حكايات البواب( الثانية) الغازية

 

ذات صباح وأنا أمسح بلاط باحة البناية، اخترقت آذنيّ صوت قعقعات تقترب، فإذ هي صوت  ارتطام  كعبها العال ببلاط الباحة.. عصرت الخيشة في الدلو، ووضعتها جانباً. فردت قامتي واستدرت, فأبصرتها، فإذ هي امرأة ملونة الوجه بألوان بويات عم علي مبيض حوائط القرية.. شعرها مخضب بالأحمر كغازية المولد التي كانت تأتي كل عام لإحياء ذكرى سيدي أبو طرطور.. ترتدي فانلة بفتلتين معلقتين بكتفيها، وبنطال ممزق يدل على أنها للتو خرجت من مشاجرة وسحلت على الطريق... القصد... سألتها عن بغيتها، فقالت أنها على موعد مع الأستاذ فلان لتوقيع عقد إيجار شقته لمدة عام، وتحويلها إلى كوافير حلاقة حريمي

 

وما أن وقعت العقد، حتى وقع بعض رجال البناية في شباكها. هذا يريد أن يسدي لها أي خدمة مهما كانت شاقة، رغم أنه يترفع عن فتح باب المصعد لنفسه.. وهذا الذي يتعلل بأي حجة فارغة ليتردد عليها صباح مساء لينعم بالحديث معها حتى ولو كان عن توافه الأمور.. رغم أنه يخرج ويلج البناية متجهماً لا يتحدث إلى أحد!! .. حتى ذاك الرجل صاحب المقام العال، الذي شارف على الستين.. تحول إلى مراهق للتو قد بلغ الحلم... ففجأة تحول إلى نجار يدق لها المسامير في الأخشاب، ومهندس ديكور يرتب لها الأثاث، بل وسباك يصلح لها صنابير المياه...حكى لها قصة حبه القديم الذي باء بالفشل... وقال عن زوجته الحاجة الوقورة التي شاركته رحلة حياة طويلة أسفرت عن أبناء وحفدة.. قال أنها ليست فتاة أحلامه!! وكأن الشيب داهمها وحدها وتركه على أعتاب زمان الشباب تداعب وجنته نسائم الآمال الفتية.. لذا فهو يريد الغازية أن تلملم مشاعره المشعانة وتغيثه من العجوز الشمطاء

 

أما عن زبائنها.. فقد حولن العمارة إلى حانة إبليس.. شعور حمراء وصفراء وعطور وبويات على الوجوه. وملابس ممزقة وملتصقة على الأبدان ... أبالسة بلا راجم

 

حمداً لله غادرت الغازية البناية، قبل انتهاء مدة العقد, ورحمت عيني من النفايات, وعقول بهوات البناية من الشتات

****************

تمت

الغازية

حكايات بواب عمارتنا

تصيغها لكم. هبة نور