أنا وكيفن وضوء القمر( الحادية والعشرين)

 


تهيأت السيدة نيكولا للخروج من المنزل في الصباح كعادتها، فاعترضها زوجها يسألها:

ــــ الى أين يا نيكولا ؟ أستذهبين إلى النهر كعادتك كل يوم ؟

 

ــــ أجل يا ماكس . سأجلس إلى النهر بعض الوقت وسأعود حينما يمل النهر من حديثي

سدد إليها نظرة شفيقة وقال:

ــــ رفقا بنفسك نيكولا . تحملين نفسك أحزانا كالجبال، فرفقاً يا حبيبتي

ـــــ أنا لا أعذب نفسي بالذهاب إلى النهر يا ماكس، بل على العكس.. لا أشعر بالراحة إلا عند النهر ... أتعلم يا ماكس ! كلما ذهبت إلى النهر أستشعر أني أسمع صوت كيفن حبيبي يقول  أمي، أمي... وهذا الشعور يريحني جداً يا ماكس

ــــ لا استطيع أن أقول غير افعلي ما تستريح إليه نفسك . لن أمنعك نيكولا . إذهبي حبيبتي، إذهبي

****************************************************

جلست إلى النهر لساعات تحادثه بقلب فطرته الأحزان:

ــــ إيهٍ أيها  النهر .... إذا افتقدتني يوما ورحلت عن هذا العالم، فأوصيك بولدي . أوصيك بكيفن الذي سكن أعماقك واختفى عن ناظري للأبد . إهمس في أذنه وقل له أمك تحبك يا كيفن . أمك قد انفطر قلبها حزناً لفراقك يا كيفن

انهمرت عبراتها، فأكملت بصوت مختنق:

 ــــ أخبره أن يسامحني لأنني طالما ما منعته عن ما تهفو إليه نفسه ... سامحني يا كيفن... سا محني يا ولدي  آآآآه.....  سأمشي الآن أيها النهر وأعود إليك في الصباح .... أودعك الآن فقد اقترب الغروب

****************************************************

كان عبد الله قد عزم على أمر، فأفصح عنه لزوجته:

ــــ عائشة حبيبتي . غداً إن شاء الله سأتجه إلى ميونخ . يجب أن ألقى أمي عند النهر

وخز الخبر قلب عائشة، فطفرت عبراتها وقالت بنشيج:

ــــ تسافر إلى ميونخ وتتركني يا عبد الله؟

ـــــ هاها ستشتاقين إلىّ يا زوجتي الحبيبة ؟

ـــــ سأشتاق إليك حبيبي .. سأكون على  جمر الشوق والخوف أتقلب حتى تعود

مازحها قائلاً:

ـــــ الشوق وأعلم حالك في غيابي جيداً من شدته هاها ولكن عن أي خوف حبيبتي تتحدثين؟

تشبثت بذراعه وقالت باكية:

ـــــ أخاف عليك يا حبيبي، أخاف، أخاف أن يلمحك أحد ممن فررنا منهم و تصاب بأذى

ربت على يدها باسماً وقال يهدئها:

ـــــ هذا إذا كان كيفن هو الذي سيذهب إلى ميونخ، ولكن الآن عبد الله هو المتوجه إلى هناك ... حبيبتي لاحظي تغير ملامحي باللحية وأيضاً مظهري مختلف تماماً . تعالي هنا أمامي وانظري جيداً وقارني بين كيفن وعبد الله ،فهل يوجد ثمة تشابه بينهما ؟

ضحكت وهي تمسح عبراتها بيديها وقالت:

لا . من يراك الآن لا يقول أبداً أنك كيفن . أصبحت تشبه العرب بهذا الجلباب الأبيض ههه

 

ــــ إذن فلِمَ الخوف يا حبيبة !.. لا تخشي شيئاً، فالله معنا هو حسبنا ونعم الوكيل

نشجت مرة أخرى وقالت:

ـــــ هل ستبيت هناك ؟

ــــ ههه لا . إن شاء الله أعود خلال ساعات. حجزت تذاكر طيران العودة في نفس اليوم. هل تريدين شيئاً من ميونخ ؟

تشبثت به وقالت بنشيج:

ـــــ أريد حبيبي عبد الله

ـــــ سأحضره معي إن شاء الله ههه دعواتك الطيبة يا زوجتي الطيبة . والله إني  سأشتاق  إليكِ وسأشتاق إلى ولدي الذي في احشائك  هذا ههه أوصيك بأمك خيرا يا ولدي الحبيب

ـــــ هاها أعادك الله إلينا سالما يا حبيبي

ــــ حبيبتي لا تخبري أحد وخاصة زينب . لا أريد أن يعلم  بسفري أحد

ــــ بالطبع حبيبي لا تخش شيئاً . هذا سر بيني وبينك، لا تقلق

****************************************************

كانت والدة عبد الله تجلس إلى النهر كعادتها، تحادثه تارة، وتحادث نفسها تارة:

ـــــ كل يوم آتي  إلى النهر وأنتظر عبد الله صديق كيفن ولا يحضر... ربما نسى موعده معي عند النهر، أو ربما لم يعبأ بهذا اللقاء ... ولكن سأظل أحضر إلى هنا كل يوم أتحدث إلى النهر وأشم رائحة ولدي كيفن الحبيب

سمعت صوتاً إلى جوارها:

ــــ طاب صباحك سيدتي نيكولا

ــــ هاااا ! من أنت يا ولدي ؟

ــــ عبدالله

أشرق وجهها وقالت متهللة:

ـــــ حقاً ! صديق كيفن، أليس كذلك؟

ــــ أجل سيدتي.. أنا عبد الله

ــــ اجلس يا ولدي، اجلس إلى جواري، اجلس

ــــ بالطبع سأجلس وأقبل يديكِ سيدتي كما أوصاني كيفن بتقبيلهما

جلس وقبل يديها وقال باسماً:

ــــ  كيف حالك سيدتي ؟

طفرت عبراتها وقالت بنبرة حزنى:

ـــــ هأنذا  أشكو حالي إلى النهر يا ولدي ...اشتقت لولدي، اشتقت لكيفن

ــــ .......سيدتي قد مضى اكثر من شهرين على موت ولدك . أما زال ألم الفراق بكِ حتى الآن ؟

ــــ بل يزيد يا ولدي وتزيد وحشتي وغربتي حتى بين أهلي. أكثر ما يؤلمني إنني أشقيت ولدي بيدي .. حملته مالا يطيق منذ صغره وحتى ترك عالمنا

أطرق عبد الله  رأسه حزيناً، ثم طبع ابتسامة على محياه وقال:

ــــ حملني كيفن أمانة إليكِ سيدتي

ــــ هات الأمانة يا ولدي

ــــ هذه رسالة مكتوبة إليكِ من كيفن فاقرأيها

ــــ رسالة من كيفن ! هاتها يا ولدي، هاتها

ــــ تفضلِ سيدتي

أخذت الرسالة وبدأت في قراءتها بشغف:

أمي

حبيبتي

يا أحب الناس إلى قلبي

يا أحن أحضان احتوتني في هذا العالم

يا من تفتحت عيناي على بسمتها الرقيقة وضمة ذراعيها الحانيان

ليس بيدي فراقك يا أمي الحبيبة ولكنه القدر

امي

قد فارقتك على الإسلام

فارقتكِ على دين التوحيد

اعلمي يا امي أنه لا إله إلا الله

اعلمي يا أمي أن إله الكون واحد لا شريك له .لا ولد له، لا صاحبة له،  لا أم ولا أب له . لا إله غيره سبحانه منزه عن الشريك و الولد .

اعلمي يا أمي أن من يشرك بالله فهو كافر ومآله إلى عذاب النار خالداً فيها

أمي، أحبك يا أمي، أحبك.. لذا  لن أتحمل أن تدخلين النار . حبي لكِ الجارف دفعني إلى إرسال رسالة إليكِ قبل رحيلي عن عالمك

امي قد اذقتيني طعم الرحمة والحنان النابعان من قلبك الرحيم، ولذا فدوري أن أرد لكِ جزءاً من جميلك  وأكن رحيما بكِ  يا منبع الرحمة في حياتي وأدعوكِ إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تلقي  الله

أريد أن نُخلد في النعيم سوياً يا أمي  حيث لا فراق . حيث لا أحزان ولا أنكاد . هل تحبيبني ولا تريدين فراقي في العالم الآخر ؟ أعلم أنك تقولين أجل يا ولدي أحبك ولا أريد فراقك . وأنا يا أمي أحبك وأريد لك نعيما ترتعين  فيه وأخشى عليكِ جحيما تخلدين فيه

انطقي الشهادة خالصة من قلبك . فمهما طالت هذه الحياة فهي قصيرة وحتما الموت قادم..  ستصعد أرواحنا وتعود إلى خالقها  لا محالة  . سنلقى الله يا أمي.. حتما سنلقاه . كلٌ سيحاسب بمفرده على أعماله وسيتبرأ  منا كل من اتبعناهم واضلونا .

لن تجدي الثالوث في العالم الآخر . بل ستجدين أنه إله واحد سنقف بين يديه وسيسألنا . أين شركائي الذين كنتم تدعون!! 

ماذا ستقولين وقتها يا أمي ؟... ماذا ستقولين؟

اشهدي يا أمي أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله

انتهت والدة عبد الله من قراءة الرسالة، وأجهشت بالبكاء ، فسألها متلهفاً:

ــــ سيدتي . أوقعت عيناكِ على ما اغضبك في الرسالة ؟

ــــ لا يا ولدي .. إنها دموع فرحي بإسلام ولدي وموته على التوحيد

تهلل وجهه وقال:

ــــ حقا ؟ هل سُررتِ بذلك ؟

ــــ بالفعل سُررت جداً .. بل وهدأ ذلك من لوعتي لفراقه

ـــــ  إذن ستنطقين بالشهاتين سيدتي ؟

أومأت برأسها وعبراتها تسيل:

ـــــ أجل يا ولدي. لا مجال للجدال في أمر محسوم من الأزل ... لن ندعي لله الولد وهو واحد أحد لم يلد ولم يولد ..كفانا، كفانا، كفانا كبراً وعناداً ودفاعاً عن الأباطيل .. لم يقل لنا المسيح أن نتخده وأمه إلهين من دون الله، ولكننا من ألهناهم وهم برءاء من ذلك .. خلقنا الله من لاشيء .. خلقنا من العدم فإذ بنا نتطاول عليه  ونحن الجاحدون  وندعوا له ولدا وهو الخالق الذي خضع كل شيء لعظمته وقوته ... شهدت  الجبال والأنهار والبحار والاشجار والسماوات والأرض بوحدانيته ، فما بال قلوبنا أقسى من الحجارة ولا نهتز ..أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ...سامحني يا ربي على جحود قلبي واغفر لأمتك الضعيفة التي طالما عاندت وتكبرت وطغت ولكنك صبرت .. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله

فاضت عينا عبد الله بعبرات السعادة، فقالت له:

ــــ ولدي ! ما يبكيك بهذه الدرجة! . أرى دموعك تنهمر من عينيك يا عبد الله 

ــــ هذه دموع فرحتي سيدتي... لا اصدق ما أسمع ... كلماتك أرعدت جسدي، ونطقك للشهادتين جعل دموعي تنهمر من شدة الفرح . بالله دعيني أقبل يديكِ سيدتي

انكب على يديها مقبلاً، فقالت باسمة:

ــــ بارك الله فيك يا ولدي

ــــ سأسجد لله شكراً على هذا الفضل الذي من به عليّ ولم أكن أتوقع حدوثه

سجد لله شاكرا:

ــــ اللهم لك الحمد أن هديت أمي، اللهم لك الحمد

عاد يجلس إليها وقال يحذرها:

ــــ لا تخبري أحداً بإسلامك سيدتي، فأنا أعلم أنك تنتمين إلى أسرة ذات صلة بالكنيسة

ــــ لا تخش شيئا يا ولدي. فإسلامي في قلبي ولن أخرج من داري مرة اخرى حتى ألقى الله

سرى الحزن في صدره خشية ألا يراها بعد اليوم، فقال متلهفاً:

ـــ ألن أراكِ مرة أخرى سيدتي؟

ــــ زرني يا ولدي. لا تنقطع عني. فيعلم الله أنني منذ رأيتك وكأنني رأيت ولدي الذي غاب عني للأبد

ــــ إن شاء الله يا أمي . سأهاتفك يوميا للإطمئنان عليكِ، و سأزورك كلما تيسر لي ذلك . أستودعك الله . السلام عليكم ورحمة الله

ــــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ولدي

****************************************************

عاد عبد الله إلى منزله محلقاً في روض السعادة، أخذ ينادي جذلاً

ــــ عائشة..أين أنتِ يا حبيبتي، عائشة

أسرعت مانويلا إليه تسأله:

ــــ  أهناك شيء سيد عبد الله؟

زفر حين رآها وقال متضجراً:

ــــــ نسيت أن هناك من يشاركنا في بيتنا. أين عائشة؟

ـــــ سيدتي نائمة. أتريد شيء ؟..  يبدو أنك مسرور . فيا تُرى ما سر سرورك ؟

رد باحتداد:

ــــ تسألين كثيراً عن أشياء لا شأن لكِ بها. أدخلي إلى  غرفتك الآن . ومن الغد ستنقلين كل أغراضك إلى الشقة التي في الطابق العلوي فقد استأجرتها لكِ

ـــــ ممم لا بأس . أهم شيء أن أبقى إلى جوارك

ـــــ ....ماذا!!

ـــــ أقصد إلى جوار زوجتك الطيبة، حتى يتسنى  لي رعايتها كما ينبغي

ــــ اذهبِ إلى غرفتك . لا أريد أن أراكِ كلما خرجت أو دخلت كظلي

ـــــ هاها  سمعاً وطاعة سيدي

**************************************************

هرول إلى عائشة يوقظها فرحاً:

ـــــ عائشة، استيقظي حبيبتي، استيقظي

اتسعت حدقتاها فرحاً:

ـــــ ها!! حبيبي. حمدالله على سلامتك. اشتقت إليك كثيراً

ــــ بل أنا من قتلني الشوق إليكِ .. عندي خبر لن تصدقيه

ــــ خيراً حبيبي؟

ــــ أسلمت أمي، أمي أسلمت

ــــ ماذا!! أمك أسلمت!! يا للبشرى هاها

ــــ اخفضي صوتك، اخفضي صوتك، فليكن كلامنا همساً زوجتي الحبيبة، فنحن لسنا وحدنا في المنزل

ــــ حمداً لله، حمداً لله . حقاً لا أصدق هاها..ولكن لِمَ لا أصدق  وأنا  أعلم  أن  الله يهدي من يشاء! حمداً الله حبيبي . ولكن هل  كشفت لها عن شخصيتك ؟

 

ــــ لا

ـــ لِمَ حبيبي ؟

ــــ لا أعرف،  لا أعرف...  هممت بإخبارها ولكن شيئاً ما في نفسي قد منعني ... ربما الخوف عليها

ــــ وددت لو أخبرتها يا عبد الله . كم تقتلني الشفقة عليها كأم فقدت ابنها.. وهذا الإحساس لم اشعر به الا عندما حملت في جنيني. أحب ولدي ولم أره بعد . فما بال حبها هي لولدها الذي ربته طفلاً حتى صار رجلا وبعدها حُرمت منه

ــــ بالله لا تعذبيني حبيبتي . والله قد خشيت عليها... فربما لو عرفوا أنها تعرف مكاني أو أنها أسلمت بعد حديثي إليها لآذوها . لذا فأخبرتها أن تكتم إسلامها عمن حولها

ــــ كان الله في عونها يا حبيبي

ــــ سأهاتفها يومياً للإطمئنان عليها إن شاء الله . وكلما تيسر لي الأمر ذهبت إليها

ــــ إن شاء الله حبيبي آآآه، آآآه

ــــ مابكِ حبيبتي ؟؟؟؟؟؟ لا أتحمل أن أسمع تأوهاتك

ـــــ ههه إنه ولدك  فماذا افعل غير أن اتحمل .. لا عليك حبيبي، إنها أمور عادية تحدث مع الحمل

ــــ أتم الله حملك على خير حبيبتي ..متشوق، متشوق لأن أضم ولدي

ــــ وهو متشوق أكثر لضمة أبيه الحانية ههه سلمت لنا يا حبيبي

ــــ وسلمتِ يا حبيبتي وقرة عيني يا صاحبة الضوء ههه

ــــ كم أحب هذا اللقب ههه

ــــ أنا قد استأجرت لزينب الشقة التي في الطابق العلوي كي تكون بحريتها، ونحيا بحريتنا أيضاً

ــــ خيراً ما فعلت حبيبي . كلما كنت في عملك سأجعلها تمكث معي وقبل أن تعود بقليل سأجعلها تصعد إلى شقتها

ـــــ ههه  أخيراً سيعود إلينا الهدوء والراحة مرة أخرى. الحمدلله

ـــ ههه الحمدلله حبيبي

****************************************************

 في صبيحة أحد الأيام،  أتى محمد لزيارة عبد الله في مكتبه للاطمئنان على سير العمل:

ــــ طمئني يا أخي عبد الله كيف يسير العمل. هل هناك مضايقات أو صعوبات تواجهك يا عبد الله ؟

ــــ والله أبداً يا أخي محمد . كل الأمور على ما يرام بفضل الله . اطمئن . أرجو أن  تطلع على هذه البيانات التي وضعتها في ملف على الحاسب الآلي

ــــ هاها يا أخي ما جئت إلا لتناول قدحاً من القهوة معك والإطمئنان عليك . دع الاطلاع الى المرة القادمة بالله

ــــ ههههه كما تريد ... ها هو قسط السيارة

ــــ يا اخي لِمَ التعجل  !!!. دعها للشهر القادم

ــــ لا . الحمدلله العمل يسير بشكل جيد، وحمداً لله معي قسط السيارة ،ومعي ما يكفيني ويزيد الحمدلله

ــــ هههه حمدالله يا أخي

ــــ إذن تفضل يا أخي، وجزاك الله عني خيرا

 

ــــ وجزاكِ يا عبد الله .... حدثتني زوجتي عن زينب التي لجأت إليكم

تنهد عبد الله وهو يهز رأسه وقال:

ــــ ماذا أفعل لزوجتي التي تحكمها عاطفتها، ولا مجال للعقل للحكم على بعض الأمور

ــــ هل أنت  في شك من أمر زينب ؟

ــــ مممم ليس هذا ما قصدت، ولكن كنت أود أن نحيا حياة مغلقة أنا وزوجتي ولا نقحم أحد في حياتنا فيحدث ما لا يحمد عقباه

ــــ وكيف هي هذه المسلمة الجديدة ؟. كم عمرها ؟ فربما لو وجدتها مناسبة أزوجها لأخي أحمد

ـــــ والله لا أعرف  كم عمرها بالتحديد،  ولكن ربما في أوائل  العشرينات.

ـــــ سأخبر أحمد  أن هناك مسلمة جديدة ونبغي تزويجها بزوج يتقي الله فيها، فإن وافق أحضرته لخطبتها والزواج منها

ــــ أرجو من الله أن تكون مناسبة ... من جميل ما لاحظته حرصها على قيام الليل. فهي توقظنا قبل الفجر بساعتين وهي تبكي على الخطايا والذنوب ورافعة يديها إلى السماء ليغفر لها الله

ــــ ماشاء الله . وهل مثل هذه المرأة تُترك!!..سأبلغ أحمد على الفور بأمرها وسأزوجه إياها إن شاء الله

*****************************************

اجتاح قلب عائشة السعادة، عندما أخبرها عبد الله بأمر زينب وشقيق محمد:

ـــــ حقاً ما قلت  يا عبد الله ؟ هل يبغي أحمد  أخا  محمد أن يتزوج بزينب؟

ــــ حقاً حبيبتي، وسوف يأتيا غداً فاخبريها

هزت عائشة رأسها بيقين وقالت ضاحكة:

ـــــ ستفرح، متأكدة أنها ستفرح كثيراً

**************************************************

هرعت عائشة لتخبرها، فوقفت في الردهة تناديها:

ــــ زينب، يا زينب، أين أنتِ يا زينب

أتتها مسرعة:

ـــ انا هنا سيدتي عائشة . أمرك

ــــ هاها أتيتك بالبشارة

أطرقت مغمغمة في دهشة:

ــــ بشارة !!... واي بشارة ستأتيني منكم!

رفعت رأسها وقد أفرجت عن ابتسامة باهتة وقالت:

ــــ  أراكِ متهللة الوجه سيدتي عائشة. خيراً

ــــ هاها وكيف لا يتهلل وجهي وقد أتيتك بخاطب! يبدو أنك ستتزوجين قريباً إن شاء الله

شخص بصرها وردت باهتياج كالمصعوقة:

ــــ ها! ! لا،لا، أنا لا أتزوج لا

هاها ومالي أراكِ صُعقتِ هكذا!. مممممم أصدقيني القول يا زينب.. ألا تحلمين بفارسك الذي سيخطفك  على فرسه الأبيض ويطير ويحلق بكِ في الأفاق ؟ هاها

ردت بازدراء:

ــــ ماهذه الأحاديث البلهاء. أنا لا أحلم بالرجال مطلقاً. لا أريد فارس ولا أريد فرساً. فليذهب بفرسه بعيداً ويدعني وشأني

ـــــ ههه ..أعلم أنه حديث الخجل يا عروس. عندما ترين فارسك وتنظرين إليه وتوافقين ومن ثم يتم العقد سيخفق له قلبك

ظلت تحدق في وجه عائشة بملامح واجمة وقلب مضطرب وقد كاتمت نفسها حديثاً سالت معه عبراتها:

ــــ تبا لهذه المرأة!تريد طردي للأبد من الدير ... الراهبة لا تتزوج ..لا أستطيع  أن أفصح ..ماذا أفعل كي أصرفهم عني

هال عائشة عبراتها، فربتت على كتفها بشفقة وقالت:

ـــ لِمَ البكاء يا زينب! هل قلبك معلق بأحدٍ من البشر ولذا ترفضين الزواج من غيره ؟

ردت بنبرة متوسلة ونظرة رجاء من خلف العبرات:

ــــ قلبي لا يتعلق بأحد.. صدقيني سيدتي .. فقط أنا لا أفكر في الزواج . أنا أريد أن أحيا لربي وفقط

ــــ يا زينب اسمعيني جيدا . الله لم يحرم علينا نعم الحياة، بل خلقها ووضعها بين أيدينا لنتمتع بها ونحمده عليها.. ومن نعم الحياة يا زينب أن يكون لكِ زوجاً صالحاً يكرمك ويحبك وتحبيه وترزقين منه بالذرية الصالحة التي تعمر الكون بلا إله إلا الله . الحياة الزوجية التي يغلب عليها الطابع الإسلامي وتطبيق شرع الله هي نعمة كبرى من نعم الله

شعرت الراهبة أن الخناق يضيق عليها، فراحت تتمتم باكية:

ــــ ماذا تقول هذه!! يبدو أنها قررت وزوجها أن يزوجاني بالفعل ولن يتركاني

ازدردت ريقها وقالت:

ــــ أسألك سؤال سيدتي عائشة

ــــ تفضلي

ـــ هل المرأة المسلمة التي تقرر عدم الزواج وتعزف عنه للأبد، هل تكن  مخطئة ؟

ــــ يا زينب قال الرسول صل الله عليه وسلم لا رهبنة في الإسلام ....وأود أن أذكر هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ....... زينب لِمَ لا تقولين عليه الصلاة والسلام ؟

ـــــ من تقصدين ؟

ــــ أقصد الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام . عندما يقع اسمه على مسامعك فيجب أن  تقولي  عليه الصلاة والسلام

ــــ .... أعلم  ذلك جيداً. أخبرتك سيدتي أنني أقول دائماً ولكن سراً

تنهدت عائشة وقالت:

ــــ فلنعد للحديث

بكت مانويلا وقالت:

ــــ سيدتي قوليها صراحة أنك لا تريديني في بيتك، لذا فتودي التخلص مني بأقصى سرعة

 

ــــ والله يا زينب ما قصدت ذلك .كنت أعتقد أن الخبر سيفرحك.. ولكن أنا مصرة أن  ترين هذا الخاطب، فربما يحدث بينكما نوع من الألفة وترتضيه زوجاً . هو سيأتي غداً ولن تخسرين شيئا برؤيته

غادرت عائشة الردهة، فأسرعت مانويلا إلى غرفتها وهي تهمس لنفسها بارتعاد:

ــــ أين  هاتفي لأخبر الأم صوفيا

أغلقت الباب وأمسكت بهاتفها وهاتفت صوفيا:

ــــ  مرحباً مانويلا، هاتي ما عندك

استغاثت بها باكية:

ــــ  النجدة، أغيثوني، المسلمون سيزوجوني

ــــ ماذا!!...ما الذي حدث؟

ردت بنشيج:

ـــ ابن أختك أحضر لي خاطب، وسيأتي غدا لرؤيتي .. سأهرب الليلة وأعود إلى الدير قبل أن يمسسني رجل وأتدنس كالمتزوجات .. سأعود الليلة، انتظريني الأم صوفيا

حذرتها بغلظة:

ـــ إياك، إياكِ أن تفعلي ذلك. أمكثِ بينهم

ــــ أقول لك سيزوجوني

ــــ أعلم أن شرط الرهبنة هو العذرية، ولكن لا تخشين شيئا . قابلي خاطبهم وارفضيه وتعللي بعدها بأي أمر

ردت مانويلا بنشيج:

ــــ أخاف ألا أجد أمراً أتعلل به، واُزف إليه وأعود إلى الدير ومعي عدة اطفال

قهقهت صوفيا وقالت:

ــــومن قال وقتها أننا سندخلك الدير بأطفالك  أيتها  المجنونة ههه لا تسكن الدير غير الفتاة العذراء ههه

ــــ  أتضحكين أيتها الأم صوفيا !!.. أصبحت أخاف من بقائي هنا

ــــ أخبرتك ألا تخشي شيئا . حتى وإن  تمت الخطبة بيدك تأجيل الزواج إلى أجل غير مسمى . لا أريد أن يشك في أمرك أحد . تصرفي وكأنك منهم واظهري فرحك وسرورك بالخاطب . أؤكد  عليكِ ألا تثيري الشك في تصرفاتك حتى تنجح مهمتنا وتحين اللحظة الحاسمة

ردت باكية:

ـــــ ... أمرك الأم صوفيا .. أمرك

أغلقت مانويلا الهاتف متضجرة..زفرت أنفاسها وأخذت تمسح وجهها باضطراب..ثم طرأ أمر على بالها فقالت:

ــــ سأهاتف الآب دانيال لأرى ما رأيه فيما أمرتني به الأم صوفيا . ربما يكن له رأي آخر ..مالي أنا ومال هذه الحياة الغريبة . يقشعر بدني كلما تذكرت كلمة زواج

رد دانيال على الهاتف:

ــــ مرحبا مانويلا . ها.. كيف حال الكافر كيفن  خائن يسوع عليه لعنات الرب ؟

 

ردت بحنق ناشجة:

ــــ يا آبانا دعك من خيانته ليسوع الآن وانظر ماذا هو فاعلُ بي هو وزوجته

ــــ ها!... ما الذي حدث ؟

ــــ إنهم يريدون تزويجي

هاج هائج القس:

ـــ تزويجك !! ماهذا الهراء!!  الراهبة لا تتزوج

ــــ وهل أخبرهم أنني راهبة كي يمزوقوني إرباً إرباً يا آبانا؟

ـــ تباً لهم، تباً. سأهاتف صوفيا لأنظر ما رأيها

ــــ يا آبانا قد هاتفتها منذ قليل وأخبرتها بالأمر

ــــ وماذا قالت صوفيا  ؟

ـــــ قالت لي أن أوافق، ولكن أؤجل  الزواج إلى أن تحين اللحظة الحاسمة للإنتقام،  وأعود إلى الدير عذراء كما أنا

ــــ نعم الرأي رأي صوفيا . إذن فلتوافقين على الأمر ولا تخشي شيئا . ستعودين إلى الدير في أقل من أربعة  أشهر

رجته مانويلا:

ــــ لا تتركوني لهم يا آبانا

ـــــ هم لن يعيشوا طويلا فلا تخافي ههه

ــــ يستحقون الإنتقام  وأكثر  يا آبانا . قلبي ممتلئ بغضاً تجاههم، ولا أطيق حتى النظر إلى وجوههم

ــــ هاها كلما سمعت منكِ ذلك أشعر أن صوفيا  أحسنت الإختيار. باركك الرب مانويلا الصالحة

ــــ اشكرك آبانا .... صلي من أجلي . اشتقت إلى حياتي في الدير واشتقت إلى مادلين

ــــ سأصلي من أجلك ... أعلم ان مادلين أيضاً مقربة إلى صوفيا

ـــ مقربة منها أكثر مني، ولكنها لم تخترها لأنها لا تستطيع الإستغناء عنها يوما في الدير

ــــ بارككم الرب جميعاً ... لا تجاسي الطبيبة كثيراً . فالمسلمون يتمتعون بحلو الحديث لاستمالة القلوب إليهم

ــــ لا تخشى شيئا يا آبانا . بغضي لهم أصم آذاني عن سماع أحاديثهم . كلما تحدثت لا أسمعها وأظل أرنم في سري وأطلب العفو من يسوع

ــــ هكذا يا مانويلا تكون المسيحية الصالحة... اذهبي الآن وهاتفيني كلما جد  جديد بالأمر

ـــــ سأفعل يا آبانا

*************************************

في غرفتهما قال عبد الله لعائشة:

ـــــ إذن فالآن يا عائشة أهاتف محمد وأخبره بأن يأتي وشقيقه غداً بمشيئة الله ليرى زينب

ــــ أرجو من الله أن يألف بين قلبيهما ويصبحا زوجين قريباً إن شاء الله

ــــ إن شاء الله حبيبتي .

رد محمد على الهاتف مستبشراً:

 

ــــ السلام عليكم يا عبد الله ههه لابد وأن هناك خبراً عن العروس

ــــ ههه وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . يمكنك أن تأتي أنت وشقيقك غداً للرؤية الشرعية

ــــ أخبرته بأمر العروس، وهو في انتظار مهاتفتي له ليستعد هو وأمي 

ــــ على بركة الله إن شاء الله . في انتظاركم بعد صلاة العشاء غداً بمشيئة الله 

ــــ هههه اشعر وكأنك والد لعروس يا عبد الله

ـــــ بل جدها يا رجل هههه

ـــــ ههههه بارك الله في عمرك يا عبد الله . سنكون عندكم في الموعد المتفق عليه إن شاء الله

وضع محمد الهاتف جانباً، فتنهدت حفصة وقالت:

ــــ مُحمد حبيبي

ـــــ ما الأمر حفصة حبيبتي

ــــ أما زلت مصراً على تزويج أخيك من هذه المرأة بعد أن صارحتك بشعوري منذ أن رأيتها ؟

قهقه محمد وقال:

ــــ وهل سيمشي الرجال وراء مشاعر النساء! .. حبيبتي ربما هي أجمل منك بعض الشيء، وهذا سبب ما تجديه في نفسك تجاهها هههه

ثارت ثائرتها:

ــــ أهكذا يا محمد!!  أنت لم تحول الأمر إلى سخرية فحسب، بل إلى استفزاز

ــــ ههه حبيبتي رفقا بنفسك . فقط أمازحك . مشاعر الغيرة لدى النساء أمرٌ اعتاد عليه الرجال ولا يمكنهم تغييرها

هزت رأسها متأففة وحاولت أن توضح عله يدرك مقصدها:

ــــ والله الأمر ليس غيرة، افهمني بالله . لِمَ لا تفهمني!! أقصد أن هناك شيء ما غامض وراء هذه المرأة

رد مازحاً:

ــــ لا عليكِ  حبيبتي . عندما يتزوجها أخي سيكشف لنا هذا الغموض ههه.

زفرت بحنق وقالت:

ــــ  أنتم  وشأنكم

ــــ ألن تأتي معنا غداً؟

ــــ لا

ــــ أنتِ وشأنك حبيبتي ههه

*********************************

 

انتهت الحلقة

التقيكم يوم الاثنين القادم إن شاء الله

لا تنسوا ذكر الله والصلاة على الحبيب عليه الصلاة والسلام والاستغفار

 

لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

استغفر الله وأتوب إليه

 

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

  1. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً طيباً مباركاً فيه 💞

    ما شاء الله وأخيرااااااااااً أسلمت نيكولا
    ما كنتش متوقعة بصراحة كنت فاكراها هتاخد وقت وتغلب عبدالله معاها وإن شاء الله أبوه كمان يسلم ويعلنوا اسلامهم ويعيشوا سعداء مع بعض ويبعد عنهم الاب زفتال والساحرة الشريرة
    ومانويلا دي هتعرف تتخلص من الورطة والعريس ولا هتتجوزه ويكشفوها
    في انتظار ما بجعبتك كاتبتنا الغالية 😘
    💞دُمتِ مُبدعة 💞

    ردحذف
  2. كاميليا محمد
    لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
    اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد
    الحلقة رائعة ومليئةبالاحداث الشيقةاقرأ الرواية وكأني معهم ومفاجأة اسلام ام عبدالله سبحان الله عندما فقدت ولدها وشعرت بقرب الموت تخلت عن عندها وشركها وشهدت لله بالوحدانيةاللهم اعز الاسلام وأمتنا علي التوحيد سلمت يداك 🌹❤️

    ردحذف
  3. الحمدلله كثيرا❤️اللهم صل و سلم و بارك على نبينا محمد❤️جزاكِ الله الجنة❤️

    ردحذف
  4. كنت متوقعة اسلام نيكولا سبحان الله
    وبالنسبة لزينب فأنا خائفة منها كما تخاف حفصة منها ولكن افكر في شأنها كثيرا
    لا تتأخري علينا في الحلقة فنحن في أشد الاشتياق

    ردحذف
  5. لا اله إلا الله ولا حول ولاقوة الابالله استغفرك ربي واتوب اليك
    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

    ردحذف
  6. ماتوقعتش إسلام نيكولا خالص
    سبحان الله فكرتها هترميه ف البحر بجد بقا
    سبحان مغير الأحوال يغير ولا يتغير
    فرحت جدا بتغيرها الحمد لله
    اكيد ابوه مش هيحتاج مجهود بردو ان شاء الله

    عائشة انا بجد متغاظة منها سايبة افعى ف بيتها
    ربنا يستر عليها

    اعوذ بالله من القساوسة انا بخاف من منظرهم وبحس بالخبث ف عينهم
    ربنا يحفظنا منهم

    جزاك الله خير يا استاذة هوبة 🥰🥰
    بحبك ف الله 💗

    ردحذف
  7. جزاك الله خيرا

    ردحذف

إرسال تعليق