أنا وكيفن وضوء القمر( الثالثة والثلاثين)

 


أطرق محمد مفكراً، فتذكر شخصاً ربما يستطيع المساعدة، فقال وقد لمعت عيناه بأمل يرجوه:

ـــــ  الآب فيليب، هيا إلى الآب فيليب، فهو رجل دمث الخلق ولا يهين المسلمين ولا يرضى بإذلالهم، رغم أنه على غير دينهم، وللأسف أمثاله قليلون، هيا إلى الآب فيليب، عسانا أن نجد عنده حلاً ينقذنا مما نحن فيه

ـــــ هيا هيا يا محمد، هيا، فأنا كالغريق الذي يتعلق بقشة أملاً في إنقاذه هيا

*******************************************

دخل التابع إلى الآب فيليب:

ـــــ الآب فيليب

ـــــ ما الأمر يا  توبياس؟

ـــــ اثنين من المسلمين الألمان يطلبون الإذن في الدخول

ـــــ ادخلهم  يا توبياس

****************************************************

دخلا على القس فيليب، فاستقبلهما بالترحاب:

ـــــ مرحباً، تفضلا

ـــــ طاب مساؤك الآب فيليب

ـــــ طاب مساؤكما. من انتما ؟

ـــــ عبد الله

ـــــ محمد

ـــــ  مرحبا بكما عبد الله ومحمد ، ما الأمر ؟

رد عبدالله باضطراب وعجلة:

ـــــ زوجتي مسلمة عربية تم اختطافها من قبل الآب دانيال  تمهيداً لقتلها دون ذنب

ـــــ اختطافها ! قتلها ! ولِمَ ؟؟؟

ـــــ أنا من عائلة على ارتباط وثيق بالكنيسة لذا فلم يسمحوا بانشقاقي وإسلامي، لذا ففررت منهم أنا وزوجتي ولكنهم تعقبونا واختطفوا زوجتي بعد عدة أشهر من زواجنا، وهي الآن حبيسة الكنيسة ويمهدون لقتلها . أرجوك أن تساعدني أيها الآب في استعادة زوجتي، وسأرحل بها عن المانيا كلها، فقط ساعدني في إنقاذها

استشاط القس فيليب غيظاً من فعلة دانيال الشنعاء، وذكر اسمه بحنق شديد:

 

ـــــ دانيال!! تباً لهذا الدانيال الذي يتدخل حتى في عقائد الناس. فليدع الناس يعتقدون ما شاؤوا وعليه النصيحة والوعظ وفقط أوف! سأذهب إليه الآن، رغم إني لا أحب لقائه، ولكن لأجلكما سأفعل

أسدى له عبدالله الشكر الجزيل:

ـــــ أشكرك أيها الآب، أشكرك

رفع عبدالله يديه إلى السماء يدعو الله:

ـــــ  يا رب، يا رب أعد إلي زوجتي سالمة يا رب

*****************************************

كان القس دانيال يحتسي الخمر، حين دخل عليه تابعه:

ـــــ الآب دانيال

ـــــ ما الأمر يا جوزيف ؟

ـــــ الآب فيليب يطلب الإذن في المقابلة

أسدل القس دانيال حاجبيه وقال باندهاش:

فيليب !! وماذا يريد فيليب ؟ ممم ادخله يا جوزيف لنرى ما وراءه

دخل القس فيليب وألقى النحية بوجه متربد:

ـــــ طاب مساؤك يا دانيال

ارتشف القس دانيال رشفة من النبيذ، ثم رد بغير اكتراث:

ـــــ طاب مساؤك فيليب. خيراً ؟

ـــــ الن تقل لي اجلس أولاً ؟

ـــــ أمامك الكثير من المقاعد، فاجلس على أيها شئت

ـــــ هأنذا قد جلست . أين  المسلمة العربية يا دانيال ؟

قهقه القس دانيال، ثم غضن حاجبيه وقال:

ـــــ مسلمة عربية!! مالي أنا والعرب والمسلمون!! كلامك غريب جداً، تفضل

صب كأساً من النبيذ ومده إلى القس فيليب وقال ببرود قاتل:

ـــــ إليك بعض النبيذ الأحمر الرائع الذي لا أقدمه إلا للأحباب من أمثالك هاها

رد القس فيليب بتجهم:

ـــــ دعك من النبيذ الآن وأخبرني أين المرأة المسلمة العربية

انفجر دانيال ضاحكاً، وقال بتهكم:

ـــــ فيليب، هل ستقومون  بتمثيل عمل درامي وينقصكم وجه عربي ؟ هاها أأسف، طلبك ليس عندي، إذهب إلى بلاد العرب وانتقي ما شئت

انتفض القس فيليب عن مقعده وزأر في وجهه:

ـــــ دانيال، أين المسلمة العربية التي اختطفها رجالك؟

ـــــ هاها أنا!! أنا أرسل رجالي في خطف النساء يا فيليب! هاها، خذ، خذ  كأساً من هذا النبيذ ودعك من هذا الهراء

ـــــ إذن فأنت تنكر وجودها في الكنيسة

ـــــ أمامك أروقة الكنيسة، ففتشها بحثاً عن المرأة التي تزعم وجودها لدي. هاها لتعلم فقط مكانتك عندي. أنت تعلم انه غير مسموح مطلقاً تفتيش الكنيسة ولكن لأجلك انت سأتركك تفعل

قام دانيال عن مقعده ونادى تابعه:

ـــــ  جوزيف

ـــــ أمرك يا آبانا دانيال

ـــــ اصطحب الآب فيليب في جولة لأروقة الكنيسة لتفتيشها، وحتى القبو افتحوه له لينظر هل لدينا ما نخفيه أم لا هاها

ـــــ حسناً يا آبانا . تفضل يا آبانا فيليب للتفتيش

ـــــ سأفعل، هيا

تنقل الآب فيليب رفقة التابع يفتش الأروقة بعناية، فلم يعثر لعائشة على أثر، زفر وقال للتابع:

ـــــ افتح القبو يا جوزيف

ـــــ أمرك يا آبانا فيليب

نزلا إلى القبو، فاندفع الآب إلى الداخل باحثاً عنها والتزم التابع الباب...بعدما أضناه البحث زفر وتمتم ضائقاً:

ـــــ أوف! لا توجد في القبو أيضاً، إذن أين هي؟ أين هي؟

أسرع إليه التابع يسأله:

ـــــ أتحدثني يا آبانا ؟

ـــــ لا يا جوزيف، أحدث نفسي مممممم جوزيف!

ـــــ أمرك آبانا فيليب

ـــــ أين المسلمة العربية ؟ أين أخفيتموها يا جوزيف؟

اتسعت حدقتا التابع وازدرد ريقه، ثم قال متلعثماً

ـــــ هااااا أأأأأأ أنا لا اعلم شيئا عن هذا الأمر

ـــــ مممم بالطبع ستقول ذلك.

استدار القس بعدما حدجه بنظرة ريب أربكته، فلمح القس فردة حذاء ملقاة على الأرض في أحد الأركان، فهرع يتبينها، أمسك بها وقال مندهشاً:

ـــــ  ما هذا! ما هذا الحذاء!!

عاد إلى التابع ممسكاً بفردة الحذاء ونظر في عينيه مفنداً أكاذيبه:

ـــــ  إنها فردة حذاء نسائي، أليس كذلك ؟

ازداد ارتباك التابع، وأطرق متمتماً:

ـــــ ها! ويحهم! عندما اجتذبوها سقطت عن قدمها فردة حذاء.

عاد لأكاذيبه التي لا تنطلي على القس:

ـــــ  أأأأأأأ إنها، إنها فردة حذاء لإحدى الزائرات المترددات على الكنيسة

صاح فيه القس حانقاً من فرط أكاذيبه:

ـــــ ومنذ متى تستقبلون زوار الكنيسة في القبو يا جوزيف!!

نكس رأسه ورد بنبرة مهذبة:

ـــــ آبانا فيليب، من فضلك أنا لا أعلم شيئاً، وقد تركتك تفتش الكنيسة بأكملها حتى القبو، فلم تجد شيئا . فلا تظلمنا وتظلم الآب دانيال من فضلك يا آبانا

ـــــ ممممم حسناً، سأصطحب فردة الحذاء هذه معي

اتسعت حدقتا التابع خوفاً من دانيال، فحاول إثناءه عن الأمر راجياً:

ـــــ لالا، من فضلك يا آبانا لا تعرضني لعقاب الآب دانيال

ـــــ ولِمَ يعاقبك ؟ أنت تقول أنها فردة حذاء إحدى الزائرات، رغم أنني لا أصدق كيف تنسى الزائرة فردة حذائها وتمشي حافية إحدى القدمين، ولكن لا بأس، هي فردة حذاء إحدى الزائرات وقد أعجبتني وسأشتري مثلها لإحدى القريبات. افسح الطريق

غادر القس فيليب القبو مسرعاً، فتمتم التابع مرتعداً:

ـــــ ويحي! سيعاقبني الآب دانيال ويقول لِمَ لم تخف آثار المسلمة من القبو

****************************************************

عاد القس فيليب إلى القس دانيال، فضحك دانيال وقال ساخراً:

ـــــ مرحباً فيليب. هل وجدت العربية المسلمة ؟

ـــــ وجدت فردة حذائها ليثبت كذبك ومكرك

ـــــ هاها أتكذبني وتصدق فردة حذاء يا رجل! هاها حسناً، أنت دائماً هكذا تظلمني يا فيليب، ولكن لا بأس، سامحك الرب

ـــــ أوف! سأنصرف

ـــــ ههه إلى أين يا فيليب! هات عنك فردة الحذاء يا رجل هاها أعجبته فردة الحذاء فأخذها. حسناً فيليب، إعتبر فردة الحذاء كتذكار مني هاها

كان التابع يرقب ما يحدث عن بعد، فتنفس الصعداء وقال لنفسه:

ـــــ أشكر الرب، لم يغضب الآب دانيال عندما وجد فردة الحذاء في يد الآب فيليب. أشكر الرب أن أفلت من العقاب

فجاءه صوت القس مدوياً:

ـــــ جوزيف

ـــــ أوه! وقع ما كنت أحذر.

هرع إلى القس دانيال وقال وأسنانه تصطك:

ـــــ  أمرك يا آبانا

قام إليه القس، وأخذ بتلابيبه وصب عليه جام غضبه:

ـــــ كيف لم تخف آثار المسلمة العربية قبل أن يكتشفها أحد؟ انطق

ـــــ أأأأأأ سامحني يا آبانا. أنا كنت أعتقد أنه لن  ينزل أحد إلى القبو ويرى أي أثر للمرأة المسلمة

ـــــ ممممم حسناً . مبيتك اليوم في القبو بدون طعام ولا شراب حتى تنتبه ولا تخطئ مرة أخرى.

دفعه القس بعنف ونادى غاضباً:

ـــــ  ماريو، بيتر

ـــــ أمرك يا آبانا

ـــــ خذا جوزيف واحبساه في قبو الكنيسة دون طعام ولا شراب لمدة يومٍ كامل

ـــــ سمعاً وطاعة يا آبانا

استغاث جوزيف:

ـــــ يا آبانا وما ذنبي أنا! يا آبانا اصفح عني

قاده الرجلان باتجاه القبو وقال أحدهما:

ـــــ هيا، هيا، هيا يا جوزيف فلا تجعلنا نستخدم معك العنف

***************************************

خرج الآب فيليب من الكنيسة، فهرع إليه عبدالله وخلفه محمد:

ـــــ طمئني يا آبانا، هل رأيت زوجتي؟ رأيتها، أليس كذلك ؟ ماحالها ؟ هل يعذبوها ؟ إنها تحمل بجنين وأخاف عليها والله. هل يعذبوها هؤلاء الجبناء ؟

أسدى إليه القس نظرة شفقة وقال:

ـــــ يا ولدي إن زوجتك لا توجد بالداخل، فقد بحثت عنها في كل أروقة الكنيسة وحتى القبو قد نزلت إليه وفتشت عنها فلم أجدها. ولكن أنا متأكد أنهم اختطفوها، بدليل هذا الحذاء. أليس هذا حذاء زوجتك ؟

جبذ فردة الحذاء وقال ناظراً إليها بارتعاد:

ـــــ أجل حذاؤها، هذا حذاء زوجتي... إذن فكيف تقول يا آبانا أنها ليست بالداخل ؟

ـــــ الواضح يا ولدي أنهم أخفوها في مكان آخر ولا أعلم أين هو . دانيال ينكر اختطافها من الأساس

مضى القس فيليب حزيناً، فصرخ عبدالله وهو يضرب البوابة الحديدية بقبضة يده بجنون:

ـــــ لا، بل هم قتلوها، قتلوها وأخفوا جثتها ولم يبق إلا الحذاء، عائشة،عائشة،لااااا

جاهد محمد في إبعاده عن البوابة وهو يقول:

ـــــ يا عبد الله يا أخي، ربما أخفوها في مكان آخر ولم يقتلوها، فلا تتسرع

رد مبرقاً مرعداً وعرقه يتصبب:

ـــــ لا أتسرع ! وماذا تريدني أن أفعل! أنتظر حتى يسلموني جثتها ؟؟

ـــــ لا حول ولا قوة الا بالله! . من ينجدنا؟ من ينجدنا مما نحن فيه؟ اللهم لا حول ولا قوة الا بالله... صبراً يا أخي، واعلم أن كل شيء بيد الله وحده،  وكل منا لا يملك من أمره شيئا. الله وحده المستعان على الظالمين.

صاح مزدرياً قلة حيلتهما:

ـــــ هكذا! هكذا! ينتهي الأمر ويقف عند قلة حيلتنا ونقلب أيادينا في ضعف، ونقول نحن عاجزون عن نصرة المظلوم!!

 

ـــــ يا أخي وما عسانا أن نفعل إذن . قل لي على شيء نفعله لإنقاذ زوجتك ولن أتردد قسماً بربي . ولكن أنا لا أجد أي مخرج والله المستعان. زوجتك وأخفوها ولا ندري ما مصيرها، ودانيال ينكر، وكل القوانين لا تنصف المسلمين،  فماذا نفعل! اللهم لا حول ولا قوة الا بالله

بكى عبدالله التياعاً وصاح وقلبه يصطلي ألاماً:

ـــــ آآآه يا عائشة، أين أنتِ يا حبيبتي؟ أين أنتِ؟ عائشة، ماذا فعلوا بكِ يا قرة عيني! آآآهٍ يا زوجتي الحبيبة، آهٍ عائشة

******************************************************

وصلت السيارة التي تقل عائشة إلى الدير وقد حل الظلام، فقالت صوفيا للحراس المرافقين:

ـــــ ها نحن قد وصلنا إلى الدير، اتبعوني بها إلى حيث الباب وانصرفوا أنتم

ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا . هيا تعالي لتدخلي إلى الدير المقدس

أنزلوها عن السيارة، واقتادوها إلى الدير صارخة ناشجة:

ـــــ اتركوني، لا أدخل اديرتكم أنا، يا ربي ساعدني يا ربي، أغثني يا إلهي

عند بوابة الدير، استدارت صوفيا وأمرتهم بتجهم:

ـــــ اتركوها هنا و انصرفوا أنتم

تركوها، فقبضت صوفيا على ذراعها بعنف، نظرت عائشة إلى بوابة الدير، فشعرت أنها تدفع إلى هوة سحيقة، فانخرطت في البكاء، فنهرتها صوفيا باحتداد:

ـــــ اخرسي، لا تسمعيني صوت بكائك أيتها اللعينة.

نظرت عائشة إلى السماء تكتم نشيجها وحسراتها، وعبراتها تستغيث بالله الرحيم في عليائه، فتوعدتها صوفيا بغلظة:

ـــــ انظري إلى السماء كما شئتِ، فلن تجدي الغوث من يدي، ودعي القمر بنظراتك ودموعك المنسالة على خديكِ، فلن ترين ضوء القمر مرة أخرى

نشجت عائشة وقالت باستسلام لمصيرها:

ـــــ ياربي أنت حسبي على الظالمين ياربي

قرعت صوفيا أجراس البوابة، ونادت على الراهبة حارسة البوابة:

ـــــ افتحي الباب يا سيمون

سمعت الراهبة صوت الأم صوفيا، فأسرعت تفتح الباب، وانحنت لها إجلالاً:

ـــــ مرحباً الأم صوفياــ

ردت بحدة:

ـــــ مرحباً سيمون . إياكِ أن تكوني قد فتحتِ هذا الباب في غيابي

ـــــ لا،لا، لم أفعل أيتها الأم صوفيا  . دقت الاجراس كثيراً  فكنت أعتذر من خلف الباب وأقول رئيسة الدير غير موجودة، انصرف يا من بالباب

انصرف بصر الراهبة سيمون إلى عائشة، فأخذتها الدهشة:

ـــــ  يا إلهي! من هذه المرأة الحامل ! إنها مسلمة ترتدي الحجاب!.. لا أفهم شيئا

ـــــ أدخليها

ـــــ ها!! مسلمة حامل تدخل إلى الدير !!!!

قالت صوفيا باحتداد:

ـــــ أطيعي الأمر دون نقاش

ـــــ حسناً، حسناً، ادخلي أيتها الحامل مممم يبدو أن قانون الدير سيتغير ونستقبل الحوامل. ادخلي

نظرت عائشة إلى أبنية الدير فانقبض قلبها، ونشجت راجية:

ـــــ اتركوني أعود إلى زوجي

غضنت الراهبة سيمون حاجبيها وقالت:

ـــــ زوجك ! ولِمَ تركتيه إذن وأتيتِ مع الأم صوفيا ؟

التفتت صوفيا وصاحت في الراهبة غضباً:

ـــــ سيمون! لا تتحدثي اليها وإلا عاقبتك

ـــــ لالالا، مالي ولها أنا!. أنا مجرد راهبة ووظيفتي فتح باب الدي . ادخلي واتبعي الأم صوفيا  يا....... ما اسمك؟

ردت ناشجة:

ـــــ اسمي عائشة

ـــــ عائشة! ادخلي يا عائشة، لا تخشي شيئاً، فحياتنا هادئة ولن نزعجك

استدارت صوفيا فرمقت سيمون على حال ثرثرتها، فزفرت غيظاً وعنفتها:

ـــــ آهٍ من الثرثرة! لا تثيري حفيظتي فأعاقبك أيتها الثرثارة سيمون

ارتجفت سيمون وقالت باضطراب:

ـــــ ادخلي واتبعيها وإلا ستعاقبني

قالت وعبراتها تنهمر:

ـــــ لن أتبع أحد، وسأظل إلى جوار الباب وأجلس هنا هكذا

جلست عائشة على مقعد مجاور للبوابة، فصاحت بها صوفيا بوجه مكفهر:

ـــــ لم لم تتبعيني ؟ آمرك  أن تتبعيني أيتها المسلمة العربية

ـــــ لن أتبعك، وافعلي ما شئتِ

ـــــ أهكذا! حسناً

استدارت صوفيا ونادت في بعض الراهبات بصوت مزلزل:

ـــــ  إيفون، ليزا، مانويلا

هرعن إليها من داخل الدير يهرولن ومن بينهن مانويلا:

ـــــ سمعاً وطاعة الأم صوفيا

أشارت صوفيا إلى عائشة وأمرتهم باحتداد:

ـــــ إذهبن إلى هذه واحملنها، ولكن برفق، فهي تحمل بمسيحي صالح

قالت إحداهن باندهاش:

ـــــ مسلمة تحمل بمسيحي!! لا نفهم شيئا

ـــــ أوف! قلت احملنها إلى الداخل برفق

انصرف بصر مانويلا إلى الباب، فأبصرت عائشة تجلس في حالة من الإعياء، ملصقة بصرها بالأرض ذاهلة، فأجهشت مانويلا بالبكاء، وقالت لصوفيا:

ـــــ إنها عائشة. هل ستقتلونها هنا أمام اعيننا، الأم صوفيا ؟

نهرتها صوفيا باحتداد:

ـــــ مانويلا، افعلي ما أمرت ولا تزيدي حرفاً واحداً، فأنا متعبة وأريد أن أنام لأرتاح

أطرقت مانويلا باكية، فأزاحتها صوفيا عن طريقها بعنف وأسرعت الخطى إلى الداخل، هرعت الراهبتان إلى عائشة يحاولن حملها، فتدفعهما بعيداً بصراخ:

ـــــ اتركوني، اتركوني، أنا لم أفعل شيئا حتى تجعلوني حبيسة ديركم

اتجهت مانويلا صوبها, وأزاحت الراهبتين بعيداً، فبدا وجهها لعائشة، وقالت بابتسامة هادئة:

ـــــ أشكر الرب على سلامتك، وأشكره أن جمعني بكِ مرة أخرى يا عائشة

وقفت عائشة وقد تملكها الذهول، وقالت وهي تهز رأسها لا تصدق ما تراه عيناها:

ـــــ مَن!!...زينب!!... لالا.. كيف!!.. لالا... زينب! لِمَ تلبسين زي الراهبة يا زينب!. أعدتِ إلى النصرانية مرة أخرى ؟؟ أم أنك  ....... أم أنكِ ضمن المخطط الذي زج بي وبزوجي إلى هاويتكم!!

أجهشت مانويلا بالبكاء، وقالت بنبرة خزي:

ـــــ سامحيني يا عائشة، وحق يسوع أنا نادمة عما فعلت بكِ، ولا أنام الليل من الاحلام المزعجة التي توؤرقني

سددت إليها عائشة نظرة ازدراء وقالت توبخها باحتداد:

ـــــ أحلام مزعجة تؤرقك ! أهكذا حياة الناس عندكم لا تساوي شيئاً ولا ينتابكم من جرائر صنائعكم  غير الأحلام المزعجة !

أردفت عائشة وقد انفجرت بالبكاء ناظرة إلى مانويلا التي أطرقت رأسها خزياً ودموعها تنهمر:

ـــــ  حسبي الله ونعم الوكيل.. أنتِ يا من آمنتك وأدخلتك بيتي، وأطلعتك على أسراري تكونين سبباً في قتلي وافتراقي عن زوجي!! حسبي الله ونعم الوكيل.

ردت مانويلا ناشجة وآيات الندم تفيض من ملامحها:

ـــــ سامحيني يا عائشة، سامحيني. الأمر ليس بيدي، سامحيني، تعالي معي، تعالي

أطاحت عائشة بيدها وصاحت بكراهية:

ـــــ ابتعدي عني، لا أريد أن أراكِ مرة أخرى، ابتعدي وابتعدن جميعاً، فسأدخل إلى ديركم وحدي دون أن تحملنني وأفوض أمري إلى ربي، فهو حسبي ونعم الوكيل.

****************************************************

دخلت عائشة إلى مبنى الدير رفقة الراهبتين، بينما هرعت مانويلا إلى مخدعها تتجرع آلام الندم..فقالت إحدى الراهبتين للراهبات الآخريات:

ـــــ ههه انظروا إلى هدية الأم صوفيا إليكم هاها لقد جاءت من ميونخ ومعها مسلمة حامل، ويبدو أنها ستتنصر، وتحيا معنا في الدير للأبد

قالت إحداهن:

ـــــ تتنصر!! يا له من أمر رائع حين يتنصر المسلمون ويحيون معنا في الدير هاها، اجلسي ها هنا أيتها المسلمة . ما اسمك ؟

ـــــ عائشة

مطت الراهبة شفتها بامتعاض وقالت:

ـــــ لا يعجبني . ما رأيك يا ليزا أن نطلق عليها ماري ؟؟

ـــــ هاها حسناً يا أنجيلا . ماري اسم جميل . مرحبا بكِ ماري في الدير

صاحت بهم عائشة غضباً:

ـــــ اسمي عائشة، مسلمة موحدة، ولا أسجد إلا لله. إياكم أن تنادوني ماري مرة أخرى . أسمعتن ؟

ـــــ هاها إنها غضبت من إسم ماري . مممم حسناً لا داعي من تغيير اسمها حتى لا تغضب  يا ليزا

ـــــ الأسماء ليست مشكلة يا أنجيلا . الأفكار هي الأهم . عندما تتغير الأفكار، وتعرف الدين الصحيح ستتغير الأسماء تباعاً، وسيكون نصراً عظيماً حين تتنصر هذه المسلمة وتطلب من تلقاء نفسها  ان نناديها ماري هههه

دفعتهن عائشة بعيداً وصاحت بهن:

ـــــ ابتعدن عني، ابتعدن

اتجهت صوفيا صوب عائشة وهي تنظر إليها شزراً، أشارت إليها بازدراء وقالت للراهبات:

ـــــ إذهبن بها الى غرفتها واخلعن عنها هذه الملابس، وأعطينها غيرها وآتوني بملابسها

ـــــ أمرك  ,الأم  صوفيا 

صاحت بهم عائشة باكية:

ـــــ ابتعدن عني واتركنني

لم يمض وقت طويل حتى عادت إحدى الراهبات بملابس عائشة، وقالت لصوفيا:

ـــــ ها هي ملابسها، الأم صوفيا

أمسكت صوفيا بالملابس، وأمرت الراهبة بتجهم:

ـــــ إذهبِ يا ليزا أنتِ وأنجيلا واحضرا شاة من الحظيرة، وأتياني بها

ـــــ حسناً، الأم صوفيا  

****************************************************

عادت الراهبتان بالشاة يجرونها وثغائها يرتفع:

ـــــ ها هي الشاة

أمسكت صوفيا بالشاة، وقالت بنبرة متحشرجة:

ـــــ أعطياني  سكيناً ذو شفرة حادة، وأتياني بالمسلمة

ـــــ سمعاً وطاعة، الأم  صوفيا

***************************

دخلن على عائشة في محبسها فوجدنها تبكي، فقالت إحداهن بوجه عابس:

ـــــ تعالي أيتها  المسلمة، فالأم صوفيا تريدك

ـــــ ماذا تريد مني! دعوني، فأريد أن أبقى وحدي

ردت الراهبة باحتداد:

ـــــ لا شأن لنا بذلك . عندما تأمر الأم صوفيا، فعلى الجميع السمع والطاعة، هيا

قامت عن مقعدها ورفعت بصرها إلى السماء وقالت بوهن:

ـــــ فوضت أمري الى الله

****************************************************

جاءت الراهبات بعائشة، فقالت إحداهن:

ـــــ ها هي المسلمة جاءت ، الأم  صوفيا 

أومأت برأسها إلى الراهبة المقربة إليها وأمرتها:

ـــــ مادلين، أجلسيها يا مادلين

ـــــ إجلسي ها هنا، فقد أمرت الأم صوفيا  بجلوسك

أبصرت عائشة السكين الحاد في يد صوفيا وإلى جوارها شاة لها ثغاء كأنه استغاثات لرب السماء، فشخص بصرها، وغمغمت باكية مرتعدة:

ـــــ ماهذا السكين الحاد الذي تمسك به هذه المرأة! وما هذه الشاة! هل ستذبحني أم ستذبح الشاة ؟ ليتها تذبحني لأموت وولدي حتى لا يخرج الى الدنيا يسجد لغير الله

 

أمسكت صوفيا برقبة الشاة ونظرت بملامح جامدة إلى عائشة وقالت:

ـــــ أرأيتِ هذه الشاة أيتها المسلمة ؟

........................................

ـــــ لِمَ لا تجيبين ؟ حسناً . أرأيتِ ملابسك التي رأكِ بها زوجك لأخر مرة في الكنيسة في ميونخ ؟

 

...............................

هاها أيضاً لا تجيبين! . حسناً.

قامت صوفيا عن مقعدها وأضجعت الشاة إلى الأرض، ووضعت السكين على رقبتها وقالت بغلظة وهي تطيح برقبة الشاة:

ـــــ  هذه الشاة ستذبح هكذااا

انفجرت الدماء فوضعت عائشة يدها على عينها صارخة من فجعة المنظر، ثم صرخت في صوفيا باكية:

ـــــ أنتِ امرأة غليظة القلب

قهقهت صوفيا وقالت:

ـــــ أرأيتِ كيف ذبحت الشاة في لمح البصر ؟ غداً ستكونين مكان الشاة، وأذبحك بنفس السكين ذا الشفرة الحادة هذا

صرخت عائشة باكية:

ـــــ اذبحيني، اذبحيني وخلصيني مما أنا فيه

ـــــ قلت لكِ عندما تلدين هذا المسيحي الصالح الذي تحملينه كهدية للنصرانية في أحشائك

انفجرت عائشة بالبكاء، وصاحت مستغيثة برب السماء:

ـــــ ولدي، ولدي، لاااا، يا ربي، يا ربي .. يا إلهي أنت تعلم أني موحدة من نسل موحدين، ولم أتزوج زوجي إلا وهو مسلم موحد يا ربي،  فلو قبضت روحي فلا تمكنهم من ولدي، لا إله إلا أنت، لا اله إلا أنت، لا إله إلا أنت

قهقهت صوفيا وهي تسمع استغاثاتها، ثم قالت تستفزها:

ـــــ انظري كيف أغمس ملابسك في دماء الشاة ؟

سددت عائشة إليها نظرات كراهية صامتة وهي تراها تلطخ ملابسها بدماء الشاة ، فأردفت صوفيا ببرود:

ـــــ اتعلمين ماذا سأفعل بها ؟؟

........................................

 

ـــــ ههه سأرسلها إلى زوجك، ليتيقن من موتك وموت ما في بطنك حتى يكف عن البحث عنكِ وتهدأ نفسه ويعود إلى النصرانية دين آبائه وأجداده الذي بغضتيه إليه واقنعتيه باتباع دينك أيتها اللعينة..  هاهي ملابسك ملطخة بالدماء وسيعلم الجميع بموتك أيتها الحشرة، وسأتحفظ عليكِ في الدير حتى تلدي هذا الطفل المسيحي الصالح الذي سينشر دين يسوع في ربوع الأرض

صرخت عائشة:

ـــــ لااااا

 

*********************************

انتهت حلقتنا لهذا اليوم

انتظروني الخميس القادم بمشيئة الله

 

لا إله إلا الله ولا حول ولا وقوة إلا بالله

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد

 

 

 

 

تعليقات

  1. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كا صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم ف العالمين انك حميد مجيد 🤍

    تسلم ايدك يا استاذة هوبة
    ربنا يبارك ف قلمك

    ردحذف
  2. لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير 💕
    ليه الحِزن دِه يا كابيرة
    حلقة موجعة ومفجعة أن يقتادوها ويلطخوا ملابسها بالدماء ويرسلوها لزوجها ليفجع فيها وفي ولده
    هكذا هم بلا رحمة ولا أخلاق حسبنا الله
    ما بها هذه الـ صوفيا بلا قلب.. بل إنها تخطت نيكولا أم كيفن في قساوة قلبها قبل أن تسلم
    لعله خير لعائشة وعبدالله.. قريباً ستزول الغمة
    💜دُمتِ مُبدعة 💜

    ردحذف
  3. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
    اللهم نج المستضعفين من المؤمنين

    ردحذف
  4. سبحان الله و بحمده
    اللهم صلي على محمد

    ردحذف

إرسال تعليق