حارة الموعودين( الرابعة عشر)

 

دخل عدوي على عروسه الفاتنة الشقراء ميسون، التي سألته:

 

مين جه برا يا دودي؟

 

دي ضرتك الكبيرة، المعلمة جباير

 

ايه! ودي ايه اللي جابها! وازاي تيجي من غير معاد!!

 

قومي البسي واخرجي عشان تقابليها، وما تتأخريش عليها، عشان دي بعيد عنك زعلها وحش

 

زفرت وقالت بضيق:

 

ما تزعل ولا تتفلق! هي مين دي كمان عشان اعملها اعتبار!

 

طب وطي صوتك وخافي على عمرك، عشان دي ما عندهاش يا امّا ارحميني

 

سألته بمكر وهي تختال بشعورها:

 

وهي جاية ليه؟ جاية عشان تشوف عروستك الجميلة اللي بيحكوا عنها؟

 

قهقه عدوي وقال:

 

مسكينة، ما تعرفيش جباير، انتِ متهيألك إن جباير زي باقي الحريم! وربنا ما يتهزلها شعراية مهما كان جمالك!

 

اومال جاية ليه؟

 

قال بعينين مرتابتين:

 

الله أعلم ايه اللي ورا زيارتها. يلا بسرعة، أنا خارج أقعد معاها على ما تيجي يا مرسون

 

سرعان ما عاد إلى المعلمة جباير ومعه صحيفة كبيرة من الحلوى المتنوعة وقال يرحب بها:

 

منورانا يا جباير، اتفضلي، حلويات مفتخرة تستاهل بقك المسمسم

 

قهقهت وقالت:

 

لا بقى دي العروسة الحلوة اللي خلت لسانك ينقط شهد، تستاهل الهدية اللي جبتهالها

 

أخذ قطعة من الحلوة وزجها في فمها وقال يغازلها:

 

وانت جايبلها ايه يا واد يا حلو يا محلي انت؟

 

زادت قهقهتها وقالت:

 

مش لما تيجي العروسة يا سبعي!!

لمح العروس قادمة، فقال:

 

اهي جت أهيه، تعالي يا مرسون سلمي على ملكة المعلمين

 

نظرت جباير إليه بابتسامة ماكرة، ثم استدارت تمد البصر إلى العروس القادمة.. اتسعت حدقتاها من فرط جمال العروس، ولكن شيئاً لم يبد على ملامحها، اقتربت العروس التي تمشي بدلال وحيت جباير مختالة بالإيطالية:

 

بوناسيرا

 

نظرت إليها جباير من أعلاها لأسفلها بازدراء وقالت:

 

ما تعرفيش عربي يا شابة!! ولا شايفة اللي قدامك خواية عشان ترطني وتتمنظري!

 

غطى عدوي وجهه بيديه وترك الساحة للنساء، ابتسمت ميسون وجلست قبالتها واضعة ساقاً فوق ساق، مما أشعل غضب جباير، فاعتذرت ميسون بالإيطالية شامخة بأنفها لتثير غيظها:

سكوزا سينيورة جباير.. كل واحد بيتكلم حسب ثقافته

 

بدت بسمة باهتة على محيا جباير، وقالت ترد الصاع صاعين:

 

ما هو اللي مالوش أصل يتحاكى بيه، يعوج لسانه على الخلق عشان يبقاله قيمة

 

استاشاطت العروس غضباً، وقالت:

 

انتِ قصدك ايه يا ست انتِ؟؟

 

همت بالرد، فانتفض المعلم عدوي ليبعد الحطب عن النار المشتعلة:

 

خلاص يا جماعة، صلوا ع النبي، ما تزعليش روحك يا جباير

 

قالت جباير باحتداد:

 

اديك قاعد وشايف يا عدوي، مراتك الجديدة لا مقدرة مجيتي لحد عندها عشان ابارك، ولا عارفة للكلام الموزون سكة

معلش يا جباير، عيلة بقى ومش فاهمة حاجة

 

وانا اللي عجزت ولا ايه يا عدوي! ما تتعدل في كلامك انت كمان ولموا يومكوا اللي مش معدي ده

 

حقك علينا يا ام رضوان

 

أومأ لميسون غاضباً كي تعتذر، فزفرت وقالت على مضض:

 

مش تزعلي معلمة جباير، مش أقصد أزعل إنتِ خالص

 

تبسمت جباير ابتسامة صفراء، وقالت:

 

ما جراش حاجة يا عروسة. سماح لاجل عيون المعلم

 

وضع يده على صدره وأخفض رأسه تحية لها متبسماً، ففتحت جباير حقيبة يدها ، وأخرجت علبة مخملية زرقاء صغيرة، وفتحتها، وقالت للمعلم عدوي:

 

ادي لعروستك هديتها المفتخرة يا عدوي

 

نظر إلى الخاتم الماسي داخل العلبة واتسعت حدقتاه وقال:

 

ايه ده يا جباير؟

 

هيهي جرا ايه يا راجل! نظرك ضعف ولا ايه! خاتم الماظ معتبر جايباه مخصوص من عند الخواجة انطون للننوسة الرابعة . لبسهولها بإيدك خليه ينور في صباعها

 

أخذ الخاتم التي كانت تشرأب العروس بعنقها لتراه عن بُعد فرحة جذلة، بينما أخذه عدوي وقد ازداد ارتيابه، قام عن مقعده يحمله إلى عروسه، التي اختطفته وأخذت تنظر إليه بعينين لامعتين، وأسدت الشكر إلى جباير وعيناها تلتصقان بالخاتم:

 

جراتسي معلمة جباير، حقيقي ذوقك يجنن

 

وشرفك يا عروسة قعدت يجي تلات ساعات عند انطون عشان اختارهولك ما بين يجي خمسين خاتم الماظ حر..

 

نظرت جباير بمكر إلى عدوي وأردفت:

 

أصلك ما تعرفيش غلاوة عدوي في قلبي شكلها ايه! عشان كدة قلت لازم أجامل عروسته بحاجة تليق بيه

 

فغر فاه وبدأ وجهه في التعرق، فقالت جباير:

 

مالك يا ابو رضوان عرقان كدة!! ما تشغليله التكييف يا عروسة، الراجل هيسيح مننا

 

دق جرس الباب، فانتبه عدوي، وقال:

 

بالإذن يا جباير، ده لازم الأكل اللي طلبناه وصل

 

إذنك معاك يا عدوي

 

ذهب ليفتح الباب، وبقيت جباير تنظر إلى العروس التي تنظر إلى الخاتم الماسي كالجائعة وجدت رغيفاً على قارعة الطريق، رغم أن المعلم عدوي قد جلب لها الكثير من الجواهر، ولكن مثلها لم ولن تشبع.. كاتمت جباير نفسها حديثاً:

 

اه يا جعانة يا بنت الجعانين، الله يجازي اللي عملك هانم وسوا مقامك بمقامي يا حافية

 

عاد المعلم عدوي بالطعام، وقال:

 

النصيب بقى انك تتغدي معانا عشان يبقى عيش وملح يا جباير

 

قهقهت وقالت:

 

هو احنا ناقصين عيش وملح يا راجل! داحنا غرقانين فيه

 

انا اقصد عيش وملح مع مرسون

 

لا مالوش لزوم، خليها مرة تانية، أصل أنا سبقتكوا. هاكل حلويات

 

قرب إليها صحيفة الحلوى وقال بابتسامة مرتابة:

 

صحتين على قلبك يا ام رضوان

 

تعيش يا ابو الكرم

 

أطال نظرة ارتياب إليها، ثم استدار لعروسه يقول:

 

قومي يا ميسون عشان تتغدي:

 

فاقت من سكرة الماس، وقالت بميوعة وهي تنظر إلى جباير تثير غيظها:

 

لا ماليش نفس، هاكل على العشا اللي دعانا ليه جميل بيه ومراته

 

أردفت العروس مكايدة ضرتها:

 

أصل جميل بيه ومراته عازمينا النهاردة على العشا في فندق من بتوعه، تعرفي إن جميل بيه هو السبب في جوازي من عدوي؟

 

ضيقت جباير عينيها وسألت العروس:

 

ازاي بقى؟

 

هه أصل هو اللي قال لعدوي لازم تتجوز ليدي، هانم يعني، متعلمة وتعرف لغات، عشان تشرفك في المجتمعات الراقية، وسيبك من الأصناف البلدي اللي انت اتجوزتها

 

ضرب عدوي بيده على جبهته، بينما تبسمت المعلمة جباير بخبث وسددت إليها نظرة تحوي الوعيد الصامت، فغمغم المعلم عدوي:

 

جبتيه لنفسك يا مرسون، وجنت على نفسها مراسن

 

******************************************

اصطحب المعلم عدوي زوجته الجديدة إلى الفندق، تلبية لدعوة جميل بيه وزوجته على العشاء، كان جميل بيه وزوجته الجميلة الأنيقة في انتظارهما على أحد الطاولات، وما أن دخل المعلم عدوي رفقة زوجته، حتى قاما للترحيب، أذهل جمال العروس عينا جميل بيه، الذي بادر بتحيتها وتقبيل يدها منحنياً، فعصفت الغيرة بوجه زوجته، وحياها قائلاً:

 

فرصة سعيدة جداً يا مدام

 

لمحت الإعجاب في عينيه، فردت باسمة بصوت مرقق:

 

جراتسي جميل بيه

 

متأسف ما قدرناش نحضر الفرح، لإننا كنا مسافرين برا للأسف

 

هه حمدالله على السلامة يا جميل بيه

 

تبادلت المرآتان التحية إيماءاً بالرأس مع ابتسامة باهتة، بينما حيا جميل بيه، المعلم عدوي:

 

ازيك يا معلم، معلش بقى سلمت على المدام الأول، ليدس فرست

 

هي المدام بتاعتك غيرت اسمها؟

 

هههه لا يا راجل، قصدي يعني السيدات أولاً

 

استدار جميل بيه إلى ميسون وأشار إلى زوجته يقدمها إليها:

 

أقدملك مدام لقاء، المدام بتاعتي

 

حيتها ميسون بالفرنسية:

 

انشانتيه مدام لقاء، أنا مدام ميسون

 

ردت بابتسامة باهتة:

 

انشانتيه مدام ميسون

 

قال جميل بيه:

 

اقعدوا يا جماعة، واقفين ليه!

 

جلس جميل بيه وزوجته قبالة الضيفين، وأخذت زوجته ترقب نظرات الإعجاب المتبادلة بين زوجها جميل بيه وميسون زوجة المعلم عدوي، بينما المعلم عدوي تدور عيناه في قاعة الطعام الأنيقة، ثم استدار إلى جميل بيه يقول:

 

لا حلو الفندق وآخر فخفخة بصراحة يا جميل بيه

هه ده من ذوقك يا معلم.. العشا جاي حالاً

 

براحته، احنا اتغدينا متأخر

 

على فكرة احنا عايزين نعمل حفلة عشا ونصالحك على ابو فادي و ابو نايف

 

أبو فادي أنا زعلان منه وليا عنده حق عرب، عشان أخر مرة باع البضاعة اللي متفق معاه عليها، لجباير، ولما عاتبته، يقولي أصلها دفعت أكتر والشغل ما يعرفش مجاملات

 

 طيب وأبو نايف؟

 

لا أبو نايف حكايته حكاية، زعل مني عشان كان عايز ياخد حتة الأرض اللي لسة شاريها في أرض بعزق عشان يضمها على حتة الأرض بتاعته ويعملها قرية سياحية كبيرة ع البحر طوالي، لما رفضت زعل وما بيردش على تليفوناتي

 

ههه أنا هصالحكو، عندي بيزنس كبير ومحتاجكم أنتو التلاتة

 

وأنا تحت أمرك، وعشان خاطرك اتصالح مع ابو نايف، لكن ابو شادي لازم يعتذر عن اللي عمله

 

أثناء حوارهما كانت المرأتان تتبادلان نظرات الغيرة وعدم الارتياح، وتتطلع كل منهما إلى ملابس الثانية ومجوهراتها وحتى الأحذية.. فكان لقائهما سخيفاً وأثمر عن عداء دفين.. بينما اتفق الرجلان على موعد حفل صلح مع نظرائهم، للاتفاق على مشروعات مشتركة

 

بعد انتهاء العشاء، تفرق الجمع كل إلى وجهته، وعندما دلفت زوجة جميل بيه إلى سيارة زوجها، كانت تبدو على وجهها حمرة الغضب، فسألها زوجها:

 

مالك يا لقاء؟

 

ردت باحتداد:

 

يعني مش عارف مالي يا جميل بيه! ايه النظرات المقرفة اللي كانت بينك وبين القذرة دي!

 

بتتكلمي عن مين؟

 

بجد؟

 

هه تقصدي مدام ميسون؟

 

زفرت وقالت بضيق:

 

انسانة منحطة، قاعدة جنب جوزها وما نزلتش عينها من عليك

 

قهقه وقال:

 

جوزك كايزما، والستات هتتجنن عليه

 

ما انت كمان كنت هتاكلها بعينيك. على ايه يعني! عشان بيضا شوية وعنيها ملونة! ما انتو كدة يا رجالة تموتوا في الأشكال دي

 

انفجر بالضحك وقال:

 

هو البياض حلو، بس أنا بموت في القمرة الخمرية اللي معايا

 

أه قوي، بدليل انك كنت مهتم بغيري

 

لقاء، حبيبتي دي مجرد مجاملات مش أكتر، ما تحمليش الموضوع أكتر مما يحتمل

 

تنهدت ونظرت إلى النافذة ترقب الشوارع من خلف الزجاج وعقلها لا يصدق إلا ما رأته من إعجاب زوجها، بزوجة المعلم عدوي الجميلة الشقراء، وقد صدق حدثها، فقد ظل جميل بيه يفكر في الفاتنة الشقراء ويقول في سريرته( كتيرة عليك قوي يا عدوي، ومش لايقة عليك من الآخر.. أنا أولى بيها)

 وهذه هي تبعات اختلاط الرجال بالنساء التي نهى عنها الدين الحنيف حفظاً للقلوب والنفوس، فيرغب هذا في زوجة ذاك، وتهيم هذه بزوج تلك، ويسيرون جميعاً نحو الهاوية مضرجون بأوحالهم.. فيا الله النجاة النجاة

 

 

***************************************

أنطلق سائق المعلم عدوي بالسيارة، وطفقت ميسون تسأل زوجها إذ هي جواره في المقعد الخلفي ، عن جميل بيه بعينين لامعتين:

 

بس جميل بيه ده باين عليه غني قوي

 

هه غني قوي! ده حوت من الحيتان الكبيرة اللي بالعة كل حاجة في كرشها، مال وجاه وعز وسلطان وحرس مالهم أول من آخر، ما فيش صفقة تتم إلا بموافقة جميل بيه وبعد إذنه

 

أسدلت حاجبيها وقالت:

 

اومال ما شوفتش الحرس بتوعه يعني!

 

عشان دي كانت قعدة عائلية، وهو في القعدات العائلية يبقى ابن بلد كدة ويخلي البساط أحمدي

 

آآه عشان كدة بقى ممم لكن مراته بصراحة دمها تقيل، وشايفة نفسها حاجة ما حصلتش، وعمالة تبصلي من فوق لتحت

 

ههه طب دي غلبانة، احسن من اللي قبلها، كانت ولية سماوية كدة ولسانها بيحدف دبش

 

ايه ده! هو كان متجوز قبلها!

 

قبلها وقبلها وقبلها ههه هو جميل بيه له شغلانة غير الطلاق والجواز!

 

اتسعت حدقتاها وسألته:

 

وهو بيتجوز ويطلق كتير كدة ليه!

 

ما اعرفش، بس أكيد ما بيستريحش معاهم، عامل زي رضوان ابني، كل سنة جوازة جديدة وامه مقوياه

 

خلينا في جميل بيه، هو عنده عيال كتير بقى على كدة؟

 

لا، ما عندوش إلا بت واحدة اسمها جينا، بتاعة عشرين سنة كدة، دلوعة ابوها، عايشة مع امها الفرنساوية في بلدها، بس جميل بيه يحبها قوي وكل كام شهر يسافرلها، وهي بتجيله كل سنة

 

قالت وعيناها تتقلقل:

يعني جينا دي اللي هتورث كل الثروات الطايلة اللي عنده دي!

 

ايوة، ومراته الحاجة لقاء

 

ههه ما انت بتقول كل شوية يطلق، يعني الست اللي اسمها لقاء دي هتحصل اخواتها قريب

 

لا ما اظنش

 

شعرت بالضيق وسألته:

 

اشمعنى يعني؟

 

لا أصل لقاء دي بنت ناس واصلين قوي، ودي بقى لو غدر بيها هتكون الضربة القاضية له، عشان كدة مستحيل يفكر بس يطلقها

 

زفرت بضيق ولاذت بالصمت وعقلها يفكر في جميل بيه صاحب المال والنفوذ الذي يفوق عدوي أضعاف أضعاف

 

****************************************

 

كانت عبير ابنة السيدة لطيفة، متجهة إلى الباب استعدادا للخروج، فهرعت إليها ابنتها الكبرى مرام تناديها:

 

ماما انتِ خارجة؟

 

انتِ شايفة ايه؟

 

طيب هاتيلنا معاكِ رانش صوص لو سمحتِ

 

اجيبلك ايه يختي!!

 

رانش صوص يا ماما، بحب احطه على البطاطس

 

واجيبهولك من انهي مصيبة ده؟

 

من أي هايبر ماركت

 

مش سكتي، أنا رايحة ازور امي اللي اتجلطت في المستشفى من عمايل خلق الله اللي تفور الدم، وربنا يستر عليا

 

يوو يا ماما، وانتِ راجعة من عند تيتة في المستشفى هاتيه، والله هزعل منك واخاصمك

 

يختي خاصميني، وخلي اختك هي كمان تخاصمني واكسبوا فيا ثواب، وأنا واخدة ايه من صلحكوا الا حرقة الدم

 

عشان خاطري يا ماما اهئ اهئ عايزة رانش صوص ضروري ضروري

 

اوووف ومالها بس يا بنتي سلطة بابا غنوج اللي مركونة في التلاجة بقالها اسبوع ما حدش بيقربلها

 

بابا غنوج! أولاً أنا ماليش إلا بابا واحد ربنا يخليهولي. بابا غنوج ده وديه لأهله يعيش في وسطيهم، وأنا هاتيلي رانش صوص

 

أوف حاضر، حاضر يختي، هو انا هخلص منكو!!

 

خرجت تتمتم غيظاً وصفعت الباب خلفه

ا

*************************************************************

عاد المهندس طارق من زيارة والدته بالمستشفى، شعرت به شقيقته سلمى، والتي كانت تعد طعاما له في المطبخ وقلبها تعتصره الآلام على حالها، تركت ما بيدها وهرعت إليه:

 

ماما عاملة ايه النهاردة يا طارق

 

الحمدلله أحسن بكتير

 

طيب ادخل غير هدومك على ما احطلك الأكل، هو استوى خلاص وطفيت عليه. اعملك جنبه سلطة؟

 

ياريت

 

همت بالاستدارة، ثم نادته إذ هو متجه إلى غرفته:

 

طارق

 

نعم يا سلمى

 

عايزاك تشوفلي شغل

 

ههه شغل! انتِ يا بنتي مش قولتِ من ساعة ما اتخرجتِ من الجامعة، مش عايزة اشتغل، وانك مستنية ابن الحلال!

 

اجهشت بالبكاء وقالت صارخة:

 

أنا مش عايزة حد ولا عايزة حاجة،  أنا ما عنديش استعداد يجي واحد عشان يخطبني ومعاه أهله، واهله يقعدوا يقللوا مني ويقولوله في ودنه لا ما تاخدهاش وسيبك منها ، احنا هنجيبلك أجمل منها الف مرة، وكأني مش بني أدمة ولا عندي مشاعر. وكمان ما عنديش استعداد استنى واحد معين عشان يحن ويخطبني عشان انا شايفاه مناسب، لكن هو بقى يشوفني مش مناسبة ويروح يخطب واحدة تانية.. أنا مش عايزة أعيش في المهازل دي يا طارق، ماشي؟ أنا عايزة اشتغل ويبقالي كياني ومش هفكر في الجواز تاني. شوفلي شغل لو سمحت

 

اشفق على شقيقته فهرع إليها يمسح عبراتها بيده، احتضنها، فبكت على صدره حتى بللته بدموعها، فربت على ظهرها وقال باسماً:

 

بقولك ايه، روحي البسي، هاخدك افسحك واغديكِ برا، أنا كمان مخنوق من جو البيت

 

قالت وهي تمسح عبراتها:

 

عمرك شفت واحد يخرج يتفسح مع اخته!!

 

ضربها على رأسها برفق وقال ضاحكاً:

 

وانت مالك يا غلسة! أنا بحب اختي وحاسس اني مقصر في حقها وعايز افسحها واغديها برا

 

تبسمت وقالت:

 

ربنا يخليك ليا يا اخويا

 

طب روحي بقى البسي عشان نلحق وقتنا، هوديكِ حتة مطعم بقى يخليكِ تحلفي انك ما بتعرفيش تطبخي

 

هههه طيب، دقايق واكون جاهزة إن شاء الله

 

*********************************************

في المساء وبعد انتهاءه من ساعات العمل الشاقة، اتجه المهندس محمد شحتة إلى منزل خطيبته الدكتورة ملك، لاصطحابها لنزهة على ضفاف النيل، رحبت به خالته والدة الدكتورة ملك، وسألها قبل جلوسه:

 

اومال ملك فين؟

 

بتلبس وجاية حالاً

 

هي لسة ما لبستش!

 

معلش، أصلها لسة راجعة من نص ساعة، يادوب اتوضت وصلت العشا وجريت عشان تلبس، أقوم اعملك شاي؟

 

لا شاي ايه بقى يا خالتي، احنا يا دوب ننزل عشان نلحق وقتنا

 

دخلت عليهما الدكتورة ملك وقالت بمرح لخطيبها الذي تتكتل الهموم بين قسماته:

 

مساء الخير على الحلوين المكشرين

 

قهقه وقال:

 

يعني ليكِ نفس تهزري واحنا متأخرين كدة!

 

متأخرين على ايه يا ابني! داحنا رايحين نتمشى ع الكورنيش، يعني هنتسنكح، والسنكحة مالهاش مواعيد

 

انفجر ضاحكاً وقال:

 

طيب يلا يا ستي عشان نتسنكح

 

طيب غنيلي الأول

 

رفع حاجبه وقال باندهاش:

 

نعم!!

 

ضحكت خالته، وقالت ملك:

 

مالك يا باشمهندس! هو أنا طلبت حاجة غريبة! جرى العرف اللي انا اخترعته، يا سيدي الفاضل أن الزوج يغني لزوجته عشان يفرفشها، ولا هي الست بس اللي مسؤولة عن فرفشة الراجل، وهي تكتئب عادي!! !! واحنا مكتوب كتابنا، يعني متجوزين، ومن حقي على جوزي انه يغنيلي عشان الدنيا مش طالبة كآبة، كفاية الحالات اللي بشوفها

 

قهقه وقال:

 

اعقلي يا ملك ويلا عشان ننزل

 

طيب خلاص، هنغني سوا، وفكها شوية يا باشمهندس وبلاش عقد. شوف أنا هقول قولي بحبك قولي، عايز اسمعها تملي، وبعدين أقول، بتجدد أحلامي، وانت تقول لالالالالا، وبعدين أقول وترجع أيامي، وانت تقول لالالالا.. شوفت سهلة ازاي! يعني انت مش هتقول غير لالالالالا بدل الموسيقى يعني، يلا يلا نبدأ

 

قهقه وقال لخاله:

 

وبعدين في بنتك دي يا خالتي! واضح ان شغلانة الدكتورة النفسية دي طيرت عقلها خالص

 

قهقهت خالته وقالت:

 

اسمع كلامها، الحياة محتاجة شوية بعد عن الجدية عشان النفسية والله

 

قالت ملك لوالدتها:

 

شاطرة يا ماما، الدروس اللي بديهالك جابت نتيجة، يلا يا باشمهندس

 

لا انتِ اتجننتِ رسمي، مش كدة؟

 

أخص عليك! انت عندك شك!

 

انفجر ضاحكاً وقال:

 

يعني أنا هتجوز مجنونة؟

 

أكيد, وخليك مستعد أن كل يوم هتصحى مش هتلاقيني

 

ليه إن شاء الله

 

لأني هلبس كسرولا على دماغي وانزل انظم المرور، بس ابقى هاتلي صفارة

 

قهقه خطيبها ووالدتها، وقالت ملك، يلا بقى نبدأ الغنوة

 

ماشي يا ستي، خلينا نخلص

 

قولي بحبك قولي

 

عايزة اسمعها تملي

 

بتجدد أحلاميييييي

 

أشارت له ليبدأ فدندن ضاحكاً

 

لالالالالالا

 

وترجع أيااااامي

 

لالالالالالا

وبحس إني بقرب منك لما تقولي بحبك، قولي بحبك قولي

 

أمسك يدها ومال على أذنها وهمس عشقاً:

 

بحبك

 

سرت قشعريرة في جسدها، حين سمعت همس العشق يعبر أذنها مخترقاً سياج قلبها، فأطلت النشوى من عينيها، فجذبها من يدها إلى خارج المنزل ليبدءا نزهتهما

 

وعلى ضفاف النهر، حيث الأضواء المبهجة، المنبعثة من المنشآت النيلية تبدد ظلمة الليل وتدعو الساهر لقضاء الأمسيات الماتعة..  أخذه الشرود واجماً وهو ينظر إلى صفحة الماء المتلئلئ ، فتبسمت ملك ووضعت يدها على كتفه برفق وقالت:

 

يعني برضو سرحان وانت معايا!

 

رد مبتئساً وهو ما زال ينظر إلى صفحة الماء:

 

أنا سرحان فيكِ يا ملك، سرحان في حياتنا الجاية، سرحان في المستقبل المجهول اللي مقابلنا

 

تنهد واستدار لها يقول:

 

ملك.. انتِ ازاي واثقة في المستقبل للحد الكبير اللي يخليكِ تربطي مصيرك بمصير انسان فاشل  و...

 

وضعت يدها على فمه وقالت باسمة والقوة في عينيها:

 

ما تكملش.. أنا مش عارفة معيار الفشل والنجاح انت بتقيسه ازاي! انت انسان ناجح وبتتحدى الصعاب كمان. قبلت بشغل بسيط في قيمته وما قولتش لا مش هشتغل إلا في مجالي، وخطبت الإنسانة اللي بتحبها اللي هنا أنا طبعاً، وحقيقي يا بختك بيا ههه

 

تبسم وقال وهو ينظر في عينيها:

 

انتِ أجمل حاجة في حياتي يا ملك، عمري ما هنسى إنك قبلتي ترتبطي بيا في ظل ظروفي الملخبطة وأزماتي المادية، وعمرك ما حسستيني بعجزي.. بالعكس.. إنتِ أكبر داعم ليا

 

... وأوعدك إني هفضل أكبر داعم ليك إن شاء الله  لحد آخر يوم في عمري

 

ربنا ما يحرمنيش منك يا ملك

 

عبس وأردف:

 

.... كان نفسي اجيبلك شقة أكبر بكتير من الشقة اللي استلمناها دي، الشقة صغيرة جداً

 

يا ابني هنعمل ايه بالأكبر من دي! كفاية علينا قوي السبعين متر دول، دول أكبر من عش العصفور اللي المحبين بيقولوا انه هيقضيهم ههه وعشان كمان أكتم على نفسك، كل ما تمشي في مكان في الشقة تلاقيني في وشك

 

قهقه ثم نظر إليها يسألها بملامح مندهشة:

 

ملك.. انتِ ما بتحلميش زي البنات! يعني عمرك ما حلمتِ أنك تمتلكي قصر كبير، خدم وحشم، وأسطول عربيات، وفسح وسفر، مجوهرات، دهب، ياقوت، مرجان!!

 

هههه ايه يا ابني جو علي بابا والأربعين حرامي ده!!

 

أطرقت قليلاً ثم عادت تقول:

 

شوف يا محمد. أنا فعلاً عمري ما حلمت بالحاجات دي، عارف ليه؟

 

ليه؟

 

لإنها لا تمثلي أي شيء. نفسي لا تشتهي هذه الأشياء يا مولاي ههه... دايماً بحلم ببيت دافي، كله سلام نفسي وحب وطمأنينة.. التفاهم والتفاني يسود حياتي أنا وحبيبي.. مش مهم هنعيش فين ولا ناكل ايه، المهم اشوف نظرة الحب في عنيه كل يوم، حتى لو اختلفنا في يوم، الحب يرجعنا لأن التسامح هيكون دستور حياتنا .. طول عمري بحلم إن حبيبي يصحيني قبل صلاة الفجر ويقولي قومي عشان نصلي ... صدقني الحياة لو عشناها كدة هتكون أشبه بجنة على الأرض.. دايماً الطموح والتطلعات الزيادة هما اللي بيدمروا الإنسان.. صدقني الرضا أجمل شيء. ولو بصينا لكل المتع اللي في ايد الأثرياء على أنها زائلة ومش دايمالهم، ولإن حياتهم لا تخلوا من الشقاء رغم الثراء، صدقني هنرتاح، وهتبقى أكبر متعة نحققها إننا نقعد تحت ضل شجرة ونشرب كوبايتين شاي حلوين واحنا مرتاحين البال

 

يااااه يا ملك! قد ايه كلامك بيريحني وبينقلني لعالم تاني.. ملك أنا محظوظ بيكِ

 

وأنا كمان محظوظة بيك يا محمد

 

أطال نظرة عشق صامتة في عينيها، فخجلت وخفضت رأسها باسمة، فاستدار ينظر إلى المطاعم المصطفة على ضفاف النيل وقال:

 

بقولك ايه، تعالي هعزمك على العشا في أي مطعم تختاريه من دول:

 

جحظت عيناها وقالت:

 

ايه! انت عارف هتدفع كام يا محمد! المطاعم دي غالية جداً، وخاصة بطبقة الأثرياء

 

يا ستي مرة من نفسنا نعيش زي البشوات وناكل من أكلهم

 

ههه والله انت فاهم غلط، يعني هو المطعم ده بيقدم ايه! هي هي أكلاتنا، بس لاطعين عليها أسامي أجنبية، وشوية صوصات غبية مالهاش لازمة. أكل ماما أحلى على فكرة، تعالى اتعشى معانا بكرة إن شاء الله، وأنا أخليها تعملك شوية أصناف تجنن

 

رفع حاجباً وقال:

 

وحضرتك ما اتعلمتيش الطبيخ ولا ايه!!

 

ههه ايوة كدة وريني شخصية سي السيد اللي مخبيها

 

هههه

 

اطمن يا حبيبي، ماما معلماني كل حاجة والله، بس مافيش فرصة أطبق بسبب ضغط الشغل

 

ممم وهو ضغط الشغل ده هيبقى بعد الجواز برضو يا أمينة؟

 

ههه لا والله يا سي السيد، أنا ناوية أخد نص الحالات بس عشان أرجعلك بدري واطبخلك واحطلك رجليك في مية وملح وابخرك من شر حاسد إذا حسد ههه

 

هههه تعرفي بقى اني اشتقت جدا لليوم ده، أحنا هنروح نجيب العفش امتى إن شاء الله عشان نحدد معاد الفرح؟

 

شوف الوقت اللي يناسبك انت.. أنا بالنسبة لي الدكتور مصطفى شاكر،  أستاذي العزيز ، بيديني أجازة وقت ما اطلب ومش بيضيق علينا الخناق خالص، مشكلتك انت بقى مع المعلمة جباير

 

زفر حين تذكر هذه المرأة المتسلطة وقال:

 

بصراحة مش عايز أذل نفسي ليها واستأذنها. أنا بقول نروح على محلات الموبيليا بعد تسعة مساءاً لما اخلص شغلي

 

تمام يا باشمهندس. وانا بقى بصراحة ماما مريحاني ربنا يخليها وبتنزل تشتريلي كل لوازم المطبخ والسفرة، وبصراحة ذوقها يجنن. ربنا يخليكِ ليا يا ماما يا حبيبتي يارب

 

يارب.. طيب دلوقتي يعني أعزمك على ايه؟

 

أشارت إلى بائع الذرة المشوي وقالت بمرح:

 

درة

 

قهقه وأخذها من يدها إلى بائع الذرة المشوي

 

*************************************

 

في صبيحة اليوم التالي،كانت المعلمة جباير على موعد مع رجلين أوربيين معهما حقائب كبيرة وبرفقتهم المترجم الخاص، أتى بهم كبير رجالها نويشي في وكر خاص بها بعيداً عن الأعين.. كانت تدخن النارجيلة، حين حياها نويشي:

 

صباح الفل يا ست المعلمين

 

صباح النور يا نويشي، الراجل الخواجة واللي معاه جم؟

 

ايوة يا ست الكل، واقفين برا ومعاهم الجدع المترجم

 

زفرت أوار النارجيلة وقالت:

 

دخلهم

 

دخل الرجلان الأوربيان  رفقة المترجم، يحملان حقائب كبيرة، فحيتهم جباير:

 

يا مرحب بالخواجات، نورت يا مستر منك له

 

ترجم لهما المترجم، فحياها الرجلان

 

ثانكس مام

 

تعيشوا، اتفضلوا اقعدوا

 

ترجم لهما المترجم مشيراً إلى المقاعد

 

هاف سيتس جنتل مين

 

جلس الرجلان وحيا المعلمة جباير، فقالت:

 

فلوسكو جاهزة؟

 

فأجابها المترجم

 

بيقولوا لحضرتك المبلغ اللي حضرتك طلبتيه وبالدولار حسب رغبتك

 

تمام

 

أخذت نفساً من الأرجيلة، وأخرجت الدخان الكثيف من فمها، ثم قالت لكبير رجالها:

 

خلي الرجالة يجيبوا الصندوق يا نويشي

 

أمرك يا ست المعلمين

 

دخل الرجال يحملون صندوقاً كبيراً، وضعوه على الأرض، فأشارت لهما المعلمة بالانصراف وبقى نويشي كبير رجالها، فقامت عن مقعدها واتجهت إلى الصندوق تفتحه، فإذ به يكتظ بقطع الآثار الأصلية ، وقالت:

 

سلم واستلم، كام حتة أصلي لسة خارجين من المقبرة طازة، ويستاهلوا الخمسين ماليون دولار., تعالى بص وشوف وملي عينك يا خواجة

 

أشار أحدهما إلى الآخر ليتقدم ويفحص القطع الإثرية كونه خبيراً للآثار، اقترب الخبير وجلس القرفصاء وأخذ يستخرج قطعة قطعة ويفحصها، والآخر يقف إلى جواره يرقبه، حتى أتم الفحص بالكامل وتأكد من كون القطع الأثرية أصلية وليست مزيفة، فأشار للآخر بإشارة خاصة بينهما

 

فقال المترجم للمعلمة جباير التي عادت إلى أرجيلتها:

تمام يا معلمة

 

نفثت أوار النارجيلة وقالت:

 

ماشي، خليهم يفتحوا شنط الفلوس عشان الخبير بتاعي يتأكد ان الدولارات مش مضروبة على ما يجوا المحاسبين بتوعي يعدوها، هما زمانهم في السكة مش هيتأخروا

 

أمرك

 

أخبرهما المترجم، ففتحوا الحقائب المكتظة بالعملة الأجنبية، نظرت المعلمة إلى الأموال، ثم نظرت إلى كبير رجالها وقالت:

 

شوف الدولارات دي حقاني ولا مضروبة قبل ما اوديها بعد ما تتعد على خالتي سويسرا يونسوا اخواتهم، قبل ما عدوي يحس بحاجة

 

أمرك يا معلمة

 

بينما كان نويشي يفحص الأموال، كاتمت المعلمة جباير نفسها حديثاً مبهجاً:

 

( يا حسرة قلبك يا عدوي لما تعرف انك شربت مقلب عمرك، واني رديتلك الألم اللي اديتهولي يوم فرحك على البيضا الكالحة اللي فرحان بيها، ، عشان تتعلم الأدب يا جوز الاربعة ههههه والبيضا الكالحة بتاعتك ورحمة شرفك وشرفها لروقلها وأروقها واعرفها ازاي تتجرأ على أسيادها.... يا عيني عليك يا عدوي )

 

كاتمت الضحك وأخذت تنظر إلى الأموال وهي تتذكر المعلم عدوي الذي اتفق غداً مع رجاله على فتح ذات المقبرة واستخراج القطع الأثرية، التي باعها مقدماً وقبض الثمن، دون أن يعلم أن المعلمة جباير سبقته لترد له صفعة الإهانة التي نالتها في قاعة عٌرسه المزيف.. يا لها من أفعى سامة لا تنجو منها فريستها

 

****************************************

كان المعلم عدوي يقهقه عبر الهاتف، ويقول لوسيط صفقة الأثار:

 

اطمن وطمن الخواجات، الأثارات سليمة وعلى ابوها.. هي دي أول مرة يتعاملوا معانا!  ولا هما مش واثقين فينا!

 

لو مش واثقين فيك يا معلم ماكانوش دفعوا سبعين مليون دولار مقدماً، هما بس يقصدوا ان بالكتير يستلموا بكرة بالليل عشان مستعجلين

 

وماله، حقهم. بكرة بعد نص الليل يجيبوا رجالتهم، وانا هجيب رجالتي ونتقابل عند المقبرة الفرعوني، الله يرحم المدفونين فيها بقى، وياخدوا الأثارات وبالسلامة على بلدهم والقلب داعيلهم

 

تمام يا معلم. هنكون موجودين في المعاد، عشان انا كمان اخد عمولتي، التلاتة مليون دولار,  واسيبكوا والحق معاد الطيارة،سلام

 

الله يسلمك يا وحش الوحوش

 

وضع المعلم الموبايل جانباً وقال في حق الوسيط:

 

الراجل الوسيط ده عامل زي المنشار، طالع واكل، نازل واكل، وهو مش دافع جنيه من جيبه.. عالم هم مشركانا في أرزاقنا

 

نادى على كبير رجاله:

 

شردي

 

اتاه يهرول من الخارج

 

نعمين يا معلم

 

جهز الرجالة عشان عندنا طلعة بكرة بعد نص الليل عشان نفتح المقبرة ونسلم الآثار، قبل ما حد يشم خبر

 

ولا الجن الازرق يا معلم هيعرف حكاية المقبرة والخير اللي فيها، ولا حد يقدر يتجرأ ويمد ايده عليها، دي تحت الحراسة من ساعة ما قولتلي

 

جدع يا شردي، ونعم الرجال المحترمين

 

تعيش يا معلم.. هي الفلوس شيعتها على برا زي العادة؟

 

اومال هخليهم عشان ريحتهم تفوح!! خدنا فلوسنا ورستأناها، نسلم الناس بضاعتهم بقى عشان يسافروا بيها على بلدهم، اهو ياخدوا معاهم حاجة من ريحتنا ويستباركوا بيها، ما هم غلابة وما حيلتهومش آثارات يتباهوا بيها

 

طول عمر قلبك حنين ع الخواجات يا معلم. بس اوعى تنسى الخمسة مليون دولار الشرط الجزائي

 

الشرط الجزائي ده يندفع لو ما استلموش البضاعة يا غشيم، لكن احنا بضاعتنا جاهزة ع الاستلام

 

قام عن مقعده واعتمر طربوشه، وأمسك بهراوته، وقال:

 

حضرلي الحنطور عشان الف في الحارة اشوف احوالها وايه اللي جد عليها، وعلى أهلها الجرابيع

 

حاضر يا معلم

 

*******************************************

 

على عادته في غرة كل شهر، قاد المعلم عدوي عربة مزخرفة تجرها الأحصنة، يطوف بها بين أزقة وعطفات الحارة، يتفقد أحوال العباد، ليرى من خفض ومن رفع، من على ومن دنى، من أخنى عليه الدهر، ومن طاب له زمانه.. ليس لصالحهم، ولكن لصالحه ومنفعته، فيجب إخضاع رأس كل من ملك .. وإلا هلك .. كل الأماكن يمر إليها بشكل عشوائي، إلا هذا الدكان الذي قصده عامداً وأوقف الأحصنة  أمامه، فعلا صهيلها فانتبهت صاحبة الدكان.. إنها أم نهى بائعة الخضار، التي امتعضت حين رأت المعلم عدوي وغمغمت:

 

يا فتاح يا عليم، يا رزاق يا كريم

 

تبسم ومدح حسنها:

 

بسم الله ما شاء الله.. لسة بدر في ليلة تمامه زي ما انتِ. ولا كأن الزمن لا راح ولا جه عليكِ..

ازيك يا فردوس

 

ردت بشموخ:

 

اسمي ام نهى يا عدوي

 

قهقه وقال:

 

عدوي كدة حاف يا دوسا!!

 

اتسعت حدقتاها ووبخته:

 

حسك عينك تتجاوز حدود الأدب معايا، لما تناديني، تناديني باحترام

 

ههه هو اللي يدلع حد، يبقى ما بيحترموش!! ولا يبقى غالي وغلاوته بزيادة يا دوسا!

 

صاحت به:

 

بقولك ايه يا راجل انت. اصطبح وقول يا صبح، وتوكل على الله خلينا نشوف أرزاقنا

 

هههه أرزاق ايه يا ولية يا وش الفقر انتِ! ما انتِ لو كان عندك شوية عقل كنتِ وافقتي على جوازنا، وكان زمانك دلوقتي عايشة برنسيسة، بدل قلة القيمة اللي انتِ فيها دي

 

قلة القيمة صحيح لو كنت بقيت مرات واحد زيك

 

أخذ ينظر إلى هندامه وأبهته ويقول متباهياً:

 

مالي! راجل ولا كل الرجالة، سيد الحارة دي كلها ومالكها بللي فيها

 

الملك لله وحده يا عدوي. قال يا وراث مين يورثك... سيبنا في حالنا وروح شوف حالك

 

أنا لسة باقي عليكِ يا فردوس، وصعبان علية بهدلتك انتِ وبنتك. أنتِ تستاهلي تكون برنسيسة الحارة دي وتعيشي في أبهة.. وربنا بإشارة واحدة منك أطلق أي حرمة من الاربعة، بس ما عدا الأخرانية عشان بحتاجها في المناسبات، وماعدا جباير كمان عشان الحارة ما تولعش بللي فيها

 

سبق وقولتلك لا يا عدوي، ودلوقتي بعيدهالك تاني يمكن ما سمعتش، لا يا عدوي. مرات سيدك وتاج راسك  الحاج خضر، اللي خدت ماله بالباطل ووضعت يدك على أملاكه بالغصب والزور، عمرها ما هتكون لك من بعده

 

تمعر وجهه وقال:

 

كدة! طيب يا فردوس. لساكِ عايشة على وهم الراجل العجوز اللي اتجوزتيه وجاب داغك!! لسة فاكرة الحق اللي عمره ما هيرجع!!  أصلك ولية وش فقر، خليكِ يختي جنب البتنجان الرومي لما بقيتِ شبهه، داهية تاخدك

 

ضرب الخيول بالسوط غيظاً، فانطلقت بالعربة وقد علا صهيلها

 

 

********************************************

دخلت زوبة ابنة عم سوكا إلى عيادة الطب النفسي الذي تعمل بها ملك، وكانت ترتدي عباءة سوداء، وتتوشح بشال من ذات اللون، وتتدلى بعض خصيلات شعرها الأصفر الفاقع على جبهتها، ونعلاها يحتكان بالأرضية كأنها يتعاركان بهمجية.. قطعت الطرقة بعينين ثابتتين تشعان بالشر والمكر.. حتى وصلت لموظفة الاستقبال، وسألتها باحتداد:

 

الداكتورة اللي اسمها ملك فين؟؟

 

**********************************

انتهت الحلقة

 

نلتقي بعد عيد الأضحى المبارك إن شاء الله

 

كل عام وأنتم بكل الخير بمناسبة العشر من ذي الحجة، تقبل الله منكم الطاعات وثبتكم عليها

 

أكثروا من ذكر الله والاستغفار والصلاة على الحبيب

 

سبحان الله، الحمدلله، لاإله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله

 

الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا

 

أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله