته..فأرجأت الأمر قائلة:
ـــــ عليكم السلام حبيبي ..... ناديتك لتذهب لغرفتك
لاستبدال ملابسك حتى نتناول الغداء
ــــ هاتي الأطباق التي في يدك أضعها على المائدة،
وسأذهب لاستبدال ملابسي، ثم آتي لمساعدتك
في ترتيبها
ــــ لا ترهق نفسك حبيبي . سأفعل أنا
ــــ لا، لا، قلت لكِ انتظري.
هم أن يستدير فلمحها حافية القدمين، فتربد وجهه وصاح بها
مشيراً إلى قدميها:
ــــــــ . ماهذا!! ماهذا يا عائشة! تقفين على
الأرض حافية القدمين في هذا البرد!
ـــــ ههه حبيبي، أسرعت إلى المطبخ متعجلة ولم أرتدي نعلي
ــــ حبيبتي بالله لا تعذبيني والبسي نعلك
ــــ حبيبي أنا من أقف على الأرضية الباردة، وليس أنت هاها
ـــــ والله كأنني أنا من أقف عليها وأشعر بالسقيع يعذب قدماي
ــــ يا حبيبي! أكل هذا الحنو في قلبك!
ــــ البسي
نعليكِ. لا تعذبيني أكثر من ذلك
ـــ ههه حسناً، لا تغضب. سألبس نعلي ....
لا حرمني الله حنان قلبك
****************************************************
بعد تناول الغداء..جلست السيدة مريم على مقربة من
عبدالله لتفرغ ما في جعبتها، فقالت وفي عينيها شفقة تتدفق:
ـــــ عبدالله يا ولدي
.... .أمك زارتني بالأمس
اتسعت حدقتاه تلهفاً وقال:
ـــــ أمي!!
أومأت برأسها وقالت بحنو:
ــــ أجل يا ولدي.... كانت تبكيك بحرقة والله ... كم أشفقت
عليها. ملتاعة جداً لفراقك وما جفت دموعها حتى الآن
أخذت الرعدة جسده وانهمرت العبرات من عينيه وهو يردد:
ــــ أمي. أمي... والله ما نسيتها لحظة. مشتاق إليها جداً،
جداً
ــــ لا حول ولا قوة الا بالله. ولدي جفف دموعك ... أأسف
جدا لإيلامك بهذا الخبر
أمسك بيد السيدة مريم وسألها بتلهف واضطراب:
ــــ كيف حالها؟؟ اقصد هل هي بخير ؟ ماذا قالت ؟؟؟
ــــ اهدأ يا ولدي بالله. أنا فقط أحببت أن أخبرك لأنني أحسست
وكأنها أمانة في عنقي، ولم استطع حملها وحدي...
والله قد مزقت دموعها قلبي.. ولكن أعلم أن الأمر ليس
بيدك، وظهورك فيه خطورة على حياتك وحياة عائشة
أطرق هنيهة، ثم قال وهو يمسح دموعه بيده، بنبرة اجتاحتها
الرعدة:
ــــ لِمَ أتت لزيارتك ! أنا متعجب جداً
طفرت عبرة من عين السيدة مريم وقالت بصوت مرتعش:
ــــ أتت لتضم عائشة لصدرها لأنك تحبها ، فهي تحاول التقرب لأي شيء أحببته في
حياتك لتشتم فيه رائحتك.
رشقت تلك الكلمات كالخنجر في صدره، فصاح معذباً يتمزق
ودموع جراحه تسيل من عينيه:
ـــــ يا إلهي!! . كم عذبتني هذه الكلمات!! أمي، أمي
ربتت على كتفه وقالت بحنو:
ــــ اهدأ يا ولدي، اهدأ
قام عن مقعده وقال:
ـــــ استأذنك في الإنصراف لغرفتي
ـــــ تفضل يا ولدي
****************************************************
عادت السيدة مريم إلى زوجها وابنتها بقلب كسير، فسألها:
ــــ اين كنتِ كل هذا الوقت يا مريم ؟
ــــ....كنت أخبر عبد الله بزيارة أمه، فتكدر صفوه وبكى حنينا إليها
ابتئس الدكتور سالم ولامها:
ــــ ولِمَ يا مريم . لا حول ولا قوة الا بالله! لِمَ
تخبريه وتكدري صفوه ؟ أين هو ؟
ــــ ذهب إلى غرفته
نظر الدكتور سالم إلى عائشة وقال:
ــــ اذهبِ لزوجك يا عائشة، واخبريه أن يشاركنا الجلسة،
فنحن بانتظاره
ـــــ سأفعل يا أبي
*******************************************
دلفت عائشة إلى الغرفة، فهالها بكاءه، فهرعت إليه تمسح
على رأسه وتقول وقلبها يتمزق لأجله:
ــــــ عبد الله حبيبي
ـــــ من فضلك يا عائشة اتركيني وحدي قليلاً
ــــ حبيبي سأتركك.. ولكن بالله هون على نفسك. أعلم أن
حنينك إلى أمك جارف ولكن هذا قدرٌ أن تتركها
ــــ عائشة من فضلك أريد أن أبق وحدي قليلاً.. وسأتبعك
إن شاء الله
ـــــ حسنا حبيبي ... كما تريد ... ولكن لن تحلو الجلسة
بغير وجودك
ـــــ إن شاء الله
غادرت عائشة الغرفة وأغلقت الباب، فهتف باسم أمه
متحسراً:
ــــ أمي.. أمي.. كم يقتلني الشوق إليكِ ولكن ليس بيدي..
ليس بيدي... أمي
****************************************************
بعد قرابة الثلاث أسابيع، استدعى القس دانيال الراهبة ما
نويلا، فامتثلت لأوامره:
ـــــ منويلا
ـــــ سمعا وطاعة، آبانا دانيال
ــــ اخبريني كيف الحال
أومأت برأسها وقالت وعلى محياها بسمة واثقة:
ــــــ لا تقلق.. كل الأمور على ما يرام يا آبانا
ــــ باقي من الزمن أسبوع وتنطلقي إلى دوسلدورف لتنفيذ
مهمتك المقدسة
ــــ وأنا في خدمة دين يسوع يا آبانا ولن نترك ثأرنا ...
أمي صوفيا شديدة الغضب من ابن اختها وتريد
الفتك به وبمن أفسدته علينا
قهقه وقال وهو يعبث بلحيته:
ـــــ قريباً.. قريباً سأتصل بها وأهدئ من روعها وأبشرها
إني سأُركع زوجة كيفن تحت قدميها المقدسة، وتذبحها بيديها امام عيني كيفن .... وحق يسوع لأمكننها يوما من رأسيهما.
أحنت رأسها تحية له وقالت:
ــــ باركك الرب يا آبانا، وجعلك في خدمة الصليب دائماً
ــــ انصرفي الآن يا مانويلا
ــــ سأنصرف.. فقد حان ميعاد صلاتي للرب
ـــــ باركك الرب أيتها الراهبة الصالحة
****************************************************
هاتف عبد الله عائشة ليخبرها عن مفاجأة أعدها لها:
ـــــ حبيبتي عائشة..عندي لكِ مفاجأة سأحضرها معي إن شاء
الله
ــــ مفاجأة! وماهي ؟
ـــــ وكيف ستصبح مفاجأة إذن! هاها
ــــ حقا كيف ستصبح مفاجأة هاها!! سأنتظرك أنت ومفاجأتك
يا حبيبي على أحر من الجمر
ـــــــ إن شاء الله حبيبتي
وضعت الهاتف جانباً وهي تسأل نفسها والفضول يعتركها:
ـــــ يا تُرى ما هي المفاجأة ؟
****************************************************
قرع الأجراس فهرعت إلى الباب تفتح وشوق عينيها إليه
يسبقها:
ـــــ مرحباً حبيبي، مرحباً
ــــــ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حبيبتي
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أين هي ؟
غضن حاجبيه وتصنع الاندهاش ممازحاً:
ــــ أين هي! عن أي شيء تتحدثين لا أفهم!
وضعت يديها على جنبي خاصرتها ورفعت حاجبيها، مغمضة إحدى
عينيها وقالت بمكر:
ـــــ ممم حبيبي لا تتلاعب بالألفاظ وتدعي أنك لا تفهم
مقصدي .. أين هي المفاجأة ؟
قهقه وقال:
ـــــ عندما أذهب لأستبدل ملابسي، وأتناول غدائي، وأستريح
ساعتين، أو ربما أكثر.. حينها أخبرك بالمفاجأة
مازحته قائلة:
ــــ ممم ما رأيك لن أدخلك إلى غرفتك وسأحتجزك هنا في
ردهة المنزل هاها أخبرني وإلا ........
ـــــ لا، لا، لا داع للتهديدات حبيبتي ههه . ممم أحدثك عن
المفاجأة قبل أن أجلبها من الخارج لتعليقها
ـــــ تعليقها!!...
وما هذه المفاجأة المعلقة!
ـــــ هههه ممممممممم أغمضي عينيكِ ولا تفتحيهما قبل أن
أخبرك
ــــــ حسنا
حبيبي. ها هما عيناي قد اغمضتهما
ـــــ ههه حذاري أن تفتحي عينيكِ
ـــــ ههه لن افتحمهما قبل أن تخبرني
عاد عبد الله إلى الخارج، وبقت مغمضة العينين للحظات لا
تسمع حس ولا حسيس..فنادت:
ـــــ عبد الله....عبد الله . ماهذا! أين ذهب هذا الرجل
ممممممم وعدته ألا أفتح عينيّ ممممممم عبد
الله
عاد يقول ضاحكاً:
ـــــ استمري في غلق عينيكِ بالله عليكِ
ــــ حبيبي، أريد أن أفتح عيني
ــــ انتظري قليلاً، قليلاً وسآتي لأصطحبك إلى الشرفة وأنتِ مغمضة العينين مممممم
انتظري
ذهب فأخذت تحدث نفسها تعجباً:
ــــ ماهذا! شرفة! ومفاجأة معلقة! ماذا أحضر هذا الرجل هاها
بعد قليل عاد إليها يقول ضاحكاً:
ـــــــ حبيبتي، جئتك لأصطحبك إلى الشرفة..هاتي يدك
واستمري في إغماض عينيكِ
أمسك بيدها يقودها للشرفة، فضحكت وقالت:
ـــــ أشعر أنك ستصطحبني إلى الشرفة مغمضة العينين
لتلقني من أعلى
أنفجر ضاحكاً وقال:
ــــــ ألقي حبيبتي صاحبة الضوء! لا،لا، لست شريراً إلى هذا الحد ههه تعالي، تعالي
ـــــ مممم شوقتني أكثر
ــــــ ها قد
وصلنا. هيا لأجلسك هنا. لا تفتحي عينيكِ
ـــــ ما هذا! أين أجلستني ؟
ــــ افتحي عينيكي حبيبتي
نظرت فإذ هي تجلس على أرجوحة جميلة، فشهقت فرحاً وقالت:
ـــــ أرجوحة! حبيبي أنت، حبيبي ..مفاجأة لم أتوقعها عبد
الله ههه.
ـــــ أحسست أنكِ كنتِ مرتبطة جداً بالأرجوحة في بيت
جدتك. وأنها كانت وسيلة لإمتاعك، لذا قررت أن أحضر لكِ أرجوحة لأسعدك بها
ــــ ههه سلمت لي حبيبي سلمت .... ولكن حقا لم أحسب أنك
ألقيت بالا لحديثي عن الأرجوحة ... ظننت أنه مر على مسامعك ولم تنتبه لهذه الدرجة
ـــــ كل أحاديثك تحفر في ذاكرتي حبيبتي. بل وكل ما تصبو
إليه نفسك يشغلني، ويجعلني لا أنام حتى أضعه بين يديكِ
ـــــ حبيبي!. أنا اُحبك يا عبد الله.. أحبك . أنت أروع
زوج في هذا العالم
ـــــ ههه دعيني أؤرجحك كما كنتِ تتأرجحين في طفولتك، هيا، أغمضي عينيكِ
واسرحي بعيداً، كما كنتِ تحبين أن تفعلي في طفولتك
امتزج الحب والامتنان في عينيها وقالت:
ــــ حبيبي ...لا أدري كيف أشكرك ... والله إنها مفاجأة
جميلة، حملتني بها إلى أيام جميلة حينما كنت طفلة
قال وهو يهدهدها بالأرجوحة:
ــــ ما زلتِ طفلة حبيبتي وأرغب في هدهدتك ومداعبتك يا
طفلتي الجميلة
ــــ حبيبي... يااااه!! أحسستني بأروع الأحاسيس بين يديك يا كل حياتي
ــــ أنتِ من فجرتِ ينابيع أحاسيسي تحت قدميكِ .. اصمتي
واسرحي ودعيني أؤرجحك في هدوء
ــــ ههه لا أستطيع الصمت وأحرم نفسي من متعة الحديث إلى حبيبي . أتعلم يا عبد الله ! أنا كنت
أغني لأرجوحتي حين أتأرجح عليها
ـــــ هاها اسمعيني غناءك للأرجوحة حبيبتي
ــــ سأسمعك حبيبي
ــــ أرجوحتي، أرجحيني، أرجحيني
ــــ عند أعشاش الطيور واتركيني
ـــــ بين أغصان الخمائل أطلقيني
ــــ ولشدو العصفور أسمعيني، أسمعيني
ـــــ أرجوحتي أرجحيني، أرجحيني
ــــ بأريج الزهر أمتعيني، أمتعيني
ــــ ولنجم السماء أوصليني، أوصليني
ــــ أرجوحتي أرجحيني، أرجحيني
أثنى على غنائها مبتهجاً:
ــــ جميلة حبيبتي.. أشعر أنك تصنعين عالم خاص بكِ على
الأرجوحة..الأطيار والأزهار، ونجم السماء وشدو العصفور
ــــ أجل حبيبي هاها . فعندما تكون الأرجوحة إلى أسفل
أشتم عبير الزهر، وعندما تأخذني عالياً فهي تأخذني إلى نجم السماء وأغصان الخمائل
وأعشاش الطير
ــــ ههه مستمتعة على الأرجوحة ؟
ــــ جداً، وسأستمتع أكثر حين تجلس إلى جواري تتأرجح
ــــ هاها أنا أتأرجح !
ــــ أجل, هيا إجلس حبيبي
ــــ ههههه هأنذا جلست إلى جوارك
قالت تمازحه وهما يتأرجحان:
ــــ مممممم ما رأيك نتأرجح طوال اليوم ولا نأكل ولا
نشرب يا حبيبي ؟
ــــ قومي حبيبتي، قومي. هيا لإحضار الطعام. أسدك جائع جداً هههه
ـــــ هههه يا أمي!! . أقوم قبل أن تأكلني أيها الأسد
الجائع هاها
ــــ هاها سأذهب الآن أستبدل ملابسي ثم أتبعك إلى المطبخ
لنعد المائدة سويا
رجته بود:
ــــ حبيبي. يكفي بالله عليك تعبك وعناءك في العمل
ــــ لا،لا، لست متعب الحمدلله. أحب دائماً مشاركتك في
كل شيء. أحب دائماً أن نكون مختلفين عن أي زوجين ونكون كياناً واحداً حبيبتي
ـــــ يا حبيبي! حفظك الله لي ولا حرمني رقة قلبك وحنوك
الجارف اللهم آمين
ـــــ بارك الله فيكِ حبيبتي . سأتبعك بعد قليل إن شاء
الله
****************************************************
على المائدة نظر عبد الله إلى الطبق أمامه وسألها:
ــــ لمن هذا الطبق حبيبتي ؟
ــــ لك حبيبي
ــــ لا، سآكل من طبقك. لا أحب أن تفرقنا الأطباق
ضحكت عائشة وأزاحت الطبق من أمامه قائلة:
ـــــ اذهب أيها الطبق إلى المطبخ، فنحن لا نحتاجك هنا ...
مُره يذهب يا حبيبي
ضحك وشاركها المزاح:
ــــ لا يسمع الكلام. طبق عاص هاها. دعك منه الآن. افتحي
فمك لأضع قطعة اللحم الكبيرة جداً هذه هاها
ـــــ لا يسعها فمي حبيبي. فإنه صغير جداً كما ترى هاها إقضم
منها قضمة وانا اقضم منها قضمة، حتى لا تفرقنا قطعة اللحم
قهقه وقال:
ـــــ تسرقين أفكاري دائما ولا تبتكرين هاها. حقا كنت أنوي ذلك. أن نتشارك حتى في قطع اللحم
ـــــ مممممم رومانسي حتى على مائدة الطعام حبيبي هاها
قطع حديثهما جرس هاتف عبد الله، فقال متأففاً:
ـــــ أوه! ومن هذا الذي أراد ان يخرجنا من عالمنا
الرومانسي هاها
قام إلى هاتفه ينظر من المتصل، فقال:
ــــ ممم إنه
محمد صديقي
ـــــ سأقوم أنا، فقد شبعت، وسأجمع الأطباق
ــــ انتظري حتى أفرغ من المكالمة لأجمعها معك... السلام
عليكم محمد
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله. كيف حالك عبد الله؟
ـــــ بخير حال، الحمدلله . كيف حالك أنت يا محمد؟
ــــ بخير الحمدلله. لا تنس زفافي وحفصة يوم الخميس القادم إن شاء الله
ــــ هاها مبارك يا محمد. خبر سار جداً. مممم ألا تسترد سيارتك التي تركتها لأجلي ؟
ــــ غداً إن شاء الله أستردها، وأصطحبك إلى معرض سيارات
والدي لتأخذ أفضل منها
شعر عبد الله بالحرج أمام كرم عبد الله، فقال:
ــــ مُحمد، بالله لا تحرجني أكثر من ذلك بكرم أخلاقك
ــــ يا أخي، أنا أعلم كم كنت مرفهاً في حياتك ولم تعتد
على سيارات الأجرة، وطالما في استطاعتي مساعدتك فلِمَ أتأخر ! قلت لك
سأعطيها لك بالتقسيط وادفع حين تستطيع، ولن ألزمك بشيء
ــــ اشكرك جداً يا محمد
ــــ ولكن اخبرني، ألا تترك زوجتك تعمل في إحدى المستشفيات؟
تربد وجه عبد الله وقال بحسم:
ــــ لا،لا
ــــ لِمَ ؟
ازدرد ريقه باضطراب وقال:
ــــ أخاف عليها، أخاف. أشعر أني لو تركتها لأصابها
مكروه. لا، لا،لا. وحمداً لله أنها لم تطلب ذلك
ــــ أنت تبالغ في خوفك على زوجتك.
ــــ لا يا مُحمد. أنا مُحق في خوفي. لن اتركها تذهب إلى
أي مكان وحدها أبداً
ــــ حفظها الله لك، وحفظك لها يا عبد الله اللهم آمين
استطرد محمد:
ــــ أخبرني كيف يسير العمل ؟
ــــ على ما يرام الحمدلله. دونت كل المعاملات الجديدة على
الكمبيوتر، وسأطلعك عليها عندما تأتي للمكتب
قهقه محمد وقال:
ــــ لا،لا، لا وقت عندي الآن لمعاملاتك وأرقامك فأنا
أستعد لزواجي
ــــ هاها يسر الله لك كل أمر عسير إن شاء الله
ــــ آمين. لا تنس أن تخبر زوجتك بموعد الزفاف ....
مممممم نسيت هاها فهي أصبحت صديقة حفصة
وستخبرها وتدعوها بنفسها
ــــ هاها زوجتي ستعد لكما الطعام، كما أعدته زوجتك لنا
ـــــ بارك الله فيها وجزاها عنا خيراً. في انتظار ما لذ وطاب هاها
ـــــ هاها إن شاء الله. مالذ وطاب من المطبخ المصري . أستودعك
الله. السلام عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله يا عبد الله
ــــ وضع
عبد الله الهاتف جانباً، ونادى عائشة:
ــــ عائش، اين أنتِ حبيبتي ؟
ــــ هنا في المطبخ حبيبي أغسل الأطباق
هرع إلى المطبخ ودخل عليها معاتباً:
ــــ أهكذا! أنا غاضب منكِ جداً
ــــ لِمَ حبيبي ؟
ــــ لأني أخبرتك أن تنتظري لنتعاون سوياً
ــــ والله لم أرد إرهاقك ههه أعتذر، سنتعاون على غسل أطباق العشاء، اتفقنا ؟
ــــ ههه اتفقنا حبيبتي. لا تنسي يوم الخميس زفاف حفصة ومحمد
تهللت عائشة:
ــــ مبارك، مبارك. كم أحببت حفصة وكم أود مشاركتها الفرحة ..أتعلم يا عبد
الله ! عندما أتت لزيارتي ولا تحمل هدية قلت في نفسي كيف لهذه أن تأتي لزيارة عروس ولا تحضر
هدية!
انفجر ضاحكاً وقال:
ـــــــ كل النساء يحببن الهدايا
ــــ ههه حبيبي لا تخطئ فهم مقصدي. أنا أتكلم عن اللياقة وفن المعاملات، ولا
أبالي بالهدايا مطلقاً
ضحك وهو يومئ برأسه وتندر عليها:
ــــ واضح، واضح، واضح جداً حبيبتي هاها ولكنكِ أخبرتيني
أن الفستان الجميل وقنينة العطر هي من
تركتهم في خزانة ملابسك
ــــ لهذا السبب أحببتها جداً هاها
انفجر ضاحكاً وقال:
ـــــ اضحك الله سنك حبيبتي.
أردف قائلاً:
ــــ أترك لكِ حرية الاختيار في هدية مناسبة للعروس
ـــــ ممم سأفكر حبيبي وأخبرك
ــــ ولكن سريعا حبيبتي، فقد اقترب موعد زفافهما
ــــ إن شاء الله حبيبي... هأنذا فرغت من غسل الأطباق. اذهب انت واجلس امام
التلفاز حتى احضر لك الفاكهة
ــــ حبيبتي آذان المغرب قد اقترب. سأذهب للصلاة في
المسجد وأصلي العشاء أيضاً، وآتيكِ بعد العشاء لنتناول الفاكهة والمشروبات أيضاً سوياً.
لا تؤخري الصلاة، أسمعتِ ؟
ــــ هاها لا تخش شيئاً حبيبي. زوجتك ملتزمة بالصلاة على
موعدها منذ نعومة أظفارها
تبسم ورفع ناظريه إلى السماء حامداً:
ــــ الحمدلله على نعمة الزوجة الصالحة. اللهم لك الحمد
والشكر
ــــ الحمدلله حبيبي يا نعم الزوج الصالح
**************************************
انتقل والد عائشة ووالدتها إلى المنزل الجديد.. فأخذت
والدتها تتجول بين غرفه وأروقته، فسألها الوالد:
ـــــ ما رأيك في المنزل الجديد يا مريوم ؟
ـــــ جميل جداً. أكبر من المنزل الآخر وأجمل بكثير
ــــ الحمدلله حبيبتي
التفتت إليه بوجه يشع سعادة:
ــــ الآن نستطيع أن نستقبل عائشة حبيبتي وزوجها عبد
الله دون خوف.
عبس وجهه وقال:
ــــ من قال ذلك ؟ من الأفضل أن نزورهما نحن. عبد الله
لا يمكنه أن يأتي إلى ميونخ حتى لا تحدث كوارث نحن في غنى عنها
زفرت غاضبة وقالت:
ـــــ أنا لا أعرف لِمَ كل هذا الاضطهاد لعبد الله! لِمَ!
ـــــ لسوء حظه أن عائلته مرتبطة بالكنيسة ارتباطا وثيقاً،
وغير مسموح له بتغيير دينه وإلا يقتل
شجنت وطفرت عبراتها وقالت:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله... كتب عليّ فراق ابنتي والحرمان
منها ونحن في بلدٍ واحد
ــــ يا مريم، احمدي الله أن حالك أفضل من والدة عبد
الله التي اعتقدت أنه مات، وتجرعت ألم فراقه
بينما هو على قيد الحياة
ـــــ والله اُشفق عليها يا سالم ... صورتها وهي تبكي لا
تفارقني.. ولكن ما عساي أن أفعل!.. . لقد حزنت كثيراً عندما علمت أننا سننتقل إلى منزلٍ آخر
ــــ نسأل الله لها الخير والهداية.. . ربما ماحدث
لولدها واعتقادها موته يغير ما بداخل قلبها ويهديها للحق
ــــ اللهم آمين يا سالم
****************************************************
أتت ليلة زواج حفصة ومحمد السعيدة..هنئت عائشة العروس في
منزلها وقبلتها قائلة:
ــــ مبارك يا حفصة
ـــ بارك الله فيكِ يا عائشة. أنا سعيدة جداً بوجودك معي
هذه الليلة:
تبسمت عائشة وقالت بمرح:
ــــ وستكونين أسعد عندما تتذوقين ما أعددت
ــــ ممم ماذا أعددتِ لنا؟ا
ــــ ههه أعددت لكِ دجاجا على طريقة أمي، وأعددت أرزاً
على طريقتي الخاصة، ومعهما طبق من الخضار الشهي على طريقة جدتي.
ضحكت حفصة وقالت:
ـــــ هكذا اتحدتِ أنتِ وأمك وجدتك عليّ في ليلة عرسي يا
عائشة
ـــــ هاها اتحاداً بنكهة مصرية رائعة المذاق . سيعجبك
الطعام إن شاء الله . أتركك الآن ليدخل زوجك. بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع
بينكما على خير
ــــ آمين حبيبتي آمين. أشكرك عائشة
همت بالمغادرة، فتذكرت أمراً قد نسته:
ــــ يا الله!. كنت سأنسى الهدية .. تفضلي هديتي لكِ
ــــ هاها اشكرك ..ماذا احضرتي هاها؟
قالت وهي تضع العلبة الكبيرة على المنضدة وتفتحها:
ــــ فكرت طويلاً ماذا أحضر لكِ، حتى هداني تفكيري لأحضر
لكِ هذا الشمعدان ومعه هذه الشموع الأنيقة
شهقت حفصة فرحاً وهي تنظر إلى الهدية الأنيقة:
ــــ رائع! أحب الرومانسية
والأفكار الرومانسية
غمزت عائشة بعينها وقالت تداعبها:
ــــ تذكريني في
أوقات الرومانسية يا حفصة هاها أستودعك
الله حبيبتي، ومبارك الزواج
ـــــ بارك الله فيكِ عائشة الحبيبة . اسعدتيني والله .
في حفظ الله ورعايته
****************************************************
أتى دور
عبد الله ليهنئ صديقه ومنقذه محمد بعناق ودود في الساحة الرحبة أمام المنزل:
ــــ مبارك يا محمد يا أخي الحبيب
ــــ بارك الله فيك يا صديقي وأخي الغالي عبد الله.... .
هل سلمت على أمي ؟
ــــ أمك ؟ وأين هي ؟
ــــ هذه المرأة التي تقف إلى جوار الحائط
نظر عبد الله ليرى ما أثار دهشته:
ــــ ماذا !!...تقصد
هذه المرأة التي ترتدي خماراً أبيض؟
ــــ أجل هي امي
ــــ ولكنك قلت لي سابقاً أن أمك لم تُسلم
ــــ كان هذا قديماً هاها.. أمي أسلمت بفضل الله، وأخي
الأصغر، وأختي أيضاً وزوجها
ــــ ماشاء الله، ماشاء الله . خبر رائع ... كيف اقنعتها
؟؟؟
ــــ اقنعتها بحوار العقل، وحوار الروح، وحوار القلب حتى
لانت واستجابت، واستجاب كل أهلي، وفي طريقي لإقناع أبي إن شاء الله
تذكر عبد الله أمه وعنادها أمام دين الحق، فأطرق مبتئساً
وقال:
ــــ... كم كنت أتمنى لو آمنت أمي بالله الواحد وأسلمت .
الحمدلله .
قرأ محمد على أسماعه هذه الآية ليخفف ما بقلبه من عناء:
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
هز عبد الله رأسه وتنهد..لمح عائشة تخرج من باب المنزل
فقال:
ــــ زوجتي خرجت من عند زوجتك يا محمد ، سآخذها ونهنئ والدتك بإسلامها
ـــــ تفضل يا عبد الله. أما أنا فسأذهب لعروسي بعد أن
أقبل يد أمي
تبسم عبد الله ودعا له:
ـــــ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
اتجه إلى عائشة وقال:
ــــ تعالي يا عائشة لنهنئ والدة محمد بإسلامها
ــــ حقا اسلمت ؟ ماشاء الله, رائع هاها
***************************************************
سبقهما محمد إلى أمه باسماً:
ـــ أمي
ـــ ولدي حبيبي هاها. لِمَ لم تذهب لعروسك يا مُحمد ؟
ـــ ليس قبل أن اُقبل يدك يا أمي
أمسك يدها وقبلها فدعت له:
ــــ بارك الله فيك يا ولدي
ــــ أحتاج لدعائك الصالح يا أمي
ــــ أدعو لك دائماً في سجودي أن يوفقك الله لطاعته،
ويوفقك في سائر شؤونك يا ولدي
ــــ جزاكِ الله خيرا يا أمي... صديقي عبد الله وزوجته
يودان تهنئتك بالإسلام
ــــ مرحباً بهما
ــــ تعال يا
عبد الله انت وزوجتك الكريمة. سأترككما مع والدتي . استأذنك يا أمي
ــــ تفضل يا ولدي. مرحبا بعبد الله وزوجته . اقترب يا
ولدي لِمَ تقف بعيدا وزوجتك!!
تقدم عبد الله وحياها باسماً بتحية الإسلام:
ــــ السلام عليكم ورحمة الله
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ولدي ...
حدثني مُحمد كثيراً عنك. وأعلم أنك تركت أهلك لتفر بنور إسلامك بعيداً عن ظلام
الكفر والشرك بالله
ــــ الحمدلله ... دعواتك يا أمي الصالحة
ــــ كفاك الله السوء وأهله يا ولدي وحفظك وحفظ زوجتك
الخجولة التي تقف بعيدا ولاتتحدث هذه هاها
ضحكت عائشة بخجل واقتربت تقول:
ـــــ لا والله . فقط تركتك تفرغين من حديثك مع عبد الله
. كيف حالك يا أمي؟
ــــ بارك الله فيكِ يا ابنتي.. بخير حال بعد إسلامي
بفضل الله . كأنني قضيت عمري في هوة سحيقة بها الظلمة والوحشة ولم أخرج منها ولم أجد النور حولي إلا بإسلامي.. أشهد أن لا إله
إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
طفرت دمعة من عين عائشة تأثراً بإيمان السيدة الراسخ
وقالت:
ــــ أدمعتِ عيني يا أمي.. . الحمدلله أن هداكِ للإسلام ...
من فضلك اعتبريني مثل ابنتك، وإن أردتِ السؤال عن أي شيء في الإسلام فأنا تحت أمرك
ربتت على ظهرها باسمة وقالت:
ـــــ حفظك الله يا بنيتي ، الحمدلله على نعمة الإسلام .
ما اسمك يا حبيبتي ؟
ــــ اسمي عائشة يا أمي
ــــ ماشاء الله. إسم جميل. إسم الطاهرة المطهرة المبرأة
من فوق سبع سماوات أمنا الحبيبة عائشة رضي
الله عنها وأخزى أعدائها وشل كل لسان ينال منها بأذى
ــــ اللهم آمين آمين آمين . الحمدلله على إسلامك .
أهنئك يا أمي . ولكن بما تسميتي بعد إسلامك؟
ــــ اسمي الآن الزهراء
ــــ ماشاء الله . ما أجمله من إسم يا أمي ..إسمحي لي أن أقبلك قبل أن أغادر
أقبلت عليها والدة محمد تعانقها، وقالت قبل أن تطبع قبلة
على وجنتها
ـــ أنا من تريد ذلك يا بنيتي الحبيبة
ــــ أشكرك يا أمي
أستأذنها عبد الله بلطف:
ــــ نستأذنك في الإنصراف يا أمي . هيا يا عائشة السلام
عليكم
ــــ السلام عليكم يا أمي
ــــ وعليكم السلام يا حبيباي . في حفظ الله ورعايته
****************************************************
حان الوقت لنتفيذ مخطط دانيال وصوفيا القذر للانتقام من
عبد الله وزوجته..استدعى دانيال الراهبة مانويلا:
ــــ سمعا وطاعة آبانا دانيال
ــــ هل أعددتِ نفسك للسفر إلى دوسلدورف ؟
ـــ بالطبع.. أنا مستعدة
ــــ وهذه تذكرة طيارتك. ستقلع غداً مساءا
أخذت تذكرة الطائرة .. أشارت إلى صدرها بعلامة الثالوث
مغمضة العينين في خشوع، ثم نظرت إليه برجاء وقالت:
ــــ صلي من أجلي يا آبانا. صلي من أجل أن أتوفق في مهمتي
المخلصة هذه
ــــ سأصلي من اجلك أيتها الراهبة الصالحة
ــــ استأذنك في مهاتفة الأم صوفيا لأخبرها إني سأنطلق
إلى دوسلدورف غداً
ـــ تفضلي، باركك الرب
****************************************************
ردت صوفيا على هاتفها متلهفة:
ــــ مرحبا مانويلا. أخبريني متى ستسافرين ؟
ــــ غداً مساءاً سأتوجه بالطائرة إلى دوسلدورف
حذرته بصوت مرجف:
ــــ حذاري، حذاري
أن تقعي في خطأ، حذاري أن تدمري تخطيطنا
ــــ لا تقلقي أمي صوفيا . تدربت جيداً.. . فقط أحتاج
صلاتك من أجلي يا حبيبة القديسين
تبدت ابتسامة كبر على محياها وقالت وقد رفعت رأسها
عالياً:
ــــ أجل أنا حبيبة القديسين، ودائماً هم معي في نومي
ويقظتي.
سألتها مانويلا بإعجاب:
ــــ حقا الأم صوفيا
؟ هل ترين كل القديسين ويظهرون لكِ نهاراً في اليقظة؟
ــــ بالطبع . كلما صفا القلب، كلما اتصل بالقديسين في الأمجاد
السماوية وسبحت الروح معهم
ــــ أوه!. أريد أن أكون مثلك
ــــ صفي قلبك مثل قلبي وسترينهم حتماً... أحذرك، أحذرك
من الوقوع في الخطأ حتى لا تنكشفي
ــــ لا تخافي الأم صوفيا الصالحة رئيسة الدير المبارك من الرب . وحق يسوع
سيحدث ما تريدين
ـــــ راقبي كل الهمسات.. وهاتفيني يومياً ثلاث مرات
ــــ بالطبع سيحدث. فاهدأي بالاً وثقي في مانويلا
ــــ باركك الرب مانويلا
****************************************************
أخذ عبد الله يبحث عن ماكينة حلاقته، فلم يجدها في
موضعها، فنادى عائشة:
ـــــ عائش حبيبتي
ــــ ما الأمر حبيبي ؟
ــــ أين ذهبت ما كينة الحلاقة . قد وضعتها هنا ولا
اجدها
ضحكت وسألت بمكر:
ــــ ماكينة الحلاقة ! لِمَ تريدها حبيبي ؟
ــــ لحلق ذقني بالطبع . يا له من سؤالٍ عجيب هاها
ــــ لن اعطيها لك، فقد خبأتها
غضن حاجبيه وسألها مندهشا:
ــــ لِمَ حبيبتي ؟
ــــ لأنك لن تحلق ذقنك، وستطلق لحيتك تأسياً بالمصطفى
عليه الصلاة والسلام
ــــ عليه الصلاة والسلام. أنتِ مُحقة حبيبتي. سأطلق
لحيتي إن شاء الله
ــــ هاها هكذا أنت حبيبي
ــــ هاها ألا أكون حبيبك دون لحية؟
ــــ هاها تكون حبيبي أكثر عندما يزدان وجهك باللحية يا
عبد الله
ــــــ بارك الله فيكِ زوجتي الحبيبة. مممممم أعطني
هاتفي لأضع فيه شريحة جديدة
ــــ شريحة جديدة
! أستغير رقم هاتفك ؟
ــــ لا . اشتريت شريحة جديدة لأهاتف أمي وأسمع صوتها الذي قتلني الشوق لأجل سماعه . سأسمع
صوتها وأغلق الهاتف دون أن أتحدث إليها
سددت عائشة إليه نظرة شفيقة وقالت وهي تربت على ظهره:
ــــ حبيبي هل اشتقت اليها لهذه الدرجة ؟
ــــ هاها ألا تشتاقين لأمك حبيبتي ؟
ـــ أجل وربي أشتاق وأحن إليها دائماً
ــــ فلِمَ تتعجبين من شوقي لأمي إذن!
ـــــ وأبيك ؟
ــــ وأبي أيضاً أشتاق إليه كثيراً... ولكن أشعر أن أمي
قلبها انفطر لفراقي لذا فأشفق عليها أكثر
ــــ الأب أيضاً يشتاق لولده يا حبيبي، ولكن ربما كتم
مشاعره داخله
ــــ أعلم ذلك والله . إن شاء الله أهاتفه لاسمع صوته أيضا
ولكن من شريحة أخرى هاها
****************************************************
ضغط أزارار رقم هاتف والدته بيد مرتعشة وقد تعالت خفقات
قلبه شوقاً...انبعث صوت الجرس فانتبهت كل حواسه تلهفاً لسماع صوتها..ردت الوالدة
بصوت واهن حزين:
ــــــ الو
انهمرت عبراته ولم يجب
...............................
ـــــ الوووووو
......................
ـــــ الوووووووووووووووووو
.....................................
ــــ ما هذا !!!!!!!!! من المتصل؟ من أنت يا من على الهاتف
ـــــ أأأأأأأ أنااااا
ـــــ من أنت ؟؟؟؟؟؟؟
ــــ أنا صديق كيفن
وكأنها غريقة وامتدت لها يد إنقاذ فتشبثت بها:
ــــ ماذا !! حقاً هاها ؟ حقا يا ولدي أنت صديق كيفن ؟
ـــ أجل ... أنا صديقه ... كيف حالك سيدتي ؟
بكت وقالت ناشجة:
ـــــ هل علمت أن كيفن صديقك قد مات ؟
ــــ ................. أجل علمت . وقبل موته أوصاني أن أصلك وأطمئن عليكِ.. وكأنه كان يشعر باقتراب
الفراق
ــــ حقاً يا ولدي أوصاك كيفن بي ؟ حبيبي يا كيفن! .
حبيبي يا ولدي
ــــ بالله كفاكِ بكاء سيدتي ... اعتبريني مثل كيفن
تماماً، وأنا سأعتبرك مثل أمي
بثت إليه شجونها
باكية معذبة:
ــــ أتعلم يا ولدي.. منذ أن رحل كيفن وأنا أستأنس بوجود
حبيبته التي كانت تسكن في البناية المقابلة ...كنت أنظر دوما من نافذته إلى
نافذتها وكان هذا الشعور يهدأني قليلاً.. ولكنها تزوجت وسافرت ..وأهلها تركوا
المكان وعم الظلام مرة أخرى وألتف حولي ليخنقني ..لذا فأصبحت أذهب كل يوم للنهر
القاسي الذي ابتلع ولدي معاتبة إياه على قسوته ومناجية ولدي الذي استقر في قاعه
كتم عبد الله نشيجه وقال ودموعه تنهمر:
ــــ بالله لا تعذبيني بهذه الكلمات .. كاد قلبي يتمزق
الما
ــــ ما اسمك يا ولدي؟
ــــ اسمي عبد الله
ــــ....عبد الله !.... مسلم ؟
ــــ أجل. الحمدلله على نعمة الإسلام
نشجت قائلة:
ـــــ كيفن كان يود أن يُسلم ..أنا أعلم ذلك جيداً... لي
طلب عندك يا ولدي
ــــ تفضلي سيدتي
ـــ أريد أن أراك . فهل لي ذلك ؟
ــــ وأنا أيضاً أريد أن أراكِ.. فإن كيفن قد حملني
أمانة إليكِ، ويجب أن أعطكِ إياها
ـــ أمانة ! وماهي يا ولدي ؟
ــــ عندما أراكِ سيدتي ستعرفينها
سألت والشوق يقتلها:
ـــ متى، متى يا ولدي ؟
ــــ بعد شهر من الآن أقابلك عند النهر في صباح يومٍ ما
ــــ ومتى هذا اليوم ؟
ــــ لن أخبرك... فقط انتظريني عند النهر
ــــ سأنتظرك، سأنتظرك يا ولدي. سأنتظرك يا عبد الله
ــــ في أمان الله سيدتي
ــــ رعاك الرب يا ولدي
وضع الهاتف فقالت عائشة باضطراب:
ــــ ماهذا يا عبدالله!..ماذا فعلت!! وما الذي قلت!!...عندما
نطقت وتحدثت إلى أمك شخص بصري وارتعد جسدي...
لا أفهم شيئاً لا أفهم ... كيف تحدثت إلى أمك وكيف تقول أنك ستراها بعد شهر!..
أستكشف لها عن شخصيتك ؟
تبدت بسمة على ملامحه وقال بنبرة هادئة:
ــــ حبيبتي، سألتِ ألف ألف سؤال ولم أجيبك بشيء ... لا تقلقي حبيبتي واهدئي بالاً ولا تخشي شيئا
ــــ حبيبي أنا لا أخشى على نفسي، بل أنا أخشى عليك أنت
. لا أتحمل أن تصاب بأذى يا زوجي الحبيب
ــــ ههه اُحبك
ــــ عبد الله، أنا متوترة جداً بينما أراك في قمة
الهدوء، بل وتشجي أسماعي بكلمات الحب
ــــ ههه ابتعدي عن التوتر واسمعيني إياها
ــــ ههه اُحبُك يا غامض
ــــ ههه أنا مسكين حبيبتي والله .
تبدى الخوف على ملامحها، فقبضت على ذراعه وقالت بحنو:
ـــ إحذر حبيبي، بالله إحذر فحياتك عندي أغلى من حياتي
ــــ بل حياتك هي الأغلى يا حبيبتي . الله معنا.. هو حسبنا
ونعم الوكيل
ــــ أنعم به من إله . حسبنا الله ونعم الوكيل . حسبنا
الله ونعم الوكيل . حسبنا الله ونعم الوكيل
****************************************************
في تلك الصبيحة، رحب الدكتور لوكاس بوجه طلق بالدكتور
سالم الذي دخل لتوه من باب الغرفة لزيارته:
ــــ مرحباً، مرحباً أخي سالم
ــــ طاب صباحك دكتور لوكاس
ــــ مممممم اسألك سؤال قبل أن تجلس وأجبني
مازحه الدكتور سالم:
ـــــ ههه وإن لم أجبك ستطردني من منزلك دكتور لوكاس ؟
ــــ ههه عفواً يا صديقي. ما قصدت ذلك مطلقا. فقط أريد
الإجابة لتزول دهشتي
ــــ تفضل، هات سؤالك
ــــ لِمَ لا
تحييني بتحية الإسلام ؟. لِمَ لا تقل لي
السلام عليكم ورحمة الله ؟
ــــ معذرة، نحن
لا نحيي غير المسلمين بتحية الإسلام
ابتسم الدكتور لوكاس وقال:
ـــــ ومن قال إنني من غير المسلمين!
تبدى الاندهاش على ملامح دكتور سالم وقال:
ــــ ماذا!....هل أسلمت دكتور لوكاس؟
ـــــ أريد أن أدخل الإسلام. أريد أن أكون على دين النبي
العربي الرائع الخُلق. كم تأثرت به، كم أحببته. قصة حياته ودعوته عظيمة، عظيمة ...
لقد عانى كثيراً من أجل نشر الإسلام
ــــ ماشاء الله.. . لذا أرى وجهك متهللاً كما لم أره من
قبل دكتور لوكاس
نظر دكتور لوكاس إلى بعيد وقال:
ــــ تعلم فيمَ فكرت مليا ؟
ــــ فيمَ فكرت دكتور لوكاس ؟
قال وقد اغرورقت عيناه بالعبرات:
ــــ فكرت في من يكذبون نبي الإسلام ودعوته . إن محمد
النبي العربي لم يطلب مجداً لنفسه ولا تيهاً ولا جاهاً ولا سلطانا . إنه رجل كان
كل ما أهمه هو نشر التوحيد وإثبات أنه لا إله إلا إلها واحدا . إن كان محمدا كاذبا
لطلب من أتباعه أن يألهونه أو يمجدونه أو يسكنونه قصورا ويُمتع بزخارف الدنيا. ..ولكنه
لم يكن له شيء من ذلك، رغم أنه كان باستطاعته إمتلاك الدنيا . محمد صادق، صادق.. .
عندما قرأت عن عذابه ومعاناته من أجل الدعوة، أدركت انه مُرسل بأمر رب السماء حقا
. فإن لم يكن كذلك فلم يكن ليصبر على الأذى والتكذيب والطرد من وطنه ... هذا الرجل
أحببته جداً، جداً.. ، ليتني كنت معه, ليتني كنت بجانبه لأصدق دعوته وأبذل كل مالي
في نشرها
ــــ يا الله !!... إنك تأثرت جداً بحياة الحبيب محمد
عليه الصلاة والسلام . ارى الدموع وقد حبستها عيناك دكتور لوكاس
ـــــ كيف اُسلم؟
ــــ تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله
أخذ يرددها وعبراته تسيل على وجنتيه:
ــــ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ...أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ..أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله
طفرت عبرات دكتور سالم وعانقه وهو يحمدلله، ثم قال بنبرة
أرعدها الحبور:
ــــــ الحمدلله دكتور لوكاس، الحمدلله . دعني أسجد شكرا لله على أن من عليك بنعمة الإسلام الحمدلله
قال مبتئسا باكياً وهو ينظر إلى ساقيه العاجزتين على
مقعده المتحركً:
ـــ ليتني استطيع أن أسجد مثلك.. كم أحتاج أن أبرح
هذا الكرسي وأخِر ساجداً لله... ياإلهي!!.. كنت بقوتي وصحتي ولم أعرف طريق ربي، وعندما علمت.. لم أستطع السجود بين
يديه
ــــ بالله دكتور لوكاس كفاك بكاءا . الله يعلم أنك لا
تستطيع ..فلا تحمل نفسك فوق طاقتك
ــــ أريد أن أصلي لربي . علمني أخي سالم
ــــ حسناً ,سأعلمك، ولكن أولاً سأساعدك كي تتوضأ
ــــ هيا يا أخي علمني. كم أنا مشتاق إلى ربي، وكم أشعر
بشعور لم يعهده قلبي. أنا سعيد، سعيد. بل لم أعرف طريق السعادة إلا اليوم..أهٍ يا
قدمي لو تحمليني لأقضي العمر ساجداً بين يدي ربي آآآه
ــــ هون على نفسك دكتور لوكاس. شفاك الله وعافاك. أنا سعيد أكثر منك.. لا أصدق أذناي، الحمدلله حمداً كثيراً . هيا لأساعدك في
الوضوء وأعلمك كيف تصلي
****************************************************
عاد عبد الله من عمله، فقرع جرس الباب، فهرعت عائشة صوب
الباب، وتعطرت بزجاجة عطر تخفيها في مزهرية على مقربة من الباب، فتحت بابتسامة
مشرقة، فتنسم عبيرها وأغمض عينيه منتشياً ثم ألقى التحية باسماً:
ــــ هاها السلام عليكم حبيبتي
ـــ وعليكم السلام حبيبي، مرحباً يا سيد الدار هاها
اتجه إلى المزهرية وأخرج زجاجة العطر وقال باسماً
ــــ ممممممم كل مرة لا تفتحي قبل وضع العطر الذي تخبئينه في
المزهرية
ــــ ههه مممممممم هناك من يفتش في أسراري
ــــ بل هناك من يلحظ فنونك الراقية عند استقبال زوجك هاها..
كيف حالك حبيبتي؟ اشتقت لكِ
ــــ وأنا مشتاقة لك حبيبي . ماهذا الذي تحمله في يدك ههه معك كرة
!
ــــ أحضرتها لنلعب كرة قدم سوياً هههه
ــــ ههه تمزح بالطبع . أنا لا أحبها وأخبرتك من قبل.
كما أنني أتعجب من النساء اللواتي يلعبنها هاها
ــــ ههه حبيبتي لا أطلب منك لُعب المحترفين . سنلعب لعب
الهواة ولا تخافي فلن أركلها في رأسك هاها
ــــ بل أنا من أخاف أن أركلها في قدمك فأكسرها ههه
ــــ ههه كم أنتِ قوية يا حبيبتي . نذهب لنتناول الغداء،
وبعدها نلعب مباراة ودية في الردهة
ــــ ههه حسناً. ولكن دعني أجمع المزهريات حتى لا تصاب
بأذى. وحتى نلعب دون خوف هاها
ــــ حبيبتي حتى لو كُسرت فلن يعاقبنا أحد. فهي
مزهرياتنا هاها
ــــ ههه أخاف
على أشيائي وحاجياتي من تدمير ركلاتك. هيا حبيبي أسرع لأعد المائدة
ــــ انتظريني لأعدها معك حبيبتي
ـــــ ههه متى ستكف عن تدليلي ؟
قال بابتسامة باهتة:
ـــ عندما أموت
ارتجف قلبها وارتمت في أحضانه وقالت وقد أجهشت بالبكاء:
ــــ لا، بالله
لا تقل ذلك مرة أخرى
ــــ ههه أتحبينني لهذا الحد ؟
ــــ بل فوق تصورك ... لا أتخيل حياتي بدونك يا عبد الله
ــــ إذن دعينا ننعم بحياتنا سوياً حبيبتي ولا تطلبي مني
الكف عن تدليلك من فضلك
ــــ هه دللني كما شئت حبيبي . لا حرمني الله منك أبدا
****************************************************
أوشكت المبارة الودية بين الزوجين السعيدين على البدء،
استعد عبد الله قائلاً:
ــــ هيا يا عائش، هيا لنبدأ المباراة ههه
ــــ أراك بدأت بالفعل وتقوم كالمحترفين بنقل الكرة بين قدميك وعلى ركبتيك ورأسك هاها،شكلك
رائع حقاً هاها لا استطيع أن أفعل مثلك بالطبع
ــــ ههههههههه سأضع الكرة على الأرض وأركلها برفق هكذا
ـــــ هييه وصلت لقدمي سأركلها هههههههه
جووووووووووووووووووووول
انفجر ضاحكاً وقال:
ــــــ عن أي جول تتحدثين يا مسكينة !!! ان ركلتك ضعيفة
جدا والكرة لم تصلني
ـــــ ممممممم تسخر من لعبي ؟ تفضل ها
ـــــ ههه حبيبتي انظري جيداً قبل ركلها، فقد حادت الكرة
إلى الغرفة
ــــ سأذهب واحضرها
واضعها في الجول ههه
ــــ هههه هيا، هيا
ركلت الكرة وقفزت فرحاً قائلة:
ـــــ ها هي. هيييه!! وصلت لقدمك أخيراً ههه
ـــــ هههه سأركلها مرة اخرى وهذا يكفي جداً. ها هي
ــــ هاها ألا نلعب مرة أخرى الآن ؟
ــــ لا حبيبتي. اقترب آذان المغرب. سأتوضأ وأذهب للصلاة
ــــ وستأتي بالطبع بعد صلاة العشاء
ـــ إن شاء الله
ــــ ممممممم لا تتأخر كما تأخرت بالأمس من فضلك
ــــ عذراً ههه . قد وجدت محمد وخرجنا من المسجد سوياً، ومكثنا نتحدث في
الطريق بعض الوقت
ـــــ مممم إن رأيته اليوم قل له اذهب إلى زوجتك فهي
أولى بوقتك ههه
ــــ هاها سأفعل حبيبتي. سأذهب لأتوضأ واتبعيني لتتوضأي
أيضاً. أحب أن نستقبل الآذان ونحن في انتظار للصلاة
ــــ ههه ماشاء الله . وأنا أحب حرصك على الصلاة . فأنت
أشد حرصاً عليها من كثير ممن وُلدوا على دين الإسلام
ــــ أصلح الله قلوب العباد حبيبتي اللهم آمين
ــــ آمين حبيبي آمين
****************************************************
وصلت الحية الرقطاء مانويلا إلى دوسلدورف..فهاتفت القس
دانيال لتخبره:
ــــ مرحبا مانويلا . شكرا للرب على سلامة وصولك
دوسلدورف
ــــ اشكرك يا آبانا دانيال . سأبيت الليلة في فندق ثم
اذهب في الصباح إلى منزل المدعو كيفن
ــــ كوني على حذر مانويلا، كوني على حذر
ــــ لا تخف يا آبانا، فلن ينكشف أمري ... عندما أدخل
إلى منزلهما وأستقر به سأعاود الاتصال
ــــ إن حدث أي أمر مريب أخبريني
ــــ لا تخش على مانويلا. أنا تربيت على يد الأم صوفيا رئيسة
الدير المبارك من الرب
ــــ باركك الرب مانويلا، وبارك صوفيا الصالحة
****************************************************
في الصباح، خرج عبد الله إلى عمله، فسمعت عائشة قرعات
أجراس المنزل، فارتبكت كونها لا تنتظر أحد فغمغمت:
ـــــ تُرى من بالباب
؟
دقت الأجراس مرة أخرى..فاقتربت من الباب رويداً رويدا
وسألت بنبرة مضطربة وبصر شاخص:
ــــ من الطارق؟
أتاها صوت باكي رقيق:
ــــ افتحي.. افتحي يا سيدتي. أنا اسمي زينب
تبدت الدهشة على وجهها وقالت:
ــــ زينب!..
عذراً لا أعرفك. لن أستطيع أن أفتح الباب
تعالى صوت بكاء الطارقة واستغاثاتها:
ــــ أرجوكِ، أرجوكِ. بالله أنا أحتاج مساعدتك
ـــــ ها!!.. . ومن أين تعرفينني حتى تطلبين مساعدتي!!!!
ــــ بالله افتحي وسأخبرك
حسمت عائشة أمرها قائلة:
ــــ ممم سأفتح لأرى ماذا تريد هذه
فتحت الباب فإذ بمانويلا ذات عيني الذئاب، تتسربل في زي
إسلامي وتنظر إلى عائشة باستعطاف وتمسكن وعبراتها تغرق وجنتيها، فسألتها عائشة:
من أنتِ ؟؟؟
ردت بنشيج مخادع:
ـــــ أولاً، أبدأ بتحية الإسلام ..السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته سيدتي
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . بالله من أنتِ ؟
تصنعت بكاء مرير وقالت:
ـــــ مسلمة مثلك سيدتي، وجار عليّ الدهر بسبب إسلامي ..ألن
تدخليني أم أن ما سمعته عن المسلمين قبل إسلامي من
إكرام الضيف والإحتفاء به كان كذبا
؟
أشفق قلب عائشة الرحيم عليها، فقالت:
ــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . تفضلي بالدخول لتقصي
عليّ حكايتك ربما أستطيع مساعدتك
اندفعت داخل الدار قائلة:
ــــ هكذا تكونين مسلمة بأخلاق سامية كما سمعت عن
المسلمين..أشكرك سيدتي
ــــ اجلسي ها هنا يا ........ زينب تقريبا ؟
جلست وهي ترد بنشيج وتمسح عبراتها الكاذبة:
ــــ أجل سيدتي، أنا زينب تقريبا أأأأأأأ أقصد أنا زينب
فعلاً
جلست عائشة قبالتها وقالت بلطف:
ــــ قصي عليّ قصتك يا زينب. من أنتِ ؟ ولِمَ قصدتي بيتي
؟
ـــــ سيدتي أعتقد أن من حسن استقبال الأضياف هو إكرامهم
أولا ثم السؤال عن سبب مجيئهم
ــــ مممم يبدو أنك متعبة قليلا . حسناً . اتركك تستريحي
وأذهب لإحضار واجب الضيافة
قالت بنشيج:
ــــ أنا جائعة بالله أريد الطعام بسرعة اهئ
اهئئئئئئئئئئئئ
ــــ هههه حسنا يا زينب . بعد قليل آتيكِ بالطعام . فقط
كفي عن البكاء
ـــــ هههه هأنذا أضحك . الطعام من فضلك سيدتي
ــــ استأذنك
استدارت عائشة فوضعت مانويلا يدها على فمهما تكاتم
الضحك، فلم تعتقد أن عائشة بهذه السذاجة، فقالت وهي تشعر بيسر مهمتها:
ــــ تفضلي، تفضلي سيدتي الساذجة ههه أتصل الآن بالأم صوفيا
لأخبرها أني في بيت الحرباء المسلمة
ـــــ مرحبا مانويلا. ماذا حدث؟ أخبريني بسرعة
ــــ ههه أنا بداخل بيت كيفن ابن اختك أيتها الأم
الصالحة صوفيا
سألتها وهي تصر على أسنانها:
ــــ هل رأيتي ذلك الكافر ؟
ــــ لا. ليس بعد. يبدو أنه بالعمل. وجدت الحرباء زوجته
ــــ ما شكلها؟ ما وصف هذه المرأة التي جعلت ابن أختي يترك
دينه لأجلها؟
ــــ هي إمرأة
خمرية البشرة ذات حسن شرقي فتّان حقاً. ممشوقة القوام، وليست بالطويلة ولا
بالقصيرة ... ولكن هل حقاً ترك دينه لأجلها ؟
ردت بحنق شديد على عائشة:
ــــ أخبرني الآب دانيال بذلك. أخبرني أنها هي من أفسدت كيفن
علينا .. جعلته يختلق قصة ليصدق الجميع موته غريقاً ثم يهرب بها بعيداً عن أعيننا..
ولكن هيهات، هيهات . لن نتركه.. وقريباً جداً ستكون نهايتهما سوياً جزاء لما اقترفا.. . راقبيهما جيداً.. كل الحركات
والسكنات تبلغيني بها ثلاث مرات يومياً كما اتفقنا
ــــ لا تقلقي الأم صوفيا المباركة من الرب، حبيبة القديسين . ولكن حتى
الآن لم أتأكد من أنها سترحب بي في دارها
ــــ لا تتركي الدار، لا تتركيه ، إعزفي على أوتار
مشاعر الرحمة بداخلها وابكي بين يديها حتى ترحب بكِ في دارها . وأنا سأصلي
للرب من أجل أن توفقي في هذه المهمة المقدسة مانويلا
ــــ احتاج حقاً لصلاتك يا حبيبة القديسين مممممم .
اتركك الآن . فهي قادمة، قادمة،قادمة
وضعت هاتفها في حقيبة يدها قبل أن تلحظ عائشة..وضعت
عائشة الطعام على المائدة ودعتها إليه باسمة:
ــــ الطعام يا زينب. تفضلي إلى المائدة
شكرتها بنشيج كاذب:
ـــ اشكرك
ـــ هل عدتِ للبكاء مرة أخرى! لا تبكي يا زينب.. فكل
كرب لابد له من فرج إن شاء الله
قالت بتحسر مصطنع:
ــــ إلا كربي
أنا
ــــ لا يوجد
كرب أكبر من رحمة الله. عليكِ بالإستغفار. قولي أستغفر الله الذي لا إله
إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه
ــــ ماذا!!..آآآ أنا جائعة جدا الآن . أتناول طعامي
وبعدها أقول
ــــ ههه أأسف جداً، أخرتك عن تناول طعامك.. . أتركك
الآن وآتيكِ بعد قليل
تركتها عائشة لتتناول طعامها وذهبت، فانقضت على الطعام
وهي تقول:
ــــ أشكرك..تريدني أن أدعو ربهم هاها مالي وهؤلاء أنا مممم
جائعة حقاً مممممممم طعامها شهي مممممم
****************************************************
في ذات الوقت كانت والدة عائشة قد استقبلت في بيتها زوجة
الشيخ عبد الهادي، فوضعت أمامها الشاي مع بعض الكعك وقالت بود:
ـــــ مرحبا يا أم عمر . تفضلي الشاي مع الكعك
ــــ بارك الله فيكِ يا أم عائشة . تستطيعين أن تناديني
بلمياء
ــــــ وأنتِ أيضا تستطيعين أن تناديني بمريم . أحببتك
في الله جدا والله منذ أن رأيتك يا لمياء
ــــ جزاكِ الله خيرا يا أختي مريم . أحبك الذي أحببتني
فيه يا حبيبة .
ــــ ولكن من أي بلدِ أنتم يا لمياء ؟
ـــ نحن من سوريا أختي مريم
ـــ مرحباً، مرحبا . نحب سوريا وأهل سوريا والله . بل
ونحب كل إخواننا من العرب
ــــ والله ونحن نحب كل اخواننا العرب ايضا . نسأل الله
أن يجمع شتات الأمة العربية ويوحد صفها .
ــــ اللهم آمين آمين . أعدائنا على وشك الفتك بنا ونسأل
الله رأب صدع أمتنا اللهم آمين
ـــ آمين يا أختي آمين
ـــــ مارأيك في الكعكة يا لمياء؟ هاها
ــــ هههه طيبة
المذاق سلمت يداكِ حبيبتي . أخبريني كيف هي ابنتك وزوجها
ـــ الحمدلله بخير حال .
ـــ هي ابنتك الوحيدة ؟
ـــ أجل . الحمدلله
ــــ ممممم أخشى أن تكوني منعتي نفسك عن إنجاب غيرها
وحددتي النسل
ـــــ لالالالالا . ابداً يا أختي لم يحدث ... على العكس
بعد إنجاب عائشة حملت عدة مرات وفي كل مرة كان يسقط حملي والحمدلله على كل حال
ـــــ قدر الله وما شاء فعل . بارك الله لكِ في ابنتك يا
حبيبتي
ــــ كم عندك من الأبناء يا لمياء ؟
ـــ عندي ستة
بفضل الله . ثلاثة إناث وثلاثة
ذكور أكبرهم عمر
ــــ ماشاء الله . اللهم بارك . حفظك الله وحفظ زوجك وأولادك
آمين
ـــــ وحفظ لكِ ابنتك وبارك فيها ورزقها الذرية الصالحة
اللهم آمين
ــــ اللهم آمين . والله انتظر بفارغ الصبر اليوم الذي
احمل فيه مولود عائشة ابنتي
ـــــ ماشاء الله . حامل هي ؟
ــــ والله لا أريد أن أسألها حتى لا أوتر أعصابها. ولكن
كلما هاتفتني أنتظر البشارة ههه
ــــ بشرك الله بحملها قريبا إن شاء الله . هل أنتِ
سعيدة هنا في ألمانيا ؟
ــــ مممممممم والله لا سعادة بعيداً عن الأوطان حبيبتي
ــــ نسأل الله العودة إلى أوطاننا سالمين اللهم آمين .
أنا هنا في ألمانيا أنا وأولادي وزوجي
الشيخ عبد الهادي منذ حوالي خمس سنوات
ــــ يا إلهي! كثيرٌ جدا . وهل تعانين من معاملة الألمان
لكم كمسلمين ؟
ـــــ ههه كثير، كثير. هنا يوجد الكثير من المتعصبين
الذين يعاملوننا كإرهابيين ولذا يمنعوننا
حقوقنا في بناء المساجد ومنعوا المآذن ودائما يروجون شائعات إن المسلمين
الارهابيين سيفجرون المقر الفلاني فاحذروا هاها المسلمون يتآمرون على الأمر
الفلاني انتفضوا هاها لذا فدائماً هم منا على حذر دائم خوفا من أن نُفجر انفسنا في
عمليات إنتحارية ههه
مازحتها السيدة مريم ضاحكة:
ــــ بدأت أخاف منكِ ههه ربما تلبسين حزاما ناسفا تحت
عبائتك وتفجري منزلي ههه
قهقهت قائلة:
ــــــ مستعدة للتفتيش الذاتي والله يا مريم ههه أضحك
الله سنك يا اختي
ـــــ وكيف تحيون وسط هذه الصراعات؟
ــــ الله المستعان . لا شيء غير أننا نفوض أمرنا لله .
هو حسبنا ونعم الوكيل . إنهم لا يتركونا نحيا آمنين أبدا سواء في أوطاننا أو في
أوطانهم . لن يرتاحوا إلا إذا قبرونا جميعا حتى تصفو لهم الحياة بدون مسلمين
ـــــ كدر الله صفوهم وأخزاهم وأذلهم . فماذا فعلنا لهم
ليكرهونا بهذه الدرجة . يشكي لي سالم كثيرا من معاناته في الجامعة مع بعض الطلاب .
هدى الله الجميع للحق ونصر الإسلام وأعز المسلمين آمين
ــــ آمين حبيبتي . أتعلمين يا مريم أود أن أكلم إبنتك
عائشة ههه أشعر إنها خفيفة الظل مثلك
هزت رأسها وقالت ضاحكة:
ــــ عائشة متزنة اكثرمني. خفيفة الظل أحياناً وأحياناً ههه
ـــــ هههه أضحك الله سنك . أود لو تهاتفيها وتعطني
إياها
ــــ حسناً سأفعل
دق هاتف عائشة، فشحذت مانويلا مسامعها، ردت عائشة على
الهاتف:
ــــ السلام عليكم يا أمي
ــــــ وعليكم السلام يا عائشة يا حبيبتي كيف حالك
ــــ بخير يا أمي الحمدلله . أأسف لأن أستطيع أن أطيل
معكِ الحديث فعندي ضيفة
ـــ ضيفة! ومن هي يا حبيبتي ؟
ــــ مممممممم لا أعرف
ثارت ثائرة الأم:
ــــ ماذا! أجننتي ؟ كيف تُدخلين إلى دارك من لا تعرفيها؟
ــــ يا أمي لِمَ كل هذه الثورة! إنها مسلمة جديدة قصدت
بيتي . فماذا كنتِ تظنين أن أفعل غير الترحيب بها!!
زفرت السيدة مريم وسألت باحتداد:
ـــــ هل أخبرتِ زوجك بذلك العبث ؟
ــــ ليس بعد يا أمي
سألت السيدة لمياء عن الأمر بتلهف:
ــــ ما الأمر يا مريم ؟ هل حدث ما أزعجك من عائشة ؟
ـــ سأخبرك يا لمياء
ــــ هل عندك ضيفة يا أمي ؟
ــــ خالتك لمياء زوجة الشيخ عبد الهادي الذي أسلم زوجك
عبد الله على يديه
ــــ حقاً ؟ أعطني إياها. أود تحيتها
ــــ تفضلي يا لمياء، عائشة على الهاتف
ــــ السلام عليكم يا حبيبة
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله . مرحبا خالتي لمياء كيف
حالك انتِ ؟
ــــ بخير يا ابنتي ممممم فهمت من كلام أمك أنكِ ادخلتي
إلى بيتك إمرأة لا تعرفيها
ــــ يا خالتي إنها مسكينة . مسلمة جديدة ويبدو إنها
تعاني من أمر ما . أدخلتها لانها قصدت بيتي فما الخطأ ؟
ــــ يا ابنتي لا يجب علينا أن نفرط في الثقة بالآخرين إلى هذا الحد . كوني
على حذر يا حبيبتي
ــــ ممممم إن شاء الله . سأنظر ماذا تريد وأصرفها يا
خالتي
ـــ كفاكِ الله السوء وأهله يا ابنتي . اتركك الآن وأعطك
أمك
ــــ أنا سعيدة جداً بالتعرف عليكِ خالتي لمياء
ــــ أنا الأسعد يا ابنتي . السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام ياخالتي
ــــ خذي يا مريم الهاتف
ــــ هاتيها هذه الرعناء. عائشة
ــــ تحت أمرك يا أمي
ــــ اصرفي هذه المرأة فأنا أخشى عليكِ
ــــ سأتصرف يا أمي . سأخبر عبد الله
ــــ وسيعاقبك
بالضرب إن شاء الله
ضحكت عائشة وقالت:
ـــــ أهكذا يا أمي ؟ ممممم زوجي لا يضربني والحمدلله
ــــ أنا من سأوصيه بذلك لتتأدبي
ــــ ههه أعلم أنني لن أهون عليكِ، أتركك لضيفتك واذهب
لضيفتي . السلام عليكم
تنهدت الأم وقالت:
ــــ وعليكم السلام
****************************************************
عادت عائشة إلى ضيفتها المخادعة:
ــــ أفرغتِ من تناول طعامك يا زينب؟
ــــ مممممممم فرغت
ــــ ههه ألا تقولين الحمدلله ؟
ــــ هااااااا آآآ قلتها سراً . أشكرك على الطعام
ــــ حان الوقت لتخبريني من أنتِ ومن دلك على داري
لتقصديه ؟
بدأت تسرد أحاديث الإفك وتصب عبرات الكذب لترقق قلبها:
ــــ كنت مسيحية
وتركت أهلي وعشت مع صديق لي في منزله
..كنت أشرب الخمر ووووو أأأأأأ أصبحت أخجل أن أقول ..ولي
صديقة امريكية أسلمت ودلتني على الإسلام وإنه دين حق وقالت لي أن حياة الزنا
والمجون التي أحياها هذه محرمة ..لذا فتركت صديقي وأسلمت ..والآن لا مأوى لي بعد أن نفد مالي وتركت الفندق ..وبينما كنت أتجول
في شارعكم بالأمس رأيتك تخرجين مع زوجك
بحجابك فعرفت أنكم مسلمون لذا قصدت بيتكم .. أعلم أنك لن تتركيني أعود إلى حياة
اللهو مرة أخرى .. دعيني أنكب على قدميكِ مقبلة حتى لا تطرديني
أنكبت على قدمي عائشة، فمنعتها عائشة أن تقبلهما
وأنهضتها وقد رق قلبها لحالها فبكت:
ـــــ لا،لا، من فضلك انهضي، انهضي . لن أتخلى عنكِ يا زينب لن اتخلى عنكِ
ــــ أشكرك سيدتي على تعاطفك معي .. كنت أعلم أنك طيبة
القلب ولن تخذليني .. . سأعيش معكِ كخادمة مطيعة . لن أرهقك في أعمال المنزل .
إنعمي بالراحة وأنا أقوم عنكِ بكل شيء
ــــ لا. لا تقولي ذلك. بل ستعيشين معززة مكرمة مع أختك
عائشة
ــــ أشكرك جداً.. . ولكن أنا لن أعيش معك إلا بهذا
الشرط .. أن أكون لكِ خادمة حتى يرضى زوجك بوجودي وإلا فسيطردني
ـــ ممم تقصدين أن أقول أنك خادمة حتى يتقبل وجودك ؟
أومأت برأسها وقالت:
ـــ بالطبع هذا ما أقصده
ــــ حسناً يا زينب. سأخبره بذلك .. أستاذنك، سأذهب
لمهاتفته
أحنت رأسها وقالت:
ــــ تفضلي سيدتي
***************************************************
هاتفت عائشة، عبد الله فرد من فوره باسماً:
ــــ السلام عليكم عائشة حبيبتي ...مشتاق إليكِ
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حبيبي. أنا أشد
منك شوقا ههه.. ولكن ليس الشوق من حملني على الاتصال
ــــ ممممممم يبدو أن هناك سبب قوي لاتصالك. هاتي ما
عندك
ـــ في الحقيقة يا حبيبي أتتنا ضيفة، أسلمت جديداً وتريد
أن تعمل خادمة، وأنا أرتضيتها
جن جنون عبد الله وصاح بها:
ــــ ماذا!، ماذا تقولين!. ضيفة!! أسلمت!! خادمة!! ارتضيتيها!!
عمن تتحدثين؟
تربد وجه عائشة، فقد تفاجئت بغلظته معها لأول مرة:
ـــ ماهذا حبيبي! مابك وقد ثرت عليّ وعلا صوتك !!
رد باحتداد، وقد انتفض عن مقعده:
ــــ انا قادم. قادم حالاً
أغلق الهاتف دونها فتأثرت باكية. فللمرة الأولى يعاملها
بغلظة منذ زواجهما:
ـــ ماهذا ! لأول مرة يعاملني بهذه الفظاظة ويغلق هاتفه
في وجهي.. سامحك الله يا عبد الله
عادت إلى مانويلا والأسى يكلل ملامحها، فسألتها بشغف:
ـــــ مابكِ سيدتي ؟ هل حدث شيء أزعجك؟
ـــــ .... والله لا أدري ماذا أقول لكِ يا زينب.. ولكن
يبدو أن زوجي لن يرحب بوجودك للأسف
صرخت مانويلا باكية وتشبثت بيدها راجية:
ـــ أرجوكِ، أرجوكِ لا تتخلي عني سيدتي. أنا مسلمة مثلك
وأريد أن أحيا على الإسلام وأموت عليه، فلِمَ تصدوني !
ـــ بالله اهدئي يا زينب. ربما لأنه لا يعرف حقيقة الأمر غضب
غضباً شديداً. ولكن عندما يأتي ونتفاهم بهدوء سيقتنع إن شاء الله
ردت بنشيج:
ــــ يا ويلي إن طردتموني، يا ويلي
فجأة ارتعدت عائشة وقالت:
ــــ ماهذا!. أسمع صوت سيارة عبد الله أتت، وأسمع باب
السيارة يُغلق بعنف. . يالله . يبدو أنه ثائر جداً
قرع الأجراس بلا توقف، فهرعت عائشة لتفتح الباب..رحبت
باضطراب:
ــــ مرحبا عبد الله
ــــ أين هي ؟
ــــ حبيبي لم تلقِ السلام . إهدأ بالله فأنا أرى الشر
يتطاير من عينيك
زفر وقال باحتداد:
ــــ أين هي؟
استدارت عائشة ونادت بارتباك:
ـــــ تعالي يا زينب
ــــ هأنذا سيدتي. السلام عليكم سيدي صاحب الدار
صاح باحتداد:
ــــ من أنتِ ؟؟؟؟؟؟
ــــ رد السلام أولاً . فأنا مسلمة موحدة وقد حييتك
بتحية الإسلام .. لِمَ هذه الفظاظة اهئ اهئ
رد على دموع التماسيح محتداً والشرر يتطاير من عينيه:
ــــ أحب أن ألفت انتباهك أنكِ تتحدثين إلى رجل. والرجال
لا يمتلكون رقة قلوب النساء، ويتأثرون
سريعاً بالدموع . من انتِ ومن أرسلك ؟ انطقي
ــــ اهئ اهئ سامحك الله أيها السيد. لم يرسلني أحد اهئ
اهي أنا من قصدتكم عندما وجدت زوجتك بالحجاب وعلمت أنكم مسلمون تمتلكون قلوبا
رحيمة ولن تخذلوني اهئ اهئئئئئئئئئئ قولي له يا سيدتي أأأأ أأسف نسيت اسمك
ــــ اسمي عائشة يا زينب
حدج عائشة بنظرة حانقة وصاح بها:
ــــ ماشاء الله . تتحدثين إليها وكأنك تعرفينها يا عائشة!!
ــــ يا عبد الله ..هي حدثتني بقصة إسلامها، فبالله
ارحمها ودعها تحيا معنا آمنة. يا زوجي الحبيب يجب ألا نتخلى عن المسلمين الجدد
ــــ هذا إذا كنا نعلمهم جيداً. ولكن من أين لنا أن
نتأكد مما تقصه هذه من حكايات!
سدد نظرات مستعرة إلى مانويلا وصاح بها
ــــــ خذي
حقيبتك يا هذه وعودي من حيث أتيتِ. تركت الباب مفتوحا لتخرجي، هيا
كانت عبراتها جادة هذه المرة..ففشل مهمتها بدأ يلوح في
الأفق..لم يبق إلا محاولة أخيرة وهي إثارة مشاعر الشفقة والاتهام بالتخلي عن مسلمة
مسكينة وحيدة..قالت وهي تحمل حقيبتها وتنظر إلى عائشة بتمسكن وعبراتها تسيل، موجهة
حديثها إلى عبد الله:
ــــ بأمرك سيدي .. سامحكم الله .. أسلمت فلم أجد نُصرة
من المسلمين ..أين سأذهب الآن! أين سأذهب.. سامحكم الله السلام عليكم ورحمة الله
اتجهت إلى الباب بخطوات وئيدة وصوت نشيجها يتعالى تتبعها
نظرات عائشة المشفقة وقلبها المنفطر..خرجت فصفع عبد الله الباب وزفر ثم قال
بارتياح:
ـــــ أخيراً خرجت، الحمدلله
عاد إلى عائشة يبكتها باحتداد:
ـــــ عائشة.. غاضب منك جداً
بكت وقالت بنشيج:
ـــــ بل أنا الغاضبة منك أكثر.... أيمكنني أن أسألك
سؤلاً ؟
ــــ هههه تفضلي بعد أن أمسح عن عينيكِ هذه الدموع بيدي
هكذا....الآن تفضلي
ـــــ أشكرك ..إن لم تجد محمد صديقك الذي ساعدك ووقف إلى
جانبك، فهل لك أن تخبرني كيف كان سيكون حالك؟
ــــ مممممم تقصدين أنني تخليت عن مسلمة موحدة استجارت
بنا، أليس كذلك ؟
قالت بنشيج:
ــــ بالطبع. نحن تخلينا عنها وهي في أمس الحاجة إلى أهل
بيت من المسلمين كي يساندوها ويكونون بدلاً عن أهلها ..ولكننا خذلناها
ــــ حبيبتي يجب أن تعلمي أننا نحيا حياة مختلفة عن أي
أحد. أنا في نظر أهلي قد مت. وإسلامي أخفيته عن الجميع . من أين لي أن أعرف بصدق
هذه المرأة من كذبها ؟ وأفترض معك أنها أسلمت حقاً.. فما يدريني أنها ستثبت!..
فربما عادت إلى دينها وأوشت بنا وأعلمت الجميع بأمري. فربما كانت لها أو لأحد من
معارفها صلة بالآب دانيال
ــــ يا حبيبي ومن سيخبرها بأمرك ؟ من سيقول إن اسمك كان
كيفن وإن قصتك كذا وكذا ؟ هذا أمر لن أطلعها عليه. فلِمَ القلق إذن؟
ــــ حبيبتي صدقيني.. أنا أخاف عليكِ أنت. وأخبرتك مراراً
بذلك. حياتي لا تهمني
ــــ حبيبي لا تعطي الأمر حجماً أكبر من حجمه. إنها مجرد
مسلمة ضعيفة لا مأوى لها، وربما لو تركناها ارتدت وعادت لما كانت فيه من الشرك.. وأخشى أن نعاقب بذنبها
أجهشت عائشة بالبكاء، فرق لحالها:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله ممممممم حسناً . فقط
عديني أن يظل أمر حياتي السابقة سراً حبيبتي
تهلل وجهها وقالت:
ـــــ أعدك، أعدك حبيبي.. هيا.. هيا الحق بها وأعدها إلى هنا حيث الآمان.
هي ستعمل كخادمة لدي فلا تقلق
اتجه إلى الباب مسرعاً وهو يسألها:
ـــــ ما اسمها ؟
ــــ زينب
ــــ استأذنك، فربما لحقت بها، وإن لم ألحق بها فأسأل
الله أن يسخر لها أهل بيتٍ أفضل منا
ــــ أسرع حبيبي، أسرع
فتح الباب، فوجدها تجلس أرضاً إلى جواره وتتكئ على
حقيبتها، فقال باندهاش:
ــــ ما هذا!!.. أما زلتِ هنا ؟ لِمَ تجلسين على الأرض
بجوار الباب ؟
ـــــ اهئ اهئ لا أعلم مكانا اذهب إليه بعد أن طردتموني أيها
السيد
ـــــ ادخلي
ـــــ ها!! حقا ؟ ستسمح لي بالخدمة في بيتكم
ـــــ بالطبع.. ولكن بعد أن تمرين باختبار .
ــــ اختبار!!
ــــ ادخلي الآن وبالداخل نتفاهم
تبعته مغمغمة والخوف يعتركها:
ــــ أي اختبار يقصد هذا! .. بدأت أخاف. من الواضح إنه
لا يثق بي وزوجته هي من دفعته ليدخلني
استقبلتها عائشة بترحاب بالغ:
ــــ مرحبا يا زينب
ــــ السلام عليكم يا ......... مممممم ما اسمك سيدتي،
فقد نسيت ؟
ــــ إسمي عائشة
ــــ مممممم اسم جميل. وأنت ما اسمك سيدي
ــــ عبد الله
لمعت عيناها دهاءاً وكأنها تقول أهٍ أيها الكاذب.. طبعت
بسمة على محياها وقالت:
ـــــ جميل. إسم يدل على مطلق الإيمان ... يبدو أنك ألماني
وإسلامك حديثاً.. فماذا كان اسمك من قبل سيدي؟
اكفهر وجهه وقال باحتداد مصوباً إصبعه إليها:
ــــ إذا أردتِ أن تعيشي معنا وفي خدمة زوجتي، فلا تسألي
عن أي شيء.. اتفقنا ؟
أحنت رأسها وقالت بابتسامة ماكرة:
ــــ اتفقنا يا سيد عبد الله
قال مختبراً صدق ما ادعته من إسلام:
ــــ ماذا تحفظين من القرآن
بدت بسمة واثقة على محياها وقالت:
ــــ اختبارك سهل جداً.. أحفظ قصار السور.. وقد حفظتها لأتمكن
من الصلاة ..فهل تحب أن أسمعك سورة منها؟
ـــــ تبدين واثقة جداً من نفسك يا زينب.. ومن حفظك
ـــــ هه بالطبع سيدي.. فقد انقطعت للحفظ طويلاً في الدير
زل لسانها فاتسعت حدقتاه قائلاً:
ــــ أين ؟
بدا الارتباك على ملامحها، ازدردت ريقها وقالت متلعثمة:
ــــ آآآ أقصد في المسجد ممممم عذرا سيدي.. فأنا حديثة
عهد بإسلام، وقد كانت الاديرة والكنائس وجهتي طيلة عمري
هز رأسه وقال:
ـــــ ممم حسناً.. اسمعيني سورة قل هو الله أحد
بدت بسمة على محياها وقالت وهي تحني رأسها له:
ـــــ اسمها
سورة الإخلاص سيدي .... ابدأ بالاستعاذة من الشيطان الرجيم
ـــاعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ــــ بسم الله الرحمن الرحيم
( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم
يكن له كفواً أحد )
أشرق وجه عائشة وقالت لزوجها وكأنها تلومه على موقفه
السابق من زينب:
ـــــ أرأيت يا عبد الله ؟... أنتِ رائعة يا زينب
ـــــ هاها أنتِ الأروع سيدتي
أثنى عليها عبد الله
ــــ عظيم.. عظيم يا زينب
ــــ أشكرك سيدي. ما رأيك في تجويدي للآيات؟
ــــ تجويد متقن جداً .... على يد من تعلمتِ ؟
ــــ على يد أحد الشيخات
ــــ ما اسمها؟
ــــ وهل تعلم كل اسماء الشيخات يا سيد عبد الله ؟
ــــ ممممم خذيها يا عائشة لتريها أين حجرتها
قالت عائشة وقلبها يقفز فرحاً:
ــــ كم أنا فرحة يا عبد الله .... تفضلي يا زينب
ــــ أشكرك سيدتي عائشة على إيوائي في بيتك الجميل
ــــ لا تشكريني يا زينب. أنتِ أختي
تقطب جبين الراهبة وغمغمت وهي تتبع عائشة إلى الغرفة:
ــــ اختك ! مممممم ليس لي أخوات غير الراهبات... كم
افتقدتك يا مادلين ..كم اشتقت إلى الدير وحياتي الجميلة وسط الراهبات المباركات من
الرب.. آآآه . متشوقة لإتمام مهمتي لأعود سريعا
ــــ أسدلت عائشة حاجبيها وسألت بدهشة:
ـــــ أتتحدثين إلى نفسك يا زينب !!
ــــ أجل ... أمدحك الى نفسي سيدتي عائشة
ــــ أشكرك.. تفضلي.. هاهنا غرفتك
دلفت إلى الغرفة وعيناها تدور في أرجائها..قالت:
ــــ مممممم جميلة . أشكرك. أرجو أن تتركيني كي أنال
قسطاً من الراحة
ــــ بالطبع . أستأذنك في الإنصراف
ــــ تفضلي
غادرت عائشة الغرفة وأغلقت الباب خلفها، فزفرت الراهبة
وقالت بحنق شديد:
ـــــ أول مرة منذ سنوات أتغيب عن الدير.. أوف!! ستكون
حياة مملة في بيت هذه المسلمة,,, . أهاتف الأم صوفيا كما وعدتها
أمسكت بهاتفها وهاتفت الأم صوفيا، التي ردت من فورها:
ــــ مرحبا مانويلا . كيف تسير الأمور ؟
ــــ هاها الأمور تسير من حسن إلى أحسن ..كان ابن اختك يرفض استضافتي،
حتى أقنعته زوجته. يبدو أنه يحبها ولا يرفض لها طلبا
ــــ ههه هو من سيسرع بحتفها دون أن يشعر. آآآآخ! كم
وددت أن أكون معك لانقض عليهما طعنا بسكيني.. ولكن سيأتي هذا اليوم لا محالة وحق يسوع..
سيأتي . يوما ما سأقذفها إلى الأرض كالشاة واذبحها بسكين بارد، وألطخ وجه كيفن
بدمائها . صبرا يا كيفن.. صبراً
ـــ إهدئي أيتها
الأم صوفيا. أفهم المطلوب جيداً، وقريباً سيحدث ما تريدين يا حبيبة القديسين
ــــ باركك الرب مانويلا . أتركك الآن وهاتفيني غداً
صباحاً
ــــ سأفعل . في حفظ الرب أيتها الأم المباركة من الرب
ــــ في حفظ الرب مانويلا
****************************************************
في تلك الليلة، لمح عبد الله عائشة تضع يدها على رأسها
وتتحرك بغير اتزان، فهرع إليها متلهفاً:
ــــ مابكِ حبيبتي؟
ـــــ لا أعرف. أشعر بدوار.. أشعر أن الأرض تميد بي آآه غير متزنة أنا
كادت تسقط فأمسك بها فزعاً يسندها:
ـــــ حبيبتي..تعالي.. تعالي حبيبتي لأساعدك في الذهاب
إلى الفراش لتستريحي
ــــ أشكرك حبيبي آآآه اشعر برغبة في القيئ آآآه استأذنك
ـــــ قيئ ودوار!!... ماالذي اصابها ؟
شعرت مانويلا أن هناك أمر ما، فخرجت من حجرتها على
الفور..اتجهت إلى عبد الله تسأله:
ــــ أهناك شيء يا سيد عبد الله ؟
ــــ أما زلتِ مستيقظة يا زينب ؟
ـــــ سأصلي القيام وبعدها أنام. مابها السيدة عائشة ؟
ــــ لا أعرف. شعرت بالدوار والرغبة في القيء
ـــــ ممم أطلب لها الطبيبة
ــــ هي طبيبة
تظاهرت مانويلا أنها تفاجئت:
ـــــ طبيبة !! ... لأول مرة أعلم . إذن فلتداوي نفسها ...
هاهي قادمة . كيف تشعرين الآن سيدتي عائشة؟
آآآآه مازلت الأعراض كماهي. أشعر بدوار وغثيان
سألها عبدالله باهتمام:
ــــ وما هذه الأعراض حبيبتي؟
ـــــ أشك انها أعراض حمل
اتسعت حدقتاه فرحاً وقال وهو يمسك يديها:
ـــــ حقاً؟ حمل؟ أعراض حمل؟ حقاً ما تشعرين به أعراض حمل يا
حبيبتي؟؟
تمتمت مانويلا بامتعاض:
ــــ حمل!..نستغفر الرب
ردت عائشة:
ــــ إنه مجرد شك ... يجب أن أجري اختباراً لأتأكد يا عبد الله.. ربما كنت واهمة
ــــ لآ،لا.. أنا اشعر أني سأصير أباً قريباً
غمغمت الراهبة:
ــــ أبا!!..سأنتظر حتى أتأكد معهم لأنقل الخبر. لا أحب
نقل الشائعات ههه
****************************************************
تحقق ما صبت إليه نفس عبدالله..فقد تيقنت عائشة من حملها،
فهنأها عبدالله جذلاً وكأنه امتلك العالم:
ـــــ عائشة حبيبيتي، مبارك زوجتي الحبيبة، مبارك...دعيني
أسجد شكراً لله أولاً
سجد بين يدي الله شاكرا
ــــ اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد
نهض عن الأرض وعاد يهنئها:
ــــ مبارك حبيبتي، مبارك
ــــــ بارك الله فيك يا حبيبي. ممممم أسعيدٌ أنت إلى
هذه الحد؟
ــــ بل إن سعادتي تفوق كل، كل، كل الحدود ...كنت قبل
إسلامي لا يوجد عندي رغبة في إنجاب أطفال حتى لا يلاقوا نفس مصيري من الحيرة
والتخبط دون الوصول لحقيقة وجودهم ومن هو خالقهم . لكن الآن أريد ألف ألف ولد
ضحكت عائشة وقالت:
ــــ حبيبي رفقاً. من أين سنأتي بألف ألف ولد! يكفينا
ألفا واحداً
ــــ هههه حبيبتي هذا من فرط سعادتي والله . حقا نريد أن
يزيد عدد الموحدين بالله على الأرض. نريد
إعمار الكون بلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
ــــ يارب، يارب.. اللهم اجعل ما في رحمي من عبادك
الصالحين المخلصين اللهم آمين
ـــــ آمين يارب، آمين... .هل أخبرتي أمك؟
ــــ هاها قل لي متى أخبرتها ونحن منذ أن عرفنا نتيجة الاختبار
ونحن جالسين نهنئ بعضنا البعض ولم نُشرك أحداً
ـــــ إذن فهاتفيها واجعليها وأباكِ يشاركانا الفرحة.. وانا
سأهاتف محمد صديقي
****************************************************
دلفت
مانويلا إلى غرفتها وأحكمت إغلاق الباب..جلست على فراشها تحدث نفسها:
ـــــ هكذا تأكدت أن زوجة كيفن حامل ... أهاتف الأم صوفيا
وأخبرها اولاً ثم اذهب لأهنئها... . لا أعلم
على أي شيء أهنئها!!... فما الجميل والرائع في حمل طفل في الأحشاء يجعل المرأة تشبه البالون، ويُولد بآلام وصراخ،
ويأتي بمتاعب لأمه وأبيه أيضاً بعد ميلاده!!.. . ما شأني أنا! . دع النساء وشأنهن ...
ما أجمل حياة الراهبات بعيداً عن هذه الحياة الصاخبة ... ولكن أحيانا أمل.. . بل
كثيراً أمل وأشعر برغبتي في حياة عادية كسائر الناس.. لا،لا،لا... ما هذا العبث
الذي أتفوه به!!... هل خروجي من الدير سيجعلني أكفر بحياة الرهبنة ووهب الذات
لخدمة الرب لا،لا،لا . أهاتف الأم صوفيا، وأبعد هذا اللهو عن تفكيري
خرجت من يم أفكارها المتلاطم، وأمسكت بهاتفها وضغطت رقم
الأم صوفيا:
ــــ مرحبا مانويلا . كيف هو الحال ؟
ــــ زوجة كيفن حامل
ــــ ماذا !!... هل تأكدتِ من هذا الخبر ؟
ــــ انتظرت حتى أتأكد، وبالفعل ذهبت وزوجها وأجرت إختباراً
للحمل، وتأكد حملها
ــــ ممم هكذا سيُقتل ثلاثة أرواح ... هي.. وجنينها..
وزوجها. وكيف يشعر كيفن ؟
ــــ فرح جداً.. وقفت بجانب الغرفة لأستمع لحديثه مع
زوجته، وجدته يقول سأسجد شكراً لله
ردت صوفيا باحتداد:
ــــ ماذا!! حسناً.. فليسجد كما شاء، وليودع ربه الذي
يسجد بين يديه وترك دين يسوع لأجله
قالت مانويلا بضجر:
ــــ متى سيتم التخلص منهما أمنا صوفيا حتى أعود الى
الدير المبارك ؟
ــــ سأهاتف الآب دانيال بنفسي وأرتب الأمر. أتركك الآن مانويلا
ــــ باركك الرب الأم صوفيا رئيسة الدير المبارك من الرب
**************************************************
اندفعت مانويلا إلى غرفة عائشة وقد رسمت على وجهها
السعادة:
ــــ سيدتي عائشة.. مبارك ههه سعيدة لأجلك
ــــ أشكرك زينب . أرأيتِ كم حل من السرور ببيتنا بقدومك؟
قهقهت مانويلا وقالت وهو تضمر الوعيد من وراء عبارتها:
ـــــ والقادم أجمل...ما رأيتِ شيئاً من السرور بعد يا
سيدتي. انتظري ما هو آت
ــــ إن شاء الله القادم أجمل يا زينب
انفجرت مانويلا بالضحك..ثم أحنت رأسها وقالت:
ــــــ أتركك للتفاؤول، وأذهب لأعد لك الطعام
ــــ لا. لا رغبة لي بالطعام . أعدي فقط لزوجي من فضلك
ــــ وأين هو ؟ . سمعت الباب منذ قليل يُغلق
ــــ ذهب للصلاة في المسجد
كاتمت الغيظ وراء بسمة باهتة.أحنت رأسها استئذاناً
وغادرت الغرفة...كاتمت نفسها حديثاً وعيناها تتقدان غليلا:
ــــ أي مسجد يذهب إليه هذا الكافر ويترك كنائسنا
المباركة !!. حقا يستحق انتقام الآب دانيال والأم صوفيا، وتستحقه هذه الحية الرقطاء
زوجته. أكرهها.. منذ رأيتها وأنا أكرهها.. ولولا أن الانتقام متروك للأم صوفيا لوضعت
لها ولزوجها السم في الطعام وتخلصت منهما جزاء صنيعهما
نما إلى أسماع مانويلا تأوهات عائشة، فهمست لنفسها وهي
تمسك بسكين وتقطع اللحم مصرة على أسنانها:
ــــ تتأوه الحية من متاعب الحمل. لا بأس. غداً تستريحي
من تعب الحمل ومن الحياة بأسرها . فصبراً
****************************************************
في غرفتهما بعد منتصف الليل، دار بين عائشة وعبد الله
حوار ودود:
ـــــ عائشة حبيبتي.. أمستيقظة انتِ أم نمتِ ؟
ـــــ ممممم حبيبي أما زلت مستيقظ !!! ظننتك نائم، لذا لم
أود أن أزعجك بحديثي
ـــــ ههه حبيبتي اعتدنا أن نتحدث في فراشنا حتى يغلبنا
النوم. لم أنم بعد، ورأيتك تتقلبين في الفراش فعلمت انكِ مازلتِ مستيقظة
ـــــ أشعر ببعض الألم الذي جعل النوم يجافيني
ـــــ حبيبتي ! بِمَ تشعرين ؟ هل اهاتف الطبيبة لأجلك ؟
ـــــ هاها حبيبي الأمر بسيط جداً . هكذا هو الحمل . ليس
باليسير ويسبب الآلام . لا تعبأ بالأمر
حبيبي
تذكر عبد الله والدته، فتبدى الأسى على وجهه وقال:
ـــــ حقاً كم تتعب الأم في حملها وحتى تضع وليدها. كلما
وجدتك تتألمين تذكرت أمي وأقول كم تعبت
امي وهي تحملني في احشائها وكم تحملت الكثير لأجلي ...أمي
ــــ أشعر بحنينك الجارف لأمك حبيبي
ـــــ اشتقت إليها.. اشتقت إليها يا عائشة .
ــــ والله انا حتى الآن لا أعلم كيف ستذهب وكيف ستراها
وماذا ستقول وما الذي سيحدث عقب مقابلتك لها . حقاً انا خائفة يا عبد الله ويزيد
خوفي كلما اقترب موعد لقائك بأمك
ــــ لا تخش شيئا حبيبتي . أسأل الله رعايته وحفظه
ــــ حفظك الله ورعاك حبيبي آمين
ــــ وحفظك لي وحفظ ولدي الذي تحملينه في احشائك آمين
آمين آمين
****************************************************
قبيل الفجر بقرابة الساعتين، تلفعت مانويلا بحجابها
وأمسكت بمسبحة واتجهت إلى باب غرفتها عامدة الخروج وهي تغمغم ببعض العبارات متأففة:
ـــــ باقي على صلاة فجرهم ساعتين . اذهب لأوقظهما
للصلاة أوف..بدلا من أن يستيقظا ليمجدا الرب في الأعالي يستيقظا ليصليا صلاة المسلمين . ماذا عساي أن أفعل سوى الصبر
عند باب حجرة عائشة وعبد الله، وقفت تطرق الباب بعنف
وتركله بأقدامها وتنادي بصوت جهور:
ـــــ استيقظا، هيا، حان الوقت لصلاة القيام، هيا، هيا يا نائمان
عادت تركل الباب وتطرقه بقبضة يدها بعنف، فقامت عائشة
فزعة:
ــــ ما هذا! يا إلهي! ما هذا!! ماهذا الطرق البشع على
الباب!!!
نفذ إلى مسامعها نداء مانويلا الجهور:
ــــ هيا للصلاة يا نائمان
استيقظ عبد الله فزعاً:
ــــ ما هذا! ما الأمر يا عائشة ؟
نفذ صوت الطرق وركل الباب وصياح مانويلا المزعج إلى
مسامعه:
ـــــ استيقظا يا نائمان، هيا استيقظا
لا أعرف يا عبد الله . يبدو أن زينب تطرق الباب لأمر جلل
. قم وانظر ما الأمر
ــــ لا حول ولا قوة الا بالله . من أين أتت هذه المزعجة.
فتح الباب وصاح بها:
ــــ ما الأمر! لِمَ تطرقين الباب علينا بهذا الشكل الشنيع
؟. أهناك قتيل قد قُتل!!!
ــــ هاها لا، هناك قتيل سيُقتل. هيا لصلاة القيام واذهب
وأيقظ زوجتك، هيا لنرنم جميعا آآآه أقصد
هيا لنقرأ القرآن
زأر في وجهها غاضباً:
ــــ يا هذه، يا هذه. هل هذه طريقة لائقة لإيقاظ الناس!
. أشبعتِ الباب ضرباً وركلاً وكأنك في حرب
ــــ أوقظكما للصلاة يا سيدي . خفت أن تكونا مستغرقين في
النوم ولا تسمعاني فلم أجد غير ركل الباب بقدمي وطرقه بقبضة يدي بقوة . إنها الصلاة،
الصلاة يا مؤمنين الصلاة
بدت بسمة ساخرة على محياه وقال:
ــــ ماكل هذا الإيمان!! . ممم وتمسكين مسبحة أيضاً!
ــــ هاها بالطبع . هل استيقظت سيدتي عائشة ؟
ــــ هأنذا أستيقظت يا زينب. ولكن لم يحن الوقت
لاستيقاظنا. نحن نستيقظ قبل الفجر بساعة وليس ساعتين
قالت مانويلا وهي تهز رأسها في أسى مصطنع:
ــــ لا حول ولا قوة الا بالله. كيف! كيف تسمون أنفسكم مسلمون ولا تقضون الليل كله في الصيام والقيام!!
ــــ صيام!!...عن أي صيام تتحدثين!!!
أدركت خطأها فغمغمت:
ــــ ماذا قلت أنا!!
تداركت الخطأ قائلة:
ــــ. أقصد الصلاة،
الصلاة. من قال صيام!. أنا أعلم أن الصوم في رمضان من الفجر إلى المغرب .
هيا قوما للوضوء، فأنا لا أجلس عند قوم يضيعون صلاة القيام. أنا مؤمنة موحدة. مؤمنة
أنا موحدة. أنا مؤمنة موحدة
قهقهت عائشة وقالت:
ــــ يا زينب يا حبيبتي، بدلاً من أن تقولي أنا مؤمنة
موحدة، أنا مؤمنة موحدة، قولي لا إله إلا الله
ــــ ها!!... حسناً سأفعل سراً حتى لا تطلعان على ما
بيني وبين ربي. هيا يا سيدتي هيا يا سيدي اهئ اهئ
هيا فحان وقت البكاء والدموع على الذنوب والخطايا آآآه من الخطايا آآآه, ارحمنا يا الله اهئ اهئ
سأذهب إلى غرفتي لأصلي، استأذنكما
تركتهما ومضت إلى غرفتها، فزفر عبد الله ومسح وجهه،
وقالت عائشة ضاحكة:
ــــ أرأيت يا عبد الله ..أرأيت كم هي مؤمنة
قال والارتياح يجافي ملامحه:
ـــــ .... لا أعرف لماذا أشعر أنها تبالغ في الأمر.. ولكن لا بأس.. فربما إيمانها أقوى
من إيماني وإيمانك . لا أحب أن أسيء الظن بأحد . هيا حبيبتي . سأسبقك لأتوضأ
واتبعيني
ــــ إن شاء الله حبيبي آآآه.. آآآه
****************************************************
في الكنيسة دق هاتف دانيال، فوجدها صوقيا، فرد بشغف
بالغ:
ـــــ مرحبا الراهبة الصالحة صوفيا، هل هاتفتكِ مانويلا
؟
ـــ ولذا هاتفتك الآن . مانويلا تقول أن زوجة كيفن حامل،
وتأكد حملها
زأر بوعيد:
ــــ. لن تهنأ بحملها ولن يهنأ كيفن
ــــ هاها أمر الحمل هذا جعلني أفكر في إطالة الفترة
وتأجيل الإنتقام إلى شهرها السابع
ــــ لا أفهم
ـــــ يا آبانا كلما اقترب موعد ميلاد ولد كيفن كلما
اشتدت وزادت فرحته وشوقه إلى ضم ولده. أليس كذلك ؟
ــــ بالطبع . ولكن ما لنا بفرحه وحزنه !! أفصحي أكثر
زمجرت كالنيران المستعرة بالأحقاد:
ـــ يا آبانا، أود أن تُقتل زوجته عندما يقترب موعد
ولادتها حتى تزيد حسرته أكثر وأكثر. حسرة على زوجته، وحسرة على ولده الذي اشتاق
إلى مولده وضمه. أريد أن أرى الحسرة، بل كل حسرات الأرض تصدع قلبه حزناً وألما
قهقه القس بعدما استحسن وسيلة الانتقام وقال:
ــــ هكذا فهمتك صوفيا. أنتِ بداخلك رغبة عارمة في الانتقام
من كيفن ... تريدين أن تمزجي كل الآلام في كأس واحد وتسقيه إياها ليتجرع مرارتها
ــــ هذا ما قصدت يا آبانا . وهذا أقل اعتذارٍ ليسوع
والصليب
ــــــ باركك الرب صوفيا باركك الرب
ــــ تلميذتك يا آبانا
ــــ هل تهاتفين اختك نيكولا ؟
ــــ نيكولا ! أهاتفها
ولكن ليس كثيراً . فكلما تحدثت إليها وجدتها تنوح وتبكي ولدها.. رغم أنها لو علمت
بخروجه عن دينه وخطته الخبيثة في الهروب للعنته ولعنت لحظة حملها به
ــــ دعك من نيكولا . الأيام كفيلة أن تنسيها ولدها
الكافر .. عندما تهاتفك مانويلا بلغيها أن تهاتفني أيضاً لتخبرني بجديدها
ــــ سمعا وطاعة يا آبانا . أتركك وأذهب للهوسات مع
تلميذاتي الراهبات
ــــ تقبل الرب هوساتك المباركة أيتها الراهبة الصالحة
ـــ سل يسوع أن يتقبلني في زمرة محبيه يا آبانا
ــــ بل أنت حبيبة القديسين جميعهم فسلِ ماشئتِ . باركك
الرب صوفيا . في انتظار مهاتفة أخرى
****************************************************
في الصباح دقت أجراس المنزل، فنادت عائشة وإذ هي مستلقية
على فراشها زينب:
ــــ افتحي الباب يا زينب من فضلك. فوالله لا أقوى على الذهاب
ــــ سأفتح يا سيدتي. استريحي أنتِ
فتحت الباب، فألفت حفصة زوجة محمد أمامها:
ــــ مرحبا سيدتي. من تريدين ؟
ــــ ماهذا ! من انتِ ؟
ــــ هاها بل من أنتِ سيدتي، ومن تريدين ؟
ـــــ أريد عائشة . انا صديقتها حفصة
ــــ صديقتها ! تبدين ألمانية . فهل أسلمتِ حديثاً ؟
ــــ الحمدلله ،أسلمت وأسلم زوجي وأسلمت كل عائلة زوجي
اتقدت عينا مانويلا، وكاتمت نفسها حديثاً:
ــــ ويحكم أيها الأوغاد!! من بقى في المانيا غيرنا لم
يُسلم ؟ أخشى أن أذهب إلى الدير، فأجد مكانه مسجد وقد قتلت كل الراهبات ودُفنّ في
قبوه .
تبدت ابتسامة باهتة على وجه مانويلا وأحنت رأسها لحفصة
وقالت:
ــــ تفضلي
سيدتي ........ ما اسمك معذرة ؟
ــــ حفصة يا .......... ما اسمك ؟
ــــ زينب . قالوا لي اسمك زينب
ــــ هاها من هؤلاء ؟
ــــ من أسلمت على أيديهم في المسجد
ــــ وما كان اسمك قبل الإسلام يا زينب ؟
تصنعت البكاء لتتقن دورها:
ـــــ اهئ اهئ لا أريد أن أتذكر حياتي قبل الإسلام اهئ
اهئ اهئئئئئئئئئئئئ
ــــ كفا، كفا.. . حمداً لله على إسلامك . أين عائشة .
فقد وقفت كثيراً على قدمي حتى آلماني
ــــ السيدة عائشة بغرفتها سيدتي حفصة . تفضلي في غرفة
الجلوس حتى أخبرها
ــــ أشكرك يا زينب
هرعت مانويلا إلى عائشة لتخبرها:
ــــ سيدتي عائشة.. صديقتك سيدتي حفصة
تهللت عائشة:
ــــ حفصة!..أدخليها إليّ من فضلك يا زينب
ــــ ممم يبدو أن الحمل يرهقك كثيراً
ــــ هاها قريباً تتزوجين وتجربين بنفسك
هال الراهبة ما سمعت وغمغمت وقد اتسعت حدقتاها:
ـــ أنا!! لا،لا... زواج!... ! أنا لا أبحث عن متعة
الجسد. أنا أحتاج إلى متعة الروح إلى الأبد . زواج! هذه السيدة تتحدث عن أمور تشيب
لها شعور الراهبات . زواج !!!!! عافانا الرب
**************************************************
عادت إلى حفصة وأومأت برأسها:
ــــ تفضلي سيدتي حفصة، فالسيدة عائشة في انتظارك
بغرفتها
ــــ أشكرك زينب
**************************************************
دخلت على عائشة بوجه طلق:
ــــ السلام عليكم حبيبتي عائشة
ــــ وعليكم السلام حبيبتي حفصة. تعالي، تعالي . اجلسي
إلى جواري في الفراش هاها
ــــ قادمة لاجلس إلى جوارك، ولكن اخشى أن أنام وأستغرق
في النوم هاها
قبلتها وجلست إلى جوارها مهنئة:
ــــ كيف حالك يا عائشة .مبارك الحمل يا حبيبة، مبارك
ــــ بارك الله فيكِ أختي. العقبى لكِ إن شاء الله
حبيبتي
ـــ إن شاء الله . كم أتمنى أن تنجبِ ولداً، وأنجب بنتاً،
ونزوجهما ليصير الارتباط بيننا وثيقاً أكثر وأكثر هاها
ــــ ههه والله حبيبتي الارتباط وثيقا ولا نحتاج إلى علاقة النسب
ـــ أهكذا يا عائشة !!!!!! أنا غاضبة منكِ . لم أكن أتوقع
أن ترفضي تزويج ابنك من ابنتي الحبيبة هههه
ــــ هههه اضحك الله سنك . فما يدريكِ ربما رفضت ابنتك ولدي
ههه.. ولكن ما الذي يدريكِ! فربما أنجب بنتا وتنجبيبن انتِ ولداً .
ـــــ كل شيء بأمر الله حبيبتي . أتم الله حملك على
خير ورزقك طفلاً سليماً معافى وباراً
وصالحاً وتقياً اللهم آمين
ـــــ آميييييييييين آمين آمين
ــــ من زينب هذه يا عائشة . لم أرها من قبل هنا
ــــ إنها مسلمة أسلمت حديثاً، ولجأت إلينا وطلبت العمل
كخادمة . ولكن إيمانها قوي جداً . أتعلمين أنها هي من توقظنا لصلاة القيام ؟
ـــــ ماشاء الله ممم ولكن عذراً، لا أعلم لِمَ لم أرتح لها
منذ رأيتها مممم لا أعلم لماذا أرى في
عينيها خبثاً ونظرة غير مريحة على الإطلاق
ــــ حبيبتي لا تحكمي على الناس من ملامحهم، فربما أخفت
القلوب طيبة وحناناً ضنت بهم الملامح
ــــ حكيمة زمانك أنتِ هاها
ــــ لا ، حكيمة سابقاً بالمستشفى هاها
ــــ بمناسبة عملك كطبيبة، ألن تعودي للعمل ؟
ــــ ممممم والله كنت أفكر، ولكن الحمل أثقلني إلى فراشي
هاها
ــــ حبيبتي ما زلتي في شهرك الاول وتشتكين من الحمل
واوجاعه! هاها
ــــ لا أريد أن أخيفك يا حفصة.. ولكن الحمل حقاً ليس
باليسير . نسأل الله العون
ــــ اعانك الله يا حبيبة
طرقت مانويلا الباب بلطف، فأذنت لها عائشة:
ــــ ادخلي يا زينب
ــــ أحضرت طبقاً من الحلوى للسيدة حفصة
شكرتها عائشة باسمة:
ــــ هاها جزاكِ الله خيراً يا زينب . تفضلي يا حفصة
كانت حفصة تسدد إليها نظرات تنم عن عدم ارتياح، لذا فقد
أسدت إليها شكراً بارداً
ــــ أشكرك يا زينب .... من فضلك أريد فنجاناً من القهوة
سمعاً وطاعة سيدتي حفصة . أستأذنكما في الإنصراف
ما أن غادرت الغرفة، حتى قالت عائشة:
ــــ أرأيتِ كم هي مطيعة ومؤدبة ؟
ـــــ ..... كوني على حذر من فضلك يا عائشة . والأفضل أن
تجعليها تذهب إلى مكان آخر. وإن أردتِ خادمة تثقين بها وفرتها لكِ على الفور
ــــ حبيبتي والله ليس الأمر أمر خادمة . فيعلم الله أني
أعتبرها أختاً . ولكن وصفها كخادمة أستخدمه حتى يسكت عنها عبد الله، وحتى يكون
مبرراً لوجودها في بيتي
ـــــ مممممم أفهم من ذلك أن زوجك لا يرحب بها؟
ــــ تعلمين أن عبد الله يتصرف بحذر شديد ويخاف أن يشاع
سره, ويتسبب ذلك في أذيتنا
عصف الفزع بملامح حفصة وقالت:
ـــــ لا، لا .
أرجو من الله أن يكف عنكم الشرور آمين.
طفرت عبرات حفصة وأردفت:
ـــــ أنا أحبك يا عائشة ..احبك يا أختي وأخاف عليكِ.
فبالله احذري ممن حولك، فحياتك غالية علينا جميعاً
ــــ حبيبتي يا حفصة . لا حرمني الله طيب صحبتك يا أختي
الغالية . دعواتك فقط أن يحفظني الله وزوجي وطفلي
ــــ أدعو لكِ دائماً . فقد سكنتِ قلبي منذ أن رأيتك
لأول وهلة والله يا عائشة
ــــ جزاكِ الله خيراً يا أختي وبارك فيكِ . والله انتِ
غالية عندي يا حفصة وأحبك كثيراً، كثيراً . تذكريني بصديقتي فاطمة في مصر.. فهي
مثلك هكذا حبيبة وقريبة إلى القلب . أرجو من الله أن يجمعنا بها أنا وأنتِ وأعرفك إليها
ــــ إن شاء الله يا عائشة
عادت زينب تحمل القهوة:
ــــ القهوة لسيدتي حفصة
ردت حفصة بتجهم:
ـــــ أشكرك . ضعيها ها هنا
وضعت القهوة وسألت عائشة:
ــــ هل أضع في
حسباني غداء السيدة حفصة معنا يا سيدتي عائشة ؟
ــــ أجل بالطبع، ستتناول معنا الغداء
ردت حفصة على الفور:
ــــ لا،لا، سأحتسي فنجان القهوة وأطلق ساقيّ للريح حتى لا أتأخر هاها سأذهب لأعد طعام الغداء
لزوجي
ـــــ هههه إذا كان الأمر كذلك فزوجك أولى بوقتك منا يا
حفصة ........... لِمَ تقفين هكذا يا زينب ! إذا شئتِ فاجلسي
ــــ لا. فقط
أردت أن أعرف رأي سيدتي حفصة في القهوة التي أعددتها
ردت حفصة وهي تنظر في عيني الراهبة بعمق مما أثار
ارتباكها:
ـــــ حسناً.. سأتذوقها
ممممم لا بأس بها أشكرك
أومأت مانويلا بابتسامة باهتة وقالت:
ـــــ أستأذنكما في الإنصراف
ــــ تفضلي
زفرت حفصة وقالت:
ــــ والله ثم والله ، والله لا أرتاح إليها يا عائشة .
نظراتها، نظراتها تخيفني . كيف لا تخافين منها ؟؟؟
قهقهت عائشة وقالت وهي تهز رأسها:
ــــــ إحتسي القهوة واطلقي ساقيكِ للريح، ودعك من زينب
المسكينة ... لا أدري لِمَ يظلمها الجميع هكذا!
تنهدت حفصة بعمق ثم قالت:
ـــــ ماذا عساي
أن اقول إلا خلف الله ظني وجعلها أفضل مما
ظننت
ـــــ آمين حبيبتي
****************************************************
تهيأت السيدة نيكولا للخروج من المنزل في الصباح
كعادتها، فاعترضها زوجها يسألها:
ــــ الى أين يا نيكولا ؟ أستذهبين إلى النهر كعادتك كل
يوم ؟
ــــ أجل يا ماكس . سأجلس إلى النهر بعض الوقت وسأعود
حينما يمل النهر من حديثي
سدد إليها نظرة شفيقة وقال:
ــــ رفقا بنفسك نيكولا . تحملين نفسك أحزانا كالجبال،
فرفقاً يا حبيبتي
ـــــ أنا لا أعذب نفسي بالذهاب إلى النهر يا ماكس، بل
على العكس.. لا أشعر بالراحة إلا عند النهر ... أتعلم يا ماكس ! كلما ذهبت إلى
النهر أستشعر أني أسمع صوت كيفن حبيبي يقول
أمي، أمي... وهذا الشعور يريحني جداً يا ماكس
ــــ لا استطيع أن أقول غير افعلي ما تستريح إليه نفسك .
لن أمنعك نيكولا . إذهبي حبيبتي، إذهبي
****************************************************
جلست إلى النهر لساعات تحادثه بقلب فطرته الأحزان:
ــــ إيهٍ أيها النهر
.... إذا افتقدتني يوما ورحلت عن هذا العالم، فأوصيك بولدي . أوصيك بكيفن الذي سكن
أعماقك واختفى عن ناظري للأبد . إهمس في أذنه وقل له أمك تحبك يا كيفن . أمك قد
انفطر قلبها حزناً لفراقك يا كيفن
انهمرت عبراتها، فأكملت بصوت مختنق:
ــــ أخبره أن
يسامحني لأنني طالما ما منعته عن ما تهفو إليه نفسه ... سامحني يا كيفن... سا محني
يا ولدي آآآآه..... سأمشي الآن أيها النهر وأعود إليك في الصباح ....
أودعك الآن فقد اقترب الغروب
****************************************************
كان عبد الله قد عزم على أمر، فأفصح عنه لزوجته:
ــــ عائشة حبيبتي . غداً إن شاء الله سأتجه إلى ميونخ .
يجب أن ألقى أمي عند النهر
وخز الخبر قلب عائشة، فطفرت عبراتها وقالت بنشيج:
ــــ تسافر إلى ميونخ وتتركني يا عبد الله؟
ـــــ هاها ستشتاقين إلىّ يا زوجتي الحبيبة ؟
ـــــ سأشتاق إليك حبيبي .. سأكون على جمر الشوق والخوف أتقلب حتى تعود
مازحها قائلاً:
ـــــ الشوق وأعلم حالك في غيابي جيداً من شدته هاها
ولكن عن أي خوف حبيبتي تتحدثين؟
تشبثت بذراعه وقالت باكية:
ـــــ أخاف عليك يا حبيبي، أخاف، أخاف أن يلمحك أحد ممن
فررنا منهم و تصاب بأذى
ربت على يدها باسماً وقال يهدئها:
ـــــ هذا إذا كان كيفن هو الذي سيذهب إلى ميونخ، ولكن
الآن عبد الله هو المتوجه إلى هناك ... حبيبتي لاحظي تغير ملامحي باللحية وأيضاً
مظهري مختلف تماماً . تعالي هنا أمامي وانظري جيداً وقارني بين كيفن وعبد الله ،فهل
يوجد ثمة تشابه بينهما ؟
ضحكت وهي تمسح عبراتها بيديها وقالت:
لا . من يراك الآن لا يقول أبداً أنك كيفن . أصبحت تشبه
العرب بهذا الجلباب الأبيض ههه
ــــ إذن فلِمَ الخوف يا حبيبة !.. لا تخشي شيئاً، فالله
معنا هو حسبنا ونعم الوكيل
نشجت مرة أخرى وقالت:
ـــــ هل ستبيت هناك ؟
ــــ ههه لا . إن شاء الله أعود خلال ساعات. حجزت تذاكر
طيران العودة في نفس اليوم. هل تريدين شيئاً من ميونخ ؟
تشبثت به وقالت بنشيج:
ـــــ أريد حبيبي عبد الله
ـــــ سأحضره معي إن شاء الله ههه دعواتك الطيبة يا
زوجتي الطيبة . والله إني سأشتاق إليكِ وسأشتاق إلى ولدي الذي في احشائك هذا ههه أوصيك بأمك خيرا يا ولدي الحبيب
ـــــ هاها أعادك الله إلينا سالما يا حبيبي
ــــ حبيبتي لا تخبري أحد وخاصة زينب . لا أريد أن
يعلم بسفري أحد
ــــ بالطبع حبيبي لا تخش شيئاً . هذا سر بيني وبينك، لا
تقلق
****************************************************
كانت والدة عبد الله تجلس إلى النهر كعادتها، تحادثه
تارة، وتحادث نفسها تارة:
ـــــ كل يوم آتي إلى النهر وأنتظر عبد الله صديق كيفن ولا يحضر...
ربما نسى موعده معي عند النهر، أو ربما لم يعبأ بهذا اللقاء ... ولكن سأظل أحضر
إلى هنا كل يوم أتحدث إلى النهر وأشم رائحة ولدي كيفن الحبيب
سمعت صوتاً إلى جوارها:
ــــ طاب صباحك سيدتي نيكولا
ــــ هاااا ! من أنت يا ولدي ؟
ــــ عبدالله
أشرق وجهها وقالت متهللة:
ـــــ حقاً ! صديق كيفن، أليس كذلك؟
ــــ أجل سيدتي.. أنا عبد الله
ــــ اجلس يا ولدي، اجلس إلى جواري، اجلس
ــــ بالطبع سأجلس وأقبل يديكِ سيدتي كما أوصاني كيفن
بتقبيلهما
جلس وقبل يديها وقال باسماً:
ــــ كيف حالك
سيدتي ؟
طفرت عبراتها وقالت بنبرة حزنى:
ـــــ هأنذا أشكو
حالي إلى النهر يا ولدي ...اشتقت لولدي، اشتقت لكيفن
ــــ .......سيدتي قد مضى اكثر من شهرين على موت ولدك .
أما زال ألم الفراق بكِ حتى الآن ؟
ــــ بل يزيد يا ولدي وتزيد وحشتي وغربتي حتى بين أهلي. أكثر
ما يؤلمني إنني أشقيت ولدي بيدي .. حملته مالا يطيق منذ صغره وحتى ترك عالمنا
أطرق عبد الله
رأسه حزيناً، ثم طبع ابتسامة على محياه وقال:
ــــ حملني كيفن أمانة إليكِ سيدتي
ــــ هات الأمانة يا ولدي
ــــ هذه رسالة مكتوبة إليكِ من كيفن فاقرأيها
ــــ رسالة من كيفن ! هاتها يا ولدي، هاتها
ــــ تفضلِ سيدتي
أخذت الرسالة وبدأت في قراءتها بشغف:
أمي
حبيبتي
يا أحب الناس إلى قلبي
يا أحن أحضان احتوتني في هذا العالم
يا من تفتحت عيناي على بسمتها الرقيقة وضمة ذراعيها الحانيان
ليس بيدي فراقك يا أمي الحبيبة ولكنه القدر
امي
قد فارقتك على الإسلام
فارقتكِ على دين التوحيد
اعلمي يا أمي أنه لا إله إلا الله
اعلمي يا أمي أن إله الكون واحد لا شريك له .لا ولد له،
لا صاحبة له، لا أم ولا أب له . لا إله
غيره سبحانه منزه عن الشريك و الولد .
اعلمي يا أمي أن من يشرك بالله فهو كافر ومآله إلى عذاب
النار خالداً فيها
أمي، أحبك يا أمي، أحبك.. لذا لن أتحمل أن تدخلين النار . حبي لكِ الجارف
دفعني إلى إرسال رسالة إليكِ قبل رحيلي عن عالمك
امي قد اذقتيني طعم الرحمة والحنان النابعان من قلبك
الرحيم، ولذا فدوري أن أرد لكِ جزءاً من جميلك
وأكن رحيما بكِ يا منبع الرحمة في
حياتي وأدعوكِ إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تلقي الله
أريد أن نُخلد في النعيم سوياً يا أمي حيث لا فراق . حيث لا أحزان ولا أنكاد . هل
تحبيبني ولا تريدين فراقي في العالم الآخر ؟ أعلم أنك تقولين أجل يا ولدي أحبك ولا
أريد فراقك . وأنا يا أمي أحبك وأريد لك نعيما ترتعين فيه وأخشى عليكِ جحيما تخلدين فيه
انطقي الشهادة خالصة من قلبك . فمهما طالت هذه الحياة
فهي قصيرة وحتما الموت قادم.. ستصعد أرواحنا
وتعود إلى خالقها لا محالة . سنلقى الله يا أمي.. حتما سنلقاه . كلٌ
سيحاسب بمفرده على أعماله وسيتبرأ منا كل
من اتبعناهم واضلونا .
لن تجدي الثالوث في العالم الآخر . بل ستجدين أنه إله
واحد سنقف بين يديه وسيسألنا . أين شركائي الذين كنتم تدعون!!
ماذا ستقولين وقتها يا أمي ؟... ماذا ستقولين؟
اشهدي يا أمي أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله
انتهت والدة عبد الله من قراءة الرسالة، وأجهشت بالبكاء
، فسألها متلهفاً:
ــــ سيدتي . أوقعت عيناكِ على ما اغضبك في الرسالة ؟
ــــ لا يا ولدي .. إنها دموع فرحي بإسلام ولدي وموته
على التوحيد
تهلل وجهه وقال:
ــــ حقا ؟ هل سُررتِ بذلك ؟
ــــ بالفعل سُررت جداً .. بل وهدأ ذلك من لوعتي لفراقه
ـــــ إذن
ستنطقين بالشهاتين سيدتي ؟
أومأت برأسها وعبراتها تسيل:
ـــــ أجل يا ولدي. لا مجال للجدال في أمر محسوم من الأزل
... لن ندعي لله الولد وهو واحد أحد لم يلد ولم يولد ..كفانا، كفانا، كفانا كبراً
وعناداً ودفاعاً عن الأباطيل .. لم يقل لنا المسيح أن نتخده وأمه إلهين من دون
الله، ولكننا من ألهناهم وهم برءاء من ذلك .. خلقنا الله من لاشيء .. خلقنا من
العدم فإذ بنا نتطاول عليه ونحن
الجاحدون وندعوا له ولدا وهو الخالق الذي
خضع كل شيء لعظمته وقوته ... شهدت الجبال
والأنهار والبحار والاشجار والسماوات والأرض بوحدانيته ، فما بال قلوبنا أقسى من
الحجارة ولا نهتز ..أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ...سامحني
يا ربي على جحود قلبي واغفر لأمتك الضعيفة التي طالما عاندت وتكبرت وطغت ولكنك
صبرت .. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
فاضت عينا عبد الله بعبرات السعادة، فقالت له:
ــــ ولدي ! ما يبكيك بهذه الدرجة! . أرى دموعك تنهمر من
عينيك يا عبد الله
ــــ هذه دموع فرحتي سيدتي... لا اصدق ما أسمع ...
كلماتك أرعدت جسدي، ونطقك للشهادتين جعل دموعي تنهمر من شدة الفرح . بالله دعيني أقبل
يديكِ سيدتي
انكب على يديها مقبلاً، فقالت باسمة:
ــــ بارك الله فيك يا ولدي
ــــ سأسجد لله شكراً على هذا الفضل الذي من به عليّ ولم
أكن أتوقع حدوثه
سجد لله شاكرا:
ــــ اللهم لك الحمد أن هديت أمي، اللهم لك الحمد
عاد يجلس إليها وقال يحذرها:
ــــ لا تخبري أحداً بإسلامك سيدتي، فأنا أعلم أنك
تنتمين إلى أسرة ذات صلة بالكنيسة
ــــ لا تخش شيئا يا ولدي. فإسلامي في قلبي ولن أخرج من
داري مرة اخرى حتى ألقى الله
سرى الحزن في صدره خشية ألا يراها بعد اليوم، فقال
متلهفاً:
ـــ ألن أراكِ مرة أخرى سيدتي؟
ــــ زرني يا ولدي. لا تنقطع عني. فيعلم الله أنني منذ
رأيتك وكأنني رأيت ولدي الذي غاب عني للأبد
ــــ إن شاء الله يا أمي . سأهاتفك يوميا للإطمئنان عليكِ،
و سأزورك كلما تيسر لي ذلك . أستودعك الله . السلام عليكم ورحمة الله
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ولدي
****************************************************
عاد عبد الله إلى منزله محلقاً في روض السعادة، أخذ
ينادي جذلاً
ــــ عائشة..أين أنتِ يا حبيبتي، عائشة
أسرعت مانويلا إليه تسأله:
ــــ أهناك شيء
سيد عبد الله؟
زفر حين رآها وقال متضجراً:
ــــــ نسيت أن هناك من يشاركنا في بيتنا. أين عائشة؟
ـــــ سيدتي نائمة. أتريد شيء ؟.. يبدو أنك مسرور . فيا تُرى ما سر سرورك ؟
رد باحتداد:
ــــ تسألين كثيراً عن أشياء لا شأن لكِ بها. أدخلي إلى غرفتك الآن . ومن الغد ستنقلين كل أغراضك إلى
الشقة التي في الطابق العلوي فقد استأجرتها لكِ
ـــــ ممم لا بأس . أهم شيء أن أبقى إلى جوارك
ـــــ ....ماذا!!
ـــــ أقصد إلى جوار زوجتك الطيبة، حتى يتسنى لي رعايتها كما ينبغي
ــــ اذهبِ إلى غرفتك . لا أريد أن أراكِ كلما خرجت أو
دخلت كظلي
ـــــ هاها سمعاً
وطاعة سيدي
**************************************************
هرول إلى عائشة يوقظها فرحاً:
ـــــ عائشة، استيقظي حبيبتي، استيقظي
اتسعت حدقتاها فرحاً:
ـــــ ها!! حبيبي. حمدالله على سلامتك. اشتقت إليك كثيراً
ــــ بل أنا من قتلني الشوق إليكِ .. عندي خبر لن تصدقيه
ــــ خيراً حبيبي؟
ــــ أسلمت أمي، أمي أسلمت
ــــ ماذا!! أمك أسلمت!! يا للبشرى هاها
ــــ اخفضي صوتك، اخفضي صوتك، فليكن كلامنا همساً زوجتي
الحبيبة، فنحن لسنا وحدنا في المنزل
ــــ حمداً لله، حمداً لله . حقاً لا أصدق هاها..ولكن لِمَ
لا أصدق وأنا أعلم أن
الله يهدي من يشاء! حمداً الله حبيبي .
ولكن هل كشفت لها عن شخصيتك ؟
ــــ لا
ـــ لِمَ حبيبي ؟
ــــ لا أعرف،
لا أعرف... هممت بإخبارها ولكن
شيئاً ما في نفسي قد منعني ... ربما الخوف عليها
ــــ وددت لو أخبرتها يا عبد الله . كم تقتلني الشفقة
عليها كأم فقدت ابنها.. وهذا الإحساس لم اشعر به الا عندما حملت في جنيني. أحب
ولدي ولم أره بعد . فما بال حبها هي لولدها الذي ربته طفلاً حتى صار رجلا وبعدها
حُرمت منه
ــــ بالله لا تعذبيني حبيبتي . والله قد خشيت عليها...
فربما لو عرفوا أنها تعرف مكاني أو أنها أسلمت بعد حديثي إليها لآذوها . لذا
فأخبرتها أن تكتم إسلامها عمن حولها
ــــ كان الله في عونها يا حبيبي
ــــ سأهاتفها يومياً للإطمئنان عليها إن شاء الله .
وكلما تيسر لي الأمر ذهبت إليها
ــــ إن شاء الله حبيبي آآآه، آآآه
ــــ مابكِ حبيبتي ؟؟؟؟؟؟ لا أتحمل أن أسمع تأوهاتك
ـــــ ههه إنه ولدك
فماذا افعل غير أن اتحمل .. لا عليك حبيبي، إنها أمور عادية تحدث مع الحمل
ــــ أتم الله حملك على خير حبيبتي ..متشوق، متشوق لأن
أضم ولدي
ــــ وهو متشوق أكثر لضمة أبيه الحانية ههه سلمت لنا يا
حبيبي
ــــ وسلمتِ يا حبيبتي وقرة عيني يا صاحبة الضوء ههه
ــــ كم أحب هذا اللقب ههه
ــــ أنا قد استأجرت لزينب الشقة التي في الطابق العلوي
كي تكون بحريتها، ونحيا بحريتنا أيضاً
ــــ خيراً ما فعلت حبيبي . كلما كنت في عملك سأجعلها
تمكث معي وقبل أن تعود بقليل سأجعلها تصعد إلى شقتها
ـــــ ههه أخيراً
سيعود إلينا الهدوء والراحة مرة أخرى. الحمدلله
ـــ ههه الحمدلله حبيبي
****************************************************
في صبيحة أحد
الأيام، أتى محمد لزيارة عبد الله في
مكتبه للاطمئنان على سير العمل:
ــــ طمئني يا أخي عبد الله كيف يسير العمل. هل هناك
مضايقات أو صعوبات تواجهك يا عبد الله ؟
ــــ والله أبداً يا أخي محمد . كل الأمور على ما يرام
بفضل الله . اطمئن . أرجو أن تطلع على هذه
البيانات التي وضعتها في ملف على الحاسب الآلي
ــــ هاها يا أخي ما جئت إلا لتناول قدحاً من القهوة معك
والإطمئنان عليك . دع الاطلاع الى المرة القادمة بالله
ــــ ههههه كما تريد ... ها هو قسط السيارة
ــــ يا اخي لِمَ التعجل !!!. دعها للشهر القادم
ــــ لا . الحمدلله العمل يسير بشكل جيد، وحمداً لله معي
قسط السيارة ،ومعي ما يكفيني ويزيد الحمدلله
ــــ هههه حمدالله يا أخي
ــــ إذن تفضل يا أخي، وجزاك الله عني خيرا
ــــ وجزاكِ يا عبد الله .... حدثتني زوجتي عن زينب التي
لجأت إليكم
تنهد عبد الله وهو يهز رأسه وقال:
ــــ ماذا أفعل لزوجتي التي تحكمها عاطفتها، ولا مجال
للعقل للحكم على بعض الأمور
ــــ هل أنت في
شك من أمر زينب ؟
ــــ مممم ليس هذا ما قصدت، ولكن كنت أود أن نحيا حياة
مغلقة أنا وزوجتي ولا نقحم أحد في حياتنا فيحدث ما لا يحمد عقباه
ــــ وكيف هي هذه المسلمة الجديدة ؟. كم عمرها ؟ فربما
لو وجدتها مناسبة أزوجها لأخي أحمد
ـــــ والله لا أعرف كم عمرها بالتحديد، ولكن ربما في أوائل العشرينات.
ـــــ سأخبر أحمد أن هناك مسلمة جديدة ونبغي تزويجها بزوج يتقي
الله فيها، فإن وافق أحضرته لخطبتها والزواج منها
ــــ أرجو من الله أن تكون مناسبة ... من جميل ما لاحظته
حرصها على قيام الليل. فهي توقظنا قبل الفجر بساعتين وهي تبكي على الخطايا والذنوب
ورافعة يديها إلى السماء ليغفر لها الله
ــــ ماشاء الله . وهل مثل هذه المرأة تُترك!!..سأبلغ أحمد
على الفور بأمرها وسأزوجه إياها إن شاء الله
*****************************************
اجتاح قلب عائشة السعادة، عندما أخبرها عبد الله بأمر
زينب وشقيق محمد:
ـــــ حقاً ما قلت يا عبد الله ؟ هل يبغي أحمد أخا محمد أن يتزوج بزينب؟
ــــ حقاً حبيبتي، وسوف يأتيا غداً فاخبريها
هزت عائشة رأسها بيقين وقالت ضاحكة:
ـــــ ستفرح، متأكدة أنها ستفرح كثيراً
**************************************************
هرعت عائشة لتخبرها، فوقفت في الردهة تناديها:
ــــ زينب، يا زينب، أين أنتِ يا زينب
أتتها مسرعة:
ـــ انا هنا سيدتي عائشة . أمرك
ــــ هاها أتيتك بالبشارة
أطرقت مغمغمة في دهشة:
ــــ بشارة !!... واي بشارة ستأتيني منكم!
رفعت رأسها وقد أفرجت عن ابتسامة باهتة وقالت:
ــــ أراكِ
متهللة الوجه سيدتي عائشة. خيراً
ــــ هاها وكيف لا يتهلل وجهي وقد أتيتك بخاطب! يبدو أنك
ستتزوجين قريباً إن شاء الله
شخص بصرها وردت باهتياج كالمصعوقة:
ــــ ها! ! لا،لا، أنا لا أتزوج لا
هاها ومالي أراكِ صُعقتِ هكذا!. مممممم أصدقيني القول يا
زينب.. ألا تحلمين بفارسك الذي سيخطفك على
فرسه الأبيض ويطير ويحلق بكِ في الأفاق ؟ هاها
ردت بازدراء:
ــــ ماهذه الأحاديث البلهاء. أنا لا أحلم بالرجال مطلقاً.
لا أريد فارس ولا أريد فرساً. فليذهب بفرسه بعيداً ويدعني وشأني
ـــــ ههه ..أعلم أنه حديث الخجل يا عروس. عندما ترين
فارسك وتنظرين إليه وتوافقين ومن ثم يتم العقد سيخفق له قلبك
ظلت تحدق في وجه عائشة بملامح واجمة وقلب مضطرب وقد
كاتمت نفسها حديثاً سالت معه عبراتها:
ــــ تبا لهذه المرأة!تريد طردي للأبد من الدير ...
الراهبة لا تتزوج ..لا أستطيع أن أفصح ..ماذا
أفعل كي أصرفهم عني
هال عائشة عبراتها، فربتت على كتفها بشفقة وقالت:
ـــ لِمَ البكاء يا زينب! هل قلبك معلق بأحدٍ من البشر
ولذا ترفضين الزواج من غيره ؟
ردت بنبرة متوسلة ونظرة رجاء من خلف العبرات:
ــــ قلبي لا يتعلق بأحد.. صدقيني سيدتي .. فقط أنا لا
أفكر في الزواج . أنا أريد أن أحيا لربي وفقط
ــــ يا زينب اسمعيني جيدا . الله لم يحرم علينا نعم
الحياة، بل خلقها ووضعها بين أيدينا لنتمتع بها ونحمده عليها.. ومن نعم الحياة يا
زينب أن يكون لكِ زوجاً صالحاً يكرمك ويحبك وتحبيه وترزقين منه بالذرية الصالحة
التي تعمر الكون بلا إله إلا الله . الحياة الزوجية التي يغلب عليها الطابع
الإسلامي وتطبيق شرع الله هي نعمة كبرى من نعم الله
شعرت الراهبة أن الخناق يضيق عليها، فراحت تتمتم باكية:
ــــ ماذا تقول هذه!! يبدو أنها قررت وزوجها أن يزوجاني
بالفعل ولن يتركاني
ازدردت ريقها وقالت:
ــــ أسألك سؤال سيدتي عائشة
ــــ تفضلي
ـــ هل المرأة المسلمة التي تقرر عدم الزواج وتعزف عنه
للأبد، هل تكن مخطئة ؟
ــــ يا زينب قال الرسول صل الله عليه وسلم لا رهبنة في الإسلام
....وأود أن أذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ....... زينب لِمَ
لا تقولين عليه الصلاة والسلام ؟
ـــــ من تقصدين ؟
ــــ أقصد الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام . عندما يقع
اسمه على مسامعك فيجب أن تقولي عليه الصلاة والسلام
ــــ .... أعلم ذلك جيداً. أخبرتك سيدتي أنني أقول دائماً ولكن
سراً
تنهدت عائشة وقالت:
ــــ فلنعد للحديث
بكت مانويلا وقالت:
ــــ سيدتي قوليها صراحة أنك لا تريديني في بيتك، لذا
فتودي التخلص مني بأقصى سرعة
ــــ والله يا زينب ما قصدت ذلك .كنت أعتقد أن الخبر
سيفرحك.. ولكن أنا مصرة أن ترين هذا
الخاطب، فربما يحدث بينكما نوع من الألفة وترتضيه زوجاً . هو سيأتي غداً ولن
تخسرين شيئا برؤيته
غادرت عائشة الردهة، فأسرعت مانويلا إلى غرفتها وهي تهمس
لنفسها بارتعاد:
ــــ أين هاتفي
لأخبر الأم صوفيا
أغلقت الباب وأمسكت بهاتفها وهاتفت صوفيا:
ــــ مرحباً
مانويلا، هاتي ما عندك
استغاثت بها باكية:
ــــ النجدة، أغيثوني،
المسلمون سيزوجوني
ــــ ماذا!!...ما الذي حدث؟
ردت بنشيج:
ـــ ابن أختك أحضر لي خاطب، وسيأتي غدا لرؤيتي .. سأهرب
الليلة وأعود إلى الدير قبل أن يمسسني رجل وأتدنس كالمتزوجات .. سأعود الليلة،
انتظريني الأم صوفيا
حذرتها بغلظة:
ـــ إياك، إياكِ أن تفعلي ذلك. أمكثِ بينهم
ــــ أقول لك سيزوجوني
ــــ أعلم أن شرط الرهبنة هو العذرية، ولكن لا تخشين
شيئا . قابلي خاطبهم وارفضيه وتعللي بعدها بأي أمر
ردت مانويلا بنشيج:
ــــ أخاف ألا أجد أمراً أتعلل به، واُزف إليه وأعود إلى
الدير ومعي عدة اطفال
قهقهت صوفيا وقالت:
ــــومن قال وقتها أننا سندخلك الدير بأطفالك أيتها المجنونة ههه لا تسكن الدير غير الفتاة العذراء
ههه
ــــ أتضحكين أيتها
الأم صوفيا !!.. أصبحت أخاف من بقائي هنا
ــــ أخبرتك ألا تخشي شيئا . حتى وإن تمت الخطبة بيدك تأجيل الزواج إلى أجل غير مسمى .
لا أريد أن يشك في أمرك أحد . تصرفي وكأنك منهم واظهري فرحك وسرورك بالخاطب . أؤكد
عليكِ ألا تثيري الشك في تصرفاتك حتى تنجح
مهمتنا وتحين اللحظة الحاسمة
ردت باكية:
ـــــ ... أمرك الأم صوفيا .. أمرك
أغلقت مانويلا الهاتف متضجرة..زفرت أنفاسها وأخذت تمسح
وجهها باضطراب..ثم طرأ أمر على بالها فقالت:
ــــ سأهاتف الآب دانيال لأرى ما رأيه فيما أمرتني به
الأم صوفيا . ربما يكن له رأي آخر ..مالي أنا ومال هذه الحياة الغريبة . يقشعر
بدني كلما تذكرت كلمة زواج
رد دانيال على الهاتف:
ــــ مرحبا مانويلا . ها.. كيف حال الكافر كيفن خائن يسوع عليه لعنات الرب ؟
ردت بحنق ناشجة:
ــــ يا آبانا دعك من خيانته ليسوع الآن وانظر ماذا هو
فاعلُ بي هو وزوجته
ــــ ها!... ما الذي حدث ؟
ــــ إنهم يريدون تزويجي
هاج هائج القس:
ـــ تزويجك !! ماهذا الهراء!! الراهبة لا تتزوج
ــــ وهل أخبرهم أنني راهبة كي يمزوقوني إرباً إرباً يا
آبانا؟
ـــ تباً لهم، تباً. سأهاتف صوفيا لأنظر ما رأيها
ــــ يا آبانا قد هاتفتها منذ قليل وأخبرتها بالأمر
ــــ وماذا قالت صوفيا ؟
ـــــ قالت لي أن أوافق، ولكن أؤجل الزواج إلى أن تحين اللحظة الحاسمة للإنتقام، وأعود إلى الدير عذراء كما أنا
ــــ نعم الرأي رأي صوفيا . إذن فلتوافقين على الأمر ولا
تخشي شيئا . ستعودين إلى الدير في أقل من أربعة أشهر
رجته مانويلا:
ــــ لا تتركوني لهم يا آبانا
ـــــ هم لن يعيشوا طويلا فلا تخافي ههه
ــــ يستحقون الإنتقام وأكثر يا آبانا . قلبي ممتلئ بغضاً تجاههم، ولا أطيق
حتى النظر إلى وجوههم
ــــ هاها كلما سمعت منكِ ذلك أشعر أن صوفيا أحسنت الإختيار. باركك الرب مانويلا الصالحة
ــــ اشكرك آبانا .... صلي من أجلي . اشتقت إلى حياتي في
الدير واشتقت إلى مادلين
ــــ سأصلي من أجلك ... أعلم ان مادلين أيضاً مقربة إلى صوفيا
ـــ مقربة منها أكثر مني، ولكنها لم تخترها لأنها لا
تستطيع الإستغناء عنها يوما في الدير
ــــ بارككم الرب جميعاً ... لا تجاسي الطبيبة كثيراً .
فالمسلمون يتمتعون بحلو الحديث لاستمالة القلوب إليهم
ــــ لا تخشى شيئا يا آبانا . بغضي لهم أصم آذاني عن
سماع أحاديثهم . كلما تحدثت لا أسمعها وأظل أرنم في سري وأطلب العفو من يسوع
ــــ هكذا يا مانويلا تكون المسيحية الصالحة... اذهبي
الآن وهاتفيني كلما جد جديد بالأمر
ـــــ سأفعل يا آبانا
*************************************
في غرفتهما قال عبد الله لعائشة:
ـــــ إذن فالآن يا عائشة أهاتف محمد وأخبره بأن يأتي وشقيقه
غداً بمشيئة الله ليرى زينب
ــــ أرجو من الله أن يألف بين قلبيهما ويصبحا زوجين
قريباً إن شاء الله
ــــ إن شاء الله حبيبتي .
رد محمد على الهاتف مستبشراً:
ــــ السلام عليكم يا عبد الله ههه لابد وأن هناك خبراً
عن العروس
ــــ ههه وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . يمكنك أن
تأتي أنت وشقيقك غداً للرؤية الشرعية
ــــ أخبرته بأمر العروس، وهو في انتظار مهاتفتي له ليستعد
هو وأمي
ــــ على بركة الله إن شاء الله . في انتظاركم بعد صلاة
العشاء غداً بمشيئة الله
ــــ هههه اشعر وكأنك والد لعروس يا عبد الله
ـــــ بل جدها يا رجل هههه
ـــــ ههههه بارك الله في عمرك يا عبد الله . سنكون
عندكم في الموعد المتفق عليه إن شاء الله
وضع محمد الهاتف جانباً، فتنهدت حفصة وقالت:
ــــ مُحمد حبيبي
ـــــ ما الأمر حفصة حبيبتي
ــــ أما زلت مصراً على تزويج أخيك من هذه المرأة بعد أن
صارحتك بشعوري منذ أن رأيتها ؟
قهقه محمد وقال:
ــــ وهل سيمشي الرجال وراء مشاعر النساء! .. حبيبتي
ربما هي أجمل منك بعض الشيء، وهذا سبب ما تجديه في نفسك تجاهها هههه
ثارت ثائرتها:
ــــ أهكذا يا محمد!! أنت لم تحول الأمر إلى سخرية فحسب، بل إلى استفزاز
ــــ ههه حبيبتي رفقا بنفسك . فقط أمازحك . مشاعر الغيرة
لدى النساء أمرٌ اعتاد عليه الرجال ولا يمكنهم تغييرها
هزت رأسها متأففة وحاولت أن توضح عله يدرك مقصدها:
ــــ والله الأمر ليس غيرة، افهمني بالله . لِمَ لا تفهمني!!
أقصد أن هناك شيء ما غامض وراء هذه المرأة
رد مازحاً:
ــــ لا عليكِ
حبيبتي . عندما يتزوجها أخي سيكشف لنا هذا الغموض ههه.
زفرت بحنق وقالت:
ــــ أنتم وشأنكم
ــــ ألن تأتي معنا غداً؟
ــــ لا
ــــ أنتِ وشأنك حبيبتي ههه
*********************************
دقت عائشة باب غرفة مانويلا التي دعتها منذ الصباح للاستعداد
للقاء الخاطب في شقتها بالدور السفلي:
ـــــ هيا أيها العروس الرقيقة لتساعديني في إعداد الكعك
قبل أن يصل الأضياف
ــــ أوف . مالها سعيدة هذه المرأة وكأنها هي من ستُخطب
الليلة!
ــــ هيا يا عروس
ــــ قادمة سيدتي، قادمة
**************************************************
تبعتها إلى المطبخ وألقت السلام متجهمة:
ــــ السلام عليكم سيدتي
ــــ وعليكم السلام حبيبتي زينب . لا تقولي سيدتي، فأنا أختك
ــــ ممممم ماذا أقول إذن ؟
ــــ قولي عائشة
ـــــ حسناً يا عائشة . اذهبِ أنتِ لتستريحي وأنا سأعد الكعك
ــــ هاها يبدو أنك طباخة ماهرة
ــــ بالفعل . اعتدت على المهارة في إتقان كل اعمالي
ــــ ههه حسنا أيتها العروس . اتركك أنا . فبالفعل والله
اشعر بآلام في ظهري آآآه
ــــ أوف! . خرجت الأفعى من المطبخ . أين هو البيض
والدقيق أوف! . تتأوه من آلام الحمل وغداً ستصرخ من آلام الذبح هاها ها هو البيض والسمن والدقيق، أين اللبن إذن
ممممم هاهو
*************************************
رحبت عائشة بوالدة محمد:
ـــــ مرحبا خالتي الزهراء، مرحباً
ــــــ بارك الله فيكِ حبيبتي عائشة . مبارك الحمل
حبيبتي قد اخبرتني حفصة وسعدت جدا
ـــــ بارك الله فيكِ خالتي . دعواتك الصالحة لي ولزوجي
ولجنيني ان يُولد سليما معافى ويكون نبتا
صالحا طيبا
ــــ سأدعو لكِ في صلاتي يا حبيبتي . فكم أحببتك في الله والله منذ رأيتك يا عائشة يا ابنتي
ــــ أحبك الذي احببتني فيه يا خالتي . اخبريني هل أسلم
زوجك ؟
ــــ هاها بالطبع . فقد أخبرته إنه إن لم يُسلم فسأفارقه
للأبد لأنني مسلمة موحدة وهو مشرك بالله
ولا يجوز بقائي معه
ــــ الحمدلله يا خالتي . خبر سار جداً . فهل هو يصلي
الآن ؟
ــــ ههه اصبح يمكث في المسجد اكثر مما يمكث في المنزل والعمل هههه بفضل الله وجد
الصحبة الطيبة التي رسخت إيمانه
ــــ الحمدلله . مسرورة جدا لذلك
ـــــ بارك الله فيكِ حبيبتي
ـــــ كم أود أن أعرفك بأمي عندما تأتي لزيارتي
ــــ عندما تأتي أمك أخبريني كي آتي للترحيب بها
ــــ سأفعل رغم أنها لا تمكث كثيرا
ـــــ ستمكث كثيراً حينما أتعرف إليها هاها... أين
العروس ؟
ـــــ سأحضرها حالاً بعد أن تذهب للرؤية الشرعية ويراها العريس ههه أستأذنك لحظات وأعود
ــــ تفضلي حبيبتي
**************************************************
في غرفة
الأضياف، جلس عبد الله يرحب بالخاطب:
ـــــ مرحبا يا أحمد
ـــــ بارك الله
فيك يا عبد الله ممم أين العروس
قال محمد ضاحكاً:
ـــــ أحضروا العروس كي يراها يا عبد الله . فأخي متشوق
لرؤيتها
ــــ هاها أستأذنكما في إخبار زوجتي
ــــ تفضل
**************************************************
دقت
عائشة باب غرفة مانويلا تتعجلها:
ــــ هيا يا زينب الخاطب يود أن يراكِ
ـــــ أوف! حسنا قادمة
خرجت وقد وضعت حجاب كحجاب الراهبات، فضحكت عائشة وقالت:
ــــ انتظري لحظة. مالك تضعين الإيشارب كالراهبات هكذا؟ هههه
اتسعت حدقتاها وقالت في سريرتها:
ــــ راهبات!!.. . من أخبرها !!!!!!
قالت بتعلثم:
ــــ آآآآ حسنا
سأغلق الإيشارب بهذا الدبوس
ــــ ههه دعيني أغلقه لكِ هكذا. هيا ادخلي وانظري إلى خاطبك
ترددت في الدخول ونشجت قائلة:
ــــ أريد أن أعود من حيث أتيت
ــــ هاها كم هو جميل الخجل . تفضلي في هذه الغرفة وسآتيكِ
بعد قليل
ـــــ انتظري، انتظري، وهل سنكون بمفردنا أنا وهو ؟ اهئ
اهئ أنا خائفة
ــــ هاها لن نترككما بمفردكما ولن تطيلي المكوث بالداخل
. فقط اجلسي وانظري اليه ودعيه ينظر إليكِ
ردت بنشيج:
ــــ أنكون بذلك قد تزوجنا ؟
ــــ ههه لا، ليس الأمر هكذا . إنها رؤية شرعية فقط
وبعدها نتفق على موعد العقد والدخول
غمغمت ناشجة:
ــــ دخول ! أي دخول ! ما هذا الكلام العجيب!! اهئ اهئ
اين أنتِ أيتها الأم صوفيا
ـــــ ههه ماذا تقولين بصوت خافت يا زينب! . قولي السلام
عليكم وادخلي وانظري إلى الخاطب
**************************************************
دلفت إلى الغرفة وألقت السلام بوجه متربد:
ـــــ السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
همس عبد الله لمحمد:
ــــ سل أخيك ما رأيه يا محمد
ــــ حسنا يا
عبد الله
همس لأخيه:
ــــ ما رأيك يا أحمد ؟
ــــ شكلها لطيف.. ولكن أريد أن أسألها بعض الأسئلة
ــــ أخي يريد
أن يسألك بعض الأسئلة يا زينب
ــــ اسئلة ! ممممم فليتفضل
ــــ هه ما اسمك؟
ــــ ألم يخبرك أخيك باسمي يا هذا ؟
ـــــ ممم زينب،
أليس كذلك ؟
ــــ هو كذلك
ـــــ ما عمرك يا زينب؟
ـــــ عشرون عاما
ــــ انا عمري ثلاثة وعشرين عاما
ــــ لم أسألك عن عمرك يا هذا
ـــــ هاها اسمي احمد
ــــ ولم اسألك عن اسمك أيضاً
ــــــ وكيف ستتزوجيني دون أن تعرفين اسمي ههه!!
ــــ إن جاء هذا اليوم سأسألك
ـــــ هههه. ما الذي جعلك تدخلين في الإسلام ؟
ــــ ممم دين جميل
ـــــ هذه ليست إجابة يا زينب
زفرت زينب متضجرة، فهمس له أخيه:
ـــــ أحمد، لا ترهقها بأسئلة يمكنك تأجيلها.
ـــــ أريد أن أتعرف على فكرها يا محمد
ــــ ليس الآن. ما رأيك فيها ؟
ـــــ ههه عن نفسي موافق. ما رأيك أيتها العروس؟ أنا أتقدم الآن لخطبتك. تخرجت في الجامعة العام الماضي وأعمل
الآن مع والدي في تجارة السيارات. هل
توافقين على الخطبة ؟
ــــ أوافق ... استأذنكم في الإنصراف
غادرت الغرفة، فضحك أحمد وقال:
ــــــ خجولة جداً زينب هذه يا عبد الله
ـــــ الحياء والخجل أجمل سمات المرأة يا أحمد
**************************************************
عمدت مانويلا إلى باب المنزل لتغادره وتصعد إلى شقتها في
الطابق العلوي، كانت تتمتم بتأفف:
ــــ أذهب الى شقتي وأستريح أوف!
اعترضتها عائشة في الردهة:
ــــ هاها ما رأيك يا زينب في أحمد .؟ هل نظرتِ اليه
ووافقتِ ؟
ــــ نظرت ووافقت. تريدون أي شيء آخر ؟
هاها مبارك مقدما . إلى أين يا زينب! والدة العريس في انتظارك
ــــ والدة العريس ! وما الذي أتى بها ؟
ــــ جاءت لتنظر إلى عروس ولدها هههه
ــــ أعندما يتزوج الرجل لابد من موافقة أمه ؟ عذراً
فأنا أجهل هذه الأمور؟
ـــــ هههه يضحكني كلامك جداً ممممم الرجل لا يشترط
موافقة امه بالطبع فهو من سيتزوج والاختيار هو وحده المسؤول عنه ولكن من الأفضل ان
يأخذ موافقة امه حتى تكن راضية عن زوجة ولدها . ولكن إذا تعسفت الأم ورفضت دونما
مبرر ولا عيب على دين أو خُلق فللرجل أن يتزوج ولكن يبر امه ولا يقطعها ابدا
ــــ ممم وهذا بالنسبة للمرأة أيضاً ؟ أقصد هل إذا رفض
والدها أو والدتها الخاطب يمكنها الزواج
به ؟
ـــــ لا،لا، الأمر هنا يختلف يا زينب. لا تُنكح المرأة إلا بموافقة وليها ولا يتم الزواج إلا
بحضور الولي. من تتزوج بدون وليها فزواجها باطل
ــــ ممممممم إذن فأنا سيكون زواجي باطل لأنه لا ولي لي
ــــ لا . الأمر في حالتك يختلف لانك تركتي الدين الذي كنتِ عليه ولم يعد لك أولياء غير
المسلمين . فليكن وليك أو وكيلك شخص موثوق به من المسلمين
ــــ ممممم هاها لن احتاج بالطبع
ــــ ماذا !
ــــ أأأأأ أقصد ان الزواج لم يقترب بعد وهذا الأمر لن
افكر فيه الآن . هيا لنذهب لأم السيد الخاطب ههه
ــــ ههه تفضلي حبيبتي
**************************************************
دلفت زينب، تتبعها عائشة، فهمست في أذنها:
ــــ قولي السلام عليكم يا زينب
ــــ السلام عليكم يا زينب. ييي أقصد السلام عليكم يا
والدة الخاطب. عذراً فأنا مرتبكة بعض الشيء
غادرت عائشة الغرفة وبقت وحدها ووالدة الخاطب، التي ردت
السلام باسمة:
ـــــ هاها وعليكم السلام حبيبتي مرحبا بكِ يا زينب .
ادخلي يا حبيبتي وتعالي لتجلسي بجانبي
ــــ لماذا ؟
ــــ لأستأنس بكِ يا عروس ولدي
ــــ مممممم هأنذا
جلست إلى جوار والدة محمد وطبعت ابتسامة باهتة على
محياها.. أخرجت والدة محمد سلسلة ذهبية من حقيبتها وقالت:
ــــ أتيت إليكِ بسلسلة جميلة هاها سألبسها لكِ بنفسي .
فقط سأخلع هذه السلسلة التي ترتدينها وطوتها ملابسك ولم تظهريها
همت والدة محمد أن تخلع عن جيدها سلسلتها القديمة، فبدى
الفزع على وجه مانويلا وحاولت منعها:
ــــ ها! لا،لا
ــــ هاها لا داعي للخجل فأنا مثل أمك ممممممم هذا!! الصليب
يتدلى من السلسلة التي في رقبتك !!
تلعثمت مانويلا وبكت باضطراب:
ــــ آآآآ يا إلهي، آسفة جداً، نسيت أن انزع الصليب من سلسلتي، عذراً
عادت عائشة تحمل الكعك:
ـــــ السلام
عليكم، أتيتكما بالكعك الذي أعدته زينب ههه
لحظت عائشة انزواء زينب وعبراتها التي تسيل، ووجه والدة
الخاطب المتجهم، فابتئس وجهها وسألت:
ـــــ ماهذا ! هل حدث شيئ أبكى زينب يا خالتي الزهراء ؟
تنهدت وقالت:
ــــــ وددت ان
ألبسها سلسلة أتيتها بها، فحاولت خلع السلسلة التي تلبسها أولاً، فحاولت منعي، ومع
إصراري تركتني فإذ بسلسلة يتدلى منها الصليب . فلم تشرح لي الأمر وجلست تبكي كما
ترين
ـــــ ..... ربما نسيت نزع الصليب من السلسلة
ردت والدة محمد بحنق:
ــــ كيف نسيت يا عائشة ! ألم تلحظه ابدا كلما همت باستبدال ملابسها منذ أسلمت ؟
عفواً لا أفهم شيئا . يبدو أنها ما زالت متعلقة بالصليب
نظرت عائشة إلى مانويلا وقالت بلطف:
ــــ من فضلك وضحي لنا الأمر يا زينب . أنا ايضا أريد أن
أفهم كأمي الزهراء
نشجت مانويلا قائلة:
ــــ حسناً .. يبدو أن أمري قد فُضح ولن أستطيع أن أكتم هذا السر أكثر من ذلك ..سأعترف بالحقيقة
ولكن سامحوني وسأعود من حيث أتيت .... هذه السلسلة أحبها جداً ولن أستطيع أن أخلعها عن رقبتي أبداً
ــــ لا نفهم شيئا يا ابنتي . هذه سلسلة يتدلى منها
الصليب وأنتِ الآن أسلمتِ حسبما تقولين ، فما سر احتفاظك بالصليب إذن ؟
أطرقت رأسها تصيغ أكذوبة منمقة علها تنطلي عليهما..ثم
رفعت رأسها تقول:
ـــــ سأقص عليكم قصة السلسلة والصليب:
ضاقت السيدة بها ذرعاً فقالت:
ــــ أوف! ونحن في انتظار القصص أيتها الراوية. تفضلي
ــــ كانت أمي
مريضة جداً وفي أيامها الأخيرة نادت عليّ وهي على فراش الموت وقالت لي اقتربي
يا ابنتي اهئ اهئ اقتربت منها وانا ابكي اهئ اهئ
فخلعت السلسلة المتدلي منها الصليب هذه اهئ اهئ علقتها برقبتي وهي تبكي
وتقول كلما نظرتي الى هذا الصليب تذكريني يا حبيبتي اهئ اهئ أمي ماتت اهئ اهئ ماتت
اهئ اهئئئئئئئئ لم يعد لي غير هذه السلسلة المتدلي منها الصليب كذكرى من أمي اهئ اهئ
أمي حبيبتي، يا أمي اهئ اهئ يا من تركتني وحدي يا أمي اهئ اهئ
تأثرت بها عائشة وبكت لحالها المرثي واحتضنتها وقالت:
ـــــ كفاكِ يا زينب . كفاكِ يا حبيبتي، مزقتِ قلبي ,.,آسفة
يا أختي أن ظننت بكِ سوءاً . رحم الله أمك
..سامحيني يا اختي
ــــ لا عليكِ ههه
كانت والدة محمد تحدج مانويلا بنظرات حادة، فغمغمت:
ـــــ لِمَ تنظر اليّ والدة العريس نظرة حادة هكذا ممم
لا شأن لي بها. أهم شيء أن عائشة صدقت بل وبكت أيضاً ههه
قامت مانويلا عن مقعدها وقالت متباكية:
ـــــ أتريدون
شيء آخر اهئ اهئ أريد أن أصعد إلى شقتي للصلاة والبكاء على الخطايا اهئ اهئ
استدارت وهمت بالمغادرة، فنادتها السيدة باحتداد:
ــــ انتظري
ــــ ها !!!! أأأأ أهناك شيء سيدتي والدة الخاطب ؟
ــــ من أي مدن ألمانيا أهلك ؟
ـــــ انا من..، من..، من فرانكفورت، وقد مات كل أهلي
ـــــ للأسف لا أعلم أيّ من معارفي في فرانكفورت
ــــ هاها هذا افضل
ــــ ماذا !
ــــ أقصد لا تشغلي بالك سيدتي بأشياء لا طائل من ورائها . لماذا تهتمون بأهلي !!. اهتموا فقط بإيماني الذي يملأ قلبي هاها
ــــ لا تلبسي هذه السلسلة المتدلي منها الصليب مرة أخرى
. إنها تعبر عن عقيدة غير عقيدة المسلمين
ــــ سيدتي الإيمان بالقلب فما شأن المظهر!!
ازدادت شكوك السيدة، فسددت إليها نظرات ريبة وقالت:
ــــ ممم هذه كلمات من لا يؤمن بالله رباً وبالإسلام
دينا وبمحمدٍ عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولا ..الإسلام اشترط المظهر الدال عليه
وأمر المؤمنات بالحجاب والإمتثال لإوامره سبحانه . ألستِ مؤمنة بالإسلام ؟
ـــ بلى، بلى، مؤمنة، مؤمنة بقلبي وعقلي وروحي
ــــ وهل يجوز لمسلمة ان تعلق الصليب في رقبتها وتقول
انه ذكرى من امي ؟
تباكت مانويلا وألقت معاذيرها:
اهئ اهئ آسفة سيدتي والدة الخاطب اهئ اهئ يبدو أنني مخطئة جداً، ولكن لم أفكر بالأمر بهذه الطريقة اهئ
اهئ انا فقط علقته كذكرى من أمي وليس إيمانا بعقيدة المسيحيين اهئ اهئ
ــــ إذن فلتكوني مؤمنة بحق قلباً وقالباً، واخلعي هذا
الصليب، وإن كنتِ صادقة أكثر لتخلصتي منه . وليكن ولائك لله وليس لذكرى أمك
ـــــ اهئ اهئ ها هو الصليب سأتخلى عنه للأبد اهئ اهئئئئئئئئئ
فقط ارجوكم سامحوني اهئ اهئ
تنهدت السيدة وأومأت برأسها وانتقلت إلى حديث آخر:
ــــ ما رأيك في ولدي أحمد ؟
ـــ عذراً لا افهم
ــــ هل قبلتِ خطبته لكِ ؟
ــــ أجل قبلت
ــــ حسناً . سنتفق بهذا الشأن وتزفين إليه قريباً
ــــ أزف إليه !!... لا،لا.. ليس الآن، ليس الآن . أمهلوني
وقتاً، أمهلوني
ــــ كم من الوقت تريدين
ــــ ليس أقل من اربعة اشهر
غضنت السيدة حاجبيها وسألت بدهشة:
ــــ ولِمَ يا ابنتي
أربعة اشهر بالتحديد ؟
ــــ أأأأأأ أنا أتعلم القرآن، وقالت لي المعلمة سأتقنه
بعد أربعة اشهر، ولا أريد أن أتزوج واُشغل عن القرآن
ـــــ ممممم أنتِ وشأنك
ــــ أي أسئلة أخرى سيدتي ؟
ـــ لا
أسرت مانويلا إلى نفسها حديثاً:
ــــ مالها هذه المرأة ! اشعر وانها قد شكت في امري ، تباً
لها أوف!
أستأذنت مانويلا من السيدة ببتسامة باردة:
ــــ أيمكنني أن
انصرف الآن ؟
ــــ تفضلي
ــــ اتريدين شيء يا عائشة
قبل ان اصعد الى شقتي ؟
ـــ هه لا . اشكرك زينب حبيبتي، بارك الله فيكِ
ــــ السلام عليكم
ـــ وعليكم السلام
غادرت مانويلا، فلمحت عائشة تلك الكآبة على وجه السيدة،
فسألتها:
ــــ مابكِ يا خالتي
الزهراء ؟
ـــــ .... لا أعلم . هناك شيء بداخلي يجعلني أكذب هذه
الفتاة ... هناك شيء غامض ورائها
ــــ ههه أنا لا
أعلم لِمَ كل ذلك يا خالتي ؟ آلأنها هي من
لجأت إلينا ؟ هي لم تلجأ إلينا إلا عندما علمت أننا سنقف إلى
جوارها كمسلمة جديدة. لِمَ الشك في كل كلمة تنطق بها ؟ أرى أن كلامها منطقي جداً
بأمر السلسلة
ردت السيدة والشكوك تفتك بقلبها:
ــــ يعلم الله يا بنيتي . ممم نسيت أن أسألها عن أمر ما . فهل يمكنني أن أصعد إلى شقتها ؟
ــــ هههه بالطبع يمكنك ذلك . سأهاتفها وأخبرها
ــــ لالا . سأصعد دون أن تخبريها
ــــ لِمَ يا خالتي ؟
قامت السيدة عن مقعدها وقالت:
ــــ دعي خالتك لعقلها المحدود يقودها ولا تشغلي بالك يا ابنتي
ــــ عفواً، بل عقلك راجح يا خالتي .
ـــ بارك الله فيكِ حبيبتي ههه . اتركك الآن وأصعد إليها
ــــ تفضلي
********************************
أمسكت مانويلا بالهاتف، وقالت لنفسها متضجرة:
ـــ أوف! أهاتف الأم صوفيا لأخبرها بهذا الأمر الغريب
ردت صوفيا من فورها:
ــــ مرحبا مانويلا . كيف هي الأمور عندك؟
ـــ أوف! سيئة، سيئة.
كنت على وشك أن ينكشف أمري
ــــ ماذا !!.. ما الذي حدث ؟
ـــ أوف! والدة الخاطب هذه أتت وتحمل معها سلسلة كهدية، وأصرت أن
تعلقها برقبتي بنفسها،فنزعت الايشارب ووجدت سلسلة أخرى برقبتي فسحبتها من بين طيات
ملابسي فإذ بها سلسلتي المتدلي منها الصليب
شخص بصر صوفيا وسألتها فزعة:
ــــ وماذا حدث بعد ذلك ؟
ــــ حاولت تلفيق قصة بشأن السلسلة وأنها هدية من أمي
وهي على فراش الموت، لذا فأنا أعتز بالسلسلة
ــــ وهل صدقوا !؟
ــــ عائشة صدقت وبكت، ولكن والدة العريس ظلت ترشقني
بنظرات حادة من فرط تكذيبها
زفرت صوفيا بحنق شديد، ودمدمت سباباً:
ـــ وأنتِ أيتها الغبية، لِمَ لم تتركي السلسلة في الدير
قبل أن تفارقيه ؟؟؟
بكت مانويلا بأسى، وأخذت تهدأ ثورة الراهبة الكبيرة:
ــــ إهدئي أمي صوفيا،
أنتِ تعلمين حقا أنني لا أستطيع أن أحيا
بغير الصليب المتدلي على صدري هذا .أتلوموني على حبي للصليب ؟ أنا لم يخطر ببالي أن
ينزعوا عني إيشاربي ويسحبون سلسلتي من بين طيات ملابسي. ظننت أن لن يراها أحدٌ أبداً
ــــ مممممممم موقف غير متوقع على الإطلاق ولكن
............
قطع حديثهما رنين أجراس المنزل، فسألتها صوفيا:
ــــ ما هذا الصوت يا مانويلا ؟
ــــ أمر غريب! إنه جرس الباب. قلت لهم أني سأصعد للصلاة،
ولم يعتد أحد أن يصعد خلفي قبل ذلك . عذراً
الأم صوفيا على قطع حديثك . سأغلق الهاتف
لأرى من بالباب
ــــ طمئنيني على الفور بكل جديد ... يبدو أني أسأت
الاختيار وستنكشفين قريباً بسبب وفائك
للصليب
ــــ صلي من أجلي الأم صوفيا .
ــــ حفظك الرب مانويلا. أتركك الآن
وضعت مانويلا الهاتف واتجهت مسرعة إلى عباءة الصلاة
ترتديها، فقرعت الأجراس مرات متتالية، فقالت بصوت عال
ــــ قادمة، قادمة... من بالباب؟
ــــ الزهراء
ــــ من !! ما الذي جعلها تصعد خلفي هذه المرأة !! بدأت
أن أخاف حقاً
فتحت الباب وقد افرجت عن ابتسامة مصطنعة:
ـــــ مرحبا سيدتي
ــــ السلام عليكِ
ـــــ وعليكِ السلام تفضلي بالدخول
ــــ يئست من أن تفتحي الباب . ظننتك قد استغرقتِ في
النوم
ــــ هه بل استغرقت في الصلاة كما ترين فأنا أرتدي عباءة
الصلاة
ــــ اللهم قو إيمانك يا زينب
ــــ ايماني قوي جداً هاها تفضلي ها هنا سيدتي
ــــ ممممم أيمكنني ان ادخل الى غرفتك
بدا الفزع على ملامح مانويلا وقالت باضطراب:
ـــــ ماذا !!... لِمَ ؟؟
ــــ هه ولِمَ فُزعتِ هكذا!.. أهناك شيء ترغبين في إخفائه
؟
تلعثمت وهزت رأسها منكرة:
ـــــ آآآانا !! لالالا . إطلاقاً . ولكن لا افهم لِمَ
تريدين دخول غرفتي ؟
ــــ ههه أود أن أرى كيف ترتبين أغراضك يا عروس ولدي ..
أعرف المرأة المرتبة من ترتيبها لغرفتها وأغراضها
ــــ اطمئني سيدتي.. أنا مرتبة جداً، وأعشق النظام
أبدت السيدة إصرارها:
ــــ لن أصدق قبل أن أرى بنفسي
أطرقت مانويلا وزفرت أنفاسها حانقة، فضحكت السيدة وقالت:
ــــ لا تضيقين بي ذرعاً أيتها العروس . فأنا مثل أمك رحمها
الله. هكذا فعلت مع حفصة أيضاً
ــــ ممم يبدو أنك لن تهدئي إلا عندما تدخلين غرفتي، إذن
فلا بأس، تفضلي
تبعتها
السيدة إلى الغرفة، ظل بصرها يدور في أرجائها بتمعن..فقالت منويلا:
ـــــ مارأيك في غرفتي؟ . مرتبة. أليست كذلك ؟
ــــ بالطبع مرتبة، ومنظمة جداً..افتحي خزانة الملابس
هذه
ــــ .... خزانة الملابس!!....حسناً، سأفتحها
فتحت خزانة الملابس، وقالت بابتسامة فاترة:
ـــــ مارأيك سيدتي في ترتيبي لملابسي ؟
ــــ مممممم رائع بحق
ــــ أرى عينيكِ تدوران في المكان وكأنك تبحثين عن شيء
ما
قالت السيدة بملامح جامدة:
ــــ لا. فقط أعجبتني غرفتك ونظامك وأبدي إعجابي بمهارتك
في الإخفاء
ارتبكت مانويلا وقالت:
ــــ إخفاء!!.. عن أي اخفاء تتحدثين ؟
ــــ هه إخفاء مشاعر غيظك من صنيعي ... لا عليكِ ...
اتركك الآن فقد تأخرت جداً
تنفست مانويلا الصعداء وقالت باسمة بارتياح:
ـــــ امكثي قليلاً لتحتسي فنجاناً من القهوة سيدتي
والدة الخاطب
ـــ أشكرك . لنا لقاءات أخرى يا زينب . أعطني رقم هاتفك
حتى يتسنى لي الاطمئنان عليكِ، فقد أصبحتِ ابنة لي
ــــ ممم حسناً،
سأكتبه لكِ
كتبت رقم هاتفها على قصاصة ورق، وأعطتها إياها:
ــــ ها هو الرقم
ــــ شكراً يا زينب . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام سيدتي
غادرت السيدة المنزل، فأغلقت مانويلا الباب وزفرت بعدما
تخلصت من هم السيدة الذي جثم على صدرها:
******************************
عادت السيدة إلى عائشة، فرحبت بها:
ــــ مرحبا امي الزهراء . هل سألتِ زينب عما كنتِ تريدين
؟
ــــ هاها بكل صراحة صعدت خلفها لأرى إذا كانت تخفي أشياء
أخرى خاصة بالنصارى كالأيقونات أو الصور فلم أجد شيء
ــــ هههه حمدالله . أعتقد أنك تيقنتِ أنها مظلومة ولا
تستحق كل هذه الشكوك في أمرها
ــــ نتمنى يا ابنتي. فقط كوني على حذر. وأحمد الله أنها
هي من طلبت تأجيل الزواج حتى نستوثق من أمرها أكثر
ــــ إنها مسكينة يا أمي، فافتحي لها قلبك ولا تغلقيه في
وجهها
ـــ لا أغلق قلبي في وجه أحد يا بنيتي . نسأل الله أن
يبصرنا بالأمور
ــــ اللهم آمين يا امي
سمعت عائشة صوت عبد الله يناديها:
ــــ عائشة
ــــ إنه عبد الله يناديني . أستأذنك يا خالتي
ــــ تفضلي يا حبيبتي
**************************************************
هرعت عائشة إلى زوجها تسأله:
ــــ ما الأمر حبيبي
ــــ هههه طال مكوث الأضياف عندنا وحرموني منكِ حبيبتي وزاد الشوق إليكِ يا مهجة قلبي
ـــــ ههه والله أنا من اشتقت اليك أكثر يا قرة عيني.. ولكن ألهذا السبب جئت حبيبي ؟
ــــ أجل، جئت لأراكِ وأطلب منكِ أن تبلغي أمي الزهراء أن
محمد واحمد سبقاها إلى السيارة
ــــ ولِمَ لم يدق احدهم على هاتفها ؟
ــــ هاتفها مغلق على ما اعتقد أو ربما توجد صعوبة في الاتصال
ــــ سأبلغها حبيبي
***************************************
كان محمد وأخيه ينتظران أمهما في السيارة، ما أن رآها
محمد حتى تعجلها:
ـــــ هيا يا أمي اركبي حتى ينطلق بنا احمد. فقد تأخرت
على حفصة كثيراً
ـــــ هاها تباً للأشواق يا ولدي
ــــ ههه هيا يا أمي، هيا . سمي الله وانطلق بالسيارة يا
أحمد
ــــ بسم الله توكلت على الله ، لم تخبريني يا أمي
ما رأيك في زينب مخطوبتي ؟
ــــ الأهم من
رأيي هو رأيك يا أحمد
قهقه محمد وقال لأخيه:
ــــ رمت أمك الكرة في ملعبك، حتى وإن ظهر ما يسوؤك من العروس تكن أمك بعيدة عن اللوم ههه
ضحكت والدتهما وقالت لمحمد:
ــــــ دائما تظلمني يا ولدي. فقط أنا أردت أن أوضح أنها
عروسه هو، ومن ثم فهو حر في اختياره لأنه هو من سيعيش معها . ألست سعيداً بها يا أحمد ؟
ــــ ... والله يا أمي أنا تعلقت بها بسبب ما بلغني عنها من قيام لليل
وصلاة وذكر، وهذا يدل على عمق إيمانها بالله
ـــــ ممم افهم من ذلك أنك ستتوكل على الله وتتم الزواج
منها يا ولدي ؟
ــــ إن شاء الله يا امي . رغم أني أحس أنها .......
سألته أمه بتلهف:
ــــ أنها ماذا يا ولدي ؟
ـــ إنها غير مرحبة بالأمر أو مجبرة
تدخل محمد في الحديث:
ــــ مجبرة ! يا أخي لم يجبرها أحد. ربما الخجل الذي كان يبدو عليها
هو الذي جعلك تشعر بذلك
ــــ .....لا أعلم ... . أريد أن أراها مرة أخرى وأن أتحدث إليها، ولكن قبل ذلك أريد إرسال هدية لها مع
حفصة زوجتك يا محمد
قهقه محمد وقال مازحاً:
ــــــ ألم تجد غير حفصة زوجتي؟ ههه
ــــ ولِمَ لا يا محمد!... . أهناك شيء حدث بينها وبين زينب
؟
ــــ لالالا، أنا أمزح بالطبع . اشتري ما شئت من هدايا
وسأرسلها مع حفصة إن شاء الله.
استطرد محمد مداعباً مشاعر أخيه:
ــــ تمهد لنفسك
طريقاً الى قلبها عن طريق الهدايا. أليس كذلك ؟ هاها
ـــــ ههه أريد أن أذيب جليد مشاعرها نحوي شيئا فشيئا إن
شاء الله
قالت الوالدة:
ــــ مممممم يبدو أنك تعلقت بها يا ولدي وتفكر في كسب
قلبها بأية وسيلة
ــــ هاها وهل هذا يزعجك يا أمي ؟
ــــ على الاطلاق يا ولدي. أنا لا يهمني غير سعادتك
أنت وإخوتك
ــــ حفظك الله لنا يا أمي
ـــــ وبارك فيك وفي إخوتك وأبيك يا ولدي . مممممم اقتربنا من منزل محمد يا
أحمد
بالقرب من أحد محال الحلوى، قال محمد لأخيه
قف بالسيارة هنا يا أحمد، سأنزل
قالت الأم متعجبة:
ــــ يا ولدي منزلك
في الشارع القادم فانتظر
ـــ لا . سأنزل هنا لأشتري لحفصة بعض الكعك، فهي لم تأكل
مما أخذناه للعروس. أشعر بالخيانة لأنني أكلت
شيئاً بدونها هاها
ــــ ههه وأنا لا أرضى أن تكون
خائنا يا ولدي، فانزل واحضر لزوجتك ما شاءت من حلوى
ـــــ بارك الله فيكِ يا أمي. السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام يا ولدي
ــــ وعليكم السلام يا اخي
***************************************************
في عالمهما السعيد..نادت عائشة عبد الله:
ــــ عبد الله أين أنت يا
حبيبي؟ . لِمَ اختفيت منذ أن غادر الأضياف
المنزل!
أتاها صوته من المطبخ:
ـــــ أنا هنا.
أعد العصير وبعض الكعك وسآتيكِ حالاً حبيبتي
ــــ ههه بارك الله فيك حبيبي
**************************************************
بعد قليل آتاها يحمل الكعك وكوباً من العصير:
ــــ هأنذا قد
جئتك يا حبيبتي ههه
ـــــ ههه أحضرت كوباً واحداً من العصير ككل مرة يا
حبيبي!!
ــــ لنرتشفه سويا يا حبيبتي . رشفة لكِ ورشفة لي هاها هيا سمي الله وابدأي أنتِ، تفضلي
ــــ هههه أشكرك حبيبي . بسم الله الرحمن الرحيم ممم سلمت يداك حبيبي، رائع
ـــــ رائع لأنه لامس شفتيكِ حبيبتي . قربي الكوب لأرتشف
منه من موضع شفتاكِ
ــــ تفضل يا أغلى الناس
ــــ سلمتِ يا أغلى من الماس ههه بسم الله الرحمن الرحيم
ممم طعمه رائع . سلمت يداي حقاً ههه
ــــ ههه سلمك الله وحفظك ورعاك يا عمري . دعني أضع انا قطعة من الكعك في فمك
ــــ لا، ابدأي أنتِ، فأحب دائماً أن آكل من موضع فمك، فبالله لا تحرميني. افتحي فمك
حبيبتي
ــــ ههه بسم الله الرحمن الرحيم مممم جميل جداً هذا
الكعك . أعطني الشوكة هذه المرة لأضع قطعة الكعك في فمك مثلما فعلت معي هههه
ــــ تفضلي الشوكة وهأنذا أفتح فمي
ــــ سمي الله حبيبي
ــــ بسم الله الرحمن الرحيم ممممم جميلة كاليدان اللتان
أطعمتاني ههه
ــــ ههه أنت الأجمل حبيبي
ــــ افتحي فمك خذي هذه مني
ــــ ههههه ها هو فمي
ـــــ وهأنذا أخدعك وآكلها أنا هههه
ـــــ ههههه أهكذا !!!!!!!!! حسناً، سأفعلها بك يوما
واجعلك تفتح فمك في انتظار وضع قطعة الكعكة فيه ثم اخدعك وآكلها أنا هاها
ــــ ههه أداعبك حبيبتي فلا تغضبي.
استطرد عبد الله بسؤال:
ولكن أخبريني إن
رزقنا الله بولد فبماذا تحبي ان نسميه ؟
ــــ إن شاء الله أريد أن أسميه عمر. فأنا أحب سيدنا عمر
بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً .
ــــ سمعت اسمه من قبل ولكن لا أعرف سيرته للأسف
ــــ إذن دعني أقصها عليك حبيبي فهي من أروع قصص من دخلوا في الإسلام
ــــ شوقتيني حبيبتي . كلي آذان صاغية فقصي عليّ قصة
إسلام سيدنا عمر بن الخطاب
بدأت تسرد على أسماعه المصغية قصة إسلام عمر بن الخطاب:
ـــــ كان سيدنا عمر رضي الله عنه رجلا قويا شديدا ويهابه الناس ويخافونه لشدة بأسه وقوته وكان من
أشد الناس عداوة لدين الإسلام وكان يكره
الرسول عليه الصلاة والسلام . وذات مرة سل سيفه وتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليقتله وبينما هو في طريقه قابله أحد الصحابة وكان يكتم اسلامه فقال له إلى أين يا
ابن الخطاب ؟ قال سأذهب إلى محمد وأقتله فقال الصحابي وهل تظن أن أهله سيتركوك ؟
فقال سيدنا عمر هل اتبعت محمد ؟ فقال الصحابي لا . وقال له أختك فاطمة وزوجها قد
أسلما واتبعا محمد . فغضب عمر وتوجه إلى بيت اخته مسرعا وكانت أخته وزوجها سعيد بن زيد عندهم خباب بن الأرت يعلمهم شيئا من القرآن فطرق عمر الباب
بقوة فقالوا من بالباب قال عمر فخافوا واختبأ خباب بن الأرت وعندما فتح زوج أخته الباب قال له عمر هل اتبعت محمد حقا ؟ فقال زوج أخته
أجل فهو على الحق فضربه عمر بشدة وتوجه
إلى أخته وكانت تمسك بصحيفة من القرآن
فقال لها هل اتبعتِ محمد حقا فقالت أجل فهو على الحق فضربها ضربة شديدة فسقطت
الصحيفة من يدها فقال لها هاتي هذه الصحيفة فقالت له لا فإنك مشرك نجس وهذا قرآن
لا يمسه إلا المطهرون فاذهب وتوضأ أولا ..فتوضأ عمر وأخذ الصحيفة وقرأها وكان فيها
هذه الآيات
بسم الله الرحمن الرحيم
طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى،
تنزيلاً ممن خلق الأرض والسماوات العلى، الرحمن على العرش استوى، له ما في
السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
ــــ فاهتز كيان عمر رضي الله عنه لكلام القرآن وقال
ماهذا بكلام بشر..وقال أريد أن أقابل محمد، فقال له خباب بن الأرت، أنا آخذك إليه، فذهب به إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم..وكان
الصحابة هناك يجتمعون مع الرسول عليه
الصلاة والسلام فطرق الباب فقالوا مَن ؟ فقال عمر فاختبأ الصحابة وقال سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه دعه لي يا رسول الله
فقال الرسول عليه الصلاة والسلام دعه يدخل يا حمزة فعندما دخل عمر قام إليه الرسول
وأمسك بكتفيه بشدة وقال أما آن الآوان يا ابن الخطاب ؟ فقال عمر رضي الله عنه . أشهد أن لا
إله إلا الله وأنك رسول الله...فكبّر الصحابة من شدة الفرح بإسلام عمر رضي الله
عنه . وكان إسلامه نصراً للمسلمين وللإسلام
بعد أن كان في الخفاء...قال للرسول
صلى الله عليه وسلم ألسنا على الحق ؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم أجل..وقال عمر
وهم على الباطل ؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم أجل..قال عمر فَفِيمَ الإختفاء
إذن !!!..قال الرسول عليه الصلاة والسلام وما ترى يا عمر؟ ..قال نخرج ونطوف
بالكعبة. فقال الرسول نعم يا عمر..فخرج المسلمون
يكبروا ويهللوا في صفين ، صف على
رأسه عمر بن الخطاب وصف على رأسه حمزة بن عبد المطلب وبينهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى وصلوا للكعبة وطافوا حولها وهم
يقولون الله اكبر ولله الحمد فخافت قريش ودخلوا بيوتهم خوفا من إسلام عمر ومنذ ذلك الوقت اصبح نشر الدعوة الإسلامية في
العلن...وعند الهجرة هاجروا سرا من مكة إلا عمر هاجر علانية أمام أعين قريش وقال
من أراد أن ييتم ولده فليأتي خلف هذا الوادي فجلست قريش خوفا من عمر
انتهت عائشة من سرد القصة وكبرت:
ــــ الله اكبر يا عمر، الله اكبر يا بن الخطاب.. قصته نفخر بها جميعا ورب الكعبة.....ما
رأيك يا حبيبي في قصة إسلام سيدنا عمر رضي الله عنه ؟
بدا الحزن والوجوم على وجه عبد الله وقال متحسراً على
حاله:
ــــ آآآه كم تنقصني شجاعته! ...أين أنت يا عمر كي أتعلم
منك الشجاعة!!
أردف ثائراً كليث جريح:
ــــ تأثرت عندما قال ألسنا على الحق ؟ أليس هم على الباطل؟؟؟
ففيمَ الإختفاء إذن !!!! فِيمَ الاختفاء!!... اللهم لا حول ولا قوة الا بالله .
حين يأتي زمان يخاف أهل الحق من أهل الباطل. اللهم لا حول ولا قوة الا بالله.
ــــ حبيبي اهدأ، بالله لا تحمل نفسك ما لا تطيق.
أقسم لها على براءته من الخنوع ثائراً لرجولته:
ــــ والله، والله لولاكِ ما خفتهم، أخاف عليكِ أنتِ يا عائشة،
أخاف عليكِ. على استعداد لمواجهتهم ولكن أخاف عليكِ فماذا أفعل!!ماذا أفعل! ياربي أعني،
أعني يا ربي.. أصبح أهل الباطل يتحكمون فينا
بكت عائشة وأخذت تربت على صدره الثائر:
ــــ حبيبي بالله اهدأ .. أعلم والله أنك لا تنقصك الشجاعة وأنك تخشى عليّ. اقدر ذلك ولن أحملك ما لا طاقة لك به، ماذا عسانا أن نفعل حبيبي وقد
تحالفت قوى الشر علينا من جميع الجهات..ليس لنا من دون الله نصيرا فالنستعن به
أومأ برأسه وربت على يدها وقد هدأ بعض الشيء، فحمد الله:
ــــ الحمدلله على كل حال . ولكن حقاً عندما سمعت قصة
عمر رضي الله عنه تأثرت بقوته وشجاعته ومواجهته
أهل الباطل ... كم نحتاج إلى عمر رضي الله عنه بيننا لنتعلم كيف يكون المسلم
الشجاع
ــــ حبيبي، الحكمة أيضاً مطلوبة في مواجهة الشرور. ويجب
أن تعلم أن الكفار في عهد الرسول عليه
الصلاة والسلام كان عندهم نخوة وشهامة وكانوا يحترمون النساء ولا يعتدون على حرمات
البيوت، أما الآن فأعدائنا لا نخوة عندهم ولا احترام للنساء ولا لحرمات البيوت
والله المستعان
زفر لهيب أنفاسه وقال يكاتم غليله:
ــــ الله المستعان
*******************************
نادى الدكتور سالم زوجته وهو يشاهد التلفاز:
ــــ يا مريوم، أين الشاي
أتاه صوتها من المطبخ:
ـــ أعده يا حبيبي
ــــ كل هذا الوقت تعدين الشاي؟
ــــ ههه عذراً حبيبي، تلقيت مهاتفة من عائشة ولذا تأخرت.
أعتذر بشدة
ــــ ههه تثرثرين مع ابنتك وتتركيني انتظر الشاي
بالساعات
أتته تحمل صينية الشاي وتقول ضاحكة:
ــــ ساعات ! حبيبي أنت طلبت الشاي من حوالي نصف ساعة فقط،
ومع ذلك هاهو الشاي حتى لا أتأخر ربع ساعة
اخرى و تقول طلبته من أيام هههه
ــــ هاها بارك الله فيكِ حبيبتي . كيف هي عائشة ؟
ــــ بخير الحمدلله . أريد أن أراها يا سالم . أشتقت إليها
كثيراً
ــــ وأنا والله اشتقت اليها كثيراً وإلى عبد الله أيضاً . إن شاء الله نسافر اليها قريبا
يا حبيبتي
ـــ ان شاء الله حبيبي
قطع حديثهما الودود جرس هاتفه، فأمسكت به زوجته لتعطيه
إياه وقالت:
ــــ هاتفك يا سالم تفضل . الدكتور لوكاس
ــــ هاها نسيت أن أغير اسمه الى الدكتور محمدي
ــــ حقاً من اختار له هذا الاسم؟
ــــ هو من اختاره
من فرط حبه للرسول عليه الصلاة والسلام ...
السلام عليكم دكتور محمدي
ــــ وعليكم السلام يا أخي سالم، كيف حالك . غاضب منك،
فأنت لم تزورني منذ أسبوعٍ كامل
ــــ هههه والله أعتذر يا أخي . كان عندي الكثير من
المشاغل، ولكن كنت أنوي زيارتك غداً
ـــ سأنتظرك إن شاء الله لنفطر سوياً
ــــ لا، صعب جداً على الإفطار . فأنت تعلم أن لدي
محاضرات في الصباح
ــــ هاها ومن قال انني اقصد الصباح! انا قد نويت الصيام غداً إن شاء الله، وسأنتظرك على المغرب
لنفطر سوياً
ــــ ماشاء الله . هل ستصوم الاثنين والخميس ؟
ـــ أجل . إن شاء الله . أريد أن أعوض ما فاتني من
عبادات وقربات إلى الله سبحانه وتعالى
ــــ تقبل الله منك يا أخي . إذن فسأصوم غداً معك إن شاء
الله، آتيك عند المغرب بطعام أعدته زوجتي
ــــ ههههه سأكون سعيد بذلك إن شاء الله ..... سالم !
ــــ امرك دكتور محمدي
قال بحنين جارف:
ــــ أريد أن أزوره يا سالم
ــــ من هو ؟
ــــ الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام
ــــ عليه الصلاة والسلام . ..أتود أداء العمرة ؟
ــــ أجل يا أخي . أريد أن أقف إلى جوار قبره وأسلم عليه
عن قرب
ابتئس الدكتور سالم وقال بشفقة:
ـــ تقف ! والله أرجو من الله أن يشفيك وتقف على قدميك
يا أخي
قال برجاء:
ــــ يارب، يارب أريد أن أسجد بين يدي الله ولو مرة في
حياتي، يا إلهي!!.. أشعر أنه أمل بعيد
ــــ لا بعيد ولا عسير على الله . ثق في رحمته سبحانه
ـــ ونعم بالله .ماذا عن زيارة الحبيب محمد عليه الصلاة
والسلام ؟
ــــ عليه الصلاة والسلام...مارأيك دكتور محمدي أن نسافر
في العشر الآواخر من رمضان؟
ــــ بعيدٌ جداً، رمضان باقي عليه حوالي أربعة أشهر
ــــ هاها انتظر وستمر سراعاً
ــــ المشتاق تمر عليه الثواني ثقال كالجبال
ــــ ههه حاول أن تتصبر بالصلاة والسلام عليه حتى يحين
الوقت لزيارته، فكلما اشتد الشوق زاد جمال لحظة اللقاء
ــــ اللهم صل وسلم وبارك عليك يا سيد العالمين يا محمد
ــــ عليه الصلاة والسلام
فرغ الدكتور سالم من المحادثة، فقالت زوجته والسعادة
تغمرها:
ـــــ حبيبي سالم هل سنسافر لأداء العمرة في العشر الآواخر من رمضان ؟
رد ضاحكاً:
ـــــ أهناك من
ذكر اسمك وقال ستسافرين معنا ؟ هههه
ــــ ماذا !! بل سأسافر إن شاء الله وقدمي تسبق قدمك
ـــــ ههه بالطبع حبيبتي والله . أنا أمزح معك يا مريم .
ستسافرين معي حبيبتي إن شاء الله
ـــــ ونأخذ
عائشة وزوجها أيضاً مممممم ربما لا تستطيع بسبب الحمل
ـــــ هههههه وزوجها لن يستطيع خوفاً من أن يتركها وحدها
ـــــ ممممممم لا بأس . مرة اخرى نصطحبهما معنا إن شاء
الله
**************************************
في هذا المساء، دقت عائشة أجراس باب مانويلا تحمل باقة
من الزهر وكيس أنيق ونادت:
ـــــ افتحي يا زينب، أنا عائشة
ــــ هههه مرحباً عائشة، كنت على وشك النزول إليكِ حالاً
... ما هذه الزهور التي تحمليها وماهذه الاشياء التي بداخل هذا الكيس ؟
ـــــ هههه إنها هدايا من أحمد. أرسل إليكِ باقة الزهور وهذه الأشياء
. حقاً لا أعلم ما في الكيس هههه
قالت شاردة:
ــــ زهور من أجلي أنا !!
ضحكت عائشة ونادتها من العالم الذي غابت فيه:
ــــ زينب، زينب هاها فيما شرد ذهنك !!!
ـــ ها ! لا،لا شيء.... هذه أول مرة أشعر أن هناك من
يهتم بشأني ويهاديني
ــــ انه ليس أي أحد . إنه خاطب ويتودد بالهدايا
ــــ ممممم أشكرك
ــــ ههه بل الشكر له هو. أنا لم أجلب لكِ شيئا
ــــ جزاه الله خيرا .... ولكن هل أنا مهمة عنده لهذه
الدرجة ؟
ــــ هاها كيف لا تكونين مهمة وقد اختارك لتكوني زوجته !
همست شاردة:
ــــ زوجته !
أفاقت من شرودها وقالت:
ــــ مممممم تفضلي بالدخول يا عائشة
تعذرت عائشة:
ــــ أشكرك حبيبتي . يجب أن أنزل سريعاً، فزوجي على وصول
ـــــ.....أتحبين زوجك يا عائشة ؟
ـــــ وكيف لا أحبه وهو الرجل الذي احتواني بحنانه ورعايته ومحبته
وحلو حديثه!
صمتت تنظر إلى عائشة في دهشة، فضحكت عائشة وقالت:
ـــــ أراكِ صامتة يا زينب وتنظرين إليّ في دهشة
ـــــ .... ليست دهشة.. ولكنها مشاعر غريبة تتسلل الى
قلبي وكأني في عالم آخر ... أشكرك يا عائشة
ــــ هههه أتركك مع الهدايا والدهشة والمشاعر التي تتسلل
إلى قلبك وانزل انا لاستقبال زوجي، السلام عليكم
ــــ عليكم السلام
أخذت باقة الزهر والهدايا، وأغلقت الباب..ظلت تتأمل في
الزهور وتحدث نفسها في نشوى:
ــــ كم هي
رقيقة هذه الزهور ممممم ماهذا إن معها بطاقة
ملونة بها كلمات ...ماهذه الكلمات !
أمسكت البطاقة تقرأ ما حوته من كلمات:
(أرسلت الزهور لتتحدث بدلاً مني . فربما تستطيع أن تعبر
عما عجز عنه لساني...اشكرك على موافقتك على الخطبة وأرجو من الله أن يتم زواجنا
سريعاً)
تبسم وجهها المخادع بصدق لأول مرة مذ جاءت إليهم وقالت
بنبرة هادئة:
ـــــ مممممممم كلماته رقيقة جدا ومهذبة وليس بها ما
يُخجل....يا تُرى هل أحتل تفكيره الى هذا الحد ؟ مممم ولكنني لم افكر فيه إطلاقاً
وإذ هي في نشوتها، دق هاتفها، فإذ به دانيال على الهاف،
ردت من فورها:
ــــ طاب مساؤك الآب دانيال
ــــ مرحبا مانويلا، كيف حالك؟
ــــ ممممم أرسل الخاطب إليّ زهوراً وكلمات رقيقة
هاج هائج القس:
ــــ ماذا! تبا له ولزهوره، يريد ان يستميل قلبك هذا الوغد،
يريد أن يشغل تفكيرك بمعاني كلماته
ــــ لكن الكلمات رقيقة بحق . ليس بها الفاظ حب ولا غزل
ولا أي شيء يخدش الحياء
صاح به القس غاضباً:
ــــ مانويلا! ما الذي أسمع !!!
تذكرت رهبانيتها فبكت وقالت ناشجة تطلب الصفح:
ــــ آسفة يا
آبانا، يبدو أن حياتي خارج الدير ستحملني بالخطايا
رد بغلظة:
ــــ أين هي
الزهور ؟
ــــ بيدي
ـــ القها أرضاً
ألقت الزهور بعنف فتانثرت على الأرض وقالت للقس باكية:
ــــ هأنذا قد
فعلت
ــــ دوسيها بقدميكِ وابصقي عليها
وطأت الزهور بقدميها وبصقت في الهاتف، فصاح بها:
ــــ على من تبصقين ؟
ردت ناشجة:
ــــ أبصق على
الزهور
ــــ ظننت شيئاً آخر . وماذا عن الهدايا؟ . أريد أن
أطهرك من الدنس قبل أن أغلق الهاتف
فتحت الكيس الملون، فأبصرت ثوباً، فأخرجته وقالت:
ــــ أحضر لي ثوباً ها هو
ــــ مزقي الثوب
ــــ ماذا!
صاح بها:
ــــ مزقي الثوب
وضعت الهاتف جانباً ومزقت الثوب وأنفاسها تتلاحق..ثم
عادت للهاتف وقالت بصوت متهدج:
ـــــ مزقته يا آبانا
ــــ هاها باركك الرب مانويلا . هكذا تخلصتِ من الدنس
وتطهرتِ . كلما أرسل هدية فافعلي بها مثلما فعلتِ في هذه الأشياء .. والآن
دعينا من الحديث عن الخاطب العابث ، ماذا
عن كيفن وزوجته ؟
ــــ لا جديد
ــــ راقبيهما جيداً . الوقت قد اقترب للانتقام ولعودتك للدير
ــــ في انتظار ذلك يا آبانا
ــــ باركك الرب
مانويلا
أنهى القس المحادثة ونادى على أحد أتباعه:
ـــــ جوزيف
ــــ سمعاً وطاعة يا آبانا دانيال
ــــ احضر لي خنجر واشحذه جيداً
ــــ خنجر!! ... سمعاً وطاعة يا آبانا
انصرف التابع للقيام بالأمر، فقهقه القس وتوعد كيفن:
ــــ أريد أن أستعد جيداً ليوم الانتقام العظيم هاها
صبراً يا كيفن يا ماكر يا كافر.. وحق يسوع لن تفلت من يدي أنت والحرباء وما في بطنها،
فصبراً
*******************************************
كانت السيدة نيكولا تؤدي صلاة العشاء في غرفتها، وقد
أغلقت الباب بالمفتاح حتى لا يدخل زوجها ويفتضح أمر إسلامها، أتى الزوج وأمسك
بمقبض الباب ليفتحه، فوجده مغلقاً، فنادى متأففاً من تلك العادة التي طرأت على
زوجته:
ــــ نيكولا! ماهذا! لِمَ اعتدتِ على غلق الباب عليكِ هكذا يا نيكولا !!
ــــ ويحي، أتى
ماكس . حمدالله انتهيت من صلاتي آآآآه لا أعلم ما هذا الألم الذي أشعر به في صدري
منذ الأمس
طرق زوجها الباب ونادى وقد ضاق ذرعاً:
ـــــ افتحي يا نيكولا
قامت إلى الباب بخطوات وئيدة، تمسك صدرها من وجع ألم
بها:
ــــ قادمة يا ماكس آآآه قادمة حبيبي
فتحت الباب وقد جاهدت في رسم ابتسامة لتواري ما بها من
آلام:
ــــ مرحبا ماكس . تأخرت كثيراً
ـــــ أكنتِ نائمة حبيبتي ؟
ــــ أنا ! لا . فقط مجهدة بعض الشيء
ــــ لِمَ اعتدتِ على غلق الباب بالمفتاح ؟
ــــ لا شيء يا ماكس لا شيء . أوقات أحب أن أخلو إلى
نفسي
ــــ كما تحبين حبيبتي . اشكر الرب، فأنا أشعر أنك
تحسنتِ عن ذي قبل وعرفت الابتسامة طريقها الى شفتيكِ
ردت باسمة واللآلام توخزها:
ـــــ سأذهب وأعد لك الطعام
ـــــ لا حبيبتي . قد تناولت الطعام بالخارج
ــــ حسناً . أتريد أي شيء أصنعه من أجلك قبل أن أنام ؟
ــــ هل ستنامين الآن ؟
ــــ أشعر بألم في صدري منذ الأمس، وأحتاج إلى بعض
الراحة
بدا الحزن على وجهه وقال بحنو:
ــــ ليس قبل أن نذهب إلى الطبيب . أم تحبين أن أستدعي الطبيب هنا ؟
ــــ الأمر لا
يحتاج . سأكون أفضل في الصباح إن شاء .... أأأأأأأأ اقصد أسأل الرب الشفاء
ــــ حسناً حبيبتي، ولكن إن عاودك الألم في الصباح فلا
مفر من الطبيب
ــــ فلننام إذن
وننتظر الصباح يا ماكس
ــــ تصبحين على خير يا نيكولا
ــــ تصبح على خير يا ماكس
غادر الزوج الغرفة، واتجهت إلى فراشها والآلام
تنهشها..ما أن انسدحت على الفراش حتى دق هاتفها، أبصرت من المتصل فلمعت عيناها
فرحاً وقالت:
ـــــ إنه عبد
الله صديق كيفن ، السلام عليكم يا ولدي عبد الله
ــــ وعليكم السلام يا أمي . كيف حالك ؟
ــــ ......عندما تقول يا أمي أشعر وكأني
أسمعها من كيفن والله . وهذا من رحمة ربي . أنا بخير يا ولدي، كيف حالك أنت ؟
ــــ اشتقت إليكِ حقاً . كم أود أن أراكِ سيدتي
ــــ بل قل يا أمي. بالله لا تناديني بسيدتي مرة أخرى.
قل يا أمي
ــــ حسناً يا أمي . اشتقت اليكِ
ــــ وأنا أيضاً
يا ولدي . هل أنت متزوج يا عبد الله ؟
ـــــ الحمدلله متزوج وزوجتي حامل . دعواتك لها يا امي
ــــ ماشاء الله هاها ستصير أباً يا حبيبي . الحمدلله، الحمدلله
نشجت باكية، فهاله حالها:
ـــ لِمَ البكاء يا أمي ؟
ــــــ..... كنت أود أن أعيش حتى أرى زوجتك وولدك، ولكن أشعر باقتراب أجلي
ارتجف فؤاده ودمعت عيناه ونطق كيانه المزلزل رحمة:
ــــ أمي، لا،لا، بالله لا تقولي ذلك. ادمعتِ عيني وأوجعتِ
قلبي . لا يا أمي . إن شاء الله سيبقيكِ الله وترين ولدي وتضميه لصدرك
ــــ كل شيء بيد الله وحده يا ولدي ... هل لي أن أطلب
طلباً ؟
ــــ بل تأمرين أمراً يا أمي وأنا أنفذ
ــــ بارك الله فيك يا ولدي. أريد أن أتحدث إلى زوجتك..
ما اسمها؟
ارتبك عبد الله:
ــــ ها!!..إسمها ! إسمها.. مؤمنة
ــــ إسمها جميل
يا ولدي، إعطني إياها
ــــ لحظات يا أمي
هرع إلى عائشة يخبرها:
ــــ عائشة، كنت أتحدث الى أمي وطلبت أن تتحدث اليكِ، وعندما سألتني عن اسمك، قلت
لها مؤمنة
ـــــ إسم جميل
حبيبي ... ولكن ماذا سأقول لها !!... أشعر أني أضعف
من أن أواجهها
ــــ توكلي الله وخذي الهاتف
ــــ هات حبيبي . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابنتي . كيف
حالك يا مؤمنة وكيف هو الحمل يا ابنتي؟ . طمأنيني
ـــــ الحمدلله سيدتي. أشكرك على سؤالك الرقيق
ــــ لا تقولي سيدتي، بل قولي أمي
ــــ ههه حسنا يا أمي. كيف حالك ؟
ــــ الحمدلله يا ابنتي . متوعكة بعض الشيء، وأسأل الله
الشفاء
ابتئست عائشة وردت متلهفة:
ــــ متوعكة! مابكِ يا أمي ؟
ـــ لا شيء يا ابنتي، لا تشغلين بالك. أردت ان اتحدث
إليكِ لأنني أحببت عبد الله منذ رأيته، وكأنني قد رأيت ولدي الذي فقدته، ولذا
فشعرت أنكِ أيضاً ابنتي وأحببتك دون أن أراكِ
ـــــ وأنا أيضاً أحببتك يا أمي . أشكرك على مشاعرك
الجميلة هذه . والله كنت أتمنى أن أراكِ
ــــ اللقاء يكون بقدر الله يا ابنتي. إن لم ألقكِ في
الدنيا، فأسأل الله ان يجمعني بكِ في الجنة، جعلنا الله من أهلها
ــــ آمين يا أمي. فقط من فضلك لا تهملي صحتك، وعليكِ
الذهاب إلى الطبيب ويا ليت لو كان في الصباح إن شاء الله
شعرت بحنوها فتبسمت حباً وقالت:
ـــــ حبيبتي! طيبة القلب أنتِ يا مؤمنة. أشكرك يا ابنتي
على حرصك واهتمامك بشأن حالتي الصحية
ــــ وليتني كنت إلى جوارك يا أمي لأرعاكِ. فقط أسأل
الله لكِ الشفاء. شفاكِ الله شفاء لا يغادر سقما اللهم آمين
ــــ بارك الله فيكِ يا ابنتي... أريد أن أوصيكِ بوصية
من فضلك
ــــ تفضلي يا أمي
ــــ أوصيكِ بعبد الله خيراً يا ابنتي . هو ولدي الذي أحببته
وأسلمت على يديه ودمعت عيناه وسجد شكراً
حين نطقت الشهادتين وكأن أمه هي من أسلمت واهتز كيانه لإسلامها . لذا
اوصيكِ به خيراً يا ابنتي فهو طيب القلب مثلك . حفظكما الله ورعاكما آمين
طفرت عبرات عائشة وقالت بحنو:
ــــــ وحفظك ورعاكِ يا أمي ... السلام عليكم
ــــ وعليكم السلام يا ابنتي في أمان الله
أنهت عائشة المحادثة، وطفقت تمسح عبراتها، فسألها عبد
الله والقلق يعصف بملامحه:
ـــــ ما بها أمي يا عائشة؟ ما بها؟
ــــ لا شيء حبيبي، لا تقلق هكذا
ــــ لا أقلق ! سمعتك تقولين لها أن تذهب للطبيب وتدعين
لها بالشفاء
ــــ قالت أنها متوعكة بعض الشيء
ــــ متوعكة !!... سأعاود الاتصال بها الآن
ــــ لا حبيبي، انتظر للصباح افضل فربما ذهبت للنوم
ــــ لا. سأهاتفها الآن، يجب أن اطمئن عليها، هاتي الهاتف
ــــ تفضل حبيبي
أسرع بمهاتفة والدته وأعماقه تضطرب:
تبسمت والدته حين رأت اسمه على الهاتف:
ــــــ عبد الله مرة أخرى! يبدو أن زوجته أخبرته أني
مريضة، فعاود الاتصال. السلام عليكم يا ولدي
ــــ وعليكم السلام، مابكِ يا امي؟ ما بكِ؟
ــــ ههه بارك الله فيك يا حبيبي يا ولدي. أشعرتني حقاً أني
أمك باهتمامك بي. حفظك الله يا ولدي وأسعد قلبك كما أسعدتني باهتمامك
صاح وعيناه تذرفان العبرات:
ـــ أمي، أمي، مابكِ، ما بكِ ؟
ــــ ههه حبيبي يا ولدي... أشعر بألم في صدري منذ الأمس،
والحمدلله على كل حال
ــــ ولِمَ لم تذهبي للطبيب؟
ــــ الأمر لا يحتاج
ــــ إن لم تذهبِ سآتي إليكِ وآخذك للطبيب بنفسي
ــــ بارك الله فيك يا ولدي. لم افكر في الذهاب للطبيب،
ولكن لأجلك أنت سأذهب ههه أرأيت كم أنت غالٍ على قلب أمك يا كيفن
؟
ـــــ كيفن !!
ردت وقد فاضت عيناها بعبرات الحنين:
آسفة يا ولدي، أقصد
يا عبد الله ... كلما تحدثت اليك تذكرت كيفن والله ... أتركك لزوجتك الآن يا حبيبي
ــــ سأهاتفك في الصباح لأتأكد أنك ذهبتِ للطبيب يا أمي
ـــــ إن شاء الله يا ولدي. في آمان الله يا حبيبي.
السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا أمي
انهى
المحادثة وسقط واجماً في جب شروده..ظلت عائشة تناديه دونما جواب:
ـــــ عبد الله حبيبي ...مممم عبد الله ....يا عبد الله ..حبيبي
أنادي عليك وأنت لا تجيبني
ــــ ها!. أتحدثيني يا حبيبتي؟
ـــــ هاها اعترف بسرعة فيمن شرد ذهنك وأنت بجانب زوجتك!
ها! انطق هاها
ـــــ شرد ذهني في أمي. أخشى عليها الوعكة التي تتعرض
لها
حبيبي لا تقلق. إن شاء الله ستذهب للطبيب ونطمئن عليها .
شفاها الله وعافاها
ـــــ يارب.... شعور قاس جداً يا عائشة عندما أعلم أن
أمي مريضة ولا أستطيع أن اكون إلى جوارها وأرعاها بنفسي
ــــ هون على نفسك حبيبي. هناك اشياء تحدث لنا ولا نملك فيها من أمرنا شيئا. دعواتك
لها بالشفاء. إن شاء الله وعكة بسيطة وستمر سريعاً
رفع يديه إلى السماء متضرعاً إلى الله:
ــــ يارب... اشف أمي يارب، يارب
ــــ آمين. هيا يا حبيبي اذهب إلى الفراش لأغطيك، وإياك إياك أن
تزيح الغطاء بعيدا كعادتك كل يوم وأنت
نائم ههه
ــــ هههه منذ صغري وأنا أزيح الغطاء وأنا نائم وتأتي أمي
لتغطيني مرة أخرى وتقبلني
ـــــ مممم أمك فقط من تفعل ذلك ؟؟
ـــــ هههه وأنتِ أيضاً يا حبيبتي. ولكنك تعلمين أن للأم مكانة عظيمة تفوق مكانة الزوجة
مممم أم أن هذا الكلام يضايقك ؟
هههه على العكس يا حبيبي. أحب جداً الرجل الذي ينزل أمه منزلتها العظيمة، وأفخر
أن أسمع منك هذه الكلمات حفظ الله أمك يا
حبيبي. هيا، هيا لتنام حتى توقظنا زينب قبل الفجر بساعتين كعادتها ههه
قهقه عبد الله وقال:
ــــــ متى
تتزوج هذه ونستريح منها للأبد
ـــــ هاها يسر الله لها أمر زواجها إن شاء الله . تصبح
على خير يا حبيبي
ــــ تصبحين على خير يا مهجة قلبي
****************************************
كانت مانويلا تداعب زهرة بقت من بين بقايا الزهر
المتناثرة..نظرت إلى الزهرة باسمة وأخذت تحدثها:
ــــــ ذهبت كل
الزهور وبقيت هذه الزهرة مممم كم هي جميلة.. تعالي اهمسي في أذني أيتها الزهرة الجميلة واخبريني ماذا
كان يريد أن يقول أحمد وأرسلك بدلاً منه لتعبري عما عجز لسانه عن التعبير
عنه ؟....هاها أنتِ خجلة ؟ مممم اهمسي في أذني ولن أخبر أحداً ههههه ممممم أتعلمين
أيتها الزهرة أن قلبي رق لأحمد عندما أرسلك مع باقة الزهور الأخرى مممم شعرت أني
حقاً في عالم آخر جميل، وأن الكون حولي ألوان.
عادت مانويلا إلى وعيها، فقالت باضطراب وأفكارها تتصارع:
ـــــ ها! مالذي أقوله!! لالالا، حقاً يبدو أن الحياة خارج الدير ستجعل قلبي
يتعلق بالأزهار ورسائل العاشقين المنمقة . ولكن عن أي عشق اتحدث ! انه لم يطلب مني
شيئا محرم. انه طلب الزواج مني.. زواج!!.. يا ويحي لالالا، أنا، أنا.. أنا قد وهبت
نفسي لخدمة الرب إلى الأبد.. فلتكن روحي معلقة بيسوع والصليب، وجسدي في خدمتهما لالالا، كلها أيام وأعود إلى الدير وتفتت هذه الأحلام
الماجنة وتنثر في الهواء . ماجنة !!!!!!! أي مجون ؟ . الزواج ليس مجون وعشق
الزوجين ليس جنون
أجهشت بالبكاءوقالت تجلد ذاتها بسياط الندم:
ـــــ لا،لا،لا، كفِ، كفِ يا نفسي عن التفكير في الملذات،
كف يا قلبي عن التعلق بدنيا الشهوات ..سأنزل لأيقظ المسلمين للصلاة، وأصعد للهُوسات والتسبيح في الملكوت، علني أرقى إلى مرتبة حبيبة
القديسين
*****************************************************
بعد ادائهما لصلاة الفجر والسكون في الفراش، فتحت عائشة
عينيها فلمحت عبدالله مستيقظ في الفراش، فقالت:
ــــ أأنت مستيقظ يا عبد الله ! ظننتك قد نمت بعد صلاة
الفجر
ــــ لا والله يا حبيبتي . مستيقظ . قلقي يتملكني على أمي.
ــــ لِمَ لم توقظني يا حبيبي ؟
ــــ ههه شعرت بك تتألمين طوال الليل وتتقلبين في الفراش
حتى الفجر ولم تنامي الا بعد الصلاة فلم اشأ ازعاجك . كيف تشعرين الآن
ــــ ههه ولدك يتعبني كثيرا يا عبد الله . منذ ان علت
بطني الى هذه الدرجة وأنا لا أعرف على أي جانب أنام، كلما تقلبت لا أشعر بالراحة.
متى يولد وأستريح هاها
ـــــ ههه والله أنا من سأستريح فأنا لا اتحمل أن أراكِ
تتألمين ابدا
ـــــ إذن فلا تكن بجانبي لحظة ميلاد ولدك هاها
ــــ أيعقل ذلك!! لالالا كيف ذلك. أتظننين أني أتركك في هذه
اللحظات حبيبتي! اسأل الله أن ييسر لك ساعة ميلاد ولدي المتعب هذا هاها رفقا بأمك أيها
الصغير
ـــــ إسمع كلام
أبيك يا ولدي هاها
ضحك وقام عن الفراش وسألها:
ـــــ أين هاتفي يا عائشة ؟
ــــ ومن ستهاتف حبيبي في هذا الصباح الباكر! الساعة
تقريبا السابعة
ـــــ سأهاتف أمي لأطمئن عليها
ـــــ حبيبي الوقت ليس مناسب على الإطلاق. ربما تكن
نائمة فتزعجها دقات الهاتف
ـــــ مممممم سأصبر ساعة اخرى
ـــــ سأذهب لأعد لك الإفطار
قهقه وقال:
ـــــ إذهبِ
ـــــ ومالك تضحك!!
ولِمَ لا أضحك وحبيبتي أمام عيني! هاها
ــــ ههه لحظات وأضع الإفطار على المائدة
ذهبت إلى المطبخ فتفاجئت بما أدهشها:
ـــــ
ماهذا! ههه أها! لذا فهو يضحك. أعد الإفطار ووضعه في الأطباق وتركه في المطبخ ههه
كم أحب هذا الرجل وأحب الحياة معه، أحبه
كان يرقبها خلسة دون أن تشعر والابتسامة على محياه، دخل
على حين غرة وقال:
ــــ ومن هو ؟؟ سمعتك وقد علا صوتك بكلمة أحبه
ـــــ ههه هو أنت يا حبيبي
ـــــ هاها وأنا أعلم أني
المقصود بالطبع حبيبتي. ها؟ ما رأيك؟
أهناك شيء لم أعده بعد ؟
ـــــ هههه بارك الله فيك، لا يوجد شيء لم تعده يا حبيبي
ـــــ إذن فهيا ساعديني لنضع الأطباق على المائدة
لنتناول الإفطار وبعدها أهاتف أمي
ـــــ هاها أعلم أنك لن تهدأ إلا لو سمعت صوتها
ـــــ بالطبع لن أهدأ إلا عندما أطمئن عليها
***************************************
دق جرس هاتف السيدة نيكولا التي كانت طريحة الفراش
تتململ بآلامها، فقال زوجها:
ـــــ نيكولا حبيبتي جرس هاتفك يدق
ــــــ آآآه لا أستطيع
الحديث.
ــــ إذن سأرد أنا..
ألو
تفاجأ عبد الله بوالده يرد على الهاتف، فارتجف خوفاً على
والدته..حيا والده باضطراب:
ـــــ طاب صباحك سيدي
ــــ طاب صباحك . من انت ؟
ـــــ آآآنا، أناااا، أنا أحد أصدقاء كيفن، وكنت أود
الاطمئنان على السيدة نيكولا
ــــ يا لك من صديق وفي يا ولدي . تود والدة صديقك بعد
وفاته . ما اسمك يا ولدي؟
ــــ اسمي أأأ اسمي جورج . أين هي السيدة نيكولا ؟
ــــ هي متوعكة ولا تستطيع الحديث
وكأن خنجر شق صدره، فتسائل وقلبه يرتج:
ــــ ماذا! أمتوعكة إلى هذا الحد سيدي ؟
ـــــ بالفعل متوعكة، وتلزم الفراش
صاح كمن مسه الجنون:
ـــــ ــولِمَ لم تستدعوا الطبيب يا سيدي! لِمَ ؟
ـــــ يا ولدي اهدأ قليلاً . انت فقدت أعصابك وكأن
المريضة هي أمك
توسل عبد الله ودموعه تنهمر:
ـــــ من فضلك سيدي، من فضلك أريد الحديث إليها، قل لها
صديق كيفن الذي قابلتيه عند النهر
ـــــ سأفعل يا ولدي . باركك الرب
حاول زوجها افاقتها:
ـــــ نيكولا..
نيكولا.. أتسمعيني حبيبتي؟
ـــــ اسمعك
ـــــ صديق كيفن الذي قابلتيه عند النهر، يريد الحديث
إليكِ
تهلل وجهها المكلل بالوهن وقالت بنبرة منهكة:
ـــــ ولدي! اعطني إياه، ودعني أتحدث اليه بمفردي من
فضلك يا ماكس
ـــــ حسناً حبيبتي، تفضلي، وأنا سأخرج من الغرفة
وسأستدعي أحد الأطباء المهرة
ـــــ اشكرك ماكس
غادر زوجها الغرفة، فبدأت بحديثها الواهن:
ـــــ السلام عليكم يا ولدي، مرحبا يا عبد الله
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله. أمي، كيف تشعرين يا أمي؟
بالله أريد الاطمئنان، فقد أرهقني القلق والتفكير من الليل وحتى الصباح
ــــ يا حبيبي يا ولدي... أنا بخير، اطمئن
ـــــ لا، لستِ بخير يا أمي . صوتك يدل على ما بكِ من
آلام . استدعي الطبيب يا أمي على الفور من فضلك حتى يهدأ بالي
ـــــ رزقك الله هدأة النفس، وراحة البال يا ولدي.
سيستدعي زوجي الطبيب حالا . لا تقلق يا حبيبي، بارك الله فيك...
كنت أود أن أسألك سؤلاً يا ولدي
ـــــ لا أريد إجهادك بالكلام يا أمي، ولكن هاتي سؤالك
ـــــ انا لم أستطع أن أصلي فجراً إلا وأنا جالسة لشدة
آلامي، فهل تجوز صلاتي ؟
ـــــ تجوز إن شاء الله يا أمي، إذا كنتِ لم تستطيعي
الوقوف على قدميك بسبب آلامك . هذا ما سمعت والله أعلم
ـــــ بارك الله فيك يا ولدي . طمئنت قلبي . الله لا
يكلف نفسا إلا وسعها . أنعم به من رب رحيم، لم يكلفنا فوق طاقة احتمالنا .
الحمدلله على نعمة الإسلام
ـــــ الحمدلله يا أمي . عندما اذهب إلى العمل سأهاتفك
للأطمئنان مرة أخرى
ـــــ بارك الله فيك يا ولدي
أغلق الهاتف وركام من الأحزان يجثم على قلبه..رمقت عائشة
تلك الكآبة على وجهه، فأدركت أن هناك ما كدره، فسألت وهي تعلم الجواب قبل أن
ينطقه:
ـــــ هل أطمئننت على أمك يا زوجي الحبيب ؟
ـــــ والله يا حبيبتي ما زادني الاتصال إلا قلقاً بشأن
صحتها . شفاها الله وعافاها اللهم آمين
ـــــ آمين حبيبي ....
أرادت أن تذهب ببعض ما ألم به، فقالت:
ـــــ كنت أود
أن أستأذنك في أمر
ـــــ خيراً حبيبتي
ـــــ ستأخذني حفصة إلى الطبيبة لأرى إن كنت أحمل في ولد
أم بنت ههه
ـــــ ههه ولد
ـــــ ممممم ومن أين علمت؟
ـــــ مجرد إحساس
ـــــ هههه لن أتبع احساسك، وسأذهب لأتأكد من الأمر
ـــــ اذهبي حبيبتي، ولكن اشترطي عليها أن تعيدك
بسيارتها حتى باب المنزل
ـــــ لا تخش شيئاً، فهي تعلم كم تخاف عليّ ههه
ـــــ والله لولا أنها زوجة أعز أصدقائي وأثق بهما جداً، ما كنت تاركك تخرجين بدوني
ـــــ بارك الله فيك حبيبي
ـــــ ذاهب إلى العمل الآن حبيبتي، هل تريدين شيئاً ؟
ـــــ أريدك سالما من كل سوء حبيبي
ـــــ سلمتِ لي يا حبيبتي صاحبة الضوء ههه. السلام عليكم
ـــــ هههه وعليكم السلام ورحمة الله حبيبي
***************************
ما أن غادر عبد الله المنزل، حتى سمعت عائشة قرعات جرس
الباب، فقالت ضاحكة وهي تتجه لفتحه:
ــــ بالتأكيد زينب . عندما يخرج عبد الله تنزل على
الفور
استقبلتها باسمة:
ـــــ مرحبا يا زينب
ـــــ مرحباً يا
عائشة، كيف حالك ؟
ـــــ بخير الحمدلله . ما رأيك سأذهب أنا وحفصة للطبيبة،
لنرى هل أحمل في ولد أم بنت . هل تأتي معنا ؟
ـــــ ههه سمعتك بالأمس تتحدثين أنتِ وحفصة بهذا الشأن،
لذا فأنا هنا الآن لأذهب معكما
ـــــ ههه ستأتي حفصة بعد قليل ونذهب سوياً إن شاء الله
ـــــ ممممم أتريدين ولداً ام بنتاً ؟
ـــــ لا يهم الولد والبنت، كلاهما رزق من الله . الأهم من
ذلك أن نحسن تربيتهم على الإسلام
قهقهت مانويلا وقالت بخبث:
ـــــ أكثر ما أحبه فيكِ هو التفاؤول
ردت عائشة بسلامة طوية:
ـــــ التفاؤول نعمة كبيرة الحمدلله . سأذهب وأرتدي
ملابسي، فحفصة على وشك الوصول
ـــــ تفضلي.
ما أن دلفت عائشة إلى غرفتها، حتى أخرجت مانويلا هاتفها
لتحادث صوفيا التي ردت من فورها:
ـــــ مرحبا مانويلا، طاب صباحك
ـــــ طاب صباحك الأم صوفيا رئيسة الدير المبارك من الرب
ـــــ صفي لي كيف هي الأحوال
ـــــ كيفن ذهب الى عمله، ورأيت على وجهه علامات الحزن
والكآبة
ـــــ ربما تشاجر مع الحرباء
ـــــ لالالالا هما لا يتشاجران أبداً ههه ولد أختك يحب زوجته كثيراً، رغم
شكلها الذي اصبح مضحك بعد الحمل هههه كلما رأيتها تمشي أكاد أن أقع ضحكا هاها قد أثقلها
الحمل وتمشي بتثاقل على الأرض
ـــــ غداً لن تكون على الأرض . قرب موعد صعود روحها الى
الجحيم هي وكيفن
سألتها مانويلا بتلهف:
ـــــ متى؟ متى ؟
ـــــ هههه اشتقتِ للدير ؟
ـــــ جداً. كلما مر بي الوقت خارج الدير، أشعر وكأني أحمل
خطايا العالم
ـــــ لا تبتئسِ. إن غداً لناظره قريب
ـــــ هاتفتك لأعلمك إننا سننطلق أنا وهي وصديقتها لنذهب
للطبيبة لتعرف ما تحمله في رحمها إن كان ذكراً أو أنثى
قهقهت صوفيا وقالت بنبرة وعيد:
ـــــ لا فرق، فكلاهما سيموت قبل أن يولد
ـــــ هاها ولكنها لا تعلم ذلك، وسعيدة بحملها وكأنها
ستهنأ به
ـــــ دعيها تعتقد ما شاءت ... عندما تعودين أخبريني بما
حدث
ـــــ سأفعل مممم سأغلق الهاتف الآن، فهاهي قادمة تمشي
الهوينا ههه
ـــــ في انتظار مهاتفة اخرى . باركك الرب مانويلا
*************************************
ما أن رأت حفصة، عائشة تقترب من سيارتها حتى فتحت لها
الباب وقالت ضاحكة:
ـــــ هيا يا عائشة . منتظرة بسيارتي منذ خمسة دقائق
ـــــ السلام عليكم حبيبتي حفصة
ـــــ وعليكم السلام يا حبيبة، كيف حالك ؟
ـــــ بخير الحمدلله . انتظري لا تنطلقي الآن زينب قادمة
تربد وجه حفصة وقالت حانقة:
ـــــ ماذا !!!!! أوف!! ها هي تخرج من البوابة حقاً
ـــــ هاها اطلقي وجهك في وجهها . تبسمك في وجه أخيك
صدقة
ـــــ هأنذا أبتسم
ههييييهييييييي
انفجرت عائشة بالضحك وقالت:
ـــــ أضحك الله سنك هههه
حيتهم مانويلا بتحية الإسلام:
ـــــ السلام عليكم
ردت حفصة بضيق:
ــــ وعليكم السلام، اركبِ
ـــــ ههههه اشكرك يا حفصة . سيارتك جميلة . أهي ملكك ؟
ـــــ لا . سرقتها
ـــــ لصة أنتِ إذن هههه
قالت عائشة لحفصة ضاحكة:
ـــــ هههههههه تمزح زينب يا حفصة .
ـــــ مرحة جداً لدرجة لا تطاق . توكلت على الله
نظرت مانويلا إلى حفصة وقالت:
ـــــ ممممم كنت أود أن أسأل عن هذا الشخص.. الشخص الذي تقدم لخطبتي ووافقت...
ما اسمه ؟
زفرت حفصة وقالت:
ـــــ أنسيتي إسم خاطبك ؟؟؟؟
ـــــ هههههه عذراً، فأنا لم أره إلا مرة واحدة
ـــــ أراد أن يراكِ مرة أخرى، وأنت في كل مرة تتعللين وتؤجلين
المقابلة، وكأنه سيقابل الملكة جوزفين إمبراطورة
فرنسا
ـــــ هههه لا بل أنا الملكة زينب امبراطورة ألمانيا هههه
قهقهت عائشة، بينما قالت حفصة باستياء:
ـــــ يا خفة ظلك!! . بالله ارحميني واصمتي، فسأموت كمداً
من شدة السعادة
قالت مانويلا بإصرار:
ـــــ ها لم تقولي لي ما اسمه، فقد نسيت
ـــــ أحمد
ـــــ أها.. تذكرت
ـــــ حددي موعد، فيريد أن يلقاكِ
ـــــ مممممم سأتفق مع عائشة ونخبرك
ـــــ إن شاء الله . ها هي عيادة الطبيبة. انتظري يا
عائشة لأنزل حتى أسندك
ردت مانويلا:
ـــــ لا، بل أنا من سأسندها
زفرت حفصة بضيق وقالت حانقة:
ـــــ بالله، بالله عليكِ انتظرينا في السيارة وارحمينا
ـــــ لا أبداً، قدماي تسبق أقدامكما ههههه هيا يا عائشة لنعلم ماذا تحملين في رحمك
من أسرار لأبلغهم هاها
أسدلت حفصة حاجبيها وقالت باحتداد:
ـــــ تبلغيهم !!!!!!!! تبلغين من يا هذه ؟؟
ـــــ أأأ انا قلت ابلغهم أأأ ممم أقصد أبلغهم سلامي
وحبي ودعائي سواء كان ذكر أو أنثى هههه لا
تدققين هكذا في كل كلمة انطق بها وكأنك تقفين على بوابة فمي في انتظار خروج الكلام ههه هيا انزلي يا عائشة
ـــــ ههههه هأنذا سأنزل بارك الله فيكما
**************************
علمت عائشة أن ما سكن رحمها هو ذكر، فهنئتها حفصة بفرحة
عارمة:
ـــــ مبارك ههه مبارك يا عائشة. كنت أشعر أنك تحملين
ولد يا أختي الحبيبة
ـــــ هههه بارك الله فيكِ يا حفصة . العقبى لكِ إن شاء
الله
ـــــ إن شاء الله حبيبتي
قالت مانويلا بابتسامة باهتة:
ـــــ سعيدة لأجلك يا عائشة، مبارك
هههه بارك الله فيكِ يا زينب وأتم الله زواجك على خير
ـــــ مممممم زواجي!
قالت عائشة جذلة:
ـــــ سأهاتف عبد الله لأخبره
قالت حفصة:
ـــــ تفضلي حبيبتي اخبري زوجك واسعديه واسعدي معه
تنحت عائشة بهاتفها، بينما اقتربت مانويلا من حفصة،
ونادتها بإلحاح:
ـــــ حفصة، يا حفصة
زفرت وردت بتأفف:
ـــــ ما الأمر ؟
ـــــ مالها عائشة فرحة هكذا ؟ أعندما تحمل المرأة ويقرب
ميعاد ولادتها تفرح هكذا ؟
ـــــ بالطبع .. ستتزوجين وتجربين هذه المشاعر قريباً
ـــــ ممممممم هل أنتِ حامل ؟
ـــــ ليس بعد
ـــــ لِمَ ؟؟
ـــــ أستغفرك ربي وأتوب إليك.. . عندما يأذن الله
سبحانه وتعالى سأحمل
ـــــ ممم أنا لا أعرف لِمَ هناك إمرأة تتزوج وتحمل، وأخرى لا تحمل إلا بعد وقت طويل، وثالثة لا تحمل أبداً، لِمَ ؟؟
ـــــ لا إله إلا الله . لأن الكون يديره خالقه . لذا
فقدرته مطلقة في كونه. وهذا أكبر دليل على أن الكون له خالق ولا يدار بطريقة آلية
كما يزعم الملحدون . فإن كان الكون يدار بطريقة آلية لكان لقاء الذكر بالآنثى
دائما يعقبه حملاً...ولكن تدبري جيداً ستجدي أن هناك من تُرزق بالحمل، وهناك من لا
ترزق، وهذا لأنها إرادة الله وحده. لا إله إلا الله
أطرقت مانويلا قليلاً، ثم سألت والحيرة تطل من عينيها:
ـــــ ألا يوجد غير إله واحد ؟
ردت حفصة بارتياب:
ـــــ لا إله إلا الله. ألستِ مسلمة؟
ـــــ أأأأأأ أجل أأأأ أجل مسلمة . وهل سؤالي يتنافى مع
الإسلام ؟
ـــــ الإسلام قائم على التوحيد . لا يوجد للكون غير إله
واحد . ألم تشهدي ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ؟
ـــــ أأأ أجل شهدت، شهدت
اسمعيني الشهادة مرة اخرى
ـــــ ها!!..لِمَ ؟
غضنت حفصة حاجبيها وقالت باندهاش:
لِمَ !! هل عندما أطلب منك نطق الشهادة، أكون قد طلبت
طلبا غريباً!
فجأة داهمت آلالام مانويلا، فصرخت تمسك بموضع الألم:
ـــــ آآآه، آآآه، آآآآه
فزعت حفصة وسألتها:
ما بكِ؟
أتت عائشة تسأل بانزعاج:
ما بها زينب يا حفصة ؟
آآآآه، آآآآه
ردت حفصة:
ـــــ لا أدري
يا عائشة، ما بكِ يا زينب ؟
ردت بصراخ وهي تتلوى من الألم في موضع الزائدة:
ـــــ أشعر بألام هنا هنا
قالت عائشة والقلق على ملامحها:
ـــــ ماهذا! إنه مكان الزائدة . تشعرين بألام حادة يا
زينب؟
ردت باكية متململة:
ـــــ آآآآه أجل يا عائشة، أجل، أتألم بشدة آآآه
حوقلت عائشة وتعجلت حفصة:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . هيا ننطلق بها إلى
المستشفى بسرعة، بسرعة يا حفصة
ـــــ ما الذي أصابها !!!!
***********************************
دق هاتف عبد الله، فأبصر اسم زوجته التي ما لبث أن أنهى
محادثته معها، فوخزه القلق:
ـــــ عائشة !!!!!! السلام عليكم حبيبتي
ـــــ عليكم السلام يا حبيبي . اغثنا يا عبد الله زينب
اصابتها آلام حادة ونقلناها إلى المستشفى فاكتشفوا التهاب الزائدة وادخلوها على
الفور لغرفة العمليات ولا مال كافٍ معنا حبيبي
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . اعطني عنوان المستشفى
حبيبتي
أخذ العنوان وقام عن مقعده مسرعاً يلملم حاجياته
استعداداً لمغادرة المكتب، فسأله محمد:
ـــــ إلى أين يا عبد الله ؟
ـــــ أأسف يا محمد لن أستطيع المكوث معك . علمت من
زوجتي أن زينب دخلت غرفة العمليات لتجري جراحة الزائدة، ولا مال كافٍ معهم
ـــــ زينب مخطوبة اخي أحمد ؟
ـــــ وهل هناك غيرها!!!
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . حسناً، أعطني عنوان
المستشفى وسأتبعك أنا وأحمد إن شاء الله على الفور
ـــــ ها هو العنوان، السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام . سأهاتف أحمد ليأتي على الفور
هاتف أخاه من فوره:
ـــــ السلام عليكم يا محمد
ـــــ وعليكم السلام يا أحمد . مخطوبتك في
المستشفى يجرون لها جراحة الزائدة
اتسعت حدقتاه وقال متلهفاً:
ـــــ زينب !!!!! ومتى حدث ذلك ؟
ـــــ أخبرني عبدالله وذهب مسرعاً لأن زوجته هناك معها،
وليس معها مال كاف لتكاليف الجراحة والمستشفى
ـــــ وما شأنهم هم بهذه التكاليف !!!. أنا من سأدفعها بالطبع. أين أنت الآن ؟
ـــــ أنا في مكتب عبد الله
ـــــ دقائق وأكون عندك إن شاء الله ، لنسرع إلى
المستشفى
ـــــ في انتظارك يا أخي
***********************************
في المستشفى، رمقت حفصة شقيق زوجها يهرول في الطرقة باتجاه غرفة الجراحة، والقلق يعصف بملامحه،
وخلفه زوجها، فقهقت ونادت زوجها:
ـــــ محمد ! ما بال أخيك يجري متلهفا هكذا في الطرقة ههههه اشتقت إليك حبيبي
ـــــ أهذا وقت كلام كهذا يا حفصة ! نحن في المستشفى،
ومخطوبة أخي في غرفة الجراحة وأنتِ تضحكين!!
ـــــ مممممم عذراً زوجي الحبيب. لا أتعاطف معها، فماذا أفعل!!
نظر إليها بعتاب رقيق وقال:
ـــــ لم اعهد منك قسوة القلب يا حفصة
ـــــ حبيبي ليست قسوة قلب ولكنه الشك. غداً ستتيقنون
مما اقول وتعتذرون لي جميعا وأولكم أحمد
ـــــ أما زالت في غرفة العمليات ؟
سل أخاك الذي
جرى الى باب غرفة العمليات وكأن قطعة منه بالداخل ههه
ـــــ أين عبد الله وزوجته ؟
ـــــ جالسان في الاستراحة
ـــــ إذن فنجلس نحن أيضاً في الاستراحة الأخرى حتى تخرج
زينب من غرفة العمليات
***************************************
أخرج أحمد من حافظة نقوده، المبلغ الذي دفعه عبد الله
للمستشفى وقال له:
ـــــ اشكرك يا عبد الله جداً، تفضل المبلغ الذي دفعته
ـــــ ماهذا يا أحمد ! لن آخذه
ـــــ من فضلك هذه مخطوبتي وهذا واجبي أنا، فمن فضلك خذ
المبلغ
أومأ محمد برأسه وقال لعبد الله:
ـــــ خذه منه يا عبد الله. حقاً هو المسؤول عن مخطوبته ولست أنت
أخذ عبد الله المبلغ وقال باسماً لأحمد:
ـــــ هذا شأنك. سآخذ زوجتي وأغادر المستشفى الآن، ونأتي
غداً إن شاء الله
ـــــ تفضلا
وقال محمد لأخيه:
ـــــ وأنا أيضاً سآخذ حفصة ونغادر المستشفى
ـــــ تفضلا
ـــــ وأنت يا أحمد يا أخي ؟
ـــــ لن أغادر قبل أن تفيق و أطمئن عليها يا محمد
ـــــ حسناً . سنهاتفك
للإطمئنان إن شاء الله
ـــــ إن شاء الله
*********************************
حاولت صوفيا كثيراً الاتصال بمانويلا، وفي كل مرة
اتصالها يبوء بالفشل، فزفرت لهيب انفاسها حنقاً وصاحت:
ـــــ ماهذا! كلما اتصلت على مانويلا أجد هاتفها مغلق . أوف! لم تعتد على غلق هاتفها هذه الفتاة..
أخشى أن يكون شيء ما قد حدث أو كُشفت من قبل كيفن وزوجته
أوووف!!
جاءتها مادلين تهرول:
ـــــ مابك الأم صوفيا ؟
ـــــ مانويلا، مانويلا يا مادلين
ردت بانزعاج:
ـــــ ما بها ؟
ـــــ هاتفها
مغلق منذ أن هاتفتني في الصباح . أنتِ
تعلمين أنها تهاتفني ثلاث مرات يومياً، ولكن الغريب اليوم أنها لم تهاتفني غير مرة
واحدة وبعدها أغلق هاتفها
ـــــ وهل اخبرتك بشيء مزعج في الصباح أو يثير القلق، الأم صوفيا ؟
ـــــ لا . أخبرتني أنها ستخرج بصحبة زوجة كيفن للطبيبة
ـــــ ربما لم تعودا بعد للمنزل ونفذ شحن بطارية الهاتف
ـــــ لالالا. ولِمَ تتأخران إلى هذا
الوقت!!! لالا. هناك أمر ما قد حدث
ـــــ لا تخافين على ما نويلا هاها عندها حجج تخرج بها
من كل مأزق
ـــــ مممممممم سأهاتف الآب دانيال، ربما يرى أمراً أو يتصرف بدلاً عنا
رد القس دانيال على الهاتف:
ـــــ مرحباً صوفيا
ـــــ مرحبا آبانا القديس دانيال . مانويلا هاتفها مغلق
منذ الصباح ولم تعتد على غلقه بالطبع
ـــــ هاتفها مغلق ! أهاتفتكِ اليوم ؟
ـــــ أجل هاتفتني في الصباح
ـــــ مممم لا تقلقي، سأرسل من يتحسس الأمر
ـــــ أخشى عليها يا آبانا . ربما كشفوها وآذوها
زأر بوعيد:
ـــــ وحق يسوع لو مسوا شعرة برأسها ليكون العقاب مضاعف
ـــــ هاها وهل هناك عقاب أكثر من تمزيق اللحم وهم أحياء!
ـــــ هناك الحرق، الحرق وهم أحياء. لا تتعجلين الأمر.
ربما حدث شيء بهاتفها ولا يستدعي كل ذلك القلق . سأعرف ما الأمر وأبلغك
ـــــ في انتظارك يا آبانا
********************************************
بدأت مانويلا تفيق وتفتح عينيها:
ـــــ آآآآه ممممممم آآآه ممممممم أين
أنا؟
رد أحمد باسماً:
ـــــ حمداً لله على سلامتك يا زينب
ـــــ أنت !!.... ما الذي اتى بك إلى هنا ؟ أين أنا آآآه
ـــــ انتِ في المستشفى . تم لكِ إجراء جراحة استئصال
الزائدة
ـــــ الزائدة !!!!! آآآآه.. وأين عائشة؟ أين حفصة؟
ـــــ إنتظرتا طويلاً بجانبك، وبعدها غادرتا وزوجاهما، وستأتياكِ
غداً إن شاء الله
ـــــ ....... ولِمَ لم تغادر أنت؟
ـــــ وكيف أغادر قبل أن أطمئن عليكِ يا زينب !!!
ـــــ ....... أمكثت لأجلي ؟
ـــــ بالطبع لأجلك
ـــــ ممممم أشكرك
ههه وعلام تشكريني! هذا واجبي. أنتِ مخطوبتي وستصيرين
زوجتي
.....زوجتك!
ـــــ إن شاء الله
ـــــ هذه المستشفى تبدو باهظة الثمن . من دفع تكاليفها ؟
ـــــ أنا
ـــــ أنت!
ـــــ بالطبع
ـــــ ولكن أنت هكذا دفعت الكثير من الأموال
ـــــ ليس هناك ما هو كثير عليكِ يا زينب ههه
تبسمت ولاذت بالصمت، أطرق أحمد هنيهة، ثم سألها باسماً:
ـــــ ما رأيك في الزهور والهدية ؟
بدا الارتباك على ملامحها:
ـــــ ها!! آآآ زهور جميلة، وهدية جميلة، أشكرك عليها
ـــــ كنت متعجل ولم أتمكن من جلب باقة أخرى من الزهور
اليوم ، ولكن عندما أزورك في الصباح سأحمل
إليكِ باقة أخرى إن شاء الله
سألته والنشوى على ملامحها:
ـــــ هل ستأتي في الصباح ؟
ـــــ بالطبع إن شاء الله ... اتركك الآن لتستريحي .
أتأمريني بشيء قبل أن أغادر ؟
ـــــ آمرك ! بل أشكرك، أشكرك جداً يا أحمد، أشكرك ... سأنتظرك
في الصباح
ـــــ إن شاء الله. أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا أحمد
غادر الغرفة، فعبرت عن إحساسها بهمس من روح الخيال:
ـــــ مممممم كم
هو لطيف، لطيف
سرعان ما عادت إلى صخب واقعها، فتذكرت صوفيا، فشهقت
وقالت:
ــــــ أين هاتفي! أريد أن أحدث الأم صوفيا.. ها هو
تركوه إلى جواري.. ولكن أين الشاحن! أوف! يبدو أنني سأضطر للإنتظار إلى الصباح حتى
أتمكن من مهاتفتها . آآآه ما زال الآلم يعاودني آآآه
**************************************
اشتدت الآلام على السيدة نيكولا، فصرخت مستغيثة بزوجها:
ـــــ آآآه، آآآه ماكس آآآه أين أنت يا
ماكس، ماكس آآآآه
اندفع إلى الغرفة متلهفاً:
ـــــ نيكولا، نيكولا، مابكِ حبيبتي ؟
ـــــ مممممم اشتد الألم
ـــــ خذي الدواء الذي وصفه الطبيب
ـــــ لا يسكن آلامي آآآه لا فائدة منه
ـــــ حبيبتي، إن الطبيب وصفه بالأمس فقط
صرخت باكية:
ـــــ آآآه آآآه
آآآآه أتألم بشدة يا ماكس
قرعت أجراس باب المنزل، فقال ماكس:
ـــــ جرس الباب يدق . سأذهب لأعرف من الطارق وآتيكِ
حبيبتي
فتح الباب فألفى القس دانيال أمامه، فسُر لمرآه:
ـــــالآب دانيال! مرحباً
ـــــ طاب صباحك يا ماكس
ـــــ طاب صباحك يا آبانا
ـــــ افتقدتك والمسيحية الصالحة نيكولا في الكنيسة، فما
الأمر ؟
رد مبتئساً:
ـــــ نيكولا مريضة جداً
ـــــ مريضة ! أين هي لأضع يدي عليها واذهب ما بها من آلام
ـــــ لحظة أبلغها
اندفع
إلى زوجته يقول:
ـــــ نيكولا، الآب دانيال جاء لزيارتك
بدا الضيق على ملامحها وقالت:
ـــــ الآب دانيال ! وما الذي أتى به آآآه دعه يدخل يا ماكس
ـــــ تفضل يا آبانا
حياها القس:
ـــــ طاب صباحك نيكولا
ـــــ مرحبا طاب صباحك يا آبانا
ـــــ مابكِ ؟
ـــــ مريضة، مريضة جداً، والآلام لا تفارقني
ـــــ أين موضع الآلم ؟
اتسعت حدقتاها وسألت باضطراب كونها تعلم مقصده:
ـــــ ها !! لِمَ ؟؟
ـــــ لأضع يدي موضع الألم ليزول ويشفيك الرب
غمغمت في حيرة:
ـــــ ها !!!! ماذا افعل الآن ! الألم في صدري ولا أريد
أن يمسني . يا إلهي
حدق القس في وجهها وقال بملامح جامدة:
ـــــ أين موضع الألم يا نيكولا ؟
ـــــ رأسي، في رأسي
ـــــ إذن سأضع يدي على رأسك ليزول الألم
ما أن هم بوضع يده على رأسها، حتى دق هاتفها، نظرت
بالهاتف فشخص بصرها وتمتمت:
ـــــ يا إلهي! إنه
عبد الله . سأغلق الهاتف تماماً
غضن القس حاجبيه دهشة وقال:
ـــــ ماهذا!.. لِمَ لم تردي على الهاتف يا نيكولا ؟
ـــــ كما ترى يا آبانا، أنا مريضة ولا أحتمل الكلام
ـــــ معكِ حق . رغم أنني حزنت لمرضك وافتقادك في
الكنيسة أيتها المسيحية الصالحة، ولكنني سعيد لأنكِ نسيتِ ولدك وكففتِ عن البكاء
والنحيب
تنهدت بعمق أحزانها وقالت بصوت متهدج:
ـــــ وهل فلذة الكبد تنسى يا آبانا!!! مازالت آلام
الفراق موجعة، ولكن جفت الدموع في عيني
ـــــ أرى أن تذهبين إلى المستشفى . سأرسلك إلى مستشفى
تابعة للكنيسة
ـــــ لا داع يا آبانا
ـــــ كيف ذلك!!! هذا أمر، وستذهبين إلى المستشفى .
الكنيسة لا تنس المخلصين للصليب، وأحباب يسوع
ـــــ اشكرك يا آبانا
آآآه آآآه
*****************************************
ضاق عبد الله ذرعاً من الاتصال بوالدته، دونما فائدة:
ـــــ ماهذا ! أمي منذ أن أغلقت الهاتف لم تفتحه مرة أخرى،
أوف!
لمحته عائشة يزفر حانقاً، فسألته:
ـــــ مابك يا عبد الله يا حبيبي ؟
ـــــ أمي اغلقت هاتفها ولا استطيع الإطمئنان عليها
ـــــ حبيبي ربما كانت متعبة ولا تستطيع الحديث، وبعد
قليل ستكون أفضل وتفتح هاتفها
ـــــ آآآآه قلبي غير مطمئن يا عائشة
ـــــ حبيبي فلننتظر
صاح كمن فقد عقله:
ـــــ يوووه! انتظر،
انتظر، انتظر. هل أنتظر حتى تموت وتقبر أمي!!
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . اهدأ يا حبيبي . لن
اقول انتظر . في الصباح إن لم ترد على الهاتف سأبلغ ابي يذهب بنفسه وكأنه يزور
جيرانه القدامي ويخبرنا بالأمر فلا تبتئس
تنهد ومسح وجهه باضطراب وقال:
ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله .
ـــــ هيا يا حبيبي لتنام
ـــــ لن أنام. سأقضي الليل في الصلاة وأطلب الشفاء من
الله لأمي
ـــــ وأنا ايضا لن أنام وأتركك وحدك . سأصلي معك ونقرأ
القرآن حتى الصباح ، ولكن سأذهب أولا لأحضر لك كوبا من اللبن لتهدأ أعصابك
ـــــ لا أريد شيئا حبيبتي. جزاكِ الله خيرا
ـــــ
لالا، سأذهب وأحضره
**************************************************
عادت بكوب الحليب باسمة:
ـــــ هأنذا أحضرت
لك كوب اللبن، تفضل يا حبيبي
رد بضيق:
ـــــ قلت لكِ لن أستطيع يا عائشة . لا أشعر بالرغبة في أي شيء سامحيني
تباكت تغنجاً:
ـــــ أهكذا ؟ اهئ اهئ حسنا سأبكي لأنك لا تريد أن تشرب
اللبن من يدي اهئ اهئ
ـــــ هه هاتي حبيبتي
ـــــ ههه هكذا أنت حبيبي . سمي الله واشرب واترك الامر لله يا حبيبي
ـــــ بسم الله الرحمن الرحيم
******************************************
بعد أن تحسس والد عائشة من أمر والدة عبد الله، اتصل
ليخبرها:
ـــــ أخبرني يا
أبي ماذا وجدت ؟؟؟
ـــــ للأسف أمه مريضة جداً ونُقلت إلى مستشفى تابعة
للكنيسة
بكت عائشة وحوقلت حزينة:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . والله لا ادري كيف
سأخبره
سمعت زوجها يناديها، فقالت لأبيها:
ـــــ إنه يناديني يا أبي، أستأذنك
ـــــ تفضلي يا ابنتي
مسحت عبراتها وعادت إلى زوجها، فسألها متلهفاً:
ـــــ ماذا قال والدك يا عائشة
ردت متلعثمة:
ـــــ أأأأأ لالالا شيء يا حبيبي.. إنها.. إنها تشعر
بوعكة بسيطة ونُقلت إلى مستشفى تابعة للكنيسة
صرخ عبد الله كمن يرشق بسهام في صدره:
ـــــ أمي, أمي, سأسافر حالاً
ـــــ حبيبي، حبيبي انتظر إن المستشفى تابعة للكنيسة
ودخولك سيثير الشك
صاح بغير اكتراث:
ـــــ يفعلوا ما يشاؤن، إنها أمي، أمي
دق هاتف عبد الله وهو يتجهز مسرعاً لسفرته..اتجه إلى
هاتفه، فإذ هو محمد صديقه، فرد صائحا:
ـــــ محمد، محمد، أمي في المستشفى يا محمد، دخلت مستشفى
تابع للكنيسة
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . اهدأ يا اخي واطلب لها
الشفاء
ـــــ أريد أن أراها، سأسافر حالاً
ـــــ وكيف ستزورها في مستشفى تابع للكنيسة وأنت تعلم أنك مطارد!!
ـــــ لا يهمني أي شيء، أريد أن أرى أمي
ـــــ اهدأ يا عبد الله، سأسافر معك، ولكن لأجل أن ندخل
المستشفى سنتنكر في زي رهبان حتى لا يشك أحد في أمرنا . انتظرني سأسرع إليك الآن
ـــــ أسرع، أسرع، أسرع يا محمد فلا طاقة لي بالانتظار. أمي،
أمي
*********************************
دلفت إحدى الممرضات إلى غرفة السيدة نيكولا:
ـــــ سيدتي نيكولا
ـــــ آآآه آآآه ما الأمر ؟
ـــــ هناك اثنين من الرهبان يستأذنان في الدخول
ـــــ إثنين من الرهبان !!... من يكونا !!... دعيهما يدخلان
ـــــ تفضلا بالدخول
شكرها عبدالله المتنكر في زي الراهب:
ـــــ اشكرك
هرع عبد الله إلى أمه، بينما دخل محمد وأغلق الباب، وبقى
إلى جواره يرقبهما:
انفطر قلب عبد الله وفاضت عيناه بالعبرات وهو يرى أمه
طريحة الفراش تتأوه، انكب على يديها يناديها وروحه تئن:
ـــــ أمي، أمي، أمي
مابكِ يا أمي، دعيني أقبل يديكِ يا حبيبتي، أمي
طفق يقبل يديها بشوق وعبراته تسيل..سألت بنبرة واهنة:
ـــــ مَن ؟
ـــــ أنا يا أمي
ـــــ أمك ! من أنت أيها الراهب ؟
ـــــ لست راهباً، انا كيفن يا أمي
ارتعد جسدها واتسعت حدقتاها كمن طاش عقلها، وصرخت باكية:
ـــــ كيفن! لا،لا،لا، كيف!!... كيف يكون ذلك!! بالله لا
تنكأ الجرح الذي لم يندمل على فراق ولدي..
من أنتما أيها الراهبان؟ من أنتما ومن أين جئتما؟
اقترب محمد وأومأ برأسه يقول لها باسماً:
ـــــ صدقيه يا سيدتي، إنه ولدك كيفن
نشجت بروحها المعذبة وبثت أحزانها:
ـــــ كيفن ولدي مات غريقاً وغرقت في أحزاني معه
خلع عبدالله قبعة الراهب، وقال بصوت مختنق وعبراته
الحارة تسيل على وجنتيه:
ـــــ لا يا أمي، أنا لم أمت. أنظري إليّ جيداً، أنظري إلى
عينيّ، أنظري إلى ملامحي جيداً، سأجلس بين يديكِ لتداعبي شعري كما كنتِ تفعلين بي
صغيراً. هل ستخطيء يداكِ ملمسه ؟ ضعي يدك على صدري واشعري بدقاته المتسارعة من فرط
اللهفة والخوف عليكِ. هأنذا كيفن بين
يديكِ يا أمي
أخذت تتحسس ملامحه بيد مرتعشة وهي تنظر في عينيه، امتزج
الأمل والألم والفرح والبكاءـ، فصاحت لهفة:
ـــــ كيفن، كيفن، ولدي، ولدي. أنت كيفن، كيفن هههه...
لالالالالا .. لست كيفن ... لالالا.. كيفن، كيفن آآآآه
صرخت باكية تقول: حقيقة أم حلم هو!!
ـــــ حقيقة يا أمي، حقيقة.. . أأسف عن كل الآلام التي سببتها لكِ يا أمي، سامحيني، سامحيني
لامته بعبراتها:
ـــــ لِمَ يا كيفن
!!! لِمَ يا ولدي!!! هل هانت عليك أمك! هل هانت عليك دموعي وحرقة قلبي عليك يا كيفن
ـــــ والله يا أمي لم يكن بيدي، يا أمي فررت بديني. لم أجد
سبيلاً غير ذلك، صدقيني
عصرت عينيها دموعاً وقالت بنبرة مرتجفة:
ـــــ اشتقت إليك
يا ولدي، اشتقت اليك يا كيفن، خذ بيدي لأقوم واحتضنك يا قرة عيني
ـــــ لا يا أمي، لا تقومي، أنا الذي سأنكب على صدرك
مقبلاً لتسامحيني، سامحيني، سامحيني
تشبثت بيده وقالت باكية:
ـــــ اجلس يا كيفن، اجلس يا ولدي، اجلس الى جوار أمك،
لا تتركني مرة أخرى يا كيفن، لا تتركني إلا عندما تصعد روحي. لن أطيق فراقاً أكثر
من ذلك عنك يا حبيبي يا ولدي
ـــــ لن اتركك يا أمي. أنا إلى جوارك يا حبيبتي
نظرت إلى محمد وقالت:
ـــــ من هذا يا حبيبي ؟
ـــــ انه محمد صديقي. اضطررنا للتخفي في ملابس الرهبان
حتى نتمكن من زيارتك دون أن نثير الشك يا أمي
ـــــ مرحباً يا محمد يا ولدي
ـــــ مرحبا سيدتي. تركتك أنتِ وولدك للمشاعر المختلطة
والدموع، ونسيت أن أقول شفاكِ الله يا سيدتي
ـــــ بارك الله فيك يا ولدي
نظرت إلى عبد الله وقالت بيقين:
ـــــ كيفن، أنت عبد الله، أليس كذلك ؟
تبسم من خلف دموعه وقال:
ـــــ لتعلمي أنني لم أطق عنك فراقاً يا أمي
ضحكت بوهن وقالت بلوم المحب:
ـــــ أنت!! آآآه لو كنت بعافيتي آآآه
ـــــ هاها ماذا كنتِ ستفعلين؟
نشجت وقالت بغيظ من فعلته:
ـــــ سأنهال عليك صفعاً جزاء لما فعلته بي
ـــــ هههه وأنا موافق. عندما يمن الله عليكِ بالشفاء،
سأقف بين يديكِ وانهالي عليّ صفعا كما شئتِ يا حبيبتي
تشبثت بيده وقالت باكية وعبرات الحنين تفيض من عينيها:
ــــ ولدي، ولدي،
بل سأنهال عليك تقبيلاً وأحضاناً يا عبد الله. اشتقت إليك يا حبيبي، اشتقت اليك يا
عبد الله اقترب مني، أريد ان أقبلك يا ولدي
احتضنها باسماً، وقال وعيناه تذرفان الدمع
ـــــ أنا من يريد تقبيلك يا أمي
أمطرها بقبلات الحنين، فسرت السعادة في دواخلها وأثنت
عليه:
ـــــ ههه حبيبي يا ولدي، حبيبي
ـــــ ولكن يا أمي مع كل ذلك ومع ما شعرتِ به من آلام لفراقي وفقدي،
ألم تستشعري أن ذلك كان لحكمة وهي أن يرق قلبك للإسلام وتصبحين من المسلمين؟
ـــــ الحمدلله يا ولدي ، حقاً إن لم يكن حدث اعتقادي
بموتك، فربما ظللت على قسوة قلبي وكفري وعنادي. الحمدلله على نعمة الإسلام آآآه آآآآه
ـــــ أما زالت الآلام بكِ يا أمي ؟
ردت ناشجة:
ـــــ مازالت الآلام يا ولدي...حان اقتراب الأجل يا عبد
الله ..عندما وجدتك، ستفقدني أنت
ـــــ لا يا أمي، لا، بالله لا تقولي ذلك ولا تمزقي قلبي،
لا
ـــــ يا ولدي لك ان تفرح أن أمك ستموت على الإسلام, لا
تحزن يا ولدي, أدعو الله أن يرحمني
ويتجاوز عني, أتيته راغبة فيه، أتيته راغبة في غفرانه..سامحني ياربي.. سامح أمتك
الضعيفة التي لولاك ما اهتدت وآبت اليك
رجاها وعبراته تسيل:
ـــــ أمي، أمي بالله لا ترهقي نفسك بالكلام، وكفي عن
البكاء
ـــــ امسح دموعك يا ولدي فلا أحب أن أراك دامعاً أبداً
يا قرة عيني..الحمدلله.. الحمدلله
ـــــ أمي، أمي حبيبتي يا أمي
ـــــ يا ولدي إنه من رحمة الله أن أعرف أنك حي وأراك
بخير قبل أن افارق الحياة . فقط لا تبتعد عني يا ولدي حتى تفيض روحي
ـــــ والله يا أمي لن أفارقك، فبالله لا ترهقي نفسك بالكلام أكثر من ذلك
ـــــ وكيف يا حبيبي لا أتكلم معك وقد حُرمت منك طويلا!
... هل تزوجت عائشة يا عبد الله ؟
ـــــ أجل يا أمي تزوجتها
ـــــ إذن فهي مؤمنة التي تحدثت اليها
ـــــ أجل يا أمي هي
ـــــ طيبة القلب زوجتك يا ولدي، فاحفظها وراعها ولا تغضبها
يوماً, كنت اود ان ارى ولدك الذي مازال في بطن أمه ولكن لن يمهلني الأجل..اقترب
لأقبلك قبلة تطبعها على جبين ولدك وقل له هذه من جدتك..حفظ الله لك زوجتك وولدك وحفظك من كل سوء يا حبيبي يا ولدي
ما أن طبعت قبلة على جبهته، حتى سمعوا دقات على باب
الغرفة، فشخص بصر عبد الله وازدرد ريقه وقال لصديقه:
ـــــ سل من بالباب يا محمد
ـــــ من بالباب؟
ـــــ دانيال
تمتم عبد الله بارتباك:
ـــــ دانيال!!
تعجلته والدته باضطراب:
ـــــ ولدي، ولدي ارتدي قبعة الراهب ولا تخبره من أنت،
يا إلهي احمي ولدي يا إلهي
أسرع بوضع قبعة الراهب على رأسه ووقف إلى جوار صديقه،
فقالت السيدة نيكولا للقس:
ـــــ تفضل يا
آبانا
ـــــ طاب صب صباااا.. من أنتما أيها الراهبان؟
رد محمد بثبات:
ـــــ راهبان جئنا من كنيسة كانت تزورها السيدة نيكولا
أخذ القس يتفرس في ملامحهما المضطربة بعينين حادتين،
فالتقت عيناه بعينيّ عبد الله، فاتسعت حدقتاه حين أدرك أنه كيفن.....أسر الأمر في
نفسه وتبسم لكيفن الذي زاغ بصره ارتباكا وقال ساخراً من الراهبين:
ـــــ ممم هاها
كم هي لائقة عليكما ملابس الرهبان
اقترب بتؤدة من عبد الله وسأله بمكر:
ـــــ ما اسمك ايها الراهب ؟
ـــــ إسمي أندرو
ـــــ ممممم هاها.. اندرو . مرحباً اندرو
ـــــ مرحباً أيها الآب
سدد نظرة حادة إلى محمد وسأله:
ـــــ
وأنت؟
ـــــ جورج
ـــــ هههه مرحباً جورج
ـــــ مرحباً يا آبانا
استدار إلى عبد الله وقال وهو يغضن حاجبيه:
ـــــ ولكن يبدو أن أندرو يحب السيدة نيكولا حباً عظيماً.. عيناه
تذرفان الدموع هاها
رد عبد الله بثبات:
ـــــ السيدة نيكولا سيدة عظيمة، اعتادت على مساعدة
فقراء الكنيسة والعطف على المساكين، لذا فلها مكانة كبيرة في نفسي وأحبها جدا كأمي
انفجر القس ضاحكاً وقال:
ـــــ أمك ؟ ههههه كم أنت طيب القلب يا أندرو مممم كيف
حالك يا نيكولا ؟
ـــــ أنا بخير، بخير يا آبانا آآآه
ـــــ مممممم هل تعرفين هؤلاء الرهبان
شخص بصرها وارتجفت، فرد عنها عبد الله من فوره:
ـــــ السيدة نيكولا لا تعرفنا معرفة شخصية ولا تعرف حتى
اسمائنا ولكن نحن نعرفها جيدا لذا فعندما
افتقدناها سألنا عليها وعرفنا أنها هنا في المستشفى فجئنا إليها على الفور
هاها كم أنت مرتب الفكر يا ......... أندرو هاها
ـــــ أشكرك أيها الآب
سمعوا دقات على الباب، فسأل القس:
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ ماكس
ارتعد جسد عبد الله حين سمع اسم والده, وهمس في أذن
محمد:
ــــ إـنه أبي يا محمد، أبي. كم أود أن أحتضنه، أبي
همس له محمد:
ـــــ اخفض صوتك يا عبد الله فهذا الآب يكاد يلقي آذانه
عند افواهنا
قال الآب لوالد عبدالله:
ـــــ تفضل يا ماكس
ـــــ طاب صباحكم. من أنتما ؟؟؟ من هذان يا آبانا ؟
ـــــ هاها آلا تعرفهما ؟
ـــــ ومن أين لي بمعرفتهم! . أراهم لأول مرة
استدار القس إلى عبد الله وأشار إلى والده وسأله والدهاء
يملع في عينيه:
ـــــ وأنت يا أندرو
...... ألا تعرف هذا الرجل ؟
ـــــ لا
ـــــ هاها ممممم رائع أنت، رائع ... . نريد أن نسمع بعض
من الإنجيل يقرأ بأصواتكما الشجية هاها
اضطربت ملامح عبد الله وهمس لحمد:
ـــــ ماذا ! كيف نتصرف الآن يا محمد ؟؟؟؟؟
همس له محمد:
ـــــ إنتظر يا عبدالله
تبسم محمد وقال للقس بملامح واثقة:
ـــــ في خدمتك أيها الآب، فاسمع
اتسعت حدقتا عبد الله وهمس في أذن محمد:
ـــــ ما هذا يا محمد! هل ستقرأ من الإنجيل حقاً ؟
ـــــ سأقرأ بعض الأشياء البسيطة البعيدة عن الشرك، لا
تخف يا عبد الله
غضن القس حاجبيه وقال وهو يعبث بشعيرات ذقنه:
ـــــ فيما تتهامسان أيها الراهبان ؟ هاها هل نسى أحدكما فيذكره الآخر ؟؟
قال محمد بحسم:
ـــــ سأقرأ ايها الآب
أشاح القس بيده وقال وهو ينظر بتحدٍ إلى عبد الله:
لا . بل أريد ان اسمع من أندرو هاها.. هيا يا أندرو، هيا
اشتعلت دواخل عبد اللع غيظاً وتمتم بغليل:
ـــــ تباً، تبا لك يا دانيال
همس له محمد:
ـــــ اخفض صوتك يا عبد الله، اقرأ
انتهى
عبد الله من قراءة بعض من الإنجيل، ثم قال للراهب بابتسامة متكدرة:
ـــــ هل أسمعك أكثر أيها الآب أم أن ما سمعته يكفي ؟
ـــــ يكفي هاها
باركك الرب يا أندرو
ـــــ أشكرك أيها الآب
قال القس وهو يستعد لمغادرة الغرفة:
ـــــ أترككم
الآن، وسآتي قريباً لتفقد أحوال نيكولا الصحية ... وأنتما أيها الراهبان ألن تغادرا
المكان ؟ أعتقد ان الزيارة قد تمت وعليكما الإنصراف
رد عبد الله:
ـــــ سننصرف وسنعود مرة أخرى
ـــــ هاها مرحبا بكم في أي وقت . نشكرك على الزيارة يا
..... أندرو وأنت يا ....... جورج
قال عبد الله للقس:
ـــــ نشكرك أيها الآب . معذرة، سأذهب لتقبيل يد السيدة نيكولا
قبل المغادرة
قهقه القس وقال ساخراً:
ـــــ تفضل يا أندرو هاها
همس عبد الله في أذن أمه:
ـــــ أمي، أتركك الآن يا حبيبتي وسآتي في المساء
ـــــ إخفض صوتك يا حبيبي، لا أريد أن يمسك أحد بسوء. من
الأفضل ألا تأتي
ـــــ بل سآتي إن شاء الله
قبل يدها ثم فرد قامته وقال بصوت يسمعه الجميع:
ـــــ باركك الرب سيدتي نيكولا
ـــــ باركك الرب أيها الراهب
***************************************
عاد القس إلى الكنيسة وهو يستحضر ما حدث ويقهقه:
ـــــ رهبان هاها . مشهد تمثيلي رائع يا كيفن أنت وصديقك
ههه
سمع أحد أتباعه صوت قهقهته، فأتاه مهرولاً:
ـــــ مرحبا بعودتك آبانا دانيال
ـــــ مرحبا جوزيف هاها
ـــــ اراك تضحك يا آبانا . فما السبب ؟
ـــــ هههه كيفن وصديقه جاءا لزيارة أمه متنكرين في زي
رهبان هاها
ـــــ رهبان ! ولكن كيف عرفتهم يا آبانا ؟
ـــــ لأول وهلة
لم أعرفهما.. ولكن عندما اقتربت عرفت أنهما
مسلمان
أسدل تابعه حاجبيه وقال مندهشاً:
ـــــ وهل للمسلمين ما يميزهم يا آبانا ؟
زفر وأومأ برأسه وقال وهو يستعر غليلاً:
ـــــ أجل، أجل.. سيماهم على وجوههم من أثر السجود
ـــــ عرفتهم من آثار السجود إذن يا آبانا
ـــــ أجل يا جوزيف.. ولذا فنظرت في أعينهم فوجدت عينيّ كيفن
في أحدهما، وتأكدت أنه هو
ـــــ ولكن هل عرفته أمه ؟
ـــــ لا اظن ذلك . نيكولا قد ضعف بصرها من كثرة البكاء
على ولدها . كما أن نيكولا مسيحية صالحة، ولو كانت تعلم بإسلام ولدها ما حزنت عليه
. إنها من أشد أحباب يسوع ... لا عليك من هذا الحديث، سأهاتف صوفيا لأخبرها بالأمر ... تباً للنسيان. نسيت أمر مانويلا . أنساني هذا الكيفن اللعين
سمعت صوفيا جرس هاتفها، فردت على القس:
ـــــ مرحباً آبانا، هاتفتني مانويلا واطمئننت عليها
سأل باحتداد:
ـــــ وأين كانت ؟
ـــــ اجرت جراحة استئصال الزائدة التي فاجأها ألمها وهم في طريق
العودة للمنزل
ـــــ مممممم ألم تخبرك بأمر كيفن وقدومه إلى ميونخ ؟
ـــــ وهل جاء كيفن إلى ميونخ ؟
ـــــ ألم تعلمي بمرض أختك؟
ردت بنبرة قلقلة:
ـــــ أختي نيكولا ! مابها ؟
ـــــ ظننت أنك تعرفين أنها بالمستشفى
التابع للكنيسة لشدة مرضها
صرخت باكية:
ـــــ أختي! لم أعلم بهذا من قبل، سآتي على الفور إلى ميونخ لزيارتها
ـــــ تعالي فزوريها، فيبدو أنها في أيامها الآخيرة
نزلت دموعها الحارة وقالت متحسرة:
ـــــ نيكولا!! قادمة على الفور
ـــــ وأنا سأعد لها موكب جنائزي مهيب يليق بها كمسيحية
صالحة، وتدفن الى جوار الصالحين من أحباب يسوع
************************************
أغلقت صوفيا الهاتف وقد رج نحيبها أركان الدير، هرعت
إليها الراهبة مادلين:
ـــــ مابكِ الأم صوفيا ؟
ـــــ سأسافر حالاً الى ميونخ يا مادلين، أختي نيكولا
مريضة جداً وربما تموت في مرضها
ـــــ أأسف لسماع هذا الخبر، الام صوفيا
قالت بنبرة أرجفتها الأحزان على شقيقتها:
ـــــ ربما موتها يكن رحمة بها، حتى لا تكتشف ما سيحدث
لولدها وزوجته ...رغم حزني عليها سعيدة لاجلها .. يجب أن أكون الى جوارها في
لحظاتها الأخيرة
ـــــ أعلم من ذلك أنك لن تعودي اليوم أو غداً؟
ـــــ لا أعتقد ذلك، سأظل إلى جوار أختي يا مادلين
ـــــ ممم باركك الرب الأم صوفيا . سنفتقدك في الدير ...
ولكن من ستحل محلك في إدارة الدير حتى
تعودي ؟
ـــــ اجمعي الراهبات لأخبرهم أنك من ستحل محلي في غيابي
أومأت الراهبة مادلين برأسها تحية للأم صوفيا وقالت:
ـــــ أشكرك على الثقة، الأم صوفيا
**************************************************
نادت مادلين في الراهبات:
ـــــ ايتها الراهبات، تعالين
هرولت الراهبات وهن يتهامسن:
ـــــ ما الأمر؟؟
أنحنت الراهبات أمام الأم صوفيا، التي شمخت بأنفها في
تجهم:
ـــــ طاب صباحك الأم صوفيا
أعطتهم الأوامر بنبرة غليظة واحتداد:
ـــــ سأسافر الى ميونخ على الفور، ومادلين ستحل محلي،
فلتأتمرن بأوامرها ولتنتهين بنواهيها.. أسمعتن؟؟
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
استدارت إلى مادلين تقول بنبرة وعيد:
ـــــ إن ضايقك أي تصرف من إحداهن، فبلغيني حتى ينالها
العقاب
ـــــ لا تشغلي بالك بالدير الأم صوفيا. الراهبات مطيعات، ولا اعتقد أني سأجد ما
يزعجني منهن
ـــــ بارككم الرب.. فلتنصرف كل منكن الى ماكانت تعمل
***************************************
كاد القلق على عبد الله يقتل عائشة، التي حاولت مهاتفته
مراراً دون جدوى، فبكت خشية أن يكون قد افتضح أمره وتعرض للإيذاء، ظلت على حالها
البائس حتى هاتفها وطمئنها أنه بخير، أنهى المحادثة وقال لمحمد:
ـــــ محمد، من فضلك اطلب من زوجتك المبيت مع عائشة
زوجتي حتى أعود إليها، فأنت تعلم أنها وحدها ولا أأمن عليها
ـــــ لا تخش شيئا يا أخي، سأرسل إليها حفصة على الفور
إن شاء الله
ـــــ بارك الله فيك وفيها يا محمد
****************************
أتت حفصة مسرعة إلى عائشة، ودقت الأجراس وهي تنادي
بروحها المرحة:
ـــــ افتحي يا عائشة، جاءت إليكِ حفصة حبيبتك ههه
سمعت صوتها فتبدد بعض ما بها من حزن، وقالت:
ـــــ حفصة، قادمة حبيبتي قادمة
فتحت الباب ورحبت بابتسامة مشوبة بالكأبة:
ـــــ مرحباً، مرحبا يا حبيبة
ـــــ ههه السلام عليكم ، ما هذه الكآبة التي تعلو قسمات
وجهك!
ـــــ وعليكم السلام يا حفصة، تفضلي حبيبتي
ـــــ أشكرك..ما بكِ يا حبيبة ؟
أجهشت عائشة بالبكاء:
ـــــ حزينة على والدة زوجي، وحزينة لحزن زوجي ..صوته مليء بالأشجان،
وحاولت التماسك وأنا أحدثه حتى لا أزيد حزنه
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . ألا يوجد أي بارقة أمل
في شفائها ؟
ـــــ لا ، من الواضح انها قاربت على المنية
ـــــ حبيبتي وحتى لو كان ذلك فهذا مآلنا جميعا فتجلدي . أعلم أنك حزينة لحزن زوجك، ولكن
فليكن عزائكما الوحيد انها ستموت على الإسلام إن شاء الله
ـــــ الحمدلله يا حفصة . أأسف حبيبتي لم أكن أحب أن أستقبلك
بالبكاء هكذا
ـــــ حبيبتي أنتِ و راحتك، ابكي كما شئتِ، لم آت لأحبس حريتك في بيتك ههههه
ـــــ هه سأعد لكِ الغداء
ـــــ لالالا، لا ترهقي نفسك يا حبيبة، سأعده أنا . كم أنا
فرحة اني سأبقى معك وأستأنس بصحبتك يا صديقتي الحبيبة
ـــــ بارك الله فيكِ يا اختي
دق هاتف عائشة، فقالت حفصة:
ـــــ جرس هاتفك يدق يا عائشة . لا تنهضي ، لا تنهضي سأحضره لكِ
ـــــ ههه بارك الله فيكِ يا حفصة . من على الهاتف ؟
ـــــ أها! إنها أمك هاها مممم ما رأيك أن أرد عليها أنا وأحييها أولاً ؟
ـــــ ههه تفضلي بالطبع
ـــــ السلام عليكم يا أمي مريم
ـــــ أمك مريم !! من أنتِ وأين ابنتي ؟
ـــــ هاها وهل أنا لست كابنتك ؟ انا صديقتها حفصة
ـــــ هههه حفصة، كيف حالك يا حبيبتي؟ حدثتني عنكِ عائشة
كثيراً
ـــــ هاها وماذا قالت ؟
ـــــ قالت أنك حبيبة وقريبة إلى قلبها كفاطمة تماماً
ـــــ ههه جزاك الله خيرا يا أمي . انا جئت لأقيم مع
عائشة حتى يجيء زوجها بسلامة الله
ـــــ حقا ؟ بارك الله فيكِ يا حفصة الجميلة انتِ
ـــــ أنتِ الأجمل، سعيدة لسماع صوتك . معك عائشة يا أمي تفضلي
ـــــ جزاكِ الله خيرا يا ابنتي
ـــــ السلام عليكم يا امي
ـــــ وعليكم السلام يا عائشة آآآه حمداً الله إن حفصة
معك . كنت على وشك الشجار مع أبيكِ بشأنك
ـــــ لِمَ يا أمي!!!
ـــــ وهل تظنين أني أتركك وحدك ؟ جن جنوني حين علمت أنك
وحدك وزوجك هنا في ميونخ
ـــــ إهدئي بالاً
يا أمي، فحفصة معي الحمدلله
ـــــ الحمدلله يا ابنتي، وهذا ما هدأ من خوفي عليكِ. لا
تفتحا الباب لأحد، أسمعتي؟
ـــــ هههه كنتِ دائماً تقولين لي ذلك حين تخرجين من
المنزل وتتركيني وحدي وأنا صغيرة
ـــــ قلت لكِ مازلتِ صغيرة، وأخاف عليك يا قرة عيني
ـــــ سلمتِ لي يا امي . كيف حال أبي ؟
ـــــ والله حزين جداً على والدة عبد الله، وخاصة اننا
لم نتمكن من زيارتها . زوجك أبى ذلك خوفا من أن يشاع أن أمه على علاقة بمسلمين
ويشكون فيها
زفرت عائشة بضيق وقالت:
ـــــ أخرجنا الله من بين أيديهم سالمين يا أمي
ـــــ آمين يا ابنتي. أتركك لصديقتك ولا أطيل الحديث أكثر
من ذلك
ـــــ أشكرك يا أمي. سأهاتفك غداً كما اعتدت يومياً
ـــــ في انتظارك يا ابنتي، في حفظ الله ورعايته. السلام
عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا أمي
**************************************************
كان الدكتور محمدي( لوكاس) يطالع أحد الكتب باهتمام، حين
سمع قرعات جرس الباب، وضع الكتاب على المنضدة المجاورة، وسأل:
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ أنا سالم
يا دكتور محمدي
انتصب واقفاً وقال لخادمته التي كانت تتجه لفتح الباب:
ـــــ هاها إنتظري أنتِ، سأفتح أنا
ـــــ أمرك يا دكتور هاها
فتح الباب واقفاً على قدميه وابتسامة عريضة على وجهه،
وقال:
ـــــ مرحباً هاها
أرجفت الدهشة دكتور سالم وكأنه لا يصدق عينيه:
ـــــ لالالالالا يا إلهي!!... ماهذا!!...دكتور محمدي
واقف على قدميه! هل أنا أحلم !!!!
ـــــ هاها بل إنها
حقيقة يا أخي سالم. تفضل، هذه أول مرة أعانقك كتفاً بكتف هاها
مرحباً يا أخي
قال وما زال متلبساً بذهوله:
ـــــ يا الله!!!!...اللهم لك الحمد.... أخبرني كيف حدث ذلك ؟؟؟
ـــــ هاها تفضل هنا بالجلوس وسأخبرك يا أخي . فقط سأذهب لأعد لك كأسا من العصير بنفسي ولأول
مرة هاها
ـــــ هههه في انتظارك لتقص عليّ.. مع انني ما زلت
مندهشاً. الحمدلله، الحمدلله، الحمدلله
**************************************************
عاد الدكتور محمدي بالعصير بالذي أعده:
ـــــ ها هو العصير تفضل هاها أتحداك أن تجد مذاقا كمثل
مذاقه في أي مكان هاها
ـــــ هههه أشكرك دكتور محمدي . أخبرني بالله ماذا حدث . مفاجأة سارة، سارة. والله
ارتجف لها بدني
جلس الدكتور محمدي قبالته، وقال والسعادة تغرد على
قسماته:
ـــــ ههه أخبرك يا أخي ... كنت قبيل الفجر منذ يومان أبكي وأصلي
على الكرسي المتحرك ككل يوم.. ولكن هذا اليوم اشتد فيه بكائي ورجائي وتوسلي لله ان
يشفيني، وأقف على قدمي حتى أتمكن من
السجود ولو لمرة في حياتي.. وظللت أبكي وأبكي وأرجو ربي واتذلل بين يديه بضعفي وقلة حيلتي.. وإذ
فجأة شعرت بقوة عجيبة تسري في جسدي وإذ بي
أحاول الوقوف مرة بعد مرة، مرة بعد مرة حتى وقفت، وقفت يا سالم، وقفت وظللت أبكي وأكبر
وأهلل ودموعي تنهمر، وقلبي يكاد يقف من شدة الفرح . يا الله!!.. لحظة مهما تكلمت
عنها ووصفتها لن أستطيع وصفها . سبحان الله.. كم هو قريب، قريب جداً..
يشعر بنا ويستمع إلينا ويرحمنا ويستجيب
دعائنا. يا الله، يا الله لك الحمد في كل وقت وحين يا الله
طفرت عبرات دكتور سالم، وقال بنبرة مرتعدة:
ـــــ أدمعت عيني يا أخي. الحمدلله الذي يجيب المضطر إذا
دعاه.. الحمدلله الذي يرحم عبده الذي سكب دموعه ورجاه
ـــــ الحمدلله يا أخي سالم، الحمدلله ... ولكن سأكتم إسلامي كما أنا
ـــــ افعل ما شئت يا أخي . نسأل الله أن يعز الإسلام
والمسلمين
ـــــ اللهم آمين آمين . ها؟ ما رأيك في العصير الذي لم
تشربه حتى الآن؟ هاها
ـــــ هاها والله من شدة فرحتي نسيت . بسم الله الرحمن
الرحيم مممممم طيب المذاق حقاً
ـــــ هاها بل رائع المذاق من فضلك
ـــــ هاها رائع دكتور محمدي، رائع
**************************************
انتبهت مانويلا لدقات هادئة على باب غرفتها بالمستشفى،
فسألت:
ـــــ من؟
ـــــ أنا أحمد يا زينب . أتسمحين بالدخول ؟
أشرق وجهها لمجيئه وقالت:
ـــــ تفضل يا أحمد
أهل عليها بابتسامة وهو يحمل باقة زهر، وألقى عليه
السلام:
ـــــ السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام
ـــــ تفضلي باقة الزهر
ـــــ هه اشكرك
جلس في مقعد قريب وسألها باهتمام:
ـــــ كيف تشعرين الآن ؟
ـــــ أفضل
ـــــ قولي الحمدلله
ـــــ الحمدلله
أطرق هنيهة محاولاً جمع أحاديث الهوى المبعثرة في دواخله
ليسردها على مسامعها، فتعثر وضل المسير..فعاد بعبارة جوفاء:
ـــــ مممم أمي ستأتي لزيارتك اليوم إن شاء الله
ـــــ مرحبا بها
تعثرت الأحرف على شفتيه:
ـــــ ممممم أأأأأأ
ـــــ أتود أن تقول شيئا ؟
ـــــ ههه كنت سأقول أنني بدأت في تجهيز منزلنا إستعداداً لزواجنا
شردت هامسة:
ـــــ زواجنا!
أفاقت من شرودها وسألته:
ـــــ هل أنت مصر حقاً على الزواج مني يا أحمد ؟
ـــــ وهل عندك شك في ذلك يا زينب ؟
ـــــ .... لِمَ أنا يا أحمد ؟
ـــــ قبل أن أراكِ كان السبب هو ما سمعته عن التزامك،
وبعد أن رأيتك أصبح السبب هو أنني شعرت بالإرتياح إليكِ وكأنني أعرفك منذ أمدٍ
بعيد ... هل أنتِ لا تشعرين بالراحة وأنتِ تتحدثين إليّ ؟
تلعثمت خجلاً:
ـــــ هااا ! أأأأأ من فضلك هذا السؤال مخجل
ـــــ ههه أأسف أن تسببت في خجلك . سأستبدل سؤالي وأقول
هل أنتِ تشعرين أني الزوج الذي تحلمين به
؟
ـــــ هذا السؤال مخجل أكثر من فضلك
ـــــ هههه إذن سأصمت أفضل
ـــــ هههههه
ـــــ هههه سعيد لأنك ضحكتِ . يقول الطبيب أنكِ ستغادرين
المستشفى غداً صباحاً. سآتي لأصطحبك أنا وأمي للمنزل بالسيارة إن شاء الله
ـــــ أشكرك يا أحمد
ـــــ أتركك الآن لتستريحي، وسأترك الزهر إلى جانبك يعبر
عما لا أستطيع أن أعبر عنه
ـــــ مممم شكرا
ـــــ السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام
أخذت تتفرس في الزهور باسمة وتهمس لنفسها:
ـــــ ممم زهر رقيق كمن أحضره ههه لطيف حقاً هذا الشاب ومؤدب.. أها!
بطاقة ملونة اخرى . ماذا كتب عليها!
أمسكت بالبطاقة التي أرفقها مع الزهر وطفقت تقرأها:
(انتظر اليوم الذي يجمعنا في بيت واحد كزوجين متحابيين، نزرع
نبت الإيمان في أرضنا فيطرح أشجار توحيد تملأ الكون بلا إله إلا الله محمدٌ رسول
الله ..ونحمد الله أن جمع قلبينا على
التوحيد، ونسجد له شكراً أن جعلنا زوجين..في انتظار يوم زواجنا بكل الشوق)
تربد وجهها وأطلت الحيرة من عينيها وقالت:
ـــــ ممممم توحيد ! لا إله إلا الله !!!!!! حقاً ؟ لا
اله الا الله ؟ مممممم آآآآه من الحيرة آآآآه
أجهشت بالبكاء وقالت بارتعاد:
ـــــ وكأنني في
بحر تصارعني أمواجه ، مالي أنا والخروج من
الدير!!!
*****************************************
انكبت صوفيا على صدر أختها تبكيها بحرقة:
ـــــ نيكولا أختي، نيكولا، مابكِ يا أختي ؟
فتحت نيكولا عينيها وقالت بابتسامة واهنة:
ـــــ صوفيا، صوفيا، مرحباً
ـــــ جئت من برلين لأجلك بعد أن أخبرني الآب دانيال باركه الرب أنك مريضة
ـــــ آآآه آآآه كنت أود أن أراكِ حقا قبل أن أغادر الحياة
قالت صوفيا بلوعة، وعبراتها تنهمر:
ـــــ حُرمت منك طيلة حياتي يا نيكولا، منذ كنا صغيرتان
ونحن مفترقتان، لولا خدمة الرب ما كنت
مفارقتك أبداً أختي الكبيرة الحبيبة
ـــــ لا أريد أن أفارقك على البكاء يا صوفيا . كفانا
بكاء يا أختي آآه آآآه أريد أن أرى ابتسامتك
ـــــ ابتسامتي ! وعلى أي شيء ابتسم يا نيكولا ..أريد أن
أقول أني أحبك يا نيكولا، أحبك وكنت أحب كيفن جداً
طفرت عبرات نيكولا ونطقت اسم ولدها بأسى:
ـــــ كيفن... عودي إلى برلين يا صوفيا
ـــــ لا، لن أفارقك يا أختي
ـــــ عودي إلى برلين يا صوفيا. عودي آآآه . ماكس بجانبي، عودي إلى الدير يا صوفيا
ـــــ لا تحرميني هذه اللحظات يا نيكولا، فارقتك كثيراً
قبل ذلك
ـــــ وهل جلوسك إلى جانبي سيمنع الفراق يا أختي ! آآآه
عودي إلى برلين يا صوفيا، ولا تعذبيني أكثر من ذلك
قالت وهي تكفكف عبراتها:
ـــــ أمرك يا أختي، أمرك يا نيكولا ... دعيني أقبلك وأحتضنك قبل أن أتركك
انكبت على صدرها تبكي وتقبلها منتحبة:
ـــــ أختي، أختي،
أختي
ـــــ لا تبكي يا صوفيا، لا تبكي يا أختي . فقط تذكريني وتذكري أنني أحبك يا
أختي آآآه وشقيت بفراقنا طيلة الحياة كما
شقيتِ أنتِ آآآآه قومي يا صوفيا، قومي يا اختي وعودي الى الدير آآآه
********************************************
هرع تابع
القس دانيال ليخبره بأمر هام:
ـــــ الأم صوفيا جاءت من برلين وفي انتظار الإذن بالدخول
ـــــ صوفيا! فللتفضل
ـــــ تفضلي الأم صوفيا
ـــــ اشكرك يا جوزيف
باركك الرب يا ولدي
ـــــ طاب مساؤك يا
آبانا
ـــــ مرحبا صوفيا طاب مساؤك . هل زرتِ نيكولا ؟
ردت ناشجة:
ـــــ أجل زرتها.. وكنت أود البقاء إلى جانبها، ولكنها رفضت بشدة وقالت ماكس إلى جوارها
ـــــ حسناً. دعيها وشأنها
أخرج القس خنجراً من بين طيات ملابسه ونظر إلى شفرته
الحادة اللامعة وقال وكأنه يتغزل:
ــــــــــ انظري
إلى هذا الخنجر
ـــــ خنجر!
صاح بغليل:
ـــــ احضرته ليشق صدر كيفن الكافر، الكافر الذي ترك
دينه لأجل امرأة
ردت وغليلها نحو كيفن يسري في دواخلها فيأججها:
ـــــ أنت محق يا آبانا ..هو يستحق ذلك، وتستحق الأفعى
التي تزوجها..لو كان فيه خيراً لما ترك أمه
تتجرع مرارة الحزن على فراقه، بينما هو على قيد الحياة منعم بين أحضان زوجته، لو كان فيه خيراً لما ترك أمه في هذه
الساعات وجلس تحت قدميها يذرف الدموع
ـــــ كيفن هنا في ميونخ
اتسعت حدقتاها وسألت والغليل يفري كبدها:
ـــــ كيفن هنا؟ أين هو ؟؟ أين ؟
ـــــ جاء عندما تحسس أمر أمه وعلم بمرضها . تنكر في ثوب
راهب هو وصديقه وجاءا من دوسلدورف لزيارتها
ـــــ وهل علمت نيكولا أن هذا ولدها ؟
ـــــ بالطبع لا . أنا رأيتها غير عابئة بالأمر
ـــــ وبأي حجة جاء لزيارتها إذن ؟
ـــــ جاء بحجة أنه راهب ومن ضمن واجباته تفقد احوال المرضى والصلاة
للرب من أجل شفائهم
هاج هائج الراهبة وتوعدت كيفن:
ـــــ ماكر، ماكر آآآآه صبراً يا كيفن، صبراً.. . نشكر
الرب أن أمه لن تعلم بما سيصيبه على يدينا عما قريب.. كل يوم يمر يزداد غلي وحنقي وغيظي
آآآآخ يا كيفن آآآآخ
ـــــ قلتِ انك ستبدأين بذبح زوجته أمام عينيه، وستلطخين
وجهه بدمائها، وبعدها يقتل، أليس كذلك ؟
ردت بصوت كالجحيم المستعر:
ـــــ أجل، أجل آآآآخ
متى يأتي ذلك اليوم؟ متى !!
أحكم القس القبضة على خنجره وقال بوعيد وهو يصر على
أسنانه:
ـــــ إذن فستكون اول ضربة خنجر تشق صدره لي أنا
ـــــ لك ذلك يا آبانا، فأنا أعلم أنك أشد مني غلاً نحوه، وأعلم أن ضربة الخنجر هذه
ستشفي غليلك
ـــــ أجل، أجل... في أي شهر زوجته الحية الرقطاء ؟
ـــــ في شهرها السادس
ـــــ إذن فموعدنا معهم الشهر القادم
ـــــ بالطبع يا آبانا، سنحضرهم إلى هنا كالخراف . وليكن
الخنجر في يدي أنا أولاً حتى يشق رقبة
زوجته
ـــــ ها هو معي، وسنقيد زوجته ونضعها تحت قدميك فافعلي
ما شئتي
ردت بنبرة عداء:
ـــــ فلينتظرا.... . عائدة إلى برلين الآن، فلا داعي
لوجودي هنا
ـــــ عندما تحين لحظة الإنتقام سأهاتفك لتحضري على
الفور يا صوفيا
ـــــ في الإنتظار من الآن يا آبانا
ـــــ باركك الرب يا صوفيا
ـــــ صلي من أجلي يا آبانا
ـــــ سأصلي من أجلك أيتها الراهبة الصالحة حبيبة
القديسين
ـــــ دعني اقبل يدك قبل الإنصراف فقد ألهاني حزني على أختي
مد إليها يده، فقبلتها وقالت منحنية أمامه:
ـــــ حفظك الرب أيها القديس دانيال
**************************************
اشتدت الآلام بالسيدة نيكولا، فقالت متأوهة وهي تتحسس
هاتفها:
ـــــ آآآه، آآآآه
أين هاتفي آآآه ها هو أريد أن أهاتف ولدي حتى يأتني آآآآه
رأى عبد الله اسم والدته على الهاتف، فانتابه القلق ورد
باضطراب:
ـــــ أمي! أنتِ بخير؟
ـــــ تعال يا ولدي أريدك إلى جواري. أحضر صديقك معك وتنكرا
في زي الرهبان كما كنتما آآآه
ـــــ على الفور يا أمي، على الفور يا حبيبتي، استودعك
الله
ـــــ في حفظ الله يا ولدي آآآه آآآه
سمعت دقات على باب الغرفة، فسألت بنبرة واهنة:
ـــــ من ؟؟؟
ـــــ ماكس يا نيكولا
ـــــ ادخل يا ماكس
ـــــ كيف حالك يا حبيبتي ؟
ـــــ آآآه مازلت أتألم يا ماكس آآآه
انهمرت عبراته وقبض على كفها وقال بصوت متهدج:
ـــــ نيكولا حبيبتي
ـــــ ماكس حبيبي، أرجوك لا أحب أن أرى دموعك، أرجوك يا
ماكس آآآآه
ـــــ وكيف لا أبكيكِ يا نيكولا! . أنتِ أحب امرأة إلى
قلبي يا زوجتي الحبيبة.. نيكولا... نيكولا
ـــــ وأنت زوجي وحبيبي وأبو ولدي ياماكس.. وعشت معك أجمل
سنواتي .... حان الوقت لأسر إليك بسري ولا تخبر به أحد
ـــــ سر !!!!! ما هو يا نيكولا ؟
ـــــ أنا أسلمت يا ماكس
ارتعد دهشة وظل يحدق في وجهها صامتاً وكأنه لا يصدق
أذنيه...سأل يستوثق:
ـــــ ماذا!! ماذا قلتِ؟؟
ـــــ أسلمت يا ماكس
أخذ يهز رأسه غير مصدق..قال ذاهلاً:
ـــــ لا،لا... لا أصدق.. بالتأكيد أذني تكذب، ولم أسمع
ما قلتِ
ـــــ أسلمت يا ماكس
قال وعقله يكاد أن يطيش:
ـــــ انتِ يا نيكولا!!....أنتِ!!..... أنتِ من أشد
الناس عداوة للإسلام.. فكيف!!... كيف!!
تأوهت ألماً وقالت بيقين:
ـــــ إنه دين الحق يا ماكس، ولا وقت للجدال والعناد،
ولا طاقة لي بإقناعك آآآآه.. سل عن هذا الدين.. سل عنه يا ماكس... آآآآه ستجد من يدلك ويأخذ بيدك آآآآه.. أحب أن ألقاك في الجنة يا ماكس آآآآه ليتك تبشرني قبل موتي بإسلامك
حتى أموت وأنا مطمئنة آآآآه
قال بغضبة المحب:
ـــــ لا، لا أصدق ما أسمع.. أتعلمين ماذا هم فاعلون بكِ
لو سمعوا بإسلامك ؟
ـــــ لن يخبرهم أحد.. وأعلم أنك
لن تخبرهم لأنك تحبني وتخاف عليّ آآآه
ـــــ لكن .......
قطع حديثهما صوت دقات الباب، فسأل ماكس:
ـــــ من بالباب ؟
رد عبد الله:
ـــــ أندرو وجورج الراهبان
ـــــ تفضلا
تفتت قلب عبد الله حنيناً حين أبصر أباه، وهمس لمحمد
بالتياع:
ـــــ أبي، يا الله، كلما رأيته أكاد أفقد سيطرتي على نفسي وأرتمي بين أحضانه آآآه أبي
قلبض محمد على يده يثبته هامساً:
ـــــ اثبت يا عبد الله، أثبت
تبسم محمد وحياهما:
ـــــ طاب مساءكما
رد والد عبد الله:
ـــــ مرحباً. ألستما الراهبان اللذان كانا في الصباح
هنا ؟
أومأ عبد الله برأسه وقال:
ـــــ أجل سيدي، نحن . وقد جئنا مرة أخرى لتقديم بعض المساعدات للمستشفى، وعندما مررنا
بحجرة السيدة نيكولا أحببنا الإطمئنان عليها
ـــــ بارككما الرب، تفضلا
رد محمد باسماً:
ـــــ نشكرك سيدي
كان عبد الله يتفرس في وجه أبيه حنينا..لمحه أبوه،
فمازحه:
ـــــ هه لِمَ تطيل النظر الى وجهي هكذا يا ولدي! هه
أتشبه عليّ ؟
ـــــ ... تشبه شخصاً أحبه سيدي
ـــــ هه ومن هو ؟
قال وقلبه يصطلي شوقاً:
ـــــ أبي.. أبي
ـــــ يبدو انك تحب أباك كثيراً يا ولدي
قال وقد طفرت عبراته:
ـــــ أحبه وأشتاق إليه وإلى أحضانه
ـــــ أبعيدٌ عنك أباك يا ولدي ؟
ـــــ أجل . بعيد.. بعيد.. ولو كان أمامي لارتميت في أحضانه ونسيت همي
نظر إليه والده صامتاً وقد فاضت عيناه بالدمع..فتعذر له
عبد الله:
ـــــ أأسف سيدي أني تسببت في ألمك
قال والده بصوت مختنق بالبكاء:
ـــــ ذكرتني بولدي الوحيد .... أيمكنني أن أضمك لصدري يا ولدي ؟
هرع عبد الله إليه وارتمى بحنينه في أحضانه:
ـــــ ابي.. أبي آآآآه ما أجمل هذه الضمة آآآآه يا أبي
ـــــ باركك الرب يا ولدي . عندما ضممتك شعرت وكأني ضممت
كيفن .. اترككما الآن مع نيكولا وسأعود اليها بعد قليل
غادر والده الغرفة، فهرع إلى والدته:
ـــــ أمي حبيبتي، آسف، أخذني شوقي لأبي منكِ قليلا
ـــــ أدمعتما عيني انت وأبيك يا ولدي... . أنا أخبرته أني
أسلمت
ـــــ حقا يا أمي أخبرتي أبي ؟ وماذا كانت ردة فعله ؟
ـــــ اندهش وكان أقرب لتكذيب أذنيه ... ولكن لم أشأ أن أخبره
أنك على قيد الحياة حتى لا يحمل همك وتشغله الهواجس . أخبره أنت عندما ترى الوقت
مناسباً آآآه آآآآه
ـــــ أما زال الألم بكِ يا أمي ؟
ـــــ يزداد يا ولدي والحمدلله على كل حال ... أريدك أن
تساعدني كي أتوضأ للصلاة . لم أتمكن من الصلاة اليوم، فقد كان اليوم مشحوناً
بالزيارات
ـــــ حسناً يا أمي، سأساعدك يا حبيبتي
استدار إلى محمد يقول:
ـــــ اغلق الباب يا محمد من فضلك، كي لا يدخل أحد، حتى
تتمكن أمي من الصلاة
ـــــ لا تقلق، سأظل إلى جوار الباب
************************************
في المستشفى تعجل أحمد، زينب بلطف:
ـــــ هيا يا زينب منتظرك في السيارة أنا وأمي
ـــــ سأتبعكما
**************************************************
ظل أحمد واقفاً ينتظرها إلى جوار سيارته، فقالت له أمه
من داخل السيارة:
ـــــ أدخل الى السيارة يا أحمد، واستعد حتى تنطلق بنا
ـــــ ليس قبل أن تنزل زينب وأفتح لها باب المقعد الخلفي
ـــــ هاها حسناً يا ولدي. النساء يحببن الرجال الذين
يقدروهن ويضعوهن في مكانة عالية
رمقها تخرج من بوابة المستشفى، فقال متهللاً:
ـــــ ها هي زينب قادمة
قدمت إليه وألقت السلام بملامح جامدة:
ـــــ ممم السلام عليكم
رد باسماً:
ـــــ وعليكم السلام يا زينب
ـــــ وعليكم السلام يا ابنتي
فتح لها باب المقعد الخلفي، وقال بنبرة مهذبة:
ـــــ تفضلي، فتحت لكِ باب السيارة
ـــــ هه اشكرك يا احمد ممممم جميلة سيارتك
ـــــ هههه عندما نتزوج، سأحضر لكِ أجمل منها
ردت فزعة:
ـــــ لي أنا!!..لالا، أنا أخاف. لا أحب قيادة السيارات،
لالا
ـــــ هههه حسناً، فتكفينا هذه السيارة لتجمعنا سوياً إن
شاء الله
ـــــ هه
سألتها والدته باهتمام:
ـــــ كيف تشعرين يا زينب يا ابنتي ؟
ـــــ بخير
ـــــ قولي الحمدلله يا ابنتي
ـــــ الحمدلله
أخذت تطلع إلى الشوارع والأشجار والبنايات من النافذة،
قالت والسعادة تجتاحها:
ـــــ مممممم
الشوارع جميلة، جميلة، والبنايات جميلة.. جميلة
ضحكت والدة أحمد في دهشة وقالت:
ـــــ أهذه أول مرة ترين فيها البنايات والشوارع يا زينب
يا ابنتي ؟
ـــــ ههه لا رأيتهم كثيراً، ولكن أحب أن أراهم يجرون
كلمح البصر حين تجري السيارة
قهقهت والدته وقالت له:
ـــــ مخطوبتك كلامها كالأطفال هههه
أدار رقبته إلى الخلف ونظر إليها وقال باسماً:
ـــــ بل هي طفلة جميلة يا أمي
خجلت وقالت لوالدته باحتداد:
ـــــ ممممم سيدتي، سيدتي ولدك يغازلني، اصفعيه على وجهه
من فضلك
ـــــ هههه أصفع رجلا على وجهه يا ابنتي ! الرجل لم يقل
شيئاً يخدش الحياء .
ـــــ قال أني جميلة. هذا عيب، عيب
قهقهت أمه وقالت له:
ـــــ لا تقل لها انتِ جميلة يا أحمد، عيب، عيب ههه
رد ضاحكاً:
ـــــ هههه سمعاً وطاعة يا أمي . أأسف يا زينب
ـــــ مممم لا تفعلها ثانية يا أحمد
ـــــ هههه أتحبين الشيكولاتة ؟
ـــــ جداً
ـــــ حسناً . سأوقف السيارة وأجلب لكِ بعضا منها
ـــــ هه شكراً
بعد قليل عاد إليها بعلبة فخمة من الشيكولاتة، دلف إلى
السيارة وقدمها إليها بوجه طلق:
ـــــ احضرت لكِ علبة الشيكولاتة، تفضلي
ـــــ كلها لي؟
ـــــ ههه لكِ وحدك
ـــــ شكراً هه
**************************************************
وصل إلى
منزلها، فتوقف بالسيارة وترجل عنها وفتح لها الباب، وقال لها بابتسامة هادئة:
ـــــ ها نحن قد وصلنا يا زينب
لوت شفتها وقالت بتأفف:
ـــــ وصلنا بهذه السرعة !!!
ـــــ هاها حقاً مر الوقت سريعا للأسف، كنت أتمنى أن
يطول
ـــــ ممم أشكرك يا أحمد على الاهتمام .... أشكرك سيدتي
ودعتها والدته بلطف:
ـــــ في حفظ الله يا ابنتي
مشت خطوة ثم استدارت له وقالت باسمة:
ـــــ ممم أحمد.. باي باي
ـــــ هههه قولي السلام عليكم
ـــــ السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله
**************************************************
دلفت من البوابة وهي تحدث نفسها عن أحمد بابتسامة عريضة:
ـــــ لطيف هذا الشاب ممممم.... ها هي شقة عائشة سأدق
الجرس وأتحسس من أخبارها
قرعت الجرس ووقفت تنتظر، همت عائشة أن تذهب إلى الباب،
فقالت حفصة:
ـــــ انتظري انتِ يا عائشة ، أنا من سأفتح الباب
ـــــ اسألي من الباب أولا يا حفصة
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ أنا
ردت حفصة باحتداد:
ـــــ من أنتِ ؟
غضنت زينب حاجبيها دهشة وتمتمت:
ـــــ ما هذا!! . كان صوت عائشة رقيقاً، فما الذي أصابه!!
رفعت مانويلا صوتها تقول:
ـــــ افتحي يا عائشة، أنا زينب
تأففت حفصة وفتحت الباب:
ـــــ يييي!! مرحباً.
أما زلتِ على قيد الحياة ؟
ـــــ ههه أهو أنتِ !! ماذا تفعلين هنا يا حفصة ؟
ـــــ ما شأنك أنتِ! ما شأنك! أوووف
ـــــ هههه اشتقت اليكِ يا حفصة، فأنا احبك
ردت حفصة مصرة على أسنانها:
ـــــ وأنا اشد لكِ حباً
ـــــ إذن هاتي قبلة
قبلتها غيظاً
ـــــ خذي اموووووه اموووووه اموووووه
ـــــ آآآآه أقول قبلة واحدة وليس إعصار من القبلات، كفا،
كفا.. . أين عائشة ؟
ـــــ في غرفتها
ـــــ ومالك تلبسين ثياب النوم !. هل ستبيتين هنا عندنا ؟
ـــــ عندكم ؟ أأصبحت هذه الشقة ملكك دون أن أعرف ؟
ـــــ هههه مرحة أنتِ يا حفصة .. أنا أحبك حقاً.
لوت حفصة شفتها وقلبت يديها استياءاً، فضحكت مانويلا
واتجهت إلى غرفة عائشة تنادي بنبرة عالية وقد تبعتها حفصة:
ـــــ يا عائشة.. انا جئتك يا عائشة
ـــــ مرحباً، مرحباً حبيبتي، ادخلي يا زينب . كيف حالك
الآن يا أختي . والله أأسف جداً لعدم تمكني من زيارتك، فزوجي سافر
بدا الاندهاش على وجه مانويلا وقالت:
ـــــ سافر!!
جحظت عينا حفصة وأشارت لعائشة دون أن تلمحها مانويلا،
لتنبهها بعدم الإفصاح عن أمر زوجها:
ـــــ عائشة! هش، هش
تداركت عائشة خطأها بارتباك:
ـــــ آآآ أقصد زوجي عنده الكثير من الأعمال في المكتب،
ولن يتمكن من المجيء
ـــــ أها.. . أعانه الرب .أأأأ أقصد أعانه الله
ـــــ جزاكِ الله خيراً . ولكن من أحضرك إلى هنا ؟
ـــــ أحمد وأم أحمد
هاها
ـــــ ههه أرأيتِ كم هو مهتم بأمرك ؟
ـــــ مممممم أترككما أنا وأصعد لشقتي، وسأعود مرة أخرى
في المساء
ـــــ في انتظارك حبيبتي زينب
اعترضتها حفصة عند باب الغرفة، وسألتها بتهكم:
ـــــ إلى أين يا فراشة الدار ؟
ردت وهي تخرج من الباب مسرعة:
ـــــ ههه سأحلق بين أغصان شقتي يا غزالة الوادي
هيهيهييييييي .... والله لا أعلم كيف يطيقها أحمد !!!
ـــــ هههه دعواتك لهما بتمام الزواج على خير
تنهدت حفصة بضيق وهي تجلس على طرف فراش عائشة وقالت:
ـــــ أدعو الله
أن يكشفها قريباً إن شاء الله، وترحل عن سمائنا للأبد
ـــــ ههه والله لا أعلم لِمَ تكرهينها هكذا!!!
ـــــ أكرهها مقدماً، وانتم ستلحقون بي في كراهيتها عما
قريب .... خذي حذرك منها يا عائشة من فضلك
ـــــ آآآآه آآآآه كم هو الحمل متعب يا حفصة
ـــــ هاها هانت حبيبتي لم يبق إلا القليل، وتضمين صغيرك
الى صدرك
ـــــ العقبى لكِ يا حفصة يا حبيبتي
*********************************************
ظل عبد الله جالساً إلى جوار أمه حتى استغرقت في النوم،
فربت محمد على كتفه هامساً:
ـــــ عبد الله، أمك نامت، ألا نغادر المستشفى ؟
ـــــ لا. تفضل أنت يا محمد . سأظل جالسا إلى جوارها
ـــــ ولكن أظنهم سيمنعونك
اتسعت حدقتاه غضباً وقال:
ـــــ لا أحد يستطيع أن يمنعني من مرافقة أمي في ساعاتها
الأخيرة، لا
بدى الابتئاس على وجه محمد وهز رأسه في أسى قائلاً:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله
سمعا دقات على الباب، فسأل محمد:
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ موظفة بإدارة المستشفى
ـــــ تفضلي
من فضلكما، عليكم مغادرة المستشفى الآن . فقد انتهت
مواعيد الزيارة
رد عبد الله بإصرار:
ـــــ لا، لن أغادر
ـــــ من فضلك سيدي، من فضلك لا تسبب لي الحرج
ـــــ قلت لن أغادر
استيقظت والدته على الجدال:
ـــــ ها!! ما الأمر!!!
أجابتها موظفة الإدارة:
ـــــ سيدتي نيكولا، هذا الراهب الذي يأتيكِ يومياً لا
يريد مغادرة المستشفى الآن
ـــــ دعيه من فضلك، فهو يرنم ويصلي من أجلي وأرتاح
لسماع صوته دعيه آآآه آآآه. قولي للإدارة تتحملني في ساعاتي الآخيرة آآآه
ـــــ مممم أمرك سيدتي ... ولكن أنت أيها الراهب الآخر
هل ستظل هنا أيضاً
ـــــ لا . سأغادر الآن
اقترب محمد من والدة عبد الله وهمس بلطف:
أتريدين شيئا سيدتي نيكولا ؟
ـــــ لا يا ولدي . بارك الله فيك يا محمد . أنت يا ولدي
نعم الأخ والصديق لولدي . جزاك الله عنه خيراً يا حبيبي
ـــــ عبد الله أخي يا سيدتي
أوصته بولدها بنبرة رجاء:
ـــــ بالله يا ولدي لا تتخل عنه أبداً
ـــــ اطمئني . خطواتي تسبق خطواته أينما حل
ـــــ بارك الله فيك يا ولدي ورزقك كل الخير جزاءاً
لطيبة قلبك . هكذا يكون المسلم مع اخوته
من المسلمين كالجسد الواحد . بارك الله فيك يا ولدي
ـــــ اتركك يا سيدتي مع عبد الله . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله آآآه آآآه .....عبد الله
ـــــ لبيكِ يا أمي
ـــــ إقرأ بعض آيات القرآن على مسامعي يا ولدي، فكم تتوق
نفسي إلى سماعه
ـــــ أمرك يا أمي
ـــــ بسم الله الرحمن الرحيم
************************************************
بعد سويعات تعالت صراخت السيدة نيكولا جراء ألام تمزق
دواخلها وولدها إلى جوارها يبكيها حرقة..فقد حان الفراق:
ـــــ أمي، أمي
ـــــ يا ولدي كفاك ذرفاً للدموع، كفاك. لك أن تفرح أن أمك
ستموت على الإسلام آآآه آآآه فما كان حالك لو كنت سأموت على الكفر والعياذ بالله ؟
افرح يا ولدي وادع لأمك بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة.. . ألم تقل أنك تريد أن تقابلني في الجنة يا عبد
الله ؟
ـــــ آآآه أمي، أمي.. أجل يا أمي، أريد أن اقابلك في الجنة
ـــــ آآآه آآآه حسناً يا ولدي، فسأسبقك إلى هناك إن شاء
الله آآآه عندي أمل بحسن لقاء الله وفرحة بلقائه هه والله فرحة بلقائه هه افرح
لأمك يا عبد الله فالحياة يا ولدي ليست
دار خلود، ونحمد الله أن جعل لنا الجنان أرضاً للخلود والنعيم ولقاء الأحبة
آآآه.... الحمدلله رباً واحداً لم نشقى بعبوديته، بل نعمنا بالسجود بين يديه آآآه
الحمدلك وحدك يا مالك الأكوان يا رحيم يا رحمن آآآه آآآآه
قال وجسده يرتعد ودموعه تسيل:
ـــــ أمي، أمي، دعيني أقبل يدك يا حبيبتي وأضمك وأرتمي
على صدرك وأرتشف حناناً سأحرم منه
ـــــ لن تحرم منه للأبد . موعدي معك الجنة ، أدع الله أن
نكون من أهلها يا ولدي آآآه... أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
فاضت روحها لبارئها، فانكب على صدرها عبد الله يصيح
باكياً
ـــــ أمي، أمي، أمي
**************************************
قبيل الفجر، دق جرس هاتف عائشة، فارتعد جسدها وتمتمت وهي
تضع يدها على صدرها:
ـــــ بسم الله، بسم الله ،بسم الله من الذي يهاتفني عند الفجر، سأفتح الأنوار
أمسكت بالهاتف، فإذ به عبد الله:
ـــــ عبد الله !! خيراً يارب، خيراً...السلام عليكم
حبيبي
رد بنبرة مرتعشة تخنقها الأحزان:
ـــــ وعليكم السلام . ماتت أمي، ماتت أمي يا عائشة آآآآه
ماتت أمي
أجهشت عائشة بالبكاء واسترجعت:
ـــــ إنا لله وإنا إليه راجعون ...لله ما أعطى ولله ما
أخذ فاصبر واحتسب يا زوجي الحبيب
ـــــ إنا لله وإنا إليه راجعون،...مضت أمي بحنانها ولم
يبق لي في هذا العالم غير حنانك يا زوجتي الحبيبة
ردت بنشيج:
ـــــ ليتني كنت
إلى جوارك يا حبيبي لأضمك، وأمسح عن عينيك الدموع..اصبر واحتسب يا عبد الله..
الحمدلله على كل حال يا حبيبي ... ولكن أين ستدفن أمك ؟
زفر لهيب أنفاسه بضيق وقال:
ـــــ هذه هي الكارثة. لا أعلم ماذا أفعل.. أمي مسلمة
ويجب أن تدفن في مقابر المسلمين، ولكن هم سيدفنوها في مقابر النصارى, ماذا أفعل؟؟
ـــــ اهدأ حبيبي، سأهاتف أبي وأخبره بالأمر، ربما كان
عنده حل أو مخرج من هذا المأزق.. . أين أنت الآن ؟
ـــــ في المستشفى
ـــــ هل معك أحد ؟
ـــــ لا . حتى أبي لم يعلم حتى الآن
مسح وجهه ورأسه باضطراب وقال:
ـــــ أشعر أني فاقد التركيز والقدرة على التصرف في أي شيء
ـــــ لا عليك حبيبي . سأهاتف أبي الآن وننظر ماذا سيرى . فقط بالله عليك تجلد
واصبر واحتسب
ـــــ الحمدلله على كل حال الحمدلله
*********************************
استيقظت والدة عائشة على صوت هاتف زوجها:
ـــــ يا الله ! من يهاتفنا في هذا الوقت!! استيقظ يا سالم
ـــــ ها ! ما الأمر يا مريم
ـــــ هاتفك يدق . خذه مني . خيراً يارب
أمسك بالهاتف وأضاء المصباح إلى جواره، فاتسعت حدقتاه
قلقاً حين رأى اسم ابنته:
ـــــ ها ! إنها عائشة يا مريم
ارتاعت الأم:
ـــــ عائشة! ما بها؟ يارب، يارب، يارب
ـــــ السلام عليكم يا عائشة، ما الأمر يا ابنتي
ـــــ وعليكم السلام يا أبي . ماتت والدة عبد الله
ـــــ إنا لله وإنا إليه راجعون
سألت الأم مرتعبة:
ـــــ ماذا حدث يا سالم؟
ـــــ والدة عبد الله ماتت يا مريم
أجهشت بالبكاء واسترجعت:
ـــــ إنا لله وإنا إليه راجعون, كنت أنتظر هذا الخبر بين
لحظة وأخرى
سألها والدها:
ـــــ وأين عبد الله يا عائشة؟
ـــــ مازال بالمستشفى يا أبي . ولكن المشكلة الآن هو أنه
يريد دفن أمه في مقابر المسلمين، وأعتقد أن
هذا الأمر مستحيل، فماذا عساه أن يفعل ؟
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . أمرٌ صعب حقاً ... أمه
أسلمت ويجب أن تدفن في مقابر المسلمين.. فما العمل إذن ؟
اتركك الآن يا ابنتي لأفكر ربما اهتديت لفكرة نخرج بها
من هذا المأزق . سأهاتف عبد الله لأعزيه أولاً
ـــــ حسناً يا أبي . أأسف لإبلاغكما بهذا الخبر في هذا الوقت غير
اللائق، ولكن زوجي وحده وأحببت أن تشاركاه مشاعر حزنه لتخففا عنه
ـــــ لا عليكِ يا ابنتي . سأهاتفه أنا وأمك وإن تمكنت من لقائه فلن أتردد
ـــــ أشكرك يا أبي . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا ابنتي
*******************************
عاد القس دانيال إلى الكنيسة، نادى على تابعه بصوت
مزلزل:
ـــــ جوزيف
ـــــ سمعاً وطاعة آبانا دانيال
ـــــ ماتت المسيحية الصالحة نيكولا ، وصعدت روحها الى
جوار القديسين في الأمجاد السماوية، أعدوا لها موكب جنائزي مهيب يليق بها، وسأذهب
بنفسي لدفنها
ـــــ باركك الرب يا آبانا . سأنطلق لأفعل ما أمرت
*******************************************
جلس السيد ماكس إلى جوار جسد زوجته يبكيها وروحه تحترق
على فراقها:
ـــــ زوجتي، زوجتي. رحلتي يا نيكولا للأبد. كم مرت
السنوات سراعا يا حبيبتي آآآآه نيكولا
شعر بيد حانية تربت على كتفه، وصوت أتى من قيعان الأحزان
يقول:
ـــــ سيدي
التفت فإذ بالراهب الذي يجهل أنه ولده يذرف العبرات
مسدداً إليه نظرة شفيقة، فقال السيد ماكس وهو يكفكف عبراته بيده:
ـــــ أنت! رحلت نيكولا أيها الراهب
ـــــ جئت لأواسيك في رحيلها، فقد كانت كأمي
ـــــ اشكرك . باركك الرب يا ولدي
ـــــ متى ستدفنوها سيدي ؟
ـــــ بعد يومين أو ثلاث وسيدفنها الآب دانيال
تذكر عبد الله أن أمه المسلمة سوف تدفن في مقابر
النصاري، فتأوه حسرة على قلة حيلته، ظل صامتاً هنيهة ثم سأل والده بحنو:
ـــــ وأنت.. ماذا ستفعل بعد رحيل زوجتك سيدي؟
ـــــ وماذا عساي أن أفعل يا
ولدي غير انتظار الأجل لألحق بها
ـــــ وهل ستعيش وحيدا ؟
ـــــ لا أعلم يا ولدي.. فربما سافرت لأعيش مع اختي حتى
يحين اجلي . اشكرك على الاهتمام بشأني . استأذنك
ـــــ تفضل.
غادر والده الغرفة، فغمغم ودواخله تحترق:
ـــــ اللهم لا
حول ولا قوة الا بالله . ليتني أقدر على فعل شيء يا أبي ليتني أقدر آآآه
*****************************************
ذهب دكتور سالم إلى صديقه الحميم دكتور محمدي( لوكاس)
وهو يكاتم أحزاناً أوشت بها ملامحه، فسأله دكتور محمدي باهتمام:
ـــــ مممممم ماذا بك ؟
ـــــ والله في مأزق ولا أجد له حل
ـــــ مأزق ! أتريد مالا يا أخي ؟
ـــــ لا والله يا دكتور محمدي . ممممم هناك أمر غاية في
الصعوبة ولا أدري كيف أتصرف
ـــــ اخبرني به يا أخي فربما وجدت لك حلا
ـــــ ام زوج ابنتي اسلمت ولم يعلم بإسلامها أحد وهي
الآن توفاها الله، ومازالت في مستشفى تابع للكنيسة، وبالطبع ستدفن في مقابر النصارى، ولا
ندري ماذا نفعل
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . الله المستعان . توكل
على الله ودع الأمر لي، فقد وجدت حلا
ـــــ حلا ؟ وما هو ؟؟
**********************************
هرع التابع إلى الآب دانيال ليبلغه بمجئ زائر:
ـــــ آبانا دانيال، الدكتور لوكاس بالخارج في انتظار
المقابلة
بدى الاندهاش على وجه القس وقال:
ـــــ لوكاس! هل شفي لوكاس!.. دعه يدخل
دخل الدكتور محمدي يحيي القس متهللاً:
ـــــ آبانا دانيال، كيف حالك أيها القديس
ـــــ لوكاس هاها عدت لتقف على قدميك يا لوكاس.. شيء سار،
هذا بفضل صلاتي لأجلك ودعواتي ليسوع بشفائك
انكب دكتور محمدي على يد القس مقبلاً، ثم قال وعيناه
تدور في أرجاء الكنيسة:
ـــــ كم كنت مشتاقا إلى تقبيل يديك، وإلى أجواء الكنيسة
وإلى الصلبان المعلقة على الجدران هاها. آبانا، آبانا.. باركك الرب يا آبانا
ـــــ وباركك الرب أيها المسيحي الصالح لوكاس
ـــــ سمعت انكم تعدون لموكب جنائزي مهيب . لمن يا ترى ؟
ـــــ إنها احدى المسيحيات الصالحات اسمها نيكولا
ـــــ ممممم قدس
الرب روحها في الأمجاد السماوية . يبدو أنها
مهمة جداً عندك
أومأ القس برأسه وقال:
ـــــ بالطبع مهمة جداً، وأختها صوفيا راهبة صالحة ومقربة منا ومن يسوع، ويطلق
عليها حبيبة القديسين
ـــــ هاها لذا فمن تحبه أنت أحبه أنا أيضاً . أنا بالفعل كنت سأذهب إلى المستشفى
التابعة للكنيسة حتى أداوي المرضى بالمجان، ولا أريد أجراً، وهذا فرحاً بشفائي هاها
ما دمت قد وقفت على قدمي فيجب أن أعود لعملي . وسألقي نظرة الوداع الأخيرة على
المسيحية الصالحة نيكولا
ـــــ هههه باركك الرب يا لوكاس باركك الرب
********************************************
تفاجأ العاملين بالمستشفى بالدكتور لوكاس أمامهم، يقطع
الطرقة المؤدية إلى حجرات المرضى بهمة ونشاط، فتهللوا لمرآه وطفقوا يحيوه:
ـــــ مرحباً الدكتور لوكاس هاها
ـــــ الدكتور لوكاس في المستشفى، مرحباً دكتور
حياهم مبتهجاً:
ـــــ مرحبا بالجميع ، جئت لتفقد أحوال المرضى، وجئت أيضاً
لآخذ جثة لتشريحها
ـــــ كل شيء رهن أمرك دكتور لوكاس
ـــــ سعدنا لشفائك دكتور لوكاس
ـــــ بارككم الرب جميعاً
************************************************
جاءت المكالمة المنتظرة للدكتور سالم، رد متلهفاً حين
رأى اسم صديقه دكتور محمدي:
ـــــ السلام عليكم دكتور محمدي. طمئني
ـــــ هاها اطمئن يا رجل. وضعت جثة مجهولة لشخص آخر مكان
جثة والدة عبد الله، وأخذت جثة والدة عبد الله في تابوت على أنها الجثة المجهولة، وقلت أنها تلزمني لتشريحها
ـــــ هاها حقاً ؟ أفهم من ذلك أن جثة والدة عبد الله
معك ؟
ـــــ أجل . وضعتها في سيارة خاصة بنقل الموتى
ـــــ هاها بارك الله فيك . سأبلغ زوجتي لتأتي لتغسيلها
وتكفينها هي وزوجة الشيخ عبد الهادي، وندفنها في مقابر المسلمين. أشكرك يا أخي، أشكرك
ـــــ لم أفعل شيئا يستحق الشكر يا أخي
**************************************
قبل أن يصطفوا للصلاة على السيدة نيكولا، تنفس عبد الله
الصعداء و قال له محمد بارتياح:
ـــــ حمداً لله يا أخي عبد الله هاهي امك ستدفن في مقابر المسلمين بعد أن نصلي عليها مثلما تمنيت
ـــــ الحمدلله رب العالمين، الحمدلله يا أخي، الحمدلله
نادى الشيخ عبد الهادي في الحضور:
ـــــ هيا للصلاة على الأخت يرحمكم الله
طفرت عبرات عبد الله وهو ينظر إلى نعش أمه ودعا الله
لها:
ـــــ رحمك الله يا أمي، رحمك الله . ألحقنا الله بكِ
على خير يا حبيبتي. الحمدلله رب العالمين أن قبضت روح أمي على شهادة التوحيد
الحمدلله، الحمدلله، الحمدلله
*************************************************
لملمت حفصة حاجياتها، وتأهبت لمغادرة منزل عائشة، فقالت
عائشة بملامح مبتئسة:
ـــــ هل ستغادرين المنزل يا حفصة وتتركيني!
ـــــ هاها أليس زوجك حبيبك قادم إليكِ ؟ فما حاجتك لوجودي إذن يا عائشة !! هاها كما أنني
أيضاً أود الذهاب لإعداد الطعام لزوجي الحبيب محمد
ـــــ لا حرمكِ الله من زوجك يا حبيبتي
ـــــ ولا حرمكِ من زوجك يا عائشة اللهم آمين. أتركك في
حفظ الله ورعايته يا حبيبة . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا حفصة . أشكرك حبيبتي على إقامتك معي حتى حضور زوجي
ـــــ هذا واجبي يا اختي
ما أن
خرجت حفصة من منزل عائشة، حتى سمعت مانويلا تنزل الدرج مسرعة وتناديها:
ـــــ حفصة! إلى أين ؟
ـــــ يييي!! . بل أنتِ من أريد أن أسألها إلى أين ؟
ـــــ ههههه سأدق الجرس على عائشة لأنظر ماذا تفعل
ـــــ أوف! زوجها قادم، قادم، عودي إلى شقتك
ـــــ ههههه لا . سأدق الجرس وأمكث معها قليلا قبل أن
يأتي
ـــــ سخيفة، سخيفة
ـــــ هاها اشكرك.
أولتها حفصة ظهرها وخرجت مسرعة إلى الشارع، بينما أطرقت
مانويلا رأسها تغمغم في حيرة:
ـــــ ممممم زوجها قادم !!! وأين كان هذا الرجل ؟ لا يتحدثون أمامي، وكأني عدوة لهم هاها
قرعت جرس الباب، فأتاها صوت عائشة من الداخل:
من ؟
ـــــ أنا زينب يا عائشة
فتحت ورحبت بها بوجه طلق:
ـــــ مرحباً يا
زينب ، كيف حالك ؟
ردت بابتهاج:
ـــــ بخير الحمدلله هاها.. ماذا تفعلين ؟
ـــــ لا شيء . في انتظار زوجي
ـــــ مممممم إذن اتركك وآتيكِ في الصباح عندما يخرج
لعمله
ـــــ إن شاء الله حبيبتي
************************************
بلغ عبد الله باب منزله بوجه امتزج فيه الحزن بالاجهاد،
قرع الجرس، فسألت عائشة:
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ عبد الله
اجتاحتها السعادة وفتحت وقد شرعت ذراعي الحنين:
ـــــ عبد الله حبيبي، حبيبي
ـــــ السلام عليكم حبيبتي
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا سيد الدار
هههه اشتقت اليك حبيبي
دلف بخطوات مجهدة وقال بابتسامة واهنة:
ـــــ بارك الله فيكِ حبيبتي . اشتقت اليكِ يا عائشة آآآآه
الحمدلله
ـــــ هيا، هيا، ادخل لاستبدال ملابسك، وانظر ماذا أعدت
زوجتك لأجل عيونك ههه
ـــــ هه سلمتِ يا قرة عيني . طمئنيني كيف هو الحمل معك ؟
ـــــ هاها هانت حبيبي الحمدلله .
ـــــ إن شاء الله حبيبتي. أستأذنك
ـــــ تفضل حبيبي ممممممم يبدو حزيناً جداً.. . كيف أخرجه
من أحزانه ؟ الله المستعان
*******************************************
كانت مانويلا تؤدي صلواتها حين دق رقم غريب على هاتفها:
ـــــ مممم ماهذا الرقم الغريب الذي أخرجني عن صلاتي
المقدسة للرب! السلام عليكم
سمعت صوت امرأة ترد السلام:
ـــــ وعليكم السلام
ـــــ من أنتِ ؟
أجابتها بتأفف:
ـــــ أنا حفصة، حفصة يا زينب
ـــــ ههه مرحباً . يبدو أنكِ اشتقتِ إلى سماع صوتي فهاتفتيني
ردت ساخرة:
ـــــ جداً. هاتفتك لأبلغك أمراً من أحمد
غضنت حاجبيها دهشة وسألت:
ـــــ ماذا يريد مني ؟
ـــــ يريد أن يصطحبك ووالدته الى شقته لتشهدين بنفسك الزخارف وألوان الجدران وكل شيء
ـــــ ومالي أنا وجدرانه وألوانه وزخارفه ! لا شأن لي بذلك
ـــــ أوف! ألن تصبح شقتك وستعيشين فيها معه يا إمبراطورة
ألمانيا ؟؟؟
ـــــ هاها سأفكر في الأمر يا أمبراطورة الصين. أتركك
الآن, ميعاد هوساتي
صاحت حفصة مندهشة:
ـــــ هوساتك!!
ـــــ أوه! أقصد معاد نوماتي هاها سأشرب اللبن وأنام حتى أستيقظ
قبل الفجر بساعتين لأوقظ عائشة وزوجها . أتحبين أن أدق عليكِ الهاتف قبل الفجر بساعتين لأوقظك أنتِ وزوجك ؟
ـــــ لا، نحن نستيقظ دون إزعاج من أحد والحمدلله . سيمر عليكِ أحمد غداً بعد صلاة
العصر
ـــــ ههه أعرفها.
تأتي بعد الظهر وبعدها المغرب وبعدها
العشاء ههه كم أنا ماهرة. باي باي أوه!! السلام
عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا ماهرة. أوف
ـــــ وأنتِ من أهل الخير ههه
انهت المكالمة وهاتفت صوفيا على الفور، ردت صوفيا:
ـــــ مرحبا مانويلا
قالت مانويلا بحنق شديد:
ـــــ كم اشتقت الى إسم مانويلا أيتها الأم صوفيا أوف! كلهم ينادوني زينب، زينب
ـــــ ههه ستعودين الى اسمك قريبا ، قرب موعد الخلاص منهما
ـــــ متى؟ متى ؟
ـــــ باقي على المدة المحددة أسبوعين على الأكثر، لا
تقلقي
ـــــ أحمد وأمه
يريدان اصطحابي إلى منزله لأرى ترتيبات الزواج
ـــــ اذهبي، لا ضير
ـــــ ممم سأفعل.
****************************************
اقتربت أيام شهر رمضان المبارك، فهنئت عائشة زوجها وهي
لا تعلم أن هناك من يخطط لنحرها كالشاة بعد أيام:
ـــــ عبد الله حبيبي، كلها أيام ويبدأ شهر رمضان
المبارك.. كم أنا فرحة لأن هذا العام سأقضي رمضان معك للمرة الأولى إن شاء الله
ـــــ هههه الحمدلله حبيبتي . هذه أول مرة في حياتي سأصوم فيها
ـــــ الصيام جميل، جميل، وأجواء رمضان غير عادية . سبحان الله، الصلاة والقيام
فيه لهما مذاق آخر، والروحانيات تكون
عالية، عالية ههه اللهم بلغنا رمضان اللهم آمين
ـــــ ههه آمين حبيبتي . كم اشتقت لرمضان من كثرة حبك له
وحديثك عنه
ـــــ استعد من الآن أيها البطل
ـــــ هههه وبِمَ أستعد يا حبيبة البطل ؟
ـــــ استعد واشحذ همتك حتى نقضي الشهر كله في الطاعة إن
شاء الله
قال منتشياً:
ـــــ يا الله !!.. أنا وأنتِ والصلاة والقيام ويصحبنا ضوء القمر يا حبيبة
ـــــ إن شاء الله حبيبي . جعله الله علينا شهراً مباركا
اللهم آمين... سيسافر أبي وأمي للعمرة في العشر الآواخر بمشيئة الله
رد مبتئساً:
ـــــ والله كنت أود أن نسافر معهما يا حبيبتي
ـــــ هههه العام القادم إن شاء الله يا عبد الله
ـــــ هاها ويكن معنا الأستاذ عمر... عمر.. أنت يا عمر.. أهو نائم أم مستيقظ ؟ هاها
ـــــ ههه مستيقظ. عمر أبوك يناديك يا عمر ... كم أشتاق إلى ضمه لصدري!!
ـــــ انا من سأضمه أولاً بالطبع إن شاء الله هههه
ستكونين بعد ولادته متعبة ولا تقدرين على حمله، لذا فسيضمه أبوه أولاً هاها تعال يا عمر، تعال يا ولدي، اشتقت إليك يا عمر
ـــــ هاها يقول لك وأنا يا أبي
ـــــ هاها... . هل أديتِ العمرة من قبل يا عائش ؟
قهقهت وقالت بدهشة:
ـــــ هل أديت العمرة !! الحمدلله أديت العمرة
حوالي أربعة عشر مرة وأديت فريضة الحج
ـــــ يا الله !! أربعة عشر مرة !!... كيف ذلك ؟
ـــــ هاها أقول لك أنا . كنا كل عام انا وابي وامي وبعض اقاربنا نسافر
سويا عن طريق البر . كنا نذهب الى العمرة بدلاً عن الذهاب إلى الشواطئ هاها وأديت
فريضة الحج عندما كنت بالعام الثاني في الجامعة
ـــــ ماشاء الله . يبدو أنكِ مرتبطة بمكة
ـــــ بمكة والمدينة حيث الروضة الشريفة والأماكن المباركة التي ما وطأت الأقدام أشرف منها . مكة
أطهر بقاع الأرض يا عبد الله
قال والأشواق تضنيه:
ـــــ يا الله!! كم أنا مشتاق يا حبيبتي للذهاب إلى هناك.. الكعبة.. الروضة..
مقام إبراهيم . كم أتشوق الى الوقوف عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام. يا الله!!
ـــــ بلغك الله ما تتمنى يا حبيبي وجمعنا على طاعته
دائما اللهم آمين
************************************
أخيراً جاء صوفيا المهاتفة التي طال انتظارها من دانيال:
ـــــ مرحبا الآب دانيال
ـــــ مرحبا صوفيا.... حان الوقت يا صوفيا ... غداً تأتي
من برلين إلى هنا
ردت متهللة:
ـــــ أخيراً!! غدا يا آبانا!!
قالت بنبرة وعيد متحشرجة:
ـــــ مرحبا بكيفن وزوجته وما استقر في رحمها.. حان القصاص
***********************************
دقت أجراس هاتف مانويلا، فإذ بها الأم صوفيا:
ـــــ مرحباً الأم صوفيا
ـــــ مرحبا مانويلا . استعدي، قد اقترب موعد رجوعك إلى
الدير
ـــــ مممممم أأنتِ في الدير الآن أم ذهبتِ إلى ميونخ ، الأم صوفيا؟
ـــــ أيت اليوم من برلين، قد بدأ العد التنازلي لإحضار
زوجة كيفن إلى هنا
ـــــ ولِمَ لا أسافر الآن إلى برلين طالما انتهت مهمتي
؟
استشاطت صوفيا غضباً ودمدمت سباباً:
ـــــ لا أحب الغباء، أكره الأغبياء
ـــــ ها!! أغبية انا ؟
ـــــ إذا اختفيتِ الآن يا مانويلا سيثير ذلك شكوكاً
لديهم، ستستمري في المكوث معهم حتى الأسبوع القادم، وبالتحديد الخميس القادم صباحاً
اجتاحت مانويلا مشاعر متضاربة، انصاعت للأمر وهي تصارع
أمواج من الأفكار المتلاطمة:
ـــــ .... سمعاً وطاعة الأم صوفيا.
ترددت في السؤال عن أمرٍ تلح به دواخلها الملتجة، فتسللت
بعض الأحرف المتلعثمة على شفتيها:
ـــــ آآآ ممممم
غضنت صوفيا حاجبيها وقالت:
ـــــ ماذا تريدين أن تقولي يا مانويلا ؟
ـــــ هل ستقتلون عائشة ؟
ـــــ ههه وهل أرسلناكِ إلا للترتيب لذلك اليوم ؟ ما
أرسلناكِ إلا لجلب أخبارها، وحتى نكون معها ومع كيفن من حيث لا يشعرون. انتهت
المهمة. باركك الرب
ردت راضخة مبتئسة:
ـــــ .... أشكرك، الأم صوفيا
*****************************************
اتسعت حدقتا الدكتور محمدي( لوكاس) حين دق هاتفه ورأى
اسم القس دانيال، فغمغم باضطراب:
ـــــ ما هذا ! الآب دانيال على الهاتف ! ربما اكتشف أمر
جثة السيدة نيكولا بعد هذا الوقت الطويل؟
بالأخير رد على الهاتف بثبات:
ـــــ الو، مرحبا آبانا
ـــــ مرحبا دكتور لوكاس. كيف حالك؟
ـــــ بخير. نشكر الرب
ـــــ ممممم هناك أمر قد حدث، وأشعر أنك أنت الذي وراءه
تظاهر الدكتور محمدي بالاندهاش:
ـــــ أمر! ما هو يا آبانا ؟
ـــــ جثة نيكولا.. عندما ذهبت لألقي عليها نظرة الوداع
الأخير لم أجدها نيكولا، بل جثة مجهولة الهوية. فما سر ذلك ؟ أرجو التوضيح
ـــــ .... أخبرك بالأمر، وليكن سراً بيننا يا آبانا
ـــــ تفضل
ـــــ تعلم أنني جئت لآخذ
جثة لتشريحها ولكن ممم في حقيقة الأمر كان
هناك من يطلب مني قرنية للعين من شخص توفى حديثاً، وبالطبع لم أجد غير نيكولا، أأسف لأنني أخذت الجثة واستبدلتها بأخرى
ـــــ مممم ألا تخف أن يكتشف ذلك أحدٌ من أهلها؟
ـــــ هاها أعلم أن ولدها مات، وليس لها غير زوجها واختها
التي لم تأت من برلين بعد وفاتها، أما عن زوجها فقد ودعها مسبقاً، لذا فقلت أنه
ليس هناك من سيهتم بالأمر
ـــــ ممم حسناً يا لوكاس. لو كان غيرك من فعل ذلك لما
تهاونت في الأمر، ولكن لأنك من محبي يسوع والكنيسة فسأتجاوز عنك
ـــــ هاها أشكرك يا آبانا، أشكرك
ـــــ منذ فترة لم تأتي للكنيسة
ـــــ سأسافر إلى مؤتمر طبي في انجلترا، وبعد عودتي
سأعود للكنيسة مرة أخرى
ـــــ في انتظارك لوكاس
ـــــ هاها انتظر يا آبانا
أنهى دكتور محمدي المحادثة مع القس، وهاتف دكتور سالم
على الفور ليخبره عما حدث، فرد دكتور سالم بتحية الإسلام:
ـــــ السلام عليكم دكتور محمدي، كيف حالك يا رجل؟
ـــــ وعليكم السلام، كنت على وشك الوقوع تحت أنياب
دانيال، لولا ستر الله هاها
سأله الدكتور سالم بنبرة قلقة:
ـــــ ما الذي حدث؟
ـــــ الآب دانيال اكتشف تبديل الجثة، وهاتفني يستفسر عن
الأمر، فاختلقت له قصة لأهرب
ـــــ وهل استطعت الهروب ؟
ـــــ الحمدلله . هو فقط يريد الاستفسار ولا يعبأ بأمر
الجثة، وعندما علم السبب انصرف عني
اطمئن الدكتور سالم، وسأله عن أمر يشغله:
ـــــ هل استعديت للسفر إلى العمرة ؟
ـــــ الحمدلله على أتم الإستعداد . ولكن لن أسافر من ألمانيا معكم حتى
لا ينكشف الأمر
ـــــ من أي مكان إذن ستسافر؟
ـــــ سأسافر إلى انجلترا، ومن هناك أتوجه إلى مكة، حتى
وإن سأل عني سائل هنا يتأكد أن طيارتي اتجهت إلى انجلترا ولا يتشكك أحد في الأمر
ـــــ هاها على بركة الله يا أخي. ألقاك هناك إذن إن شاء الله
ـــــ ستكون خير صحبة يا أخي سالم إن شاء الله
ـــــ والله سعيد بذلك دكتور محمدي . تقبل الله منا ومنك
صالح الأعمال اللهم آمين
ـــــ آمين يا أخي، آمين
*************************************
في جلسة عائلية لطيفة في أحد صباحات شهر رمضان الفضيل،
ضرب محمد على صدر أخيه أحمد وقال ضاحكاً:
ـــــ اقترب موعد زواجك يا أحمد يا أخي هاها
ـــــ ههه الحمدلله . دعواتك يا أخي بتمام الزواج على
خير
ـــــ إن شاء الله يا أحمد. هل هناك ما ينقصك أو ينقص
العروس ؟
ـــــ مممم عن نفسي أنا فلا والحمدلله . ولكن كنت أود
اصطحاب زينب هي وأمي لتشتري ما شاءت من ملابس أو أي أشياء تحتاجها
ـــــ ربما تخجل أن تطلب منك أي شيء ممممم أعتقد أن نرسل
معها حفصة، فهم نساء ويتفهمن بعضهن البعض
أطرق أحمد صامتاً وكأن الاقتراح لا يروقه، فقهقه محمد
وقال ممازحاً:
ـــــ يبدو أنك تتحين الفرص للقائها، وكانت حجتك هذه
المرة هي شراء ما ينقصها هاها
ـــــ ههه ربما كان هذا سبباً.. ولكن أيضاً أود أن أزيل
ما بيني وبينها من تحفظات
ـــــ هذا لا يتم إلا بعد الزواج، فتمهل يا أخي
أومأ أحمد برأسه استحساناً للأمر وقال:
ـــــ حسناً، سأذهب لشراء بعض الهدايا وأرسلها مع حفصة حين
تلتقيها ويذهبا للتسوق
ـــــ لا بأس يا أخي، إفعل
*********************************
أعدت عائشة طعام الإفطار، وقبيل المغرب وضعت لزينب صحناً
منه على صينية وإلى جواره اللبن وبعض التمر، واستأذنت عبد الله قبل صعودها إلى
الدور العلوي:
ـــــ عبد الله حبيبي، سأصعد لأعطي بعضاً مما أعددت
لزينب لتفطر عليه
ـــــ ههه أخذتِ معك تمراً ولبنا لها ؟
ـــــ ههه بالطبع اخذت. لن أتأخر
ـــــ اصعدي رويدا رويدا حبيبتي
ـــــ ههه تخاف عليّ ام على ولدك ؟
ـــــ والله أخاف عليكِ أنتِ حبيبتي
ـــــ ههه سيغضب ولدك
ـــــ ههه لن يغضب، فهو يعلم أني أحبه لأنه جزءاً منكِ
حبيبتي
ـــــ هاها تخجلني دائما بكلماتك الرقيقة . حفظك الله لي
حبييبي
ـــــ وحفظك حبيبتي . هيا حتى لا تتأخرين فقد اقترب موعد
الآذان
ـــــ ههههه حالا حبيبي
*************************************
كانت مانويلا تأكل طعامها الذي أعدت بشهية، حين سمعت جرس
الباب، فجحظت عيناها وقالت بارتباك:
ـــــ يا ويحي! من القادم!!
أخذت تجري بالصحن يمنة ويسرة وهي تقول لنفسها:
ـــــ أين أخبئ الطعام! يا ويحي! . ربما كانت عائشة، ولو
رأت الطعام لعلمت أني مفطرة في نهار رمضان، وشكت في أمري مممممممم ها هنا أضعه تحت
هذا الكرسي...مممممم هكذا تم الأمر. أذهب لأفتح
بعد أن أبتلع ما في فمي....أين المنديل؟ أريد أن أمسح فمي
طال انتظار عائشة، فقرعت الجرس مرة أخرى وهي تنادي:
ـــــ زينب، افتحي يا زينب، أنا عائشة يا حبيبتي، أنائمة
انتِ أم ماذا؟
أخيراً فتحت بعد أن أخفت أثار الطعام:
ـــــ مرحباً عائشة، تفضلي بالدخول
ـــــ لا حبيبتي، أشكرك. جئت فقط لأعطيكِ بعض التمرات،
وكأس من اللبن، وصحن الثريد الشهي باللحم هذا هاها
تبسمت مانويلا وردت بلطف:
ـــــ كم أنتِ رقيقة ، كل هذا الطعام من أجلي!
ـــــ لا تنسي أن تقولي عند الإفطار كما علمتك. اللهم لك
صمت، وعلى رزقك أفطرت، اللهم ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله
أومأت برأسها وقالت باسمة:
ـــــ أقولها دائماً عند الإفطار، لا تقلقي
ـــــ تقبل الله منا ومنكِ صالح الأعمال حبيبتي. أتبغين
أي شيء قبل أن أنزل ؟
ـــــ لا، أشكرك
ـــــ السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام
أغلقت مانويلا الباب وتنهدت بعمق وطفقت تحدث نفسها التي
عقدت محكمة إنصاف في أمر عائشة:
ـــــ طيبة عائشة ولكن ليس بيدي أي شيء... أوف!!... أشعر
أني أقاوم بداخلي شعوراً بحبها. حقاً لم
تسيء إليّ يوماً منذ أتيت إلى هنا. ودودة ورقيقة ومتبسمة دائمة.. أوف!!.. لا أعلم لِمَ يريدون إيذائها وزوجها!!. فليختارا ما شاءا
من أديان. لِمَ يتعقبوهما!! أوف! ليتني ما قدمت الى هنا.. ليتني
*************************************
عادت عائشة إلى المنزل، فلم تجد عبد الله في الردهة كما
تركته، فتبسمت وقالت:
ـــــ اين هو عبد الله ممممم هاها بالتأكيد في المطبخ
يعد العصير ككل يوم
دلفت إلى المطبخ فوجدته قد أعد العصير كما ظنت، فتبسمت
وألقت السلام:
ـــــ السلام عليكم حبيبي
ـــــ ههه وعليكم السلام حبيبتي . ستتذوقين من يد زوجك
شرابا اخترعه للتو هاها
ـــــ اختراع! ممممم حبيبي لا أحب ان اكون موضع للتجارب
هاها
ـــــ ههه ستجربين ولن تندمي . موعدنا بعد آذان المغرب إن
شاء الله
ـــــ من أي شيء يتكون مشروبك المبتكر هذا ؟
ـــــ هههه لن أقول. تذوقي وخمني
ـــــ ههه بالتأكيد سيعجبني حبيبي ... قل لي هل تشعر
بالتعب مع الصيام
ـــــ هاها كل يوم تسألين نفس السؤال واقول لا، لا، لا
والله لا أشعر بالتعب بفضل الله ولا بالجوع ولا بالعطش
ـــــ تقبل الله منك حبيبي اللهم آمين
ـــــ ومنكِ يا حبيبتي.
سمعا صوت الآذان، فقال عبد الله جذلاً:
ـــــ ها هو الآذان، نذهب لتناول التمر واللبن، وبعدها
نصلي المغرب، ثم نعود لطعامنا ككل يوم
ـــــ هاها ممممممم كم هو جميل الصيام في رمضان
وبعد أداء صلاة المغرب, اجتمعا على مائدة الإفطار، فقالت
عائشة فرحة:
ـــــ صوما مقبولا وإفطار شهيا زوجي الحبيب عبد الله
ـــــ ههه صوما مقبولاً وإفطاراً شهياً زوجتي الحبيبة عائش،
ها.. ما رأيك في العصير. هل عرفتِ مِمَ يتكون ؟
ـــــ أخذت الرشفة الآخيرة ولم أعرف للأسف . تارة أعتقد أنه
فراولة، واقول لالالالا الفراولة ليس لها هذا المذاق هاها وتارة أعتقد أنه جوافة
ثم أقول لالالالالا الجوافة ليست حمراء هاها . حبيبي أنا لا اعلم
ـــــ هاها إنه مزيج من فراولة وجوافة وتفاح أيضاً
ـــــ هاها رائع . اعطني رشفتي، فهذا دوري
ضحك وقال مازحاً:
ـــــ بقى رشفتان، فلا ترتشفيهما وحدك هاها
ـــــ هههه لا تخف . زوجتك لا تفعلها أبداً، أعتدت مع
مشاركتك في الرشفات مناصفة هاها
ـــــ بل قولي اعتدت على مقاسمتك في الرشفات ملاطفة هاها
ـــــ دمت لي ودامت ملاطفتك حبيبي ههه
ـــــ هل أعجبك العصير؟
ـــــ حقاً أعجبني جداً، سأذهب وأحضر كأسا أخر نتقاسم
رشفاته
ـــــ لا،لا،لا،غير مسموح من فضلك . الكأس الأول هدية، أما
الثاني فباهظ الثمن هاها
ـــــ ههه أهكذا حبيبي ؟ تمنع عني ما أحب ؟ لم اعتد منك
على هذا يا زوجي الحبيب
ـــــ هاها سأحضر أنا كأساً آخر لكِ وحدك
ـــــ لالالا، نتقاسمه سوياً وإلا لن أشرب. لا أجد طعماً
لأي شيء لا تشاركني فيه حبيبي
ـــــ ههههه سلمتِ لي حبيبتي . سأذهب وأحضر كأساً
آخر قبل أن تحين صلاة العشاء
وإذ هما يتابدلان أحاديث الصفو، دق هاتف عائشة، فإذ بها
حفصة، فردت على الفور:
ـــــ السلام عليكم حفصة
ـــــ وعليكم السلام يا عائشة . كيف حالك ؟
ـــــ بخير حال والحمدلله . ماذا أفطرتِ اليوم يا حفصة ؟
هاها
ـــــ افطرت شبارغل
انفجرت عائشة بالضحك وقالت:
ـــــ عافانا الله
قهقهت حفصة وردت:
ـــــ إنه يسمى خضار الملوك
ـــــ وهل عندكم ملوك اليوم على الإفطار يا حفصة ؟ هاها
ـــــ بالطبع، أنا وزوجي الحبيب محمد هاها
ـــــ هنيئا مريئاً يا حفصة هاها
ـــــ وأنتِ ماذا افطرتِ يا عائشة ؟
ـــــ ثريداً هاها
ـــــ هاها ماشاء الله . سأدعو نفسي على الإفطار عندكم أنا وزوجي المسكين لنأكل الثريد معكم
ـــــ إن شاء الله حبيبتي . كيف حالك أنتِ؟
ـــــ بخير الحمدلله . سآتي غداً عندكم إن شاء الله، لاصطحاب
المدعاة زينب لشراء كل ما يلزمها للزواج
ـــــ هههه جعل الله ذلك في ميزان حسناتك. وهل أخبرتيها؟
ـــــ ليس بعد. ما رأيك تأتي معنا ؟
ـــــ مممممم سأستأذن عبد الله، وإن وافق سأذهب معكما إن
شاء الله
ـــــ حسنا حبيبتي.. ومتى ستبلغيني قرارك ؟
ـــــ بعد قليل سأهاتفك، فزوجي يستعد للذهاب لصلاة
العشاء
ـــــ حسناً سأنتظر مهاتفتك . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام حبيبتي
وضعت عائشة الهاتف جانباً، فمازحها عبد الله ضاحكاً:
ـــــ هل انتهيتِ من تقرير الإفطار أنتِ وصديقتك ؟
ـــــ هاها تعلم النساء وفضولهن حبيبي . ممم كنت أود أن
أطلب طلباً صغيراً
ـــــ ما هو ؟
ـــــ كنت أود أن أستأذنك في الذهاب مع حفصة لشراء ما يلزم زينب عندما
تأتي غدا لاصطحابها
رد بحسم:
ـــــ لا. آسف، لا أوافق
ـــــ مممم لِمَ حبيبي ؟
تنهد وقال بتجهم:
ـــــ حبيبتي، طلبتي
طلبا وقلت أني لا أوافق، فلا تزيدي الكلام
ـــــ أمرك حبيبي . ولكن من فضلك اصطحبني لشراء هدية
لزينب فقد اقترب موعد زواجها
ـــــ لا بأس حبيبتي، إن شاء الله نذهب غداً بعد صلاة
العشاء
ـــــ هاها أشكرك، أشكرك يا زوجي الحبيب
ـــــ هههه سأذهب للصلاة . هل تريدين أي شيء ؟
ـــــ أريدك سالما يا عمري
ـــــ سلمك الله حبيبتي . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام حبيبي
**********************************
أمسكت حفصة بهاتفها، زفرت متأففة وقالت بضيق:
ـــــ أهاتف المدعاة زينب، أوف
ردت مانويلا بمرح:
ـــــ هههه السلام عليكم حفوصة
ـــــ وعليكم السلام . غداً سآتي صباحاً لأصطحبك إن شاء الله
ـــــ تصطحبيني إلى أين ؟ هاها
ـــــ إلى الأسواق لشراء ما يلزمك قبل زواجك
ـــــ لا يلزمني شيء
صاحت بها حفصة:
ـــــ أبلهاء انتِ؟ كل عروس يلزمها أشياء قبل زواجها
ـــــ هههه أنا أختلف
عن أي عروس . لا أحتاج شيء، أشكرك
ـــــ ما لي أنا تشكريني أو لا تشكريني! أحمد هو من يريد
ذلك
ـــــ أحمد ! كيف حاله ؟
ـــــ أوف! لا أعلم. اقترب موعد عرسكما وسليه بنفسك كيف حاله
ـــــ عرسنا ! متى ؟
ـــــ يوم الخميس القادم إن شاء الله
شردت وهي تتمتم:
ـــــ الخميس القادم مممممم في نفس موعد عودتي للدي آآآآ
أشكرك، أشكرك وأشكر أحمد، ولكن لا داعي ليتكبد خسائر
اندهشت حفصة وقالت:
ـــــ خسائر !!.. لا أفهم عن أي خسائر تتحدثين!!
ـــــ ممممم لا شيء، لا شيء سأنتظرك حفوصة اموووه هاها
ـــــ أوف
ـــــ وأنتِ من أهل الخير هاها
انهت المحادثة وهاتفت صوفيا لتستأذنها:
ـــــ مرحباً مانويلا
ـــــ كيف حالك الأم صوفيا رئيسة الدير المبارك وحبيبة القديسين ؟
ـــــ بخير. كيف حالك انتِ وكيف هي الأحوال ؟
ـــــ مممممم لا أعرف . أنتِ تعلمين أن خاطبي احمد ......
قاطعتها الراهبة صوفيا صارخة بها:
ـــــ من! . خاطبك! أجننتِ؟؟ أفيقي مانويلا، أفيقي
ازدردت ريقها و اعتذرت مرتعدة:
ـــــ آآآآ أأسف الأم صوفيا، خانني اللفظ، عذراً. أنا أقصد من يزعم أنه
خاطبي أحمد، سيرسل زوجة أخيه لتصطحبني غداً للأسواق لشراء ما يلزم قبل الزواج
المزعوم
قهقهت الراهبة صوفيا وقالت:
ـــــ اذهبِ واشتري ما شئتِ
ـــــ ولكن ......... لكن أنا لن أرتدي ما سيشترونه لي. أنا
سأعود للدير الخميس القادم، وهو حدد موعد
الزواج المزعوم الخميس القادم.. فلِمَ أجعله يشتري ويتكبد خسائر مممم وحق يسوع
أريد أن اخبره اني لن اتزوجه حتى لا ينتظرني شوقاً، ثم لا يجدني أمامه.. فهو لم يخطئ
بحقي حتى أتسبب له في إيذاء مشاعره
أجهشت مانويلا بالبكاء، فضيقت الراهبة صوفيا عينيها
ارتياباً وقالت باحتداد:
ـــــ ماهذا مانويلا ! أتذرفين الدموع لأجله رحمة، أم
تذرفينها عشقاً؟ انطقي
ردت مسرعة بنشيج تدفع عن نفسها الظنون:
ـــــ لالا، دموع
الرحمة على من لا ذنب له
ـــــ كفكفي العبرات على البشر، ولتسكبي العبرات على الخطية
ـــــ خطية ! أي خطية ! أنا لم أخطئ، لم أخطئ
ـــــ اذهبِ مع زوجة أخيه، ولا تقابليه هو مرة أخرى، فقد
دقت أجراس أفتراقكما
ـــــ ها!!!! أفهم من ذلك أني لن أرى أحمد مرة أخرى ؟
ردت بغلظة
ـــــ لا. هذا أمر. وعندما تسمعين أمراً من رئيسة الدير
فماذا تقولين ؟
ردت بنشيج وهي تذرف العبرات:
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
ـــــ باركك الرب ما نويلا
*****************************************
بعد خروج عبد الله إلى العمل، نزلت مانويلا لانتظار حفصة
لدى عائشة، قرعت الجرس، ففتحت لها عائشة مرحبة بوجه باش:
ـــــ حبيبتي، حبيبتي، مرحباً بالعروس الجميلة، تفضلي
تبدت بسمة باهتة على محياها وقالت:
ـــــ أشكرك. جئت لأنتظر حفصة عندك
ـــــ تفضلي حبيبتي، فهي على وصول إن شاء الله
نظرت مانويلا إلى وجه عائشة الباسم، وعينيها الحانيتين،
وتذكرت جميل صنائعها معها مذ أن رأتها، فأجهشت بالبكاء ونطقت بما أعلنه قلبها الذى
عاف التمرد:
ـــــ عائشة... أنا أحبك
ـــــ ههه وأنا أيضاً أحبك حبيبتي والله . ولكن لِمَ
البكاء ؟
ردت بصوت هدجه النشيج:
ـــــ لا شيء، لا شيء
ـــــ هاها أنا قد علمت السبب
ارتعدت وقالت بارتباك:
ـــــ ها! علمتِ! آآآ ماذا علمتِ ؟
ـــــ هاها أنتِ تبكين لأنك يا مسكينة تظنين أني سأبتعد
عنكِ واتركك وحدك عندما تتزوجين ههه لالا، أنا لن أترك حبيبتي زينب، فأنتِ شقيقتي
الصغرى يا حبيبة. أتم الله أمر زواجك على خير اللهم آمين ورزقك الذرية الطيبة آمين.
أنخرطت مانويلا في بكاء مرير، فهال عائشة ما رأت، فربتت
على ظهرها وقالت متلهفة:
ـــــ لا لا، ماذا هنالك حبيبتي بالله ؟ أهناك شيء
يضايقك يا زينب؟ أهناك أمر يصعب عليكِ؟ . حبيبتي
صارحيني فأنا أختك
قالت وسط غمار الدموع في عينيها:
ـــــ لا شيء يا عائشة. فقط أريد أن أبكي
ـــــ هاها ممم فهمت. ربما تخافين من الزواج . لا تقلقي
حبيبتي، فالحياة الزوجية ليست صعبة كما نتصور قبل زواجنا. فقط عليكِ بتفهم طباع
زوجك والإحسان إليه قولاً وفعلاً، وستجدين خيراً إن شاء الله
كانت كلمات عائشة المنبعثة عن سلامة طويتها، كالسياط
تجلد قلبها النادم فيصرخ ألماً يصدع دواخلها، فيزيد معه نحيبها..شرعت ذراعيها
وقالت بنبرة حانية وكأنها تودعها:
ـــــ عائشة.. أريد أن أضمك لصدري
ـــــ يا حبيبتي ! تعالي إلى صدري يا حبيبة، تعالي فوالله أنا دائماً
أشعر أنكِ أختي الصغرى المدللة التي تشبه
القطة الناعمة الجميلة هاها تعالي يا قطتي الحلوة
في أحضانها ذرفت عبرات من لهيب، ونطقت باسمها وقلبها
يتجرع الآلام:
ـــــ عائشة، عائشة
ـــــ كفاكِ بكاء يا حبيبتي. تأكدي أنني لن أتركك أبداً
صدقيني . سأستأذن زوجي في زيارتك أسبوعياً إن شاء الله، ودائماً سأهاتفك يومياً إن شاء الله
قالت وعبرات الندم تغمرها:
ـــــ أشكرك، أشكرك عائشة
قطع الحديث الشجي، صوت جرس الباب، فتهلل وجه عائشة
وقالت:
ـــــ جاءت حفصة الحبيية، سأذهب لافتح الباب
فتحت، فحيتها حفصة باسمة:
ـــــ السلام عليكم يا عائشة
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله، مرحباً حفصة حبيبتي،
تفضلي، زينب في انتظارك
ـــــ يبدو أنها متعجلة أمر الشراء ومتلهفة جداً، وبالأمس
تتظاهر أنها لا تريد شيئاً. تباً للمكر.
ـــــ هاها كل عروس تشتهي الشراء وتجري على الأسواق قبل
زفافها يا حفصة، لا شأن لكِ بزينب هاها
ـــــ أين هي؟
جاءها صوت مانويلا الناشج:
ـــــ أنا هنا في انتظارك
هرعت إليها حفصة وقهقهت لمرآها تبكي، وقالت بدهشة:
ـــــ مابكِ؟؟ تبكين!!
لالا، لأول مرة أكتشف أن لديكِ مشاعر كسائر البشر يا زينب. ما يبكيكِ ؟
ـــــ لا شيء، هيا لنذهب للتسوق
ـــــ مابها هذه يا عائشة ؟
ـــــ هههه ربما متوجسة خيفة من أمر الزواج . لا تنسي أن
أحمد غريب عنها، وبالتأكيد تخشى الحياة مع من لم تألفه
قهقهت حفصة وقالت وهي تهز رأسها منكرة السبب الذي ذكرته
عائشة:
ـــــ هاها لالا، ليست هذه من تبكي لذلك. هذه تخشى أحمد !!
العكس صحيح، والأولى بالبكاء والخوف من الزواج منها هو أحمد وليس هي
انفجرت عائشة بالضحك وقالت وهي تضرب كفاً بكف:
ـــــ على آخر الزمان الرجل يبكي خوفا من الزواج هههه
أستطرت عائشة:
ـــــ لولا أننا
في نهار رمضان لقلت اجلسي وتناولي شيئا
سددت حفصة نظرة امتعاض لمانويلا وقالت لعائشة:
ـــــ ناوليني هذه الزينب حتى انطلق . سأسبقك إلى
السيارة واتبعيني يا زينب
ردت بنشيج وقد قامت عن مقعدها:
ـــــ سأتبعك.
قبل أن تغادر، اتجهت إلى عائشة وقالت بود يمازجه النشيج:
ـــــ أتريدين شيئاً قبل انصرافي يا عائشة ؟
ـــــ لا يا حبيبة . اذهبِ وتسوقي واشتري ما شئتِ من أحلى
وأجمل الثياب والأغراض وأدوات الزينة هاها
ـــــ زينة!!....استأذنك
ـــــ تفضلي حبيبتي، في رعاية الله
************************************
وصلتا إلى أحد محال الملابس، فجبذت حفصة ذراعها بعنف
وقالت:
ـــــ ها نحن وصلنا لمحل الملابس، هاتي ذراعك، تعالي
ـــــ آآآه ذراعي، لماذا تجذبينني هكذا بقوة! أوف!
دفعتها إلى أحد الممرات وقالت بحدة:
ـــــ ادخلي هنا، أنظري أمامك أفخم وأفخر الثياب،
فاختاري ما شئتِ
نظرت إلى ألوان الثياب الزاهية، وقالت وقد اتسعت
حدقتاها:
ـــــ ما هذا!! إنها ثياب ملونة.
ـــــ وما العجيب في ذلك يا هذه ؟
ـــــ نحن لا نرتدي الألوان، نرتدي الأسود فقط
ـــــ أعوذ بالله. من أنتم؟ عمن تتحدثين؟
ـــــ آآآ أنا والعرائس
ردت حفصة بانفعال:
ـــــ عرائس .أرأيتِ يا هذه في عمرك، عمرك الذي أرجو أن ينتهي الآن رحمة بالبشر . أرأيتِ في عمرك عروس
ترتدي الأسود!!. أسود في بيت الزوجية!!
ـــــ ما شأني أنا بغيري! أنا أحب الأسود
زفرت حفصة وجبذت كفها بعنف وقالت باحتداد:
ـــــ أوف! تعالي، تعالي
ـــــ آآآه اصابعي، أصابعي ستكسريها اهئ اهئ
ـــــ ما رأيك في الثوب الأحمر هذا؟ أليس رائعاً بحق ؟
ـــــ أحمر!!
ـــــ دعك من الأحمر. أنظري إلى هذا الأصفر الزاهي
ـــــ أصفر!!
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . دعك من الأحمر والأصفر،
انظري إلى هذا القرمزي الرائع
ـــــ قرمزي!!
ـــــــــ أوف!! اختاري ما شئتِ، فأنا سئمت منكِ
أخذت عينها تتنقل بين الأثواب الزاهية في حيرة، ثم هزت
رأسها وقالت ناشجة:
ـــــ لا يصلحون جميعا، لا يصلحون، إنها ألوان زاهية
براقة جميلة وأنا لا ألبس هذه الألوان, إنها ليست لي
أزاحتها حفصة من أمامها بعنف، وقالت متأففة:
ـــــ كفاكِ نواحاً . سأختار لكِ أنا، فمن الواضح أنك
تجهلين اختيار الثياب ذات الأذواق الراقية
غمغمت ناشجة:
ـــــ افعلي ما شئتِ، في آخر الأمر لن أرتدي منها واحداً
أختارت حفصة أحد الأثواب وأشارت إليه قائلة:
ـــــ انظري الى هذا الثوب المزركش
ـــــ مزركش!! كيف يرتدون هذه الأشياء!!
ـــــ المرأة يجب أن تتزين لزوجها، فهذا من حسن التبعل،
ويجب أن ترتدي أجمل الثياب وأروع الألوان . أعلمك شيئاً لزمانك رغم أنك لا تستحقين
ردت باكية:
ـــــ افعلي ما شئتِ يا حفصة
ـــــ أوف! سأفعل ما أشاء، وأختار ما أشاء، وارحميني من
صوت بكائك الذي يشبه الغراب الناعق في أذني
ردت بنشيج أعلى:
ـــــ سمعاً وطاعة
*********************************************
بعد أن انتهتا من التسوق، قالت حفصة بامتعاض:
ـــــ والآن بعد أن أحضرنا لكِ الثياب وأدوات الزينة والأحذية وحقائب اليد الجميلة التي لا
تستحقينها، هيا لنذهب إلى منزلك الجديد لتضعيها في خزانة ملابسك
ـــــ منزلي الجديد!.... خزانة ملابسي!!...حسناً، هيا
ـــــ هيا احملي معي هذه الشنط
ـــــ ما هذا! هل سأحملها معك يا حفصة ؟
ـــــ هل أخبرك أحد أنني أنا من
جلبها زوجك من الفلبين لتخدمك يا ملكة عصرك ؟؟
ـــــ لِمَ تسخرين مني ! أنا أسأل مجرد سؤال
تعجلتها حفصة بضيق:
ـــــ هيا، هيا، أود أن نفرغ من هذه الأمور، وأذهب بسرعة
لبيتي وأنتظر زوجي. لا أحب أن يعود زوجي من الخارج ولا يجدني
ـــــ وإن حدث ذلك، فما الضير!
ـــــ احترام الزوج واجب يا هذه
هزت مانويلا رأسها ثم قالت بنشيج:
ـــــ تعلمت منك أشياء لن أستفيد منها
*************************************
تعجلتها حفصة لركوب السيارة:
ـــــ هيا اركبي، هيا، هيا لكي أرجعك لمنزلك وأنطلق لمنزلي، هيا، مالك تتلفتين كالعنزة ؟
ـــــ انظر الى الشوارع ووجوه المارة
ـــــ أحضر لكِ لوحة وريشة كي ترسميهم!! هيا
ما أن دلفتا إلى السيارة، حتى دق هاتف حفصة، إنه زوجها
محمدـ، ردت على الفور:
ـــــ السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا حبيبتي. هل انتهيتِ من الشراء
أنتِ وزينب ؟
ـــــ أجل حبيبي الحمدلله انتهينا، عائدين إلى منزل زينب
ـــــ لا. من فضلك تعالي إلى المعرض، أمي هنا وسنتناول
الإفطار هنا
ـــــ هاها في المعرض ؟
ـــــ هاها للتغير
ـــــ حسناً، سأرجع زينب وأعود إليكم
ـــــ لا . أمي تريد زينب أيضاً
ـــــ أووف!! . منذ الصباح وهي معي وبرفقتي حتى كدت أختنق،
وسأتناول الإفطار معها أيضاً!! والله اخشى أن تبيت بأحضاني الليلة حتى يكتمل أنسي
بها
انفجر محمد ضاحكاً وقال:
ـــــ ليست لهذه الدرجة . بعد الإفطار سيعدها لبيتها أحمد وأمي إن شاء الله
ـــــ ممم يبدو أن أخاك هو من دبر هذا اللقاء هاها صاحب
عقل مدبر كأخيه تماماً هاها
ـــــ هاها من شابه أخاه فما ظلم . أنتِ وزينب ستجلسان
مع أمي، وأنا وأحمد مع أبي
ـــــ حسناً حبيبي
ـــــ فقط استشيريها في الأمر
ـــــ بغير استشارة، بالتأكيد موافقة. انتظرنا فنحن في
الطريق اليكم إن شاء الله . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام حبيبتي
غضنت مانويلا حاجبيها وسألت:
ـــــ ماهذا! . إلى أين سنذهب يا حفصة ؟
ـــــ سنذهب لمعرض السيارات، ونتناول الإفطار هناك مع
خالتي الزهراء
ـــــ مممممم وهل سيكون أحمد هناك ؟
ـــــ بالطبع
تهلل وجهها فرحاً وقالت:
ـــــ حقاً؟؟
ثم تذكرت تحذير
الراهبة صوفيا من رؤيته فارتعدت فرائصها وقالت بارتعاب:
ـــــ لكن ........ لا،لا، . لن أستطيع أن أراه، أخشى، أخشى،
أخشى أن أراه
قهقهت حفصة وتندرت عليها:
ـــــ اختبئي منه خلف السيارات هاها
غمغمت باكية:
ـــــ يا ويحي، يا ويحي لو علمت الأم صوفيا
******************************************
بعد
تناول طعام الإفطار الذي رغبت عنه مانويلا إلا قليلا، حاولت والدة محمد أن تبدد
تلك الكآبة والوجوم على ملامحها وتخرجها عن تلك الصمت الذي لزمته، فربتت على كتفها
وقالت باسمة:
ـــــ مرحباً يا ابنتي
ـــــ مرحباً خالتي الزهراء
استأذن أحمد في الدخول، فابتعدت والدته وحفصة ليخليا
بينهما.. ما أن رآها حتى أشرق وجهه وقال:
ـــــ زينب، مرحباً بكِ
ـــــ أشكرك يا أحمد
ـــــ ممممم هل اشتريتِ كل ما تاقت نفسك إليه ؟
ـــــ لا . بل اختارت
حفصة لي
ـــــ ولِمَ لم تختاري أنتِ ؟
أجهشت بالبكاء وقالت:
ـــــ لا أعلم
هالته تلك الدموع المتلئلئة في عينيها، فسألها متلهفاً:
ـــــ مابكِ يا زينب ؟ هل حدث ما كدر صفوك ؟ هل ضايقتك
حفصة بأي شيء ؟
ـــــ لا
ـــــ إذن فلِمَ البكاء ؟
ـــــ لا شيء يا أحمد
ـــــ امي تنظر إليكِ في دهشة هي وحفصة . بالله صارحيني
لو هناك ما يضايقك حتى اساعدك
ردت ثائرة:
ـــــ قلت لك لا شيء، لا شيء
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله.. إهدئي يا زينب . هاها سأخبرك بشيء تطيب له نفسك
ـــــ ماهو يا أحمد ؟
ـــــ أتعلمين أنني منذ رأيتك أول مرة، زرعت زهرة في
حديقة منزلي وسميتها زينب وأسقها كل يوم، كل يوم حتى تفتحت واصبحت من أروع ما يكون
تبدى الاندهاش على ملامحها وقالت:
ـــــ زهرة ! سميتها زينب! هل لي مكانة عندك إلى هذا
الحد حتى تزرع زهرة وتسمها باسمي وتسقها كل يوم حتى تتفتح ؟
ـــــ ههه وكيف لا تكن لكِ مكانة كبيرة في قلبي، وأنتِ
ستصبحين زوجتي بعد عدة أيام!. زواجنا الخميس القادم يا زينب وموعدنا مع الزهرة
لنسقيها معاً كل صباح
تذكرت أن الخميس هو موعد مقتل عائشة، فانفجرت البكاء
وقالت بنبرة مرتعشة:
ـــــ الخميس القادم
شعر بهول ما تعانيه، فبدى الابتئاس على وجهه وسألها
بنبرة خافتة:
ـــــ زينب بالله ما يبكيكِ ؟ ... هل أنتِ غير سعيدة
بالزواج مني يا زينب ؟
أطرقت تكابد ثورة البوح ولكن الكتمان سرعان ما أخمدها،
فقالت بصوت متهدج:
ـــــ أحمد أنت طيب القلب، طيب جداً..أنا... أأأأأانا
ـــــ أنتِ ماذا يا زينب؟
ردت بارتجاف منتحبة:
ـــــ أنا خائفة، خائفة.. أنا في بئر عميق، عميق، ويدك
تمتد لتنتشلني منه ولكن... لا أستطيع، لا أستطيع... اريد أن أذهب إلى منزلي، أنا
متعبة، متعبة
ـــــ زينب كوني على ثقة أنني سأبذل كل طاقتي في إسعادك
وسأعمل جاهدا على كسب قلبك ومحبتك وسأحتويكِ بكل حناني واخذك إلى عالمي الخاص الذي
سيجمعنا أنا وانتِ ونكون بيتا قوامه طاعة
الله ومحبته وسنربي ابنائنا تربية إسلامية صحيحة إن شاء الله
ثارت ناشجة:
ـــــ يا أحمد ارحمني، ارحمني لا تعذبني بكلماتك، قلت لك
متعبة وأريد الذهاب إلى منزلي
تنهد وأومأ برأسه واجماً، وقال:
ـــــ حسناً. هيا يا زينب.
نادى أمه مشيراً إليها:
ـــــ أمي، هيا
يا أمي
********************************************
منذ أن وصلت مانويلا إلى منزلها، ظلت حبيسة غرفتها تحادث
نفسها ثائرة كالملتاثة، وقد أخذتها نوبة بكاء مرير:
ـــــ عدة أيام... عدة أيام ويسدل الستار... عدة أيام
وأترك كل شيء وأعود من حيث أتيت .. عدة أيام
وتقتل عائشة وزوجها..عدة أيام
ويصدم أحمد عندما لا يجدني أمامه وكأنني جنية أتيته من عالم الجن ثم اختفيت
عن الأنظار ... عدة أيام وستتحول الدنيا حولي إلى جحيم، جحيم... يا كل ساعات العالم توقفي، توقفي، توقفي لا
تأخذينا إلى الأنكال، ليتني ما جئت إلى هنا، ليتني ما جئت إلى الدنيا بأسرها ...أهٍ
يا مصيري المحتوم آه.. لا شيء بيدي غير البكاء. كم الساعة؟ كم الساعة؟ ستدق الآن،
ستدق حتى تصم أذني بصوتها المزعج، ستدق لتحملني هي ومن يتبعها من ساعات إلى مصيري الضبابي.
بدأت الساعة تدق، فزاد هياج مانويلا وظلت تصرخ في ساعة
الحائط ذات الدقات المخيفة وهي تصم أذنيها بكفيها:
ـــــ تن
ـــــ اصمتِ، اصمتِ أيتها الدقات العاتية، اصمتِ
ـــــ تن
أصمتِ
ـــــ تن
أصمتِ لا أحتمل سماعك
ـــــ تن
ـــــ اصمتِ سأصم آذاني، أصمتِ
وكأن الدقات تدق في عناد لتعذبها وتذكرها بمصيرها
المحتوم:
ـــــ تن
ـــــ تن
ـــــ تن
صرخت في جنون وعبراتها تغرقها:
ـــــ اصمتِ، اصمتِ، ليتكِ تتوقفي للأبد، ليتك تتوقفي للأبد...آآآه...لا
أستطيع أن أتحمل البقاء هنا، كلما دقت الساعة أرى قبر عائشة وزوجها يحفر، وكأنني أنا من سألقي
بهما وأهيل عليهما التراب، لا،لا،لا
**********************************************
كان والد عائشة ووالدتها يستعدان للسفر في اليوم التالي
لأداء العمرة، فقالت والدتها جذلة:
ـــــ كم أنا فرحة يا سالم، الحمدلله سنسافر إلى العمرة غداً
إن شاء الله
ـــــ هاها سبحان الله لا نمل أبداً من الذهاب إلى هناك
. رحلات ممتعة إلى الأراضي المباركة
ـــــ الحمدلله حبيبي الحمدلله . ولكن هذه أول مرة نسافر
بغير عائشة
ـــــ تسافر مع زوجها وولدها العام القادم إن شاء الله
ـــــ سأهاتفها لأودعها قبل السفر يا سالم
ـــــ وأنا أيضاً أريد أن أسمع صوتها حبيبة أبيها
ضحكت والدتها وقالت ممازحة:
ـــــ تغار مني يا رجل، لأنني دائماً أقول حبيبة أمها هاها
ـــــ هاها هي حبيبة أمها وأبيها، فلا تغضبي
ـــــ حفظها الله وزوجها وأقر أعينهما بمولودهما اللهم
آمين
ردت عائشة على اتصال والدتها متهللة:
ـــــ أمي، حبيبتي يا أمي، السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا قرة عيني . كيف حالك وحال زوجك؟
وحفيدي كيف هو ؟ هاها
ـــــ هاها يهديكِ السلام من داخل رحم أمه. هل ستسافران
غداً إن شاء الله ؟
ـــــ أجل يا حبيبتي، لذا هاتفتك لأودعك، وإن شاء الله
عندما نعود سنأتي لزيارتك
ـــــ إن شاء الله يا أمي
ـــــ ماذا تريدين من هدايا ؟
ـــــ هاها لا أريد لنفسي شيئاً، ولكن أريد لعبد الله .
احضري ولو جلباب أبيض، ولا تنسي ولدي حبيبي هاها
ـــــ هاها أأهديه قبل أن يولد!!
ـــــ يا أمي احضري له أي شيء حتى لا يغضب هاها احضري له
ملابس جميلة، أعندك أغلى منه ؟ ألا يقولون
أن الأحفاد أغلى من الأبناء ؟ هاها
ـــــ هاها هو غالٍ وأمه غالية . حفظه الله وأمه وأبيه وأتم ولادته على خير اللهم آمين. أمرك يا أم عمر، لن
ننسى عمر ولا أم عمر ولا أبا عمر هاها خذي أباكِ يود أن يهديكِ السلام
ـــــ هاتي أبي حبيبي
ـــــ السلام عليكم حبيبتي عائشة زهرتي الجميلة
ـــــ وعليكم السلام يا أبي يا حبيبي . سأفتقدك هذه الأيام حتى تعود يا غالي
ههه
ـــــ ههه من يسمع ذلك يقول انكِ ترينني كل صباح.. منذ أن
تزوجتي يا حبيبتي وأنا أراكِ على فترات بعيدة
ـــــ جمع الله شملنا يا أبي
ـــــ اللهم آمين يا ابنتي . سأهاتف عبد الله لأودعه إن
شاء الله . أتريدين أي شيء ؟
ـــــ أريد دعواتك الصالحة لي ولزوجي يا أبي
ـــــ رزقكما الله كل الخير والطمأنينة والصحة والعافية يا
ابنتي اللهم آمين . حفظكما الله من كل سوء
ـــــ اللهم آمين يا ابي .
ـــــ استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه حبيبتي
ـــــ في أمان الله يا أبي
********************************************
مرت الأيام سراعاً وأتى اليوم الموعود..استقبله أحمد
بفرحة عارمة وقال لأمه:
ـــــ لا أصدق أن اليوم زواجي بزينب الحمدلله، الحمدلله
ـــــ هاها مبارك يا ولدي . متى ستذهب لتحضر زينب للعقد
؟
ـــــ بعد المغرب إن شاء الله
ـــــ على بركة الله يا ولدي
*******************************************
كانت مانويلا تجلس بملامح جامدة، ترقب هاتفها الملقى على
المنضدة، في انتظار مهاتفة الراهبة صوفيا..لم يبق منها إلا عبرات حبيسة مقلتيها،
وأنفاس ملتهبة، وروح منطفئة..دق الهاتف وظهر اسم الراهبة جلياً، ظلت تنظر إليه
بوجوم حتى كاد الرنين أن ينتهي، أمسكت بالهاتف، وردت بفتور:
ـــــ مرحباً الأم صوفيا
ـــــ مرحبا مانويلا. مستعدة ؟
ـــــ .....أجل
ـــــ ألبسي زي الراهبة، فلن يراكِ أحد. أرسلنا من بلغنا
أن كيفن خرج لعمله، وسنرسل من يحضر عائشة هذه إلينا
طفرت عبرات مانويلا وقالت بنبرة رجاء:
ـــــ ألا يوجد عقاب آخر غير القتل ؟
استشاطت الراهبة غضباً:
ـــــ مانويلا. لا شأن لكِ بذلك. أحذرك من تجاوز حدودك
مرة أخرى
قالت بفتور وهي تكفكف عبراتها التي سالت على وجنتيها:
ـــــ ..... آسفة
ـــــ هيا، هيا. سيارة خاصة ستحضر إليك وتقلك إلى المطار
قالت بنبرة غلبها النشيج:
ـــــ .... أمرك، الأم صوفيا رئيسة الدير المبارك من
الرب
وضعت
مانويلا الهاتف جانباً واندلعت نيران الحيرة في دواخلها، فقالت بنشيج:
ـــــ لا أعلم ماذا أفعل ..لو تفوهت بكلمة لقُتلت على
الفور .... ولكن أحمد ! أحمد.. هل أذهب لأودعه ؟ ولكن كيف!، كيف! وماذا سأقول له...أذهب
؟ ...لا، لا... أذهب ؟
صرخت باكية، تهز رأسها في حيرة:
ـــــ لا أعرف،
لا أعرف
وإذ هي تتلظى فوق جمار الحيرة، فإذ بجرس الباب يدق.
اتجهت صوب الباب وكأنها تقترب من فوهة بركان تخشى أن تصل إليها، سألت وأنفاسها
تتلاحق:
ـــــ من بالباب
ـــــ السائق . أرسلني الأب دانيال لأقلك إلى المطار
عضت على شفتها حسرة وعصرت دموع عينيها، ثم قالت تدافع
النشيج:
ـــــ أشكرك . سأتبعك
تعجللها بتأفف:
ـــــ هيا من فضلك، فلا وقت عندي أيتها الراهبة
****************************************************
كان السائق ينتظرها خارجاً إلى جوار السيارة، حين رمقها
قد نزلت الدرج في زي الراهبة..نظرت إلى باب شقة عائشة وذرفت دموع الرحمة وتمتمت:
شقة عائشة حبيبتي.. لهفي عليكِ يا عائشة
أشار لها السائق متأففاً، فأومأت برأسها..فرمقها تفعل
شيئاً أثار دهشته:
ـــــ ماذا تفعل هذه المجنونة ! إنها تقبل الباب ! من الواضح انها فاقدة للعقل
ألصقت جبهتها بباب شقة عائشة تبكيها بحرقة:
ـــــ عائشة، عائشة، لا أستطيع حتى طرق الباب لأراكِ للمرة الآخيرة، الوداع يا
عائشة، الوداع
اقترب السائق منها، يتعجلها متأففاً بصوت خافت:
ـــــ هيا، هيا
ـــــ هأنذا قدمت
****************************************************
قبل أن يهم السائق بإدارة المحرك، قالت بعد صراع بين
الإحجام والإقدام:
ـــــ من فضلك أيها السائق
ـــــ أمرك أيتها الراهبة
ـــــ من فضلك هناك شخص يجب أن أودعه قبل المغادرة إلى
برلين
ـــــ أيتها الراهبة، لا يوجد أوامر عندي بذلك . أمرني
الآب دانيال أن أقلك إلى المطار فحسب
رجته باكية:
ـــــ مازال الكثير على وقت الطيارة، من فضلك أنه طلب أخير
ولن أطلب غيره، من فضلك
ـــــ أوف!. أمرك، ولكن لا تطيلي الحديث
ـــــ حسناً، حسناً. أشكرك على إجابة الطلب
توجه بها السائق إلى منزل أحمد، فتوقف بالسيارة، أخرجت
الهاتف من حقيبتها وضغطت على رقم حفصة، والتي ردت بتأفف:
ـــــ ماذا تريدين؟
ـــــ أريد رقم هاتف أحمد بسرعة جدا من فضلك يا حفصة.
ـــــ هاها ألا تطيقين صبراً ؟ انتظري ففي المساء سيصبح
زوجك ويعطيكِ رقم الهاتف بالهاتف بصاحب الهاتف نفسه
ـــــ لا وقت للمزاح من فضلك، اعطني الرقم، فأنا أريده
في أمر ضروري
ـــــ أوف. انتظري، سأخذه من محمد
ـــــ بسرعة من فضلك، بسرعة
سرعان ما
عادت وأعطتها الرقم، فهاتفت أحمد على عجل، فأجاب:
ـــــ السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا أحمد
ـــــ من؟ زينب ؟؟
ـــــ أجل . أريد أن أراك على الفور من فضلك
ـــــ ههه أهناك شيء يا زينب . تحتاجين إلى بعض المال ؟
ـــــ لا، من فضلك أريد أن أراك. أنا أسفل المنزل
هاها سأنزل ومعي باقة زهور . رغم أني أستشعر أن هناك أمراً
غريباً ولا أفهمه!!
ترجلت عن السيارة، وانتظرته عند البوابة وعيناها تذرفان
العبرات، خرج بباقة الزهر باسماً من البوابة، فما أن رآها في زي الراهبة حتى تبددت
ابتسامته وعصفت الدهشة بملامحه، قال لنفسه وهو يهز رأسه مذهولاً:
ـــــ زينب!!! نعم هي زينب... ما هذا!!.. يا إلهي!! لا،لا..
ليست زينب.. إنها راهبة تشبهها لالا.. ليست زينب، ليست زينب
اقترب منها بخطوات وئيدة وهي يكذب ما يراه، فقالت
بابتسامة شجن:
ـــــ كيف حالك يا أحمد ؟
................................................................!!!
ـــــ لِمَ تنظر إلي مندهشا هكذا! . صدق ما تراه عيناك .
أجل . أنا راهبة مسيحية ولم أكن مسلمة يوماً في حياتي
ظل يطالعها وهو يهز رأسه ويقول كمن أصابه مس شيطاني:
ـــــ لا أصدق، لالا، لا أصدق . بالتأكيد أنا في حلم
مزعج، بالتأكيد، بالتاكيد . أليس كذلك يا زينب ؟ أليس كذلك؟
صاح بها في جنون:
ـــــ انطقي، أليس
كذلك؟
انخرطت في البكاء وطفقت تسرد الخفايا على مسامعه:
ـــــ أنا راهبة مسيحية، جئت من برلين، إسمي مانويلا..أأسف
يا أحمد. أأسف على جرح مشاعرك. وحق يسوع لم اقصد ذلك أبداً. وضعتك الأقدار في
طريقي دون أن أتعمد ذلك ..عذراً يا أحمد ... أستأذنك في الانصراف
همت أن تنصرف، فصاح بها ثائراً:
ـــــ اانتظري هنا، انتظري. من أنتِ؟ ولِمَ فعلتِ ذلك؟
وما المقصد ؟ أفصحي عن الأمر، أفصحي
ردت ناشجة بحسم:
ـــــ أأسف، لا أستطيع . أستأذنك
ـــــ قلت لكِ انتظري، لن تغادري المكان حتى أعرف
خباياكِ أيتها الغادرة
ردت منتحبة ودواخلها تحترق:
ـــــ قل غادرة، قل شيطانة، لن أغضب منك، فأنت محق. صدقني
لن أستطيع أن أتفوه بكلمة . وجئت فقط لأعتذر لك وأقول لا تنتظرني يا أحمد، فأنا لن
أكون زوجتك .. سأعود إلى الدير ومعي أجمل ذكرى لأطيب أنسان يمكن مصادفته في هذه
الحياة
قال والغضب يتأجج داخله:
ـــــ بل ستغادرين وتتركين أبشع ذكرى بقلبي تركتها إمرأة
غادرة مخادعة غشاشة مثلك . اذهبِ إلى الجحيم . وها هي باقة الزهر التي جلبتها لكِ
سأطأها بقدمي حتى لا تذكرني بك، اذهبِ
ألقى باقة الزهر أرضاً ووطأها بأقدامها، فتناثرت
بقاياها، ، فازدادت ألام مانويلا وهي ترمق بقايا الزهر تذروها الرياح..سددت إلى
وجهه الذي أشاح به عنها نظرة وداع وقالت بنبرة ناشجة مرتعدة:
ـــــ الوداع يا أحمد... الوداع
*************************************
دلف أحمد إلى منزله بخطوات أثقلتها الأحزان، وفؤاد
محطم..لحظت والدته تلك الوجوم على ملامحه، فسألته:
ـــــ أين كنت يا أحمد يا ولدي ؟
ـــــ لن أتزوج زينب
ـــــ ماذا!! ما الذي حدث يا ولدي ؟
ـــــ لم يحدث شيء. لن أتزوج زينب
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . يا ولدي هذه الأمور لا
يجوز فيها العبث. إن كان هناك سوء تفاهم قد حدث فاخبرني لأذهب إليها لأصلح الأمر
ـــــ لن تجديها
ـــــ لن أجدها!!... ما الأمر يا أحمد ؟
مسح وجهه باضطراب وقال بنبرة راجفة:
ـــــ أمي، أمي، أرحميني، لم يحدث شيء ولا أفهم شيء ولا أريد
أن أفهم شيء. الحمدلله. قدر الله وماشاء فعل
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله
***********************************************
كاد عبد الله يفقد صوابه بسبب اتصاله بعائشة مراراً
وتكراراً منذ الصباح، فيجد أن هاتفها مغلق، زفر بضيق وقال لنفسه:
ـــــ كلما هاتفت عائشة زوجتي أجد الهاتف مغلق, أوف! أستغفر الله العظيم.
عائشة لا تغلق الهاتف
لمح محمد اضطرابه، فسأله:
ـــــ ما الأمر يا عبد الله . أتتحدث إلى نفسك ؟
ـــــ زوجتي لا ترد على الهاتف يا محمد . هاتفها مغلق، مغلق
ـــــ وماذا في ذلك! لا تقلق، ربما نفد الشحن
هز رأسه وقال بنبرة قلقة:
ـــــ لا أطمئن للأمر، لا أطمئن، سأذهب بنفسي
ـــــ يا أخي لا تقلق بهذا الشكل. سأرسل حفصة تتفقد
احوالها وتخبرك... اليوم زفاف أحمد وزينب فلا تنس هاها
ـــــ إن شاء الله يا محمد إن شاء الله
**************************************
مضى وقت كاف لوصول حفصة إلى منزل عائشة، وقد اشتد القلق
والتوتر بعبد الله، أشفق عليه محمد، وخرج يهاتف حفصة على الدرج:
ـــــ هل وصلتِ الى هناك يا حفصة ؟
ـــــ هأنذا قد وصلت يا محمد، سأدخل من البوابة الآن
ـــــ معك على الهاتف
ما أن بلغت باب شقة عائشة حتى رأت ما أرعبها:
ـــــ ما هذا!! يا إلهي! ما هذا!! لالا، يا إلهي
رد محمد فزعاً:
ـــــ حفصة، ماذا وجدتِ؟؟
قالت بأنفاس متلاحقة:
ـــــ محمد، باب الشقة مفتوح، والأشياء متساقطة على
الارض، والمزهرية التي توجد بجانب الباب مكسورة
أجهشت حفصة بالبكاء، فرد محمد فزعاً:
ـــــ ماذا تقولين!. وأين عائشة؟؟
ـــــ سأبحث عنها في الغرفات
اندفعت إلى الداخل تنادي صارخة باكية وتبحث في الحجرات:
ـــــ عائشة، اين أنتِ، عائشة... ليست هنا، عائشة.... ولا هنا، عائشة،... ولا هنا أيضاً، أين أنتِ يا أختي،
لا أجدها يا محمد
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله. ياالله!. ما الذي حدث ؟
ماذا سأقول لعبد الله الآن! لا حول ولا قوة الا بالله....وأين زينب يا حفصة؟
ردت باكية:
ـــــ هاتفتها قبل مجيئي وهاتفها مغلق، سأصعد لأطرق
الباب
ـــــ بسرعة، بسرعة، أنا مختبيء على دَرَج المكتب حتى لا
يسمعني عبد الله
صعدت الدرج كالإعصار ، وأخذت تطرق باب مانويلا بعنف
وتنادي صارخة:
ـــــ افتحي يا زينب، افتحي، افتحي يا زينب، أين عائشة،
أين عائشة يا زينب
نفدت طاقتها وأستندت إلى الحائط تبكي وقد وضعت يدها على
قلبها المتسارع النبضات، وردت على زوجها لاهثة باكية:
ـــــ غير موجودة. والله إنها لسبب اختفاء عائشة، هي
السبب،هي السبب ...عائشة، عائشة أختي، أين أنتِ يا أختي
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . الدماء تكاد تتوقف في
عروقي.. ماذا سأقول لعبد الله! ماذا سأقول!!
عاد محمد
إلى عبد الله ممتقع اللون واجماً، فهرع إليه عبد الله يسأله متلهفاً:
ـــــ محمد، هل ذهبت زوجتك إلى عائشة ؟؟
أطرق رأسه صامتاً، فنهش القلق عبد الله وأعاد السؤال
مرتعداً:
ـــــ محمد !! لِمَ لا تجيب؟؟ أسألك هل ذهبت زوجتك إلى
زوجتي لترى لِمَ لا تجيب على الهاتف؟؟؟؟؟؟؟
جاهد محمد في جمع شتات الأحرف، فلم يتمكن، فهاج هائج
عبدالله وأخذ يهز كتفيه ويسأله صارخاً:
ـــــ محمد، ما الأمر؟ ماذا حدث؟ ما الأمر يا محمد أجبني
ـــــ لا أدري والله ماذا أقول يا عبد الله . زوجتك لا
وجود لها في المنزل للأسف، وقد وجدت حفصة الباب مفتوحاً وبعض آثار تثير الشكوك في
اختطافها
طاش عقل عبد الله، وهرع إلى الشارع وهو ينادي باسم
زوجته:
ـــــ عائشة، عائشة
أسرع محمد للحاق به وهو ينادي:
ـــــ انتظر، انتظر يا عبد الله، انتظر، انتظر لا تقود
سيارتك وأنت بهذه الحالة، أنا سأقودها بدلاً منك، انتظر
جلس محمد على مقعد القيادة، وجلس عبدالله إلى جواره
مرتعداً، فسأله محمد:
ـــــ إلى أين
تريد أن نتوجه الآن ؟
ـــــ إلى المنزل، إلى عائشة
ـــــ عائشة ! قلت لك لن تجدها، هناك من اختطفها
رد كمن فقد عقله:
ـــــ اختطفها!! اختطفها!! تقول اختطفها
يا محمد!! لا،لا مستحيل، مستحيل، أنت تهذي يا محمد، تهذي، عائشة بالمنزل
وفي انتظاري ككل يوم هاها سأذهب الآن وأدق الجرس، فتفتح متبسمة وترحب بي بلهفة الزوجة المحبة الطيبة الودودة
صرخ عبدالله باكياً
ـــــ آآآآآآآه
زوجتي، زوجتي، لا،لا، حبيبتي
ـــــ بالله يا عبد الله كفكف دموعك واهدأ حتى نفكر
ـــــ نفكر! في أي شيء نفكر! طاش عقلي، طاش عقلي . قلت
لك أريد أن أذهب إلى المنزل، انطلق
ـــــ أمرك، فقط
إهدأ يا أخي وإن شاء الله سنعثر عليها قريباً. ضع ثقتك بالله وحده
ـــــ يارب، يارب، يارب، آآآآآه
ما أن توقف محمد بسيارته أمام المنزل، حتى فتح عبد الله
وانطلق إلى الداخل كالمجنون وخلفه محمد، أخذ يجري بين الأروقة والحجرات يناديها:
ـــــ عائشة ....عائشة.....جئتك يا حبيبتي، أين أنتِ؟ عائشة
. زوجك حبيبك جاء، جئت يا عائشة، أين أنتِ، عائشة..اجيبيني حبيبتي، ليس من المعقول
أن أفقدك في غمضة عين، لا،لا، أجيبيني يا عائشة، أين أنتِ، أين أنتِ؟
أخذ عبدالله يترنح وقد خارت قواه، شعر بيد محمد تربت على
كتفه، ثم أمسك بذراعه، وقال:
ـــــ اجلس يا اخي، اجلس يا عبد الله، اجلس واهدأ
ـــــ لن أهدأ قبل أن أصل إلى زوجتي.
وكأن نيران تأججت في دواخله، فأشعلت فتوته، فزأر كاليث
الغاضب والشرر يتطاير من عينيه:
ـــــ أنا أعلم من وراء اختطافها، دانيال
انطلق غاضباً إلى الخارج، فلحق به محمد وهو يناديه:
ـــــ انتظر، انتظر، سآتي معك انتظر يا أخي
***********************************
غادر عبدالله وصديقه دوسلدورف وتوجها إلى ميونخ لمقابلة
القس دانيال..دخل التابع مسرعاً ليقول للقس:
ـــــ الآب دانيال، كيفن ثائر جداً ويريد الدخول بالقوة
ومعه صديقه . استوقفناه خارجاً رغماً عنه
قهقه القس وقام عن مقعد الباباوية، وقال وهو يعبث
بشعيرات لحيته:
ـــــ كيفن.. منتظر قدومه بين لحظة وأخرى. أدخله وحده
واصرف من معه
ـــــ سمعاً وطاعة آبانا
عاد التابع يقول:
ـــــ تفضل بالدخول يا كيفن
هم محمد بالدخول معه، فاحتجزه التابع قائلاً بفظاظة:
ـــــ وحده. انتظر أنت هنا
قال محمد متحدياً:
ـــــ سأدخل معه
ـــــ لن تدخل. انتظر هنا أو انصرف. أمرني الآب دانيال بدخوله وحده
قال عبدالله لصديقه:
ـــــ انتظر يا محمد . سأدخل أنا
صاح عبد الله في التابع بغلظة وهو يدفعه من أمامه:
إفسح الطريق يا هذا
اندفع إلى الداخل وصاح في القس غاضباً:
ـــــ دانيال، أين زوجتي يا دانيال؟
انفجر القس ضاحكاً وقال ببرود:
كيفن!! ياه!! مرحباً يا رجل . ولكن ممممم ألم تمت غريقا
؟ هاها هكذا أنت تؤكد أن الموتى يبعثون هاها مرحباً بعودتك إلى الحياة مرة أخرى أيها المبارك
من الرب هاها...ممم أم أنك أندرو الراهب ؟
هاها أهٍٍ من اللهفة على الحبيبة التي جعلتك تنسى التنكر في زي الراهب وجئت مهرولاً
ورائها هاها.
أردف القس وقد عصف الغضب بملامحه:
ـــــ أم أنك
عبد الله المسلم الذي ترك دين يسوع لأجل امرأة!!
صاح به عبدالله غير مبالياً بكل ما قال:
ـــــ أين زوجتي يا دانيال ؟
قهقه القس، هز رأسه في استنكار وقال وهو يرمقه بمكر :
ـــــ أهكذا يا كيفن ؟ دانيال بغير أن تسبقه آبانا ؟ هاها
ولكن سأسامحك فأنا أعلم أن فراق الحبيبة أذهب
عقلك . اجلس يا كيفن اجلس لِمَ الوقوف يا رجل ! هاها مرحباً بك، أنرت الكنيسة، منذ
مدة كبيرة لم تطأ قدمك الكنيسة المقدسة هاها شغلتك عنا الطبيبة وولدك الذي في
بطنها
أسدل القس حاجبيه وسأله بخبث ليؤجج غيظه:
ـــــ أليس ولداً
كما أخبرتنا الراهبة مانويلا ؟هاها
ـــــ الراهبة مانويلا!!
ـــــ أه نسيت أنك لا تعرف مانويلا هاها أنت تعرف زينب،
أليس كذلك ؟ هاها
أدرك عبد الله أنه وقع وزوجته في شرك مؤامرة من القس على
يد زينب، فصاح وكأنها طعنة سكين نفذت إلى صدره:
ـــــ زينب! اللعنة، اللعنة على مخططاتكم الخبيثة، أنتم
من أرسلتموها إذن لتتجسسوا على أمري وأمر زوجتي
أومأ القس برأسه وقال ضاحكاً:
ـــــ أجل. أنا وخالتك صوفيا وبعض المقربين منا هاها
انقض عبدالله على القس وأمسك بتلابيه وصاح به:
ـــــ أين زوجتي؟ أين عائشة؟ ماذا فعلتم بها؟ أقتلتموها أيها
الأوغاد؟
أطاح القس بيديه بعيداً وقال باسماً ببرود مقيت:
ـــــ ليس بعد يا رجل . فماذا تظن بنا أنت ! هل نقتل
إمرأة دون علم زوجها ؟ هاها لالالا يا كيفن لم نقتلها بعد . انتظرناك لنقتلها أمام
عينيك، ونرى لهيب الفراق والحسرة يتخطفانك هاها
صاح عبدالله بصوت كهزيم الرعود:
ـــــ أين هي؟ أين زوجتي؟
استدار القس ونادى في أتباعه والغليل يعصف بملامحه:
ـــــ جوزيف، ماريو، بيتر
أتوه يهرولون:
ـــــ سمعاً وطاعة يا آبانا
أشار إلى عبدالله وصاح فيهم:
ـــــ قيدوه
ـــــ سمعاً وطاعة
أحاط به الرجال ليقيدوه، فحاول التخلص منهم دون جدوى:
ـــــ اتركوني، ابتعدوا أيها الأوغاد، ابتعدوا
ـــــ قيدناه يا آبانا
حدجه القس بنظرة كراهية وقال بكل ما أوتي من حقد تجاهه:
ـــــ أرسلوا في طلب الأم صوفيا الراهبة الصالحة، وأحضروا
زوجته لتذبح أمام عينيه
صرخ عبدالله مصفداً بأغلاله:
ـــــ لاااااا
**************************************
دلفت الراهبة صوفيا, فسددت إلى عبدالله نظرات غليل، ثم
استدارت وحيت القس:
ـــــ طاب مساؤك آبانا دانيال
ـــــ مرحباً صوفيا. ها هو ابن اختك مقيد وسيأتون بزوجته
لتذبحيها وتلطخي وجهه بدمائها كما اشتهيتِ هههه
اقتربت من عبدالله بخطوات متأنية وعيناها تسدد نظرات
تشفي، ابتسمت وقالت بنبرة شامتة:
ـــــ كيفن ههه مرحباً، مرحباً يا كيفن
توسل إليها عبدالله:
ـــــ خالتي، خالتي، انقذي زوجتي بالله عليكِ، انقذي زوجتي
استشاطت الراهبة غضباً وصاحت به مصرة على أسنانها:
ـــــ بأي إله
تقسم عليّ يا ابن اختي! . بالإله الذي تركت يسوع لأجله! تباً لك، تباً يا كيفن يا
من تركت دين يسوع لأجل إمرأة . حان موعد القصاص يا كيفن، حان موعد القصاص لتكن
عبرة لأمثالك أيها الخائن، سأقتل اللعينة التي افسدتك علينا أمام عينيك وألطخ وجهك بدمها النجس، سأنحرها كالشاة
استدارت وصاحت بالأتباع غلاً:
ـــــ أحضروها
صرخ عبدالله وهو يحاول التخلص من قيوده العاتية:
ـــــ لاااا اقتلوني أنا، اقتلوني، لا تمسوها بسوء، لااااا
تباً للقيود، حلوا قيودكم عني لاااا
جاءوا بعائشة يجرونها جراً وهي تصرخ باكية:
ـــــ آآآه آآآه اتركوني، اتركوني
ناداها مكبلاً بأغلاله وعبراته تنهمر:
ـــــ عائشة
ردت باكية:
ـــــ عبد الله، أرأيت ما يفعلون بزوجتك ؟
ثار تحت وطأة الأغلال يريد كسرها وهو يدمدم سباباً:
ـــــ اتركوها، اتركوها أيها الأوغاد
أخرج القس الخنجر ومده لصوفيا قائلاً بنبرة حوت غليل
الأرض:
ـــــ صوفيا، إليك الخنجر
أمسكت بالخنجر وقالت بصوت متحشرج وهي تتجه إلى عائشة:
أيتها الشاة النجسة، ليكن دمك فدواً ليسوع
صرخ عبدالله كالملتاث وقد جحظت عيناه هلعاً وهو ينظر إلى
الخنجر الحاد في يد صوفيا:
ـــــ خنجر!! ويحكم، ويحكم، إياكم أن تمسوا شعرة واحدة
من رأس زوجتي، ابتعدوا عنها
قهقهت صوفيا، وقالت بتهكم:
ـــــ أهٍ من لوعة العشق يا ابن أختي
وضعت الخنجر على رقبة عائشة وأسدت له نظرة ماكرة وقالت:
ـــــ بِمَ
تفتديها أيها العاشق ؟
ـــــ افتديها بروحي، افتديها بروحي فاقتلوني بدلاً منها،
والله لا ذنب لها، لا ذنب لها
انفجرت صوفيا كالبركان الثائر:
ـــــ كيف لا ذنب لها وقد تركت دينك لأجلها!!
صرخ مرتعداً يدافع عنها وعرقه يمازج عبراته:
ـــــ والله لم أترك ديني لأجلها، أنتم تعلمون أني منذ
صغري وأنا أشكك في دينكم، لا ذنب لها، اتركوا زوجتي،اطلقوا سراحها، وها أنا ذا
أمامكم فاقتلوني
انفجر القس دانيال ضاحكاً، وقال يتوعده بغليل:
ـــــ لا تتعجل، فأنت سوف تقتل بعدها يا كيفن.
أشار القس إلى عائشة التي قيدوا ذراعيها خلف ظهرها، وقال
لصوفيا وقد تبدت ابتسامة متشفية على وجهه:
ـــــ صوفيا، يقال أن هذه تحمل في ذكر، بينما يحدثني
قلبي أنها تحمل أنثى، فما رأيك لو نتراهن عما هو كائن في بطنها هاها.. الخنجر في
يدك فافتحي بطنها لنرى هل هو ولدُ حقا أم هي أنثى، هيا
ـــــ هاها ممممم قاربت على وضع جنينها يا آبانا، ولكن
لا بأس مما قلت، صبراً أيها الصغير، فالآن سنرى ولدا أنت أم بنتاً هاها
وضعت الخنجر على بطن عائشة، فانفجرت عائشة بالبكاء،
وقالت:
ـــــ حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل، ارفعي
يدك عني
صرخ عبدالله وهو يجاهد في التخلص من أغلاله الحديدية:
ـــــ لاااا، ابتعدوا عنها، أتوسل إليكم لا تؤذوها، أنا
أمامكم فافعلوا بي ما شئتم، أنا على استعداد لأي شيء تطلبونه فداءاً لزوجتي
قهقه القس ونظر إليه بعينين ماكرتين وقال:
ـــــ إذن فإذا أمرناك بأي شيء ستفعل ؟
ـــــ أفعل، أفعل، أي شيء تطلبونه سألبيه، ولكن اتركوها
فصاحت خالته بصوت مزلزل وملامح تنضح كراهية وغليلا:
ـــــ إذن ارجع لدين آبائك أيها الصابئ. ها هو الخنجر
مسلط على رقبة زوجتك فاسجد ليسوع وإلا ضربت عنقها، قل أنا على دينكم واسجد ليسوع
صرخت عائشة باكية وهي تسدد نظرات تثبيت إلى زوجها:
ـــــ لااااا، لا تفعل يا عبد الله، دعهم يقتلوني ولا تسجد
لغير الله
صاحت صوفيا بوعيد مرعد:
ـــــ ستسجد وتقول رجعت لديني ودين يسوع تائباً ونادماً،
وإلا اضرب عنقها
زأر القس بلهيب أحقاده يتعجل صوفيا بالقصاص:
ـــــ أنتِ تضيعين وقتك يا صوفيا. هو لن يسجد فاضربي
عنقها
صرخ عبدالله مهتاجاً:
ـــــ لاااا، لاااا سأسجد، سأسجد، أنا على دينكم ودين يسوع
سجد عبدالله، فزلزل القس الجدران بضحكات الشماتة، فصدعت
عائشة الأرجاء ببكائها وصراخها:
ـــــ لِمَ؟ لِمَ
يا عبد الله؟ لِمَ؟
ـــــ لأفتديكِ يا عائشة، حتى لا تشاكك شوكة يا زوجتي
الحبيبة
عصرت عينيها بكاءاً وقالت منتحبة وهي تهز رأسها في أسى:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله. حسبنا الله ونعم الوكيل
سددت صوفيا نظرات كراهية إلى عائشة وقالت موجهة حديثها
الغليظ إلى عبدالله:
ـــــ أتظن يا ابن أختي أن بسجودك سنعفوا عنها ونطلق
سراحها ؟ أنت واهم . مهما فعلت فهذه مآلها إلى الموت
ثارت ثائرة عبدالله:
ـــــ لا، اقتلوني، اقتلوني بدلاً منها، واطلقوا سراحها لاااا
حدجته صوفيا بنظرة وعيد وقالت وهي تصر على أسنانها غلاً:
ـــــ مهما فعلت يا كيفن، فالعقاب سيكون أليماً كما
آلمتنا وفرطت في دينك ودين آبائك لأجل امرأة
ـــــ أنتم ظالمون، ظالمون، ماذا تريدون منا؟؟
قهقهت صوفيا وهي تنظر إلى عبدالله متململاً كالذبيح في
أغلاله وصراخه يصم الآذان، وضعت يدها على بطن عائشة، وعقلها يتأجج بجحيم أفكار
الانتقام، فقال القس:
ـــــ أراكِ تضعين يدك على بطنها يا صوفيا، ففِمَ تفكرين
؟
انتحت بالقس جانباً وأفصحت عن فكرة شيطانية:
ـــــ أنت تعلم
يا آبانا أنها تحمل بذكر
ـــــ أعلم
ـــــ وهل سنضحي بذكر بهذه السهولة ؟
ـــــ افصحي يا صوفيا
ـــــ لِمَ لا
ننتظر حتى تلد ونأخذ هذا الصغير ننصّره وننشأه على ديننا؟ وسأتعهد أنا بتربيته في
الدير على تعاليم يسوع حتى يتشربها وينشرها في العالم أجمع يوما ما، هاها تخيل معي
يا آبانا. ولد قد هرب أبوه من دين يسوع وتزوج بمسلمة ثم حملت أمه به، وإذ بإرادة
يسوع يعود إلينا الولد ليتعلم دين يسوع وينشره في العالم أجمع ويكون مسيحياً صالحا
هاها إمرأة مسلمة تحمل بمسيحي صالح هاها وبعد ولادته تُقتل، فلا حاجة لنا بها .
فهي كوعاء عندما يفرغ يُكسر على الفور. فما رأيك في فكرتي الفذة هذه ؟
أخذ القس يتفكر في الأمر وهو يفرك ذقنه، ثم قال:
ـــــ مممم ومن سيكون مسؤولاً عن تربية هذا الطفل على
تعاليم يسوع ؟
ـــــ أنا يا آبانا
أومأ برأسه استحساناً وأثنى عليها:
ـــــ تفكيرك صائب يا صوفيا مممممم يكبر الولد في الدير
ويتشرب بحب يسوع والصليب ثم ينطلق من الدير لينشر دين يسوع . رائع، رائع، وهذه هي
الصفعة الحقيقية لأمثال هؤلاء، سيخرج من أصلابهم من ينشر دين يسوع، سيخرج من
اصلابهم من يمجد الصليب.
رفعت صوفيا رأسها في تعاظم وقالت:
ـــــ أرأيت يا آبانا كم هو مخطط عبقري لا يخرج إلا عن
عقل صوفيا؟
ـــــ هاها باركك الرب صوفيا، باركك الرب.
استدار القس إلى عبدالله وقال وعيناه تتقدان غليلاً وهو
يخرج خنجراً من بين طيات ملابسه:
ـــــ والآن جاء
الدور على كيفن، سأشق قلبه الذي لفظ ديننا بخنجري هذا
هم بالانقصاض على عبدالله، فأمسكت صوفيا بذراعه وقالت:
ـــــ آبانا، تمهل، لي عندك رجاء
صاح بها القس غاضباً:
ـــــ صوفيا، إياكِ وأن تتشفعي في مثل هذا الخائن، لقد
استحللت دمه ليكون عبرة لآمثاله
بكت صوفيا وقد تذكرت أختها نيكولا وقالت راجية:
ـــــ آبانا، أنا صوفيا المخلصة، صوفيا حبيبة القديسين التي وهبت حياتها لدين يسوع
وخدمة الصليب، أنا أفنيت عمري في الدير
ولم أطلب منك يوما طلبا لنفسي، آبانا أنا لا تطاوعني نفسي على إيذاء ولد أختي
نيكولا ، إنه كيفن الذي اعتبره قطعة مني..الراهبة لا تتزوج ولا تنجب ولكن كيفن هذا
ولدي الروحي، فلا تحرمني إياه يا آبانا
هاج هائج القس:
ـــــ اللعنة، اللعنة على قلوب النساء. أفيقي يا صوفيا، أفيقي،
إنه لم يعد كيفن ابن اختك، إنه كفر بديننا ويجب الخلاص منه، لا تتشفعي في من خاننا
يا صوفيا
أشاح بوجهه عنها، فزادت في توسلها:
ـــــ آبانا، أتوسل إليك، يا آبانا اسمعني
زفر وقال بغلظة وما زال شائحاً بوجهه عنها:
ـــــ ماذا تودين أن تقولي
ـــــ كيفن عندما تقتل زوجته ويحرم من ولده سيعود إلينا
مرة أخرى، صدقني، أنت قلت أنه ما ترك ديننا إلا لأجل هذه الأفعى، إذن فعندما
يفقدها للأبد لن يجد غيرنا ملاذاً وأمانا صدقني، صدقني يا آبانا
قال القس غاضباً:
ـــــ صوفيا، أخاف أن أمشي وراء قلبك الذي عطف على ابن أختك
من فيض بحور حنانك التي تفجرت فجأة فنغرق جميعا
قالت ناشجة:
ـــــ آبانا، أعطني فرصة لاسترداد ولد أختي الراحلة
العزيزة نيكولا قدس الرب روحها في الامجاد السماوية، لم يعد لي غير كيفن. نفس
الدماء الذي تريد إسالتها من عروق كيفن هي الدماء التي تسري في عروقي، فإن سفكت
دمه فكأنك سفكت دمي، أتهون صوفيا حبيبة القديسين عليك يا آبانا ؟
تنهد القس وقال بضيق:
ـــــ آآآهٍ منكِ يا صوفيا! تعلمين مكانتك العظيمة في نفسي أيتها الراهبة
المقدسة . لذا سأجيب طلبك ولكن على مضض
ـــــ هاها باركك الرب يا آبانا . دع كيفن ينصرف،
وسأصطحب هذه الحية معي إلى الدير حتى تضع مولودها وبعدها تقتل
أومأ القس برأسه موافقاً، ثم استدار منادياً أتباعه بصوت
جهور:
ـــــ جوزيف، ماريو، بيتر
ـــــ سمعاً وطاعة يا آبانا
ـــــ حلوا قيود كيفن وأطلقوا سراحه
صاح عبدالله شاخص البصر؟
ـــــ وزوجتي؟
صاحت به صوفيا وهي تنظر إلى عائشة بازدراء:
ـــــ كيفن، لم تعد زوجتك يا ابن أختي. إنسها يا كيفن، إنها
مجرد إمرأة،ـ والنساء ما أكثرهن
صرخ عبدالله محاولاً الإفلات من أتباع القس الذين يحيطون
به بعدما فكوا عنه القيود:
ـــــ لا، لن أترك زوجتي، لا تظنون أني تارككم تمسون
شعرة من رأسها، أطلقوا سراحها، أطلقوا سراح زوجتي.
صاح القس في أتباعه بصوت مزلزل:
ـــــ جوزيف، ماريو، بيتر،اخرجوه من الكنيسة بالقوة
ـــــ سمعاً وطاعة، هيا
اقتادوا عبدالله بقوة عاتية إلى الخارج، بينما صراخه
يكاد يصدع جنبات الكنيسة
ـــــ لا، اتركوني، عائشة، عائشة زوجتي، زوجتي أيها الظالمون،
عائشة
أخرجوه وأغلق الحارس الرواق بالمتاريس، فنادت عائشة
زوجها بصراخ ونحيب:
ـــــ عبد الله، عبدالله، لِمَ تفعلون بي وبزوجي كل هذا!
لِمَ تحرموني منه وتفرقون بيننا ؟؟؟
حدجتها صوفيا بنظرة كراهية مرعبة وأغلظت لها القول:
ـــــ اصمتِ، اصمتِ أيتها الحية الرقطاء، فحسابي معك
مؤجل إلى أن تضعي مولودك
التفتت صوفيا إلى الأتباع وقالت باحتداد:
اسبقوني بهذه
الحية من الباب الخلفي، حتى ننطلق إلى الدير في برلين، هيا
صرخت عائشة باكية، وهم يقودونها محاولة الإفلات منهم:
ـــــ لا، دعوني، دعوني، عبد الله، أين أنت يا زوجي
الحبيب؟ إلى اين أنت ذاهبون بي، اتركوني، ياربي أغثني، أغثني يا ربي
خرجوا بعائشة، فقالت صوفيا وقد استعدت للمغادرة:
ـــــ أستأذنك في الانصراف يا آبانا
سألها القس متحيراً:
ـــــ صوفيا! هل تظنين أن كيفن سيمرر الأمر ويصمت ! أنا أعتقد
أنه الآن سيذهب لإبلاغ الشرطة وسيصعد الأمر
ـــــ هاها وهل تدخل الشرطة إلى الكنائس لتفتيشها يا
آبانا ؟
ـــــ ممم كيف
سنجعل كيفن يسكت عن الأمر إذن ؟
أطرقت صوفيا تفكر هنية، ثم قالت بنبرة واثقة:
ـــــ لا تقلق يا آبانا، سأرسل ملابسها مغرقة بالدماء
الكذب من برلين إلى كيفن ليعلم أنها قتلت . فلن يجد ما يفعله آنذاك هاها ماذا عساه
أن يفعل بعد أن قتلت زوجته إلا أن يعود إلى الكنيسة ساجداً ليسوع وخادماً مطيعاً
لنا
أومأ القس برأسه استحساناً وقال:
ـــــ مممم حسناً يا صوفيا. يمكنك الانصراف الآن . باركك
الرب ولا حُرمنا فذاذة عقلك وأفكارك النورانية
شمخت بأنفها وقالت باعتزاز:
ـــــ نورانية لأنها مستمدة من القديسين الذين أقضي معهم
أطول أوقاتي، وأراهم جهاراً نهارا
ـــــ هاها بلغي سلامة إلى القديسين حين ينزلون من
الملكوت لإيناسك
ـــــ سأبلغهم يا آبانا . أستأذنك
ـــــ انطلقي، باركك الرب يا صوفيا
*****************************************
زجوا بعبدالله خارج البوابة الحديدية الضخمة، وأغلقوها
بالأقفال، فصرخ عبدالله وأخذ يضرب الباب بعنف ويركله بأقدامه:
ـــــ زوجتي، تبا لكم أيها المجرمون، افتحوا الباب،
افتحوا الباب، تباً لقلاعكم المحصنة، تباً لأسواركم العالية، افتحوا الباب
هرع إليه محمد فزعاً:
ـــــ ما هذا! ماذا حدث يا عبد الله. أين زوجتك؟ ولماذا
هؤلاء تكاتلوا عليك وأخرجوك بالقوة هكذا؟
ـــــ أخذوا زوجتي، أخذوا زوجتي، سيقتلوها، سيقتلوها يا محمد،
ماذا أفعل! ماذا أفعل لأنقذ عائشة؟ ماذا أفعل! تحالفوا ضدي الأوغاد الجبناء.
ـــــ ماهذا الذي أسمعه منك يا عبد الله !! ماذا تعني
بأنهم أخذوا زوجتك عنوة! ؟ كيف ذلك؟ كيف؟ هيا لنلغ الشرطة على الفور، هيا
صاح عبدالله وهو يضرب الأرض غيظاً بقدمه:
ـــــ وماذا ستفعل الشرطة للمسلمين !!! كل قوانين العالم
لا تنصف المسلمين، قوانين تحميهم هم، ولكن
نحن ليس لنا إلا الله، حسبنا الله ونعم الوكيل
ـــــ أعلم من ذلك ان زوجتك لم تُقتل بعد والحمدلله ؟
صاح قهراً وعبراته تحرقه:
ـــــ سيقتلوها يا محمد، سيقتلوها، وأنا السبب، أنا، أنا،
أنا السبب يا محمد، آآآه، آآآآه يا عائشة، آآآه يا حبيبتي.. وكأنني ارى دمائها
تسيل وأنا واقف أمامها مقيد ولا أملك حول ولا قوة لإنقاذها، آآآه، ربي إني مغلوب فانتصر، ربي اني مغلوب فانتصر .
لا حول ولا قوة الا بالله . يارب، يارب
أطرق محمد حزينا وقال:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله .... هيا نسرع لإبلاغ
الشرطة ربما نتمكن من انقاذها، هيا
***********************************************
عاد الدكتور سالم من الحرم النبوي إلى الفندق، ليجد زوجته
واجمة مشغولة بالهاتف، فقال يداعبها:
ـــــ مريوم، هاها سبقتيني من الحرم على الفندق للمرة
الأولى، ولم تنتظريني ككل يوم
ـــــ أأسف حبيبي، فعندما فرغت من الصلاة ظللت أهاتف
عائشة، فوجدت هاتفها مغلق، فتكدر صفوي
ـــــ هاها ولِمَ تكدير الصفو يا حبيبة !! ربما هاتفها
يحتاج الى شحن
ـــــ هذه ليست المرة الأولى يا سالم . هاتفتها ليلا
فوجدت الهاتف مغلق وقلت في نفسي ربما يفتح في الصباح واكلمها واسمع صوتها الذي
اشتقت إلى سماعه
ـــــ لا عليكِ سأهاتف عبد الله ونطمئن منه عليها ويخبر
حبيبة أمها ان تفتح هاتفها لتطمئن أمها القلوقة هذه ههههه
ـــــ وإن لم أكن أقلق على ابنتي وعليك يا حبيبي فعلى من أقلق إذن !!!
ـــــ هههه كلامك دائماً طيب يا مريوم ولكن بالله دعي
عنكِ هذا العبوس فلا اطيق ان ارى وجهك عابسا حبيبتي
ـــــ حينما أسمع صوت ابنتي، سينطلق وجهي وأتبسم يا
حبيبي
ـــــ هههه حسنا يا غالية . سأهاتف عبد الله الآن
دق على هاتف عبدالله، فبدأ الرنين، ولكن الهاتف أغلق على
الفور، فاندهش الدكتور سالم
ـــــ ماهذا!
ـــــ ماذا حدث يا سالم ؟
ـــــ جرس هاتف عبد الله دق دقة واحدة ثم أغلقه على
الفور
صرخت الأم باكية
ـــــ ماذا! لا،لا، هذا يدل ان هناك شيء قد حدث لابنتي
يا سالم وعبد الله لا يستطيع إخبارنا
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . يا مريم يا حبيبتي إهدئي.
ربما كان عنده عملاء في مكتبه أو يشغله أمر ما ولا يستطيع الرد الآن
وضعت يدها على صدرها وقالت بارتعاد:
ـــــ يارب، يارب، أشعر بانقباض قلبي يا سالم
ـــــ يييي! قلوب الأمهات التي تنقبض خوفاً على الأبناء أكثر
ما تبسط سرورا هاها إن شاء الله نطمئن فلا تبتئسي هكذا حبيبتي . ألا تعودي للحرم
النبوي مرة اخرى الآن ؟
ـــــ بل سأعود الآن لأستزيد من الصلاة ولا اُحرم متعة
وجودي في البقاع الطاهرة
ـــــ هاها إذن هيا يا حبيبتي . تركت الدكتور محمدي في
الروضة الشريفة هاها لا يبرحها أبداً إلا في أوقات دخول النساء ويفعل ذلك وهو مستاء جداً،
ويقول النساء لا يتركوننا نهنأ أبدا
انفجرت زوجته بالضحك وقالت:
ـــــ أضحك الله سنه هاها
ـــــ هاها حمدالله أنك ضحكتِ يا حبيبتي . هيا لنعود يا
مريوم
ـــــ هيا يا حبيبي . ونريد غداً بمشيئة الله أن نذهب لإحضار الهدايا لعائشة حبيبتي وزوجها
عبد الله وولدها عمر، الذي اسأل الله ان ييسر ولادته على أمه ويقر أعيننا به اللهم
آمين
ـــــ آمين حبيبتي . إن شاء الله غداً نذهب لإحضار
الهدايا
********************************
قدم البلاغ إلى الشرطة رفقة صديقه، فكان الرد:
ـــــ نأسف سيدي، ولكن الكنائس والأديرة لا تفتش. هذا
أمر غير لائق
انتفخت أوداج عبدالله غضباً وصاح بجنون:
ـــــ اقل لك زوجتي تم اختطافها وايداعها الكنيسة، وتقول
لي لا تستطيع التفتيش! ! زوجتي ستقتل
ـــــ سيدي، الأمر ليس بيدي، عفواً
استدار إلى محمد وقال بنبرة يائسة:
ـــــ أسمعت يا محمد! قلت لك سابقاً لن ينصفونا، ما
العمل يا محمد! ما العمل
ـــــ اللهم لا حول ولا قوة إلا بك . والله يا أخي أنا
عاجز عن التفكير . ماذا نفعل! ماذا نفعل! أوف! أستغفر الله العظيم.. .والله هذا حرام،
حرام ...... هل ستعود إلى دوسلدورف الآن ؟
ـــــ وماذا سأفعل في دوسلدورف !!!!!!! ذهبت الى
دوسلدورف هاربا بزوجتي من بطش الظالمين فإذ بهم يرسلون اعينهم ليبلغوهم من أمري وأمر
زوجتي وكأنهم يعيشون معنا ويعرفون عدد أنفاسنا
غضن محمد حاجبيه وقال باندهاش:
ـــــ أعينهم !!... من تقصد ؟
ـــــ زينب
اتسعت حدقتا محمد ذهولاً وقال:
ـــــ زينب! .... التي كان سيتزوجها أخي ؟
ـــــ راهبة مسيحية أرسلوها بحيلة خبيثة لتتجسس على أمري
وأمر زوجتي المسكينة، وتبلغهم حتى ما تحمله في رحمها
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . كانت حفصة زوجتي مُحقة
في كراهيتها لزينب هذه . للأسف لم أصدقها واعتبرتها مجرد غيرة نساء ليس أكثر
قال بشهقات بكائه:
ـــــ اتضح أن زوجتك هي الوحيدة التي على حق، وأنا من أضعت
زوجتي ومكنت أعدائي منها، آآآهٍ عائشة، آآآهٍ يا حبيبتي، أود أن أكسر الجدران، أود أن أحطم الأسوار،
أريد أن أنقذ زوجتي، ماذا أفعل يا إلهي! ماذا أفعل
ربت صديقه على كتفه وقال مواسياً:
ـــــ يا أخي عبد الله، والله أنا مقدر ما أنت عليه من إحساس
بالعجز وقلة الحيلة، بينما زوجتك في خطر ولا تستطيع إنقاذها. ولكن ماذا عسانا أن
نفعل! . حتى الشيخ عبد الهادي مازال في العمرة ولم يأت بعد . اللهم لا حول ولا قوة
الا بالله
أطرق محمد مفكراً، فتذكر شخصاً ربما يستطيع المساعدة، فقال
وقد لمعت عيناه بأمل يرجوه:
ـــــ الآب فيليب،
هيا إلى الآب فيليب، فهو رجل دمث الخلق ولا يهين المسلمين ولا يرضى بإذلالهم، رغم أنه
على غير دينهم، وللأسف أمثاله قليلون، هيا إلى الآب فيليب، عسانا أن نجد عنده حلاً
ينقذنا مما نحن فيه
ـــــ هيا هيا يا محمد، هيا، فأنا كالغريق الذي يتعلق
بقشة أملاً في إنقاذه هيا
*******************************************
دخل التابع إلى الآب فيليب:
ـــــ الآب فيليب
ـــــ ما الأمر يا توبياس؟
ـــــ اثنين من المسلمين الألمان يطلبون الإذن في الدخول
ـــــ ادخلهم يا
توبياس
****************************************************
دخلا على القس فيليب، فاستقبلهما بالترحاب:
ـــــ مرحباً، تفضلا
ـــــ طاب مساؤك الآب فيليب
ـــــ طاب مساؤكما. من انتما ؟
ـــــ عبد الله
ـــــ محمد
ـــــ مرحبا بكما
عبد الله ومحمد ، ما الأمر ؟
رد عبدالله باضطراب وعجلة:
ـــــ زوجتي مسلمة عربية تم اختطافها من قبل الآب
دانيال تمهيداً لقتلها دون ذنب
ـــــ اختطافها ! قتلها ! ولِمَ ؟؟؟
ـــــ أنا من عائلة على ارتباط وثيق بالكنيسة لذا فلم
يسمحوا بانشقاقي وإسلامي، لذا ففررت منهم أنا وزوجتي ولكنهم تعقبونا واختطفوا
زوجتي بعد عدة أشهر من زواجنا، وهي الآن حبيسة الكنيسة ويمهدون لقتلها . أرجوك أن
تساعدني أيها الآب في استعادة زوجتي، وسأرحل بها عن المانيا كلها، فقط ساعدني في إنقاذها
استشاط القس فيليب غيظاً من فعلة دانيال الشنعاء، وذكر
اسمه بحنق شديد:
ـــــ دانيال!! تباً لهذا الدانيال الذي يتدخل حتى في
عقائد الناس. فليدع الناس يعتقدون ما شاؤوا وعليه النصيحة والوعظ وفقط أوف! سأذهب إليه
الآن، رغم إني لا أحب لقائه، ولكن لأجلكما سأفعل
أسدى له عبدالله الشكر الجزيل:
ـــــ أشكرك أيها الآب، أشكرك
رفع عبدالله يديه إلى السماء يدعو الله:
ـــــ يا رب، يا
رب أعد إلي زوجتي سالمة يا رب
*****************************************
كان القس دانيال يحتسي الخمر، حين دخل عليه تابعه:
ـــــ الآب دانيال
ـــــ ما الأمر يا جوزيف ؟
ـــــ الآب فيليب يطلب الإذن في المقابلة
أسدل القس دانيال حاجبيه وقال باندهاش:
فيليب !! وماذا يريد فيليب ؟ ممم ادخله يا جوزيف لنرى ما
وراءه
دخل القس
فيليب وألقى النحية بوجه متربد:
ـــــ طاب مساؤك يا دانيال
ارتشف القس دانيال رشفة من النبيذ، ثم رد بغير اكتراث:
ـــــ طاب مساؤك فيليب. خيراً ؟
ـــــ الن تقل لي اجلس أولاً ؟
ـــــ أمامك الكثير من المقاعد، فاجلس على أيها شئت
ـــــ هأنذا قد جلست . أين المسلمة العربية يا دانيال ؟
قهقه القس دانيال، ثم غضن حاجبيه وقال:
ـــــ مسلمة عربية!! مالي أنا والعرب والمسلمون!! كلامك
غريب جداً، تفضل
صب كأساً من النبيذ ومده إلى القس فيليب وقال ببرود
قاتل:
ـــــ إليك بعض النبيذ الأحمر الرائع الذي لا أقدمه إلا
للأحباب من أمثالك هاها
رد القس فيليب بتجهم:
ـــــ دعك من النبيذ الآن وأخبرني أين المرأة المسلمة
العربية
انفجر دانيال ضاحكاً، وقال بتهكم:
ـــــ فيليب، هل ستقومون بتمثيل عمل درامي وينقصكم وجه عربي ؟ هاها أأسف،
طلبك ليس عندي، إذهب إلى بلاد العرب وانتقي ما شئت
انتفض القس فيليب عن مقعده وزأر في وجهه:
ـــــ دانيال، أين المسلمة العربية التي اختطفها رجالك؟
ـــــ هاها أنا!! أنا أرسل رجالي في خطف النساء يا فيليب!
هاها، خذ، خذ كأساً من هذا النبيذ ودعك من
هذا الهراء
ـــــ إذن فأنت تنكر وجودها في الكنيسة
ـــــ أمامك أروقة الكنيسة، ففتشها بحثاً عن المرأة التي
تزعم وجودها لدي. هاها لتعلم فقط مكانتك عندي. أنت تعلم انه غير مسموح مطلقاً
تفتيش الكنيسة ولكن لأجلك انت سأتركك تفعل
قام دانيال عن مقعده ونادى تابعه:
ـــــ جوزيف
ـــــ أمرك يا آبانا دانيال
ـــــ اصطحب الآب فيليب في جولة لأروقة الكنيسة لتفتيشها،
وحتى القبو افتحوه له لينظر هل لدينا ما نخفيه أم لا هاها
ـــــ حسناً يا آبانا . تفضل يا آبانا فيليب للتفتيش
ـــــ سأفعل، هيا
تنقل الآب فيليب رفقة التابع يفتش الأروقة بعناية، فلم
يعثر لعائشة على أثر، زفر وقال للتابع:
ـــــ افتح القبو يا جوزيف
ـــــ أمرك يا آبانا فيليب
نزلا إلى القبو، فاندفع الآب إلى الداخل باحثاً عنها
والتزم التابع الباب...بعدما أضناه البحث زفر وتمتم ضائقاً:
ـــــ أوف! لا توجد في القبو أيضاً، إذن أين هي؟ أين هي؟
أسرع إليه التابع يسأله:
ـــــ أتحدثني يا آبانا ؟
ـــــ لا يا جوزيف، أحدث نفسي مممممم جوزيف!
ـــــ أمرك آبانا فيليب
ـــــ أين المسلمة العربية ؟ أين أخفيتموها يا جوزيف؟
اتسعت حدقتا التابع وازدرد ريقه، ثم قال متلعثماً
ـــــ هااااا أأأأأأ أنا لا اعلم شيئا عن هذا الأمر
ـــــ مممم بالطبع ستقول ذلك.
استدار القس بعدما حدجه بنظرة ريب أربكته، فلمح القس
فردة حذاء ملقاة على الأرض في أحد الأركان، فهرع يتبينها، أمسك بها وقال مندهشاً:
ـــــ ما هذا!
ما هذا الحذاء!!
عاد إلى التابع ممسكاً بفردة الحذاء ونظر في عينيه
مفنداً أكاذيبه:
ـــــ إنها فردة
حذاء نسائي، أليس كذلك ؟
ازداد ارتباك التابع، وأطرق متمتماً:
ـــــ ها! ويحهم! عندما اجتذبوها سقطت عن قدمها فردة
حذاء.
عاد لأكاذيبه التي لا تنطلي على القس:
ـــــ أأأأأأأ إنها،
إنها فردة حذاء لإحدى الزائرات المترددات على الكنيسة
صاح فيه القس حانقاً من فرط أكاذيبه:
ـــــ ومنذ متى تستقبلون زوار الكنيسة في القبو يا جوزيف!!
نكس رأسه ورد بنبرة مهذبة:
ـــــ آبانا فيليب، من فضلك أنا لا أعلم شيئاً، وقد
تركتك تفتش الكنيسة بأكملها حتى القبو، فلم تجد شيئا . فلا تظلمنا وتظلم الآب
دانيال من فضلك يا آبانا
ـــــ ممممم حسناً، سأصطحب فردة الحذاء هذه معي
اتسعت حدقتا التابع خوفاً من دانيال، فحاول إثناءه عن
الأمر راجياً:
ـــــ لالا، من فضلك يا آبانا لا تعرضني لعقاب الآب
دانيال
ـــــ ولِمَ يعاقبك ؟ أنت تقول أنها فردة حذاء إحدى
الزائرات، رغم أنني لا أصدق كيف تنسى الزائرة فردة حذائها وتمشي حافية إحدى
القدمين، ولكن لا بأس، هي فردة حذاء إحدى الزائرات وقد أعجبتني وسأشتري مثلها
لإحدى القريبات. افسح الطريق
غادر القس فيليب القبو مسرعاً، فتمتم التابع مرتعداً:
ـــــ ويحي! سيعاقبني الآب دانيال ويقول لِمَ لم تخف آثار
المسلمة من القبو
****************************************************
عاد القس فيليب إلى القس دانيال، فضحك دانيال وقال
ساخراً:
ـــــ مرحباً فيليب. هل وجدت العربية المسلمة ؟
ـــــ وجدت فردة حذائها ليثبت كذبك ومكرك
ـــــ هاها أتكذبني وتصدق فردة حذاء يا رجل! هاها حسناً،
أنت دائماً هكذا تظلمني يا فيليب، ولكن لا بأس، سامحك الرب
ـــــ أوف! سأنصرف
ـــــ ههه إلى أين يا فيليب! هات عنك فردة الحذاء يا رجل
هاها أعجبته فردة الحذاء فأخذها. حسناً فيليب، إعتبر فردة الحذاء كتذكار مني هاها
كان التابع يرقب ما يحدث عن بعد، فتنفس الصعداء وقال
لنفسه:
ـــــ أشكر الرب، لم يغضب الآب دانيال عندما وجد فردة
الحذاء في يد الآب فيليب. أشكر الرب أن أفلت من العقاب
فجاءه صوت القس مدوياً:
ـــــ جوزيف
ـــــ أوه! وقع ما كنت أحذر.
هرع إلى القس دانيال وقال وأسنانه تصطك:
ـــــ أمرك يا
آبانا
قام إليه القس، وأخذ بتلابيبه وصب عليه جام غضبه:
ـــــ كيف لم تخف آثار المسلمة العربية قبل أن يكتشفها أحد؟
انطق
ـــــ أأأأأأ سامحني يا آبانا. أنا كنت أعتقد أنه لن ينزل أحد إلى القبو ويرى أي أثر للمرأة المسلمة
ـــــ ممممم حسناً . مبيتك اليوم في القبو بدون طعام ولا
شراب حتى تنتبه ولا تخطئ مرة أخرى.
دفعه القس بعنف ونادى غاضباً:
ـــــ ماريو،
بيتر
ـــــ أمرك يا آبانا
ـــــ خذا جوزيف واحبساه في قبو الكنيسة دون طعام ولا
شراب لمدة يومٍ كامل
ـــــ سمعاً وطاعة يا آبانا
استغاث جوزيف:
ـــــ يا آبانا وما ذنبي أنا! يا آبانا اصفح عني
قاده الرجلان باتجاه القبو وقال أحدهما:
ـــــ هيا، هيا، هيا يا جوزيف فلا تجعلنا نستخدم معك العنف
***************************************
خرج الآب فيليب من الكنيسة، فهرع إليه عبدالله وخلفه
محمد:
ـــــ طمئني يا آبانا، هل رأيت زوجتي؟ رأيتها، أليس كذلك
؟ ماحالها ؟ هل يعذبوها ؟ إنها تحمل بجنين وأخاف عليها والله. هل يعذبوها هؤلاء الجبناء
؟
أسدى إليه القس نظرة شفقة وقال:
ـــــ يا ولدي إن زوجتك لا توجد بالداخل، فقد بحثت عنها
في كل أروقة الكنيسة وحتى القبو قد نزلت إليه وفتشت عنها فلم أجدها. ولكن أنا
متأكد أنهم اختطفوها، بدليل هذا الحذاء. أليس هذا حذاء زوجتك ؟
جبذ فردة الحذاء وقال ناظراً إليها بارتعاد:
ـــــ أجل حذاؤها، هذا حذاء زوجتي... إذن فكيف تقول يا
آبانا أنها ليست بالداخل ؟
ـــــ الواضح يا ولدي أنهم أخفوها في مكان آخر ولا أعلم
أين هو . دانيال ينكر اختطافها من الأساس
مضى القس فيليب حزيناً، فصرخ عبدالله وهو يضرب البوابة
الحديدية بقبضة يده بجنون:
ـــــ لا، بل هم قتلوها، قتلوها وأخفوا جثتها ولم يبق
إلا الحذاء، عائشة،عائشة،لااااا
جاهد محمد في إبعاده عن البوابة وهو يقول:
ـــــ يا عبد الله يا أخي، ربما أخفوها في مكان آخر ولم
يقتلوها، فلا تتسرع
رد مبرقاً مرعداً وعرقه يتصبب:
ـــــ لا أتسرع ! وماذا تريدني أن أفعل! أنتظر حتى
يسلموني جثتها ؟؟
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله! . من ينجدنا؟ من ينجدنا
مما نحن فيه؟ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله... صبراً يا أخي، واعلم أن كل شيء
بيد الله وحده، وكل منا لا يملك من أمره
شيئا. الله وحده المستعان على الظالمين.
صاح مزدرياً قلة حيلتهما:
ـــــ هكذا! هكذا! ينتهي الأمر ويقف عند قلة حيلتنا
ونقلب أيادينا في ضعف، ونقول نحن عاجزون عن نصرة المظلوم!!
ـــــ يا أخي وما عسانا أن نفعل إذن . قل لي على شيء
نفعله لإنقاذ زوجتك ولن أتردد قسماً بربي . ولكن أنا لا أجد أي مخرج والله
المستعان. زوجتك وأخفوها ولا ندري ما مصيرها، ودانيال ينكر، وكل القوانين لا تنصف المسلمين،
فماذا نفعل! اللهم لا حول ولا قوة الا
بالله
بكى عبدالله التياعاً وصاح وقلبه يصطلي ألاماً:
ـــــ آآآه يا عائشة، أين أنتِ يا حبيبتي؟ أين أنتِ؟ عائشة،
ماذا فعلوا بكِ يا قرة عيني! آآآهٍ يا زوجتي الحبيبة، آهٍ عائشة
******************************************************
وصلت السيارة التي تقل عائشة إلى الدير وقد حل الظلام،
فقالت صوفيا للحراس المرافقين:
ـــــ ها نحن قد وصلنا إلى الدير، اتبعوني بها إلى حيث
الباب وانصرفوا أنتم
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا . هيا تعالي لتدخلي إلى
الدير المقدس
أنزلوها عن السيارة، واقتادوها إلى الدير صارخة ناشجة:
ـــــ اتركوني، لا أدخل اديرتكم أنا، يا ربي ساعدني يا ربي،
أغثني يا إلهي
عند بوابة الدير، استدارت صوفيا وأمرتهم بتجهم:
ـــــ اتركوها هنا و انصرفوا أنتم
تركوها، فقبضت صوفيا على ذراعها بعنف، نظرت عائشة إلى
بوابة الدير، فشعرت أنها تدفع إلى هوة سحيقة، فانخرطت في البكاء، فنهرتها صوفيا
باحتداد:
ـــــ اخرسي، لا تسمعيني صوت بكائك أيتها اللعينة.
نظرت عائشة إلى السماء تكتم نشيجها وحسراتها، وعبراتها
تستغيث بالله الرحيم في عليائه، فتوعدتها صوفيا بغلظة:
ـــــ انظري إلى السماء كما شئتِ، فلن تجدي الغوث من يدي،
ودعي القمر بنظراتك ودموعك المنسالة على خديكِ، فلن ترين ضوء القمر مرة أخرى
نشجت عائشة وقالت باستسلام لمصيرها:
ـــــ ياربي أنت حسبي على الظالمين ياربي
قرعت صوفيا أجراس البوابة، ونادت على الراهبة حارسة
البوابة:
ـــــ افتحي الباب يا سيمون
سمعت الراهبة صوت الأم صوفيا، فأسرعت تفتح الباب، وانحنت
لها إجلالاً:
ـــــ مرحباً الأم صوفياــ
ردت بحدة:
ـــــ مرحباً سيمون . إياكِ أن تكوني قد فتحتِ هذا الباب
في غيابي
ـــــ لا،لا، لم أفعل أيتها الأم صوفيا . دقت الاجراس كثيراً فكنت أعتذر من خلف الباب وأقول رئيسة الدير غير
موجودة، انصرف يا من بالباب
انصرف بصر الراهبة سيمون إلى عائشة، فأخذتها الدهشة:
ـــــ يا إلهي!
من هذه المرأة الحامل ! إنها مسلمة ترتدي الحجاب!.. لا أفهم شيئا
ـــــ أدخليها
ـــــ ها!! مسلمة حامل تدخل إلى الدير !!!!
قالت صوفيا باحتداد:
ـــــ أطيعي الأمر دون نقاش
ـــــ حسناً، حسناً، ادخلي أيتها الحامل مممم يبدو أن
قانون الدير سيتغير ونستقبل الحوامل. ادخلي
نظرت عائشة إلى أبنية الدير فانقبض قلبها، ونشجت راجية:
ـــــ اتركوني أعود إلى زوجي
غضنت الراهبة سيمون حاجبيها وقالت:
ـــــ زوجك ! ولِمَ تركتيه إذن وأتيتِ مع الأم صوفيا ؟
التفتت صوفيا وصاحت في الراهبة غضباً:
ـــــ سيمون! لا تتحدثي اليها وإلا عاقبتك
ـــــ لالالا، مالي ولها أنا!. أنا مجرد راهبة ووظيفتي
فتح باب الدي . ادخلي واتبعي الأم صوفيا يا....... ما اسمك؟
ردت ناشجة:
ـــــ اسمي عائشة
ـــــ عائشة! ادخلي يا عائشة، لا تخشي شيئاً، فحياتنا
هادئة ولن نزعجك
استدارت صوفيا فرمقت سيمون على حال ثرثرتها، فزفرت غيظاً
وعنفتها:
ـــــ آهٍ من الثرثرة! لا تثيري حفيظتي فأعاقبك أيتها
الثرثارة سيمون
ارتجفت سيمون وقالت باضطراب:
ـــــ ادخلي واتبعيها وإلا ستعاقبني
قالت وعبراتها تنهمر:
ـــــ لن أتبع أحد، وسأظل إلى جوار الباب وأجلس هنا هكذا
جلست عائشة على مقعد مجاور للبوابة، فصاحت بها صوفيا
بوجه مكفهر:
ـــــ لم لم تتبعيني ؟ آمرك أن تتبعيني أيتها المسلمة العربية
ـــــ لن أتبعك، وافعلي ما شئتِ
ـــــ أهكذا! حسناً
استدارت صوفيا ونادت في بعض الراهبات بصوت مزلزل:
ـــــ إيفون،
ليزا، مانويلا
هرعن إليها من داخل الدير يهرولن ومن بينهن مانويلا:
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
أشارت صوفيا إلى عائشة وأمرتهم باحتداد:
ـــــ إذهبن إلى هذه واحملنها، ولكن برفق، فهي تحمل بمسيحي
صالح
قالت إحداهن باندهاش:
ـــــ مسلمة تحمل بمسيحي!! لا نفهم شيئا
ـــــ أوف! قلت احملنها إلى الداخل برفق
انصرف بصر مانويلا إلى الباب، فأبصرت عائشة تجلس في حالة
من الإعياء، ملصقة بصرها بالأرض ذاهلة، فأجهشت مانويلا بالبكاء، وقالت لصوفيا:
ـــــ إنها عائشة. هل ستقتلونها هنا أمام اعيننا، الأم صوفيا
؟
نهرتها صوفيا باحتداد:
ـــــ مانويلا، افعلي ما أمرت ولا تزيدي حرفاً واحداً،
فأنا متعبة وأريد أن أنام لأرتاح
أطرقت مانويلا باكية، فأزاحتها صوفيا عن طريقها بعنف
وأسرعت الخطى إلى الداخل، هرعت الراهبتان إلى عائشة يحاولن حملها، فتدفعهما بعيداً
بصراخ:
ـــــ اتركوني، اتركوني، أنا لم أفعل شيئا حتى تجعلوني
حبيسة ديركم
اتجهت مانويلا صوبها, وأزاحت الراهبتين بعيداً، فبدا
وجهها لعائشة، وقالت بابتسامة هادئة:
ـــــ أشكر الرب على سلامتك، وأشكره أن جمعني بكِ مرة
أخرى يا عائشة
وقفت عائشة وقد تملكها الذهول، وقالت وهي تهز رأسها لا
تصدق ما تراه عيناها:
ـــــ مَن!!...زينب!!... لالا.. كيف!!.. لالا... زينب! لِمَ
تلبسين زي الراهبة يا زينب!. أعدتِ إلى النصرانية مرة أخرى ؟؟ أم أنك ....... أم أنكِ ضمن المخطط الذي زج بي وبزوجي
إلى هاويتكم!!
أجهشت مانويلا بالبكاء، وقالت بنبرة خزي:
ـــــ سامحيني يا عائشة، وحق يسوع أنا نادمة عما فعلت
بكِ، ولا أنام الليل من الاحلام المزعجة التي توؤرقني
سددت إليها عائشة نظرة ازدراء وقالت توبخها باحتداد:
ـــــ أحلام مزعجة تؤرقك ! أهكذا حياة الناس عندكم لا
تساوي شيئاً ولا ينتابكم من جرائر صنائعكم غير الأحلام المزعجة !
أردفت عائشة وقد انفجرت بالبكاء ناظرة إلى مانويلا التي
أطرقت رأسها خزياً ودموعها تنهمر:
ـــــ حسبي الله
ونعم الوكيل.. أنتِ يا من آمنتك وأدخلتك بيتي، وأطلعتك على أسراري تكونين سبباً في
قتلي وافتراقي عن زوجي!! حسبي الله ونعم الوكيل.
ردت مانويلا ناشجة وآيات الندم تفيض من ملامحها:
ـــــ سامحيني يا عائشة، سامحيني. الأمر ليس بيدي، سامحيني،
تعالي معي، تعالي
أطاحت عائشة بيدها وصاحت بكراهية:
ـــــ ابتعدي عني، لا أريد أن أراكِ مرة أخرى، ابتعدي
وابتعدن جميعاً، فسأدخل إلى ديركم وحدي دون أن تحملنني وأفوض أمري إلى ربي، فهو
حسبي ونعم الوكيل.
****************************************************
دخلت عائشة إلى مبنى الدير رفقة الراهبتين، بينما هرعت
مانويلا إلى مخدعها تتجرع آلام الندم..فقالت إحدى الراهبتين للراهبات الآخريات:
ـــــ ههه انظروا إلى هدية الأم صوفيا إليكم هاها لقد جاءت
من ميونخ ومعها مسلمة حامل، ويبدو أنها ستتنصر، وتحيا معنا في الدير للأبد
قالت إحداهن:
ـــــ تتنصر!! يا له من أمر رائع حين يتنصر المسلمون
ويحيون معنا في الدير هاها، اجلسي ها هنا أيتها المسلمة . ما اسمك ؟
ـــــ عائشة
مطت الراهبة شفتها بامتعاض وقالت:
ـــــ لا يعجبني . ما رأيك يا ليزا أن نطلق عليها ماري ؟؟
ـــــ هاها حسناً يا أنجيلا . ماري اسم جميل . مرحبا بكِ
ماري في الدير
صاحت بهم عائشة غضباً:
ـــــ اسمي عائشة، مسلمة موحدة، ولا أسجد إلا لله. إياكم
أن تنادوني ماري مرة أخرى . أسمعتن ؟
ـــــ هاها إنها غضبت من إسم ماري . مممم حسناً لا داعي
من تغيير اسمها حتى لا تغضب يا ليزا
ـــــ الأسماء ليست مشكلة يا أنجيلا . الأفكار هي الأهم
. عندما تتغير الأفكار، وتعرف الدين الصحيح ستتغير الأسماء تباعاً، وسيكون نصراً
عظيماً حين تتنصر هذه المسلمة وتطلب من تلقاء نفسها ان نناديها ماري هههه
دفعتهن عائشة بعيداً وصاحت بهن:
ـــــ ابتعدن عني، ابتعدن
اتجهت صوفيا صوب عائشة وهي تنظر إليها شزراً، أشارت
إليها بازدراء وقالت للراهبات:
ـــــ إذهبن بها الى غرفتها واخلعن عنها هذه الملابس، وأعطينها
غيرها وآتوني بملابسها
ـــــ أمرك ,الأم صوفيا
صاحت بهم عائشة باكية:
ـــــ ابتعدن عني واتركنني
لم يمض وقت طويل حتى عادت إحدى الراهبات بملابس عائشة،
وقالت لصوفيا:
ـــــ ها هي ملابسها، الأم صوفيا
أمسكت صوفيا بالملابس، وأمرت الراهبة بتجهم:
ـــــ إذهبِ يا ليزا أنتِ وأنجيلا واحضرا شاة من الحظيرة،
وأتياني بها
ـــــ حسناً، الأم صوفيا
****************************************************
عادت الراهبتان بالشاة يجرونها وثغائها يرتفع:
ـــــ ها هي الشاة
أمسكت صوفيا بالشاة، وقالت بنبرة متحشرجة:
ـــــ أعطياني سكيناً ذو شفرة حادة، وأتياني بالمسلمة
ـــــ سمعاً وطاعة، الأم صوفيا
***************************
دخلن على عائشة في محبسها فوجدنها تبكي، فقالت إحداهن
بوجه عابس:
ـــــ تعالي أيتها المسلمة، فالأم صوفيا تريدك
ـــــ ماذا تريد مني! دعوني، فأريد أن أبقى وحدي
ردت الراهبة باحتداد:
ـــــ لا شأن لنا بذلك . عندما تأمر الأم صوفيا، فعلى
الجميع السمع والطاعة، هيا
قامت عن مقعدها ورفعت بصرها إلى السماء وقالت بوهن:
ـــــ فوضت أمري الى الله
****************************************************
جاءت
الراهبات بعائشة، فقالت إحداهن:
ـــــ ها هي المسلمة جاءت ، الأم صوفيا
أومأت برأسها إلى الراهبة المقربة إليها وأمرتها:
ـــــ مادلين، أجلسيها يا مادلين
ـــــ إجلسي ها هنا، فقد أمرت الأم صوفيا بجلوسك
أبصرت عائشة السكين الحاد في يد صوفيا وإلى جوارها شاة
لها ثغاء كأنه استغاثات لرب السماء، فشخص بصرها، وغمغمت باكية مرتعدة:
ـــــ ماهذا السكين الحاد الذي تمسك به هذه المرأة! وما
هذه الشاة! هل ستذبحني أم ستذبح الشاة ؟ ليتها تذبحني لأموت وولدي حتى لا يخرج الى
الدنيا يسجد لغير الله
أمسكت صوفيا برقبة الشاة ونظرت بملامح جامدة إلى عائشة
وقالت:
ـــــ أرأيتِ هذه الشاة أيتها المسلمة ؟
........................................
ـــــ لِمَ لا تجيبين ؟ حسناً . أرأيتِ ملابسك التي رأكِ
بها زوجك لأخر مرة في الكنيسة في ميونخ ؟
...............................
هاها أيضاً لا تجيبين! . حسناً.
قامت صوفيا عن مقعدها وأضجعت الشاة إلى الأرض، ووضعت
السكين على رقبتها وقالت بغلظة وهي تطيح برقبة الشاة:
ـــــ هذه الشاة
ستذبح هكذااا
انفجرت الدماء فوضعت عائشة يدها على عينيها صارخة من
فجعة المنظر، ثم صرخت في صوفيا باكية:
ـــــ أنتِ امرأة غليظة القلب
قهقهت صوفيا وقالت:
ـــــ أرأيتِ كيف ذبحت الشاة في لمح البصر ؟ غداً
ستكونين مكان الشاة، وأذبحك بنفس السكين ذا الشفرة الحادة هذا
صرخت عائشة باكية:
ـــــ اذبحيني، اذبحيني وخلصيني مما أنا فيه
ـــــ قلت لكِ عندما تلدين هذا المسيحي الصالح الذي
تحملينه كهدية للنصرانية في أحشائك
انفجرت عائشة بالبكاء، وصاحت مستغيثة برب السماء:
ـــــ ولدي، ولدي، لاااا، يا ربي، يا ربي .. يا إلهي أنت
تعلم أني موحدة من نسل موحدين، ولم أتزوج زوجي إلا وهو مسلم موحد يا ربي، فلو قبضت روحي فلا تمكنهم من ولدي، لا إله إلا أنت،
لا اله إلا أنت، لا إله إلا أنت
قهقهت صوفيا وهي تسمع استغاثاتها، ثم قالت تستفزها:
ـــــ انظري كيف أغمس ملابسك في دماء الشاة ؟
سددت عائشة إليها نظرات كراهية صامتة وهي تراها تلطخ
ملابسها بدماء الشاة ، فأردفت صوفيا ببرود:
ـــــ اتعلمين ماذا سأفعل بها ؟؟
........................................
ـــــ ههه سأرسلها إلى زوجك، ليتيقن من موتك وموت ما في
بطنك حتى يكف عن البحث عنكِ وتهدأ نفسه ويعود إلى النصرانية دين آبائه وأجداده
الذي بغضتيه إليه واقنعتيه باتباع دينك أيتها اللعينة.. هاهي ملابسك ملطخة بالدماء وسيعلم الجميع بموتك
أيتها الحشرة، وسأتحفظ عليكِ في الدير حتى تلدي هذا الطفل المسيحي الصالح الذي
سينشر دين يسوع في ربوع الأرض
صرخت عائشة:
ـــــ لااااا
***************************************
ظل عبد الله ومحمد جالسان على قارعة الطريق، كان عبدالله
ذاهلاً، تسيل عبراته في صمت، فأسدى إليه محمد نظرة شفيقة وقال:
ـــــ عبد الله . هل سنظل جالسين في الطرقات هكذا يا أخي
؟ هيا لنذهب إلى المنزل لننال قسطا من الراحة
ـــــ راحة !!!!!!! عن أي راحة تتحدث يا محمد !!!!!!
ضاعت زوجتي يا محمد ضاعت . عائشة ضاعت
ـــــ يا أخي لا تيأس من رحمة الله . إن بعد العسر يسر
إن شاء الله
صاح عبدالله حانقاً:
ـــــ هذا إذا كنا في ضيق يا محمد، هذا إذا كنا في ضيق،
ولكن عندما تزهق أرواح الأبرياء بلا شفقة فعن أي يسرٍ تتحدث!
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . أنا مقدر انك في حالة
غير طبيبعية يا عبد الله . يا أخي ربما يفرج الله الكرب ولا تقتل زوجتك وتعد إليك
هي وولدك
ـــــ ولدي !!!!!! آآآآه . قتلوا فرحتي وفرحة أمه، وأصدروا الأحكام الظالمة
بتفريقنا. يا الله! آآآآه، عائشة، آآآه
ـــــ يا أخي كفاك بكاءاً، فعيناك لم تجف دموعها منذ
اختفت زوجتك . سل الله تفريج الكرب فهو وحده القادر
ـــــ يا رب، يا رب، يا رب
ـــــ هيا يا أخي، هيا فأنت مجهد ولم تتناول إفطارك حتى
الآن، والساعة قاربت على الواحدة بعد منتصف الليل
ـــــ لا حاجة لي لطعام أو شراب ، الحمدلله الحمدلله
الحمدلله
وقف محمد ومد يده له لينهضه وقال بلطف:
ـــــ هيا يا عبد الله لنذهب إلى المنزل، هيا يا اخي
قال عبدالله بحسم:
ـــــ سأذهب إلى أبي
ـــــ أبوك !! ولكن ......... ولكن أبوك لا يعلم أنك على قيد الحياة
ـــــ أحتاج إلى أبي يا محمد . أنا الآن في قمة ضعفي. أحتاج
إلى أبي
ـــــ وماذا ستقول له ؟
ـــــ لا اعرف، لا أعرف. كل ما أعرفه أنني أحتاج إليه
ـــــ إفعل ما شئت يا أخي . هيا لأصطحبك إلى منزل والدك
ثم أعود إلى منزلي
حاول عبدالله النهوض ففشل:
ـــــ هيا يا محمد آآآه آآآه
ـــــ ما بك يا عبد الله ؟؟ أراك تقوم بتثاقل
ـــــ أشعر ان قدماي لا يحملاني آآآه
ـــــ هات يدك يا أخي، قم، قم يا عبد الله
أنهضه محمد بقوة:
ـــــ آآآه، آآآه أشكرك يا أخي الحمدلله على كل حال
*****************************************
عندما اقتربت سيارة محمد من منزل والد عبدالله، أشار
عبدالله إلى المنزل وقال:
قف هنا يا محمد، فهذا منزل أبي
ـــــ حسناً يا أخي. إلامَ تنظر على الجانب الآخر يا عبد
الله ؟
رد عبدالله وهو ينظر بأسى إلى منزل عائشة وصفحات
الذكريات تتقلب أمام عينيه:
ـــــ هناك يا محمد، هناك في المنزل المقابل، كانت تسكن
عائشة حبيبتي وأسرتها، هناك.. أنظر يا محمد، أنظر . أين ذهبت عائشة يا محمد أين
ذهبت ؟؟؟؟؟ ..... هاها كنت أنتظرها ليلاً في نافذة غرفتي حتى تضاء أضواء غرفتها
قبل الفجر لتصلي القيام ههه تراها ستقوم الليلة يا محمد ؟ سأنظر الى نافذة غرفتها
بعد ساعة من الآن حتى تضاء مصابيحها وتصلي ويطمئن قلبي ههه
سالت عبراته وهو يكمل حديث ذكرياته الممتزج بهذيانه:
ـــــ عائشة،
عائشة تسكن هنا يا محمد وستقوم الليلة لتصلي يا محمد، أليس كذلك ؟ هههه قل هو كذلك
، قل هو كذلك ، سأنزل إليها وأطرق الباب فجراً وتصفعني على وجهي ههه نعم سأفعل حتى
تصفعني على وجهي، ههه أذهب إليها مخموراً وتفيقني بصفعتها على وجهي ههه .سأجدها،
سأجدها، ستقوم لتصلي القيام وتضاء حجرتها بأضواء أقوى من ضوء القمر. أليس كذلك يا
محمد ؟؟؟
ـــــ انفطر قلب محمد وطفرت عبراته... وقال:
لا حول ولا قوة الا بالله . يا أخي استعذ بالله من
الشيطان الرجيم . لا حول ولا قوة الا بالله . أنت في حالة غير طبيعية يا عبد الله
. من الأفضل ألا تصعد إلى منزل والدك
ـــــ ههه أنا لم اُجن يا محمد، لا تخف . فقط آمال نفسي
تحدثني وليس أكثر . أستودعك الله يا أخي
ـــــ أنا لن أسافر إلى دوسلدورف وأتركك هكذا يا عبد
الله
ـــــ وماذا سيفعل بقاؤك معي يا محمد ! عد الى زوجتك وأهلك
وعملك. أما أنا... فاسأل الله أن يخرجني مما أنا فيه
ـــــ بل سأذهب لأحضر زوجتي، وأقيم في منزلي في ميونخ
حتى أكن معك ولا أتركك يا أخي . نفسي لا تطاوعني على تركك يا عبد الله . الآن
سأتجه إلى دوسلدورف لإحضار زوجتي وسأترك عملي في يد أخي حتى أعود
ـــــ جزاك الله عني خيراً يا محمد . سأنزل أنا عن
السيارة وأصعد لمنزل أبي . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أخي .... اللهم
لا حول ولا قوة الا بالله . إبتلاء رهيب، والله وحده هو القادر على رفعه، يارب أعد
له زوجته، يارب سلمها من كل سوء
**********************************************
استيقظ والد عبدالله على صوت دقات أجراس الباب، فقال
فزعاً في فراشه:
ـــــ ها! من يطرق عليّ الباب في هذا الوقت الغريب!. لن أفتح
فربما كان لصاً
سمع دقات الجرس مرة أخرى، فنهض عن فراشه، واتجه بخطوات
وئيدة صوب الباب، وسأل مذعوراً:
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ أنا يا أبي
قال بارتياع:
ـــــ أبي!!... من أنت ؟
ـــــ إفتح يا أبي، أنا كيفن
ارتعد العجوز وقال:
ـــــ كيفن! !! يا إلهي!!. إذهب أيها المخادع، ولدي كيفن
مات، مات.
ـــــ يا أبي أنا لم أمت. فقط أنا هربت منكم ومن دانيال.
إفتح يا أبي فما حملني على اختلاق قصة موتي إلا دانيال.
غمغم العجوز بارتعاد:
ـــــ ما هذا الذي أسمعه! . لالالا، سأعد إلى فراشي،
فربما هي أحلام اليقظة، وحبي لولدي جعلني أتخيل أنه عاد الى الحياة ويكلمني
هم بالعودة إلى غرفته، فصاح عبدالله:
ـــــ أبي، إفتح يا أبي. أنا ولدك كيفن ماكس توماس. أنا
الذي تخفيت في زي الراهب وارتميت في أحضانك
شوقاً عندما كانت أمي في المستشفى. إفتح يا أبي، فكفانا فراقا
فتح الوالد الباب بقلب أذابه الحنين، وشرع ذراعيه باكياً
حين رأى ولده الذي ظنه في عداد الموتى يقف أمامه:
ـــــ ولدي، كيفن ولدي، يا حبة قلبي يا ولدي
ارتمى عبدالله في أحضان والده بكل أوجاعه:
ـــــ أبي، آآآه، أبي، أبي، ما أحوجني حقاً إلى هذا الحضن
الدافئ الذي يتحملني بأوجاعي وآلامي آآآه
ـــــ ولدي، كم اشتقت اليك يا كيفن، أدخل يا ولدي، أدخل
يا حبيبي، أدخل وأعد الحياة إلى المنزل الذي فقد الروح والحياة منذ فارقتني،
وبعدها فارقتني الحبيبة نيكولا، فأصبحت وحيداً بين جدراني الصامتة، ودقات الساعات
التي تنبئني باقتراب الأجل
شقت العبارة صدر عبدالله، فصاح ألماً:
ـــــ لا،لا يا أبي لا تقل ذلك، فأنا لا أحتمل فراقا.
يعلم الله وحده ما أنا فيه من آلام الفراق. يا الله، يا الله، يا الله
أخذت والدته الدهشة حين سمعه يردد لفظ الجلال وقال:
ـــــ الله !!... أنت أسلمت يا كيفن ؟
ـــــ وهل حملني على فراقكم غير إسلامي يا أبي! فارقتكم وفررت من بطش دانيال . فررت بزوجتي
ـــــ زوجتك ! هل تزوجت يا ولدي ؟
ـــــ سأقص عليك كل شيء يا أبي
جلس إلى أبيه يسرد على مسامعه كل ما مر به من آلام، فربت
والده على ظهره بشفقة وقال:
ـــــ يا حبيبي يا ولدي! يا حبيبي يا كيفن! . أكل هذا
حدث لك ولزوجتك! والآن فقدت زوجتك وما تحمله في احشائها ولا تعلم عنها شيئا ! لِمَ
؟ لِمَ كل ذلك! لِمَ !!! لِمَ يفعل دانيال وصوفيا ذلك؟؟
ـــــ فعلوا ذلك من فرط كراهيتهم للإسلام. يجن جنونهم حين يجدون الناس يدخلون في دين الله
أفواجا. يجن جنونهم لأن الإسلام ينتشر في أوروبا ويدخله الناس راغبين بكامل حريتهم،
بعد تيقنهم أنه الدين الحق . أعلمت يا أبي لِمَ يفعلون بنا ذلك ؟
ـــــ هل علمت أن أمك ماتت على الإسلام يا كيفن ؟
ـــــ أسلمت على يدي يا أبي
تربد وجه والده وقال غاضباً:
ـــــ أسلمت على يدك!! أكانت أمك تعلم أنك على قيد الحياة
؟ ولِمَ لم تخبرني نيكولا ؟ لِمَ يا نيكولا! لِمَ حرمتيني من ولدي يا نيكولا!!
ـــــ يا أبي لا تظلم أمي رحمها الله. أنا ظهرت في
حياتها متظاهراً أني صديق كيفن المسلم،
وليس كيفن، وأقنعتها بالإسلام وأراد
الله هدايتها ولم تعرفني إلا قبيل موتها بأيام، ولم تشأ أن تخبرك حتى لا تحمل همي
ربت والده على ساقه باسماً وقال:
ـــــ أشكر الرب على عودتك لأبيك يا كيفن، وإنها لبشرى
بعودة ولدك إلى أحضانك
ـــــ يا أبي أنا يهمني زوجتي أكثر، فإن عاد ولدي دون أمه
فلا حاجة لي به
ـــــ يا ولدي لا تقل ذلك الإبن الصالح عون لأبيه على الحياة ، لا تقل لا أريد
ولدي دون أمه
تنهد عبد الله بعمق وقال:
ـــــ يا أبي أنت لا تعرف زوجتي. آآآآهٍ يا عائشة . هذه
ليست امرأة عادية في حياتي حتى يكون الأمر هينا عليّ..
لا يا أبي، عائشة كالمصباح الذي أضاء ليلي الدامس، وأول
من أخذت بيدي لطريق الحق، وأول من أجابتني بإجابات شافية أخرجتني من حيرتي. هي
حياتي وعيناي اللتان أرى بهما، فإن فقدتها فقدت كل شيء يا أبي، كل شيء
ـــــ يا ولدي أعلم أنك تحب زوجتك، وأنت محق في ذلك،
ولكن أرجوك أن تضع كل الاحتمالات حتى لا تُصدم صدمة لا دواء لها . وطالما أنت
اخترت الدين الحق فليكن ولائك للدين الذي اخترت، ولتعلم أنها مجرد سبب وُضع في
طريقك . ولا يضيع الطريق بضياع الرفيق
ـــــ يا أبي، يا أبي أعلم أن كل شيء قدر من الله، ولكن
لا يعلم قدر هذه المرأة عندي إلا الله . أنا على إسلامي مهما ضاقت عليّ الدنيا،
فهذا هو الدين الذي اقنع عقلي ورق له قلبي ولن ينتزعه أحد من صدري، ولكن أنا أتحدث
بلسان الزوج المحب الذي فقد زوجته الحبيبة الصالحة رفيقة أجمل درب . آآآآهٍ عائشة،
أين أنتِ يا حبيبتي!
ـــــ صل لربك يا كيفن واطلب منه أن يرد اليك زوجتك يا
ولدي . سأقوم لأعد لك عشاءاً فأنت تبدو شاحب الوجه وفي حاجة إلى الطعام
ـــــ لا يا أبي، لا أريد شيئا
ـــــ ستأكل, أتسمع ؟ هذا أمر من أبيك، أم أنك ستخالفني
وتكن ولداً عاقاً ؟ هاها
ـــــ هه سآكل يا أبي
***********************************************
أجهشت حفصة بالبكاء حين أخبرها محمد بما وقع لعائشة
وقالت وهي تصطلي غليلاً
ـــــ زينب! أرأيت يا محمد ؟؟ كنتم لا تصدقوني، كنت أقول
لك هذه المرأة وظهورها المفاجئ يقلقني، وهناك خطر على عائشة وزوجها، وأنت تقول أنها
غيرة النساء. حسبي الله ونعم الوكيل في زينب هذه. لو أراها أمامي لمزقتها بأسناني
هذه اللعينة. .. ياتُرى ماذا فعلوا بكِ يا حبيبتي عائشة هل ..... هل حقاً لن أراها
مرة أخرى يا محمد ؟؟ قُتلت أم سيقتلوها ؟ حسبي الله ونعم الوكيل
ضاق زوجها بنحيبها، فصاح بها غاضباً:
ـــــ كفاكِ، كفاكِ يا حفصة، كفاكِ فأنا لا أحتمل، لا أحتمل
تذكرت حفصة مهاتفة مانويلا حين سألتها عن رقم هاتف أحمد،
فصاحت وهي تكيل السباب لأخيه:
ـــــ أحمد، أخوك أحمد، أخوك الخبيث المتآمر، سل أخاك،
سله لِمَ طلبت زينب رقم هاتفه قبل اختطاف عائشة، سله، سله ففي جعبته كل الأسرار
ـــــ أحمد!! ومال أحمد وما حدث من زينب يا حفصة ؟
صاحت بنشيج:
ـــــ أنا متأكدة أنه على علم بمخطط زينب، والدليل أنها
طلبت رقم هاتفه، وهاتفته وبعدها قال أنه لن يتزوجها ولم يفصح عن الأمر. بالطبع أخبرته
أنها راهبة وستعود للدير، فلِمَ لم يخبرنا؟؟
رد بنبرة وعيد لأخيه:
ـــــ أحمد !!.... أعدي الحقائب للسفر، وأنا ذاهب إلى
أحمد ليبرر لي ما حدث، وإلا فوالله لو
علمت أن له علاقة بما أصاب زوجة عبد الله لأقاطعنه طيلة حياتي
**************************************
سمعت والدة محمد دقات متواترة على جرس الباب، فأسرعت
تفتح، فألفت محمد أمامها:
ـــــ مرحباً يا ولدي، تفضل . طمئني على عبد الله وزوجته
المسكينة
صاح مغاضباً وعيناه تدور في البيت:
ـــــ أين أحمد؟ . أحمد، يا أحمد
ردت والدته وقد انتابها الفزع:
ـــــ ما بك يا ولدي يتطاير الشر من عينيك هكذا ! ماذا
فعل أخوك كي تناديه بهذه الحدة ؟
نادى بحدة أكبر:
ـــــ أحمد
جاءه مهرولاً:
ـــــ مرحباً، مرحباً يا محمد . كيف حالك يا أخي، وكيف
هو عبد الله وزوجته. هل وجدها ؟
حدجه بنظرة غاضبة وقال باحتداد:
ـــــ سل زينب
ـــــ زينب!!... ذهبت زينب بكل ما سببته من آلام
أخذ بمجامع أخيه وصاح به:
ـــــ لا تمكر، لا تمكر، أنت تعلم أن زينب هي وراء ما
حدث لعبد الله وزجته
هاله ماسمع، فاتسعت حدقاته وقال مشدوهاً:
ـــــ زينب !!... لا أصدق
ـــــ أمعتوه أنت!! . زوجتي حدثتني أنها أخذت رقم هاتفك،
وبعدها نزلت أنت مسرعاً، ثم عدت بغير الوجه الذي ذهبت به وأعلنت أنك لن تتزوجها.
ماذا حدث في هذا اللقاء ؟
ـــــ أخي أنت تتهمني والله يعلم أني بريء مما ترمني به
من تهمٍ باطلة. سأقص عليك ما حدث لتعلم أنك ظلمتني
أطلقه أخوه بضيق، فبدأ يقص ماحدث:
ـــــ زينب في صباح يوم عرسنا هاتفتني وكانت مضطربة،
وقالت أنها أسفل المنزل فهرعت إليها لأتبين ما الأمر، وعندما نزلت أصابتني صعقة
الدهشة حين وجدتها أمامي في زي الراهبة بعينين دامعتين، فوقف الكلام على أطراف شفتيّ
ولم أنطق.. وبعدها طلبت تفسيراً لما أراه، فقالت أنا راهبة مسيحية ولم أسلم يوماً
في حياتي، واسمي مانويلا وجئت من برلين... لم أفكر في أي شيء غير في صدمتي فيها
وكأن كل أفكاري تجمدت في رأسي ولم يبق إلا التفكير في خداعها إياي، وطلبت منها أن
تنصرف من أمامي لأنني كنت ثائراً جداً.. وظللت حبيس غرفتي لا أكلم أحداً . والله،
والله لو كنت أعلم أنها من دبرت لما حدث لما تركتها إلا بعد تمزيقها حية . لأننا
جميعاً لم نسيء إليها، بل على العكس، لم تجد منا إلا الخير.. وللأسف طعنتنا جميعاً
بخناجر الخديعة.
أسدت والدتهما نظرة شفقة إلى أحمد، ثم استدارت ترقق قلب
أخيه تجاهه:
ـــــ يا ولدي، أخوك لا ذنب له. لا تنس كم كان فرحاً يوم
عرسه، ويهاتف أصدقائه ويؤكد عليهم ألا يتأخرون حتى يحضروا العقد، وفجأة تهاتفه
العروس وتقول أنا راهبة مسيحية وأأسف لن اتزوجك . ضع نفسك مكانه يا ولدي فقد كانت
الصدمة شديدة عليه واعجزته عن التفكير في الأسباب التي دفعتها للتنكر والإندساس
بيننا
رد محمد مهتاجاً:
ـــــ لِمَ لم يخبرني يا أمي! لِمَ؟؟ كلمة واحدة كانت كفيلة بإنقاذ زوجة صديقي من القتل.
لو قال يا أخي احذروا، إنها راهبة مسيحية، لفهمنا جميعاً المخطط وحمينا زوجة صديقي التي ستقتل بسبب صدمة أخي العاطفية
فيمن لا تستحق.
نكس أحمد رأسه خزياً، ثم حاول الدفاع عن نفسه:
ـــــ حقك يا أخي أن تغضب، ولكن والله لم أكن اعلم
بمخططها، فأرجوك لا تظلمني و تسيء الظن بي
وتتهمني أنني على علم بهذا المخطط القذر.
تذكر وجه زينب أمامه، فانتفخت أوداجه وقال بغيظ شديد:
ـــــ آآآآهٍ لو أراها أمامي هذه الشيطانة! حسبنا الله
ونعم الوكيل
بكت والدتهما وقالت وقلبها يتمزق:
ـــــ والله أنا لا يهمني الآن غير المسكينة عائشة، أين أخفوها؟
هل قتلوها ؟ هل يعذبوها ؟ ألا ترق قلوبهم
للمسكينة والصغير الذي في احشائها! أشعر وكأنه يتعذب ويتألم لألام أمه.
تنهد محمد وقال بأسى:
ـــــ الكلام لن يفيد، والندم لن يفيد. سأصطحب زوجتي إلى
ميونخ، لأكون إلى جوار عبد الله . أستودعكم
الله . بلغوا سلامي لأبي . السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا محمد يا أخي
تذكرت والدة محمد، والدة عائشة، فذرفت العبرات رحمة
وقالت:
ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله . يا تُرى هل علمت
أمها ؟ أهٍ من لهفة قلب الأم على فلذة كبدها. كان الله في عونها.
كانت الكلمات كالخناجر ترشق في قلب أحمد، فلم يحتمل، زفر
لهيب أعماقه وقال وهو يهرع إلى الباب:
ـــــ أنا سأخرج يا أمي
ـــــ إلى أين يا أحمد؟
ـــــ لا أعلم. أريد أن امشي في الطرقات، ولا أعلم لِمَ
ولا إلى أين . السلام عليكم
ردت الوالدة السلام منتحبة وعبراتها تسيل:
ـــــ وعليكم السلام يا ولدي .. اللهم كدر صفو من كدر
صفونا، ولا تغمض له عين كما حرمنا من هدأة البال والنوم قريري الأعين حزناً على من
غابت ولا نعلم لها طريقا، حسبنا الله ونعم الوكيل
********************************************
أسدت الراهبة صوفيا نظرة ازدراء إلى عائشة، وأمرت الراهبات
حولها بتجهم:
ـــــ خذوها الآن إلى غرفتها، وعندما أريدها آتوني بها
ـــــ سمعاً وطاعة، الأم صوفيا
هرعن إلى عائشة يجذبونها، فنهرتهن وحاولت دفعهن:
ـــــ ابتعدي عني، ابتعدي، أنا لست سجينة كي تجذبيني من
يدي هكذا، ابتعدي
ردت مادلين تابعة صوفيا المخلصة بتعال:
ـــــ أنتِ امرأة عنيدة، وتستحقين عقاب الأم صوفيا بالفعل
ـــــ ويلكم جميعاً من عقاب الله
ـــــ هاها لن نعاقب، فنحن المخلصون المتفانون في خدمة
الرب
ـــــ خدمة الرب!! والله إنكم تكذبون
ـــــ لم نطلب منكِ رأياً في حياتنا وفيما نفعل، فالتزمي
الصمت يا هذه
ـــــ وأي كلام سيفيد مع عقولٍ مثل عقولكم ؟ ابتعدي، ابتعدي عني ودعيني أدخل إلى المقبرة
التي تودعوني فيها وتسمونها غرفة
قهقهت مادلين وقالت بنبرة استفزاز:
ـــــ لا تتعجلي، فقبرك يحفر من الآن
ـــــ لقاء ربي أحب عندي من الحياة وسط أصحاب العقائد
الفاسدة. حسبي الله ونعم الوكيل
حدجتها مادلين بنظرة كراهية، وزجت بها إلى الغرفة وأغلقت
الباب بالقفل ومضت بمفتاحه، فأجهشت عائشة بالبكاء وقد تذكرت زوجها:
ـــــ يا هل تُرى ما حالك يا عبد الله يا حبيبي بعد أن
فرقوا أجسادنا؟ والله حتى لو افترقنا بأجسادنا للأبد فستظل أرواحنا متعانقة إلى أن
نلقى الله.. ويا تُرى هل علم أبي وأمي باختطافي ؟
عصرت دموع عينيها وأستطردت ناشجة:
ـــــ لهفي
عليهما.. لن يتحملا قسوة الخبر, حسبي الله ونعم الوكيل.... أذهب لأتوضأ وأصلي ... يارب، يارب يا مفرج الكروب يا الله
**********************************
بعد محاولات اتصال مضنية، زفرت والدة عائشة وألقت الهاتف
على الفراش، فسألها زوجها بنبرة يائسة:
ـــــ أما زال هاتف عائشة مغلق يا مريم ؟
انفجرت في البكاء وقالت:
ـــــ إبنتي ليست بخير يا سالم، عائشة يا سالم
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . معك كل الحق في قلقك
يا مريم، فأنا أيضاً كلما هاتفت عبد الله لا يجيبني.. وكأنه يتهرب من الرد
شعرت الأم بأنفاسها تتلاشى، وضعت يدها على صدرها، وقالت
وهي تجاهد في التقاط أنفاسها:
ـــــ إبنتي، إبنتي، أشعر أني أختنق يا سالم، آآآه، آآآآه
سقطت مغشياً عليها، فهرع إليها زوجها متلهفاً:
ـــــ مريم، مريم، أفيقي، أفيقي يا حبيبتي، أفيقي. لا
حول ولا قوة الا بالله . ليتني ما قلت لها ذلك، ليتني أعطيتها أي بصيصٍ من أمل .
مريم، مريم، حبيبتي أفيقي، أفيقي، عائشة بخير إن شاء الله، أفيقي
********************************************
عندما اجتمع الدكتور سالم، بالدكتور محمدي(لوكاس) في طريقهما إلى الفندق، قص عليه من أمر
توجساته، فهاله ما سمع:
ـــــ مالذي تقوله هذا يا سالم يا أخي ! ربما سافرت هي
وزوجها أو أي شيء غير ماذهب إليه تفكيركما
ـــــ يا دكتور محمدي، حتى لو سافرت كانت ستخبرنا .
عائشة كانت معتادة على مهاتفتنا كل يوم،
والآن أكثر من ثلاثة أيام ولا نعرف عنها شيء، وزوجها يغلق هاتفه كلما دققت
عليه
زفر الدكتور محمدي وقال وهو يهز رأسه:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله.... بقى لنا ثلاثة أيام
ونعود إلى ألمانيا، وهناك سنطمئن إن شاء الله وستسير الأمور إلى خير
ـــــ أمها لا تحتمل والله يا دكتور محمدي . فقدت الوعي،
واستردته بصعوبة بعد محاولات متعددة مني لإفاقتها، وكأنها ترفض العودة إلى الوعي
حتى لا تُصدم بالواقع
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله... صبراً، صبراً يا أخي،
صبراً..... الله المستعان
ـــــ ونعم بالله ... سأذهب إلى الفندق لإحضار مريم للصلاة
في الحرم لتنسيها بعض ما تجده . رغم أني أعلم أن مابها صعب أن تتناساه . ولكن الله
أكبر من كل هم. الحمدلله.
************************************
في صبيحة اليوم التالي، أتت الراهبات بعائشة وأجلسنها
عنوة في حضرة صوفيا... كانت صوفيا تجلس في مقعدها الخاص، حين أخذت عيناها تدور في
وجوه الراهبات بحثاً عن مانويلا، فلم تجدها، فسألت مادلين بملامح جامدة:
ـــــ أين مانويلا ؟ لا أراها بينكم يا مادلين
ـــــ تقول أنها
متعبة، وذهبت لتنام
أسدت صوفيا نظرة ازدراء إلى عائشة التي جلست شاردة،
وقالت:
ـــــ أم أنها تشفق على المسلمة، وتشعر بوخز الضمير كلما
رأتها!....أيتها الراهبات، أحضرن الطعام إلى هذه المرأة، فهي تحمل في مسيحي صالح ويجب أن يولد قوياً
صاحت بها عائشة باهتياج:
ـــــ عمن تتحدثين! هل تعتقدي أني تاركة لكِ ولدي لتنصريه!
لا وربي هذا لن يكون، وسأمتنع عن الطعام
والشراب حتى أموت ويموت ولدي داخلي، ولا أن يولد على غير دين الله الذي ارتضاه في أرضه،
ولن يسجد لغير الله أبدا
اتجهت مادلين صوب عائشة بغليلها، ووقفت أمام مقعدها
وقالت مزدرية إياها:
ـــــ على من تقسمين أيتها المرأة ! تقسمين على الأم صوفيا!!
خسئتِ . ليس لكِ من الأمر شيء. أيامك في الحياة معدودة، وستنتهي حياتك يوم أن يولد
ولدك وترين تعميده كما يعمد الأطفال في شريعتنا النصرانية. سنعمده كما عمد يوحنا
المعمدان يسوع المسيح
بادلتها عائشة نظرات الإذدراء والكراهية، فاستدارت
مادلين إلى صوفيا، وقالت إمعاناً في استفزاز عائشة:
ـــــ الأم صوفيا هاها كم نحب حكاياتك، فأمتعينا يا
حبيبة القديسين . سأنادي الراهبات يلتففن حولك وأمتعينا بحكايا القديسين
أسدت صوفيا نظرة ماكرة إلى عائشة وقالت:
ـــــ حسناً، ولتستمع هذه المرأة إلى الحكايا، علها
تنتبه أنها على دين خاطيء
صاحت بهن عائشة:
ـــــ ويحكن، لا أريد أن أستمع إلى حكاياتكم. أريد ان
ابقى وحدي
قامت إليها صوفيا، ووقفت قبالتها وقالت بخبث:
ـــــ لا تتعجلي، فغداً تموتين وتقبرين وحدك، عندما يولد
المسيحي الصالح هذا
أطاحت عائشة بيدها وصاحت بها:
ـــــ ابعدي يدك، لا تلمسي جسدي، لن أمكنكم من ولدي، الموت
عندي أهون من تنصير ولدي
أجهشت عائشة بالبكاء، فقالت صوفيا بعينين تتقدان وعيداً:
ـــــ دعوها تبكي كما شاءت، فلن يقدم بكاؤها شيئاً ولن
يؤخر.
استدارت إلى مادلين ونادت بصوت جهور:
ـــــ مادلين
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
ـــــ إجمعي الراهبات، وليلتففن حول هذه المرأة ويفكرن
في إسم للمسيحي الصالح الذي في بطنها، وأجمل إسم، ستقدم لصاحبته مني مكافآة
تعالى نشيج عائشة واستغاثاتها برب السماء
*****************************************
أتت الراهبات واحدة تلو الأخرى، واصطففن أمام صوفيا،
وأحنين رؤوسهن تحية لها، وقالت إحداهن:
ـــــ طاب صباحك الأم القديسة صوفيا رئيسة الدير المقدس،
جئنا جميعا لاختيار اسم المسيحي الصالح
ـــــ كم عددكن ؟
ـــــ جاء منا اثنتى عشر كعدد الحواريين
ـــــ إذن التففن حولها، وكل واحدة منكن تقل إسما يليق
بهذا الطفل المبارك من الرب
سددت مادلين نظرة شامتة إلى عائشة وقالت للراهبات لتثير
حفيظتها:
ـــــ إلتففن حولها أيتها الراهبات، كما قالت الأم صوفيا
ـــــ سمعاً وطاعة مادلين
وقفت مادلين إلى جانب مقعد صوفيا ترقب ما يحدث، أحاطت
الراهبات بمقعد عائشة كإحاطة السوار بالمعصم بملامح جامدة ونظرات حادة ، فصرخت بهن
وأخذت تتدفعهن بعيداً دون جدوى:
ـــــ ابتعدن عني، ابتعدن عني جميعاً
بدأت كل واحدة تلو الأخرى تنطق بإسم حواري من الحواريين
وهي تنظر إلى عائشة بملامح جامدة ثم تأتي من بعدها وتذكر اسمأ آخر وهي تنظر ذات
النظرة الجامدة ويتحركن حولها كإعصار أسود مخيف:
ـــــ يوحنا
ـــــ بطرس
ـــــ توما
ـــــ برنابا
ـــــ جاكوب
ـــــ تداوس
ـــــ اندرواس
ـــــ فيليبس
صرخت عائشة بجنون وقد وضعت يديها على أذنيها:
ـــــ كفا، كفا، إبتعدن عني، والله الموت أهون من تنصير ولدي،
سأمتنع عن الطعام والشراب حتى اموت ويموت ولدي داخلي، الموت على الإسلام ولو قتلاً
خيرٌ من الحياة مع السجود لغير الله
أجهشت عائشة بالبكاء، فقهقهت صوفيا وقالت وهي تومأ
برأسها للراهبات أن يبتعدن:
ـــــ دعوها تبكي كما شاءت حتى تتطهر من خطاياها ممم الأسماء التي اخترتموها يا ماكرات هي بعض أسماء
الحوارين
ضحكت إحداهن وقالت:
ـــــ بالطبع، الأم صوفيا . وهل لدينا أفضل من القديسين حتى نسمي بأسمائهم هذا الطفل المبارك الذي سيولد في
الدير ويربى بيننا بعد قتل امه!
ـــــ هاها معك حق جيسيكا. أين جانا و كارين لم يجئن لأختيار أسماء معكن ؟
ـــــ يصنعن الأيقونات ولا وقت لديهم، واعتذرن عن
المشاركة
أومأت لهن صوفيا بالإنصراف، ثم قالت لمادلين:
ـــــ إليّ بمانويلا، وخذي المسلمة إلى محبسها وأعدي لها
الطعام، فهي تحمل طفلاً مباركاً
ـــــ أمرك الأم صوفيا
*******************************************
دخلت مادلين غرفة مانويلا، فوجدتها مضطجعة على الفراش،
فضحكت وقالت:
ـــــ مانويلا ممم نائمة أم تتظاهرين بالنوم ؟
ـــــ ما الأمر يا مادلين ؟
ـــــ الأم صوفيا تريدك على الفور
ـــــ حسناً . سأذهب إليها
****************************************************
دخلت
مانويلا على صوفيا، وحيتها بتجهم:
ـــــ طاب صباحك، الأم صوفيا
صاحت باحتداد:
ـــــ لِمَ لا أراكِ وسط الراهبات ؟
ـــــ عذراً الأم صوفيا، أنا متعبة وأحتاج إلى بعض
الراحة
ـــــ مابكِ ؟
أجهشت مانويلا بالبكاء، فضحكت صوفيا وقالت:
ـــــ وخزات الضمير تؤلمك، أليس كذلك؟
هرعت مانويلا تمسك بيد صوفيا تقبلها وتتوسل بدموع
عينيها:
ـــــ أرجوكِ الأم صوفيا، أعفي عن عائشة، أعفي عنها ، وحق
يسوع هي طيبة القلب جداً ولا تستحق القتل،
اقتليني بدلاً منها واتركيها تذهب لزوجها وحياتها الهادئة التي أقتحمتها وأفسدتها
عليها، وزججت بها في هوة عميقة لا خلاص منها
تربد وجه صوفيا وانتفضت عن مقعدها ودفعتها بعيداً،
رشقتها بنظرة ارتياب وصاحت بها:
ـــــ مانويلا! كلامك يثير الشكوك. هل أسلمتِ يا مانويلا ؟
اتسعت حدقتاها وجاهدت في دفع الشكوك عن نفسها ببكاء
ونشيج:
ـــــ لالالالا، وحق يسوع لم أسلم، ألا توجد الشفقة إلا
في قلوب المسلمين ؟ الرحمة هبة من الرب وضعها في قلوب بعض البشر حتى لو اختلفت
دياناتهم. ألم يقل يسوع أحبوا أعدائكم ؟ نحن خائنون ليسوع، لأننا لا ننفذ تعاليمه
مع اعدائنا، ألم يدع يسوع المسيح للتسامح ؟ إذن فلِمَ لا ننفذ!! كل الانبياء دعوا إلى الخير والسلام ونحن من أشعلنا
الارض حروباً ودمارا
كست حمرة الغضب وجه صوفيا وانقضت عليها تهز كتفيها بعنف
وتصب جام غضبها:
ـــــ ما نويلا! ينقصك النطق بالشهادتين ما نويلا. أحذرك
من التمادي في هذه الأفكار التي ستقودك إلى الكفر أيتها اللعينة.
ـــــ دفعتها بعنف، فردت مانويلا ناشجة:
ـــــ أنا لم أتفكر في ديني، ولا معنى الثالوث، رغم أني
غير مقتنعة، أنا فقط أتكلم عن رحمة القلوب التي ضاعت من البشر. أصبحنا لا نرق
لدموع المظلومين، ولا نرحم الضعفاء، ولا
نداوي المجروحين، بل نزيد جراحهم
ـــــ صاحت بها صوفيا غاضبة:
ـــــ مانويلا، أحذرك أن أسمع منكِ هذه الكلمات اللعينة
مرة أخرى، أغربي عن وجهي الآن
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
****************************************************
دخلت مادلين مسرعة لتخبر صوفيا أمراً هاماً:
الأم صوفيا، المسلمة تمتنع عن الطعام ورأيتها ستصلي
أصرت صوفيا على أسنانها غيظاً وقالت:
ـــــ تصلي !! ذاهبة إليها فاتبعيني
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
****************************************************
وقفت عائشة للصلاة داعية ربها:
ـــــ ياربي تقبل مني صلاتي وفرج كربي يا ربي . الله
أكبرر
دفعت صوفيا الباب ودخلت كالإعصار وخلفها مادلين، صاحت في
عائشة:
ـــــ انتظري
ـــــ ها! ما الأمر ؟ لِمَ تدخلين الى غرفتي دون استئذان
؟
قالت صوفيا وعيناها تتقدان غليلاً:
ـــــ ماذا ستفعلين ؟
ـــــ سأصلي
ـــــ لمن ؟
ـــــ انا أصلي لله وحده
ـــــ لا صلاة هنا إلا ليسوع
ـــــ لكم دينكم ولي دين . اتركيني من فضلك لأصلي
ـــــ لن تصليي
ـــــ بل سأصلي . ليس لكِ أن تمنعيني عن صلاتي لله
الواحد الأحد
استقبلت عائشة القبلة، وشرعت في الصلاة:
ـــــ الله اكبر
وثبت صوفيا أمامها وأزاحتها عن القبلة وهو تقول باحتداد:
ـــــ قلت لكِ انتظري، لا صلاة في الدير إلا ليسوع
ـــــ بل صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله وحده . يسوع أو
المسيح ليس إلا عبداً لله لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا
استقبلت القبلة غير عابئة بصوفيا وشرعت في الصلاة:
ـــــ الله أكبر
استشاطت صوفيا غضباً وقبضت على ذراعها وقالت بجنون شيطان
أتى من الجحيم:
ـــــ إنتظري، لن تصلي، لا تقولي الله أكبر، الصلاة تكون
ليسوع
أفلتت عائشة ذراعها من قبضة صوفيا بقوة وقالت شامخة
برأسها:
ـــــ لن تمنعيني، أتركي الغرفة إذا كنتِ تكرهين أن ترين
النور أمام عينيك، إذا كان صوت الله أكبر يزلزلكم وتكرهون اصوات مآذننا وتريدون
لإسلامنا أن يقهر، أخرجي من غرفتي واتركيني لصلاتي بين يدي ربي الواحد الأحد
جن جنون صوفيا ونزعت حجابها وهي تزمجر كالنيران، فصرخت
عائشة وحاولت جبذ حجابها من بين يدي صوفيا:
ـــــ اتركي حجابي، فلا تجوز صلاتي إلا بحجابي
ـــــ هاها أريني كيف ستصلي بغير حجاب
ـــــ إتقي الله ولا تحرميني لذة الصلاة بين يدي الله، هاتي حجابي، هاتي حجابي
ـــــ لا حجاب لكِ هنا. سأخرج من الغرفة الآن بعد أن
تأكدت أنك لن تصلي
غادرت صوفيا وهي تقهقه وخلفها مادلين التي استدارت
لعائشة وعلى وجهها ابتسامة متشفية، فابتهجت لبكاء عائشة وغادرت الغرفة وأغلقت
الباب بالأقفال، فبثت عائشة شكواها إلى الله باكية:
ـــــ حسبي الله ونعم الوكيل، ياربي، ماذا أفعل ياربي!
وقفت
صوفيا غير بعيد من الباب، وقالت لمادلين:
ـــــ مادلين، إفتحي عليها الباب وارقبي ماذا تصنع هذه
المسلمة
ـــــ سمعا وطاعة الأم صوفيا
فتحت مادلين ونظرت إلى الداخل، فسألتها صوفيا وقد أسدلت
حاجبيها:
ـــــ ماذا وجدتي يا مادلين؟؟
ـــــ تصلي
اتسعت حدقتا صوفيا وقالت بذهول:
ـــــ كيف! قد نزعت حجابها
ـــــ أخذت ملاءة السرير وطوتها وصنعتها كالحجاب، وغطت
شعرها ووقفت تصلي
زمجرت صوفيا غضباً وقالت وهي تصر على أسنانها:
ـــــ اللعنة!! أريد
إناءاً من ماء مغلي يقرقر من شدة الغليان، هيا
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
بعد قليل
عادت مادلين تحمل إناء من ماء مغلي يفور، وبخاره قد أخفى وجهها عن صوفيا، وقالت:
ـــــ ها هو إناء الماء المغلي، الأم صوفيا. أوه! الأبخرة
المتصاعدة شديدة السخونة، لا اتحمل الأبخرة
أمرتها صوفيا باحتداد:
ـــــ إتبعيني
ـــــ أمرك، الأم صوفيا
دخلت صوفيا إلى غرفة عائشة وخلفها تابعتها تحمل إناء
الماء المغلي، فاتقدت عيناها غليلاً حين رأت عائشة تصلي، قالت وهي تزمجر كالنيران
ـــــ تصلي! سأجعلك تخرجين من صلاتك عندما ترين إناء
الماء المغلي الذي سيشوه وجهك
استدارت بغليلها إلى مادلين وقالت:
ـــــ اعطني إناء الماء المغلي
أخذت الإناء واتجهت إلى عائشة وهي تقول بلهيب غيظها:
ـــــ سأضعه أمامها كي تخاف وتخرج عن صلاتها حين ترى
الابخرة الشديدة السخونة المتصاعدة
وضعت الإناء المتصاعد منه الأبخرة الساخنة، فلم تأبه به
عائشة واستمرت في صلاتها:
ـــــ الله أكبر
اتسعت حدقتا مادلين ذهولاً وقالت لصوفيا:
ـــــ إنها لا تخف أيها القديسة صوفيا. ولا تلقي بالاً
بالإناء المنبعث منه الأبخرة الشديدة السخونة
ـــــ اسكبي الماء على موضع سجودها، وقتها لن تسجد
سكبت مادلين الماء الساخن على موضع سجود عائشة، وعادت
تقف إلى جوار صوفيا ترقب ما يحدث:
سجدت عائشة ولم تبال، فأخذتهما الدهشة، فقالت مادلين:
ـــــ ماهذا! إنها تسجد!! تسجد والارض تحت جبهتها يتصاعد
منها الأبخرة الساخنة
ـــــ ربما برد الماء على الأرض، أو أنها لا تشعر كما
نشعر، اغرقي الارض حولها بالمياه كي لا تصلي، هيا
أسرعت مادلين لتنفذ ما أمرت به صوفيا، وعادت بإناء كبير
وصل الماء إلى حافته، فأراقته في موضع سجود عائشة وقالت لصوفيا وهي ترقب عائشة
المستغرقة في صلاتها:
ـــــ ها هي الأرض تحولت إلى مكان أشبه بالبحيرة،
ومازالت تصلي غير عابئة بملابسها التي بللتها المياه
أصرت صوفيا على أسنانها وقالت بغليل:
ـــــ آآآهٍ أيتها العنيدة!!.....مادلين، إجمعي كل القمامة
وألقيها في موضع سجودها كي تستقذر المكان وتكف عن الصلاة
فرغت عائشة من صلاتها:
ـــــ السلام عليكم رحمة الله ......... السلام عليكم
ورحمة الله
قالت مادلين بغيظ شديد:
ـــــ ها هي فرغت من صلاتها، قبل وضع القمامة أيتها الأم
صوفيا
سبت صوفيا عائشة وحذرتها:
ـــــ أيتها اللعينة. هذه أخر مرة اراكِ تصلين في هذا الدير
وقفت عائشة وقالت بشموخ:
ـــــ آخر مرة سأصلي فيها بالتأكيد سيكون آخر يوم في
حياتي، ولكن طالما ما زلت في عداد الاحياء
فلن أكف عن الصلاة لربي مهما فعلتوا
اتقدت عينا صوفيا غليلاً وأمسكت بناصية عائشة وأمالت
رأسها للخلف وقالت بلهيب أنفاسها المتصاعد على وجه عائشة كالجحيم:
ـــــ تعلمين أني أريد أن أطعنك بألف ألف خنجر أيتها المسلمة
؟
ـــــ أمامك أنا، فافعلي ما شئتِ
ـــــ أريد أن ألهب جسدك بالسياط، ولا يمنعني غير ما في بطنك.
ولكن صبراً، صبراً، صبراً أيتها المسلمة
دفعت برأس عائشة وقالت لمادلين وهي تتجه إلى الباب
مغادرة:
ـــــ هيا يا مادلين
خرجتا، فسمعت عائشة صوت الأقفال والمتاريس، فأجهشت
بالبكاء ودعت رب السماء:
ـــــ يا رب نجني يارب
********************************************
ما أن عادت صوفيا إلى مخدعها حتى تلقت اتصالاً من
دانيال:
ــــ طاب مساؤك يا آبانا
ـــــ مرحبا صوفيا، طاب مساؤك. ماذا عن الحية الرقطاء ؟
ـــــ كما هي حبيسة إلى أن تلد ثم تقتل يا آبانا
قال بلسان أحقاده:
ــــ أسيئي معاملتها، ولا تحسني إليها يا صوفيا
ـــــ هذا مايحدث بالفعل يا آبانا . دع هذه الأمور
للنساء هاها.. أريد أن أسألك عن كيفن، أين هو ؟
ـــــ ذهب لأبيه ليقيم معه
انفجرت صوفيا بالضحك وقالت بنبرة واثقة:
ـــــ ألم أقل لك يا آبانا، عندما تبتعد عنه هذه الحية
سيعود لأحضاننا!! مرحا يا كيفن مرحا هاها
ـــــ لا تفرحي لهذا الحد، فولد أختك ماكر
ـــــ كان ماكر عندما وجدت هذه المرأة في حياته، أما
الآن فقد انكسر واستسلم، وسيستسلم أكثر عندما نرسل اليه ملابسها المغرقة بدماء
الشاة
ـــــ أرسليها على منزل والده بأقصى سرعة يا صوفيا
ـــــ سمعاً وطاعة الآب دانيال
**************************************
قرعت أجراس منزل والد عبدالله ليلاً، فنادى ولده ليفتح:
ـــــ افتح يا كيفن
كان عبدالله يتهيأ للخروج من المنزل، فقال وهو يخرج
مسرعاً من غرفته باتجاه الباب:
ـــــ سأفعل يا أبي قبل أن أخرج للبحث عن وسيلة لإنقاذ زوجتي،آملاً في أن أجدها
فتح الباب فلم يجد أحداً أمامه، وأبصر حقيبة صغيرة
موضوعة إلى جوار الباب، فغضن حاجبيه دهشة وقال:
ـــــ ماهذا!! حقيبة صغيرة موضوعة أمام الباب ! لمن هذه ؟ما هذا! ملصق بها
ورقة مكتوب عليها خاص للسيد كيفن لي انا ! مابها هذه الحقيبة!!
وإذ هو يتفحص الحقيبة، آتاه صوت والده:
ـــــ من يا كيفن ؟
عاد وهو يحمل الحقيبة وقال:
ـــــ لا أدري يا أبي . وجدت حقيبة مكتوبٌ عليها خاص
للسيد كيفن
ـــــ إفتحها يا ولدي وانظر ما بها
ـــــ حسناً يا أبي
فتح الحقيبة فإذ بملابس زوجته مغرقة بالدماء فتحجرت
عيناه ذهولاً، فهال والده ما رأى، فهرع إليه:
ـــــ كيفن، ما بك يا ولدي تمسك بهذه الملابس في ذهول.
ملابس من هذه يا كيفن ؟
ذهل عبد الله عن العالم حوله فلم يسمع صوت والده، اقترب
الوالد يتفحص الملابس التي يحدق بها ولده ذاهلاً:
ـــــ ماهذا! إنها ملابس عليها آثار دماء جافة!! ملابس
من هذه يا كيفن ؟
ـــــ ...........................................................
ـــــ يا ولدي مالك تنظر إلى الملابس في دهشة وذهول بعينين
متحجرتين ولا تجيبني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ما بك يا كيفن. اجبني يا ولدي فقد دب الخوف في
قلبي.
سقط عبدالله على ركبتيه وهو يتشبث بملابس عائشة وقال وهو
يحدق فيها ذاهلاً:
ـــــ ملابس صاحبة الضوء. ملابس صاحبة الضوء . قتلوها يا
أبي، قتلوها، قتلوا صاحبة الضوء، قتلوها ليحيلوا حياتي إلى ظلامٍ وجحيم، لااااااااا
قال الوالد وهو يهز رأسه ذاهلاً:
ـــــــــ كيفن، كيفن، هل قتلوا زوجتك ؟؟ أي قلوب قاسية يملكون هرلاء!! كيف يقتلون إمرأة ضعيفة وقعت في أيديهم غدرا !!
أنا لا أعلم ماذا أقول أو.. أو.. أو ......... أنا لا أدري، فقد توقف عقلي عن
التفكير فيما أقول
أخذ يربت على كتف عبد الله الجاثي على ركبتيه محدقاً في
ملابس زوجته ذاهلاً:
ـــــ قم يا كيفن،
قم يا ولدي، قم توضأ وصلي لربك واطلب منه أن يسكن زوجتك الجنة
نهض عبد الله صارخاً ودموعه تنهمر، وأخذ يهذي كمن أصابت
عقله لوثة:
ـــــ لا،لا يا أبي، لاااا ......... عائشة!! ...قُتلت !!
هههه لالالا، تعال يا أبي، تعال، تعال معي إلى غرفتي لننتظرها في النافذة حتى
تستيقظ وتقوم لصلاة الليل، تعال، تعال يا أبي لأريك أن في الدنيا قلوب مضيئة
بأضواء أقوى من ضوء الشمس، تعال، تعال
سقط عبد الله على الأرض بعد أن خارت قواه، ففزع إليه
والده يستنهضه ويشد من أزره:
ـــــ ولدي، ولدي . إهدأ يا كيفن، إهدأ. إن زوجتك قتلت غدراً، وقتل ولدك بداخلها غدراً، فلا
تضعف، كن قوياً، كن شجاعاً، إنهض يا كيفن، إنهض يا ولدي، لا أحب أن أراك بهذا
الضعف يا كيفن، ضوء القمر لن يختفي، والشمس ستسطع غداً، فاستقبلها رافعاً هامتك
ولا تنكس رأسك استسلاماً لليأس وانكسار الهزيمة، انهض، قم علمني صلاتك لأصلي معك، فأنا على دينك، انهض
قال بصوت حفه الأنين:
ـــــ آآآهٍ يا أبي، آآآآه، أشعر أنني عاجز عن أي شيء...
أشعر أني فقدت كل شيء
ـــــ أفقدت إيمانك بالله الواحد ؟
ــــ لا، بل هو ربي ورب كل شيء
ـــــ إذن فأنت لم تفقد شيء . كفكف دموعك وانهض، إنهض،
ها هي يدي ممدودة فقم يا ولدي وعلمني كيف أسير على دربك
ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله. اللهم انت حسبي
ونعم الوكيل، اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل..... لن أمكث في ألمانيا يا أبي، لن أعيش
في بلدٍ قتلت فيه زوجتي الحبيبة، لن أعيش هنا
ـــــ اختر ما شئت من بقاع الأرض، وأنا معك يا ولدي. كل أموالي
هي ملكك، ولنرحل عن هذه البلاد
نهض عن الأرض وقال بحسم:
ـــــ سأفعل يا أبي، سأفعل
نظر إلى أبيه واستطرد معتذراً:
ـــــ رغم أني
كنت منتظراً للحظة التي تعلن فيها إسلامك لتنعم بتوحيد الله وأهنئك.. ولكن حدث ذلك
وأنا قلبي محزون لقتل زوجتي المسكينة، فسامحني يا أبي
نكس الوالد رأسه حزيناً، ثم قال:
ـــــ بل سامحني أنت يا ولدي، فأنا طالما حاولت تضليلك
وحجب النور عنك عن طريق قساوسة الكنيسة وعلى رأسهم دانيال
استشاط عبد الله غضباً وصاح بكل ما يحمل من كراهية لذاك
القس:
ـــــ دانيال!! اللعنة. لم اكره بشراً على وجه الأرض
مثلما كرهت دانيال، السفاح الذي يدعي سماحة المسيح كذباً، المسيح بريء من أمثال هؤلاء
. اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل
*******************************************
أبلغ محمد زوجته حفصة بخبر مقتل عائشة، فانفجر صراخها
ونحيبها:
ـــــ لا أصدق يا محمد، يا رب، يارب أيكون ما سمعته عن
موت عائشة حلماً مزعجاً وأستيقظ منه لأجدها أمامي! آهٍ يا صديقتي الطيبة، ماذا فعلت لتلقى هذا
المصير القاسي على أيدي الطغاة!!
ـــــ حفصة حبيبتي فلنحتسبها عند الله شهيدة . فقد قتلت
ظلما وكل جريرتها أنها تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله
ـــــ وهل سيضيع حقها هكذا يا محمد ؟؟ هل هي ليست إنسانة
ولها حقوق تؤخذ وقصاص من قاتليها!!
ـــــ ممن سنأخذ الحق يا حفصة؟ ممن؟؟ المسلمون دمائهم رخيصة، أما أحدهم لو أصابته
شوكة فتقوم الدنيا ولا تقعد طلبا لرقبة من أصابه بهذه الشوكة، وحسبنا الله ونعم الوكيل
قالت ودموع أحزانها تنهمر:
ـــــ حسبنا الله ونعم الوكيل.. سأعلن الحداد عليها
ثلاثة أيام
ـــــ حقك يا حبيبتي، أنا أعلم كم كنتِ تحبينها
ـــــ بل لن أعوض بمثلها في حياتي، ولن أجد قلباً كقلبها الطيب يوماً... رحمك
الله يا أختي الحبيبة عائشة، اللهم انتقم ممن ظلمك وقتلك بدمٍ بادر، اللهم عليك
بكل ظالم اللهم آمين
********************************************
دقت أجراس منزل والد عبدالله، ففتح ليجد محمد أمامه:
ـــــ مرحباً يا ولدي
ـــــ السلام عليكم يا عمي
ـــــ وعليكم السلام يا ولدي، تفضل
ـــــ أهنئك على الدخول في الإسلام
ـــــ الحمدلله يا ولدي. أراد الله أن يرحمني وينجيني من
عذاب الآخرة. الحمدلله
ـــــ كيف حال عبد الله اليوم ؟
ـــــ نذهب للمسجد للصلاة ثم يعود لقراءة القرآن أو
الإستماع إليه ولا يتكلم
ـــــ ممممم هل هو مصر على مغادرة ألمانيا ؟
ـــــ بالطبع . ونتخذ الإجراءات لذلك
ـــــ ممم أيمكنني مقابلته ؟
ـــــ ادخل يا ولدي إلى غرفته، فأنت لست غريباً كي تنتظر
بالخارج. أدخل
ـــــ أشكرك يا عمي
****************************************************
دق محمد باب غرفة عبدالله، فـأذن له:
ـــــ ادخل يا محمد
ـــــ هاها السلام عليكم يا عبد الله، كيف عرفت أني محمد!
ـــــ وعليكم السلام يا أخي . سمعت صوتك بالخارج تتحدث
إلى أبي
ـــــ متى ستسافر ؟
ـــــ بعد غدٍ إن شاء الله يا أخي
إلى أين يا أخي ؟
تنهد عبد الله وقال:
ـــــ لا أعرف أين سأستقر حتى الآن . سأسافر أنا وأبي
إلى إيطاليا لبعض الوقت، ولم نحدد أين سيستقر بنا المقام
أسدى محمد إليه نظرة شفيقة وقال:
ـــــ أخي.. أعلم أنك تريد الهروب إلى أي مكان لمجرد
الابتعاد عن هنا
ـــــ لا أستطيع الحياة في ألمانيا وأنا عاجز عن الآخذ
بثأر زوجتي المسكينة التي دفعت دمها ثمناً لدينها
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . سأفتقدك يا أخي عبد
الله.
ـــــ وأنا والله يا أخي . لم أكن أتوقع أن نفترق يا
محمد. كنت أظن أننا لن نفترق إلا بالموت. ولكن هكذا هي الحياة تفرض علينا أحياناً
الإفتراق عمن أحببنا ونتشتت عمن جمعتنا
بهم المحبة والأخوة في الله يوماً.
ـــــ سنظل إخوان في الله إلى أن نلقى الله يا أخي .
عندما يستقر بك المقام في أي مكان بلغني به على الفور وأنا سأسافر إليك، لأنني حقاً
أحبك في الله ولا أحب فراقك يا أخي عبد الله
ـــــ بارك الله فيك يا أخي. أنت نعم الأخ والصديق يا
محمد
ـــــ جزاك الله خيراً يا أخي
دق جرس هاتف عبد الله، فنظر به، فبدى الابتئاس على وجهه،
فأغلقه ووضعه جانباً، فسأله محمد مندهشاً:
ـــــ ماهذا! لِمَ أغلقت الهاتف؟؟
ـــــ إنه والد عائشة
ـــــ يا أخي ولِمَ لم تجبه ؟
صاح عبد الله غاضباً:
ـــــ ماذا أقول له! ماذا أقول! أقول ضيعت ابنتك. أقول
زوجتي خطفت وقتلت ووقفت عاجزاً عن الدفاع عنها!! ماذا أقول يا أخي!!
تنهد محمد وقال وهو يهز رأسه بأسى:
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله . موقف عصيب جداً ....
ومتى سيأتيان من العمرة ؟
ـــــ غداً إن شاء الله
ـــــ وستقابلهم ؟
ـــــ .... أشعر بالضعف والخزي ولا أستطيع . أنا أضعف من
مواجهتهم، أنا ضعيف، ضعيف
ـــــ يا أخي أنت لا ذنب لك، فلا تحمل نفسك ما لا تطيق
ـــــ وهي ........ وهي ما ذنبها يا محمد !!!
ـــــ هي ذهبت إلى عالم أفضل من عالمنا، ونسأل الله أن
يدخلها فسيح جناته ويعوضك عنها خيرا . قل اللهم أأجرني في مصيبتي واخلفني خيراً
منها
ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله . كن عوني يا ربي
فأنا ضعيف وليس لي حول ولا قوة إلا بك
***************************************************
أصاب والدة عائشة نوبة من الجنون والهذيان حين عادت إلى
أمانيا ونما إليهما الخبر:
ـــــ لا تقل ذلك، لا تقل ذلك يا سالم، لا،لا، ابنتي على
قيد الحياة، عائشة ستطرق الباب متبسمة،
حاملة رضيعها، وقتها سأضمها إلى صدري بكل لهفتي وشوقي وأقول اشتقت إليك يا أم عمر،
لا تقل ابنتي قتلت يا سالم، كف عن هذا الحديث المقيت. قلب الأم لا يكذب يا سالم، ابنتي
على قيد الحياة، أجيبي أباكِ يا عائشة، أبوكِ يبكيكِ بحرقة ولا يصدق قلب أمك، أجيبي
أباكِ يا عائشة
قال وعبرات حرقته على ابنته تسيل:
ـــــ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله . هوني على نفسك
يا مريم . لله ما أعطى ولله ما أخذ فلنصبر ولنحتسب. أنتِ مؤمنة يا حبيبتي وهذا قدر
الله . أما أنا فلن أترك حق ابنتي، وسأصعد الموضوع لأعلى المستويات، أنا أستاذ
للقانون الدولي وابنتي قتلت غدراً في بلاد غير بلادها وسأقاضيهم دولياً
ـــــ ههه تقاضيهم دوليا!! أتصدق بحماية المسلمين يا
زوجي الحبيب!!. لا حقوق لنا لديهم، فهم يتشدقون بحماية حقوق الإنسان ولكنهم لا
يحمون إلا غير المسلمين، أما المسلمين فلا يعتبروهم بشر ولهم حقوق . كم من الدماء
تسفك في بلاد المسلمين وكم من الاعراض والحرمات تنتهك ولا تهتز قلوب هؤلاء. تراهم
فقط ينتفضون عندما يمس أحد رعاياهم من غير المسلمين . دعك من هذا فابنتي بفضل الله
على قد الحياة فابتسم هاها وكأني أراها يا سالم تحمل عمر وتداعبه هاها كم هو جميل،
جميل هاها حمداً لله على سلامتك يا أم عمر هاها حمداً لله على سلامتك يا قرة عيني
يا حبيبة أمها هاها
نظر إليه بشفقة وقال وهو يضرب كفاً بكف حزناً على عقلها
الذي أذهبه الحزن:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله. مريم، قومي حبيبتي
لتستريحي
ـــــ هاها استريح ! لالالالالا سأنتظر عائشة وعمر وعبد
الله أيضاً هاها سيأتون جميعاً يا سالم فانتظر
ـــــ يا إلهي!! . لا أدري ماذا افعل لمريم التي طاش
عقلها ولا تصدق بموت ابنتها وولدها . يجب ان اعرضها على طبيب نفسي . لن اتركها
هكذا . اللهم لا حول ولا قوة الا بك . آآآهٍ يا عائشة يا ابنتي، يامن كنتِ فرحة
حياتي وحياة أمك . اللهم ارحم ابنتي وتقبلها في الشهداء واسكنها فسيح جناتك....
سأهاتف الشيخ عبد الهادي ليرسل زوجته لتجلس إلى مريم، ربما خففت من معاناتها
ومرارة فقدانها لابنتها. لا إله إلا الله
سمع الدكتور سالم دقات جرس الباب، ذهب ليفتح، فوجد عبد
الله أمامه:
ـــــ مرحباً يا ولدي، تفضل
ـــــ السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام، تفضل بالجلوس هنا
جلس عبد الله منكساً رأسه، وخيم الصمت على المكان هنيهة،
ثم قال عبدالله:
ـــــ والله لا ادري ماذا أقول ... أشعر وكأنني من ضيعت
عائشة بزواجي منها . ليتني ما تزوجتها حتى لا تلقى هذا المصير القاسي
ـــــ لا يا ولدي . لكل منا أجل، ونحن مؤمنون بأن كل شيء
بقدر الله . الحمدلله على كل حال . قلبي محزون على فراق ابنتي الوحيدة ولكن لا أقول
غير إنا لله وإنا إليه راجعون
هز عبدالله رأسه صامتاً، ثم سأل:
ـــــ أين أمي مريم ؟
دخلت عليه ضاحكة:
ـــــ هأنذا قد أتيت يا عبد الله هاها مرحباً يا أبا عمر
وقف ينظر إليها باندهاش وقال:
ـــــ أبا عمر!!
تنهد الدكتور سالم وأجلسه وقال بنبرة حزنى:
ـــــ إنها يا ولدي لا تصدق بموت عائشة، لذا فهي تحيا
على وهم كبير يجعلها تتخيل أن ابنتها ستأتي إليها حاملة ولدها
قهقهت كمن فقدت عقلها وقالت لعبدالله:
ـــــ قل له يا عبد الله أنني لست مجنونة.
هرعت إلى عبد الله تجذبه من ذراعه وتأمره باحتداد:
ـــــ زوجتك على
قيد الحياة يا عبد الله، فانهض وأتي بزوجتك، قم ولا تجلس جلسة من لا حيلة له وأتي بزوجتك،
قم ولا تعد إلى هنا إلا ومعك عمر وعائشة
ضاق صدره بما سمع، فصاح معذباً:
ـــــ لا تعذبيني، كلماتك كالسهام. أنا لا أحتمل. أنا
منصرف عن المكان
انتفض عن مقعده وانطلق صوب الباب، فأسرع خلفه الدكتور
سالم يناديه:
ـــــ انتظر يا عبد الله، انتظر فهي مريضة فتحملها، لا
حول ولا قوة الا بالله
************************************
أتى يوم الرحيل عن ألمانيا، فذهب عبدالله إلى صديقه محمد
ليودعه:
ـــــ استودعك الله يا محمد
ـــــ نويت على الرحيل يا أخي ؟
ـــــ وجئت لأودعك يا أخي
عانقه محمد وقال وهو يحبس عبراته:
ـــــ في رعاية الله يا عبد الله
ـــــ السلام عليكم
ـــــ وعليكم السلام يا أخي، ولا تنس مهاتفتي كي أطمئن
عليك حين تصل إلى إيطاليا
ـــــ إن شاء الله يا أخي
*****************************************
علمت صوفيا بسفر عبد الله بعد تيقنه من موت زوجته،
فانفجرت ضاحكة ونادت مادلين:
مادلين، أحضري المسلمة الخبيثة هذه من محبسها
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
دخلت مادلين على حين غرة، فوجدت عائشة جالسة في موضع
صلاتها تسبح، فنادتها باحتداد:
ـــــ أنتِ، بماذا تتمتمين بعدما فرغتِ من صلاتك!!
ـــــ ماهذا!! . لِمَ لا تحترمون خصوصيتي وتطرقون الباب
قبل فتحه ؟
ـــــ هيا، الأم صوفيا في انتظارك
ـــــ دعوني وشأني. أنا مجهدة ومتعبة ولا طاقة لي
بالحديث مع أحد
ـــــ هذا لأنك لا تأكلين ولا تشربين إلا شربة ماء، معتقدة
بذلك أننا سنعفوا عنكِ ونطلق سراحك يا مسكينة هاها،
أنهضتها مادلين بقسوة وقالت باحتداد:
ـــــ هيا،
أطيعي الأمر، فالأم صوفيا عندما تأمر فعلى الجميع السمع والطاعة
طفرت عبرات عائشة وقالت:
ـــــ كنت معززة مكرمة بين أهلي فأهنتموني
ـــــ مثلك لا تعامل إلا بهذه الطريقة، هيا
**************************************************
أوقفتها في حضرة صوفيا وقالت:
ـــــ الأم صوفيا. ها هي المسلمة
أومأت لها صوفيا بالانصراف، وقالت لعائشة:
ـــــ اجلسي، فلي معك حديث
لم تمتثل عائشة لأمرها وظلت واقفة وقالت بحنق:
ـــــ ماذا تريدين مني ؟
ـــــ هاها أبلغنا زوجك وأهلك بقتلك.. وأنت الآن وما تحملينه في أحشائك في عداد الأموات
أجهشت عائشة بالبكاء وسألتها:
ـــــ وماذا فعلت أمي؟ ماذا فعل أبي؟ وعبدالله كيف
استقبل الخبر
انتفخت أوداج صوفيا غضباً وانتفضت عن مقعدها تبرق وترعد:
ـــــ اسمعي يا هذه، إياكِ أن تسمي كيفن ابن أختي
الراحلة نيكولا المسيحية الصالحة بعبد الله مرة أخرى. إبن أختي مسيحي، وسيظل مسيحي،
هو كيفن ماكس توماس. أما عبد الله الذي تتحدثين عنه فلا وجود له إلا في عقلك المريض
تعالى نشيج عائشة وسألتها وقد اتسعت حدقاتها:
ـــــ هل ارتد عبد الله ؟؟
ـــــ بل عاد إلى الدين الحق، دين يسوع
ـــــ بل إن الحق هو الإسلام الذي يوحد الله
اندفعت صوفيا صوبها بغليلها وأخذت تهز كتفيها بقسوة
وتقول بإصرار:
ـــــ إنهم ثلاثة، وليس إلها واحداً، إنتهي عما تقولين
أطاحت عائشة بيديها وصاحت بيقين:
ـــــ بل انتهوا أنتم، بأمر الله انتهوا أنتم، يقول لكم
الله في عليائه انتهوا، اسمعي قول الله وأفيقي
أنتِ
بسم الله الرحمن الرحيم
(لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله
إلا إله واحد، وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب إليم)
قهقهت صوفيا وقالت:
ـــــ مهماً
قلتِ وافتريتِ فهم ثلاثة.
طفقت صوفيا تدور حولها بخطوات متأنية عاقدة ذراعيها خلف
ظهرها تتفكر في أمر ما، ثم وقفت قبالتها تقول وعيناها تلمعان بالمكر:
ـــــ دعيني أعقد
معك صفقة رابحة يا هذه
ـــــ لا حاجة لك بصفقاتكم، دعيني أرجع إلى غرفتي
ـــــ انتظري
ـــــ ماذا تريدين مني ؟
ـــــ ممممم قلت لكِ أريد أن أعقد معك صفقة رابحة
ـــــ وأنا قلت لا حاجة لي بصفقاتكم
همت عائشة بالمغادرة، فنادتها صوفيا باحتداد:
ـــــ إسمعي، إسمعي أيتها المسلمة الناكرة للثالوث
زفرت عائشة وقالت:
ـــــ هاتي ما عندك
ـــــ عندي استعداد أن أعف عنكِ وأن أردك إلى أحضان زوجك، وتلدين ولدك بين
أهلك، وتعودين إلى السعادة التي انتزعناكِ منها
ـــــ والمقابل؟؟
ـــــ ان تسجدي ليسوع، أن تعترفي بالثالوث
ثهقهت عائشة ساخرة، فاستشاطت الراهبة غضباً:
ـــــ أتضحكين ساخرة أيتها الكافرة
ـــــ أستأذنك في الإنصراف
ـــــ إنتظري
ـــــ ما الأمر ؟
ـــــ قلت لكِ سأعيدك إلى أحضان زوجك معززة مكرمة، وتعود
إليكِ السعادة. إعقلي الأمر. ألم تشتاقي إلى أحضان زوجك ؟؟ ألم تتوقي لضمة صدر أمك؟
ألا تحبين أن تلدي ولدك بعيداً عن الدير وتنقذي نفسك من القتل؟
ـــــ ومن قال لكِ أن أحضان زوجي أغلى من ديني؟ من قال
لكِ أن أهلي أعز من إسلامي؟ من قال لكِ أن حياتي تساوي شيئاً بغير توحيدي؟...
سأبذل روحي فداءاً للا إله إلا الله محمدا رسول الله، فوالله لأن اُقتل على لا إله
إلا الله خيرٌ عندي من الحياة مع زوجي وولدي على عقيدة فاسدة تغضب الله، أعلنها
لكِ أيتها الراهبة ملء الأسماع، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً
رسول الله
حدجتها صوفيا بنظرة حقد ملتهبة وأشاحت عنها بوجهها تنادي
تابعتها:
ـــــ مادلين
ـــــ سمعاً وطاعة، الأم صوفيا
أسدت صوفيا نظرة احتقار إلى عائشة وقالت لمادلين:
ـــــ خذي هذه الحشرة من أمامي
ـــــ تعالي، تعالي فقد كدرتِ صفو الأم صوفيا، أيتها
الخبيثة، تعالي
*********************************************
في صباح اليوم التالي، ألفت مانويلا إحدى الراهبات تخرج
من غرفة عائشة بالطعام الذي امتنعت عنه، فنادتها:
ـــــ أنجيلا، أراكِ عائدة بالطعام من غرفة عائشة .
أرفضت الطعام أيضاً هذه المرة ؟
ـــــ هي تحيا على الماء ولا تريد أن تأكل شيئا
ـــــ مممممم من فضلك أعطني هذا الطعام وسأدخل إليها
ـــــ هاها انتِ ! أتظنين أنها ستأكل عندما تدخلين إليها
أنتِ!! هاها أنتِ تعلمين كم تكرهك المسلمة
ـــــ أعطني الطعام أنجيلا
ـــــ هه ها هو
ـــــ أشكرك
حملت مانويلا الطعام واتجهت إلى غرفة عائشة..قبل أن تفتح
الأقفال، دقت الباب برفق، فردت عائشة:
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ أنا يا عائشة
عرفت من نبرة الصوت أنها مانويلا، فردت بنبرة غاضبة:
ـــــ غادري المكان ولا تفتحي غرفتي، فلا أريد أن أراكِ
ـــــ مممم ستضطريني أن أدخل عنوة، رغم أني لا أحب ذلك
فتحت الباب ودخلت متبسمة وحيت عائشة:
ـــــ صباح الخير يا عائشة
أشاحت عائشة بوجهها ولم ترد، فطفرت عبرات مانويلا، اتجهت
إلى الطاولة ووضعت الطعام، ثم اقتربت من عائشة وجلست إلى جوارها على الفراش، وقالت
بدموع ندم حارقة:
ـــــ أعلم أنك تجدين في نفسك مني، وأنتِ على حق ... سامحيني
يا عائشة وكفاني ما ألقاه من تمزيق قلبي كلما رأيتك مهانة هكذا بعدما كنتِ درة
بيتك وتاج رأس زوجك... سامحيني يا أختي. أستحلفك بربك أن تسامحيني، فأنا أعلم كم
تحبين ربك
ـــــ ماذا تريدين مني ؟
ـــــ هه أريدك أن تأكلي هذا الطعام
ـــــ لن آكل. إنصرفي عني
ـــــ لأجلي يا عائشة. ممممم أعلم أني لا أساوي عندك شيء
. تناولي الطعام شفقة بصغيرك يا حبيبتي
ردت عائشة باحتداد:
ـــــ صغيري ! صغيري الذي تنتظرون ميلاده لتنصروه ؟
ـــــ حبيبتي، لا أحد يعلم ما تخبئه الأقدار، فرفقاً بنفسك وارحمي صغيرك، فهو بحاجة
إلى الطعام... وأعدك أن لا أدخر جهداً في مساعدتك، وإن كانت رقبتي هي الثمن
ـــــ .................................................!!!!
ـــــ لا تنظرين إليّ في دهشة هكذا يا حبيبة . وحق الرب
الذي في السماء أنا أحبك يا عائشة. أعلم أنني آذيتك إيذاءاً لا طاقة لكِ به، ولكنك
مؤمنة صابرة، فاعتبريه بلاء وادعي الله في صلواتك المخلصة أن يرفعه.
نظرت عائشة إلى السماء ونادت بقلب منفطر:
ـــــ يارب، يارب، يارب
التقطت مانويلا صينية الطعام من على الطاولة، ووضعتها
على الفراش وقالت باسمة:
ـــــ ستتناولين الطعام ؟
ـــــ .............................................
ـــــ هاها ستضطريني أن أطعمك رغماً عنكِ، هأنذا سأفعل
حاولت زج لقمة من فم عائشة، فتبسمت عائشة، فانفرجت
أسارير مانويلا وقالت:
ـــــ أشكر الرب على بسمتك الجميلة هذه وسط من تلقيه من
عذاب وآلام. هيا حبيبتي اشربي هذا الكأس من اللبن
ـــــ هاتي يا زين........ أقصد مانويلا
ـــــ هاها كنتِ ستقولين زينب
ـــــ لم أعرفك إلا بزينب
طأطأت مانويلا رأسها خجلاً وقالت:
لا تلهبيني بسياط كلامك يا حبيبة.
رفعت رأسها وحاولت رسم البسمة على وجه عائشة وتذكرها
أنها من كانت توقظها لصلاة الفجر مدة مكوثها لديها:
ـــــ مممم قولي لي من يوقظك لصلاة الفجر الآن ؟ هاها
ـــــ أنا لا أنام من الأساس والحمدلله . ما تغفل عيني إلا قليلاً من فرط
قلقي وشدة عذابي مما أنا فيه
خفضت مانويلا بصرها خزياً، ثم ابتسمت وقالت:
ـــــ إشربي حبيبتي، أكملي الكأس
ـــــ لا أستطيع أكثر من ذلك
ـــــ لالالا ههه ستكمليه هيا، لا ترهقيني كالصغار يا
عائشة
ـــــ حسناً ، سأكمله ................ الحمدلله
ـــــ كلي هذا الخبز وهذا العسل يا أختي
ـــــ لا أريد
قربت الطعام من فمها وقالت بإلحاح:
ـــــ لالالا ستأكلين، هيا، هيا يا عائشة
ـــــ سأفعل لأتخلص من إلحاحك، وتخرجي وتتركيني
ـــــ ههه ألهذه الدرجة أنا مزعجة ؟
ـــــ هه سامحك الله وسامحني وسامح الجميع يا مانويلا
ـــــ ما رأيك يا عائشة أن تخرجي معي إلى حديقة الدير،
نستنشق بعض الهواء النقي، عندما تخرج الأم صوفيا ، فهي ستخرج بعد قليل من الدير
ولن تعود إلا بعد ساعات
ـــــ لا أريد
ـــــ هاها لا، بل ستخرجين معي إلى الحديقة. فأنا أريد
أن أتحدث إليك طويلاً، وأريد أيضاً لكِ أن تخرجي من هذه الغرفة الكئيبة
ـــــ حسناً. سأتوضأ وأصلي الضحى، ثم أخرج معك إلى حديقة
الدير، فقد مللت من حبستي
ـــــ هاها أشكرك. سأتركك الآن وأعود إليكِ بعد قليل
لأصطحبك بعد الفروغ من صلاتك
ـــــ إن شاء الله
**************************************************
أثناء خروجهما من الغرفة، ألفتهما مادلين تابعة صوفيا،
فسألت مانويلا بتجهم:
ـــــ إلى أين يا مانويلا أنتِ والمسلمة؟
ـــــ خارجين إلى حديقة الدير يا مادلين
ـــــ غير مسموح أن تغادر هذه المسلمة غرفتها إلا بإذن
الأم صوفيا
قالت عائشة:
ـــــ حسناً، سأعود إلى غرفتي
أمسكت مادلين بذراع عائشة وقالت:
ـــــ إنتظري يا عائشة، انتظري... دعينا يا مادلين فأنا أريد أن أخفف عنها عناء
محبسها
ـــــ هاها يا ذات القلب الحنون انتِ!! دعيها تعود إلى
غرفتها ولا تعرضي نفسك لعقاب الأم صوفيا
ـــــ علامَ تعاقبني! قلت سنخرج إلى الحديقة لبعض الوقت فعلامَ
العقاب!!
قالت عائشة لمانويلا:
ـــــ اتركيني، مانويلا أعود إلى غرفتي وتجنبِ العقاب. أستأذنك
تأففت مانويلا وقالت بحسم:
ـــــ انتظري يا عائشة... مادلين، أنا خارجة إلى الحديقة
وعائشة ستأتي معي، فهي ليست سجينة
ـــــ عنيدة أنتِ مانويلا، ويبدو أنك ستعاقبين من الأم صوفيا
ـــــ مستعدة للعقاب. هيا يا عائشة
ـــــ هيا
**************************************************
حين خرجت
عائشة إلى نسيم الصباح والشمس المشرقة، انتشت روحها وقالت:
ـــــ يا الله !! منذ عدة أيام لم أر الضوء
اصطحبتها مانويلا إلى مقعد تظله شجرة كبيرة وقالت:
ـــــ إجلسي ها هنا يا عائشة على هذا المقعد، وسأجلس إلى
جوارك
ـــــ حسناً
ـــــ هاها ما رأيك في حديقة الدير ؟
ـــــ تقصدين حديقة السجن
ـــــ هه أتعلمين يا عائشة، ربما تكون السجون بأسوارها
العالية أرحم كثيراً من الحياة وسط العابثون واللاهون . جئت إلى الدير هاربة من
حياتي بأسرها، وتركت أهلي طواعية حتى لا تتحكم فيّ شهوات وغرائز الرجال
تبدى الاندهاش على ملامح عائشة وقالت:
ـــــ ماهذا! وما دخل أهلك بالشهوات والغرائز! أنتِ وسط أهلك
تكونين في أمان بعيداً عن عبث العابثين
ـــــ هاها هذا عندكم في الشرق يا عائشة، أما حياة الغرب
فتختلف كثيراً . أنا بنت وحيدة ولي أخوين أكبر مني . أبي تركنا صغاراً ولا نعلم
مكانه حتى الآن، وأمي ماتت وأنا في الثالثة عشر من عمري، كان اخواي بالجامعة... إعتدت أن أرى كل منهم
يصطحب صديقته إلى غرفته ويفعل بها ما يشاء . لم أكن أعلم ذلك . كنت أظن أنهم
يذاكرون دروسهم... وذات مرة احتجت أخي في أمر وحاولت أن أناديه فلم يسمعني، ففتحت
الباب فجأة، فرأيت منظر اقشعر له بدني، وانتفض هو ومن معه، فأغلقت الباب وأسرعت
إلى غرفتي أبكي من هول ما شاهدت.....ولكنني اعتدت أن أرى هذه الأشياء ولكن كرهتها جداً..
كنت أشعر أنها إهانة للمرأة وإنها أرقى من أن يفعل بها هذا من قبل رجل ليس بزوجٍ
لها. وانطويت على نفسي وانكببت على مذاكرتي ولم يكن لي أصدقاء من الرجال أو من
النساء أيضاً . وذات مرة اصطحب أحد اخوي صديق له إلى منزلنا، ودق جرس الباب فذهب
وفتحت، ورأني هذا الشاب ونظر إليّ نظرات حيوانية، فأسرعت إلى غرفتي وأغلقت الباب ..فإذ
به بعد قليل يفتح باب غرفتي ويدخل ويطريني بكلمات إعجاب ويطلب مني أن نكون أصدقاء،
وكتب في ورقة عنوان منزله وأعطاني إياها، فمزقتها وألقيت بها في وجهه وطردته من
غرفتي، فاتهمني بالجنون.
تبدت حمرة الغضب على وجه عائشة وقالت:
ـــــ ما هذا!! وأين أخاكِ؟ وكيف يسمح له بذلك ؟
ـــــ هاها بل أن أخي عنفني لأنني أهنت صديقه وطردته من
غرفتي
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . كيف يكون ذلك! أين النخوة!!
ـــــ هاها قلت لكِ لا تتعجبي فهذه هي حياة الغرب
تنهدت مانويلا بعمق واستطردت:
ـــــ شعرت وقتئذ أنني لا أرغب في الحياة مع الناس،
وأرغب في العزلة والحياة الهادئة، لذا فقررت دخول الدير إلى الأبد
سألت عائشة سؤال تعرف إجابته مسبقاً:
ـــــ مممم ولكن هل حقاً حياة الدير آمنة على أعراض
النساء ؟
ـــــ هاها أفهم ما تقصدين من تجاوزات بعض القساوسة
والرهبان وهتك أعراض الراهبات. بل أن الكثيرات من الراهبات أرسلن العديد والعديد
من الشكاوى إلى بابا الفاتيكان يستنجدون به من الممارسات الجنسية الفاضحة التي
يرتكبها بعض القساوسة مع الراهبات
ـــــ وماذا كان رد بابا الفاتيكان؟
ـــــ هاها قال إنها مجرد حالات شاذة ولا يجب تعميمها،
وتم التعتيم على الأمر وما زالت الانتهاكات مستمرة
ـــــ مممممم وهل ...... هل ...... أأأأأ
ـــــ هاها اعلم ما تريدين أن تقولي يا عائشة . الدير
هنا تديره الأم صوفيا بأيدي من حديد ولا تسمح بدخول الرهبان الرجال إليه. وهذه هي
ميزتها الوحيدة التي أتحملها من أجلها هاها كما أنها تعلم كم أكره هذه الأمور وقد
حدثتها بقصتي خارج الدير ولِمَ لجأت إليه . لن تجدي ديراً لا تنتهك فيه الحرمات
إلا هنا.... ذات مرة قبل وفاة أمي أغضبتها وأهنتها إهانات شديدة وشعرت أنني مجرمة
ومذنبة لذا فذهبت إلى أب الإعتراف لأعترف بخطيئتي ليطهرني بوصفه ممثلاً للرب
ويتوسط في الصفح عن البشر، وعندما دخلت إليه وأغلق الباب وجلست لأعترف لاحظت طوال
الوقت أنه ينظر إليّ نظرة رجل يشتهي امرأة وليس نظرة رجل دين أو أب اعتراف يتلقى اعترافات
المذنبين، تجاهلت الأمر وقلت في نفسي ربما أنا أبالغ في تفسير نظراته، حتى حاول
الإقتراب مني وعندما هم بأن يلمسني ضربت يده بعنف وجريت إلى الباب وخرجت مسرعة ، لا
أدري كيف وصلت إلى المنزل من شدة الذهول والجري وجسدي كان يرتعد
ـــــ لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا أعرف كيف يثق الناس
في آباء الاعتراف ويجلسون نسائهم وبناتهم معهم ليعترفن!!! كيف لا يفكرون أنه رجل
بشري من لحم ودم وله شهوة كسائر البشر!!!.. من عظمة الإسلام أنه يمنع انفراد الرجل
بالمرأة وإن كان عالماً من علماء الدين. كما أن الله في عليائه لم يجعل وسطاء بينه
وبين خلقه، فنحن يكفينا لنتطهر من الخطايا أن نطلب التوبة والصفح من الله مباشرة
دون وسيط نفتضح أمامه ونكشف سوءاتنا وسوء أعمالنا. الحمدلله أن جعلنا مسلمين
جال سؤال بخاطر مانويلا، فقالت:
ـــــ ممممم ولكن أريد أن أسألك سؤالاً يا عائشة
ـــــ تفضلي
ـــــ حقا لا يوجد ثالوث ؟ هل هو إله واحد كما تقولون يا
معاشر المسلمين ؟
ـــــ حقا لا إله إلا الله
ـــــ ما دليلك ؟ لِمَ لا يكون حقا هناك ثالوثا ؟
ـــــ سأجيبك من أناجيلكم
غضنت مانويلا حاجبيها في دهشة وقالت:
ـــــ ماذا!! هل في الأناجيل إثبات بوجود إله واحد ؟
ـــــ النصارى يستندون في إثبات فكرة الثالوث إلى هذه
الكلمات المنسوبة إلى المسيح من إنجيل متى
الإصحاح 28 العدد 19
(فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم بإسم الآب والإبن والروح
القدس )
ـــــ بالفعل يا عائشة فنحن تأكدنا من وجود الثالوث من
هذه الكلمات
ـــــ إذن فاستمعي أولا إلى رأي علماء الغرب وليس كلامنا
كمسلمين . يقول أدولف هرنك صيغة التثليث هذه التي تتكلم عن الآب والإبن والروح
القدس غريب ذكرها على لسان المسيح ولم تكن موجودة في عصر الرسل .....أريد أن اسألك
سؤالا يا مانويلا
ـــــ تفضلي
ـــــ هذه الكلمات إلى من وجهها المسيح
ـــــ إلى الحواريين بالطبع يا عائشة
ـــــ إذن فهو أمرهم أن ينتشروا في الأرض ويعمدوا الناس
بإسم الثالوث، أليس كذلك ؟
ـــــ بالطبع هو كذلك
ـــــ ما رأيك أن هناك شهادة تاريخية تعود إلى القرن
الثاني تنفي هذا النص المنسوب إلى المسيح
ـــــ كيف ذلك !! اسمعيني إياها
ـــــ يقول المؤرخ أبولونيوس أني تسلمت من الأقدمين أن
المسيح عليه السلام قبل صعوده إلى السماء قد أوصى الحواريين بألا يبتعدوا عن
أورشليم كثيرا لمدة اثنى عشر سنة . وبالطبع هذا الكلام ينافي ما ذُكر في انجيل متى
وأمر المسيح للحواريين بتعميد الناس بإسم الثالوث
لوت مانويلا شفتها وهزت كتفيها قائلة:
ـــــ ممم مجرد أراء. لا أقتنع إلا بدليل
ـــــ يا مانويلا ، إذا افترضنا أن الكلمات صحيحة وقد
أمر المسيح أتباعه بتعميد الناس بإسم الآب والإبن والروح القدس ,وأنتم تقولون أن
هم روح واحدة والأسماء فقط هي المتغيرة. تقولون أن الإبن والآب متصلان وهم
روح واحدة، أليس كذلك ؟
ـــــ أجل نقول ذلك
ـــــ ما رأيك أن واو العطف تفيد المغايرة. أي أن كل
منهم غير الآخر تماماً، ليس الآب هو الآبن ولا الروح القدس، المقصود بالآب هو الله
الواحد وتعالى الله عما يصفون، فليس له
إبن، سبحانه تنزه عن الولد..المقصود بالإبن هو المسيح عليه السلام وهو رسول من عند
الله وليس إبناً ... المقصود بالروح القدس هو جبريل عليه السلام وهو الوحي الذي
يرسله الله على الرسل ومن بينهم عيسى المسيح الذي تلقبونه بيسوع
لوت مانويلا شفتها وهزت كتفيها إيماءاً عن عدم الاقتناع،
فأردفت عائشة:
ـــــ سأثبت لكِ من الإنجيل كلمات جاءت على لسان المسيح
تثبت أنه ينفي عن نفسه صفة الربوبية ويفردها لله وحده
ـــــ كيف ؟؟
ـــــ اسمعي مانويلا..هذه كلمات المسيح من إنجيل يوحنا (
هذه الأعمال التي أنا أعملها بإسم أبي هي
تشهد لي )...إذن يا مانويلا لو تحققتِ من الكلمات ستجدي أن المسيح ينفي عن نفسه
صفة الربوبية والقدرة فهو يعملها بإسم الله وبإذنه . فقط هداكم الله يا نصارى
احذفوا كلمة أبي وضعوا بدلاً منها (الله ) فلتكن ( هذه الأعمال التي أنا أعملها بإسم الله هي تشهد لي )
بلغ بمانويلا الشغف ذروته فقالت:
ـــــ أكملي يا عائشة، أكملي
أسمعك هذه الكلمات من إنجيل يوحنا
( أنا قد أتيت بإسم أبي ولستم تقبلوا مني ، إن أتى آخر بإسم نفسه
فذلك تقبلونه ,كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجد بعضكم من بعض والمجد الذي من
الإله الواحد لستم تطلبونه)
وتفسيري المتواضع لهذه الكلمات يا مانويلا والذي استند
فيه لأراء العلماء..أن المسيح يقول لماذا لا تقبلون مني إذا قلت أني أعمل كل شيء بإسم الله الواحد ، أنتم
لا تقبلون مني إلا إذا نسبت الأعمال إلى نفسي أما أن أنسبها لله الواحد ممجداً
إياه فأنتم ترفضون ولا تقبلون ذلك ... وكأنه والله يلوم النصارى أنهم يمجدونه من
دون الله وهو مثلهم من البشر، وينسبون له المعجزات من دون الله . وأنهم يرفضون أن
يعبدوا الله وحده ويشركون به البشر، لا
إله إلا الله
نفذت الأدلة إلى عقل مانويلا واطمئن لها قلبها، فطفرت
عبراتها وقالت:
كلماتك مقنعة جداً يا عائشة. حقاً أنا كنت أشك في الثالوث،
ولكن للأسف لم أفكر لأنني كنت على يقين أني لن أجد الإجابة عند من حولي وسيتهمونني
بالكفر
ـــــ إشهدي أن لا إله إلا الله يا مانويلا . لن يغني
عنكِ الثالوث شيئا. إنما هو إله واحد لا شريك له
ـــــ سأعلنها في حينها يا عائشة ,هيا لنقوم قبل أن تأتي
الأم صوفيا هاها
ـــــ هيا يا مانويلا، فلا داعي للجلوس أكثر من ذلك
*************************************
عادت
صوفيا إلى الدير، فهرعت مادلين لتخبرها بما فعلت مانويلا:
ـــــ الأم صوفيا، مانويلا اصطحبت المسلمة في غيابك
وخرجت بها إلى حديقة الدير
استشاطت صوفيا غضباً وصاحت:
ـــــ كيف تفعل ذلك دون إذني!!
ـــــ تعلمين أنها عنيدة، ولم أستطع إرجاعها عما تريد،
وخرجت رغماً عني، غير عابئة بتهديدي لها بعقابك إياها
ازدادت صوفيا غضباً فتوعدت مانويلا:
ـــــ أهكذا!! تباً لها ما نويلا هذه. فقط أفرغ من قتل المسلمة وبعدها دورها قادم. إنصرفي يا مادلين
ـــــ أمرك الأم صوفيا حبيبة القديسين
*******************************
مر شهرين منذ أعلن خبر مقتل عائشة، وما زالت والدتها على
حال اللوثة التي أصابت عقلها، تخال عائشة أمامها تحمل صغيرها فتقهقه كمن طاش عقلها
وتسرد على مسامع زوجها ما تراه، فيزداد شفقة عليها وتفيض عيناه بالعبرات...هذه
المرة ربت على كتفها وقال بلطف:
ـــــ مريم حبيبتي
ـــــ ما الأمر يا سالم ؟
ـــــ حبيبتي أنا أشعر بكِ وأعلم أنكِ تحاولين فصل نفسك
عن الحقيقة، وهذا ما يخيفني عليكِ
قهقهت بجنون وقالت:
ـــــ أي حقيقة ! أي حقيقة يا سالم هاها ابنتي على قيد
الحياة وستعود إلى أحضان أمها قريباً هاها إن شاء الله ستعود عائشة وتطرق الباب
وهي تحمل عمر وخلفها عبد الله وهو مبتسمين جميعاً هاها وكأني أراهم الآن هههه ادخلي
يا عائشة، تعالي يا حبيبتي هاها مرحباً بعمر حبيبي الصغير الجميل، كم اشتقت اليك
يا قطعة من كبدي أنت وأمك هاها
ارتجف جسده من هول ما يراه من حال زوجته، أخذ يهز رأسه
ناظراً إليها في أسى ويقول:
لا حول ولا قوة الا بالله . قومي حبيبتي وتوضأي واقرأي
بعض آيات القرآن عل الله يصرف ما بكِ
ـــــ سأقوم لأقرأ الورد اليومي وأدعو لعائشة بتيسير
ولادتها . اللهم يسر ولادة ابنتي عائشة يارب
ـــــ لا اله الا الله . ماذا أفعل يا ربي! زوجتي طاش
عقلها
دق جرس الباب، فاتجه ليفتح، فهرعت خلفه لتثنيه:
ـــــ انتظر يا سالم لا تفتح أنت. يبدو أنها أم عمر
انتفخت أوداجه غضباً وصاح بها:
ـــــ أم عمر !! مريم بالله يامريم أفيقي
ـــــ هاها أنا لا أقصد عائشة. أنا أقصد أم عمر زوجة
الشيخ عبد الهادي. أدخل أنت لأستقبلها
ـــــ لا إله إلا الله
*****************************
فتحت الباب فألفت زوجة الشيخ عبد الهادي تلقي السلام
بملامح حزنى:
ـــــ السلام عليكم يا حبيبة
ـــــ مرحباً أم عمر، وعليكم السلام يا أختي تفضلي هاها لِمَ
تعلو وجهك دائماً الكآبة كلما زرتيني! أنا بخير الحمدلله
ـــــ أتمنى من الله أن تكوني بخير دائماً يا أختي
ـــــ ههه إجلسي يا أم عمر مممممم عائشة إن شاء الله ستسمي
ولدها عمر أيضاً
ـــــ عائشة !!!!!! اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله
ـــــ هاها أنتِ أيضاً تتهميني بالجنون! ألا يكفيني سالم!هاها
أستأذنك في إحضار واجب الضيافة
ـــــ تفضلي يا أختي
أجهشت زوجة الشيخ عبد الهادي بالبكاء وغمغمت:
ـــــ مسكينة يا
مريم، مسكينة، مر شهرين على وفاة ابنتها ومازالت تعتقد في حياتها ورجوعها
**********************************************
كانت عائشة في محبسها تبكي حالها ومآلها وتشكو بثها
وحزنها إلى الله في صلاتها:
ـــــ مر أكثر من شهرين عليّ في هذا الدير. اقترب موعد
وضعي لولدي. يعلم الجميع أني بين الأموات، وسأقتل وينصر ولدي دون أن يغيثني أحد ..
يا الله.. يا الله، أغثني ياربي، أغثني
اقتحمت صوفيا الغرفة على حين غرة وخلفها مادلين، فسمعتها
تستغيث بالله باكية ناشجة وعبراتها تنهمر:
ـــــ يارب أغثني ياربي
ضحكت مادلين وقالت ساخرة لصوفيا:
ـــــ إنها تصلي
لربها وتبكي أملاً في إنقاذها، أيتها الأم صوفيا
قهقهت صوفيا ساخرة وقالت:
ـــــ هيهات هيهات لما تصبو إليه نفسها
اندفعت صوفيا صوب عائشة وصاحت بها:
ـــــ أنتِ
فرغت عائشة من صلاتها:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله ........ السلام عليكم
ورحمة الله
صاحت بها صوفيا:
ـــــ إنهضي
نهضت عائشة بتثاقل تتأوه:
ـــــ آآآه آآآه ماذا تريدون مني
قالت صوفيا بوجه متربد ونبرة حادة:
ـــــ اقترب أجلك أيتها اللعينة.. مازلتِ تصلي لربك!!! ماذا
فعل لكِ ربك ؟؟ هل أنقذك مما أنتِ فيه ؟
ردت ناشجة:
ـــــ سينقذني، سينقذني إن شاء الله، وحتى لو قتلتموني
فأنا حسنة الظن بربي وحسن لقائه
ـــــ كفِ عن هذا النحيب، اكره سماع صوتك. إياكِ أن تصلي
مرة أخرى.
استدارت صوفيا إلى مادلين وقالت بنبرة تنضح منها
الأحقاد:
ـــــ مادلين، إجلسي معها حتى الصباح، فإن همت بالصلاة
مرة أخري فانزعي عنها ملابسها، ولتريني كيف ستصلي عارية
ـــــ أمرك الأم صوفيا
غادرت صوفيا وصفعت الباب خلفها، فصاحت عائشة باكية:
ـــــ حتى صلاتي لربي تمنعوني عنها ! ألا يكفيكم سجني
وغربتي وضياعي! ألا يكيفيكم إشاعة خبر موتي قبل قتلي! لا يمر يوماً إلا وأذقتموني
الذلة والمهانة وتعاملوني بطريقة غير أدمية، فماذا فعلت لكم! حسبي الله ونعم
الوكيل.
زفرت مادلين وقالت بنبرة تفيض كراهية:
ـــــ أنا أيضاً
اكره سماع صوتك. أوف! ألم تجد الأم صوفيا غيري كي تجلسه معكِ أيتها المسلمة اللعينة!!.
سأستدعي إحدى الراهبات غيري لتجلس معك وأتحجج بأني قد أصابني ألم مفاجيء في رأسي
حتى أرتاح من رؤية وجهك المقيت
هرعت مادلين إلى الباب وغادرت الغرفة، فتشبثت عائشة
بدعائها وهي تذرف العبرات:
ـــــ يا رب، يا رب، يا رب
**************************************************
نادت مادلين في الراهبات، فتجمعن حولها فقالت:
ـــــ أريد واحدة منكن أن تجلس مع المسلمة حتى الصباح،
حتى تمنعها عن الصلاة كما أمرت الأم صوفيا،
فقد أصابني ألم مفاجيء برأسي آآآه يا رأسي
تقدمت مانويلا وقالت:
ـــــ أنا سأجلس معها لأمنعها عن صلاتها يا مادلين
سددت مادلين إليها نظرة حادة وقالت:
ـــــ إياكِ أن تتركيها تصلي، مانويلا، ليكن ولائك لنا،
مانويلا. في يومٍ قريب ستُقتل المسلمة ولن تجدي غير الدير والراهبات، فلا تأخذك
بها شفقة ولا رحمة
ـــــ أعلم أنكِ
تتشككين في أمري، وأني أشفق على المسلمة ، ولكن هذا غير صحيح ، أنا أخذتها للحديقة
لأقنعها باعتناق ديننا ، ولكنها رفضت هذه اللعينة، تباً لها، إطمئني يا مادلين ، ولائي لكن وللصليب
ـــــ لن أطمئن إلا عندما أراكِ تجذبينها من شعرها بقوة
ـــــ أمرك، مادلين، هيا
اقتحمت مانويلا غرفة عائشة وخلفها مادلين تربع ذراعيها
وترقبهما، غمزت مانويلا لعائشة خلسة وانقضت عليها وهي تتوعدها::
ـــــ جاءتك مانويلا ايتها المسلمة اللعينة
صاحت عائشة في ارتباك:
ـــــ ماذا تريدان مني؟
صاحت مادلين في مانويلا باحتداد:
ـــــ مانويلا، إليكِ بها، مانويلا
جذبت مانويلا شعر عائشة وصاحت باحتداد:
ـــــ تعالي هنا، هاتي إليّ شعرك الطويل هذا
ـــــ آآآآه اتركي شعري
تبسمت مانويلا وقالت لمادلين:
ـــــ أهكذا يا مادلين ؟
ـــــ هاها هكذا مانويلا . لا تتركيها تصلي مانويلا
ـــــ اذهبِ أنتِ ونامي واطمئني، مادلين، فأنا سأعذبها
حتى الصباح
ـــــ باركك الرب مانويلا
غادرت مادلين وأغلقت الباب، فبكت عائشة، فاحتضنتها
مانويلا واعتذرت بلطف:
ـــــ آسفة حبيبتي عائشة ، وحق الرب ما جذبتك من شعرك
إلا لتنصرف عنكِ مادلين، وحتى أتمكن من حمايتك منهن وأتركك لصلاتك يا أختي
ردت ناشجة مرتعدة وعبراتها تنهمر:
ـــــ أشكرك مانويلا
ـــــ لِمَ البكاء إذن ؟
ـــــ وكيف لا أبكي وسوف تزهق روحي ظلماً وسينصّر ولدي،
وترك زوجي البلاد
أجهشت مانويلا بالبكاء وضمتها بكل ما أوتيت من حنان
وتعذرت:
ـــــ هوني على نفسك، وحق يسوع ليس بيدي أن أهربك من هذا
الدير. كما ترين كم هي الأسوار عالية وكم هي الحراسة مشددة، فسامحيني
ردت عائشة والبكاء يفطر قلبها:
ـــــ أعلم أنك لا تملكين من الأمر شيئا مانويلا، الأمر
بيد الله وحده، يا رب، يا رب، أمتك الضعيفة تستجير بك يارب
طرأت فكرة على ذهن مانويلا فقالت على الفور:
ـــــ عائشة، هل تتذكرين رقم هاتف حفصة ؟
ـــــ حفصة !! بالطبع اتذكره
تنفست مانويلا الصعداء وقالت:
ـــــ أشكر الرب
ـــــ فيمَ تفكرين يا مانويلا ؟
ـــــ مممممم فكرة ولا أعلم هل يمكنني تنفيذها أم لا
ولكنها محاولة
ـــــ أفصحي عن الأمر ارجوكِ، أرجوكِ
ـــــ ممممم سأنتظر يوم وضعك لولدك، وأحاول جاهدة الخروج
من الدير ومقابلة حفصة في أي شارع في برلين وأعطها الصغير حتى لا ينصروه، وسأعود
إليكِ لأطمئنك عنه
تلاشى الأمل الذي لاح في قلب عائشة، وقالت باكية بنبرة
يائسة:
ـــــ أعلم أن ذلك صعب، صعب، لن تستطيعي الخروج بالطفل
ـــــ ممممم دعيني افكر كيف أخبئه
كي لا يراه أحد وأخرج من الدير بحُجة مقنعة. إنها محاولة، فلِمَ لا نجرب يا
عائشة !! أنا أعلم أن حياة ولدك تهمك أكثر من حياتك
ردت وهي تعصر دموع عينيها ممزقة الفؤاد:
ـــــ حياة ولدي تهمني إن كان سيحيا على الإسلام، لا
أريد تنصير ولدي يا مانويلا ، والله حياتي لا تهمني، الأهم هو ولدي وحياته على
التوحيد والسجود لله وحده ولا يسجد لغيره
ـــــ إذن اعطني الرقم وسأهاتف حفصة لتحضر إلى برلين على الفور وتقيم فيها إلى يوم
ولادتك
ـــــ هاهو الرقم، خذي يا مانويلا
***************************************
اختبئت مانويلا بعيداً عن الأعين ودقت على هاتف حفصة،
التي ردت بنبرة مثقلة بالهموم:
ـــــ الو
ـــــ هاها حفصة، كيف حالك ؟
ـــــ من؟؟
ـــــ هاها أنا زينب. اتتذكريني ؟؟
اندلعت النيران داخل حفصة وصاحت بنبرة تتأجج غليلاً:
ـــــ زينب! آآآآخ أيتها القاتلة، أيتها الغادرة، ويلك
من عذاب الله. أريد أن أراك لأمزق جسدك، حسبي الله ونعم الوكيل
ـــــ هاها وأنا أيضاً اشتقت اليكِ، كيف حالك ؟
ـــــ أهٍ أيتها اللعينة. كيف تنامين بعد أن تسببتِ في
قتل المسكينة! عائشة التي وثقت بكِ وفتحت لكِ دارها و...
قاطعتها مانويلا بتأفف:
ـــــ أوه! لا وقت عندي لحديثك الممل هذا . عائشة لم
تقتل بعد. في طريقها إلى القتل، فاطمئني.
ـــــ لم تقتل!! أين هي؟ أين هي؟ أعطني إياها لأكلمها
ـــــ اطمئني عليها، كل يوم نصنع لها بحيرة في غرفتها
وتعوم فيها والأم صوفيا تمشط لها شعرها بنفسها فاهدأي هاها
ـــــ حقاً هي لم تمت؟ أنا لا أصدقك
ـــــ تصدقي أو تكذبي هذا لا يهمني . فقط عائشة على وشك
الوضع، وأنا سأحاول أن أهرب بالطفل إلى خارج الدير، وعليكِ أن تكوني متواجدة في
برلين لأعطيك إياه
ـــــ .... حقا ما تقولين؟
ردت منتحبة وقد سالت عبراتها:
ـــــ فقط لا تخبري أحد، لأن عائشة فعلاً ستقتل، فلا
تنكئي جرح أهلها مرة أخرى، فإن علموا بحياتها اليوم فسيدب في نفسهم الأمل وبعدها
سرعان ما سيفقدونه. لا أحد يستطيع الدخول إلى الدير لإنقاذها، وهي لن تتمكن من
الخروج ... كم أشفق عليها.. فهي ستدفع ثمناً غالياً من دمها فداءاً لدينها
زمجرت حفصة غليلاً وقالت:
ـــــ أنتِ السبب، أنتِ السبب يا لعينة
ـــــ ولذا فأحاول أن أنجو بالطفل لأنهم يريدون تنصيره ،
وهذه أقل اعتذار أقدمه لعائشة
اتسعت حدقتا حفصة فزعاً وقالت:
ـــــ تنصيره !! سأحضر إلى برلين على الفور
ـــــ انتظري مهاتفة أخرى يا حفصة. باي باي
***************************************************
عادت مانويلا مسرعة إلى عائشة لتقص عليها ما حدث:
ـــــ هاتفت
حفصة يا عائشة، وستنتظرني في أحد شوارع برلين لتأخذ الطفل
نشجت عائشة وقالت بنبرة يائسة:
ـــــ ولكن كيف ستخرجين به يا مانويلا!!
ـــــ عند ولادتك سأدخل مع الأم صوفيا لمساعدتها وأكون بجانبك وأحاول عندما تخرج أن أختفي
بالطفل
بدا الانزعاج على ملامح عائشة وقالت:
ـــــ ماذا!! أفهم من ذلك أنها هي التي ستساعدني في
الولادة ؟
ـــــ بالطبع. الأم صوفيا ماهرة في هذا المجال. كانت
تقوم بتوليد بعض النساء خارج الدير
بكت عائشة وقالت وهي تهز رأسها رافضة:
ـــــ لا،لا، لا أريدها
ـــــ ليس لكِ أن تقبلي أو ترفضي. الأهم الآن كيف ننجي
طفلك من أيديهم ... وليتني كنت أقدر أن أنجيكِ
معه
أجهشت مانويلا بالبكاء، فربتت عائشة على كتفها وقالت
وعبراتها تسيل:
ـــــ لا عليكِ، يكفيني أنك ستنقذي طفلي من الجحيم ...الحمدلله
. يا رب ساعدنا، يا رب يسر هذا الأمر
**********************************************
في أحد الصباحات، سمعت الراهبات صراخ عائشة واستغاثاتها
المنبعث من غرفتها:
ـــــ آآآه آآآآه آآآآه أنجدوني، أغيثوني آآآه آآآه
أسرعت إحداهن لتخبر صوفيا:
ـــــ الأم صوفيا، صراخ ينبعث من غرفة المسلمة
ـــــ صراخ !! يبدو أنها آلام المخاض،
سأذهب إليها
ـــــ هل ستولديها بنفسك الأم صوفيا ؟
ـــــ بالطبع سأولدها بنفسي، فقد تعلمت هذه المهارات من
الأم كاترينا قديماً في الدير
هرعت مانويلا إلى صوفيا تقول:
ـــــ الأم صوفيا ، سآتي لمعاونتك
ـــــ تعالي يا مانويلا
ـــــ حسناً، الأم صوفيا
غمغمت مانويلا وهي تهرول إلى مكان تختبئ به:
,مممم سأذهب على الفور لأخبر حفصة كي تستعد لمقابلتي لأخذ
الطفل
***************************************************
استعدت صوفيا واتجهت إلى غرفة عائشة تسبقها مانويلا التي
فتحت الأقفال، وأفسحت الطريق لصوفيا، فاتجهت صوب عائشة متجهمة بخطوات متأنية وهي ترقبها تتألم وتطلب الغوث:
ـــــ آآآآه أغيثوني
قهقهت صوفيا وجلست على فراش عائشة وقالت:
ـــــ سأغيثك أيتها المسلمة واُخرج إلى العالم هذا الطفل
الصالح الذي سينشر دين يسوع
صرخت عائشة وفقدت وعيها:
ـــــ لااااا
ارتعدت مانويلا وقالت:
ـــــ إنها فقدت الوعي، الأم صوفيا
ـــــ دعيها تفقده، فلا حاجة لنا بوعيها.
بدأت صوفيا تمارس دور القابلة:
ـــــ هيا، هيا أيها
الصغير، هيا اخرج إلى العالم لتنشر دين يسوع،
هاها ها هو الصغير
خرج الطفل إلى العالم بصرخات الميلاد، فحملته صوفيا بين
يديها وقالت باسمة:
ـــــ مرحباً، مرحباً، مرحباً أيها المسيحي الصالح أمووه
. أنا الأم صوفيا هاها أنا خالة أبيك المسيحي الصالح كيفن، وأمك ماتت، ماتت
تعالت صرخات الطفل فكانت كرشقات السهام في صدر مانويلا
فأجهشت بالبكاء وهي تنقل نظرها بين عائشة ووليدها وغمغمت متململة:
ـــــ أشعر وكأنه يبكي أمه
قامت صوفيا عن الفراش وهي تحمل الطفل، وقالت وهي تنظر
إلى عائشة بازدراء وتعطي الطفل لمانويلا:
أفيقيها، مانويلا . سأذهب لأستريح . إحملي الطفل برفق
مدت يديها المرتعدتين وقالت بنبرة مرتعشة وعيناها تذرفان
العبرات:
ـــــ هاتيه.
غادرت صوفيا وأغلقت الباب خلفها، فطفقت مانويلا توقظ
عائشة بنشيج:
ـــــ عائشة،
قومي يا عائشة وانظري لولدك قبل أن أخرج به من الدير.. عائشة
فتحت عينيها وهي تقول بوهن:
ـــــ ها! ها! أين أنا ؟؟. ولدي، ولدي؟ أين ولدي؟
ـــــ ها هو يا أختي
رأت عائشة صغيرها لأول مرة، فأجهشت ببكاء لا تدري كنهه،
أهو فرحة رؤية الصغير أم حزن فقده:
ـــــ حبيبي يا ولدي، أعطني إياه لأضمه
ـــــ ها هو يا عائشة
احتضنت طفلها وحدثته ببسمة تفيض بالعبرات والشجن:
ـــــ آآآهٍ ولدي،
عمر حبيبي.. كنت أتمنى أن أراك رجلاً يا عمر .. أتركك في رعاية الله يا ولدي.. لا
تسجد لغير الله يا عمر.. ربي وربك الله يا ولدي
تعجلتها مانويلا:
ـــــ هيا يا عائشة، لا وقت يا أختي
ردت ونشيجها يمزق أوصال قلبها:
ـــــ دعيني أرضعه اولاً يا مانويلا، دعيني أضمه إلى
صدري فهذه آخر مرة سألقاه
ـــــ أرضعيه بسرعة، بسرعة، لا وقت
أرضعت طفلها على عجل، وقالت بنشيج وهي تودعه بدموع
عينيها وقلبها ينفطر:
ـــــ أرضعته يا مانويلا، خذيه. بالله عودي مرة أخرى
لتطمئنيني على ولدي
ردت بنشيج وهي تأخذ الطفل:
ـــــ لا تخافي يا أختي، سأعود، لا تخافي . سأعود وإن
حملني هذا الأمر حياتي... تعال أيها الصغير، تعال
ما أن همت مانويلا أن تستدير بالطفل، حتى صاحت عائشة
وعبراتها تهطل:
مانويلا ، دعيني أقبله قبل أن تنصرفي
ـــــ اشعر بك أختي، قبليه بسرعة، فأنا أخشى أن يدخل أحد
فجأة ويفسد الأمر
ضمته باكية وقلبها الذي لا يقوى على الفراق ينزف آلاماً:
ـــــ عمر، أستودعك الله يا ولدي . في أمان الله يا عمر،
الحمدلله على كل حال
***************************************************
قبل أن تخفي مانويلا الطفل في حقيبة كبيرة قالت له وكأنه
يفهم عنها:
ـــــ أيها الصغير، سأخفيك في هذه الحقيبة، فاصمت
استحلفك بربك كي تنجو من هنا
خرجت بالحقيبة من مبنى الدير واتجهت إلى بوابة الخروج
فاستوقفتها حارسة البوابة سيمون:
ـــــ إلى أين يا مانويلا بهذه الحقيبة ؟
ازدردت ريقها وقالت ببعض الثبات:
ـــــ اخبرتني الأم صوفيا أن أعطي هذه الحقيبة لامرأة فقيرة ولا
أعلم ما بها
ـــــ وأين هي المرأة الفقيرة ؟
ـــــ هي في أحد الشوارع القريبة
ـــــ لم تأمرني الأم صوفيا بذلك. لن أفتح الباب
أخذت مانويلا ترجوها:
ـــــ سيمون، يا سيمون إنها فقيرة تستحق الإحسان ولا يجب
أن نتأخر عنها، ادخلي واسألي الأم صوفيا وستقول لكِ إنها من أمرتني بذلك
زفرت الحارسة وقالت بضيق:
ـــــ سأدخل . إياكِ أن تفتحي الباب قبل أن أعود
ـــــ سمعاً وطاعة سيمون.
ما أن دلفت سيمون مبنى الدير حتى فتحت مانويلا البوابة
وهربت بالطفل على عجل
***************************************************
انتفضت صوفيا عن مقعدها حين أخبرتها سيمون بما حدث وصاحت
بوجه متربد:
ـــــ إمرأة فقيرة وخرجت لمساعدتها !! عندما تأتي لها
حساب عسير، كيف تخرج دون إذني! صبراً مانويلا
زادت سيمون نيرانها تأججاً:
ـــــ إنها أرسلتني لأخبرك، ووجدتك نائمة، وعندما عدت
إلى البوابة وجدتها وقد خرجت
توعدت صوفيا، مانويلا بعينين تصطليان غليلاً:
ـــــ ستعاقب عقاباً عسيراً .
أزاحت سيمون عن وجهها وصاحت في الراهبات:
ـــــ ائتوني
بالطفل
***************************************************
عادت إحدى الراهبات تقول وعلى وجوهها الخوف:
ـــــ الأم صوفيا، الطفل غير موجود في غرفة أمه
اتسعت حدقتا صوفيا وقالت:
ـــــ كيف! كيف! ماذا تقولين!! . إبحثي عنه، ربما أخذته
إحدى الراهبات لتداعبه
***************************************************
التقت مانويلا بحفصة في أحد شوارع برلين:
ـــــ مرحبا حفصة، هاهو الطفل
قبضت حفصة على ذراع مانويلا بعنف وصاحت بها:
ـــــ تعالي هنا، سأمزقك بأسناني
ـــــ آآآه ذراعي أيتها المتوحشة، اتركيني
صرخ الطفل فقالت مانويلا:
ـــــ الطفل يقول لكِ اتركيني، آآآه تباً لكِ يا حفصة. خذي الطفل
سددت حفصة نظرة رحيمة إلى الطفل وحملته، قالت وقد طفرت
عبرتها:
ـــــ حبيبي !! إبن عائشة ؟
ردت مانويلا متعجلة:
ـــــ أجل، إبنها، سأغادر الآن على الفور
ـــــ إنتظري
لا وقت عندي، لا وقت، يجب أن اعود لأُطَمْئِن عائشة على
ولدها
*******************************
جمعت صوفيا الراهبات وأخذت تبرق وترعد:
ـــــ أين الطفل؟ أين الطفل أيتها الراهبات؟ كيف اختفى
!!!
قالت إحداهن:
ـــــ سلي أمه
صاحت صوفيا غاضبة:
ـــــ ومالها أمه!! هل ابتلعته ؟؟ أين اختفي الطفل؟؟
دخلت
إحدى الراهبات مسرعة تقول:
ـــــ عادت مانويلا، الأم صوفيا
ـــــ أرسلوها اليّ فوراً، وانصرفن أنتن
***************************************************
أعترضت طريق مانويلا إحدى الراهبات وقالت:
ـــــ مانويلا، الأم صوفيا تريدك على الفور
ـــــ سأذهب إليها بعد قليل
أسرعت مانويلا إلى عائشة، فما أن رأتها عائشة سألتها
بتلهف:
ـــــ مانويلا، هل أعطيتي عمر لحفصة ؟؟
ـــــ هاها بالطبع، لا تقلقي، أعطيتها إياه وجئت لأطمئنك
يا أختي
سددت عائشة نظرة شفيقة إلى مانويلا وقالت وعيناها تفيض
بالعبرات:
ـــــ كم أخاف عليكِ من العقاب، مانويلا
ـــــ لا يهمني. فقد فعلت ما استراح له ضميري ، أشكر
الرب
***************************************************
دخلت مانويلا على صوفيا وحيتها واجمة:
ـــــ طاب مساؤك، الأم صوفيا
سألتها باحتداد:
ـــــ أين كنتِ ؟
نظرت بعينين ثابتتين إلى صوفيا وقالت:
ـــــ خرجت بالطفل خارج الدير، وأعطيته لأسرة مسلمة كي
ينجو من التنصير
جن جنون صوفيا وانقضت عليها آخدة بمجامعها:
ـــــ ماذا!! وكيف تتجرأين!!
صاحت مانويلا متحدية إياها:
ـــــ فعلت ما يقلل من وخز ضميري. ماذنب هذه المسكينة
حتى تقتلوها وتنصروا ولدها!! ألم يكفيكم ما أذقتموها من مرار!! أنتم ظالمون
تطاير الشرر من عيني صوفيا وأصرت على أسنانها وصاحت
بوعيد:
أهكذا ! تقفين في وجهي أنا وتصرخين أيتها القذرة ! وحق
يسوع لأصفعنك صفعة ما صفعتها أحداً قبلك، هكذا
صفعتها بقوة فارتطم جسدها بالجدار، فانفجرت باكية من ألم
الصفعة، وقالت بتحدٍ أكبر:
ـــــ إصفعيني ألف صفعة فأنا أستحق ، أنا من ساعدت على
الإيقاع بالمسكينة في أيديكم الملوثة بالدماء، أحب أن أعلن بين يديك شهادة التوحيد
مدوية أيتها الراهبة الظالمة، أشهد أن لا
إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
هاج هائج صوفيا وصبت جام غضبها على مانويلا:
ـــــ أهكذا !! أهٍ
أيتها اللعينة الخائنة
استدارت صوفيا ونادت تابعتها مادلين بصوت مزلزل:
ـــــ مادلين
أتت التالعة تهرول:
ـــــ سمعاً وطاعة، الأم صوفيا
ـــــ خذي هذه لتحبس في القبو دون طعام أو شراب، حتى أعد
لها العقاب الذي تستحق، وحق يسوع سيكون فوق ما تتخيلين أيتها القذرة
قالت متحدية بنشيج:
ـــــ لا يهمني أي عقاب توقعينه عليّ
********************************************
في صبيحة
اليوم التالي، استدعت صوفيا راهبتها إلى الرواق وقالت بملامح متجهمة:
ـــــ مادلين، أبلغي سيمون أن تفتح للراهب الكزندر عندما
يدق الجرس
بدت الدهشة على وجه مادلين وقالت:
ـــــ الراهب الكزندر! أنتِ لا تسمحين بدخول الرهبان إلى
الدير
ـــــ هذا سأسمح له
*********************************************
مضى بعض الوقت، فجاءت مادلين متعجلة وقالت لصوفيا:
الأم صوفيا ، جاء الراهب الكزندر
هبت صوفيا واقفة وصاحت في الراهبات:
ـــــ أحضرن المسلمة، وأحضرن ما نويلا من القبو على الفور
ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا
قالت صوفيا باحتداد
ـــــ هذا يوم القصاص من الجميع
***************************************************
دخل الراهب وحيا صوفيا:
ـــــ طاب صباحك الأم القديسة صوفيا
ـــــ مرحبا ألكزندر، كيف حالك؟
ـــــ أشكر الرب. عندما هاتفتني وأبلغتني بالأمر جئت على
الفور
ـــــ هاها إنتظر، فلك مكافأة عظيمة
جاءت الراهبات يقتدن عائشة ومانويلا، فأومأت لهن صوفيا
بالانصراف، فبقت هي والراهب والسجينتان..أشارت إلى مانويلا وقالت للراهب بعينين
متقدتين غليلا:
ـــــ أنظر الكزندر. هذه اللعينة التي تركت ديننا وانشقت
عنا
تفرس الراهب في ملامحها المتجهمة وقال:
ـــــ هذه ! مممم
ـــــ ما رأيك فيها. أتعجبك ؟؟
ـــــ هاها جميلة
صاحت الراهبة صوفيا كالقاضي يصدر حكماً بالقصاص:
ـــــ إذن فهي لك، خذها خارج الدير وافعل ما شئت بها،
فهي تستحق ذلك
انقض عليها الراهب يجرها من ذراعها:
ـــــ تعالي هنا
صرخت مانويلا باكية، وحاولت التفلت منه دون جدوى:
ـــــ لا، إلى أين ستأخذني أيها الراهب، اتركني، اتركني،
لا
إنتاب عائشة الهياج وهي ترى الراهب يجر مانويلا جراً إلى
الخارج، فصاحت باكية:
ـــــ ما هذا!! دعها، دعها، دعها أيها الراهب، مريه أن
يدعها يا قاسية القلب، اتقوا الله في أعراض النساء، حسبنا الله ونعم الوكيل
رشقتها صوفيا بنظرة ازدراء واستدعت الراهبات وصاحت فيهن:
ـــــ قيدنها، سأصطحبها بسيارتي وتُقتل خارج الدير
التفنن حول عائشة يقيدنها، فبكت وقالت باستسلام:
ـــــ أشهد ان لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول
الله
******************************************
عند سيارته، قيد الراهب ذراعي مانويلا، ووضع عصابة على
عينيها، وزج بها إلى المقعد الخلفي وهي لا تكف عن البكاء والاستغاثات:
ـــــ
لِمَ تعصب عيني! إلى أين ستصطحبني؟
صاح بها وهو يدير محرك السيارة بصوت أرجفها:
ـــــ إلى مصيرك المحتوم الذي تستحقه منشقة عن دين يسوع مثلك.
استغاثت بالله باكية:
ـــــ نجني من هذا الراهب يا رب، أنا ضعيفة ولا حيلة لي يا
رب
صاح بها بغلظة:
ـــــ اصمتي، لا أريد سماع صوتك
تعالى نشيجها
*********************************************
توقفت صوفيا بسيارتها إلى جانب النهر، ترجلت عن السيارة
وفتحت باب المقعد الخلفي وامسكت بذراع عائشة المقيدة لتزلها، وقالت باحتداد:
ـــــ ها قد وصلنا عند النهر أيتها المسلمة، إنزلي
نزلت عائشة ونظرت إلى النهر المتسع وبكت، وقالت وهي تنظر
إلى صوفيا بارتجاف:
ـــــ ستلقي بي في النهر ؟
ردت صوفيا بتجهم:
ـــــ تخافين الموت ؟
ردت عائشة ناشجة:
ـــــ لا
ـــــ إذن فلِمَ البكاء؟
عصرت دموع عينيها وقالت بصوت هدجه النشيج:
ـــــ لأنني سأقتل ظلماً... من فضلك دعيني أصلي ركعتين
لربي أولاً، ثم افعلي ما شئتِ
قهقهت صوفيا، فصاحت عائشة باكية:
ـــــ لِمَ تضحكين ؟
ـــــ لا عليكِ. سأحل عنكِ القيود حتي تصلي، ولكن
انتظريني حتى اتوضأ من النهر وأؤمك في الصلاة
ـــــ تؤميني في الصلاة !! ................. عن أي صلاة تتحدثين أيتها الراهبة؟؟؟
تبسمت صوفيا وقالت وهي تفك القيود عن عائشة:
ـــــ لست راهبة كما تظنين، أنا مسلمة مثلك تماماً يا
ابنتي
وكأن السماء وقعت على الأرض من هول الذهول الذي أصاب
عائشة، شعر أن الأرض تتزلزل تحت قدميها، وأخذت تهز رأسها ذاهلة وقد فغر
فاها....حاولت أن تمرر على عقلها ما سمعت مرة أخرى وقالت غير مصدقة:
ـــــ ها!! لا،
لا، عقلي سيطيش مني
ـــــ هاها لِمَ ؟
ردت متسعة الحدقتين:
ـــــ أنتِ مسلمة أيتها الراهبة صوفيا!!!
ـــــ ولِمَ العجب يا ابنتي ! بالفعل أنا مسلمة من أكثر
من خمسة وعشرين عاماً مضت. كم كان عمرك وقتها ؟ هاها اظنك كنتِ في عامك الأول يا
عائشة يا ابنتي ، أليس كذلك ؟ هاها
أخذت عائشة تحدق في وجه صوفيا وتهز رأسها مفغورة الفاه
ذهولاً، فضحكت صوفيا وقالت
ـــــ يا ابنتي لِمَ كل هذه الدهشة والذهول في
عينيكِ ولِمَ أنتِ فاغرة فاكِ هكذا !!! هاها
ـــــ يا ربي أشعر بجسدي يرتجف.... كيف هذا !!.... ولِمَ
كنتِ تفعلين بي هذا!! لِمَ كنتِ تعذبينني؟
لِمَ كنتِ تحاولين منعي عن صلاتي ؟؟؟؟
ـــــ لأن أعين دانيال محيطة بنا في الدير، كل ما يحدث
يبلغونه إياه، لذا فكانت قسوتي وتعذيبي لكِ في صالحك، وإلا لأسند الأمر إلى غيري وضاعت
فرصة حمايتك من شروره.. وكم كنت في قمة سعادتي حين رأيت قوة الإيمان وشهدتها بعيني
من المسلمين الأنقياء متجسدة فيكِ يا ابنتي . كان قلبي يهتز فرحاً بقوة إيمانك
وتمسكك بإسلامك رغم ما تلقين من العذاب..
كنت أستمد قوتي منك، ويزداد يقيني بإيماني بربي كلما رأيتك قوية ثابتة
مؤمنة لا تهزك التهديدات ولا ترجعك عن صلاتك. عندما عرضت عليكِ إطلاق سراحك والعودة
بولدك إلى زوجك المحب وحنان أمك وعطف أبيكِ
مقابل السجود لغير الله، رفضتي وآثرتِ الموت على الإسلام ولا أن تسجدي لغير
الله وتعودين لأحبابك. كم أنتِ مسلمة رائعة حقاً يا عائشة يا ابنتي . والله كلما رأيتك ثابتة كنت أذهب إلى غرفتي وأسجد لله شكراً
أن أراني قلوب الموحدين المتعلقة بالله
الذين لا يفقدون إيمانهم رغم ما
يلقونه من العذاب. اللهم لك الحمد يارب
العالمين يا واحد يا أحد
ـــــ يا الله !! ازدادت نبضات قلبي سرعة وكأنها طرقات
مدوية داخلي. حقا وكأنني في حلم جميل
ـــــ هاها ليس حلماً يا حبيبتي، إنما هي الحقيقة
والحمدلله، وقد نجاكِ الله
تذكرت عائشة، زينب، فقالت باضطراب وقد تشككت في أمر
صوفيا:
ـــــ ولكن ......... لكن .... زينب! زينب!! كيف تقولين أنك مسلمة وقد ألقيتي بزينب لمن سينهش عرضها! كيف ؟ المؤمنون حقا يتقون الله في أعراض النساء. كيف
تفعلين ذلك بزينب المسكينة
قهقهت صوفيا وقالت:
ـــــ ماذا فعلت بزينب! الراهب الذي شاهدتيه يأخذها هو
أحمد الذي خطبت له، وقد هاتفته وأعلمته بإسلامها، وماحدث كله وضعته بين يديه، وأنا
من قلت له يأتي متنكراً في زي راهب ويأخذها من الدير ليتزوجها.
تهلل وجه عائشة وطفرت عبرات الفرح وهي تقول بزقزقة طائر
مغرد:
ـــــ حقاً!! يا لك من رائعة!! الحمدلله، الحمدلله .. يا الله!! كم أنت رحيم بنا، الحمدلله، أريد أن أسجد شكراً
لله
ـــــ اسجدي يا ابنتي، اسجدي واحمدي الله على نعمه
سجدت عائشة، بينما جلست صوفيا إلى النهر:
ـــــ اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد
قامت عن سجدة الحمد وجلست إلى صوفيا وسألتها باهتمام:
ـــــ ولكن أريد أن أفهم لِمَ تعاونتي مع دانيال ؟ حقا
لا أفهم شيئا
ـــــ يا ابنتي.. يجب أن نحمد الله أن أطلعني دانيال على كل شيء
بخصوصك وخصوص عبد الله، لكي أتمكن من حمايتكما من غدره، ولكي أتمكن من ذلك ومعرفة كل ما يدور برأسه من
مخططات قذرة، كان يجب أن أتظاهر بأني أكثر حنقاً وغيظاً وكرهاً لكما منه، وكان هذا
يسعده جداً هاها.. عندما أعلمني أن كيفن أسلم وأطلق على نفسه عبد الله كدت أطير
فرحاً، ولكن تظاهرت بالصدمة وعلى وجهي الوجوم والغل وجلست أعض شفتي غيظاً هاها بل
وجريت يمنة ويسرة أقبل الصلبان ليزاد ثقة فيّ ويطلعني على كل شيء.. وعندما أراد أن
يرسل إليكم راهبة تتجسس على أمركم اخترت أكثر
الراهبات كرهاً للمسلمين هاها
ـــــ مانويلا هاها حمدالله أنها أصبحت زينب وزالت العداوة
، أكملي يا أمي
ـــــ أنا أحب مانويلا جداً، فهي طيبة، وكرهها للمسلمين
متوارث. الكره من أجل الكره هاها دون أن تكون قد تعرضت لمواقف تثير كرهها للمسلمين.
لذا فأردت لها الخير عندما تقترب منكم وتعرف من هم المسلمون الحقيقيون ذوي القلوب
التقية والأرواح الصافية، وحمدالله ما عادت من عندكم إلا وهي تحبكم بل وتدافع عنكم، وإلا ما هربت بالطفل خارج الدير وفاجئتني هاها
غضنت عائشة حاجبيها وسألت باندهاش:
ـــــ ولِمَ صفعتيها على وجهها إذن ؟؟؟
ـــــ يا ابنتي، كنت أريد أن أخرجك أنتِ وولدك من الدير،
ولا أفرق بينكما، فإذ بها تتسرع وتهرب بالطفل
ـــــ كانت تخشى عليه التنصير، لأنها كانت متأكدة أنكم ستقتلوني ويبقى الطفل وحيداً بعدما سافر أبوه
ـــــ ههه ألم أقل لكِ عادت بغير القلب القاسي التي ذهبت
إليكم به ؟ الحمد لله على إسلامها
ـــــ ولِمَ حبستيها دون طعام أو شراب ؟
ـــــ لأتيقن من إيمانها يا ابنتي. الإسلام ليس مجرد
النطق بالشهادتين. الإسلام يجب أن تتشربه القلوب وندافع عنه بأرواحنا. لذا فحبستها
لأرى هل ستصمد أم إنها كلمة هي قالتها وسترجع عنها.. ولكنها صمدت بفضل الله
فاستحقت الخروج من الدير والزواج من رجل مؤمن أحبها وسيكرمها. أرجو من الله أن
يرزقهما الذرية الصالحة، ويبارك لكِ في ولدك وزوجك وأهلك يا ابنتي الحبيبة
تأهبت صوفيا للقيام وقالت:
ـــــ هيا فقد
شغلنا الحديث عن الصلاة، هيا نتوضأ أؤمك في الصلاة.. أم تريدين أن تؤميني ؟
ـــــ هاها لا، على العكس تماماً . فأنا سأكون في قمة
سعادتي يا أمي لو أممتيني في الصلاة
ـــــ إذن هيا للوضوء. هل تجيدين الوضوء أم أعلمك كيف
يكون ؟ هاها
ـــــ هاها سأتوضأ وإن أخطأت فعلميني يا أمي
ـــــ هاها هيا يا ابنتي
******************************************************
فرغتا من الصلاة:
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله ................. السلام
عليكم ورحمة الله
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله ................. السلام
عليكم ورحمة الله
تبسمت عائشة وقالت:
ـــــ تقبل الله منكِ أمي الحبيبة صوفيا
ـــــ تقبل الله مني ومنكِ يا ابنتي الحبيبة الغالية
عائشة
قالت عائشة بشغف:
ـــــ احكي لي يا أمي قصة إسلامك، أحب أن أسمعها. كيف أسلمتِ دون أن
يدري من حولك ؟ كيف مضت عليكِ كل هذه السنوات وأنتِ في الدير تخفين إسلامك عن
الجميع ؟
تنهدت صوفيا وقالت باسمة:
ـــــ أما عن قصة إسلامي، فيجب أن تعلمي أن كثيراً من
الأحبار والرهبان قد أسلموا بعد ما تبين لهم أن الإسلام دين الحق، ولكنهم أيضاً
يخفون إسلامهم عن الجميع
لمع بخاطر عائشة حدث ما فقالت:
ـــــ أجل، قد تذكرت موقف قد حكاه أبي عن أحد القساوسة الذين
رآهم بعينه عندما كنا في مصر. كانت وقت صلاة العصر،
فإذ بهذا القس يأتى أمام المسجد ويخلع نعليه ويدخل للصلاة في صفوف المصلين وهو
بزيه الديني المسيحي وتعجبت وقتها جداً مما سمعت ، ولكن قال لي أبي إن كثيراً من الرهبان والقساوسة يدخلون في الإسلام
سراً
ـــــ وهذا صحيح يا ابنتي . يدخلونه سراً خوفا من بطش من
حولهم . هدى الله الجميع للإسلام اللهم آمين
عادت عائشة لشغفها:
ـــــ ها، احكي لي يا أمي عن قصة إسلامك
رحل خاطر صوفيا إلى زمن قديم وكأنها تراه متجسداً أمامها،
فقالت وبعض الشرود يعلو محياها:
ـــــ تعيديني لأيام بعيدة، بعيدة يا عائشة . أتذكر تلك
الليلة جيداً، وقد كنت أصلي الصلاة
السهمية، وهي صلاة قصيرة ونقول فيها يا يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ، ويمكن أن
نكررها الف مرة ....وأثناء انهماكي في تكرار هذه الصلاة الباطلة وقولي يا يسوع
المسيح ارحمني انا الخاطئ، فجأة توقفت وقلت... أين يسوع؟ أين هو؟ أمقبور في الأرض بعد قتله مصلوب أم انه في
السماء إله يعبد؟ وإن كان مقبوراً فكيف سيرحمني؟ وإن كان يسوع هو إله السماء والذي
قُتل هو ولده فلِمَ لم يدفع القتل عن ولده بقوته؟ وكيف للإله أن يكون من لحم ودم!!
هذا لا يليق بالإله الأعظم أن يكون له ولد من البشر. وتوقفت عن طلب الرحمة من يسوع
وصمت وملأت قلبي الشكوك حتى أنني ظللت أبحث
في الأناجيل عن قول يثبت أن يسوع إله فوجدت اختلافات في الأناجيل، وعندما بحثت في
الكتب القديمة وجدت أن فكرة الثالوث
مستحدثة ولم تكن على عهد المسيح ولا الحواريين من بعده، ولكنها نشأت على يد شخص
يدعى ترتليان سنة 200 ميلادية تقريباً، كما ذُكر في قاموس الكتاب المقدس. وفكرة
التثليث قوبلت بالرفض من الكثير من آباء الكنيسة وعلى رأسهم سيبيليوس...ولكن للأسف
انتصر التثليث على التوحيد بعد تنصر
قسطنطين في القرن الرابع
تبدى الحزن على وجه عائشة وقالت:
ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله . لا أعلم لِمَ يتواجد الضُلّال
ليضلوا الناس عن الحق!!!
ـــــ حتى يميز الله الخبيث من الطيب يا ابنتي
ـــــ أكملي يا أمي بالله عليكِ، أريد أن أعرف المزيد عن
هذا الأمر حتى تتضح الأمور أكثر
هزت صوفيا رأسها ثم استطردت:
ـــــ أصبحت فكرة التثليث عقيدة رسمية عند النصارى بعد انعقاد
مجمعين. المجمع الأول هو مجمع نيقية والذي ترأسه الأمبراطور قسطنطين، ودعا إليه
الأساقفة والقساوسة من كافة الطوائف المسيحية، وكان من بينهم من يرفضون تأليه
المسيح.. واستمرت الاجتماعات أكثر من ثلاثة أشهر وانتهت بانتصار من ذهبوا إلى
تأليه المسيح.
بدا الانزعاج على وجه عائشة وقالت:
ـــــ لا إله إلا الله . مالهم كيف يحكمون !!أين العقول!!.
أكملي يا أمي
ـــــ المجمع الثاني يا ابنتي هو مجمع القسطنطينية،
والذي انتهى إلى تأليه الروح القدس، ليعلنوا بذلك عن الثالوث والعياذ بالله
ـــــ اللهم لا إله إلا أنت يا رب السماوات والأرض
سبحانك لا شريك لك . أكملي يا أمي
ـــــ منذ أن تيقنت يا ابنتي أن فكرة الثالوث فكرة عبثية
كفرية تضلل الناس وتصرفهم عن عبادة الله الواحد الخالق الذي لا إله إلا هو،
وأنهم يفترون على الله الكذب وينسبون له الولد وهو منزه عن الولد سبحانه في عليائه،
إتجهت بعدها إلى التفكير في عقيدة المسلمين والذي اطمأن قلبي أنها عقيدة الفطرة
الصحيحة التي تدعو إلى عبادة الله الواحد وتنزهه عن الولد.. وأيضاً كنت أعلم أن
المسيح يبشر برسولٍ يأتي من بعده ولكن الجاحدون ينكرون أنه رسول الإسلام.. ولكن
بالطبع الذين يقررون عبادة ثالوث بمجرد اجتماعات
رغم أن المسيح لم يقل اتخذوني إلها، فليس من الصعب عليهم أن يرفضوا أمر
المسيح باتباع النبي الذي سيأتي من بعده . المسيح
جاء بدين التوحيد وأمر النصارى باتباع نبي التوحيد الذي سيأتي من بعده، والذي هو أحمد النبي العربي عليه وعلى عيسى أفضل الصلاة والسلام... لذا فلم أتردد في اقتناص لحظة الهداية هذه وبحثت
عن القرآن واقتنيت منه نسخة، وكان لابد لي من معلم لأتعلم على يديه وبالطبع كان
لابد أن أخرج خارج الدير لأتعلم القرآن
زادت عائشة شغفاً على شغف وقالت:
ـــــ يا الله ! وكيف خرجتي دون أن يدري أحد إلى أين تذهبين وإلى من لجأتي ؟
تبسمت صوفيا وقالت بملامح هادئة:
ـــــ يا ابنتي، من أراد النور والحق فلابد أن ييسر الله
له سبيلا . كنت أخرج مرتين في الأسبوع بحجة مساعدة الفقراء وعلاج المرضى خارج
الدير. كان يوجد صعوبة في وجود مساجد في ألمانيا، ولكن سبحان الله وقع في نفسي أن أذهب
لمكان يسكنه أسر عربية.. حتى رأيت ذات يوم إمرأة مسلمة كبيرة في السن، عليها سمات
الصلاح تخرج من أحد محلات التسوق، فأسرعت
خلفها وأمسكت بيدها، فارتجفت المرأة واستدارت، فقلت لها راهبة نصرانية وترغب في
الإسلام، فهل لكِ أن تساعديني سراً ؟...فتبسمت ابتسامة هادئة وقالت تعالي يا ابنتي،
فذهبت معها إلى بيتها وهناك وجدت لها ابنة
في مثل عمري فرحبت بي بشدة واعتبرتني أختاً لها ، أسلمت على يديهما ونطقت الشهادتين وقلت أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمداً رسول الله ، وبكت المرأة وابنتها فرحا وبكيت معهم بكاءاً كأنه
يغسلني من ذنوبي . كانتا تنادياني بصفية هاها..
كنت أحب صفية أكثر من صوفيا... ولكن للأسف لا أحد يناديني صفية . كنت أقضي معهما أجمل
أوقاتي بين الصلاة والذكر، وتعلمت من هذه
السيدة وابنتها كيفية قراءة القرآن، وكانا يتعجبان مني لأن لساني انطلق بالقرآن
العربي رغم أني أعجمية لا أعرف العربية هاها
تبسمت عائشة وتذكرت عبدالله فطفرت عبرة ذكرى جميلة
وقالت:
ـــــ مثل عبد الله . سبحان الله، يقرأ القرآن وكأنه
عربي . يا الله ! كم هو جميل صوت عبد الله حين يقرأ القرآن
مسحت عبرتها وقالت:
ـــــ أكملي يا أمي
صفية
ـــــ هاها أشكرك
على مناداتي بالإسم الذي أحبه يا ابنتي .... كما قلت لكِ كنت أتردد على هذه المرأة
الصالحة وابنتها عدة سنوات اتقنت فيها الكثير والكثير عن ديني الإسلام بفضل الله
وتعلمت اللغة العربية على يديهما بفضل الله.
بدا الابتئاس على وجه صفية وأردفت:
ـــــ .. ولكن هذه المرأة مرضت وتوفاها الله.. وكم حزنت
عليها وبكيتها بحرقة وكأنها أمي ... لا أنسى بسمتها الهادئة وقلبها الطيب وحنوها وإقبالها
عليّ وصبرها حتى علمتني ... وبعدها ظلت علاقتي بابنتها قوية وكنت أزورها حتى عادت
إلى بلادها مع أبيها وعدت أنا لحياة الدير، ولكن مسلمة لا تسجد إلا لله، وللأسف لم
أستطع دعوة أحد في الدير لخوفي من كشف أمري
ـــــ ولِمَ لم تخرجين من الدير للأبد يا أمي ؟ كان
بإمكانك أن تفري بدينك بعيداً
ـــــ يا ابنتي، ديني في قلبي، وكنت أمارس صلاتي بحرية
دون علم أحد، ولكن أنا بطبعي أخاف جداً من السفر وحدي في بلاد لا أعلمها، لذا
فمكثت في الدير أعبد ربي. وكم كنت أبكي لرغبتي في دعوة أهلي وعدم تمكني من ذلك لذا
فعندما علمت بإسلام عبد الله كدت أطير في السماء من فرط سعادتي هاها
بدت بسمة عريضة على وجه عائشة وقالت تبشرها:
ـــــ وستسعدين أكثر لو علمتِ بإسلام السيدة نيكولا أختك
ـــــ هاها علمت يا ابنتي. أخبرتني قبل موتها واوصتني
خيراً بكِ وبعبد الله
ـــــ يا الله !! وهل علمت بإسلامك ؟
ـــــ أخبرتها بالطبع الحمدلله قبل توديعها لآخر مرة،
ولكن اوصيتها ألا تقول لعبد الله شيئاً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا
ضحكت عائشة فرحاً وقالت وكأنها ملكت الكون بين يديها:
ـــــ أريد أن أقبلك من شدة سعادتي، وكأن كل الآلام
انتهت الآن وتحولت إلى سرور وسعادة هاها
همت أن تقبلها، فضحكت صفية وقالت:
ـــــ سرور وسعادة بعيداً عن ولدك عمر وبعيداً عن عبد
الله ؟؟
ابتئست عائشة وقالت وقد أخذها الحنين إلى ولدها:
ـــــ ولدي، ولدي، كم اشتقت لضمته. وعبد الله زوجي
الحبيب كم اشتقت إليه ولكنه قد سافر
أجهشت عائشة بالبكاء، فتبسمت صفية وقالت:
ـــــ ماذا تتمنين أن يحدث الآن يا عائشة ؟
قالت ناشجة:
ـــــ أتمنى أن أرى عبد الله يحمل عمر ويناديني ويقول عائشة
حبيبتي عدت إليكِ
قهقهت صوفيا وقالت وهي تهز كتفها:
ـــــ ربما يا ابنتي
فجأة سمعت صوت عبدالله من بعيد يعبر مسامعها
ـــــ عائشة، حبيبتي، عدت إليكِ يا عائشة:
ارتجفت وأخذت تتلفت حولها وتتسائل ذاهلة:
ـــــ ما هذا!! أسمع صوت عبد الله وكأنه قادم من بعيد
ولا أراه . أين هو؟ أين هو؟
قهقهت صوفيا وأشارت إلى بعيد وقالت:
ـــــ انظري خلفك يا عائشة
نظرت خلفها، فأبصرت ما جعلها تنتفض عن الأرض وتقفز
فرحاً، فزوجها يقف بين يديها باسماً يحمل ولدهما:
ـــــ لا ! عبد
الله يحمل عمر، لالا أصدق هاها! ولدي
الغالي، زوجي الحبيب
ضمها عبدالله وعيناه تفيض بعبرات فرحة اللقاء:
ـــــ حبيبتي، اشتقت إليكِ يا عائشة
أجهشت عائشة بالبكاء بين ذراعيه وقالت:
ـــــ حبيبي اشتقت إليك, يا الله!! كم كانت الأيام قاسية
بعيداً عنك يا حبيبي، كنت أظن أنني لن أراك أبداً ولن أرى ولدي
مسح عبراتها بيده وقال ضاحكاً يحذرها بحدقتين متسعتين:
ـــــ إياكِ والبكاء، كفانا بكاءاً يا حبيبتي، كفانا،
خذي ولدك فهو يبتسم لكِ هاها
احتضنت ولدها وأخذت تقبله بشوق جارف، وقالت وقلبها يقفز
سعادة في صدرها:
ـــــ ولدي، حبيبي، حبيبي يا عمر هاها ماذا فعلت بغير
أمك يا حبيبي هاها أراد الله أن يعيدك إليّ وأضمك إلى صدري يا ولدي
الحبيب، هاها انظر يا عبد الله إنه يبتسم هاها
ـــــ وكيف لا يبتسم وقد عاد إلى أحضان أمه . الحمدلله
يا حبيبتي، الحمدلله
قالت صفية لعبدالله باسمة:
ـــــ ممم أنا هنا يا عبد الله
استدار إليها ضاحكاً وأخذ بيديها يقبلها ويسدي لها الشكر
النابع من أعماقه:
ـــــ خالتي الحبيبة، دعيني أقبل يدك، فلولاك ما عادت لي
زوجتي وولدي.
تبسمت وقالت وهي تربت على يده:
ـــــ يا ولدي، بل هي إرادة الله أن يكافئك ويكافئ زوجتك
الطيبة على الصبر على البلاء . خذ زوجتك وولدك وانصرف الآن
ـــــ وأنتِ يا خالتي إلى أين ؟
ـــــ سأراك ليلاً في موعدنا كما اتفقنا
ـــــ في آمان الله يا خالتي
اتجهت صفية إلى عائشة وولدها وهي تقول باسمة:
ـــــ دعني أقبل عمر وأم عمر قبل انصرافي، تعالي يا أم
عمر لأقبلك هاها
قبلتها عائشة بمحبة صادقة وأسدت لها الشكر:
ـــــ هاها أشكرك يا أمي، أشكرك، جزاكِ الله عني وعن
زوجي وولدي خيراً
هزت صفية رأسها باسمة وربتت على كتف عائشة، وقالت:
ـــــ وأقبل عمر الجميل هذا الذي كف عن البكاء وتبسمت
قسماته حين عاد لصدر أمه الحاني .. في
آمان الله يا عمر انت وأـباك وأمك . السلام عليكم ورحمة الله
ـــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا خالتي
الحبيبة صفية
*******************************************
ما زالت مانويلا في السيارة معصوبة العينين وتعتقد أن
الراهب اختطفها، فكانت ترجوه بنشيج:
ـــــ إلى أين أنت مصطحبني أيها الراهب، اتقي الله
واتركني
ـــــ هش، هش، لا أريد أن أسمع صوتك طيلة الطريق
قالت بنشيج:
ـــــ إرفع هذه العصابة عن عيني، قد سئمت الظلام
ـــ قلت لكِ اصمتي، اصمتي. سأقف هنا لتركب أمي وزوجة أخي
توقف بالسيارة، فغمغمت مانويلا باندهاش:
أمه وزوجة أخيه!! ماهذا المجنون!! هل سيصطحبني إلى مكان مهجور أم إلى رحلة ودعا إليها كل أقربائه! عندما تركب أمه
سأستعطفها ربما تركتني أمضي لحال سبيلي ووبخت ابنها
جاءت والدة أحمد بصحبة حفصة، فركبت إلى جواره ، فاستدارت
تكاتم الضحك وحيت مانويلا بتحية الإسلام:
ـــــ السلام عليكم يا ابنتي هاها كيف حالك ؟
ردت مانويلا باندهاش:
ـــــ السلام عليكم ! من أنتِ ؟؟ أنا لا أراكِ . هل أنتِ
مسلمة ؟
هههه الحمدلله . اركبي يا زوجة ولدي بجانب هذه المعصوبة
العينين هاها
ركبت حفصة إلى جوارها وقالت بغلظة:
ـــــ مرحباً، وقعتي في قبضتي أخيراً، اليّ بذراعك
أمسكت حفصة بذراعها فعضته ببعض العنف، فصرخت مانويلا:
ـــــ آآآه! من أنتِ أيتها المفترسة ؟ قد سمعت هذا الصوت
العجيب من قبل
ـــــ أصمتي، هش
قالت مانويلا بنشيج كالأطفال:
ـــــ صمت، إلى أين ستصطحبونني يا هذه، أنتِ يا من
تجلسين إلى جواري، أجيبيني
ـــــ لا أسمح لكِ بالحديث معي، دعيني فقط آخذ بثأري وألقنك درسا لن تنسيه عندما نصل إلى المنزل،آآآخ
ـــــ اهئ اهئئ ما هذه العائلة المفترسة اهئ اهئ
***********************************************
توقف أحمد بالسيارة عند المنزل وقال:
ـــــ ها نحن ذا قد وصلنا، اصطحبيها يا زوجة اخي
إلى شقتي حتى أعود
سبته مانويلا بنشيج كالأطفال:
ـــــ أيها الحقير
قبضت حفصة على ذراعها، وجرتها بعنف إلى خارج السيارة وهي
تقول بغيظ:
ـــــ تعالي، تعالي آآآخ
قالت مانويلا إذ حفصة تجرها جراً إلى داخل المنزل وتصعد
بها الدرج مسرعة:
ـــــ اهئ اهئ هذه الأيدي الغليظة تذكرني بيدٍ قد مسكتها يوماً، تتشابه الأيادي أما المصائر
فالله أعلم بها، حلوا عني قيودكم ارفعوا عن عيني العصابة ، يا أختي اترضيه لنفسك ؟
ـــــ أجل أرضاه
ـــــ اهٍ يا قليلة الحياء اهئ اهئ لكن أنا لا أرضاه، اتركيني أذهب
قالت حفصة وهي تصر على أسنانها:
ـــــ ها نحن قد دخلنا إلى المنزل، تعالي
ـــــ آآآه! يدي،
يدي أيتها المتوحشة
دفعتها حفصة إلى المقعد بعنف وقالت:
ـــــ اجلسي هنا يا رقيقة
ـــــ أهكذا يا هذه ! كدت أن أقع
ـــــ هنا ارفع عن عينيكِ العصابة لتنعمي بالضوء، تفضلي
رفعت عن عينيها العصابة، فلم تستطع مانويلا أن تبصر،
فقالت وهي تفرك عينيها:
ـــــ آآآه! يا
إلهي! لا أرى . الرؤية متعذرة بسبب طول الوقت الذي استمرت فيه الغمامة على عيني ممم ابتدأت الرؤية تتضح ممم من هذه ؟
بدأت الرؤية تتضح فظهرت لها ملامح حفصة، فصاحت فرحاً
واندفعت صوبها:
ـــــ لالالا، هاها حفصة حبيبتي
ـــــ ابتعدي عني
نظرت إليها مانويلا وقالت ناشجة:
ـــــ أما زلتِ غضبى مني يا حفصة ؟
ـــــ هاها لا . بالطبع لا يا زينب. سبحان الله، وكأني أرى
ملامح وجهك لأول مرة في حياتي. أصبحت ملامحك هادئة جداً وعيناكِ مليئتان بالطيبة
بعد أن زال عن قلبك الحقد والغل وأنار بنور الإسلام
ـــــ هاها الحمدلله يا أختي . اشتقت إليكِ يا حفصة
.وانتِ ألم تشتاقين إليّ ؟
ـــــ هاها بالطبع لا.
ـــــ أهكذا!
ـــــ أنا لا أحب الكذب
قالت مانويلا وهي تهز كتفيها:
ـــــ ولا أنا
قهقهت حفصة وقالت:
ـــــ بالله ؟؟ هاها مَن إذن من كذبت وادعت أنها مسلمة
ثم اتضح أنها راهبة نصرانية ؟
ـــــ ممممم لا أعرف يا حفصة. أنا اسمي زينب ومسلمة .
ولكن من هذا الراهب الذي اصطحبني إلى هنا ومن أين عرفتموه ؟ أنا أتعجب
ـــــ هاها إنه أحمد
صرخت مانويلا حزناً وقالت باكية:
ـــــ أحمد !!! اللهم لا حول ولا قوة الا بالله اهئ اهئ أعندما
أدخل الإسلام أنا يخرج هو منه ؟ لِمَ يا أحمد لِمَ !!! اهئ اهئئ وكأن زواجنا
مستحيلا إلى الأبد .. أين ذهب أحمد ؟
ـــــ هاها ذهب ليأتي بالمأذون ليعقد عقدكما
ـــــ ماذا !! أنا لا أوافق
دلف أحمد في زي الراهب، فقالت حفصة باسمة:
ها هو قد جاء، فارفضي كما شئتِ هاها أحضرت الشهود يا
أحمد ؟
ـــــ بالطبع.
اتجه إلى زينب وقال باسماً:
مرحباً، كيف
حالك يا زينب؟
ـــــ اهئ اهئ مرحباً سيد الكزندر اهئ اهئ
ـــــ هاها المأذون جاهز والشهود أيضاً، وأخي سيكون
وكيلك، فهل توافقين على الزواج مني أم سيتضح أنك يهودية هذه المرة ؟ هاها
ـــــ اهئ اهئ بل أنت الذي اتضح أنك راهب نصراني بينما
أنا مسلمة ولذا لا يجوز الزواج اهئ اهئ
ـــــ هاها أنا مسلم مثلك يا زينب الحمدلله .
ـــــ اهئ اهئئ يا كاذب اهئ اهئ أنت ترتدي ثياب الرهبان
وتعلق الصليب اهئ اهئئ
ـــــ عذراً، كنت متعجل ولم أتمكن من استبدال زي الراهب
هاها
اتسعت حدقتاها فرحاً وسألته:
ـــــ أفهم من ذلك أنك لست ألكزندر الراهب ؟
ـــــ هاها كان اسمي الكزندر بالفعل قبل إسلامي، ولكن
أنا أحمد المسلم الموحد الذي اختارك لتكونين زوجته أم أولاده يا زينب، فهل تقبلين ؟
ـــــ هاها ممممم إنها مفاجأة حقا لم أتوقعها. أوافق يا أحمد
ـــــ وأنا غير موافق يا زينب، فقد تراجعت هاها
ـــــ أهكذا يا احمد ؟ اهئ اهئ
ـــــ هاها أداعبك يا زينب . هيا لإتمام العقد
*****************************************
بعد العقد، هنئتها حفصة ببسمة ود:
ـــــ مبارك يا زينب
ـــــ بارك الله فيكِ يا حفصة يا اختي، دعيني أقبلك هاها
ضحكت حفصة وقبلتها قائلة:
ـــــ قبلتي لكِ أيتها العروس الجميلة
ـــــ هل ستكتفي بقبلة ولن تهاديني يا حفصة ؟ هاها
ـــــ هاها انتظري فقد أتى كل شيء على عجل ولم أتمكن من
اختيار هدية مناسبة . غداً صباحاً آتي لزيارتك ومعي هدية إن شاء الله
ـــــ ولكن أنا أخذني الذهول والفرحة بوجودي بينكم ونسيت
أن اسأل عن علاقتكم بالأم صوفيا
ـــــ هاها إنها مسلمة مثلنا
صعقت مانويلا واتسعت حدقتاها وقالت:
ـــــ الأم صوفيا
مسلمة !!.... لالالا، انتِ تهذين يا حفصة لالالا
ـــــ هاها سأقص عليكِ الأمر
*******************************************
سمع
الدكتور سالم دقات جرس الباب، فسأل:
ـــــ من بالباب ؟
ـــــ هاها افتح يا أبي، أنا عائشة
ـــــ عائشة !! أقول من بالباب ؟
ـــــ هاها عائشة يا أبي، والله أنا عائشة ومعي عمر ولدي
وزوجي عبد الله إلى جواري، افتح يا أبي
إرتعد الدكتور سالم وازدرد ريقه وغمغم:
ـــــ ها!! ياللعجب! أصابني الجنون الذي أصاب مريم وأسمع
صوت عائشة بالخارج. اللهم لا حول ولا قوة الا بالله. أفتح ام ماذا افعل ؟
عاد يسأل بنبرة مضطربة:
ـــــ أقول من بالباب ؟
قهقه عبد الله وقال:
ـــــ إفتح يا عمي سالم، أنا عبد الله ومعي عائشة وعمر
ـــــ ها!! يبدو أنه حقاً قد أصابني ما أصاب مريم من
كثرة حديثي معها. أخشى أن أسأل المرة القادمة
من بالباب فيجيب عمر، إفتح يا جدي، أنا عمر ومعي أمي عائشة وأبي عبد الله...
لالالا، سأفتح وبعدها أذهب إلى الطبيب
النفسي ليعالجني مما أصاب عقلي
فتح بيد مرتعشة وعينان تترقبان ما خلف الباب، فإذ
بالقشعريرة تسري في عروقه حين أبصر عائشة تقفز في أحضانه ضاحكة:
ـــــ أبي، أبي، اشتقت إليك يا أبي
ـــــ يا إلهي، إنها حقاً عائشة، هاها، إبنتي، لا أصدق عيناي
هرع إلى الداخل يوثب بين الفرحة والذهلة وينادي زوجته:
ـــــ تعالي يا مريم، انظري يا مريم، إنها عائشة تحمل
عمر ومعها عبد الله
جاءت والدة عائشة تهرول صوب ابنتها والسعادة تجتاح قلبها
الذي أضناه الشوق:
ـــــ إبنتي الحبيبة هاها ألم أقل لك يا سالم ؟ كنت تظن أني
مجنونة هاها تعالي يا ابنتي، تعال يا عمر يا حفيدي الجميل هاها مرحباً يا عبد
الله هاها تعالي في حضن أمك يا عائشة
طفقت تحتضن ابنتها ويتبادلان القبلات الحارة وتقول
بعبرات الفرح:
ـــــ كنت في انتظارك يا حبيبتي بين لحظة وأخرى
ـــــ أمي، أمي. أهٍ أيتها الأحضان الدافئة الحانية، اشتقت
اليكِ يا أحضان أمي
ــــــ
ههه أبوكِ لا يزال ينظر اليك ويخشى أن يضمك
ـــــ ههه سأضمه أنا،
خذي عني عمر. اشتقت إليك يا أبي
ارتمت في أحضان والدها الذي ينظر إليها ذاهلاً، فشعر
بدماء الحنين تتدفق في عروقه، وأخذ يضمها:
ـــــ ابنتي، ابنتي، انتِ بخير يا عائشة ؟ انتِ بخير يا ابنتي
؟
ـــــ بخير يا أبي بفضل الله وحده . الحمدلله حمدا كثيرا
هو وحده من نجاني ووضع بطريقي من يتقي الله وأعادني اليكم سالمة الحمدلله
قهقهت والدتها وقالت:
ــــــ أعلم عمن تتحدثين يا عائشة يا ابنتي . تتحدثين عن
صفية خالة زوجك بارك الله فيها
فغرت عائشة فاها إندهاشاً للحظة، ثم قالت وقد اتسعت
حدقتاها:
ــــ أتعرفينها يا أمي!
ـــــ جزاها الله عني خيراً، لم ترد أن يتمزق قلبي على
فراقك فوصلت لرقم هاتفي المخزن على هاتفهك وقالت لي اطمئني ابنتك بخير وفي حمايتي
وسأعيدها إليكِ وولدها الصغير فلا تبتئسي . جزاها الله عني كل الخير
ـــــ ههه أهكذا ! والله حقاً أحببتها أمي صفية هذه .
والله إنها لرقيقة القلب ولم تحتمل أن يعتصر قلب أم على فراق ابنتها. جزاها الله
عنا خيراً اللهم آمين
قهقه عبد الله وقال:
ــــــ خالتي بالفعل طيبة جداً، ولكن آخر ما كنت أتوقعه أن
تكن مسلمة. الحمدلله أن قر عيني بإسلام أهلي جميعهم ورزقني ولداً أربيه على
الإسلام والجهاد في سبيله، اللهم لك الحمد
صاح والد عائشة بوالدتها غضباً:
ـــــ أهكذا يا مريم!! تعلمين أن ابنتي على قيد الحياة ولا
تخبريني!!
قهقهت السيدة مريم وقالت:
ـــــ أيها الرجل، قلت لك مراراً أن ابنتك على قيد
الحياة، وستعود إلينا بإذن الله وهي تحمل رضيعها ومعها زوجها، ولكنك اتهمتني بالجنون،
فماذا كنت أفعل لتصدق ؟ هاها
رد باحتداد:
ــــ مريم! لِمَ لم تقصي عليّ من أمر خالة عبد الله
لأصدقك ؟
ـــــ هاها عذراً زوجي الحبيب، فقد آمنتني أختي صفية على سر، وما كان لي أن أفشيه هاها
ـــــ أهكذا ! مريم هل ضربتك يوماً في حياتي
منذ تزوجنا ؟
ــــ لا،لا، أبداً. أنت لم تضربني أبداً يا حبيبي ههه
ــــــ إذن فهذه ستكون المرة الأولى، تعالي هنا
جرى خلفها ليلحق بها، فقهقهت وهي تفر منه مستغيثة:
ـــــ أغيوثني لالالا، سأجري وأختبئ في غرفتي
قهقهت عائشة وشفعت لأمها:
ــــ يا أبي اعذرها، يبدو أن خالتي صفية شددت عليها في حفظ
السر
ــــ سأسامحها، فقد حاولت مراراً أن تخبرني أنك ما زلتِ
على قيد الحياة ولكنني كنت لا اصدقها وبالفعل اتهمتها بالجنون . تعالي يا مريم،
تعالي، أنتِ تعلمين أني سالم المسالم الذي لا يضرب زوجته مهما بدر منها واشتد غضبه
عليها تعالي
أتت ضاحكة تقول:
ــــــ أعلم يا حبيبي انك لم تكن قاسي القلب يوما . حفظك
الله لي يا سالم
ــــــ وحفظك الله يا أم عائشة. يا إلهي! عادت البسمة إلى
حياتنا مرة أخرى، بعدما ظننت أن أحزاني
تملكتني. اللهم لك الحمد أن أعدت لي ابنتي وولدها سالمين، اللهم لك الحمد
لهجت عائشة بحمد الله:
اللهم لك الحمد ان رددتني لأهلي ورددت لي زوجي وولدي
اللهم لك الحمد
اقتربت والدتها من الطفل تداعبه فرحة وقالت وهي تحمله
عنها:
ـــــ هاتي عمر يا عائشة لألعب معه. انظر يا سالم كم هو
جميل جميل. اللهم بارك
داعبه جده وحمله عن جدته وقبله وهو يقول جذلاً:
ــــ تعال يا عمر، تعال يا حبيب جدك، تعال يا عمر. بارك
لكم في الموهوب وشكرتم الواهب وبلغ اشده ورزقتم بره يا أبا عمر
ــــ بارك الله فيك يا عمي سالم. يشبه عائشة جداً
ضحكت عائشة وقالت لزوجها:
ــــ قلت لك يشبهك، يشبهك. فقط أخذ مني لون عينيّ . أليس
كذلك يا أمي ؟
ــــــ يشبهكما أنتما الإثنين. ماشاء الله مبتسم حبيبي. تعال
يا قلب جدتك، تعال واترك أمك، ونم قرير العين في حجر جدتك. تعال يا عمر
ضحكت عائشة وأعطته لوالدتها:
خذي يا أمي
******************************************
دعت والدة عائشة ابنتها للسمر قائلة بمرح:
تعالي يا عائشة يا حبيبة أمها نتسامر فقد نام زوجك وأبوكِ، وها هو عمر الجميل
نائم في حجري كالملاك. قصي عليّ ماحدث لكِ
في الدير من تعذيب
تنهدت عائشة بعمق وقالت:
آهٍ يا أمي! التعذيب البدني لم يكن مشكلة، ولكن التعذيب
النفسي وشعوري بالظلم وفقدان زوجي وسفره ورعبي على ولدي الذي يريدون تنصيره بعد
ميلاده، وعزمهم قتلي بلا ذنب، كانت كلها أحاسيس في قمة القسوة، وكم تجرعت مرارتها
قهقهت والدتها وقالت:
ـــــ هذه كانت رغبتك يا ابنتي الحبيبة
ــــ أنا يا أمي ! كيف ؟
اشتد ضحك الأم وقالت:
ـــــ أتتذكرين عندما كنتِ تقرأين عن تعذيب المسلمين
الأوائل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وتقولين ليتني كنت معهم لأتعذب من
الكفار، فأنا وُلدت مسلمة ولم أتعرض للتعذيب من أجل ديني، ولم يتمحص إيماني.
فافرحي يا ابنتي فقد جاءك عذاب الكفار في
العصر الحديث حتى لا تبتئسي
قهقهت عائشة حتى دمعت عيناها وقالت:
ــــــ أضحك الله سنك يا أمي. حقا كم تعذب المسلمين
الأوائل. الحمدلله الذي عافانا
قهقهت والدتها وقالت:
ـــــ تخافين أن تقولي ليتني كنت معهم، حتى لا تعودي إلى
الدير مرة اخرى؟
شهقت عائشة فزعاً حين تذكرت ما لقته في الدير، وقالت:
لا أعاد الله هذه الأيام الثقال. الحمدلله يا أمي حمداً
كثيراً . رغم أن الكثير من المسلمين يتعرضون حتى الآن إلى تعذيب الكفار في شتى
بقاع الأرض. اللهم ارفع الظلم عن المسلمين في كل مكان اللهم آمين
أمنت أمها على الدعاء وقبلتها شوقاً:
ــــــ آمين يا بنيتي، آمين. اشتقت اليكِ يا حبيبة أمها
استيقظ الصغير وبدأ في الصراخ، فقبلته الجدة وقالت
تداعبه:
ــــــ يا حبيبي يا عمر، يا قلب جدتك. جميل، جميل ماشاء
الله. حفظك الله يا حبيب يا ابن الحبيبة. خذي أرضعيه يا عائشة، وأنا سأقوم لأعد
الطعام لنأكل سوياً ، فكم اشتاق قلبي إلى هذا اليوم الذي يجمعنا على مائدة واحدة
بقلوب فرحة بحلاوة لقاء الأحباب بعد الاشتياق وطول الفراق
ــــــ الحمدلله الذي جمعنا يا أمي، الحمدلله. هاتي عمر
يا أمي. بسم الله تعال حبيبي، تعال
********************************
في المساء اصطحب عبد الله، عائشة ورضيعها عمر، لتهنئة
زينب وأحمد على الزواج، هنأتها عائشة في
حضرة حفصة، وقبلتها، وقدمت لها الهدية:
ــــــ مبارك يا زينب، مبارك. هذه هدية عمر. أليس كذلك
يا عمر؟
ضحكت زينب وداعبت الصغير:
ـــــ عمر حبيبي. تتذكرني ؟ انا من هربت بك وأعطيتك لهذه
المرأة الطويلة. لا يريد أن ينظر إلى حفصة هاها.. حفظه الله لكِ يا عائشة
ـــــ بارك الله فيكِ. عمر انظر إلى خالتك حفصة، انظر. يبتسم
للجميع
عبرت حفصة عن سعادتها بوجود عائشة:
ــــــ لا أصدق يا عائشة أنك معنا
مرة أخرى . اشتقت اليكِ يا عائشة ورب
السماء
ـــــ والله لأنا أشد منكِ شوقا يا حبيبة. الحمدلله الذي
جمعنا مرة أخرى، ولم تشق قلوبنا بالفراق ومرارته الحمدلله
ضحكت زينب وقالت لعائشة:
ــــــ ألم تشتاقين إليّ أنا أيضاَ يا عائشة ؟
ضحكت عائشة وقالت:
ـــــ كنتِ معي في الدير طوال الوقت يا زينب
ـــــ لا تذكريني به مرة أخرى . الحمدلله أن خرجت منه
وتزوجت أحمد
قهقهت حفصة وقالت:
ــــــ فقدت
الحياء زينب
ضحكت زينب واشتكت لعاشة:
اسمعتِ يا عائشة ماذا تقول عني حفصة ! أنا غضبى منك يا
حفصة
تعجبت حفصة:
غضبى وتضحكين!
ضحكت عائشة وقالت لحفصة:
ـــــ أجمل ما في زينب خفة روحها يا حفصة
قالت زينب ضاحكة:
ـــــ لالا، بل وجمالي أيضاً. أحمد يقول أني جميلة
ضحكت حفصة وقالت تثير غيظها:
ـــــ قلت لكِ أنه لا يرى جيداً
ــــــ يكيفني أنني جميلة في عينيه يا حفصة هاها. أين
الهدية التي وعدتيني بها ؟
ــــ تفضلي، خاتم ذهبي لا تستحقينه
ـــــــ المهم أن يكون ملكي، ولا يهم أن أستحقه أم لا،
هاتي يا حفصة هدية مقبولة يا أختي. أردها لكِ عندما ترزقين ببنتٍ جميلة مثلي،
وتسمينها زينب
ـــــ قادمة في الطريق إن شاء الله، ولكن سأسميها عائشة
إن شاء الله
فرحت عائشة وقالت لحفصة:
ــــــ ماشاء الله. أنتِ حامل يا حفصة. ستأتي بعروس
لولدي إذن
ـــــ إن وافق فليتزوجها هاها
ـــــ مبارك يا أختي، مبارك، كم هي سارة هذه الأخبار.
زواج زينب، وحملك يا حفصة
ـــــ بل الأكثر سروراً هو عودتك إلينا يا عائشة والله.
الحمدلله يا أختي.
نظرت حفصة إلى زينب وقالت:
قومي يا زينب وأعدي
لنا شراباً
ـــــ شراباً! هل ستقيمان عندي للأبد ؟
قهقهت عائشة وقالت لحفصة:
ـــــ إنها تطردنا يا حفصة. سأدق على هاتف عبد الله
وننطلق ومعنا عمر ونترك العروس لعريسها
ـــــ هيا يا عائشة، فقد ضاقت بنا ذرعاً
قهقهت زينب وقالت:
ــــــ لا تقولا هكذا! أنتظر زيارتكما القادمة بعد شهرين
أو ثلاث إن شاء الله
*********************************************
دخل الحارس جوزيف، على الآب دانيال لينبئه بقدوم زائر:
آبانا دانيال.الدكتور لوكاس يطلب الإذن بالدخول
ـــــ مرحبا به، دعه يدخل
دلف الدكتور لوكاس، وحيا القس:
ـــــ طاب صباحك، دانيال
اتسعت حدقتا القس غضباً حين سمع اسمه مجرداً عن التفخيم،
وانتفض عن مقعده، وصاح بالدكتور لوكاس:
ـــــ دانيال!!! كيف تنطق اسمي مجرداً هكذا يا لوكاس!!
قهقه الدكتور لوكاس وقال بتحدٍ:
ـــــ لست لوكاس. إسمي
محمدي، الدكتور محمدي
استشاط القس غضباً وأصر على أسنانه وقال:
محمدي!! ويحك، ويحك يا لوكاس. أسلمت أيها الخائن!! لقد خنت
يسوع
صاح به الدكتور لوكاس ثائراً ومشيراً إليه بإصبع
الاتهام:
ــــ بل أنت الذي خان يسوع، أنت الذي لم تأتمر وأمثالك بأوامره.
قلتم المسيح ابن الله، والله لم يتخذ ولدا، قلتم قولاً يكاد يشق الأرض ويفطر السماوات،
وتخر من هوله الجبال.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ
شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ
الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً
(91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِن كُلُّ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ
أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ
الرَّحْمَنُ وُدّاً (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ
الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً (97
أردف الدكتور لوكاس بمزيد من الاتهام:
ــــ أمرك يسوع باتباع النبي الذي يأتي من بعده، فلم تفعل
هاج هائج القس:
ـــــ عن أي نبي تتحدث! عن أي نبي تتحدث يا لوكاس!!
أتاه صوت صوفيا مدوياً:
ـــــ أخبرك أنا يا دانيال
ــــ صوفيا!! تقولين دانيال بغير ألقابٍ يا صوفيا؟
أسمعتي يا صوفيا ما يقوله لوكاس!! قولي له أنت كاذب، ردي عليه يا صوفيا
قهقهت وقالت باعتزاز:
ــــــ بل أنا صفية، صفية المسلمة، المؤمنة بكل ما جاء
به المسيح، وذكره القرآن مؤيدا
اختل توازن القس، وأخذ يترنح وهو ينظر إلى صوفيا
ذاهلاً.. حاول التماسك وقال كمن يكذب أذنيه:
ـــــ قرآن!! ... تقولين قرآن....
صاح كمن طاش عقله:
ـــــ كفرتِ بالإنجيل يا صوفيا!!
هزت كتفيها وقالت تعجباً:
ــــ أي إنجيل فيهم !! إنجيل يوحنا!! أم إنك تقصد إنجيل
متى، أو ربما تقصد إنجيل لوقا، أو تراك تتحدث عن إنجيل برنابا! فكل إنجيل له صاحب،
وكل إنجيل وله روايات وأساطير، وكم من افتراءات وأباطيل تملئون بها العقول.
استطردت صوفيا بحسم:
ـــــ أنا لا أؤمن إلا بالإنجيل الذي نزل من السماء على عيسى عليه السلام،
والتوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، والقرآن الذي نزل على محمد عليه الصلاة والسلام،
وأؤمن بكل الكتب السماوية، وأؤمن بكل الرسل وأؤمن بالله الواحد الأحد واليوم الآخر
أخذ القس يهز رأسه في ذهول، ويردد:
ـــــ لا أصدق!، لا أصدق! أنتِ يا صوفيا يا حبيبة القديسين!!
قهقهت صوفيا وقالت:
ــــــ إنه اللقب الذي اخترته أنت لي، وجعلت تلقنني أساطير
حول القديسين، لأقصها على الراهبات حتى يصدقن أني حقاً أراهم أمامي وأتحدث إليهم،
وأنهم يظهرون لأحباب يسوع المخلصين. أنا صفية، وما أنا إلا إمراة مسلمة ترجو عفو
الله وغفرانه وتحسن الظن بلقائه
صاح كالملتاث:
لا، أشعر أن أرواحاً خبيثة تملكتكِ يا صوفيا، أفيقي
ـ بل أفق أنت. فقد كثرت أعداد المسلمين في أوروبا رغم كل ما تشيعونه من أباطيل حول الإسلام. أنظر
كل من سيدخلون عليك الباب الآن، هم كانوا نصارى والآن بفضل الله من المسلمين
نظرت صوفيا إلى الباب وصاحت بصوت جهور:
ـــــ ادخل يا عبد الله
أنت وأبوك، أدخل يا محمد أنت وأبوك وأخوك أحمد، أدخلي يا زينب، ادخلي يا زهراء،
أدخلي يا حفصة انتِ وأمك وأبوكِ وإخوتك، فليدخل كل من آمن بالله رباً وبالإسلام دينا
وبمحمدٍ نبياً ورسولا وترك الشرك. اعلنوها مدوية تزلزل أركان الكنيسة وقولوا أشهد أن
لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله
دخلوا عليه الباب ينطقون شهادة التوحيد مدوية تزلزل
الأركان حوله:
نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا رسول الله
ارتعد القس لرؤيتهم، وصم آذنيه لهزيم أصواتهم وصاح:
ــــ لا ، أخرجوا، أخرجوا من الكنيسة، أنتم لا تستحقون، أخرجوا
يا خونة يسوع
ناداه عبد الله بصوت مزلزل:
ـــــ دانيال
نظر إليه القس بعينين متقدتين، وقال مصراً على أسنانه:
ـــــ ماذا تريد يا كيفن. اهٍ يا رأس الحية!! أخرج وعصابتك
خارج الكنيسة
ــــ ليس قبل أن أثأر منك أيها القس، لي معك ثأر ويجب أن آخذه، وسأقتص أمام الجميع
ارتعدت فرائص القس، ورجع بخطواته إلى الوراء، وهو يقول
بعينين هلعتين:
ــــ ماذا ستفعلون بي!. ماذا ستفعلون! أنا، أنا، أنا لم أفعل
شيئاً لتعاقبوني.
وجه نظرة استعطاف إلى عبد الله وقال بمذلة وأنفاسه
تتلاحق:
ــــ كيفن أو يا عبد الله، أنت أسلمت، فيجب أن تتحلى
بأخلاق نبي الإسلام، نبيكم لم يقتص من أعدائه يوماً . نبيكم كان يعفوا عمن أساء
إليه. نبيكم عندما تمكن من رقبة أعدائه قال ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم ؟ قالوا اخٌ
كريم وابن اخٍ كريم . فقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. فتحلوا بأخلاق نبي الإسلام،
واعفوا عني، اعفوا عني كما عفا نبيكم عن من قبلكم، فقد كان على خلق عظيم
قهقه عبد الله وقال:
ـــــ تعلمون كل شيء عن نبينا وعظمته ووصفه وأفعاله،
وبالرغم من ذلك تصدوا الناس عن دعوته، بل وتكذبوه . صدق الله حين قال في كتابه:
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ
كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا
يُؤْمِنُون
أرسل القس توسلاته إلى الجمع تترى:
ــــ كونوا أكرم مني، واعفوا عني، واذهبوا واتركوني، فقد
زاد عددكم وقويت شوكتكم ولا طاقة لي بكم
قال عبد الله:
ـــــ سنخرج يا دانيال، ولكن سنسمعك الشهادتين مدوية مرة
أخرى تهز أرجاء الكنيسة معلنين أن الله واحد. هيا أيها المسلمون
ـــــ نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا رسول الله
دخل جوزيف وقال للقس بصوت جهور:
ــــ وأنا سأخرج معهم يا دانيال. خذوني معكم، أنا جوزيف،
وأريد أن أسلم معكم
صاح به القس من فرط ذهوله:
ــــ حتى أنت يا جوزيف!!
وضع محمد يده على كتف جوزيف وقال باسماً:
ـــــ هيا يا أخي، أنا أخوك محمد. تعالى لتشهر إسلامك
وتنضم إلى الموحدين بالله سبحانه وتعالى
ـــــ هيا، فما أجمل صحبتكم. والله قد اهتز قلبي حين
نطقتوا بالشهادتين، وأريد أن أنطقها أمام دانيال .. اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمداً رسول الله . هيا، هيا نغادر هذا المكان
خرجوا من الباب، فعض القس على يديه غيظاً وصاح:
تبا لكم يا خونة يسوع، لو كان بيدي لمزقتكم جميعاً، ولكن
كيف! كيف وقد استأسدتم!! زاد المسلمون. إنهم يدخلون في الإسلام أفواجا، لا، لا،
تباً لكم، تباً لكم
*************************************
همت صوفيا بالمغادرة، فناداها عبد الله بود:
ــــ خالتي، إلى أين يا خالتي؟
ــــ لا أعلم يا ولدي. حتى الآن لا أعلم
ـــ إذن تعالي معنا. أنا وزوجتي وأبي أيضاً سنعيش في
منزل واحد، وأنتِ سأشتري لكِ منزلاً مجاوراً ونعيش سوياً
تبسمت وربتت على كتفه وقالت:
ــــ لا داع يا ولدي. إهنأ أنت وزوجتك ووالدك وولدك، ولا
تشغل بالك بخالتك
ــــ لا والله، أنتِ حبيبتي يا خالتي. أنتِ أخت أمي
الحبيبة، وليس ذلك فحسب، بل أنتِ صاحبة فضل وجميل يطوق عنقي، ويكفيني أنك رددتِ لي
زوجتي وولدي
ـــــ أنت ولدي يا عبد الله، ويعلم الله كم أحبك. أنا لم
أتزوج ولم انعم بولدٍ أو بنت، فصببت كل حبي عليك يا ولدي. فكيف كنت أتحمل أن تشاكك
شوكة يا قرة عيني!.
ـــــ لذا فبالله عليكِ دعيني اُشعرك كيف أني أيضاً أحبك
مثل أمي تماماً، ولا أطيق لكِ فراقا. ألا تحبين أن تعيشي مع حفيدك عمر ؟
ــــ أجل أحب، أحب، بل وأتوق إلى اليوم الذي أراه ساجداً
لله، مقبلاً على دينه كأبيه وجده وسائر أهله
ـــــ إذن هيا معي يا خالتي
ــــ هيا يا عبد الله يا ولدي . جزاك الله عني خيراً، لأنك
لم تتركني في كبري يا ولدي
ــــ هذا حقك عليّ يا خالتي الحبيبة
******************************************
في وقت السحر، استيقظ عبد الله وتوضأ، وطفق يوقظ عائشة:
ـــــ هيا يا عائشة، استيقظي حبيبتي للقيام
ــــ هأنذا يا حبيبي استيقظت .
ـــــ دائماً لا ترهقيني في إيقاظك
ــــ دائماً كانت تقول أمي ذلك. ذاهبة لأتوضأ لنصلي يا حبيبي
ــــ هيا حبيبتي، أنتظرك لتعلميني آيات أخرى إن شاء الله
*******************************
فرغا من صلاة القيام:
ــــــ السلام عليكم ورحمة الله ............ السلام
عليكم ورحمة الله
ـــــ السلام عليكم ورحمة الله ............. السلام
عليكم ورحمة الله
التفت لها عبد الله باسماً وقال:
ـــــ تقبل الله منكِ زوجتي الحبيبة
ـــــ تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال يا زوجي
الحبيب
سمعا صراخ الطفل، فهرعت إليه عائشة:
ـــــ استيقظ عمر، تعال يا حبيبي، تعال يا ولدي
ـــــ أتعلمين ماذا أود أن أفعل الآن يا عائشة ؟
ـــــ ماذا تود أن تفعل يا حبيبي ؟
ــــ أن أفتح النافذة
أنا وأنتِ ونحن نحمل عمر وننظر إلى السماء المضاءة بضوء القمر الخافت،
ونحمد الله أن جمعنا على طاعته، وأتذكر أن قد جمعني أنا وأنتِ ضوء القمر. ضوء
القمر الذي بدد ظلام حياتي يا صاحبة الضوء
ــــــ تعال يا حبيبي نحمل عمر ونفتح النافذة ونشكر الله
ان أضاء حياتنا بضوء القمر وأخرجنا
من الظلام
فتحا النافذة، وأمسكا بطفليهما، وظلا ينظران إلى قمر
السماء بابتسام، قال عبد الله:
يا الله!! كم هو جميل ضوء القمر يا عائشة، وكم يذكرني
بأجمل أيام حياتي يا كل حياتي
ـــــ ما ضوء القمر إلا إسلامنا الذي أعزنا الله به يا حبيبي
، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام
ــــــ اللهم لك الحمد أن هديتني للإسلام ووهبتني زوجة
صالحة، ووهبتني منها ولداً أربيه على الإسلام، الحمدلله على نعمة الإسلام.
****************************************
بسم الله الرحمن الرحيم
وقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ
شَيْئاً إِدّاً (8
9)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ
الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنبَغِي
لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ
عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ
بِهِ قَوْماً لُّدّاً (97
********************************************
تمت بحمدالله وعونه وتوفيقه
إن كنت وفقت في هذا العمل، فالفضل كله يرجع لله وحده
وإن كنت قد قصرت في شيء فمن نفسي ومن الشيطان
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله
رواية أنا وكيفن وضوء القمر
هبة نور
تاريخ النشر الأول للرواية 28 ديسمبر 2013
الله يسعدك يا استاذه هبه كما تسعدين بس اتمني تكون بدي اف و كل شكر لله ثم لكي 😘
ردحذفالرواية الرائعة.. والجميلة جداً
ردحذفلا نمل من قرائتها والانفعال مع كل احداثها
♥️دُمتِ مُبدعة ♥️