عاشت للرجال


عاشت للرجال
قصة قصيرة
بقلم الكاتبة هبة عبد العظيم نور
***************************
حقوق النشر محفوظة للكاتبة هبة عبد العظيم نور
***************************
للتو عدت من مخفر الشرطة أنا وزوجي , يا الله , كم كان يوماً عصيباً .. استغرق استيضاح الأمر ساعات طويلة كاد يتوقف فيها قلبي ولم ينجنا إلا شهادة تلك الفتاة .. لم أكن أتوقع أو يطرأ على بالي  أن أستدعى أنا وزوجي للمخفر بسبب هذا الأمر الذي سقط في جب الزمان, يا لها من ذكرى تحمل من القسوة الكثير, أتذكر ذلك اليوم جيداً ..لا يبرح مخيلتي ...منذ حوالي ستة عشر عاماً... الساعة التاسعة صباحاً ..كان زوجي بالعمل وأبنائي بمدرستهم كالمعتاد. وكنت أنا بالمطبخ أعد لهم طعام الغداء ..فجأة ..دق جرس الباب ..تركت ما بيدي وأسرعت للخارج لأرى من الطارق ...وصلت إلى الباب وقلت, من؟ ..أجابني صوت من الخارج, أنا جارتك وداد يا سيدة مريم  ..تعجبت وقلت لنفسي, وداد! ما الذي أتى بها!
**************************
بقلم الكاتبة هبة عبد العظيم نور
*************************
 إنها جارة  تقطن بنايتنا منذ عامين هي وطفلتها ذات الست سنوات..طلقت من زوجها من حوالي ثلاثة أشهر  .. ليس بيننا أي علاقة غير تحية الصباح والمساء إن تقابلنا بالمصادفة ولا نتزاور على الإطلاق ..فتحت لها فوجدتها تحمل حقيبة كبيرة واستأذنت في الدخول فسمحت لها ..اتجهت السيدة إلى أقرب مقعد وجلست ..رحبت بها وسألتها عن الحقيبة التي تحملها وهل هي مسافرة ..طأطأت رأسها وأجابت
ـ إنها حقيبة ابنتي أمنية  ..نظرت إليها في دهشة ..فاستطردت قائلة ...قمت ببيع الشقة بمحتوياتها وسيأتي الساكن الجديد اليوم بعائلته
ابتسمت وقلت لها, لذا فإنك جئت اليوم لتودعيني, رغم أني أشعر أن هناك أمر آخر لم تفصحي عنه بعد
صمتت قليلاً ثم قالت, سيدة مريم  ..جئت إليكِ لأنني أعلم أنك جارة طيبة ومحبوبة من الجميع, لذا فأتوقع أنك لن تردي طلبي ... هنا انطلقت بسؤالي الذي أحاول إلجامه منذ أن رأيتها ..ما هو الطلب الذي حملك على المجيء إليّ في هذه الساعة المبكرة سيدة وداد؟
تلعثمت ونضح العرق من وجهها وقالت في نبرة مستجدية للرحمة ..سيدة مريم, تعلمي أنني طلقت منذ ثلاثة أشهر ..بالأمس انقضت عدتي ..تقدم لي أحد الرجال للزواج ولكن كان شرطه الوحيد أن أتخلى عن طفلتي أمنية
صعقتني إجابتها وقلت في لهجة حادة, أي رجل هذا الذي يطلب من أم أن تصلب قلبها وتتخلى عن أمومتها, أرفضي هذا الرجل فلا خير فيه ..نظرت إليّ وصمتت قليلاً ثم قالت ..أنتِ لا تدركين مدى احتياجي لرجل في حياتي, أنا بشر من لحم ودم ولست امرأة  حديدية بلا رغبات ..هل تدركين معنى أن أعيش بلا رجل ثلاثة أشهر!! بت فريسة رغباتي ..لا طاقة لي أكثر من ذلك ...قلت لها في صوت أم متلهف .. وابنتك؟..قالت ..لا ذنب لي في وجودها .. وإن حال وجودها بيني وبين زواجي كرهتها ..أنا ما زلت صغيرة ولم أهنأ طيلة زواجي بأبيها, أريد رجل يسقني كأس الحب كل ليلة
***********************
بقلم الكاتبة هبة عبد العظيم نور
***********************
نظرت إليها في صدمة.  وشرد ذهني ودار هذا الحوار بيني وبين نفسي ...يا إلهي, ما أجرأ هذه المرأة!, إنها ألعوبة رغباتها, امرأة بلا روح, سجينة جسدها
تبيع طفلتها من أجل قضاء الوطر ..إن كانت صادقة الأمومة لتفجرت ينابيع الرحمة في قلبها وسحقت شهوة الجسد .. كم هي مسكينة هذه الطفلة مع أم كهذه  ...أخرجتني عن صمتي قائلة ..سيدة مريم, والد ابنتي لا يريد أن يأخذها, هو أيضاً سوف يتزوج عما قريب, وأخوتي لا يرضون بوجود الطفلة في حياتهم, أوصدت جميع الأبواب ولم يعد أمامي سوى بابك
قلت لها, ماذا تقصدين؟ قالت ..سأترك لكِ الطفلة لتربيها بين أبناءك, إعتبريها ابنتك وأنك من أنجبتها, انتفضت من مقعدي وقلت لها, ماذا تقولين! من أكون أنا بالنسبة للطفلة كي أربيها! أنا مجرد جارة لكِ, وأنتِ ما زلتِ من الأحياء, ووالدها حي يرزق, كيف تلقين ببضعة منك إلى مستقبل مجهول!
قالت, ليس مجهول أبدا, أعرف أنك أم رائعة الأمومة وبالتأكيد سيفيض بعض من حنانك على ابنتي .. قلت لها ساخرة, وحنانك أنتِ؟ قالت إن مكثت بلا زواج لأجلها سأتحول لقطعة من جمر تحرقها, أرجوكِ اقبلي ابنتي في بيتك .. قلت لها وإن لم أقبل, قالت لا بأس, أنا سأغادر الآن, وعندما تعود عليكِ إيصالها وحقيبتها إلى أحد ملاجئ الأيتام ..يا إلهي, ما الذي أسمع .. قتلتني عبارتها ومزقت أوصال قلبي, ملجأ أيتام!! يا الله رحماك فقد تحولت هذه الأم إلى وحش كاسر ..استطردت المرأة كلامها بسؤال وكأنها تهدد أمومتي, هل ستأخذينها أم ستنزلينها دار أيتام؟ قلت لها على الفور, لالا آخذها, كلما ذكرتِ الملجأ أشعر بوخز في قلبي ..قفزت من مقعدها وقالت وهي تتجه إلى الباب, أمنية تعود من مدرستها في تمام الثانية عشر والنصف ظهراً .. قولي لها أمك تزوجت وستزورك من حين إلى آخر .. إلى اللقاء يا سيدة مريم, قلت لها تمهلي, أعطني عنوانك حتى يمكنني التواصل معك بشأن الطفلة ..قالت, آسفة جداً, طلب مني الرجل الذي سأتزوج به أن أخفي عنواني عن الجميع .. ولكن سأزورك قريباً بالطبع لأطمئن على الطفلة, هرعت المرأة ناحية الباب وفتحته وأطلقت ساقيها للريح كالهارب من مأزق ..هربت هي ووضعتني أنا في مأزق أكبر ...لم يشغلني ما سأقوله لزوجي أكثر من انشغالي بما سأقول للطفلة الصغيرة ذات الست سنوات .. هل أقول لها أمك تخلت عنك وفضلت الحياة في مخدع رجل حتى وإن كان الثمن فراقك الأبدي!! لالا, لن تستوعب ذلك, إنه أمر مرعب.. مرعب, يا إلهي, ماذا أقول لها حتى لا أتعدى على عمرها الصغير! أقول لها سافرت أمك وستعود يوماً؟ لا, إن قلت ذلك ستظل الطفلة تسأل عنها كل وقت وحين ...أقول لها ...ماذا أقول لها!! آآآه رأسي... أصابني الصداع ...يا مدبر الأمر يا إلهي ...ذهبت إلى غرفتي وأخذت قرصا للصداع ثم عدت إلى المطبخ لأكمل إعداد الطعام الذي لم انتبه له ولا أعلم كيف أعددته بسبب ما يدور برأسي بشأن الطفلة المسكينة ..مضى الوقت سريعا واقتربت الساعة من الثانية عشر والنصف ..تركت ما بيدي واتجهت إلى الشرفة لأنتظر عودة الطفلة ...ظل بصري معلقاً بالطريق حتى ظهرت, وما ان ظهرت حتى ارتجف قلبي خوفاً وثقلت قدماي عن المسير ..قاومت هذا الشعور وهرعت إلى الباب والتقطت الطفلة التي كانت تقفز بخطوات  السعادة نحو باب الشقة المهجورة بفعل أمها ..فزعت الطفلة وقالت ..ماذا تريدين مني, وطفقت تنادي, أمي, أمي ..تبسمت وقلت لها, أمك ليست بالداخل يا صغيرتي ..قالت, ليست بالداخل! أين ذهبت؟ ربت على كتفها و قلت لها, ذهبت لأمر ما سأخبرك به وقالت لي أن أعتني بك حتى تعود.. طرحت الطفلة يدي من فوق كتفها وقالت, لا, أنتِ تكذبين, أمي تنتظرني كل يوم ..ابتسمت ابتسامة ممزوجة بالألم الذي أشعر وقلت, ولكن اليوم ليس ككل يوم يا صغيرتي, تعالي معي لتنالين قسطاً من الراحة وتتناولين طعامك... استسلمت الطفلة المجهدة من عناء يومها الدراسي الطويل ودخلت معي على استحياء وجلست على المقعد منزوية .. قلت في ابتسامة حانية , سأحضر لكِ الطعام في لحظات ....تناولت الطفلة غدائها وأخذتها إلى غرفة ابنتي وفتحت حقيبتها واخترت لها بيجاما لترتديها .. ارتدتها واتجهت إلى الفراش..ثم قالت ..عندما تعود أمي أيقظيني ..بلعت غصتي وحاولت إظهار بسمة بشدة العناء وأطفئت مصباح الغرفة وخرجت واستسلمت الطفلة  لنوم عميق ...عاد أبنائي من مدرستهم .. وحينما دخلت ابنتي خديجة إلى غرفتها تفاجأت بوجود الطفلة النائمة, اندهشت وهرعت إليّ وسألتني, أمي, هل هذه هي ابنة الجيران؟ قلت لها أجل, قالت وما الذي أتى بها إلى غرفتي وكيف تنام في فراشي؟ قلت لها اخبري أخيكِ أحمد أنني أريد أن أتحدث إليكما في أمر هام .. ذهبت ابنتي خديجة ذات السبع سنوات وعادت بأخيها ذا العشر وتحدثت إليهما عن أمر الطفلة وأنها ستبقى معنا, وكطفلان بريئان رحبا بوجود الطفلة, وقالت ابنتي لا مانع عندي أن تقاسمني غرفتي فهي مثل أختي, طبعت قبلة على وجنة ابنتي وقلت لها سنأتي بفراش آخر لها حتى تشعر ببعض الخصوصية .. بقى الآن زوجي الذي لا يعلم أي شيء عما حدث ..هل سيتقبل أم سينهرني لوجود الطفلة ويتصرف بشكل لا أتوقعه! .. بعد حوالي الساعة, عاد زوجي من عمله منهكاً, ألقى السلام وطلب مني إعداد المائدة واتجه إلى غرفته لاستبدال ملابسه .. أسرعت خلفه لحسم الأمر الذي يؤرقني.أخبرت زوجي بالأمر الذي طرأ على حياتنا وكأنه أمر لا فرار منه, غضب زوجي غضباَ شديداً وقال كيف نتحمل هذه المسؤولية, ولكن بعد حوار استخدمت فيه كل وسائل وطرق الإقناع العقلانية واستجداء الرحمة, وافق زوجي ...عانت الطفلة كثيراً في بادئ الأمر, كانت لا تكف عن البكاء لشعورها بالغربة بيننا, ولكن سرعان ما زال عنها ذاك الشعور وتماهت معنا وتناست أمها. تغلغل حب الطفلة  في قلبي وشعرت أنها ابنتي بحق ..كم سهرت إلى جوارها كلما ارتفعت حرارتها ووضعت لها كمادات الثلج, كم مكثت إلى جوارها وهي تستذكر دروسها, وكم فرحت بنجاحها وضممتها وقبلتها وحفزتها للمزيد, وكما وجدت عندي الحنان وجدت الرحمة عند زوجي الذي كان يعاملها بغاية اللطف ويغدق عليها الهدايا والحلوى وكأنها ابنته ... العلاقة بينها وبين أبنائي كانت رائعة بحق, كأنهم أخوة من ذات الأب والأم, تعتريهم التقلبات التي تعتري الأخوة, طيبون أحياناً ومشاكسون أحيانا ومتشاجرون أحياناً أخرى.. ولكن يجمعهم رباط الأخوة الوثيق والحنين إلى اللعب والمرح, .. طوال كل هذه السنوات لم تطف أمها على سطح حياتنا, أخبارها كانت تتواتر إلينا من قريبة لها  تقطن في نفس الحي ..كانت تخبرنا بكل ما يطرأ على حياة المرأة حين نقابلها  مصادفة في أحد الأسواق أو الشوارع, عرفنا أن هذه المرأة طلقت مرة أخرى وتزوجت بغير الرجل الذي تركت ابنتها لأجله, وطلقت وتزوجت ثم طلقت وتزوجت, وبين فراق مرفأ رجل والولوج إلى بحر آخر قضت حياتها ونست طفلتها ..كبرت الطفلة التي تربت بين أحضاننا وبلغت مبلغ الشباب, وصلت إلى المرحلة الجامعية فأنفقنا عليها حتى تخرجت, تزوجت ابنتي خديجة وسافر ابني وبقيت معنا الفتاة مدللة حتى تقدم لها شاب على خلق, أخبرناه بالأمر وأنها ليست ابنتنا ولكنها في نفس المنزلة وقصصنا له من أمرها كل شيء, فارتضى بالزواج بها, وكما فعلنا مع ابنتنا فعلنا مع أمنية, جلبنا لها كل ما يجلب الأهل لابنتهم العروس من زينة وحلي ومتاع للبيت الجديد ...لا أنس بكائها يوم عرسها وانكبابها على صدري وهي تقول, لن أنس جميل صنائعك ما حييت يا أمي, وقبلت يدي فأدمعت عيني واحتضنتها بكل ما أوتيت من حنان, وقلت لها أنا أمك وهذا البيت سيظل بيتك تأتين إليه متى تشائين يا ابنتي .. سلمنا الفتاة إلى زوجها وقبل أن تنصرف قالت إن حدث يوم وسألت عني المرأة التي أنجبتني فبالله لا تعطوها عنواني وقولوا لها تنسني كما نسيتها ..... وبعد قرابة الشهرين من زواج الفتاة استيقظت  الأم الآبقة من سباتها وأتت لتسأل عنها عندما علمت بزواجها, وحين أخبرتها أن الفتاة لا تريد رؤيتها ثارت وكالت لنا السباب وانصرفت مهددة..وبعد انصرافها بقرابة الساعة,سمعنا طرقاً مدوياً على الباب ,ففزعنا وهرعنا لفتحه لنجد حارس الشرطة يستدعنا إلى المخفر بتهمة اختطاف فتاة وتزويجها دون علم أمها!!!














تعليقات

  1. ياةنهار ابيض اخره المعروف و هي جايه تحس دلوقتي ﻻ اله الا الله جميله يا قمر تسلم ايديكي

    ردحذف
  2. لا حول ولاقوة الا بالله



    سلمت يداك
    قصة حزينةقوي وجعت قلبي
    معقولة في ام بالشكل ده
    مش ممكن تكون انسانه طبيعية
    ربنا يحفظنا ويحفظ لنا اولادنا ويبارك لنا فيهم

    ردحذف
  3. هل لها تكملة ؟

    ردحذف
  4. رائعة سلمت يداك

    ردحذف
  5. فى ناس كتير زى أم البنت

    ردحذف
  6. سلمت يمينك هبة

    ردحذف
  7. احسنتى النشر حبيتى ربنا يبارك فيكي يا رب جميلة جدا
    هل لها تكملة

    ردحذف

إرسال تعليق